كِتابُ الفِتَنِ وأَشْراطِ السّاعَةِ


باب: فِـي اقْتِرابِ الفِتَنِ والهَلاكِ إذا كَثُرَ الخَبَثُ


٢٦٦١. (خ م) (٢٨٨٠) عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ﵂؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ استَيقَظَ مِن نَومِهِ وهُوَ يَقُولُ: «لا إلَهَ إلا اللهُ، ويلٌ لِلعَرَبِ مِن شَرٍّ قَد اقتَرَبَ، فُتِحَ اليَومَ مِن رَدمِ يَأجُوجَ ومَأجُوجَ مِثلُ هَذِهِ». (وعَقَدَ سُفيانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً)، قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أنَهلِكُ وفِينا الصّالِحُونَ؟ قالَ: «نَعَم، إذا كَثُرَ الخَبَثُ».
وفي رواية: (خَرَجَ) رَسُولُ اللهِ ﷺ يومًا فَزِعًا مُحمَرًّا وجهُهُ. لَفظُ (خ): استَيقِظ .. وفي رواية (خ): دَخَلَ عَلَيها فَزِعًا ...
-قوله: "ويل للعرب من شر قد اقترب" خص العرب بذلك؛ لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم، والمراد بالشر ما وقع بعده من قتل عثمان، ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة، كما وقع في الحديث الآخر "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها"، وأن المخاطب بذلك العرب. (ابن حجر)
-وأن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون. (العيني)
-بيان معجزة للنبي -ﷺ- حيث يطلعه الله سبحانه وتعالى بما سيكون من مغيبات الأمور، فيقع على ما أخبر -ﷺ-. ( محمد الإتيوبي)

باب: لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمانٌ إلّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنهُ


٢٦٦٢. (خ) (٧٠٦٨) عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قالَ: أتَينا أنَسَ بنَ مالِكٍ ﵁؛ فَشَكَونا إلَيهِ ما نَلقى مِن الحَجّاجِ، فَقالَ: «اصبِرُوا؛ فَإنَّهُ لا يَأتِي عَلَيكُم زَمانٌ إلا الَّذِي بَعدَهُ شَرٌّ مِنهُ، حَتّى تَلقَوا رَبَّكُم»، سَمِعتُهُ مِن نَبِيِّكُم ﷺ.
-هذا الخبر من أعلام النبوة؛ لإخباره ﷺ بفساد الأحوال وذلك من الغيب الذي لا يعلم بالرأي وإنما يعلم بالوحي. (ابن بطال)
-هذا الإطلاق مشكل لأن بعض الأزمنة يكون في الشر دون الذي قبله، وهذا عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، بعد الحجاج بيسير وقد اشتهر خيرية زمانه بل قيل: إن الشر اضمحل في زمانه. قلت: حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب فسئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج، فقال: لا بد للناس من تنفيس، قيل: إن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر، فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة أحياء، وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده لقوله خير القرون قرني، وهو في الصحيحين وقوله: "أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون"، أخرجه مسلم. (العيني)

باب: إذا ضُيِّعَتِ الأَمانَةُ فانْتَظِرِ السّاعَةَ


٢٦٦٣. (خ) (٥٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: بَيْنَما النَّبِيُّ ﷺ فِي مَجلِسٍ يُحَدِّثُ القَومَ جاءَهُ أعرابِيٌّ فَقالَ: مَتى السّاعَةُ؟ فَمَضى رَسُولُ اللهِ ﷺ يُحَدِّثُ، فَقالَ بَعضُ القَومِ: سَمِعَ ما قالَ فَكَرِهَ ما قالَ. وقالَ بَعضُهُم: بَل لَم يَسمَع. حَتّى إذا قَضى حَدِيثَهُ قالَ: «أينَ أُراهُ السّائِلُ عَنِ السّاعَةِ؟» قالَ: ها أنا يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: «فَإذا ضُيِّعَت الأَمانَةُ فانتَظِر السّاعَةَ». قالَ: كَيفَ إضاعَتُها؟ قالَ: «إذا وُسِّدَ الأَمرُ إلى غَيرِ أهلِهِ فانتَظِر السّاعَةَ».
-فيه إن الأئمة ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصح، وإذا قلدوا الأمر لغير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانات. (ابن بطال)
- أن الساعة لا تقوم حتى يؤتمن الخائن، وهذا إنما يكون إذا غلب الجهال، وضعف أهل الحق عن القيام به ونصرته.
-وجوب تعليم السائل لقوله عليه الصلاة والسلام:" أين السائل".
مراجعة العالم عند عدم فهم السائل لقوله: "كيف إضاعتها".

باب: فِـي نُزُولِ الِفتَنِ


٢٦٦٤. (خ م) (٢٨٨٥) عَنْ أُسامَةَ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أشرَفَ عَلى أُطُمٍ مِن آطامِ المَدِينَةِ، ثُمَّ قالَ: «هَل تَرَونَ ما أرى؟ إنِّي لأَرى مَواقِعَ الفِتَنِ خِلالَ بُيُوتِكُم، كَمَواقِعِ القَطرِ».
- والتشبيه بمواقع القطر في الكثرة والعموم أي إنها كثيرة وتعم الناس لاتختص بها طائفة. (النووي)
- وهذا إشارة إلى الحروب الجارية بينهم كوقعة الجمل، وصفين، والحرة، ومقتل عثمان، ومقتل الحسين رضي الله عنهما وغير ذلك. (النووي)
- وفيه معجزة ظاهرة له ﷺ. (النووي)

٢٦٦٥. (خ) (٧٠٦٩) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قالَت: استَيقَظَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيلَةً فَزِعًا يَقُولُ: «سُبحانَ اللهِ، ماذا أنزَلَ اللهُ مِن الخَزائِنِ؟ وماذا أُنزِلَ مِن الفِتَنِ؟ مَن يُوقِظُ صَواحِبَ الحُجُراتِ -يُرِيدُ أزواجَهُ- لِكَي يُصَلِّينَ؟ رُبَّ كاسِيَةٍ فِي الدُّنيا عارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ». وفي رواية: وهُوَ يَقُولُ: «لا إلَهَ إلا اللهُ، ماذا أُنزِلَ اللَّيلَةَ مِن الفِتنَةِ؟»
-قوله: "كاسية وعارية" على أوجه:
أحدها: كاسية في الدنيا بالثياب لوجود الغنى عارية في الآخرة من الثواب لعدم العمل في الدنيا.
ثانيها:كاسية بالثياب لكنها شفافة لا تستر عورتها فتعاقب في الآخرة بالعري جزاء على ذلك.
ثالثها:كاسية من نعم الله عارية من الشكر الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب.
رابعها: كاسية جسدها لكنها تشد خمارها من ورائها فيبدو صدرها فتصير عارية فتعاقب في الآخرة.
خامسها:كاسية من خلعة التزوج بالرجل الصالح عارية في الآخرة من العمل فلا ينفعها صلاح زوجها. (ابن حجر)
-وفي الحديث الندب إلى الدعاء والتضرع عند نزول الفتنة ولا سيما في الليل لرجاء وقت الإجابة لتكشف، أو يسلم الداعي ومن دعا له وبالله التوفيق. (ابن حجر)
-في هذا الحديث أن الفتوح في الخزائن تنشأ عنه فتنة المال بأن يتنافس فيه فيقع القتال بسببه، وأن يبخل به فيمنع الحق، أو يبطر صاحبه فيسرف، فأراد ﷺ تحذير أزواجه من ذلك كله وكذا غيرهن ممن بلغه ذلك. (ابن بطال)

باب: الفِتَنُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ


٢٦٦٦. (خ م) (١٤٤) عَنْ حُذَيْفَةَ ﵁ قالَ: كُنّا عِنْدَ عُمَرَ فَقالَ: أيُّكُم يَحفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الفِتنَةِ كَما قالَ؟ قالَ: فَقُلتُ: أنا، قالَ: إنَّكَ لَجَرِيءٌ، وكَيفَ قالَ؟ قالَ: قُلتُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «فِتنَةُ الرَّجُلِ فِي أهلِهِ (ومالِهِ ونَفسِهِ) ووَلَدِهِ وجارِهِ؛ يُكَفِّرُها الصِّيامُ والصَّلاةُ والصَّدَقَةُ والأمرُ بِالمَعرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنكَرِ». فَقالَ عُمَرُ: لَيسَ هَذا أُرِيدُ، إنَّما أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوجِ البَحرِ. قالَ: فَقُلتُ: ما لَكَ ولَها يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ، إنَّ بَينَكَ وبَينَها بابًا مُغلَقًا، قالَ: أفَيُكسَرُ البابُ أم يُفتَحُ؟ قالَ: قُلتُ: لا، بَل يُكسَرُ، قالَ: ذَلكَ أحرى أن لا يُغلَقَ أبَدًا. قالَ: فَقُلنا لِحُذَيفةَ: هَل كانَ عُمَرُ يَعلَمُ مَن البابِ؟ قالَ: نَعَم، كَما يَعلَمُ أنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيلَةَ، إنِّي حَدَّثتُهُ حَدِيثًا لَيسَ بِالأَغالِيطِ. قالَ: فَهِبنا أن نَسأَلَ حُذَيْفَةَ مَن البابِ، فَقُلنا لِمَسرُوقٍ: سَلهُ، فَسَأَلَهُ فَقالَ: عُمَرُ.
وفي رواية (م): قالَ حُذَيْفَةُ: كُنّا عِنْدَ عُمرَ، فَقالَ: أيُّكُم سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَذكُرُ الفِتَنَ؟ فَقالَ قَومٌ: نَحنُ سَمِعناه. فَقالَ: لَعَلَّكُم تَعنُونَ فِتنَةَ الرَّجُلِ فِي أهلِهِ وجارِهِ؟ قالُوا: أجَل. قالَ: تِلكَ تُكفِّرُها الصَّلاةُ والصِّيامُ والصَّدَقَةُ، ولكِن أيُّكُم سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَذكُرُ الفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوجَ البَحرِ؟ قالَ حُذَيْفَةُ: فَأسكَتَ القَومُ، فَقُلتُ: أنا. قالَ: أنتَ، للهِ أبُوكَ. قالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: «تُعرَضُ الفِتَنُ عَلى القُلُوبِ كالحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَها نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ سَوداءُ، وأَيُّ قَلبٍ أنكَرَها نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ بَيضاءُ، حَتّى تَصِيرَ عَلى قَلبَينِ؛ عَلى أبيَضَ مِثلِ الصَّفا فَلا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأَرضُ، والآخَرُ أسوَدُ مُربادًّا، كالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعرُوفًا ولا يُنكِرُ مُنكرًا إلاَّ ما أُشرِبَ مِن هَواهُ». قالَ حُذَيْفَةُ: وحَدَّثَتهُ أنَّ بَينَكَ ... الحديث.
-قوله: "في الفتنة" فيه دليل على جواز إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص إذ تبين أنه لم يسأل إلا عن فتنة مخصوصة، ومعنى الفتنة في الأصل الاختبار والامتحان، ثم استعملت في كل أمر يكشفه الامتحان عن سوء، وتطلق على الكفر والغلو في التأويل البعيد، وعلى الفضيحة والبلية والعذاب والقتال، والتحول من الحسن إلى القبيح، والميل إلى الشيء والإعجاب به، وتكون في الخير والشر. (ابن حجر)
-قوله: "ليس بالأغاليط" معناه حدثته حديثا صدقا محققا من أحاديث رسول الله - ﷺ - لا من اجتهاد رأي ونحوه، وغرضه أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت كما جاء في بعض الروايات، قال ويحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل، ولكنه كره أن يخاطب عمر بالقتل، فإن عمر كان يعلم أنه هو الباب فأتى بعبارة يحصل منها الغرض ولا يكون إخبارا صريحا بقتله، قال والحاصل أن الحائل بين الفتنة والإسلام عمر رضي الله تعالى عنه وهو الباب فما دام عمر حيا لا تدخل الفتن فيه، فإذا مات دخلت وكذا كان. (النووي)

باب: هَلاكُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ


٢٦٦٧. (م) (٢٨٨٩) عَنْ ثَوْبانَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ زَوى لِيَ الأَرضَ فَرَأَيتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتِي سَيَبلُغُ مُلكُها ما زُوِيَ لِي مِنها، وأُعطِيتُ الكَنزَينِ الأَحمَرَ والأَبيَضَ، وإنِّي سَأَلتُ رَبِّي لأُمَّتِي أن لا يُهلِكَها بِسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَن لا يُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوى أنفُسِهِم فَيَستَبِيحَ بَيضَتَهُم، وإنَّ رَبِّي قالَ: يا مُحَمَّدُ؛ إنِّي إذا قَضَيتُ قَضاءً فَإنَّهُ لا يُرَدُّ، وإنِّي أعطَيتُكَ لأُمَّتِكَ أن لا أُهلِكَهُم بِسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَن لا أُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوى أنفُسِهِم يَستَبِيحُ بَيضَتَهُم، ولَوِ اجتَمَعَ عَلَيهِم مَن بِأَقطارِها أو قالَ: مَن بَينَ أقطارِها، حَتّى يَكُونَ بَعضُهُم يُهلِكُ بَعضًا ويَسبِي بَعضُهُم بَعضًا».
-قوله: "إذا قضيت قضاء لا يرد" يستفاد منه أنه لا يستجاب من الدعاء إلا ما وافقه القضاء، وحينئذ يشكل ما قد روي عنه - ﷺ – أنه قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء"، ويرتفع الإشكال بأن يقال: إن القضاء الذي لا يرده دعاء، ولا غيره، هو الذي سبق علم الله بأنه لا بد من وقوعه، والقضاء الذي يرده الدعاء، أو صلة الرحم، هو الذي أظهره الله بالكتابة في اللوح المحفوظ الذي قال الله تعالى فيه: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب (39)} [الرعد: 39]. (القرطبي)
- هذا الحديث فيه معجزات ظاهرة، وقد وقعت كلها بحمد الله كما أخبر به ﷺ. (النووي)
- فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب، وهكذا وقع. (النووي)
- قوله: (سبحانه وتعالى: وإني قد أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة) أي لا أهلكهم بقحط يعمهم، بل إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي البلاد. (النووي)
- بيان عظمة منزلة النبي - ﷺ - عند الله - سبحانه وتعالى - حيث يكرمه بإعطاء ما سأله في أمته من ظهور عدوهم عليهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع أهل الدنيا كلهم، وهذا من عظيم فضل الله تعالى على هذه الأمة، الأمة المرحومة. (محمد الإتيوبي)

٢٦٦٨. (م) (٢٨٩٠) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أقبَلَ ذاتَ يَومٍ مِنَ العالِيَةِ، حَتّى إذا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وصَلَّينا مَعَهُ ودَعا رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ انصَرَفَ إلَينا فَقالَ ﷺ: «سَأَلتُ رَبِّي ثَلاثًا، فَأَعطانِي ثِنتَينِ ومَنَعَنِي واحِدَةً، سَأَلتُ رَبِّي أن لا يُهلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعطانِيها، وسَأَلتُهُ أن لا يُهلِكَ أُمَّتِي بِالغَرَقِ فَأَعطانِيها، وسَأَلتُهُ أن لا يَجعَلَ بَأسَهُم بَينَهُم فَمَنَعَنِيها».

باب: إخْبارُ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ الفِتَنِ وصِفاتِها


٢٦٦٩. (م) (٢٨٩١) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ ﵄ قالَ: واللهِ إنِّي لأَعلَمُ النّاسِ بِكُلِّ فِتنَةٍ هِيَ كائِنَةٌ فِيما بَينِي وبَينَ السّاعَةِ، وما بِي إلاَّ أن يَكُونَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أسَرَّ إلَيَّ فِي ذَلكَ شَيئًا لَم يُحَدِّثهُ غَيرِي، ولَكِن رَسُولُ اللهِ ﷺ قالَ وهُوَ يُحَدِّثُ مَجلِسًا أنا فِيهِ عَنِ الفِتَنِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وهُوَ يَعُدُّ الفِتَنَ: «مِنهُنَّ ثَلاثٌ لا يَكَدنَ يَذَرنَ شَيئًا، ومِنهُنَّ فِتَنٌ كَرِياحِ الصَّيفِ مِنها صِغارٌ ومِنها كِبارٌ». قالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهطُ كُلُّهُم غَيرِي.
- بيان فضل حذيفة - رضي الله عنه - حيث كان موضع سر رسول الله - ﷺ -، أعلمه بالفتن التي تأتي في أمته بعده. (محمد الإتيوبي)
- تعظيم أمر الفتن، وأنها تعرض على القلوب، فتفسدها. (محمد الإتيوبي)
-أعلم الله تعالى النبي ﷺ بتفاصيل ما يجري بعده لأهل بيته وأصحابه، وبأعيان المنافقين، وبتفاصيل ما يقع في أمته من كبار الفتن وصغارها، وأعيان أصحابها وأسمائهم، وأنه بث الكثير من ذلك عند من يصلح لذلك من أصحابه كحذيفة رضي الله عنه. (القرطبي)
-وبهذا يعلم أن أصحابه كان عندهم من علم الكوائن الحادثة إلى يوم القيامة العلم الكثير والحظ الوافر لكن لم يشيعوها إذ ليست من أحاديث الأحكام، وما كان فيها شيء من ذلك حدثوا به، ونقضوا عن عهدته، ولحذيفة في هذا الباب زيادة مزية وخصوصية لم تكن لغيره منهم؛ لأنه كان كثير السؤال عن هذا الباب، كما دلت عليه أحاديثه وكما دل عليه تخصيص عمر له بالسؤال عن ذلك دون غيره. (الهرري)

٢٦٧٠. (م) (٢٨٩٣) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قالَ: قالَ جُندبٌ ﵁: جِئتُ يَومَ الجَرَعَةِ فَإذا رَجُلٌ جالِسٌ، فَقُلتُ: لَيُهراقَنَّ اليَومَ هاهُنا دِماءٌ، فَقالَ ذاكَ الرَّجُلُ: كَلا واللهِ. قُلتُ: بَلى واللهِ، قالَ: كَلا واللهِ. قُلتُ: بَلى واللهِ، قالَ: كَلا واللهِ، إنَّهُ لَحَدِيثُ رَسُولِ اللهِ ﷺ حَدَّثَنِيهِ. قُلتُ: بِئسَ الجَلِيسُ لِي أنتَ مُنذُ اليَومِ، تَسمَعُنِي أُخالِفُكَ وقَد سَمِعتَهُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ فَلا تَنهانِي، ثُمَّ قُلتُ: ما هَذا الغَضَبُ؟ فَأَقبَلتُ عَلَيهِ وأَسأَلُهُ فَإذا الرَّجُلُ حُذَيْفَةُ.
- جواز أن يحلف الرجل على ما يظن كما حلف جندب، ثم قال لنفسه: ما هذا الغضب؟ وذلك أنه بان له أن الصواب ليس معه فرجع إلى الصواب. (ابن الجوزي)

باب: ما حَدَّثَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِمّا يَكُونُ إلى قِيامِ السّاعَةِ


٢٦٧١. (خ م) (٢٨٩١) عَنْ حُذَيْفَةَ ﵁ قالَ: قامَ فِينا رَسُولُ اللهِ ﷺ مَقامًا؛ ما تَرَكَ شَيئًا يَكُونُ فِي مَقامِهِ ذَلكَ إلى قِيامِ السّاعَةِ إلا حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَن حَفِظَهُ ونَسِيَهُ مَن نَسِيَهُ، قَد عَلِمَهُ أصحابِي هَؤُلاءِ، وإنَّهُ لَيَكُونُ مِنهُ الشَّيءُ قَد نَسِيتُهُ، فَأَراهُ فَأَذكُرُهُ، كَما يَذكُرُ الرَّجُلُ وجهَ الرَّجُلِ إذا غابَ عَنهُ، ثُمَّ إذا رَآهُ عَرَفَهُ.
- قوله: (وإنه ليكون الشيء منه قد نسيته) يعني أنني ربما أنسى بعض الأمور التي أخبر بها رسول الله ﷺ أنها ستكون ثم أذكرها حينما أراها تقع عيانًا.(محمد الأمين الهرري)

٢٦٧٢. (م) (٢٨٩٢) عَنْ أبِي زَيْدٍ عَمْرِو بْنِ أخْطَبَ قالَ: صَلّى بِنا رَسُولُ اللهِ ﷺ الفَجرَ، وصَعِدَ المِنبَرَ، فَخَطَبَنا حَتّى حَضَرَتِ الظُّهرُ، فَنَزَلَ فَصَلّى، ثُمَّ صَعِدَ المِنبَرَ، فَخَطَبَنا حَتّى حَضَرَت العَصرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلّى، ثُمَّ صَعِدَ المِنبَرَ، فَخَطَبَنا حَتّى غَرَبَت الشَّمسُ، فَأَخبرَنا بِما كانَ وبِما هُو كائِنٌ، فَأَعلَمُنا أحفَظُنا.
-قوله (فأعلمنا أحفظنا) يعني من كان أعلم منا حفظ تلك الأشياء أكثر من غيره، أو المراد أن من حفظها أكثر اعتبر اليوم أعلم. (محمد الأمين الهرري)
-وفيه: دلالة على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات من ابتدائها إلى انتهائها، وفي إيراد ذلك كله في مجلس واحد أمر عظيم من خوارق العادة، وكيف وقد أعطي جوامع الكلم مع ذلك. (العيني)
-ظاهره أن خطبته ﷺ استمرت طول النهار فيحتمل أن يكون حقيقة، ويحتمل أن يكون على سبيل التغليب فتكون بين الخطبات وقفة والله أعلم. (محمد الأمين الهرري)

باب: الـمُبادَرَةُ بِالأَعْمالِ الصّالِحَةِ قَبْلَ الفِتَنِ


٢٦٧٣. (م) (١١٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «بادِرُوا بِالأَعمالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا، ويُمسِي كافِرًا، أو يُمسِي مُؤمِنًا، ويُصبِحُ كافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا».
-الحض على اغتنام الفرصة، والاجتهاد في أعمال الخير والبر عند التمكن فيها قبل هجوم الموانع.
-الأمر بالتمسك بالدين، والتشديد فيه عند الفتن، والتحذير من الفتن، ومن الإقبال على الدنيا وعلى مطالمعها.
وهذا لعظم الفتن، ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب. (النووي)

باب: الـمُبادَرَةُ بِالأَعْمالِ الصّالِحَةِ قَبْلَ أشْراطِ السّاعَةِ


٢٦٧٤. (م) (٢٩٤٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «بادِرُوا بِالأَعمالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها، أوِ الدُّخانَ، أوِ الدَّجّالَ، أوِ الدّابَّةَ، أو خاصَّةَ أحَدِكُم، أو أمرَ العامَّةِ». وفي رواية: «بادِرُوا بِالأَعمالِ سِتًّا: الدَّجّالَ، والدُّخانَ، ودابَّةَ الأَرضِ ...»، مثله.
-قال: (بادروا بالأعمال ستًّا) أي سابقوا ست آيات دالة على وجود القيامة قبل وقوعها وحلولها، فإن العمل بعد وقوعها وحلولها لا يُقبل ولا يُعتبر.
-والمعنى بادروا بالأعمال الصالحة وسارعوا إلى الإتيان بها قبل أن تظهر هذه العلامات الست؛ إذ يعسر العمل فيما بعدها أو لا يقبل عندها. (محمد الأمين الهرري)
- وقوله: (أو خاصة أحدكم)، يعني العلامة التي تخص أحدكم والمراد منها الموت فإن من مات قامت قيامته، وقيل هو ما يختص به الإنسان من الشواغل المتعلقة بنفسه أو ماله أو ما يهتم به. (محمد الأمين الهرري)

باب: فِرارُ الـمُؤْمِنِ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ


٢٦٧٥. (خ) (١٩) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ أنَّهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يُوشِكُ أن يَكُونَ خَيرَ مالِ المُسلِمِ غَنَمٌ يَتبَعُ بِها شَعَفَ الجِبالِ ومَواقِعَ القَطرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِن الفِتَنِ».
- هذا الحديث يدل على إباحة الانفراد والاعتزال عند ظهور الفتن، طلبا لإحراز السلامة فى الدين، وخشية أن تحل عقوبة فتعم الكل، وهذا كله من كمال الدين. (ابن بطال)
-وإنما خص - ﷺ - الغنم بكونها خير مال المسلم لما فيها من السكينة والبركة.
-لا نقص ولا عيب في رعي الأغنام فقد رعاها الأنبياء صلاة الله وسلامه عليهم، لأنها سهلة الانقياد، خفيفة المؤن، كثيرة النفع.
-إن العزلة المحمودة في هذا الحديث ليست الرهبانية المذمومة في القرآن لأن الرهبانية تتضمن إهمال الحقوق الواجبة للنفس والأهل والعباد بخلاف هذه العزلة، فإن المقصود منها ترك الاختلاط مع الناس مع أداء حقوق النفس والأهل في العزلة، والله سبحانه وتعالى أعلم. (محمد الأمين الهرري)

باب: الفِتْنَةُ نَحْوَ الـمَشْرِقِ


٢٦٧٦. (خ م) (٢٩٠٥) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ وهُوَ مُستَقبِلُ المَشرِقِ يَقُولُ: «ألا إنَّ الفِتنَةَ هاهُنا، ألا إنَّ الفِتنَةَ هاهُنا؛ مِن حَيثُ يَطلُعُ قَرنُ الشَّيطانِ».
ورَوى (م) عَن سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمرَ يَقُولُ: يا أهلَ العِراقِ؛ ما أسأَلَكُم عَنِ الصَّغِيرةِ، وأَركَبَكُم لِلكَبِيرَة، سَمِعتُ أبِي عَبدَ اللهِ بنَ عُمر ... نَحوَهُ، وفِيها: وأَنتُم يَضرِبُ بَعضُكُم رِقابَ بَعضٍ، وإنَّما قَتَلَ مُوسى الَّذِي قَتَلَ مِن آلِ فِرعُونَ خَطَأً، فَقالَ اللهُ ﷿ لَهُ: ﴿وقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ وفَتَنّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠].
- أن المراد من قرن الشيطان حزبه وأعوانه يعني من هذا الجانب يعني المشرق يخرج أعوان الشيطان الذين يوقعون الفتنة للمسلمين. (السيوطي)
- وإنما أشار النبي ﷺ إلى المشرق؛ لأن أهله يومئذ أهل كفر، فأخبر أن الفتنة تكون من تلك الناحية وكذا وقع فكان وقعة الجمل ووقعة صفين، ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق، وكان أصل ذلك كله وسببه قتل عثمان رضي الله عنه وهذا علم من أعلام نبوته ﷺ. (القسطلاني)

٢٦٧٧. (خ) (٧٠٩٤) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ: «اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِي شَأمِنا، اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِي يَمَنِنا». قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ وفِي نَجدِنا. قالَ: «اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِي شَأمِنا، اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِي يَمَنِنا». قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ وفِي نَجدِنا. فَأَظُنُّهُ قالَ فِي الثّالِثَةِ: «هُناكَ الزَّلازِلُ والفِتَنُ، وبِها يَطلُعُ قَرنُ الشَّيطانِ».
- ويستحب لكل أحد أن يتضرع بالدعاء عند الزلازل ونحوها، كالصواعق، والريح الشديدة، والخسف وأن يصلي منفردا لئلا يكون غافلا. (القسطلاني)
-وإنما ترك الدعاء لأهل المشرق، لأنه علم العاقبة، وأن القدر سبق بوقوع الفتن فيها، والزلازل، ونحوها من العقوبات. (القسطلاني)

باب: لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُ كِسْرى وقَيْصَرَ فِـي سَبيلِ اللهِ


٢٦٧٨. (خ م) (٢٩١٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قَد ماتَ كِسرى فَلا كِسرى بَعدَهُ، وإذا هَلَكَ قَيصَرُ فَلا قَيصَرَ بَعدَهُ، والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتُنفَقَنَّ كُنُوزُهُما فِي سَبِيلِ اللهِ».
ورَوى (م) عَن جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لَتَفتَحَنَّ عِصابةٌ مِنَ المُسلِمِينَ كَنزَ آلَ كِسرى الَّذِي فِي الأَبيَضِ». وفي رواية (م): وسَمِعتُهُ يَقُولُ: «عُصَيبَةٌ مِن المُسلِمِينَ يَفتَتِحُونَ البَيتَ الأَبيَضَ بَيتَ كِسرى أو آلِ كِسرى».
-لا يكون كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام كما كان في زمنه ﷺ، فعلمنا رسول الله ﷺ بانقطاع ملكهما في هذين الإقليمين فكان كما قال ﷺ، فأما كسرى فانقطع ملكه وزال بالكلية من جميع الأرض وتمزق ملكه كل ممزق واضمحل بدعوة رسول الله ﷺ، وأما قيصر فانهزم من الشام ودخل أقاصي بلاده من القسطنطينية ورومة فافتتح المسلمون بلادهما واستقرت للمسلمين فلله الحمد. (النووي)

باب: لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ


٢٦٧٩. (خ م) (٢٦٦٩) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِن قَبلِكُم؛ شِبرًا بِشِبرٍ، وذِراعًا بِذِراعٍ، حَتّى لَو دَخَلُوا فِي جُحرِ ضَبٍّ لاتَّبَعتُمُوهُم». قُلنا: يا رَسُولَ اللهِ: آليَهُودَ والنَّصارى؟ قالَ: «فَمَن؟»
-ووجه التخصيص: بجحر الضب، لشدة ضيقه ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لوافقوهم. (العيني)
-فأخبر (ﷺ) أن أمته قبل قيام الساعة يتبعون المحدثات من الأمور، والبدع والأهواء المضلة كما اتبعتها الأمم من فارس والروم حتى يتغير الدين عند كثير من الناس، وقد أنذر (ﷺ) فى كثير من حديثه أن الآخر شر، وأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، وأن الدين إنما يبقى قائما عند خاصة من المسلمين، يحتسبون أنفسهم على الله فى القول بالحق، والقيام بالمنهج القويم فى دين الله. (ابن بطال)

باب: قَوْلُهُ: «يُهْلِكُ أُمَّتِي هَذا الحَيُّ مِن قُرَيْشٍ»


٢٦٨٠. (خ م) (٢٩١٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «يُهلِكُ أُمَّتِي هَذا الحَيُّ مِن قُرَيشٍ». قالُوا: فَما تَأمُرُنا؟ قالَ: «لَو أنَّ النّاسَ اعتَزَلُوهُم». وفي رواية (خ): يَقُول: «هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلى يَدَي غِلمَةٍ مِن قُرَيشٍ». فَقالَ مَروانُ: لَعنَةُ اللَّهِ عَلَيهِم غِلمَةً. فَقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: لَو شِئتُ أن أقُولَ بَنِي فُلانٍ وبَنِي فُلانٍ لَفَعَلتُ. فَكُنتُ أخرُجُ مَعَ جَدِّي إلى بَنِي مَروانَ حِينَ مُلِّكُوا بِالشَّأمِ فَإذا رَآهُم غِلمانًا أحداثًا قالَ لَنا: عَسى هَؤُلاءِ أن يَكُونُوا مِنهُم. قُلنا: أنتَ أعلَمُ.
-وهذا الحديث من المعجزات وقد وقع ما أخبر به ﷺ
-وكان الهلاك الحاصل من هؤلاء لأمته في ذلك العصر إنما سببه أن هؤلاء الأغيلمة لصغر أسنانهم لم يجربوا الأمور، ولم يتحافظوا على أمور الدين وإنما تصرفهم على مقتضى غلبة الأهواء، وحدَّة الشباب فظهر أن المراد بعض رجال من قريش وهو الأحداث منهم لا كلهم. (موسى لاشين)

باب: تَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ


٢٦٨١. (خ م) (٢٨٨٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ، القاعِدُ فِيها خَيرٌ مِن القائِمِ، والقائِمُ فِيها خَيرٌ مِن الماشِي، والماشِي فِيها خَيرٌ مِن السّاعِي، مَن تَشَرَّفَ لَها تَستَشرِفُهُ، ومَن وجَدَ فِيها مَلجأً فَليَعُذ بِهِ». وفي رواية (م): «النّائمُ فِيها خَيرٌ مِن اليَقظانِ، واليَقظانُ فِيها خَيرٌ مِن القائمِ، والقائمِ فِيها خَيرٌ مِن السّاعِي، فَمَن وجَدَ مَلجَأً أو مَعاذًا فَليستَعِذ».
٢٦٨٢. (م) (٢٨٨٧) عَنْ أبِي بَكْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّها سَتَكُونَ فِتَنٌ، ألا ثُمَّ تَكُونُ فِتنَةٌ القاعِدُ فِيها خَيرٌ مِنَ الماشِي فِيها، والماشِي فِيها خَيرٌ مِن السّاعِي إليها، ألا فَإذا نَزَلَت أو وقَعَت فَمَن كانَ لَهُ إبِلٌ فَليَلحَق بِإبلِهِ، ومَن كانَت لَهُ غَنَمٌ فَليَلحَق بِغَنَمِهِ، ومَن كانَت لَهُ أرضٌ فَليَلحَق بِأَرضِهِ». قالَ: فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ الله؛ أرَأَيتَ مَن لَم يَكُن لَهُ إبِلٌ ولا غَنَمٌ ولا أرضٌ؟ قالَ: «يَعمِدُ إلى سَيفِهِ فَيَدُقُّ عَلى حَدِّه بِحَجَرٍ، ثُمَّ ليَنجُ إن استَطاعَ النَّجاءَ، اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ؟ اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ؟ اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ؟» قالَ: فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أرَأَيتَ إن أُكرِهتُ حَتّى يُنطَلقَ بِي إلى أحَدِ الصَّفينِ، أو إحدى الفِئَتَينِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيفِهِ، أو يَجِيءُ سَهمٌ فَيَقتُلُنِي؟ قالَ: «يَبُوءُ بِإثمِهِ وِإثمِكَ، ويَكُونُ مِن أصحابِ النّارِ».
-هذان الحديثان في الإخبار من وقوع فتن هائلة عظيمة بعده، والأمر بالكف عنها والفرار منها.
- في الحديث حث الناس على اعتزال الفتن.
-وإن درجات النائم واليقظان والقاعد تشير على درجات مختلفة من الاعتزال لا على درجات من الوقوع في الفتنة.
-وأن الإنسان ينبغي له أيام الفتنة أن يلزم بيته ما أمكن؛ لأنه وإن لم يخرج لقصد الفتنة فإنها ربما تدركه فيقع فيها.

باب: إذا تَواجَهَ الـمُسْلِمانِ بِسَيْفَيْهِما


٢٦٨٣. (خ م) (٢٨٨٨) عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قالَ: خَرَجتُ وأَنا أُرِيدُ هَذا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أبُو بَكْرَةَ فَقالَ: أينَ تُرِيدُ يا أحنَفُ؟ قالَ: قُلتُ: أُرِيدُ نَصرَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ. يَعنِي عَلِيًّا، قالَ: فَقالَ لِي: يا أحنَفُ؛ ارجِع، فَإنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إذا تَواجَهَ المُسلِمانِ بِسَيفَيهِما فالقاتِلُ والمَقتُولُ فِي النّارِ». قالَ: فَقُلتُ أو قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ هَذا القاتِلُ، فَما بالُ المَقتُولِ؟ قالَ: «إنَّهُ قَد أرادَ قَتلَ صاحِبِهِ». وفي رواية (م): «إذا المُسلِمانِ حَمَلَ أحَدُهُما عَلى أخِيهِ السِّلاحَ فَهُما عَلى جُرُفِ جَهَنَّمَ، فَإذا قَتَلَ أحَدُهُما صاحِبَهُ دَخَلاها جَمِيعًا».
-واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله. وكان بعضهم مصيبا، وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ؛ لأنه اجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه، وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب. هذا مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا، ولم يتيقنوا الصواب، ثم تأخروا عن مساعدته. (النووي)
-وفي هذا الحديث رفع الإثم عن المكره على الحضور هناك، وأما القتل فلا يباح بالإكراه بل يأثم المكره على المأمور به بالإجماع. (النووي)

باب: تَقْتُلُ عَمّارًا الفِئَةُ الباغِيَةُ


٢٦٨٤. (خ م) (٢٩١٥) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: أخبَرَنِي مَن هُوَ خَيرٌ مِنِّي؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ لِعَمّار حِينَ جَعَلَ يَحفِرُ الخَندَقَ، وجَعَلَ يَمسَحُ رَأسَهُ ويَقُولُ: «بُؤسَ ابْنِ سُمَيَّةَ، تَقتُلُكَ فِئَةٌ باغِيَةٌ». لَفظُ (خ): ويَقُولُ: «ويحَ عَمّارٍ تَقتُلُهُ الفِئَةُ الباغِيَةُ يَدعُوهُم إلى الجَنَّةِ ويَدعُونَهُ إلى النّارِ». قالَ: يَقُولُ عَمّارٌ: أعُوذُ بِاللَّهِ مِن الفِتَنِ.
لَفظُ (خ): عَن عِكرِمَةَ: قالَ لِي ابنُ عَبّاسٍ ولابنِهِ عَلِيٍّ: انطَلِقا إلى أبِي سَعِيدٍ فاسمَعا مِن حَدِيثِهِ، فانطَلَقنا، فَإذا هُو فِي حائِطٍ يُصلِحُهُ، فَأَخَذَ رِداءَهُ فاحتَبى، ثُمَّ أنشَأَ يُحَدِّثُنا، حَتّى أتى ذِكْرُ بِناءِ المَسْجِدِ، فَقالَ: كُنّا نَحمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وعَمّارُ لَبِنَتَينِ لَبِنَتَينِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَيَنفُضُ التُّرابَ عَنهُ، ويَقُولُ: «ويْحَ عَمّارٍ، تَقتُلُهُ الفِئةُ الباغِيَةُ، يَدعُوهُم إلى الجَنَّةِ، ويَدعُونَهُ إلى النّارِ». قالَ: يَقُولُ عَمّارُ: أعُوذُ بِاللهِ مِن الفِتَنِ. وفي رواية لَهُ: ومَسَحَ عَن رَأسِهِ الغُبارَ، وفِيها: «يَدعُوهُم إلى اللهِ ...».
-وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ من أوجه: منها أن عمارا يموت قتيلا، وأن يقتله مسلمون وأنهم بغاة، وأن الصحابة يقاتلون، وأنهم يكونون فرقتين: باغية، وغيرها، وكل هذا قد وقع مثل فلق الصبح ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. (النووي)
-قوله: "فأخذ رداءه فاحتبى"؛ فيه التأهب لإلقاء العلم، وترك التحديث في حالة المهنة إعظاما للحديث. (ابن حجر)
-وفيه جواز ارتكاب المشقة في عمل البر، وتوقير الرئيس والقيام عنه بما يتعاطاه من المصالح، وفضل بنيان المساجد. (ابن حجر)
-قوله " فرآه النبي ﷺ فينفض" فيه التعبير بصيغة المضارع في موضع الماضي مبالغة لاستحضار ذلك في نفس السامع كأنه يشاهد. (ابن حجر)
-وفيه إكرام العامل في سبيل الله والإحسان إليه بالفعل والقول. (ابن حجر)
-فيه دليل على استحباب الاستعاذة من الفتن ولو علم المرء أنه متمسك فيها بالحق؛ لأنها قد تفضي إلى وقوع من لا يرى وقوعه. (ابن حجر)
- وفيه رد للحديث الشائع لاتستعيذوا بالله من الفتن فإن فيها حصاد المنافقين. (ابن حجر)

٢٦٨٥. (خ) (٧١٠٠) عَنْ أبِي مَرْيَمَ عَبْدِ اللهِ بْنِ زِيادٍ الأَسَدِيِّ قالَ: لَمّا سارَ طَلحَةُ والزُّبَيرُ وعائِشَةُ إلى البَصرَةِ بَعَثَ عَلِيٌّ عَمّارَ بنَ ياسِرٍ وحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ، فَقَدِما عَلَينا الكُوفَةَ، فَصَعِدا المِنبَرَ، فَكانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ فَوقَ المِنبَرِ فِي أعلاهُ، وقامَ عَمّارٌ أسفَلَ مِنَ الحَسَنِ، فاجتَمَعنا إلَيهِ، فَسَمِعتُ عَمّارًا يَقُولُ: إنَّ عائِشَةَ قَد سارَت إلى البَصرَةِ، وواللهِ إنَّها لَزَوجَةُ نَبِيِّكُم ﷺ فِي الدُّنيا والآخِرَةِ، ولَكِنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى ابتَلاكُم لِيَعلَمَ؛ إيّاهُ تُطِيعُونَ أم هِيَ؟.
٢٦٨٦. (خ) (٧١٠٢) عَنْ أبِي وائِلٍ يَقُولُ: دَخَلَ أبُو مُوسى وأَبُو مَسْعُودٍ عَلى عَمّارٍ حَيثُ بَعَثَهُ عَلِيٌّ إلى أهلِ الكُوفَةِ يَستَنفِرُهُم، فَقالا: ما رَأَيناكَ أتَيتَ أمرًا أكرَهَ عِندَنا مِن إسراعِكَ فِي هَذا الأمرِ مُنذُ أسلَمتَ. فَقالَ عَمّارٌ: ما رَأَيتُ مِنكُما مُنذُ أسلَمتُما أمرًا أكرَهَ عِندِي مِن إبطائِكُما عَن هَذا الأمرِ. وكَساهُما حُلَّةً حُلَّةً، ثُمَّ راحُوا إلى المَسْجِدِ.
وفي رواية: فَقال أبُو مَسْعُودٍ: ما مِن أصحابِكَ أحَدٌ إلا لَو شِئتُ لَقلتُ فِيهِ غَيرَكَ، وما رَأَيتُ مِنكَ ... وفيها: فَقال أبُو مَسْعُودٍ - وكانَ مُوسِرًا ـ: يا غُلامُ؛ هاتِ حُلَّتَينِ. فَأَعطى إحداهُما أبا مُوسى، والأخرى عَمّارًا، وقال: رُوحا فِيهِ إلى الجُمُعَةِ.
قوله: (أَكرَهَ عِندَنَا مِن إِسرَاعِكَ فِي هَذَا الأمرِ) أي ترغيب الناس إلى الخروج للقتال، فإن قلت الإبطاء فيه كيف يكون عيبا، قلت لأنه تأخر عن امتثال مقتضى قوله تعالى {فأصلحوا بين أخويكم}. (الكرماني)
-كان اجتماعهم عند أبي مسعود في يوم الجمعة، فكسى عمارا حلة ليشهد بها الجمعة؛ لأنه كان في ثياب السفر وهيئة الحرب، فكره أن يشهد الجمعة في تلك الثياب، وكره أن يكسوه بحضرة أبي موسى ولا يكسو أبا موسى، فكسى أبا موسى أيضا. (ابن بطال)
-فيما دار بينهم دلالة على أن كلاًّ من الطائفتين كان مجتهدًا ويرى أن الصواب معه. (ابن بطال)

باب: مَن رَأى اعْتِزالَ الفَرِيقَيْنِ


٢٦٨٧. (خ) (٧١١٠) عَنْ حَرْمَلَةَ مَوْلى أُسامَةَ قالَ: أرسَلَنِي أُسامَةُ إلى عَلِيٍّ، وقالَ: إنَّهُ سَيَسأَلُكَ الآنَ فَيَقُولُ: ما خَلَّفَ صاحِبَكَ؟ فَقُل لَهُ: يَقُولُ لَكَ: لَو كُنتَ فِي شِدقِ الأسَدِ لأحبَبتُ أن أكُونَ مَعَكَ فِيهِ، ولَكِنَّ هَذا أمرٌ لَم أرَهُ. فَلَم يُعطِنِي شَيئًا، فَذَهَبتُ إلى حَسَنٍ وحُسَينٍ وابنِ جَعفَرٍ، فَأَوقَرُوا لِي راحِلَتِي.
-حديث أسامة فإنه أرسل مولاه إلى علي بن أبى طالب يعرفه أنه من أحبّ الناس إليه، وأنه يحب مشاركته في السراء والضراء، ويعتذر إليه من تخلفه عن الحرب معه، وأنه لا يرى ذلك لما روى عنه: " أن النبي (ﷺ) لما بعثه إلى الحرقة أدرك رجلا بالسيف فقال له الرجل: لا إله إلا الله، فقتله فأخبر النبي بذلك، فقال له: يا أسامة قتلته بعدما قال: لا إله إلا الله. فقال: يا رسول الله إنما قالها تعوّذًا.
فقال رسول الله: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم"، فآلى أسامة على نفسه أن لا يقاتل مسلمًا أبدًا، فلذلك قعد عن علىّ، رضى الله عنه، فى الجمل وصفين. (ابن بطال(

باب: أُمُورٌ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السّاعَةِ


٢٦٨٨. (خ م) (١٥٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَقتَتِلَ فِئَتانِ عَظِيمَتانِ، وتَكُونُ بَينَهُما مَقتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، ودَعواهُما واحِدَةٌ».
قول: (فئتان عظيمتان) يعني بهما فئة علي ومعاوية - رضي الله عنهما - والله تعالى أعلم.
و(قوله: دعواهما واحدة) أي دينهما واحد؛ إذ الكل مسلمون، يدعون بدعوة الإسلام عند الحرب، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. (القرطبي)

٢٦٨٩. (خ م) (١٥٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يا لَيتَنِي مَكانَهُ». وفي رواية (م): «والذِي نَفسِي بيدِهِ لا تَذهَبُ الدُّنيا حتّى يَمُرَّ الرَّجُلُ على القبرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيهِ، ويقولُ: يا لَيتَنِي كُنتُ مَكانَ صاحِبِ هَذا القبرِ. وليسَ بِهِ الدِّينُ إلا البَلاءُ».
٢٦٩٠. (خ م) (٢٩٠٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَخرُجَ نارٌ مِن أرضِ الحِجازِ، تُضِيءُ أعناقَ الإبِلِ بِبُصرى».
وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت نارا عظيمة جدا من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة تواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان وأخبرني من حضرها من أهل المدينة. (النووي)

٢٦٩١. (خ م) (٢٩٠٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَضطَرِبَ ألَياتُ نِساءِ دَوسٍ حَولَ ذِي الخَلَصَةِ». وكانَت صَنَمًا تَعبُدُها دَوسٌ فِي الجاهِلِيَّةِ (بِتَبالَةَ).
٢٦٩٢. (خ م) (١٥٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يَكثُرَ فِيكُم المالُ فَيَفِيضَ، حَتّى يُهِمَّ رَبَّ المالِ مَن يَقبَلُهُ مِنهُ صَدَقَةً، ويُدعى إلَيهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: لا أرَبَ لِي فِيهِ». وفي رواية (م) نحوه، وزاد: «وحَتّى تَعُودَ أرضُ العَرَبِ مُرُوجًا وأَنهارًا».
٢٦٩٣. (خ م) (٢٨٩٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يُوشِكُ الفُراتُ أن يَحسِرَ عَن كَنزٍ مِن ذَهَبٍ، فَمَن حَضَرَهُ فَلا يَأخُذ مِنهُ شَيئًا». وفي رواية: «عَن جَبَلٍ مِن ذَهَبٍ».
٢٦٩٤. (خ م) (٢٩١٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تُقاتِلُونَ بَينَ يَدَي السّاعَةِ قَومًا نِعالُهُم الشَّعَرُ، كَأَنَّ وُجُوهَهُم المَجانُّ المُطرَقَةُ، حُمرُ الوُجُوهِ، صِغارُ الأَعيُنِ». وفي رواية: «حَتّى يُقاتِلَ المُسلِمُونَ التُّركَ؛ قَومًا وُجُوهُهُم كالمَجانِّ المُطرَقَةِ». وفي رواية (خ) زادَ: وهُو هَذا البارِزُ. وقالَ سُفيانُ مَرَّةً: وهُم أهلُ البازَرِ. وفي رواية (خ) زادَ: «حَتّى تُقاتِلُوا خُوزًا وكَرمانَ مِنَ الأَعاجِمِ ...».
٢٦٩٥. (خ م) (٢٩١٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يَخرُجَ رَجُلٌ مِن قَحطانَ، يَسُوقُ النّاسَ بِعَصاهُ».
٢٦٩٦. (خ م) (١٥٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يُبعَثَ دَجّالُونَ كَذّابُونَ قَرِيبٌ مِن ثَلاثِينَ، كُلُّهُم يَزعُمُ أنَّهُ رَسُولُ اللهِ».

باب: فِـي قِتالِ الـمُسْلِمِينَ اليَهُودَ


٢٦٩٧. (خ م) (٢٩٢٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يُقاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهُودَ، فَيَقتُلُهُم المُسلِمُونَ، (حَتّى يَختَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وراءِ الحَجَرِ والشَّجَرِ)، فَيَقُولُ الحَجَرُ (أو الشَّجَرُ): يا مُسلِمُ؛ (يا عَبدَ اللهِ)؛ هَذا يَهُودِيٌّ خَلفِي فَتَعالَ فاقتُلهُ، (إلا الغَرقَدَ، فَإنَّهُ مِن شَجَرِ اليَهُودِ)».
قوله ﷺ: (إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود ) قال النووي: الغرقد نوع من شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس، وهناك يكون قتل الدجال واليهود. وقال أبو حنيفة الدينوري: إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة.

باب: فِـي الخَسْفِ بِالجَيْشِ الَّذِي يَؤُمُّ البَيْتَ


٢٦٩٨. (خ م) (٢٨٨٤) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: (عَبَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي مَنامِهِ، فَقُلنا: يا رَسُولَ اللهِ؛ صَنَعتَ شَيئًا فِي مَنامِكَ لَم تَكُن تَفعَلُهُ). فَقالَ: «العَجَبُ إنَّ ناسًا مِن أُمَّتِي يَؤُمُّونَ بِالبَيتِ؛ بِرَجُلٍ مِن قُرَيشٍ قَد لَجَأَ بِالبَيتِ، حَتّى إذا كانُوا بِالبَيداءِ خُسِفَ بِهِم». فَقُلنا: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ الطَّرِيقَ قَد يَجمَعُ النّاسَ. قالَ: «نَعَم، (فِيهِم المُستَبصِرُ، والمَجبُورُ، وابنُ السَّبِيلِ، يَهلِكُونَ مَهلَكًا واحِدًا، ويَصدُرُونَ مَصادِرَ شَتّى)، يَبعَثُهُم اللهُ عَلى نِيّاتِهِم». لَفظُ (خ): «يَغزُو جَيشٌ الكَعبَةَ، فَإذا كانُوا بِبَيداءَ مِنَ الأَرضِ يُخسَفُ بِأوَّلَهِم وآخِرِهِم». قالَت: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ كَيفَ يُخسَفُ بِأوَّلِهِم وِآخِرِهِم، وفِيهِم أسواقُهُم ومَن لَيسَ مِنهُم؟ قالَ: «يُخسَفُ بِأوَّلِهِم وآخِرِهِم ثُمَّ يَبعَثُونَ عَلى نِيّاتِهِم». ورَوى (م) عَن أُمِّ سَلَمَةَ مَرفُوعًا: «يَعُوذُ عائِذٌ بِالبَيتِ ...» نَحوَهُ، وفِيهِ: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ فَكيفَ بِمَن كانَ كارِهًا؟ ... وفِي آخِرِهِ: وقالَ أبُو جَعفَرٍ: هِي بَيداءُ المَدِينةِ.
ورَوى (م) عَن حَفصَةَ ﵂ نَحوَه، وفِيهِ: «... يُخسَفُ بِأوسَطِهِم، ويُنادِي أوَّلُهُم آخِرَهُم، ثم يُخسَفُ بِهِم، فلا يَبقى إلا الشَّرِيدُ الَّذِي يُخبِرُ عَنهُم». وفي رواية لَهُ: «سَيَعُوذُ بِهَذا البيتِ -يعني الكَعبَةَ- قومٌ لَيسَت لَهُم مَنَعَةٌ ولا عَدَدٌ ولا عُدَّةٌ».

باب: يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ


٢٦٩٩. (خ م) (٢٩٠٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ يَقُولُ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «يُخَرِّبُ الكَعبَةَ ذُو السُّوَيقَتَينِ مِن الحَبَشَةِ».
ورَوى (خ) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «كَأَنِّي بِهِ أسوَدَ أفحَجَ، يَقلَعُها حَجَرًا حَجَرًا».
-وقوله فى هذا الحديث: " عبث رسول الله ﷺ فى منامه ": قيل: معناه: اضطرب بجسمه، ويحتمل أنه بحركة أطرافه كمن يأخذ شيئًا ويدفعه، ويحتمل أن يكون بحركة جسمه منزعجاً لهول ما رآه. (القاضي عياض)
-التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم، ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين؛ لئلا يناله ما يعاقبون به.
- وفيه أن من كثّر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا. (النووي)

باب: حَجُّ البَيْتِ فِـي آخِرِ الزَّمانِ


٢٧٠٠. (م) (١٢٥٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابنُ مَريَمَ بِفَجِّ الرَّوحاءِ حاجًّا أو مُعتَمِرًا، أو لَيَثنِيَنَّهُما».
٢٧٠١. (خ) (١٥٩٣) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَيُحَجَّنَّ البَيتُ ولَيُعتَمَرَنَّ بَعدَ خُرُوجِ يَأجُوجَ ومَأجُوجَ».
- أخبر عليه السلام أن البيت يحج بعد خروج يأجوج ومأجوج، وأن عيسى ابن مريم يحج ويعتمر بعد ذلك.

باب: فِـي سُكْنى الـمَدِينَةِ وعِمارَتِها قَبْلَ السّاعَةِ


٢٧٠٢. (م) (٢٩٠٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَبلُغُ المَساكِنُ إهابَ أو يَهابَ». قالَ زُهَيرُ بْنِ مُعاوِيَةَ: قُلتُ لِسُهَيلٍ: فَكَم ذَلكَ مِنَ المَدِينَةِ؟ قالَ: كَذا وكَذا مِيلًا.

باب: لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لا تُمْطَرُوا


٢٧٠٣. (م) (٢٩٠٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لَيسَتِ السَّنَةُ بِأَن لا تُمطَرُوا، ولَكِنِ السَّنَةُ أن تُمطَرُوا وتُمطَرُوا ولا تُنبِتُ الأَرضُ شَيئًا».

باب: لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ والنَّهارُ حَتّى تُعْبَدَ اللّاتُ والعُزّى


٢٧٠٤. (م) (٢٩٠٧) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لا يَذهَبُ اللَّيلُ والنَّهارُ حَتّى تُعبَدَ اللاتُ والعُزّى». فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إن كُنتُ لأَظُنُّ حِينَ أنزَلَ اللهُ: ﴿هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣]، أنَّ ذَلكَ تامًّا، قالَ: «إنَّهُ سَيَكُونُ مِن ذَلكَ ما شاءَ اللهُ، ثُمَّ يَبعَثُ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفّى كُلَّ مَن فِي قَلبِهِ مِثقالَ حَبَّةِ خَردَلٍ مِن إيمانٍ، فَيَبقى مَن لا خَيرَ فِيهِ، فَيَرجِعُونَ إلى دِينِ آبائِهِم».

باب: كَثْرَةُ الهَرْجِ فِـي آخِرِ الزَّمانِ وفَضْلُ العِبادَةِ فِيهِ


٢٧٠٥. (م) (٢٩٠٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لا تَذهَبُ الدُّنيا حَتّى يَأتِيَ عَلى النّاسِ يَومٌ لا يَدرِي القاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، ولا المَقتُول فِيمَ قُتِلَ». فَقِيلَ: كَيفَ يَكُونُ ذَلكَ؟ قالَ: «الهَرجُ، القاتِلُ والمَقتُولُ فِي النّارِ».
٢٧٠٦. (م) (٢٩٤٨) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «العِبادَةُ فِي الهَرجِ كَهِجرَةٍ إلَيَّ».
- أصل الهرج الكثرة في الشيء، أي وقت الفتن واختلاط الأمور.
- عظيم فضل العبادة أوقات الفتن؛ إذ الغالب على أهل عصور الفتن اللهو والانشغال عن المقصود الأعظم من وجودهم، فكان لمن فطن وتذكر الأجر الكبير، والفوز العظيم.
- إذا عمت الفتن اشتغلت القلوب، وإذا تعبد حينئذ متعبد دل على قوة اشتغال قلبه بالله عز وجل فيكثر أجره. (ابن الجوزي)
- (كهجرة إلي) في كثرة الثواب، وجب تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر وأهله إلى دار الإيمان وأهله، فإذا وقعت الفتن تعين على المرء أن يفر بدينه من الفتن إلى العبادة، ويهجر أولئك الأقوام في تلك الحالة وهو أحد أقسام الهجرة. (الصنعاني)
- سيكثر القتل، والكذب والخيانة، والجهل، والفحش والزنا، وسيصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه العبادة والتمسك بالدين بالعبادة في أول الإسلام وبالهجرة إلى رسول الله ﷺ فرارا بالدين ونصرة لله ولرسوله، فقوله: "العبادة في الهرج كهجرة إلي" أن المتمسك بدينه في آخر الزمان كالمتمسك بدينه في أوائل الإسلام. (موسى لاشين)

باب: ذِكْرُ الجَهْجاهِ


٢٧٠٧. (م) (٢٩١١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا تَذهَبُ الأَيّامُ واللَّيالِي حَتّى يَملِكَ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ: الجَهجاهُ».

١ ١/قال رسول الله ﷺ: "فإذا ضُيعت الأمانة فانتظر (.............)"

٥/٠