باب: فَضِيلَةُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ عَلى الأُمَمِ


٢٣٨٧. (خ) (٣٤٥٩) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّما أجَلُكُم فِي أجَلِ مَن خَلا مِن الأمَمِ ما بَينَ صَلاةِ العَصرِ إلى مَغرِبِ الشَّمسِ، وإنَّما مَثَلُكُم ومَثَلُ اليَهُودِ والنَّصارى كَرَجُلٍ استَعمَلَ عُمّالًا، فَقالَ: مَن يَعمَلُ لِي إلى نِصفِ النَّهارِ عَلى قِيراطٍ قِيراطٍ؟ فَعَمِلَت اليَهُودُ إلى نِصفِ النَّهارِ عَلى قِيراطٍ قِيراطٍ، ثُمَّ قالَ: مَن يَعمَلُ لِي مِن نِصفِ النَّهارِ إلى صَلاةِ العَصرِ عَلى قِيراطٍ قِيراطٍ؟ فَعَمِلَت النَّصارى مِن نِصفِ النَّهارِ إلى صَلاةِ العَصرِ عَلى قِيراطٍ قِيراطٍ، ثُمَّ قالَ: مَن يَعمَلُ لِي مِن صَلاةِ العَصرِ إلى مَغرِبِ الشَّمسِ عَلى قِيراطَينِ قِيراطَينِ؟ ألا فَأَنتُم الَّذِينَ يَعمَلُونَ مِن صَلاةِ العَصرِ إلى مَغرِبِ الشَّمسِ عَلى قِيراطَينِ قِيراطَينِ، ألا لَكُم الأجرُ مَرَّتَينِ، فَغَضِبَت اليَهُودُ والنَّصارى فَقالَوا: نَحنُ أكثَرُ عَمَلًا وأَقَلُّ عَطاءً؟ قالَ اللهُ: هَل ظَلَمتُكم مِن حَقِّكُم شَيئًا؟ قالَوا: لا. قالَ: فَإنَّهُ فَضلِي أُعطِيهِ مَن شِئتُ».
- ( إنما أجلكم ) : أي نسبة حياتكم وبقائكم ، بالنسبة للأمم السابقة ، كنسبة وقت العصر إلى تمام النهار ، يريد أنها قصيرة ، ولكنها طويلة بالنسبة للعمل الزكي . " الصابوني "
- ( هل ظلمتكم ): أي هل أنقصتكم من أجركم شيئا ، قالوا : لا ، قال : فذلك فضلي أعطيه من أشاء من عبادي !! " الصابوني "
- تمثيل وتصوير بديع : هذا مثل مضروب لأهل الأديان السماوية الثلاثة ( اليهود ) و ( النصارى ) و ( المسلمين ) ، مثل لهم ﷺبمثل رجل ، استأجر أجراء للعمل عنده ، من الصباح إلى آخر النهار ، على أجر محدود معين !!
أما اليهود :
فاشتغلوا من الصباح إلى وقت الظهيرة ، ثم ملوا وتركوا العمل ، فقال لهم صاحبهم : أكملوا العمل ، وخذوا كامل الأجر ، فقد مضى نصف النهار ، فقالوا : لا حاجة لنا في أجرك !!
وأما النصارى :
فقيل لهم : اشتغلوا من الظهر إلى المساء ، ولكم الأجر كاملا ، فاشتغلوا من الظهر إلى العصر ، ثم ملوا وسئموا ، وتركوا العمل ، فقال لهم سيدهم الذي استأجرهم : أكملوا اليوم ، وخذوا كامل أجره ، فلم يبق منه إلا زمن قصير !! فقالوا : لقد تعبنا، ولا حاجة لنا في الأجر .
وأما المسلمون :
فقد قيل لهم : أكملوا بقية النهار ، ولكم أجر الفريقين كاملا ، فعملوا واشتغلوا حتى انتهى النهار ، فحصلوا على الأجر كاملا ، دون أن ينقص منه شيء ، فكانوا أقل عملا ، وأكثر أجرا وفضلا .
وهو تمثيل بديع ، وتصوير رائع لأمة محمد ﷺ، حيث جئنا في آخر الزمان ، ولكننا حصلنا على الكرامة ، من رب العزة والجلال { كنتم خير أمة أخرجت للناس} فنحن آخر الأمم وجودا ، وأولهم دخولا الجنة ، تحت لواء خاتم الأنبياء والمرسلين ﷺ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، لأننا أطعنا الله بتصديقنا لجميع الأنبياء والمرسلين ، ولم نكن مثل اليهود والنصارى ، فاليهود آمنوا بموسى ، وكفروا بعيسى ، وبمحمد ، والنصارى آمنوا بموسى وعيسى ، وكفروا بخاتم المرسلين ﷺ، فحرموا الأجر والكرامة وضيعوا أعمالهم ، فخابوا وخسروا .

باب: خَيْرُ القُرُونِ


٢٣٨٨. (خ م) (٢٥٣٥) عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّ خَيرَكُم قَرنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم» قالَ عِمرانُ: فَلا أدرِي؛ أقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَعدَ قَرنِهِ مَرَّتَينِ أو ثَلاثَةً؟ «ثُمَّ يَكُونُ بَعدَهُم قَومٌ يَشهَدُونَ ولا يُستَشهَدُونَ، ويَخُونُونَ ولا يُؤتَمَنُونَ، ويَنذِرُونَ ولا يُوفُونَ، ويَظهَرُ فِيهِم السِّمَنُ». وفي رواية (م) زادَ: «ويَحلِفُونَ ولا يُستَحلَفُونَ».
ورَوى (خ) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «بُعِثتُ مِن خَيرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرنًا فَقَرنًا، حَتّى كُنتُ مِن القَرْنِ الَّذِي كُنتُ فِيهِ».
٢٣٨٩. (خ م) (٢٥٣٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خَيرُ أُمَّتِي القَرنُ الَّذِينَ يَلُونِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ يَجِيءُ قَومٌ تَسبِقُ شَهادَةُ أحَدِهِم يَمِينَهُ، ويَمِينُهُ شَهادَتَهُ». وفي رواية: قالَ إبراهِيمُ: كانُوا يَنهَونَنا ونَحنُ غِلمانٌ عَنِ العَهدِ والشَّهاداتِ.
وفي رواية (خ): وكانُوا يَضرِبُونَنا عَلى الشَّهادَةِ والعَهدِ ونَحنُ صِغارٌ.
وفي رواية (م): «ثُمَّ يَتَخَلَّفُ مِن بَعدِهِم خَلْفٌ تَسبِقُ شَهادةُ ...» نحوه.
ورَوى (م) عَنْ عائِشَةَ قالَت: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ: أيُّ النّاسِ خَيرٌ؟ قالَ: «القَرنُ الَّذِي أنا فِيهِ، ثُمَّ الثّانِي، ثُمَّ الثّالِثُ».
- في الحديث بيان أفضلية الصحابة رضي الله عنهم ، ثم التابعين لهم ، ثم أتباع التابعين وأنهم خير الناس .
- فيه دلالة على أفضلية الصحابة الكرام ، فإنهم أفضل الناس ، وهم عدول مؤتمنون ، نالوا السبق إلى الخير ، بصحبتهم لرسول الله ﷺ، فليس فيهم من يُطعن فيه ، في دينه ، وأمانته ، وشهادته ." الصابوني "
- فيه بيان فضل التابعين ، الذين أدركوا حياة الصحابة ، واقتبسوا من أخلاقهم ومكارمهم ، ثم فضل التابعين لهم بإحسان ، وهم أتباع التابعين ، رضوان الله عليهم أجمعين . " الصابوني "
- فيه ذم الخونة الذين يكثرون في آخر الزمان ، ومن صفاتهم أنهم يكذبون ولا يصدقون ، ويخونون ولا يؤتمنون . " الصابوني "
- فيه التغليظ على شهادة الزور ، والذين لا يوفون بالنذور ، وهي صفات أهل النفاق ، خلافا لأهل الإيمان . " الصابوني "
- فيه ذم الذين يتوسعون في المآكل والمشارب ، وهي أسباب ظهور السمنة ، وهم أهل السرف والترف . " الصابوني "
- بيان من ترد شهادتهم وهم من اتصف بالصفات المذكورة في الأحاديث .
- التحذير من التهاون بأمر الشهادة واليمين .
- حسن تأديب السلف لصغارهم على الورع وتعظيم أمر الحلف بالشهادة والعهد .
- قال ابن حجر : واستدل بهذا الحديث على تعديل أهل القرون الثلاثة وإن تفاوتت منازلهم في الفضل، وهذا محمول على الغالب والأكثرية، فقد وجد فيمن بعد الصحابة من القرنين من وجدت فيه الصفات المذكورة المذمومة لكن بقلة، بخلاف من بعد القرون الثلاثة فإن ذلك كثر فيهم .
- المراد بالسمن هنا : كثرة اللحم ، ومعناه أنه يكثر ذلك فيهم ، وليس معناه أن يتمحضوا سمانا . قالوا : والمذموم منه من يستكسبه ، وأما من هو فيه خلقة فلا يدخل في هذا ، والمتكسب له هو المتوسع في المأكول والمشروب زائدا على المعتاد ، وقيل : المراد بالسمن هنا أنهم يتكثرون بما ليس فيهم، ويدعون ما ليس لهم من الشرف وغيره ، وقيل : المراد جمعهم الأموال . ( النووي )
- قوله ﷺ: ( ويخونون ولا يؤتمنون ) معناه يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى معها أمانة، بخلاف من خان بحقير مرة واحدة، فإنه يصدق عليه أنه خان، ولا يخرج به عن الأمانة في بعض المواطن. ( النووي )

باب: بَقاءُ النَّبِيِّ ﷺ أمَنَةٌ لِأَصْحابِهِ وبَقاءُ أصْحابِهِ أمَنَةٌ لأُمَّتِهِ


٢٣٩٠. (م) (٢٥٣١) عَنْ أبِي مُوسى الأَشْعَرِيِّ ﵁ قالَ: صَلَّينا المَغرِبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ثُمَّ قُلنا: لَو جَلَسنا حَتّى نُصَلِّيَ مَعَهُ العِشاءَ، قالَ: فَجَلَسنا، فَخَرَجَ عَلَينا فَقالَ: «ما زِلتُم ها هُنا؟» قُلنا: يا رَسُولَ اللهِ؛ صَلَّينا مَعَكَ المَغرِبَ ثُمَّ قُلنا: نَجلِسُ حَتّى نُصَلِّيَ مَعَكَ العِشاءَ. قالَ: «أحسَنتُم، أو أصَبتُم». قالَ: فَرَفَعَ رَأسَهُ إلى السَّماءِ وكانَ كَثِيرًا مِمّا يَرفَعُ رَأسَهُ إلى السَّماءِ فَقالَ: «النُّجُوم أمَنَةٌ لِلسَّماءِ، فَإذا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أتى السَّماءَ ما تُوعَدُ، وأَنا أمَنَةٌ لأَصحابِي، فَإذا ذَهَبتُ أتى أصحابِي ما يُوعَدُونَ، وأَصحابِي أمَنَةٌ لأُمَّتِي، فَإذا ذَهَبَ أصحابِي أتى أُمَّتِي ما يُوعَدُونَ».
- قال النووي : معنى الحديث : أن النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية ، فإذا انكدرت النجوم ، وتناثرت في القيامة وهنت السماء ، فانفطرت وانشقت وذهبت.
- وكذلك هو ﷺكان أمنا لصحابته, وهديه أمناً لأمته فهو الرحمة المهداة { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }.

باب: فَضْلُ أُوَيْسِ بْنِ عامِرٍ القَرَنِيِّ


٢٣٩١. (م) (٢٥٤٢) عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جابِرٍ قالَ: كانَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ﵁ إذا أتى عَلَيهِ أمدادُ أهلِ اليَمَنِ سَأَلَهُم: أفِيكُم أُوَيسُ بنُ عامِرٍ؟ حَتّى أتى عَلى أُوَيسٍ فَقالَ: أنتَ أُوَيسُ بنُ عامِرٍ؟ قالَ: نَعَم. قالَ: مِن مُرادٍ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ؟ قالَ: نَعَم. قالَ: فَكانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأتَ مِنهُ إلا مَوضِعَ دِرهَمٍ؟ قالَ: نَعَم. قالَ: لَكَ والِدَةٌ؟ قالَ: نَعَم. قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «يَأتِي عَلَيكُم أُوَيسُ بنُ عامِرٍ مَعَ أمدادِ أهلِ اليَمَنِ، مِن مُرادٍ ثُمَّ مِن قَرَنٍ، كانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنهُ إلا مَوضِعَ دِرهَمٍ، لَهُ والِدَةٌ هُوَ بِها بَرٌّ، لَو أقسَمَ عَلى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإنِ استَطَعتَ أن يَستَغفِرَ لَكَ فافعَل». فاستَغفِر لِي. فاستَغفَرَ لَهُ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ: أينَ تُرِيدُ؟ قالَ: الكُوفَةَ. قالَ: ألا أكتُبُ لَكَ إلى عامِلِها؟ قالَ: أكُونُ فِي غَبراءِ النّاسِ أحَبُّ إلَيَّ. قالَ: فَلَمّا كانَ مِنَ العامِ المُقبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِن أشرافِهِم فَوافَقَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَن أُوَيسٍ، قالَ: تَرَكتُهُ رَثَّ البَيتِ قَلِيلَ المَتاعِ. قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «يَأتِي عَلَيكُم أُوَيسُ بنُ عامِرٍ مَعَ أمدادِ أهلِ اليَمَنِ، مِن مُرادٍ ثُمَّ مِن قَرَنٍ، كانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنهُ إلا مَوضِعَ دِرهَمٍ، لَهُ والِدَةٌ هُوَ بِها بَرٌّ، لَو أقسَمَ عَلى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإنِ استَطَعتَ أن يَستَغفِرَ لَكَ فافعَل». فَأَتى أُوَيسًا، فَقالَ: استَغفِر لِي. قالَ: أنتَ أحدَثُ عَهدًا بِسَفَرٍ صالِحٍ، فاستَغفِر لِي. قالَ: استَغفِر لِي. قالَ: أنتَ أحدَثُ عَهدًا بِسَفَرٍ صالِحٍ، فاستَغفِر لِي. قالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قالَ: نَعَم. فاستَغفَرَ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النّاسُ، فانطَلَقَ عَلى وجهِهِ، قالَ أُسَيرٌ: وكَسَوتُهُ بُردَةً فَكانَ كُلَّما رَآهُ إنسانٌ قالَ: مِن أينَ لأُوَيسٍ هَذِهِ البُردَةُ؟
-بيان معجزات ظاهرة لرسول الله ﷺحيث أخبر بصفة أويس رحمه الله ، فوجد طبقا لما أخبر به .
- قوله ﷺ: ( فمن لقيه منكم فليستغفر لكم ) وفي الرواية الأخرى قال لعمر : ( فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل )، في هذا منقبة ظاهرة لأويس رضي الله عنه ، وفيه استحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح ، وإن كان الطالب أفضل منهم .
- فيه فضيلة بر الوالدين.
- قوله " ففطن له الناس، فانطلق على وجهه " : أي أخفى أمر نفسه ؛ لئلا يشتهر مخافة الفتنة. ( القاضي عياض )
- قوله: " أنت أحدث عهد بسفر صالح، فاستغفر لي ": فيه رجاء قبول من جاء من جهاد, أو حج, أو سفر طاعة. ( القاضي عياض )

باب: وصِيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ بِأَهْلِ مِصْرَ


٢٣٩٢. (م) (٢٥٤٣) عَنْ أبِي ذَرٍّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّكُم سَتَفتَحُونَ أرضًا يُذكَرُ فِيها القِيراطُ، فاستَوصُوا بِأَهلِها خَيرًا، فَإنَّ لَهُم ذِمَّةً ورَحِمًا، فَإذا رَأَيتُم رَجُلَينِ يَقتَتِلانِ فِي مَوضِعِ لَبِنَةٍ فاخرُج مِنها». قالَ: فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وعَبدِ الرَّحْمَنِ ابنَي شُرَحبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ يَتَنازعانِ فِي مَوضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجَ مِنها.
وفي رواية: «أو قالَ ذِمَّةً وصِهرًا».
- بيان فضل أهل مصر ، لأن النبي ﷺأوصى بهم .
- وفيه معجزات ظاهرة لرسول الله ﷺ، منها : إخباره بأن الأمة تكون لهم قوة وشوكة بعده بحيث يقهرون العجم والجبابرة ، ومنها أنهم يفتحون مصر ، ومنها تنازع الرجلين في موضع اللبنة ، ووقع كل ذلك ولله الحمد . ( النووي )

باب: فَضْلُ أهْلِ عُمانَ


٢٣٩٣. (م) (٢٥٤٤) عَنْ أبِي بَرْزَةَ ﵁ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا إلى حَيٍّ مِن أحياءِ العَرَبِ فَسَبُّوهُ وضَرَبُوهُ، فَجاءَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَخبَرَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَو أنَّ أهلَ عُمانَ أتَيتَ ما سَبُّوكَ ولا ضَرَبُوكَ».
- فيه منقبة وفضل لأهل عمان بالثناء عليهم .

باب: تَجِدُونَ النّاسَ مَعادِنَ


٢٣٩٤. (خ م) (٢٥٢٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «تَجِدُونَ النّاسَ مَعادِنَ، فَخِيارُهُم فِي الجاهِلِيّةِ خِيارُهُم فِي الإسلامِ إذا فَقُهُوا، وتَجِدُونَ مِن خَيرِ النّاسِ فِي هَذا الأَمرِ أكرَهُهُم لَهُ قَبلَ أن يَقَعَ فِيهِ، وتَجِدُونَ مِن شِرارِ النّاسِ ذا الوَجهَينِ؛ الَّذِي يَأتِي هَؤُلاءِ بِوَجهٍ وهَؤُلاءِ بِوَجهٍ». وفي رواية: «تَجِدُونَ مِن خَيرِ النّاسِ فِي هَذا الشَّأنِ أشدَّهُم لهُ كَراهِيَةً حتّى يَقَعَ فيهِ»، وفي رواية (خ) زادَ: «تَجِدُونَ مِن شَرِّالنّاسِ عِندَ اللهِ يَومَ القِيامَةِ ...».
- فيه الإشادة بأهل التفقه في الدين . " الصابوني"
- بيان تفاوت الناس في مراتبهم ، وأنهم كمعادن الذهب والفضة، حيث تشتمل على النفيس والخسيس .
- أن الإنسان يشرف بقدر ما عنده من الفقه في الدين .
- بيان أن الإسلام لا ينقص الشريف عن شرفه بل يزيد شرفا على شرفه .
- " وفقهوا " بضم القاف على المشهور ، وحكي كسرها ، أي صاروا فقهاء وعلماء . والمعادن الأصول ، وإذا كانت الأصول شريفة كانت الفروع كذلك غالبا . والفضيلة في الإسلام بالتقوى ، ولكن إذا انضم إليها شرف النسب ازدادت فضلا . ( النووي )
- قوله ﷺ: ( وتجدون من خير الناس في هذا الأمر أشدهم له كراهية حتى يقع فيه ) : يحتمل أن المراد به الإسلام كما كان من عمر بن الخطاب ، وخالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، وغيره من مسلمة الفتح ، وغيرهم ممن كان يكره الإسلام كراهية شديدة ، لما دخل فيه أخلص ، وأحبه ، وجاهد فيه حق جهاده . ويحتمل أن المراد بالأمر في ذي الوجهين هنا : الولايات لأنه إذا أعطيها من غير مسألة أعين عليها . ( القاضي عياض )
- قوله ﷺفي ذي الوجهين ( إنه من شرار الناس ) ، فسببه ظاهر ، لأنه نفاق محض ، وكذب وخداع ، وتحيل على اطلاعه على أسرار الطائفتين ، وهو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها ، ويظهر لها أنه منها في خير أو شر ، وهي مداهنة محرمة . ( النووي )

باب: لا تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وعَلى الأَرْضِ نَفْسٌ مَنفُوسَةٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْها


٢٣٩٥. (خ م) (٢٥٣٧) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: صَلّى بِنا رَسُولُ اللهِ ﷺ ذاتَ لَيلَةٍ صَلاةَ العِشاءِ فِي آخِرِ حَياتِهِ، فَلَمّا سَلَّمَ قامَ فَقالَ: «أرَأَيتَكُم لَيلَتَكُم هَذِهِ، فَإنَّ عَلى رَأسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنها لا يَبقى مِمَّن هُوَ عَلى ظَهرِ الأَرضِ أحَدٌ». قالَ ابنُ عُمَرَ ﵁: فَوَهَلَ النّاسُ فِي مَقالَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ تِلكَ؛ فِيما يَتَحَدَّثُونَ مِن هَذِهِ الأَحادِيثِ عَن مِائَةِ سَنَةٍ، وإنَّما قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يَبقى مِمَّن هُوَ اليَومَ عَلى ظَهرِ الأَرضِ أحَدٌ». يُرِيدُ بِذَلكَ أن يَنخَرِمَ ذَلكَ القَرنُ.
ورَوى (م) عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يقولُ قَبلَ أن يَمُوتَ ِبشَهرٍ: «تَسأَلُونِي عَنِ السّاعَةِ؟ وإنَّما عِلمُها عِنْدَ اللهِ، وأُقسِمُ باللهِ ما عَلى الأرضِ من نَفسٍ مَنفُوسَةٍ تَأتِي عَلَيها مِائةُ سَنةٍ». وفي رواية زادَ: «وهِيَ حَيَّةٌ يومئذٍ».
- ( فلما سلم ) : أي انتهى من صلاته التفت إلى أصحابه متحدثا معهم فقال : " أرأيتكم ليلتكم هذه " أي أخبروني عن ليلتكم هذه ، احفظوها ، واحفظوا تاريخها . " الصابوني "
- ( على رأس مائة سنة ) : أي بعد مائة سنة من هذه الليلة ، لا يبقى أحد ممن هو على ظهرها الآن – يريد من الحاضرين في زمانه - ." الصابوني"
- ( فوهل ): أي غلط وذهب وهمه إلى غير الصواب . والمعنى أن الصحابة أخذوا يفسرون هذا الحديث تفسيرات خاطئة في مجالسهم . " الصابوني "
- ( ينخرم ذلك القرن ) : أي ينقطع وينقضي .
- بيان علم من أعلام النبوة ، حيث أخبر النبي ﷺبانخرام قرنه خلال مائة سنة ، فوقع كما أخبر ﷺ.
- بيان قصر أعمار أمته ، حيث إن معظمهم لا يتجاوز مائة سنة .
- فيه جواز السهر في الليل لطلب العلم ، وكل ما فيه خير ومصلحة للناس . " الصابوني "
- فيه الإخبار عن أمر غيبي ، أوحاه الله إليه ، بأنه لا يبقى أحد من البشر ، ممن هو في عصر النبي ﷺإلا وينتهي أجله ، وقد حدث كما قال ﷺفي عصره ." الصابوني "
- فيه التذكير للخلائق بأن الأعمار في آخر الزمان تكون قصيرة ، كما جاء في الصحيح ( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ، وقليل منهم من يجوز ذلك ) رواه الترمذي في الزهد . " الصابوني "

باب: الـنَّهْيُ عَنْ سَبِّ أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ


٢٣٩٦. (خ م) (٢٥٤١) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: (كانَ بَينَ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ وبَينَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوفٍ شَيءٌ، فَسَبَّهُ خالِدٌ)، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا تَسُبُّوا أحَدًا مِن أصحابِي، فَإنَّ أحَدَكُم لَو أنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما أدرَكَ مُدَّ أحَدِهِم ولا نَصِيفَهُ». لَفظُ (خ): «ما بَلَغَ مُدَّ ..».
- بيان فضل أصحاب النبي ﷺرضوان الله عليهم على سائر الأمة المحمدية .
- بيان وجوب احترام الصحابة رضي الله عنهم ، والنهي عن سبهم .
- أن النفقة من أصحاب النبي ﷺلا يعادلها أي إنفاق من غيرهم ، مهما كان كبيرا وعظيما .
- بيان فضائل الصحابة رضي الله عنهم ، فلا ينال أحد بعدهم بإنفاق مثل أحد ذهبا – من الفضل والأجر ، ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه ، والنصيف : النصف .
- التحذير من النيل من واحد من الصحابة رضوان الله عليهم ، بسب أو انتقاص لقدره ، أو بغض له .
- سئل الإمام مالك عن حكم من يبغض الصحابة رضوان الله عليهم ، فقال : " لا يغتاظ منهم إلا كافر وتلا قوله تعالى : { ليغيظ بهم الكفار }.
- قال النووي : واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات.
- وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال ، بخلاف غيرهم ، ولأن إنفاقهم كان في نصرته ﷺوحمايته ، وذلك معدوم بعده ، وكذا جهادهم وسائر طاعاتهم، وقد قال الله تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة } ، هذا كله مع ما كان في أنفسهم من الشفقة, والتودد, والخشوع. والتواضع, والإيثار, والجهاد في الله حق جهاده ، وفضيلة الصحبة ، ولو لحظة لا يوازيها عمل ، ولا ينال درجتها بشيء ، والفضائل لا تؤخذ بقياس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . ( النووي )

باب: ما جاءَ فِـي رِجالِ فارِسَ


٢٣٩٧. (خ م) (٢٥٤٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: كُنّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، إذ نَزَلَت عَلَيهِ سُورَةُ الجُمُعَةِ، فَلَمّا قَرَأَ: ﴿وآخَرِينَ مِنهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ [الجمعة: ٣]، قالَ (رَجُلٌ): مَن هَؤُلاءِ يا رَسُولَ اللهِ؟ فَلَم يُراجِعهُ النَّبِيُّ ﷺ، حَتّى سَأَلَهُ مَرَّةً أو مَرَّتَينِ أو ثَلاثًا، قالَ: وفِينا سَلمانُ الفارِسِيُّ، قالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ عَلى سَلمانَ، ثُمَّ قالَ: «لَو كانَ الإيمانُ عِنْدَ الثُّرَيّا لَنالَهُ رِجالٌ مِن هَؤُلاءِ». وفي رواية (م): «... لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِن فارِسَ، أو قالَ: مِن أبناءِ فارِسَ حَتّى يَتَناوَلَهُ».
- بيان فضل فارس ، وأن لهم اليد الطولى في نشر الدين والعلم ، وذلك في زمن الصحابة ، ومن تبعهم بإحسان ، ولا عبرة بما حصل في الأزمان المتأخرة من انحرافهم ، وتشيعهم .
- فضيلة ظاهرة لهم ، وجواز استعمال المجاز والمبالغة في مواضعها . " النووي "
- بيان معجزة للنبي ﷺحيث أخبر بما سيقع ، فوقع طبق ما أخبر به ﷺ.

٢٣٩٨. (خ) (٣٩٤٦) عَنْ سَلْمانَ الفارِسِيِّ ﵁؛ أنَّهُ تَداوَلَهُ بِضعَةَ عَشَرَ مِن رَبٍّ إلى رَبٍّ.
ورَوى (خ) عَن أبِي عُثمانَ قالَ: سَمِعتُ سَلمانَ ﵁ يَقُولُ: أنا مِن رامَ هُرمُزَ.
- بيان المدة الزمنية بين عيسى عليه السلام ومبعث النبي ﷺ.
- سلمان رضي الله عنه أسلم بعد أن تداوله جماعة بالرق ، وبعد أن هاجر من وطنه وغاب عنه هذه المدة الطويلة حتى منَّ الله عليه بالإسلام طوعا . " ابن حجر "

باب: الـنّاسُ كَإبِلٍ مِائَةٍ لا تَجِدُ فِيها راحِلَةً


٢٣٩٩. (خ م) (٢٥٤٧) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَجِدُونَ النّاسَ كَإبِلٍ مِائَةٍ، لا يَجِدُ الرَّجُل فِيها راحِلَةً».
- الذي يناسب التمثيل أن الرجل الفاضل الذي يحمل هموم الناس، ويكشف كربهم عزيز الوجود، كالراحلة في الإبل الكثيرة . ( القرطبي )
- قال الخطابي : تأولوا هذا الحديث على وجهين : أحدهما : أن الناس في أحكام الدين سواء لا فضل فيها لشريف على مشروف ولا لرفيع على وضيع كالإبل المائة التي لا يكون فيها راحلة وهي التي ترحل وتركب ، والراحلة أي كلها حمولة تصلح للحمل ولا تصلح للرحل والركوب عليها .
والثاني : أن أكثر الناس أهل نقص : وأما أهل الفضل فعددهم قليل جدا ، فهم بمنزلة الراحلة في الإبل الحمولة . " ابن حجر "
- المراد : أن المرضي المنتخب من الناس الصالح للصحبة سهل الانقياد عسر وجوده، كالنجيبة الصالحة للركوب التي لا توجد في الإبل الكثيرة القوية على الأحمال والأسفار، فذكر المائة للتكثير لا للتحديد. ( الملا علي قاري )

باب: ذِكْرُ كَذّابِ ثَقِيفٍ ومُبِيرِها


٢٤٠٠. (م) (٢٥٤٥) عَنْ أبِي نَوْفَلٍ قالَ: رَأَيتُ عَبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ ﵄ عَلى عَقَبَةِ المَدِينَةِ، قالَ: فَجَعَلَت قُرَيشٌ تَمُرُّ عَلَيهِ والنّاسُ، حَتّى مَرَّ عَلَيهِ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ فَوَقَفَ عَلَيهِ فَقالَ: السَّلامُ عَلَيكَ أبا خُبَيبٍ، السَّلامُ عَلَيكَ أبا خُبَيبٍ، السَّلامُ عَلَيكَ أبا خُبَيبٍ، أما واللهِ لَقَد كُنتُ أنهاكَ عَن هَذا، أما واللهِ لَقَد كُنتُ أنهاكَ عَن هَذا، أما واللهِ لَقَد كُنتُ أنهاكَ عَن هَذا، أما واللهِ إن كُنتَ ما عَلِمتُ صَوّامًا قَوّامًا وصُولًا لِلرَّحِمِ، أما واللهِ لأُمَّةٌ أنتَ أشَرُّها لأُمَّةٌ خَيرٌ. ثُمَّ نَفَذَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ ﵁، فَبَلَغَ الحَجّاجَ مَوقِفُ عَبْدِ اللهِ وقَولُهُ، فَأَرسَلَ إلَيهِ فَأُنزِلَ عَن جِذعِهِ فَأُلقِيَ فِي قُبُورِ اليَهُودِ، ثُمَّ أرسَلَ إلى أُمِّهِ أسماءَ بِنتِ أبِي بَكرٍ فَأَبَت أن تَأتِيَهُ، فَأَعادَ عَلَيها الرَّسُولَ؛ لَتَأتِيَنِّي أو لأَبعَثَنَّ إلَيكِ مَن يَسحَبُكِ بِقُرُونِكِ، قالَ: فَأَبَت وقالَت: واللهِ لا آتِيكَ حَتّى تَبعَثَ إلَيَّ مَن يَسحَبُنِي بِقُرُونِي. قالَ: فقالَ: أرُونِي سِبتَيَّ. فَأَخَذَ نَعلَيهِ، ثُمَّ انطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتّى دَخَلَ عَلَيها، فَقالَ: كَيفَ رَأَيتِنِي صَنَعتُ بِعَدُوِّ اللهِ؟ قالَت: رَأَيتُكَ أفسَدتَ عَلَيهِ دُنياهُ وأَفسَد عَلَيكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِي أنَّكَ تَقُولُ لَهُ: يا ابنَ ذاتِ النِّطاقينِ، أنا واللهِ ذاتُ النِّطاقَينِ، أمّا أحَدُهُما فَكُنتُ أرفَعُ بِهِ طَعامَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وطَعامَ أبِي بَكرٍ مِنَ الدَّوابِّ، وأَمّا الآخَرُ فَنِطاقُ المَرأَةِ الَّتِي لا تَستَغنِي عَنهُ، أما إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ حَدَّثَنا: «أنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذّابًا ومُبِيرًا». فَأَمّا الكَذّابُ فَرَأَيناهُ، وأَمّا المُبِيرُ فَلا إخالُكَ إلا إيّاهُ. قالَ: فَقامَ عَنها ولَم يُراجِعها.
- بيان معلم من أعلام النبوة ومعجزة ظاهرة حيث أخبر ﷺبأن في ثقيف سيكون كذاب، ومبير ، فوقع كما أخبر ﷺ.
- فيه بيان استحباب السلام على الميت في قبره وغيره، كما سلم ابن عمر على عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما
- فيه الثناء على الموتى بجميل صفاتهم المعروفة .
- قوله : ( ذات النطاقين ) قال العلماء : النطاق أن تلبس المرأة ثوبها ، ثم تشد وسطها بشيء ، وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل ، تفعل ذلك عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها . وسميت أسماء ذات النطاقين؛ لأنها شقت نطاقها الواحد نصفين ، فجعلت أحدهما نطاقا صغيرا ، واكتفت به ، والآخر لسفرة النبي ﷺوأبي بكر رضي الله عنه . ( النووي )

كِتابُ البِرِّ والصِّلَةِ والآدابِ


باب: فِـي البِرِّ والإثْمِ


٢٤٠١. (م) (٢٥٥٣) عَنِ النَّوّاسِ بْنِ سِمْعانَ ﵁ قالَ: أقَمتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِالمَدِينَةِ سَنَةً ما يَمنَعُنِي مِنَ الهِجرَةِ إلاَّ المَسأَلَةُ، كانَ أحَدُنا إذا هاجَرَ لَم يَسأَل رَسُولَ اللهِ ﷺ عَن شَيءٍ. قالَ: فَسَأَلتُهُ عَنِ البِرِّ والإثمِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ، والإثمُ ما حاكَ فِي نَفسِكَ وكَرِهتَ أن يَطَّلِعَ عَلَيهِ النّاسُ». وفي رواية: «والإثمُ ما حاكَ فِي صَدرِكَ».
- في الحديث فضيلة للنواس بن سمعان .
- قال العلماء : البر يكون بمعنى الصلة ، وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة, والعشرة ، وبمعنى الطاعة ، وهذه الأمور هي مجامع الخلق . ومعنى ( حاك في صدرك ) أي تحرك فيه ، وتردد ، ولم ينشرح له الصدر ، وحصل في القلب منه الشك ، وخوف كونه ذنبا . ( النووي )
- قوله : ( ما منعني من الهجرة إلا المسألة كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل رسول الله ﷺعن شيء ) معناه أنه أقام بالمدينة كالزائر من غير نقله إليها من وطنه لاستيطانها ، وما منعه من الهجرة، وهي الانتقال من الوطن واستيطان المدينة إلا الرغبة في سؤال رسول الله ﷺعن أمور الدين، فإنه كان سمح بذلك للطارئين دون المهاجرين، وكان المهاجرون يفرحون بسؤال الغرباء الطارئين من الأعراب وغيرهم ؛ لأنهم يحتملون في السؤال ويعذرون، ويستفيد المهاجرون . (القاضي عياض )

باب: فِـي بِرِّ الوالِدَيْنِ


٢٤٠٢. (خ م) (٢٥٤٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: مَن أحَقُّ النّاسِ بِحُسنِ صَحابَتِي؟ قالَ: «أُمُّكَ». قالَ: ثُمَّ مَن؟ قالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قالَ: ثُمَّ مَن؟ قالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قالَ: ثُمَّ مَن؟ قالَ: «ثُمَّ أبُوكَ». وفي رواية (م) زادَ: «.. ثُمَّ أبُوكَ، ثُمَّ أدناكَ أدناك». وفي رواية (م) زادَ: «نَعَم، وأَبِيك لَتُنَبَّأنّ».
- فيه أن حسن الصحبة مع الخلق ، واجب مع جميع الناس؛ لقوله تعالى : { وقولوا للناس حسنا }. " الصابوني "
- فيه أن حق الأم على ولدها ، أعظم من حق الأب ، ولذلك أوصى الرسول ﷺبها ثلاثا . " الصابوني "
- فيه أن الجهاد في خدمة الوالدين ، يعدل الجهاد في سبيل الله ، لحديث : قال رجل لرسول الله ﷺ: أريد أن أجاهد في سبيل الله ، قال : " ألك أبوان ؟ " قال نعم ، قال : " ففيهما فجاهد " رواه البخاري " الصابوني "
- فيه حرص الصحابة على أمور دينهم ، وسؤالهم عما يحتاجون إليه مما يجهلون .
- سعة صدره ﷺ، وإجابته عن السؤال مع التكرار .
- قوله : " من أحق الناس بحسن صحبتي ؟ " قال النووي : فيه الحث على بر الأقارب ، وأن الأم أحقهم بذلك ، ثم بعدها الأب ، ثم الأقرب فالأقرب .
- قال العلماء : وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه ، وشفقتها ، وخدمتها ، ومعاناة المشاق في حمله ، ثم وضعه ، ثم إرضاعه ، ثم تربيته وخدمته وتمريضه ، وغير ذلك .

٢٤٠٣. (م) (٢٥٥١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «رَغِمَ أنفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنفُ». قِيلَ: مَن يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «مَن أدرَكَ أبَوَيهِ عِنْدَ الكِبَرِ أحَدَهُما أو كِلَيهِما فَلَم يَدخُلِ الجَنَّةَ». وفي رواية: «رَغِمَ أنفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنفُهُ».
- في قوله " ثم لم يدخل الجنة " استبعاد، يعني ذلك وخاب وخسر من أدرك تلك الفرصة التي هي موجبة للفلاح والفوز بالجنة ثم لم ينتهزها, وانتهازها هو ما اشتمل عليه قوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما} إلى قوله: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}؛ فإنه دل على الاجتناب عن جميع الأقوال المحرمة، والإتيان بجميع كرائم الأقوال والأفعال، من التواضع والخدمة والإنفاق عليهما، ثم الدعاء لهما في العاقبة. ( الطيبي )
-فإن قلت : بين لي الفرق بين قوله ﷺعليه السلام: " عند الكبر" وقوله تعالى: {عندك الكبر}؟ قلت: معنى "عندك" أن يكبرا ويعجزا وكانا كلّا عليك، ولا كافل لهما غيرك فهما عندك وفي بيتك وكتفك.
ومعنى {عندك الكبر} في حال حضوره ومكان حصوله، أي تدركهما والحال أنهما عاجزان، والضعف ممكن فيهما وكأنهما لحم على وضم، فتزاول إنقاذهما من تلك الورطة بالإحسان قولا، وخفض الجناح بالذل فعلا، وطلب الرحمة من الله تعالى فإنه يدل على الاعتراف بالعجز والقصور في أداء حقهما، والإحالة على الله تعالى ورحمته؛ لأنه هو الكافي والحسيب. وإليه الإشارة بقوله تعالى: {كما ربياني صغيرا} كما يقال : أدركته وهو في ورطة الهلاك فأنقذته منها. ( الطيبي )

٢٤٠٤. (م) (٢٥٥٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄: أنَّهُ كانَ إذا خَرَجَ إلى مَكَّةَ كانَ لَهُ حِمارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيهِ إذا مَلَّ رُكُوبَ الرّاحِلَةِ وعِمامَةٌ يَشُدُّ بِها رَأسَهُ، فَبَينا هُوَ يَومًا عَلى ذَلِكَ الحِمارِ إذ مَرَّ بِهِ أعرابِيٌّ فَقالَ: ألَستَ ابنَ فُلانِ بْنِ فُلانٍ؟ قالَ: بَلى. فَأَعطاهُ الحِمارَ وقالَ: ارْكَبْ هَذا، والعِمامَةَ قالَ: اشْدُدْ بِها عَلى رَأْسِكَ. فَقالَ لَهُ بَعْضُ أصْحابِهِ: غَفَرَ اللهُ لَكَ؛ أعْطَيْتَ هَذا الأَعْرابِيَّ حِمارًا كُنْتَ تُرَوِّحُ عَلَيْهِ وعِمامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِها رَأْسَكَ. فَقالَ: إنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ مِن أبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أهلَ وُدِّ أبِيهِ بَعدَ أن يُوَلِّيَ». وإنَّ أباهُ كانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ.
- فيه قوة ودقة عمل ابن عمر بالسنة .
- فيه أن بر أقارب الميت ينفع الميت ، وقد روى أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه : " أن رجلا من بني سلمة جاء النبي ﷺ، فقال : يا رسول الله ، هل بقي علي من بر أبوي شيء ، أبراهما بعد وفاتهما ؟ قال : نعم . الصلاة عليهما " أي الدعاء لهما " والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما " .
- قوله ﷺ: ( إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه ) في هذا فضل صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإكرامهم ، وهو متضمن لبر الأب وإكرامه ، لكونه بسببه ، وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ والزوج والزوجة ، كما جاءت الأحاديث في إكرامه ﷺخلائل خديجة رضي الله عنها. ( النووي )
- فيه بيان أن بر الوالدين لا ينقطع بموتهما .

باب: تَقْدِيمُ بِرِّ الوالِدَيْنِ عَلى نافِلَةِ العِبادَةِ


٢٤٠٥. (خ م) (٢٥٥٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَم يَتَكَلَّم فِي المَهدِ إلا ثَلاثَةٌ: عِيسى ابنُ مَريَمَ، وصاحِبُ جُرَيجٍ، وكانَ جُرَيجٌ رَجُلًا عابِدًا، فاتَّخَذَ صَومَعَةً، فَكانَ فِيها، فَأَتَتهُ أُمُّهُ وهُوَ يُصَلِّي، فَقالَت: يا جُرَيجُ. فَقالَ: يا رَبِّ؛ أُمِّي وصَلاتِي. (فَأَقبَلَ عَلى صَلاتِهِ، فانصَرَفَت، فَلَمّا كانَ مِن الغَدِ) أتَتهُ وهُوَ يُصَلِّي، فَقالَت: يا جُرَيجُ. فَقالَ: يا رَبِّ؛ أُمِّي وصَلاتِي. (فَأَقبَلَ عَلى صَلاتِهِ، فانصَرَفَت، فَلَمّا كانَ مِن الغَدِ) أتَتهُ وهُوَ يُصَلِّي، فَقالَت: يا جُرَيجُ. فَقالَ: أي رَبِّ؛ أُمِّي وصَلاتِي. فَأَقبَلَ عَلى صَلاتِهِ، فَقالَت: اللَّهُمَّ لا تُمِتهُ حَتّى يَنظُرَ إلى وُجُوهِ المُومِساتِ. (فَتَذاكَرَ بَنُو إسرائِيلَ جُرَيجًا وعِبادَتَهُ، وكانَت امرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسنِها)، فَقالَت: إن شِئتُم لأَفتِنَنَّهُ لَكُم. قالَ: فَتَعَرَّضَت لَهُ، فَلَم يَلتَفِت إلَيها، فَأَتَت راعِيًا كانَ يَأوِي إلى صَومَعَتِهِ، فَأَمكَنَتهُ مِن نَفسِها، فَوَقَعَ عَلَيها، فَحَمَلَت، فَلَمّا ولَدَت قالَت: هُوَ مِن جُرَيجٍ. فَأَتَوهُ فاستَنزَلُوه، وهَدَمُوا صَومَعَتَهُ، (وجَعَلُوا يَضرِبُونَهُ، فَقالَ: ما شَأنُكُم؟ قالُوا: زَنَيتَ بِهَذِهِ البَغِيِّ، فَوَلَدَت مِنكَ. فَقالَ: أينَ الصَّبِي؟ فَجاءُوا بِهِ، فَقالَ: دَعُونِي حَتّى أُصَلِّيَ)، فَصَلّى، فَلَمّا انصَرَفَ أتى الصَّبِيَّ (فَطَعَنَ فِي بَطنِهِ)، وقالَ: يا غُلامُ؛ مَن أبُوكَ؟ قالَ: فُلانٌ الرّاعِي. (قالَ: فَأَقبَلُوا عَلى جُرَيجٍ يُقَبِّلُونَهُ، ويَتَمَسَّحُونَ بِهِ)، وقالُوا: نَبنِي لَكَ صَومَعَتَكَ مِن ذَهَبٍ. قالَ: لا، أعِيدُوها مِن طِينٍ كَما كانَت. فَفَعَلُوا، وبَينا صَبِيٌّ يَرضَعُ مِن أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ راكِبٌ (عَلى دابَّةٍ فارِهَةٍوشارَةٍ حَسَنَةٍ، فَقالَت أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجعَل ابنِي مِثلَ هَذا. فَتَرَكَ الثَّديَ، وأَقبَلَ إلَيهِ فَنَظَرَ إلَيهِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لا تَجعَلنِي مِثلَهُ، ثُمَّ أقبَلَ عَلى ثَديِهِ فَجَعَلَ يَرتَضِعُ، قالَ: فَكَأَنِّي أنظُرُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ وهُوَ يَحكِي ارتِضاعَهُ بِإصبَعِهِ السَّبّابَةِ فِي فَمِهِ، فَجَعَلَ يَمُصُّها، قالَ: ومَرُّوا بِجارِيَةٍ (وهُم يَضرِبُونَها)، ويَقُولُونَ: زَنَيتِ، سَرَقتِ. وهِيَ تَقُولُ: حَسبِيَ اللهُ (ونِعمَ الوَكِيلُ). فَقالَت أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لا تَجعَل ابنِي مِثلَها. فَتَرَكَ الرَّضاعَ، ونَظَرَ إلَيها فَقالَ: اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِثلَها. (فَهُناكَ تَراجَعا الحَدِيثَ، فَقالَت: حَلقى، مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الهَيئَةِ فَقُلتُ: اللَّهُمَّ اجعَلِ ابنِي مِثلَهُ، فَقُلتَ: اللَّهُمَّ لا تَجعَلنِي مِثلَهُ. ومَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ وهُم يَضرِبُونَها، ويَقُولُونَ: زَنَيتِ، سَرَقتِ. فَقُلتُ: اللَّهُمَّ لا تَجعَلِ ابنِي مِثلَها، فَقُلتَ: اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِثلَها». قالَ: إنَّ ذاكَ الرَّجُلَ كانَ جَبّارًا، فَقُلتُ: اللَّهُمَّ لا تَجعَلنِي مِثلَهُ، وإنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَها: زَنَيتِ. ولَم تَزنِ، وسَرَقتِ، ولَم تَسرِق، فَقُلتُ: اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِثلَها». زادَ (خ): «وسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وصَلّى» ... وفِيها: «وكانَت امرَأَةٌ تُرضِعُ ابنًا لَها مِن بَنِي إسرائِيلَ، فَمَرَّ بِها رَجُلٌ ...»، وفِيها: «فَقالَ: اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِثلَها. فَقالَت: لِمَ ذاكَ؟»
وفي رواية (خ): «ومُرَّ بِامرَأَةٍ تُجَرَّرُ ويُلْعَبُ بها ...»، وفِيها: «فَقالَ: أمّا الرّاكِبُ فَإنَّهُ كافِرٌ».
وفي رواية (م): قالَ حمَيدٌ: فَوَصَفَ لَنا أبُو رافِعٍ صِفَةَ أبِي هُرَيْرَةَ لِصِفَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ أُمَّهُ حِينَ دَعَتْهُ؛ كَيفَ جَعَلتْ كَفَّها فَوقَ حاجِبِها، ثُمَّ رَفَعَت رَأسَها إلَيهِ تَدعُوهُ، «فَقالَت: يا جُرَيجُ؛ أنا أُمُّكَ، فَكَلِّمنِي ... فَقالَت: اللَّهُمَّ إنَّ هَذا جُرَيجٌ، وهُو ابنِي، وإني كَلَّمتُهُ فَأَبى أن يُكَلِّمَني ... قالَ: ولَو دَعَتْ عَلَيهِ أن يُفْتَنَ لِفُتِنَ ... وفِيها: فَجاءُوا بِفُؤُوسِهِم ومَساحِيهِم فَنادَوْهُ، فَصادَفُوهُ يُصَلِّي، فَلَم يُكَلِّمهُم ... وفِيها: فَقالُوا لَهُ: سَلْ هَذِهِ. فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ مَسَح عَلى رَأسِ الصَّبيِّ فَقالَ: مَن أبُوكَ ...».
وفي رواية (خ): «حَتّى يَنْظُرَ فِي وُجُوهِ المَيامِيسِ. وكانَت تَأوِي إلى صَومَعَتِهِ راعِيَةٌ تَرعى الغَنَم، فَوَلَدَت ... وفِيها: قالَ: يا بابُوسُ؛ مَن أبُوكَ؟ ...».
- في الحديث الرفق بالتابع ، إذا جرى منه ما يقتضي التأديب ؛ لأن أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة ولولا طلبها الرفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو القتل .
- فيه أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن غالبا .
- فيه قوة يقين جريج وصحة رجائه ؛ لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق، ولولا صحة رجائه بنطقه ما استنطقه .
- فيه جواز الأخذ بالأشد في العبادة ، لمن علم من نفسه قوة على ذلك .
- فيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة، حتى في العصور السابقة على الإسلام .
- قوله : " اللهم أمي وصلاتي " : قول قاله في نفسه على الأرجح ، أيهما أقدم ؟ ويحتمل أنه تكلم بذلك ، ولم يكن الكلام ممنوعا في صلاتهم ، كما كان الحال في صدر الإسلام .
- قال العلماء هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها لأنه كان في صلاة نفل ، والاستمرار فيها تطوع لا واجب ، وإجابة الأم وبرها واجب ، وعقوقها حرام ، وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود لصلاته ، فلعله خشي أنها تدعوه إلى مفارقة صومعته ، والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها وحظوظها ، وتضعف عزمه فيما نواه وعاهد عليه .
- قوله في الجارية التي نسبوها إلى السرقة ولم تسرق : ( اللهم اجعلني مثلها ) أي : اللهم اجعلني سالما من المعاصي كما هي سالمة ، وليس المراد مثلها في النسبة إلى باطل تكون منه بريئة. ( النووي )
- وفي الحديث : عظم بر الوالدين ، وتأكد حق الأم ، وأن دعاءها مجاب ، وأنه إذا تعارضت الأمور بدئ بالأهم . ( النووي )
- فيه أن الله تعالى يجعل لأوليائه مخارج عند ابتلائهم بالشدائد غالبا ، قال الله تعالى : {ومن يتق الله يجعل له مخرجا } وقد يجري عليهم الشدائد بعض الأوقات زيادة في أحوالهم ، وتهذيبا لهم ، فيكون لطفا . ( النووي )
- وفيه استحباب الوضوء للصلاة عند الدعاء بالمهمات . ( النووي )
- وفيه أن الوضوء كان معروفا في شرع من قبلنا، فقد ثبت في هذا الحديث في كتاب البخاري " فتوضأ وصلى ", لكن الخاصية في أمة محمد ﷺ" الغرة والتحجيل "
- ومنها إثبات كرامات الأولياء ، وهو مذهب أهل السنة. ( النووي )

باب: الجِهادُ بِبِرِّ الوالِدَيْنِ وحُسْنِ صُحْبَتِهِما


٢٤٠٦. (خ م) (٢٥٤٩) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ يَستَأذِنُهُ فِي الجِهادِ، فَقالَ: «أحَيٌّ والِداكَ؟» قالَ: نَعَم. قالَ: «فَفِيهِما فَجاهِد». وفِي رِوايَةٍ (م): فَقالَ: أُبايِعُكَ عَلى الهِجرَةِ والجِهادِ، أبتَغِي الأَجرَ مِنَ اللهِ. قالَ: «فَهَل مِن والِدَيكَ أحَدٌ حَيٌّ؟» قالَ: نَعَم، بَل كِلاهُما. قالَ: «فَتَبتَغِي الأَجرَ مِنَ اللهِ؟» قالَ: نَعَم. قالَ: «فارجِع إلى والِدَيكَ فَأَحسِن صُحبَتَهُما».
- فيه حرص الصحابة على أمور دينهم ، وسؤالهم عما يحتاجون إليه مما يجهلون .
- سعة صدره ﷺ، وإجابته عن السؤال مع التكرار .
- وفيه دليل لعظم فضيلة بر الوالدين ، وأنه آكد من الجهاد، وفيه حجة لما قاله العلماء : بأنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما إذا كانا مسلمين أو بإذن المسلم منهما .
-يؤخذ من الحديث أن كل عمل صالح يتعب النفس, ويشق عليها, ويثقلها يسمى " جهادا " .

باب: تَحْرِيمُ عُقُوقِ الأُمَّهاتِ


٢٤٠٧. (خ م) (٥٩٣) عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ﵁، عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّ اللهَ ﷿ حَرَّمَ عَلَيكُم عُقُوقَ الأُمَّهاتِ، ووَأدَ البَناتِ، ومَنعًا وهاتِ، وكَرِهَ لَكُم ثَلاثًا؛ قِيلَ وقالَ، وكَثرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةَ المالِ». وفي رواية (م): وحَرَّم عَلَيكُم رَسُولُ اللهِ ﷺ، ولَم يَقُل: إنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيكُم.
ورَوى (م) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ يَرضى لَكُم ثَلاثًا، ويَكرَهُ لَكُم ثلاثًا، فَيرَضى لَكُم أن تَعبُدُوه ولا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا، وأَن تَعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، ويَكرَهُ لَكُم قِيلَ وقالَ ...»، بِمِثلِهِ. وفي رواية لَهُ: «ويَسخَطُ لَكُم ثَلاثًا».
- ( عقوق الأمهات ) : أي الإساءة إلى الأمهات ، وعصيان أمرهن ، وقطع روابط الصلة معهن ، وغير ذلك من وجوه العقوق ، وخصص الأمهات بالذكر ، لأنهن أحق بالبر والحنو ، لضعفهن ، وإن كان عقوق الآباء مثل عقوق الأمهات.
- ( ووأد البنات ) : أي دفن البنات وهن على قيد الحياة ، كما كان يفعل أهل الجاهلية { وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت }.
- ( ومنع وهات ) : أي تمنع ما عليك من حقوق مالية ، وتطلب ما ليس لك من حق وهي كناية لطيفة ، عن أخذ الإنسان ما له من حقوق ،وإنكار ما عليه منها، فهذا ظلم ؛ لأنه يأخذ حقه كاملا ولا يدفع ما يجب عليه من حقوق للناس، أي حرم عليكم منع الحقوق والواجبات، وأخذ الأموال بالباطل . " الصابوني "
- ( وكره لكم قيل وقال ) : أي كثرة الكلام ، فيما لا نفع فيه ولا فائدة ، كما قال سبحانه : { والذين هم عن اللغو معرضون }. " الصابوني "
- ( وكثرة السؤال ) : أي كثرة الأسئلة فيما لا يعني، والسؤال عن أحوال الناس وأمورهم، وقيل : المراد به كثرة سؤال النبي ﷺكما قال تعالى :{ لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } "الصابوني "
- (وإضاعة المال ) : أي تبذير المال ، وإنفاقه في الشهوات والمحرمات، من السرف والترف وسائر الأموال التي تصرف في غير الوجوه المباحة ؛ لأن المال عصب الحياة ، فإهداره ضرر على الإنسان والمجتمع، قال تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } أي قوام حياتكم بالمال فيه منافعكم، وقضاء حوائجكم . " الصابوني "
- فيه التحذير من عقوق الآباء والأمهات . " الصابوني "
- فيه النهي عن قتل الإناث من البنات . " الصابوني "
- فيه التحذير من الظلم . " الصابوني "
- فيه النهي عن كثرة الكلام فيما لا ينفع ، وتبذير المال في المعاصي والمحرمات . " الصابوني "

باب: فِـي الإحْسانِ إلى البَناتِ


٢٤٠٨. (خ م) (٢٦٢٩) عَنْ عائِشَةَ ﵂ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قالَت: جاءَتنِي امرَأَةٌ ومَعَها ابنَتانِ لَها، فَسَأَلَتنِي فَلَم تَجِد عِندِي شَيئًا غَيرَ تَمرَةٍ واحِدَةٍ، فَأَعطَيتُها إيّاها، فَأَخَذَتها فَقَسَمَتها بَينَ ابنَتَيها، ولَم تَأكُل مِنها شَيئًا، ثُمَّ قامَت فَخَرَجَت وابنَتاها، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ، فَحَدَّثتُهُ حَدِيثَها، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَن ابتُلِيَ مِن البَناتِ بِشَيءٍ، فَأَحسَنَ إلَيهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِترًا مِن النّارِ». وفي رواية (خ): «مَن يَلِي مِن هَذِهِ البَناتِ ..».
ورَوى (م) عَنها قالَت: جاءَتنِي مِسكِينَةٌ تَحمِلُ ابنَتَينِ لَها، فَأَطعَمتُها ثَلاثَ تَمَراتٍ، فَأَعطَت كُلَّ واحِدَةٍ مِنهُما تَمرَةً، ورَفَعَتْ إلى فِيها تَمرَةً لِتَأكُلَها، فاسْتَطْعَمَتْها ابنَتاها، فَشَقَّتِ التَّمرَةَ الَّتِي كانَت تُرِيدُ أن تَأكُلَها بَينَهُما، فَأَعجَبَنِي شَأنَها، فَذَكَرتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: «إنَّ اللهَ قَد أوْجَبَ لَها بِها الجَنَّةَ، أو أعتَقَها بِها مِن النّارِ».
- فيه الحض على الصدقة بالقليل والكثير، وعدم احتقار شيء من البذل ،والإحسان ، مهما كان قليلا . " الصابوني "
- إعطاء عائشة رضي الله عنها التمرة ؛ لئلا ترد السائل خائبا عملا بوصية الرسول ﷺ: " اتقوا النار ولو بشق تمرة" (الصابوني)
- فيه أن النفقة على البنات، والسعي عليهن من أفضل أعمال البر المنجية من النار . " الصابوني "

٢٤٠٩. (م) (٢٦٣١) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن عالَ جارِيَتَينِ حَتّى تَبلُغا جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهُوَ»، وضَمَّ أصابِعَهُ.
- ( من عال جاريتين ) : أي قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما ، مأخوذ من العول وهو القرب .

باب: صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِـي الرِّزْقِ والعُمُرِ


٢٤١٠. (خ م) (٢٥٥٧) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مَن أحَبَّ أن يُبسَطَ لَهُ فِي رِزقِهِ، ويُنسَأَ لَهُ فِي أثَرِهِ، فَليَصِل رَحِمَهُ».
- أن العبد إن فعل ذلك جازاه الله على ما كان له من العمل الذي يرضاه, وهذا مما يعلمه الله , وكان به عالما قبل تكوينه، فسبحانه جل شأنه ووسع علمه بل لم يزل عالما بما في العبد فاعل, وبالزيادة التي هو زائد في عمره بصلة رحمه، والنقص الذي هو بقطع رحمه من عمره ناقص قبل خلقه، لا يعزب عنه شيء من ذلك. ( ابن الملقن )

باب: فِـي صِلَةِ الرَّحِمِ وقَطْعِها


٢٤١١. (خ م) (٢٥٥٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلقَ، حَتّى إذا فَرَغَ مِنهُم قامَت الرَّحِمُ فَقالَت: هَذا مَقامُ العائِذِ مِن القَطِيعَةِ. قالَ: نَعَم، أما تَرضَينَ أن أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقطَعَ مَن قَطَعَكِ. قالَت: بَلى قالَ: فَذاكِ لَكِ». ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اقرَؤوا إن شِئتُم: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ (٢٢) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وأَعْمى أبْصارَهُمْ (٢٣) أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُها﴾ [محمد: ٢٢-٢٤]». وفي رواية (خ): «قامَت الرَّحِمُ فَأَخَذَت بِحَقوِ الرَّحْمَنِ، فَقالَ لَهُ: مَه. قالَت: هَذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِن القَطِيعَةِ».
- اتفق علماء الأمة على حرمة قطع الرحم ووجوب صلتها . ( القرطبي )
- قرابة النسب ، وصلة الرحم ، أمرها عظيم وكبير عند الله تعالى فقد قال سبحانه : {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } أي احذروا عذاب الله أن تقطعوا الأرحام . " الصابوني "
- معنى الآية : لعلكم إن أعرضتم عن الإسلام ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من سفك الدماء، وتقطيع الأرحام في سبيل جمع الحطام، أولئك الأشقياء هم الذين طردهم الله من رحمته، وأصمهم عن سماع الحق وأعمى أبصارهم، فلا يهتدون إلى سبيل الرشاد.

٢٤١٢. (خ م) (٢٥٥٥) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرشِ، تَقُولُ: مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ». لفظُ (خ): «الرَّحِمُ شِجنَةٌ، فمن وصَلَها وصَلتُهُ، ومَن قَطَعَها قَطَعتُهُ».
ورَوى (خ) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، نَحوَهُ بِلَفظِ: «إنَّ الرَّحِمَ شِجنَةٌ مِن الرَّحمنِ، فَقالَ اللهُ: مَن وصلَكِ..» الحديث.
- أن الجزاء من جنس العمل .
- فيه أن قطيعة الرحم ذنب عظيم فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله, كما قال تعالى : { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } أي يقطعون الرحم التي أمر الله بوصلها . " الصابوني "

٢٤١٣. (خ م) (٢٥٥٦) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا يَدخُلُ الجَنَّةَ قاطِعُ (رَحِمٍ)».
- قطيعة الرحم معصية من كبائر الذنوب, ومما تستوجب عقاب الله, فلا يستهان بالقطيعة ويحذر منها, ولا يهون شأنها كيف وهي مما أوصى الله به سبحانه جل شأنه.
- ليس مراد الحديث تحريم دخول الجنة على وجه الإطلاق ، بل هو مأول على أنه لا يدخل الجنة مع السابقين ، بل يعذب على معصيته ، ثم يدخل الجنة بشفاعة خاتم المرسلين ﷺ؛ لأن الجنة لا يحرم من دخولها إلا من مات على غير الإيمان . " الصابوني "

٢٤١٤. (م) (٢٥٥٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ لِي قَرابَةً أصِلُهُم ويَقطَعُونِي، وأُحسِنُ إلَيهِم ويُسِيئُونَ إلَيَّ، وأَحلُمُ عَنهُم ويَجهَلُونَ عَلَيَّ. فَقالَ: «لَئِن كُنتَ كَما قُلتَ فَكَأَنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ، ولا يَزالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيهِم ما دُمتَ عَلى ذَلكَ».
- ( ويجهلون ) : أي يسيئون. والجهل هنا : القبيح من القول ، ومعناه : - كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن ، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه, وقيل : معناه إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل.
- المراد بالظهير : أن الله تعالى يعينك بالصبر على جفائهم، وحسن الخلق معهم، ويعليك عليهم في الدنيا والآخرة مدة دوامك على معاملتك لهم بما ذكرت. (القرطبي)

٢٤١٥. (خ) (٥٩٩١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَيسَ الواصِلُ بِالمُكافِئِ، ولَكِنْ الواصِلُ الَّذِي إذا قَطَعَت رَحِمُهُ وصَلَها».
- اعلم أن المكافئ مقابل الفعل بمثله. والواصل للرحم لأجل الله تعالى يصلها تقربا إليه وامتثالا لأمره وإن قطعت، فأما إذا وصلها حين تصله فذاك كقضاء دين، ولهذا المعنى قيل : " أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح "؛ وهذا لأن الإنفاق على القريب المحبوب مشوب بالهوى, فأما على المبغض فهو الذي لا شوب فيه. ( ابن الجوزي )
- والمراد من قوله " ليس الواصل بالمكافئ " أي الذي يعطي لغيره نظير ما أعطاه ذلك الغير, وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر موقوفا : "ليس الوصل أن تصل من وصلك ذلك القصاص, ولكن الوصل أن تصل من قطعك". ( ابن حجر )
فوائد سلوكية : الوصل الحقيقي الذي أعاد الرسول ﷺتعريف مفهومه للصحابة : هو العطاء الخالص دونما انتظار جزاء أو اعتراف, ليس زيارة بزيارة, وهدية بهدية, بل هو إقدام النفس طاعة لله عز وجل دون تطلع لمقابل, هذه حقيقة الواصل الذي يرجو ثواب ما وعد الله عباده عليه من جزيل الأجر، قال تعالى: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل}

باب: فِـي كافِلِ اليَتِيمِ


٢٤١٦. (م) (٢٩٥٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كافِلُ اليَتِيمِ (لَهُ أو لِغَيرِهِ) أنا وهُوَ كَهاتَينِ فِي الجَنَّةِ»، وأَشارَ (مالِكٌ) بِالسَّبّابَةِ والوُسطى. رَواهُ (خ) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁.
- هذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه أو من مال اليتيم بولاية شرعية . " النووي "

باب: فِـي ثَوابِ السّاعِي عَلى الأَرْمَلَةِ والمِسْكِينِ


٢٤١٧. (خ م) (٢٩٨٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «السّاعِي عَلى الأَرمَلَةِ والمِسكِينِ كالمُجاهِد فِي سَبِيلِ اللهِ، وأَحسِبُهُ قالَ: وكالقائِمِ لا يَفتُرُ، وكالصّائِمِ لا يُفطِرُ».
- فيه الحث على الإنفاق على الضعفاء والفقراء، وبخاصة على الأرامل والمساكين . " الصابوني "
- فيه أن أجر المنفق على هؤلاء المحتاجين، كأجر المجاهد في سبيل الله، وأجر الصائم القائم لا يفتر في ليل ولا نهار، والمحروم من حرمه الله هذا الأجر العظيم، وفي الحديث القدسي: " يقول الله تعالى : ابن آدم أنفق أُنفق عليك " " الصابوني "

باب: الـمَرْءُ مَعَ مَن أحَبَّ


٢٤١٨. (خ م) (٢٦٣٩) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ مَتى السّاعَةُ؟ قالَ: «وما أعدَدتَ لِلسّاعَةِ؟» قالَ: حُبَّ اللهِ ورَسُولهِ. قالَ: «فَإنَّكَ مَعَ مَن أحبَبتَ». قالَ أنَسٌ: فَما فَرِحنا بَعدَ الإسلامِ فَرَحًا أشَدَّ مِن قَولِ النَّبِيِّ ﷺ: «فَإنَّكَ مَعَ مَن أحبَبتَ». قالَ أنَسٌ: فَأَنا أُحِبُّ (اللهَ) ورَسُولَهُ وأَبا بَكرٍ وعُمَرَ، فَأَرجُو أن أكُونَ مَعَهُم، وإن لَم أعمَل بِأَعمالِهِم. وفي رواية: فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكانَ، ثم قالَ: يا رسولَ اللهِ؛ ما أعدَدتُ لها كَبِيرَ صَلاةٍ ولا صِيامٍ ولا صَدَقةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ ورسولَهُ ... وفي رواية (خ): قالَ: لا شَيْءَ إلّا أنِّي أُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ ... الحديث.
٢٤١٩. (خ م) (٢٦٤٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ كَيفَ تَرى فِي رَجُلٍ أحَبَّ قَومًا ولَمّا يَلحَق بِهِم؟ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «المَرءُ مَعَ مَن أحَبَّ».
- فيه أن الأعراب كانوا يسألون رسول الله ﷺعن كثير من الأمور التي تشغل بالهم ، فيجيبهم ﷺإلى ما سألوا . " الصابوني "
- فيه أن المحبة الصادقة ترفع درجة الإنسان إلى منزلة من يحبه في الله وإن لم يعمل بمثل أعمالهم وهذه كرامة جليلة. " الصابوني "
- في الحديث فضل حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, والصالحين وأهل الخير الأحياء والأموات , ومن فضل محبة الله ورسوله امتثال أمرهما، واجتناب نهيهما، والتأدب بالآداب الشرعية, ولا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم، إذ لو عمله لكان منهم ومثلهم. ( النووي )
- فدل هذا أن من أحب عبدا في الله فإن الله جامع بينه وبينه في جنته ومُدخِله مُدخَله، وإن قصر عن عمله، وبيان معنى قوله " ولما يلحق بهم " : أنه لما كان المحب للصالحين إنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبة عملا من أعمال القلوب واعتقادا لها أثاب الله معتقد ذلك ثواب الصالحين، إذ النية هي الأصل والعمل تابع لها، والله يؤتي فضله من يشاء. ( ابن بطال )
- فيه أن الساعة – أي القيامة – لا يعلم وقت مجيئها إلا الله ، رب العزة والجلال . " الصابوني "
- فيه بشارة للمؤمنين بأن كل شخص يحشر مع من يحبه من الخلق وهي بشارة سارة ، ولكنها تحتاج إلى جهد ومجاهدة للنفس، فالمحبة تقتضي الاتباع والطاعة { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ، وليست مجرد قول باللسان أنا أحب الله وأحب الرسول ﷺ. " الصابوني "
- من مضمون هذا الحديث ، التحذير من محبة أهل الفسوق والعصيان .
- ليس من لوازم المعية الاستواء في الدرجات .

باب: إذا أحَبَّ اللهُ عَبْدًا


٢٤٢٠. (خ م) (٢٦٣٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ إذا أحَبَّ عَبدًا دَعا جِبرِيلَ، فَقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ. قالَ: فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي فِي السَّماءِ فَيَقُولُ: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبّوهُ. فَيُحِبُّهُ أهلُ السَّماءِ، قالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرضِ، (وإذا أبغَضَ عَبدًا دَعا جِبرِيلَ، فَيَقُولُ: إنِّي أُبغِضُ فُلانًا فَأَبغِضهُ. قالَ: فَيُبغِضُهُ جِبرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي فِي أهلِ السَّماءِ: إنَّ اللهَ يُبغِضُ فُلانًا فَأَبغِضُوهُ. قالَ: فَيُبغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغضاءُ فِي الأَرضِ)».
- فيه أن حب العباد للعبد من الله تعالى وكذلك المقت والغضب .
- فيه أن الملائكة تحب المؤمن .
- فيه حب الله لعبده المؤمن, وأن كل محبوب عند المؤمنين محبوب عند الله تعالى، وكل مبغوض عند المؤمنين مبغوض عند رب العالمين .
- فيه عناية الله بعبده المؤمن المخلص، لذلك ينادي الله الملك جبريل ويدعوه لمحبته فيحبه أهل السماء والأرض .
- فيه بغض الله للكافر والمنافق ولذلك تبغضه الملائكة, وتوضع له البغضاء في الأرض .
- فيه مكانة جبريل عليه السلام عند الله تعالى.

٢٤٢١. (خ) (٦٥٠٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ قالَ: مَن عادى لِي ولِيًّا فَقَد آذَنتُهُ بِالحَربِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبدِي بِشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ مِمّا افتَرَضتُ عَلَيهِ، وما يَزالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوافِلِ حَتّى أُحِبَّهُ، فَإذا أحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتِي يَبطِشُ بِها، ورِجلَهُ الَّتِي يَمشِي بِها، وإن سَأَلَنِي لأُعطِيَنَّهُ، ولَئِن استَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدتُ عَن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَن نَفسِ المُؤمِنِ؛ يَكرَهُ المَوتَ وأَنا أكرَهُ مَساءَتَهُ».
- فيه رعاية الله وحفظه لأحبابه وأوليائه . " الصابوني "
- فيه أن الله يدافع عن أوليائه، ويصرف عنهم شر الأعداء . " الصابوني "
- إشارة إلى الحث على عدم الترفع والحث على التواضع و الإعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة .
- فيه هوان الدنيا على الله و التنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة, وأن كل شيء هان على الله فهو في محل الضعة, فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيه ويقل منافسته في طلبه .
- أن الله سبحانه وتعالى قدم الأعذار إلى كل من عادى وليا : أنه قد آذنه بأنه محاربه بنفس المعاداة .

١ -هو أمَنَة للأمة من العذاب:

٥/٠