كِتابُ فَضائِلِ القُرْآنِ


باب: جَمْعُ أبِي بَكْرٍ ﵁ لِلْقُرْآنِ


٢٨٠٢. (خ) (٤٦٧٩) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ الأَنْصارِيِّ ﵁؛ وكانَ مِمَّن يَكتُبُ الوَحيَ قالَ: أرسَلَ إلَيَّ أبُو بَكرٍ مَقتَلَ أهلِ اليَمامَةِ وعِندَهُ عُمَرُ، فَقالَ أبُو بَكرٍ: إنَّ عُمَرَ أتانِي فَقالَ: إنَّ القَتلَ قَد استَحَرَّ يَومَ اليَمامَةِ بِالنّاسِ، وإنِّي أخشى أن يَستَحِرَّ القَتلُ بِالقُرّاءِ فِي المَواطِنِ، فَيَذهَبَ كَثِيرٌ مِن القُرآنِ إلا أن تَجمَعُوهُ، وإنِّي لأرى أن تَجمَعَ القُرآنَ. قالَ أبُو بَكرٍ: قلت لِعُمَرَ: كَيفَ أفعَلُ شَيئًا لَم يَفعَلهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ فَقالَ عُمَرُ: هُوَ واللهِ خَيرٌ. فَلَم يَزَل عُمَرُ يُراجِعُنِي فِيهِ حَتّى شَرَحَ اللهُ لِذَلكَ صَدرِي، ورَأَيتُ الَّذِي رَأى عُمَرُ، قالَ زَيدُ بنُ ثابِتٍ: وعُمَرُ عِندَهُ جالِسٌ لا يَتَكَلَّمُ، فَقالَ أبُو بَكرٍ: إنَّكَ رَجُلٌ شابٌّ عاقِلٌ، ولا نَتَّهِمُكَ، كُنتَ تَكتُبُ الوَحيَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَتَتَبَّع القُرآنَ فاجمَعهُ. فَو اللهِ لَو كَلَّفَنِي نَقلَ جَبَلٍ مِن الجِبالِ ما كانَ أثقَلَ عَلَيَّ مِمّا أمَرَنِي بِهِ مِن جَمعِ القُرآنِ، قلت: كَيفَ تَفعَلانِ شَيئًا لَم يَفعَلهُ النَّبِيُّ ﷺ؟ فَقالَ أبُو بَكرٍ: هُوَ واللهِ خَيرٌ. فَلَم أزَل أُراجِعُهُ حَتّى شَرَحَ اللهُ صَدرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدرَ أبِي بَكرٍ وعُمَرَ، فَقُمتُ فَتَتَبَّعتُ القُرآنَ أجمَعُهُ مِن الرِّقاعِ والأَكتافِ والعُسُبِ وصُدُورِ الرِّجالِ، حَتّى وجَدتُ مِن سُورَةِ التَّوبَةِ آيَتَينِ مَعَ خُزَيمَةَ الأَنْصارِيِّ لَم أجِدهُما مَعَ أحَدٍ غَيرِهِ، ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ [التوبة: ١٢٨] إلى آخِرِهِما، وكانَت الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيها القُرآنُ عِنْدَ أبِي بَكرٍ حَتّى تَوَفّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتّى تَوَفّاهُ اللهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفصَةَ بِنتِ عُمَرَ. وفي رواية: أجمَعُهُ مِنَ العُسُبِ والرِّقاعِ واللِّخافِ ... وفي آخرها: قال مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ: اللِّخافُ؛ يَعنِي الخَزَفَ.
- ( فيذهب كثير من القرآن ) : هذا يدل على أن كثيرا ممن قتل في وقعة اليمامة كان قد حفظ القرآن ، لكن يمكن أن يكون المراد أن مجموعهم جمعه لا أن كل فرد جمعه ." ابن حجر "
- ذكر أبو بكر رضي الله عنه لزيد أربع صفات مقتضية خصوصيته بذلك : كونه شابا فيكون أنشط لما يطلب منه ، وكونه عاقلا فيكون أوعى له ، وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه ، وكونه كان يكتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له ، وهذه الصفات التي اجتمعت له قد توجد في غيره لكن مفرقه . " ابن حجر"
- وهذا يدل على عظيم العناية بشأن القرآن، فإن زيدا لم يكن يعتمد في جمع القرآن على علمه، ولا يقتصر على حفظه، بل كانت الآية محفوظة عنده وعند غيره، بدليل قوله : " فأخذت أتتبعه من الرقاع والعسب " وإنما أراد أن يجمع بين الحفظ للآيات، والكتابة لها، فلم يجدها مكتوبة إلا عند ( خزيمة ) رضي الله عنه ، فالذي فقده هو فقد وجودها مكتوبة لا فقد وجودها محفوظة. ( ابن حجر )
- قال ابن الباقلاني : كان الذي فعله أبو بكر رضي الله عنه من ذلك فرض كفاية ، فكل أمر يرجع لإحصائه وحفظه فهو واجب على الكفاية، وكان ذلك من النصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم . " ابن حجر "
- ( فو الله لو كلفوني .........) : إنما قال زيد بن ثابت ذلك لما خشيه من التقصير في إحصاء ما أمر بجمعه . " ابن حجر "
-( لم أجدها مع أحد غيره ) : أي أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة." ابن حجر "
- و فائدة التتبع المبالغة في الاستظهار، والوقوف عندما كتب بين يدي النبي ﷺ . " ابن حجر "

باب: جَمْعُ الأُمَّةِ عَلى حَرْفٍ واحِدٍ وهُوَ مُصْحَفُ عُثْمانَ ﵁


٢٨٠٣. (خ) (٤٩٨٧) عَنِ ابْنِ شِهابٍ؛ عَن أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ حُذَيْفَةَ بنَ اليَمانِ ﵂ قَدِمَ عَلى عُثْمانَ ﵁، وكانَ يُغازِي أهلَ الشَّأمِ فِي فَتحِ إرمِينِيَةَ وأَذرَبِيجانَ مَعَ أهلِ العِراقِ، فَأَفزَعَ حُذَيْفَةَ اختِلافُهُم فِي القِراءَةِ، فَقالَ حُذَيْفَةُ لِعُثمانَ: يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ؛ أدرِك هَذِهِ الأمَّةَ قَبلَ أن يَختَلِفُوا فِي الكِتابِ اختِلافَ اليَهُودِ والنَّصارى. فَأَرسَلَ عُثْمانُ إلى حَفصَةَ؛ أن أرسِلِي إلَينا بِالصُّحُفِ نَنسَخُها فِي المَصاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّها إلَيكِ. فَأَرسَلَت بِها حَفصَةُ إلى عُثْمانَ، فَأَمَرَ زَيدَ بنَ ثابِتٍ وعَبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ وسَعِيدَ بنَ العاصِ وعَبدَ الرَّحْمَنِ بنَ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ فَنَسَخُوها فِي المَصاحِفِ، وقالَ عُثْمانُ لِلرَّهطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاثَةِ: إذا اختَلَفتُم أنتُم وزَيدُ بنُ ثابِتٍ فِي شَيءٍ مِن القُرآنِ فاكتُبُوهُ بِلِسانِ قُرَيشٍ، فَإنَّما نَزَلَ بِلِسانِهِم. فَفَعَلُوا، حَتّى إذا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي المَصاحِفِ رَدَّ عُثْمانُ الصُّحُفَ إلى حَفصَةَ، وأَرسَلَ إلى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصحَفٍ مِمّا نَسَخُوا، وأَمَرَ بِما سِواهُ مِن القُرآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أو مُصحَفٍ أن يُحرَقَ، قالَ ابنُ شِهابٍ: وأَخبَرَنِي خارِجَةُ بنُ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ؛ سَمِعَ زَيدَ بنَ ثابِتٍ قالَ: فَقَدتُ آيَةً مِن الأَحزابِ حِينَ نَسَخنا المُصحَفَ، قَد كُنتُ أسمَعُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقرَأُ بِها، فالتَمَسناها فَوَجَدناها مَعَ خُزَيمَةَ بْنِ ثابِتٍ الأنصارِيِّ ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣]، فَأَلحَقناها فِي سُورَتِها فِي المُصحَفِ.
- الفرق بين الصحف والمصحف : أن الصحف الأوراق المجردة التي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر، وكانت سورا مفرقة كل سورة مرتبة بآياتها على حده لكن لم يرتب بعضها إثر بعض، فلما نسخت ورتب بعضها إثر بعض صارت مصحفا . ( ابن حجر )
- ( وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة ) : يعني سعيدا وعبد الله وعبد الرحمن ، لأن سعيدا أموي ، وعبد الله أسدي, وعبد الرحمن مخزومي وكلها من بطون قريش . ( ابن حجر )
- قال ابن بطال : في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار, وأن ذلك إكرام لها وصون. ( ابن حجر )
- قال ابن التين : الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب جملته ، لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي ﷺ . وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرؤه بلغاتهم على اتساع اللغات ، فأدى ذلك ببعضهم إلى تخطئة بعض ؛ فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم, وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت فاقتصر على لغة واحدة، وكانت لغة قريش أرجح اللغات فاقتصر عليها . ( ابن حجر )

باب: أوَّلُ ما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ


٢٨٠٤. (خ) (٤٩٩٣) عَنْ يُوسُفَ بْنِ ماهَكٍ قالَ: إنِّي عِنْدَ عائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ ﵂؛ إذ جاءَها عِراقِيٌّ فَقالَ: أيُّ الكَفَنِ خَيرٌ؟ قالَت: ويحَكَ، وما يَضُرُّكَ؟ قالَ: يا أُمَّ المُؤمِنِينَ؛ أرِينِي مُصحَفَكِ. قالَت: لِمَ؟ قالَ: لَعَلِّي أُوَلِّفُ القُرآنَ عَلَيهِ، فَإنَّهُ يُقرَأُ غَيرَ مُؤَلَّفٍ. قالَت: وما يَضُرُّكَ أيَّهُ قَرَأتَ قَبلُ إنَّما نَزَلَ أوَّلَ ما نَزَلَ مِنهُ سُورَةٌ مِن المُفَصَّلِ، فِيها ذِكرُ الجَنَّةِ والنّارِ، حَتّى إذا ثابَ النّاسُ إلى الإسلام نَزَلَ الحَلالُ والحَرامُ، ولَو نَزَلَ أوَّلَ شَيءٍ: لا تَشرَبُوا الخَمرَ، لَقالُوا: لا نَدَعُ الخَمرَ أبَدًا، ولَو نَزَلَ: لا تَزنُوا، لَقالُوا: لا نَدَعُ الزِّنا أبَدًا. لَقَد نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ وإنِّي لَجارِيَةٌ ألعَبُ: ﴿بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ والسّاعَةُ أدْهى وأَمَرُّ﴾ [القمر: ٤٦]، وما نَزَلَت سُورَةُ البَقَرَةِ والنِّساءِ إلا وأَنا عِندَهُ. قالَ: فَأَخرَجَت لَهُ المُصحَفَ، فَأَملَت عَلَيهِ آيَ السُّوَرِ.
- ( أي الكفن خير؟ قالت : ويحك وما يضرك ؟ ) : لعل هذا العراقي كان قد سمع حديث سمرة مرفوعا : " البسوا من ثيابكم البياض ، وكفنوا فيها موتاكم فإنها أطهر وأطيب " فأراد أن يستثبت من عائشة رضي الله عنها في ذلك ، وكان أهل العراق اشتهروا بالتعنت في السؤال ، فلهذا قالت له عائشة : وما يضرك ؟ تعني أي كفن كفنت فيه أجزأ. ( ابن حجر )
- ( وما يضرك أيه قرأت قبل ): تبين أن السؤال إنما وقع عن ترتيب السور . ( ابن حجر )
- لا نعلم أحدا قال بوجوب ترتيب السور في القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها ، بل يجوز أن يقرأ الكهف قبل البقرة والحج قبل الكهف مثلا ، وأما ما جاء عن السلف من النهي عن قراءة القرآن منكوسا فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها. ( ابن بطال )
- قال الباقلاني : ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة على ما هي عليه الآن في المصحف توقيف من الله تعالى وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيها ﷺ . ( ابن حجر )
- ( نزل الحلال والحرام) : أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل، وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد، والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة وللكافر والعاصي بالنار، فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام . ( ابن حجر )

باب: فَضْلُ قِراءَةِ القُرْآنِ والعَمَلِ بِهِ


٢٨٠٥. (م) (٨٠٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أيُحِبُّ أحَدُكُم إذا رَجَعَ إلى أهلِهِ أن يَجِدَ فِيهِ ثَلاثَ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ؟» قُلنا: نَعَم. قالَ: «فَثَلاثُ آياتٍ يَقرَأُ بِهِنَّ أحَدُكُم فِي صَلاتِهِ خَيرٌ لَهُ مِن ثَلاثِ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ».
٢٨٠٦. (م) (٨٠٣) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ ﵁ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ونَحنُ فِي الصُّفَّةِ فَقالَ: «أيُّكُم يُحِبُّ أن يَغدُوَ كُلَّ يَومٍ إلى بُطحانَ أو إلى العَقِيقِ، فَيَأتِيَ مِنهُ بِناقَتَينِ كَوماوَينِ فِي غَيرِ إثمٍ ولا قَطعِ رَحِمٍ؟» فَقُلنا: يا رَسُولَ اللهِ؛ نُحِبُّ ذَلكَ. قالَ: «أفَلا يَغدُو أحَدُكُم إلى المَسْجِدِ فَيَعلَمُ أو يَقرَأُ آيَتَينِ مِن كِتابِ اللهِ خَيرٌ لَهُ مِن ناقَتَينِ، وثَلاثٌ خَيرٌ لَهُ مِن ثَلاثٍ، وأَربَعٌ خَيرٌ لَهُ مِن أربَعٍ، ومِن أعدادِهِنَّ مِنَ الإبِلِ».
- الترغيب في تعليم القرآن وتعليمه وخاطبهم على ما تعارفوه، فإنهم أهل إبل وإلا فأقل جزء من ثواب القرآن وتعليمه خير من الدنيا وما فيها .
- فضل طلب العلم، وفضل تعلم القرآن .
- تعاهد النبي ﷺ لأصحابه بالموعظة والإرشاد .

٢٨٠٧. (م) (٨٠٤) عَنْ أبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «اقرَؤُوا القُرآنَ فَإنَّهُ يَأتِي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصحابِهِ، اقرَؤُوا الزَّهراوَينِ البَقَرَةَ وسُورَةَ آلِ عِمرانَ، فَإنَّهُما تَأتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأَنَّهُما غَمامَتانِ أو كَأَنَّهُما غَيايَتانِ، أو كَأَنَّهُما فِرقانِ مِن طَيرٍ صَوافَّ، تُحاجّانِ عَن أصحابِهِما، اقرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ فَإنَّ أخذَها بَرَكَةٌ، وتَركَها حَسرَةٌ، ولا تَستَطِيعُها البَطَلَةُ». قالَ مُعاوِيَةُ بنُ سلاَّمٍ: بَلَغَنِي أنَّ البَطَلَةَ السَّحَرَةُ.
٢٨٠٨. (م) (٨٠٥) عَنِ النَّوّاسِ بْنِ سِمْعانَ الكِلابِيِّ ﵁ قالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «يُؤتى بِالقُرآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعمَلُونَ بِهِ تَقدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ وآلُ عِمرانَ». وضَرَبَ لَهُما رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَلاثَةَ أمثالٍ ما نَسِيتُهُنَّ بَعدُ، قالَ: «كَأَنَّهُما غَمامَتانِ، أو ظُلَّتانِ سَوداوانِ بَينَهُما شَرْقٌ، أو كَأَنَّهُما حِزقانِ مِن طَيرٍ صَوافَّ تُحاجّانِ عَن صاحِبِهِما».
- فيه أن قراءة القرآن فيها من الخير والبركة والحصانة من كيد سحرة الدنيا وخاصة البقرة وآل عمران .
- قال النووي : قالوا : سميتا الزهراوين لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما .
- قوله : ( بينهما شرق ) : رويناه بكسر الراء وفتحها ، قيل :وهو الضياء والنور . قلت : والأشبه : أن الشرق بالسكون ، بمعنى المشرق ، يعني : أن بين تلك الظلتين السوداوين مشارق أنوار ، وبالفتح : هو الضياء نفسه ، وإنما نبه في هذا الحديث على هذا الضياء ، لأنه لما قال : سوداوان ، قد يتوهم أنهما مظلمتان ، فنفى ذلك بقوله : بينهما شرق ، أي مشارق أنوار ، أو أنوار ، حسب ما قررناه ، ويعني بكونهما سوداوين : أي من كثافتهما التي بسببهما حالتا بين من تحتهما وبين حرارة الشمس وشدة اللهب . والله أعلم . ( القاضي عياض )

باب: مَثَلُ الـمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ والَّذِيِ لا يَقْرَأ القُرْآنَ


٢٨٠٩. (خ م) (٧٩٧) عَنْ أبِي مُوسى الأَشْعَرِيِّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَثَلُ المُؤمِنِ الَّذِي يَقرَأُ القُرآنَ مَثَلُ الأُترُجَّةِ؛ رِيحُها طَيِّبٌ وطَعمُها طَيِّبٌ، ومَثَلُ المُؤمِنِ الَّذِي لا يَقرَأُ القُرآنَ مَثَلُ التَّمرَةِ؛ لا رِيحَ لَها وطَعمُها حُلوٌ، ومَثَلُ المُنافِقِ الَّذِي يَقرَأُ القُرآنَ مَثَلُ الرَّيحانَةِ؛ رِيحُها طَيِّبٌ وطَعمُها مُرٌّ، ومَثَلُ المُنافِقِ الَّذِي لا يَقرَأُ القُرآنَ كَمَثَلِ الحَنظَلَةِ؛ لَيسَ لَها رِيحٌ وطَعمُها مُرٌّ». وفي رواية (خ) زادَ: «المُؤمِنُ الَّذِي يَقرَأُ القُرآنَ ويَعمَلُ بِهِ كالأُترُجَّةِ ... وفِيها: والمُؤمِنُ الَّذِي لا يَقرَأُ القُرآنَ ويَعمَلُ بِهِ كالتَّمرَةِ ...». وفي رواية: «الفاجِرُ» مكانَ: «المُنافِق»
- فيه أن النبي ﷺ اختار الأترجة ، لأنها جامعة لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون ، ومنافعها كثيرة ، فكذلك الذي يقرأ القرآن ويعمل به .
- فيه فضيلة حامل القرآن والذي يعمل به .
- فيه الحث والحض على تلاوة القرآن وتدبره ، والعمل بأحكامه ." الصابوني "
- فيه التذكير بواجب التلاوة لكتاب الله ، والعمل بتوجيهاته ، لأن القرآن نور ، وشفاء لما في الصدور ." الصابوني "
- فيه التحذير من صفات أهل الضلالة والنفاق ، حيث لا ينفع القرآن قارئه ، إذا كان منافقا ." الصابوني "
- فيه التشبيه الرائع البديع ، حيث شبه كل صنف من الأصناف الأربعة ، بما يتوافق مع حقيقة الواقع ." الصابوني "
- فيه تشبيه الإيمان بالطعم الحلو الطيب ، لكونه خيرا باطنا ، لا يظهر لكل أحد ، وتشبيه بالريح الطيب ، ينتفع بشمه كل أحد من العقلاء ." الصابوني"

باب: فَضْلُ تَعَلَّمِ القُرْآنِ وتَعْلِيمِهِ


٢٨١٠. (م) (٨١٧) عَنْ عامِرِ بْنِ واثِلَةَ ﵁؛ أنَّ نافِعَ بنَ عَبْدِ الحارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسفانَ، وكانَ عُمَرُ يَستَعمِلُهُ عَلى مَكَّةَ، فَقالَ: مَنِ استَعمَلتَ عَلى أهلِ الوادِي؟ فَقالَ: ابنَ أبزى. قالَ: ومَنِ ابنُ أبزى؟ قالَ: مَولىً مِن مَوالِينا. قالَ: فاستَخلَفتَ عَلَيهِم مَولىً؟! قالَ: إنَّهُ قارِئٌ لِكِتابِ اللهِ ﷿، وإنَّهُ عالِمٌ بِالفَرائِضِ. قالَ عُمَرُ: أما إنَّ نَبِيَّكُم ﷺ قَد قالَ: «إنَّ اللهَ يَرفَعُ بِهَذا الكِتابِ أقوامًا ويَضَعُ بِهِ آخَرِينَ».
- قوله : ( إن الله يرفع بهذا الكتاب ) : أي يكرم في الدنيا والآخرة ، وذلك بسبب الاعتناء به ، والعلم به ، والعمل بما فيه .
- فيه مشروعية أن يولي المولى على الأحرار إذا كان فقيها عالما بالفرائض .
- فيه أن الله يضع بهذا القرآن أقواما أضاعوه وتركوا العمل بما فيه .

٢٨١١. (خ) (٥٠٢٧) عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي؛ عَن عُثْمانَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ». قالَ: وأَقرَأَ أبُو عَبدِ الرَّحْمَنِ فِي إمرَةِ عُثْمانَ حَتّى كانَ الحَجّاجُ، قالَ: وذاكَ الَّذِي أقعَدَنِي مَقعَدِي هَذا. وفي رواية: «إنَّ أفضَلَكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ».
-بيان شرف أهل العلم ومنزلتهم الرفيعة عند الله ، حيث أوصلوا هداية الله إلى عباده .
- القرآن العظيم كلام الله ، وهو أشرف العلوم وأفضلها على الإطلاق .
- في الحديث الحث على تعليم القرآن ، وقد سئل الثوري عن الجهاد وإقراء القرآن فرجح الثاني واحتج بهذا الحديث . ( ابن حجر )

باب: فِـي تَعْلِيمِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ القُرْآنَ


٢٨١٢. (خ) (٤٣٩١) عَنْ عَلْقَمَةَ قالَ: كُنّا جُلُوسًا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَجاءَ خَبَّابٌ فَقالَ: يا أبا عَبدِ الرَّحْمَنِ؛ أيَستَطِيعُ هَؤُلاءِ الشَّبابُ أن يَقرَأوا كَما تَقرَأُ؟ قالَ: أما إنَّكَ لَو شِئتَ أمَرتَ بَعضَهُم يَقرَأُ عَلَيكَ. قالَ: أجَل. قالَ: اقرَأ يا عَلقَمَةُ. فَقالَ زَيدُ بنُ حُدَيرٍ أخُو زِيادِ بْنِ حُدَيرٍ: أتَأمُرُ عَلقَمَةَ أن يَقرَأَ ولَيسَ بِأَقرَئِنا؟ قالَ: أما إنَّكَ إن شِئتَ أخبَرتُكَ بِما قالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي قَومِكَ وقَومِهِ. فَقَرَأتُ خَمسِينَ آيَةً مِن سُورَةِ مَريَمَ، فَقالَ عَبدُ اللهِ: كَيفَ تَرى؟ قالَ: قَد أحسَنَ. قالَ عَبدُ اللهِ: ما أقرَأُ شَيئًا إلا وهُوَ يَقرَؤُهُ. ثُمَّ التَفَتَ إلى خَبّابٍ وعَلَيهِ خاتَمٌ مِن ذَهَبٍ فَقالَ: ألَم يَأنِ لِهَذا الخاتَمِ أن يُلقى؟ قالَ: أما إنَّكَ لَن تَراهُ عَلَيَّ بَعدَ اليَومِ. فَأَلقاهُ.
- ( أما إنك إن شئت أخبرتك ) : كأنه يشير إلى ثناء النبي ﷺ على النخع ، لأن علقمة نخعي.
- ( ما أقرأ شيئا إلا وهو يقرأه ) : يعني علقمة ، وهي منقبة عظيمة لعلقمة حيث شهد له ابن مسعود أنه مثله في القراءة . " ابن حجر "
- منقبة لابن مسعود وحسن تأنيه في الموعظة والتعليم . " ابن حجر "
- فيه أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم كان يخفى عليه بعض الأحكام فإذا نبه عليها رجع ، ولعل خبابا كان يعتقد أن النهي عن لبس الرجال خاتم الذهب للتنزيه ، فنبه ابن مسعود رضي الله عنه على تحريمه ، فرجع إليه مسرعا . " ابن حجر "

باب: فِـي خُلُقِ أهْلِ القُرْآنِ


٢٨١٣. (خ) (٧٢٨٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: قَدِمَ عُيَينَةُ بنُ حِصنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدرٍ، فَنَزَلَ عَلى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيسِ بْنِ حِصنٍ، وكانَ مِن النَّفَرِ الَّذِينَ يُدنِيهِم عُمَرُ، وكانَ القُرّاءُ أصحابَ مَجلِسِ عُمَرَ ومُشاوَرَتِهِ، كُهُولًا كانُوا أو شُبّانًا، فَقالَ عُيَينَةُ لابنِ أخِيهِ: يا ابنَ أخِي؛ هَل لَكَ وجهٌ عِنْدَ هَذا الأمِيرِ، فَتَستَأذِنَ لِي عَلَيهِ؟ قالَ: سَأَستَأذِنُ لَكَ عَلَيهِ. قالَ ابنُ عَبّاسٍ: فاستَأذَنَ لِعُيَينَةَ، فَلَمّا دَخَلَ قالَ: يا ابنَ الخَطّابِ؛ واللهِ ما تُعطِينا الجَزلَ، وما تَحكُمُ بَينَنا بِالعَدلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتّى هَمَّ بِأَن يَقَعَ بِهِ، فَقالَ الحُرُّ: يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ؛ إنَّ اللهَ تَعالى قالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩]. وإنَّ هَذا مِن الجاهِلِينَ. فَوَ اللهِ ما جاوَزَها عُمَرُ حِينَ تَلاها عَلَيهِ، وكانَ وقّافًا عِنْدَ كِتابِ اللهِ.
- قال الطيبي ما ملخصه : أمر الله نبيه في هذه الآية بمكارم الأخلاق، فأمر أمته بنحو ما أمره الله به، ومحصلهما الأمر بحسن المعاشرة مع الناس, وبذل الجهد في الإحسان إليهم, والمداراة معهم والإغضاء عنهم . ( ابن حجر )
- روي عن جعفر الصادق وقال : ليس في القرآن آية – { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} - أجمع لمكارم الأخلاق منها ، ووجهوه بأن الأخلاق ثلاثة بحسب القوة الإنسانية : عقلية, وشهوية, وغضبية، فالعقلية الحكمة ومنها الأمر بالمعروف ، والشهوية العفة ومنها أخذ العفو، والغضبية الشجاعة ومنها الإعراض عن الجاهلين . " ابن حجر "

٢٨١٤. (خ) (٧٢٨٢) عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: يا مَعشَرَ القُرّاءِ؛ استَقِيمُوا، فَقَد سَبَقتُم سَبقًا بَعِيدًا، فَإن أخَذتُم يَمِينًا وشِمالًا لَقَد ضَلَلتُم ضَلالًا بَعِيدًا.
- وصفه بـ " سبقا بعيدا " بالبعد لأنه غاية شأو السابقين، والمراد أنه خاطب بذلك من أدرك أوائل الإسلام فإذا تمسك بالكتاب والسنة سبق إلى كل خير؛ لأن من جاء بعده إن عمل بعمله لم يصل إلى ما وصل إليه من سبقه إلى الإسلام، وإلا فهو أبعد منه حسا وحكما . " ابن حجر"

باب: فَضْلُ الفاتِحَةِ وخَواتِيمِ سُورَةِ البَقَرَةِ


٢٨١٥. (خ م) (٨٠٧) عَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأَنْصارِيِّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن قَرَأَ هاتَينِ الآيَتَينِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيلَةٍ كَفَتاهُ».
- فيه أن هاتين الآيتين عظيمتين ، لما فيهما من معاني الإيمان والإسلام والالتجاء إلى الله والاستعانة به .
- قيل : معناه كفتاه من قيام الليل ، وقيل : من الشيطان ، وقيل : من الآفات ، ويحتمل من الجميع . ( النووي )
- فيه فضل الآيتين من آخر سورة البقرة ، وأنهما يقيان المؤمن من المكروه . " الصابوني "

٢٨١٦. (م) (٨٠٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: بَينَما جِبرِيلُ قاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ سَمِعَ نَقِيضًا مِن فَوقِهِ فَرَفَعَ رَأسَهُ، فَقالَ: «هَذا بابٌ مِنَ السَّماءِ فُتِحَ اليَومَ لَم يُفتَح قَطُّ إلا اليَومَ، فَنَزَلَ مِنهُ مَلَكٌ، فَقالَ: هَذا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الأَرضِ لَم يَنزِل قَطُّ إلا اليَومَ، فَسَلَّمَ وقالَ: أبشِر بِنُورَينِ أُوتِيتَهُما لَم يُؤتَهُما نَبِيٌّ قَبلَكَ: فاتِحَةُ الكِتابِ، وخَواتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَن تَقرَأَ بِحَرفٍ مِنهُما إلا أُعطِيتَهُ».
- بيان عظم مكانة سورة الفاتحة وخواتيم البقرة ، والحث على قراءتهما .
- بيان أن من الملائكة رسلا إلى الأنبياء غير جبريل .

باب: فَضْلُ آيَةِ الكُرسِيِّ


٢٨١٧. (م) (٨١٠) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا أبا المُنذِرِ؛ أتَدرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ مَعَكَ أعظَمُ؟» قالَ: قُلتُ: اللهُ ورَسُولُهُ أعلَمُ. قالَ: «يا أبا المُنذِرِ؛ أتَدرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ مَعَكَ أعظَمُ؟» قالَ: قُلتُ: ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، قالَ: فَضَرَبَ فِي صَدرِي وقالَ: «واللهِ لِيَهنِكَ العِلمُ أبا المُنذِرِ».
- قوله : ( ليهنك العلم أبا المنذر ) فيه منقبة عظيمة لأبيّ ودليل على كثرة علمه . ( النووي )
- وفيه تبخيل العالم فضلاء أصحابه وتكنيتهم . ( النووي )
- قال النووي : وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة ، ولم يخف عليه إعجاب ونحوه ، لكمال نفسه ورسوخه في التقوى .
- قوله : ( أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) قال القاضي عياض : فيه حجة للقول بجواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وتفضيله على سائر كتب الله تعالى .

باب: فَضْلُ سُورَةِ الكَهْفِ


٢٨١٨. (م) (٨٠٩) عَنْ أبِي الدَّرْداءِ ﵁؛ أنَّ نَبِيَّ اللهِ ﷺ قالَ: «مَن حَفِظَ عَشرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهف عُصِمَ مِنَ الدَّجّالِ». وفي رواية: «مِن آخِرِ الكَهفِ».
- فيه فضل العشر آيات من أول سورة الكهف .
- قوله : ( من آخر الكهف ) : قال النووي : سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات ، فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال ، وكذا في آخرها قوله تعالى : { أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا } .

باب: سُورَةُ الإخْلاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ


٢٨١٩. (م) (٨١١) عَنْ أبِي الدَّرْداءِ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «أيَعجِزُ أحَدُكُم أن يَقرَأَ فِي لَيلَةٍ ثُلُثَ القُرآنِ؟» قالُوا: وكَيفَ يَقرَأ ثُلُثَ القُرآنِ؟ قالَ: «قُل هُوَ اللهُ أحَدٌ تَعدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ». رَواهُ (خ): عَن أبِي سَعِيدٍ الخُدرِي، ولفظه: فَشَقَّ ذَلكَ عَلَيهِم، وقالُوا: أيُّنا يُطِيقُ ذَلكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ فَقالَ: «اللهُ الواحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرآنِ».
ورَوى (م) عَن أبِي الدَّرْداءِ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قالَ: «إنَّ اللهَ جَزَّأَ القُرآنَ ثَلاثَةَ أجزاءٍ، فَجَعَلَ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ﴾ جُزءًا مِن أجزاءِ القُرآنِ»..
- إثبات فضل : ( قل هو الله أحد ).
- إلقاء العالم المسائل على أصحابه .
- قال القرطبي : ( اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أصناف الكمال لم يوجدا في غيرها من السور ، وهما الأحد الصمد ، لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال ، وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجود الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره ، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال ، لأنه الذي انتهى إليه السؤدد, فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثلثاه .
- قوله ( أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ) : فيه إلقاء العالم المسائل على أصحابه ، واستعمال اللفظ في غير ما يتبادر للفهم ، لأن المتبادر من إطلاق ثلث القرآن أن المراد ثلث حجمه المكتوب مثلا ، وقد ظهر أن ذلك غير مراد . ( ابن حجر )

٢٨٢٠. (م) (٨١١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «احشُدُوا؛ فَإني سَأَقرَأُ عَلَيكُم ثُلُثَ القُرآنِ». فَحَشَدَ مَن حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبيُّ اللهِ ﷺ فَقَرَأَ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ﴾. ثُمَّ دَخَلَ، فَقالَ بَعضُنا لِبَعضٍ: إنِّي أُرى هَذا خَبَرٌ جاءَهُ مِن السَّماءِ، فَذاكَ الَّذِي أدخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبيُّ اللهِ ﷺ فَقالَ: «إني قُلتُ لَكُم: سَأَقرَأُ عَلَيكُم ثُلُثَ القُرآنِ، ألا إنَّها تَعدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ». وفي رواية لَهُ: فَقَرَأَ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: ١، ٢] حَتّى خَتَمَها.
- فيه سعة عظيم فضل الله على عباده ، بأن جعل قراءة سورة قصيرة تعدل ثلث القرآن .
- قال المازني : قيل : معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص, وأحكام, وصفات لله تعالى ، و { قل هو الله أحد } متضمنة للصفات ، فهي ثلث ، وجزء من ثلاثة أجزاء . قال النووي : وقيل : معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف .

٢٨٢١. خ) (٥٠١٣) عَن أبِي سَعِيدٍ الخُدرِي؛ أنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقرَأُ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ﴾، يُرَدِّدُها، فَلَمّا أصبَحَ جاءَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَذَكَرَ ذَلكَ لَهُ، وكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقالُّها، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إنَّها لَتَعدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ».
وفي رواية لَهُ: عَن أبِي سَعِيدٍ عَن قَتادَةَ بْنِ النُّعْمانَ نَحوَهُ، وفِيها: يَقرَأُ مِن السَّحَرِ ... لا يَزِيدُ عَلَيها..
- لعل الرجل الذي كان يرددها ، كانت منتهى حفظه ، فجاء يقلل عمله وقراءته ، فقال له سيدنا رسول الله ﷺ : إنها لتعدل ثلث القرآن ، ترغيبا له في عمل الخير ، وإن كان قليلا ، ولله عز وجل أن يجازي عبده على العمل اليسير ، بأفضل مما يجازي به على الكثير . ( العيني )

باب: سُورَةُ الإخْلاصِ صِفَةُ الرَّحْمَنِ ﷿


٢٨٢٢. (خ م) (٨١٣) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ بَعَثَ رَجُلًا عَلى سَرِيَّةٍ، وكانَ يَقرَأُ لأَصحابِهِ فِي صَلاتِهِم، فَيَختِمُ بِـ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ﴾، فَلَمّا رَجَعُوا ذُكِرَ ذَلكَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: «سَلُوهُ؛ لأَيِّ شَيءٍ يَصنَعُ ذَلكَ؟» فَسَأَلُوهُ فَقالَ: لأَنَّها صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأَنا أُحِبُّ أن أقرَأَ بِها. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أخبِروهُ أنَّ اللهَ يُحِبُّهُ».
- فيه أن إخبار النبي ﷺ لسبب محبة الله لهذا العبد هو جزاء لمحبة تلك السورة.

باب: فَضْلُ قِراءَةِ الـمُعَوِّذَتَيْنِ


٢٨٢٣. (م) (٨١٤) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ألَم تَرَ آياتٍ أُنزِلَتِ اللَّيلَةَ لَم يُرَ مِثلُهُنَّ قَطُّ: ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾ و﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ﴾».
- فيه بيان أنه لا يوجد في القرآن مثل المعوذتين ، من حيث المعاني والبركة والتعوذ بهما .

٢٨٢٤. (خ) (٥٠١٧) عَنْ عائِشَةَ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا أوى إلى فِراشِهِ كُلَّ لَيلَةٍ جَمَعَ كَفَّيهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِما، فَقَرَأَ فِيهِما: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ﴾ و﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾ و﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ﴾، ثُمَّ يَمسَحُ بِهِما ما استَطاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبدَأُ بِهِما عَلى رَأسِهِ ووَجهِهِ وما أقبَلَ مِن جَسَدِهِ، يَفعَلُ ذَلكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ. وفي رواية: نَفَثَ فِي يَدَيهِ وقَرَأَ بِالمُعَوِّذاتِ ومَسَحَ بِهِما جَسَدَهُ ...
- القرآن شفاء لأمراض الروح والجسد ، مرض القلوب ومرض العقول .
- مشروعية طلب الشفاء بقراءة المعوذات ( الإخلاص والفلق والناس ).
- السنة قراءة الثلاث قبل النوم من كل ليلة ، ومسح الوجه والجسد بعد قراءتها ، اقتداء بفعل الرسول ﷺ .
- مشروعية النفث – النفخ – بعد قراءة القرآن على الكفين

باب: الـماهِرُ بِالقُرْآنِ والَّذِي يَشْتَدُّ عَلَيْهِ


٢٨٢٥. (خ م) (٧٩٨) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «(الماهِرُ بِالقُرآنِ) مَعَ السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والَّذِي يَقرَأُ القُرآنَ ويَتَتَعتَعُ فِيهِ وهُوَ عَلَيهِ شاقٌّ لَهُ أجرانِ».
وفي رواية (م): «وهُو يَشْتَدُّ عَلَيهِ..».
لَفظُ (خ) في حديث الباب: «مَثَلُ الَّذِي يَقرَأُ القُرآنَ وهُو حافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، ومَثَلُ الَّذِي يَقرَأُ القُرآنَ، وهُو يَتَعاهَدُهُ، وهُو عَلَيهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أجرانِ».
-الحث على حفظ القرآن وتعاهده بالتلاوة، وأن المقصود من تلاوة القرآن العمل بما دل عليه.
هذه نقرة وتلك نقرة، فالتقصير في العمل بكل ما دل عليه القرآن لا يمنع من الإثابة على قراءته، واللَّه أعلم. ( ابن حجر )
-أن معالجة قراءة القرآن مع المشقة والصعوبة لها أجران، أجر للمشقة والمعالجة، وأجر للقراءة.
-ليس معناه أن الذي يتتعتع فيه له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجرًا لأنه مع السفرة الكرام البررة، وله أجور كثيرة ( القاضي عياض )
-فضيلة حافظ القرآن وحامله وقارئه بمهارة أو بمشقة.
-استحباب ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام.
-أن من المؤمنين من يكون في درجة الملائكة المقربين.
-في الحديث استحباب قراءة القرآن على الحذاق فيه, وأهل العلم به والفضل، وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه. (النووي)

باب: تَنَزُّلُ السَّكِينَةِ لِقِراءَةِ القُرْآنِ


٢٨٢٦. (خ م) (٧٩٥) عَنِ البَراءِ ﵁ قالَ: كانَ رَجُلٌ يَقرَأُ سُورَةَ الكَهفِ، وعِندَهُ فَرَسٌ مَربُوطٌ بِشَطَنَينِ، فَتَغَشَّتهُ سَحابَة، فَجَعَلَت تَدُورُ وتَدنُو، وجَعَلَ فَرَسُهُ يَنفِرُ مِنها، فَلَمّا أصبَحَ أتى النَّبِيَّ ﷺ، فَذَكَرَ ذَلكَ لَهُ، فَقالَ: «تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَت لِلقُرآنِ».
٢٨٢٧. (م) (٧٩٦) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ أنَّ أُسَيدَ بنَ حُضَيرٍ ﵁ بَينَما هُوَ لَيلَةً يَقرَأُ فِي مِربَدِهِ، إذ جالَت فَرَسُهُ، فَقَرَأَ ثُمَّ جالَت أُخرى، فَقَرَأَ ثُمَّ جالَت أيضًا، قالَ أُسَيدٌ: فَخَشِيتُ أن تَطَأَ يَحيى، فَقُمتُ إلَيها، فَإذا مِثلُ الظُّلَّةِ فَوقَ رَأسِي، فِيها أمثالُ السُّرُجِ، عَرَجَت فِي الجَوِّ حَتّى ما أراها، قالَ: فَغَدَوتُ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ بَينَما أنا البارِحَةَ مِن جَوفِ اللَّيلِ أقرَأُ فِي مِربَدِي، إذ جالَت فَرَسِي، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اقرَأ ابنَ حُضَيرٍ». قالَ: فَقَرَأتُ ثُمَّ جالَت أيضًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اقرَأ ابنَ حُضَيرٍ». قالَ: فَقَرَأتُ ثُمَّ جالَت أيضًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اقرَأ ابنَ حُضَيرٍ». قالَ: فانصَرَفتُ، وكانَ يَحيى قَرِيبًا مِنها، خَشِيتُ أن تَطَأَهُ، فَرَأَيتُ مِثلَ الظُّلَّةِ، فِيها أمثالُ السُّرُجِ، عَرَجَت فِي الجَوِّ حَتّى ما أراها، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تِلكَ المَلائِكَةُ كانَت تَستَمِعُ لَكَ، ولَو قَرَأتَ لأَصبَحَت يَراها النّاسُ، ما تَستَتِرُ مِنهُم».
رَوى (خ) حَدِيثَ أبِي سَعِيدٍ مُعَلَّقًا مُختَصَرًا. وفِيهِ: بَينَما هُوَ يَقرَأُ مِن اللَّيلِ سُورَةَ البَقَرَةِ وفَرَسُهُ مَربُوطَةٌ عِندَهُ إذ جالَت الفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَتَت، فَقَرَأَ فَجالَت الفَرَسُ، فَسَكَتَ وسَكَتَت الفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ فَجالَت الفَرَسُ، فانصَرَفَ وكانَ ابنُهُ يَحيى قَرِيبًا مِنها، فَأَشفَقَ أن تُصِيبَهُ.
-فيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة .
-فيه فضيلة استماع القرآن .
-في الحديث فضل قراءة البقرة وسورة الكهف في الليل.
-فيه أن التشاغل بشيء من أمور الدنيا - ولو كان من المباح - قد يفوت الخير الكثير فكيف لو كان بغير الأمر المباح.
-فيه منقبة عظيمة لأسيد بن حضير رضي الله عنه.
-فيه فضيلة قراءة القرآن بالصوت الحسن، فقد جاء في بعض الصحيح: " دنت لصوتك".
-فيه فضل الخشوعِ في الصَّلاةِ.

باب: لا حَسَدَ إلّا فِـي اثْنَتَيْنِ


٢٨٢٨. (خ م) (٨١٥) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا حَسَدَ إلا فِي اثنَتَينِ؛ رَجُلٌ آتاهُ اللهُ القُرآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ، ورَجُلٌ آتاهُ اللهُ مالًا، فَهُوَ يُنفِقُهُ آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ».
ورَوى (خ) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا حَسَدَ إلّا فِي اثنَتَينِ»، وفِيهِ: «رَجُلٌ عَلَّمهُ اللهُ القُرآنَ ...»، وفِيهِ: «فَسَمِعَهُ جارٌ لَهُ، فَقالَ: لَيتَنِي أُوتِيتُ مِثلَ ما أُوتِي فُلانٌ فَعَمِلتُ مِثلَ ما يَعمَلُ، ورَجُلٌ آتاهُ اللهُ مالًا، فَهُو يُهلِكُهُ فِي الحَقِّ، فَقالَ رَجُلٌ: لَيتَنِي أُوتيتُ مِثلَ ما أُوتِي فُلانٌ فَعَمِلتُ مِثلَ ما يَعمَلُ».
٢٨٢٩. (خ م) (٨١٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا حَسَدَ إلا فِي اثنَتَينِ؛ رَجُلٌ آتاهُ اللهُ مالًا، فَسَلَّطَهُ عَلى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، ورَجُلٌ آتاهُ اللهُ حِكمَةً، فَهُوَ يَقضِي بِها، ويُعَلِّمُها».
- الحسد المذكور في الحديث هو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازا، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه، والحرص على هذا يسمى منافسة، فإن كان في الطاعة فهو محمود، ومنه { فليتنافس المتنافسون } . وإن كان في المعصية فهو مذموم، ومنه: " ولا تنافسوا ". وإن كان في الجائزات فهو مباح.
- أن الطباع مجبولة على حب الترفع على الجنس، فإذا رأى لغيره ما ليس له أحب أن يزول ذلك عنه له ليرتفع عليه، أو مطلقا ليساويه، وصاحبه مذموم إذا عمل بمقتضى ذلك من تصميم أو قول أو فعل، وينبغي لمن خطر له ذلك أن يكرهه كما يكره ما وضع في طبعه من حب المنهيات. (ابن حجر)
- قوله: ( فهو يهلكه في الحق ) فيه احتراس بليغ، كأنه لما أوهم الإنفاق في التبذير من جهة عموم الإهلاك قيده بالحق، والله أعلم. (ابن حجر)
- في الحديث الترغيب في ولاية القضاء لمن استجمع شروطه وقوي على أعمال الحق ووجد له أعوانا؛ لما فيه من الأمر بالمعروف, ونصر المظلوم, وأداء الحق لمستحقه، وكف يد الظالم والإصلاح بين الناس، وكل ذلك من القربات، ولذلك تولاه الأنبياء ومن بعدهم من الخلفاء الراشدين. (ابن حجر)
- لا تنبغي الغبطة في الأمور الخسيسة وإنما تنبغي في الأمور الجليلة الدقيقة كالجود والعلم مع العمل . (ابن حجر)
- فيه أن الغني إذا قام بشرط المال وفعل فيه ما يرضي الله كان أفضل من الفقير.
- فيه فضل العلم وفضل تعلمه وفضل القول بالحق.
- فيه المنافسة في الخير والحض عليه.

باب: الأَمْرُ بِتَعاهُدِ القُرْآنِ بِكَثْرَةِ التِّلاوَةِ


٢٨٣٠. (خ م) (٧٨٩) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّما مَثَلُ صاحِبِ القُرآنِ كَمَثَلِ الإبِلِ المُعَقَّلَةِ، إن عاهَدَ عَلَيها أمسَكَها، وإن أطلَقَها ذَهَبَت». وفي رواية (م) زادَ: «وإذا قامَ صاحِبُ القُرآنِ فَقَرَأهُ بِاللَّيلِ والنَّهارِ ذَكَرَهُ، وإن لَم يَقُم بِهِ نَسِيَهُ».
-ومعنى (صاحب القرآن) أي: الذي ألفه، والمصاحبة: المؤالفة، ومنه فلان صاحب فلان، وأصحاب الجنة وأصحاب النار، وأصحاب إبل وغنم، وصاحب كنز وصاحب عبادة. ( القاضي عياض )
-إنما شبه (ﷺ) صاحب القرآن بصاحب الإبل المعلقة إن عاهد عليها أمسكها وأنه يتفصى من صدور الرجال؛ لقوله تعالى: {ِ إنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [المزمل: 5] ، فوصفه تعالى بالثقل، ولولا ما أعان على حفظه ما حفظوه. (ابن بطال)
-في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده والمواظبة على تلاوته والتحذير من نسيانه بعد حفظه. (ابن عبد البر)
-فيه الإخبار أن القرآن يذهب عن صاحبه وينساه إن لم يتعاهد عليه ويقرأه ويدمن تلاوته. (ابن عبد البر)
-إن نسيان القرآن إنما يكون لترك تعاهده، وللغفلة عنه، كما أن حفظه إنما يثبت بتكراره، والصلاة به. (القرطبي)
-شبه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الشراد فما زال التعاهد موجودا فالحفظ موجود كما أن البعير ما دام مشدودا بالعقال فهو محفوظ, وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفورا وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة . (ابن حجر)
-الإشارة إلى صعوبة حفظ القرآن: هذا الحديث يوافق الآيتين. قوله تعالى: )إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا ([المزمل: [5، وقوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) [ القمر: 17] فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد يسر له، ومن أعرض عنه تفلت منه.
الفوائد السلوكية:
-ضرب الأمثال لتقريب المعنى إلى الأذهان.

٢٨٣١. (خ م) (٧٩٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بِئسَما لأَحَدِهِم يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيتَ وكَيتَ. بَل هُوَ نُسِّيَ، استَذكِرُوا القُرآنَ، فَلَهُوَ أشَدُّ تَفَصِّيًا مِن صُدُورِ الرِّجالِ مِن النَّعَمِ بِعُقُلِها».
ولَهُما عَن أبِي مُوسى، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قالَ: «تَعاهَدُوا هَذا القُرآنَ ...». نَحوَهُ.
-كراهة قول الرجل (نسيت) وإباحة قوله (أنسيت). (ابن عبد البر)
-قيل إن فاعل نسيت النبي -ﷺ- كأنه قال: لا يقل أحد عني أي نسيت آية كذا فإن الله هو الذي أنساني ذلك ؛ لحكمة نسخه ورفع تلاوته وليس لي في ذلك صنع. (القسطلاني)
-صورة الاستفهام الإنكاري لكن ليس الإنكار عن الإتيان بقوله: نسيت آية كذا وكذا، ولكن الإنكار على ارتكاب أسبابه الداعية إلى ذلك. (ابن حجر)
-يحتمل أن ينزل المنع والإباحة عن حالتين فمن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر ديني كالجهاد لم يمتنع عليه قول ذلك، لأن النسيان لم ينشأ عن إهمال أمر ديني, وعلى ذلك يحمل ما ورد من ذلك عن النبي ﷺ من نسبة النسيان إلى نفسه، ومن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر دنيوي ولا سيما إن كان محظوراً امتنع عليه لتعاطيه أسباب النسيان. (القاري)
-إن كراهة قوله "نسيت" آية كذا، كراهة تنزيه, وإنه لا يكره قوله "أنسيتها" وإنما نهى عن نسبتها لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنه. (النووي)
-في هذا الحديث من الفقه أن الكلمة إذا كانت تحتمل معنيين: أحدهما، يتضمن سوء أدب، فالأولى أن يعدل الإنسان عنها إلى كلمة لا تحتمل إلا معنى واحدًا خارجًا عما يحذر. (ابن هبيرة)
-أولى ما يتأول عليه الحديث أن معناه ذمّ الحال، لا ذم القول؛ أي: بئست الحالة، حالة من حفظ القرآن، فغفل عنه حتى نسيه. (القاضي عياض)

باب: تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِقِراءَةِ القُرْآنِ


٢٨٣٢. (خ م) (٧٩٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «ما أذِنَ اللهُ لِشَيءٍ ما أذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوتِ، يَتَغَنّى بِالقُرآنِ، يَجهَرُ بِهِ».
-استحباب تحسين الصوت بالقرآن.
-وفيه: أن الجهر بالعبادة قد يكون في بعض المواضع أفضل من الإسرار، كما يستحب عند التعليم وإيقاظ الغافل ونحو ذلك.

٢٨٣٣. (خ م) (٧٩٣) عَنْ أبِي مُوسى ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لأَبِي مُوسى: «(لَو رَأَيتَنِي وأَنا أستَمِعُ لِقِراءَتِكَ البارِحَةَ)، لَقَد أُوتِيتَ مِزمارًا مِن مَزامِيرِ آلِ داوُدَ».
ورَوى (م) عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الحُصَيْبِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ عَبدَ اللهِ بْنَ قَيسٍ أو الأَشعَرِيَّ أُعطِيَ مِزمارًا مِن مَزامِيرِ آلِ داوُدَ».
-فيه دليل على أن أبا موسى كان يستطيع أن يتلو أشجى من المزامير عند المبالغة في التحبير لأنه قد تلا مثلها وما بلغ حدّ استطاعته. (القسطلاني)
-أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها .
-استحباب الإصغاء إلى سماع الصوت الحسن في القرآن الكريم.
-فيه منقبة وفضيلة لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه.(موسى لاشين)
- حسن صوت داود عليه السلام وجماله حتى قال الله تعالى:{يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد} فكانت الجبال ترجع مع داود وهو يتلو الزبور, وكذلك الطير تؤوب معه سبحان الله تأتي فإذا سمعت قراءته تجمعت في جو السماء وجعلت ترجع معه. (ابن عثيمين)

٢٨٣٤. (خ) (٧٥٢٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيسَ مِنّا مَن لَم يَتَغَنَّ بِالقُرآنِ»، وزادَ غَيرُهُ: «يَجهَرُ بِهِ».

باب: كَيْفَ كانَتْ قِراءَةُ النَّبِيِّ ﷺ؟


٢٨٣٥. (خ) (٥٠٤٦) عَنْ قَتادَةَ قالَ: سُئِلَ أنَسٌ؛ كَيفَ كانَت قِراءَةُ النَّبِيِّ ﷺ؟ فَقالَ: كانَت مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]، يَمُدُّ بِبِسمِ اللهِ، ويَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ، ويَمُدُّ بِالرَّحِيمِ. وفي رواية: فَقالَ: كانَ يَمُدُّ مَدًّا.
- سبب فعل ذلك -والله أعلم- أمره تعالى له بالترتيل، وأن يقرأه على مكث، وأن لا يحرك به لسانه ليعجل به، فامتثل أمر ربه، فكان يقرؤه على مهل؛ ليسن لأمته كيف يقرءون وكيف عليهم تدبر القرآن. (ابن الملقن)
- فيه من الفقه أنه كان لا يدع مدة في التلاوة وذلك تمامها. (ابن هبيرة)
- هذا المد هو حق القراءة، وكان - ﷺ - بقراءته ذلك يكون قارئًا لنفسه، معلمًا لغيره، مؤديًا كلام الله كما أنزل الله عز وجل. (ابن هبيرة)
- استحباب مد الصوت بالقراءة، وقد تقدم أن الحكمة فيه هو الاستعانة على التدبر في معاني القرآن، والتفكر فيها، وتذكير من يتذكر. (الإتيوبي)

باب: الـتَّرْجِيعُ فِـي قِراءَةِ القُرْآنِ


٢٨٣٦. (خ م) (٧٩٤) عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قالَ: سَمِعتُ عَبدَ اللهِ بنَ مُغَفَّلٍ المُزَنِيَّ ﵁ يَقُولُ: قَرَأَ النَّبِيُّ ﷺ عامَ الفَتحِ فِي مَسِيرٍ لَهُ سُورَةَ الفَتحِ عَلى راحِلَتِهِ، فَرَجَّعَ فِي قِراءَتِهِ. قالَ مُعاوِيَةُ: لَولا أنِّي أخافُ أن يَجتَمِعَ عَلَيَّ النّاسُ لَحَكَيتُ لَكُم قِراءَتَهُ. زاد (خ): قال شُعبَةُ: فَقُلتُ لِمُعاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ كَيفَ كانَ تَرجِيعُهُ؟ قالَ: آ آ آ، ثَلاثَ مَرّاتٍ.
-في هذا الحديث إجازة القراءة بالترجيع والألحان الملذة للقلوب بحسن الصوت, وقول معاوية لولا أن أكره أن يجتمع الناس يشير إلى أن القراءة بالترجيع تجمع نفوس الناس إلى الاصغاء وتستميلها. (ابن بطال)
-استحباب الترجيع، قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن في الترجيع قدرًا زائدًا على الترتيل، وقال الشيخ ابن أبي جمرة: معنى الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء، لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة. (موسى لاشين)
-في قوله آء بمد الهمزة والسكون دلالة على أنه ﷺ كان يراعي في قراءته المد والوقف. (ابن بطال)
-دلالة على جواز قراءة القرآن راكبا في السفر.
-ملازمته ﷺ للعبادة، لأنه حالة ركوبه الناقة وهو يسير لم يترك العبادة بالتلاوة.

باب: الجَهْرُ بِالقِراءَةِ بِاللَّيْلِ والاسْتِماعُ لَها


٢٨٣٧. (خ م) (٧٨٨) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَقرَأُ مِن اللَّيلِ، فَقالَ: «يَ﵀، لَقَد أذكَرَنِي كَذا وكَذا آيَةً، كُنتُ أسقَطتُها مِن سُورَةِ كَذا وكَذا». وفي رواية (خ) مُعَلَّقَةً: عَن عائِشَةَ: تَهَجَّدَ النَّبِيُّ ﷺ فِي بَيتِي فَسَمِعَ صَوتَ عَبّادٍ يُصَلِّي فِي المَسْجِدِ فَقالَ: «يا عائِشَةُ؛ أصَوتُ عَبّادٍ هَذا؟» قُلتُ: نَعَم قالَ: «اللَّهُمَّ ارحَم عَبّادًا».
-يجوز على النبي - عليه السلام - النسيان وجواز ذلك عليه ابتداء عند جمهور المحققين فيما ليس طريقه البلاغ، واختلافهم فيما طريقه البلاغ والتعليم، لكنه لا يستديم ذلك عند من أجازه فيما كان طريقه البلاغ. (القاضي عياض)
-جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحدا ولا تعرض للرياء والإعجاب ونحو ذلك. (النووي)
-فيه الدعاء لمن أصاب الإنسان من جهته خيرا وإن لم يقصده ذلك الإنسان. (النووي)
-أن الاستماع للقراءة سنة.

باب: أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ


٢٨٣٨. (خ م) (٨١٨) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁ قالَ: سَمِعتُ هِشامَ بنَ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ يَقرَأُ سُورَةَ الفُرقانِ عَلى غَيرِ ما أقرَؤُها، وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أقرَأَنِيها، فَكِدتُ أن أعجَلَ عَلَيهِ، ثُمَّ أمهَلتُهُ حَتّى انصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبتُهُ بِرِدائِهِ، فَجِئتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنِّي سَمِعتُ هَذا يَقرَأُ سُورَةَ الفُرقانِ عَلى غَيرِ ما أقرَأتَنِيها، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أرسِله، اقرَأ». فَقَرَأَ القِراءَةَ الَّتِي سَمِعتُهُ يَقرَأُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَكَذا أُنزِلَت». ثُمَّ قالَ لِي: «اقرَأ». فَقَرَأتُ، فَقالَ: «هَكَذا أُنزِلَت، إنَّ هَذا القُرآنَ أُنزِلَ عَلى سَبعَةِ أحرُفٍ، فاقرَؤُوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ».
وفي رواية زادَ: فَكِدْتُ أُساوِرُهُ فِي الصَّلاةِ، فَتَصَبَّرتُ حَتّى سَلَّمَ.
وفي رواية (خ): فَإذا هُو يَقرَؤُها عَلى حُروفٍ كَثِيرةٍ لَم يُقْرِئْنِيها رَسُولُ اللهِ ﷺ كَذَلكَ ... وفِيها: فَقُلتُ: مَن أقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ؟ قالَ: أقْرَأَنِيها رَسُولُ اللهِ ﷺ. قُلتُ لَهُ: كَذَبْتَ، فَواللهِ إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أقرَأَنِي ... فَذَكَرَهُ.
٢٨٣٩. (خ م) (٨١٩) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «أقرَأَنِي جِبرِيلُ عَلى حَرفٍ، فَراجَعتُهُ، فَلَم أزَل أستَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي، حَتّى انتَهى إلى سَبعَةِ أحرُفٍ». (قالَ ابنُ شِهابٍ: بَلَغَنِي أنَّ تِلكَ السَّبعَةَ الأَحرُفَ إنَّما هِيَ فِي الأَمرِ الَّذِي يَكُونُ واحِدًا، لا يَختَلِفُ فِي حَلالٍ ولا حَرامٍ).
٢٨٤٠. (م) (٨٢٠) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ﵁ قالَ: كُنتُ فِي المَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَقَرَأَ قِراءَةً أنكَرتُها عَلَيهِ، ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ قِراءَةً سِوى قَراءَةِ صاحِبِهِ، فَلَمّا قَضَينا الصَّلاةَ دَخَلنا جَمِيعًا عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقُلتُ: إنَّ هَذا قَرَأَ قِراءَةً أنكَرتُها عَلَيهِ، ودَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ سِوى قِراءَةِ صاحِبِهِ، فَأَمَرَهُما رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَرَءا، فَحَسَّنَ النَّبِيُّ ﷺ شَأنَهُما، فَسَقَطَ فِي نَفسِي مِنَ التَّكذِيبِ ولا إذ كُنتُ فِي الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا رَأى رَسُولُ اللهِ ﷺ ما قَد غَشِيَنِي ضَرَبَ فِي صَدرِي فَفِضتُ عَرَقًا، وكَأَنَّما أنظُرُ إلى اللهِ ﷿ فَرَقًا، فَقالَ لِي: «يا أُبَيُّ؛ أُرسِلَ إلَيَّ أنِ اقرَأِ القُرآنَ عَلى حَرفٍ، فَرَدَدتُ إلَيهِ: أن هَوِّن عَلى أُمَّتِي، فَرَدَّ إلَيَّ الثّانِيَةَ: اقرَأهُ عَلى حَرفَينِ، فَرَدَدتُ إلَيهِ: أن هَوِّن عَلى أُمَّتِي، فَرَدَّ إلَيَّ الثّالِثَةَ: اقرَأهُ عَلى سَبعَةِ أحرُفٍ، فَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدتُكَها مَسأَلَةٌ تَسأَلُنِيها، فَقُلتُ: اللَّهُمَّ اغفِر لأُمَّتِي، اللَّهُمَّ اغفِر لأُمَّتِي، وأَخَّرتُ الثّالِثَةَ لِيَومٍ يَرغَبُ إلَيَّ الخَلقُ كُلُّهُم حَتّى إبراهِيمُ ﷺ».
٢٨٤١. (م) (٨٢١) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ عِنْدَ أضاةِ بَنِي غِفارٍ قالَ: فَأَتاهُ جِبرِيلُ ﵇ فَقالَ: إنَّ اللهَ يَأمُرُكَ أن تَقرَأَ أُمَّتُكَ القُرآنَ عَلى حَرفٍ. فَقالَ: «أسأَلُ اللهَ مُعافاتَهُ ومَغفِرَتَهُ، وإنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلكَ». ثُمَّ أتاهُ الثّانِيَةَ فَقالَ: إنَّ اللهَ يَأمُرُكَ أن تَقرَأَ أُمَّتُكَ القُرآنَ عَلى حَرفَينِ. فَقالَ: «أسأَلُ اللهَ مُعافاتَهُ ومَغفِرَتَهُ، وإنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلكَ». ثُمَّ جاءَهُ الثّالِثَةَ فَقالَ: إنَّ اللهَ يَأمُرُكَ أن تَقرَأَ أُمَّتُكَ القُرآنَ عَلى ثَلاثَةِ أحرُفٍ. فَقالَ: «أسأَلُ اللهَ مُعافاتَهُ ومَغفِرَتَهُ، وإنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلكَ». ثُمَّ جاءَهُ الرّابِعَةَ، فَقالَ: إنَّ اللهَ يَأمُرُكَ أن تَقرَأَ أُمَّتُكَ القُرآنَ عَلى سَبعَةِ أحرُفٍ، فَأَيُّما حَرفٍ قَرَأَوا عَلَيهِ فَقَد أصابُوا.
-واختلف في معنى الحرف على عدة أقوال: فقيل: هو هنا القراءة، وقيل: هي سبع لغات من لغات العرب قريش ونزار وغير ذلك، وقيل: كلها لمضر لا لغيرها وهي مفترقة في القرآن غير مجتمعة في الكلمة الواحدة، وقيل: تصح في الكلمة الواحدة، ومنهم من جعلها في صورة التلاوة كالإدغام وغيره، وقيل: سبعة أنحاء: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال. وقيل: أحكام وأمثال وقصص إلى غير ذلك، وقد اختلف العلماء في بيان المراد بالاحرف السبعة اختلافا واسعا.
-أن الأمة كانت مخيرة في القراءة بأي حرف من هذه الأحرف السبعة غير ملزمة بحرف خاص منها. (موسى لاشين)
-أن الصحابة كانوا يقرءون قراءات مختلفة حتى استنكر بعضهم قراءة البعض واحتكموا إلى رسول الله ﷺ. (موسى لاشين)
-فيه: ما كان عمر عليه من الصلابة، فقد كاد يقطع الصلاة على هشام لشدة غضبه عليه، وكان هشام من أصلب الناس بعده، كان عمر إذا كره شيئا يقول: لا يكون هذا ما بقيت أنا وهشام بن حكيم. (ابن الملقن)
-أن عمر رضي الله عنه سومح في فعله لأنه ما فعل لحظة نفسه; بل غضبا لله بناء على ظنه. (القاري)
-فيه: انقياد هشام لعلمه أن عمر لم يرد إلا خيرا. (ابن الملقن)
-جواز تلبيب المجرم إذا خيف أن يفلت. (الإتيبوبي)
-أن النبي ﷺ صوب قراءة كل منهم، وأقرهم على قراءاتهم، وأنه هو الذي أقرأهم إياها، وأن كل قراءة منزلة من عند الله. (موسى لاشين)
-فيه بيان ما كانوا عليه من الاعتناء بالقرآن، والذب عنه، والمحافظة علي لفظه كما سمعوه من غير عدول إلى ما تجوزه العربية. (الطيبي)
-قال العلماء: سبب إنزاله على سبعة أحرف: التخفيف والتسهيل، ولهذا قال النبي ﷺ: " هون على أمتي"
-في هذا الحديث من الفقه ما يدل على شرف القرآن وكثرة وجوهه، وأنه ليس ككلام الآدميين الذي لا يحتمل إلا وجها واحدا؛ فإن اختلاف القراءة دليل دال على كثرة معاني القرآن. (ابن هبيرة)
-بيان ما كان عليه رسول الله - ﷺ - من تعليم أصحابه كتاب الله تعالى كما أمره بالتبليغ. (الإتيوبي)
-بركة النبي ﷺ حيث أزالت ضربته في صدر أبي هاجس النفس وخواطر الشيطان. (موسى لاشين)
-قوله: (وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا): يعني: حصل في خاطري خوف واستحياء شديد من الله ومن الرسول ﷺ. (المظهري)
-أن كل حرف من هذه الأحرف السبعة شاف لصدور المؤمنين لاتفاقها في المعنى، وكونها من عند الله تعالى، وهو كاف في الحجة علي صدق النبي ﷺ لإعجاز نظمه، وعجز الخلق عن الإتيان بمثله. (الطيبي)
-بيان أنه -ﷺ- طلب من الله تعالى لأمته السهولة والتيسير في القراءات ثلاث مرات، فأجابه الله تعالى، وأنجح مطلوبه، ولم يكتف بذلك، بل أمره بأن يزيد على المسألة بما يسهل عليهم في الآخرة؛ ليجمع لهم التيسير والتسهيل في الدارين، فالله تعالى أرأف، وأرحم بهم. (الإتيوبي)
-إنه -ﷺ- جعل الدعوات الثلاثة مقصورة على دعوة واحدة -وهي المغفرة- اقتصارا على الأهم والأصل الجامع لجميع الخيرات. (الطيبي)
-بيان ما كان عليه النبي -ﷺ- من شدة رأفته بأمته، حيث يدخر لهم دعواته التي وعده الله بإجابتها إلى يوم شديد الهول، فما أشد رأفته ورحمته ﷺ.(الإتيوبي)
-قوله : ( فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها): يدل على أن من طلب من الله الكريم فلم يعطه لا بد وأن يعطيه ما سأله؛ إما في الدنيا في وقت آخر، وإما في الآخرة.
-فيه دليل على رفعة إبراهيم على سائر الأنبياء وتفضيل نبينا على الكل - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. (القاري)

باب: قِراءَةُ النَّبِيِّ ﷺ القُرْآنَ عَلى غَيْرِهِ


٢٨٤٢. (خ م) (٧٩٩) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لأُبَيِّ بْنِ كَعبٍ: «إنَّ اللهَ أمَرَنِي أن أقرَأَ عَلَيكَ: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾». قالَ: وسَمّانِي لَكَ؟ قالَ: «نَعَم». قالَ: فَبَكى. وفي رواية (خ): «أن أُقرِئَكَ القُرآنَ». قالَ: وقَد ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ العالَمِينَ؟ قالَ: «نَعَم». فَذَرَفَتْ عَيْناهُ.
- فيه المنقبة الشريفة لأبي بقراءة النبي ﷺ عليه، ولا يعلم أحد من
الناس شاركه في هذا.
- وفيه منقبة أخرى له بذكر الله تعالى له، ونصه عليه في هذه المنزلة الرفيعة.
-وفيه البكاء للسرور والفرح مما يبشر الإنسان به ويعطاه من معالي الأمور.
-قوله: (آلله سماني لك) قال النووي: ظن أبي أن يكون الله تعالى أمر النبي ﷺ أن يقرأ على رجل من أمته ولم ينص عليه باسمه, فأراد أُبي أن يتحقق هل نص عليه، فيؤخذ منه الاستثبات في المحتملات.
-واختلفوا في الحكمة في قراءته ﷺ على أبي ، والمختار أن سببها أن تستن الأمة بذلك في القراءة على أهل الإتقان والفضل، ويتعلموا آداب القراءة، ولا يأنف أحد من ذلك. وقيل: للتنبيه على جلالة أُبي وأهليته لأخذ القرآن عنه، وكان يعده ﷺ رأساً وإماماً في إقراء القرآن.
-وأما تخصيص هذه السورة فلأنها وجيزة جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين، وفروعه ومهماته، والإخلاص وتطهير القلوب، وكان الوقت يقتضي الاختصار. والله أعلم
-في الحديث استحباب استماع القراءة والإصغاء لها والبكاء عندها وتدبرها، واستحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له، وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه.
-وفيه تواضع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم.

باب: استِماعُ النَّبِيِّ ﷺ القُرْآنَ مِن غَيْرِهِ


٢٨٤٣. (خ م) (٨٠٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اقرَأ عَلَيَّ القُرآنَ». قالَ: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أقرَأُ عَلَيكَ وعَلَيكَ أُنزِلَ؟! قالَ: «إنِّي أشتَهِي أن أسمَعَهُ مِن غَيرِي». فَقَرَأتُ النِّساءَ، حَتّى إذا بَلَغتُ: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١]، رَفَعتُ رَأسِي، (أو غَمَزَنِي رَجُلٌ إلى جَنبِي، فَرَفَعتُ رَأسِي)، فَرَأَيتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ. لَفظُ (خ): قالَ: «حَسبُكَ الآنَ». فالتَفَتُّ إلَيهِ، فَإذا عَيناهُ تَذرِفانِ. وفي رواية (م): قالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ وهُو عَلى المِنبرِ: «اقرَأ عَلَيَّ».
وفي رواية (م): قالَ النَّبيُّ ﷺ: «شَهِيدًا عَلَيهِم ما دُمتُ فِيهِم، أو ما كُنتُ فِيهِم». شَكَّ مِسْعَرٌ.
-معنى استماعه ﷺ القرآن من غيره؛ ليكون عرض القرآن سنة، ويحتمل لأجل التدبر والتفهم، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط لذلك من نفس القارئ؛ لأنه في شغل بالقراءة وأحكامه. (ابن الملقن)
-فيه التواضع لأهل العلم والفضل ورفع منزلتهم.
-في جواز قطع القراءة على القارئ إذا حدث على المقرئ عذر أو شغل بال؛ لأن القراءة على نشاط المقرئ أولى ليتدبر معانى القرآن ويتفهم عجائبه ، ويحتمل أن يكون أمره ﷺ بقطع القراءة تنبيها له على الموعظة والاعتبار. (ابن بطال)
-فيه فضل ظاهر لعبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه. (العيني)
-البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين، وشعار الصالحين. (النووي)
-في بكاء النبي ﷺ، وجوه: الأول: قال ابن الجوزي: بكاؤه ﷺ، عند هذه الآية الكريمة لأنه لا بد من أداء الشهادة والحكم على المشهود عليه إنما يكون يقول الشاهد، فلما كان ﷺ، هو الشاهد وهو الشافع بكى على المفرطين منهم. الثاني: أنه بكى لعظم ما تضمنته هذه الآية الكريمة من هول المطلع وشدة الأمر إذ يؤتي بالأنبياء عليهم السلام، شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب. الثالث: أنه بكى فرحا لقبول شهادة أمته ﷺ، يوم القيامة وقبول تزكيته لهم في ذلك اليوم العظيم. (العيني)

٢٨٤٤. (خ م) (٨٠١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: كُنتُ بِحِمصَ، فَقالَ لِي بَعضُ القَومِ: اقرَأ عَلَينا. فَقَرَأتُ عَلَيهِم سُورَةَ يُوسُفَ، قالَ: فَقالَ رَجُلٌ مِن القَومِ: واللهِ ما هَكَذا أُنزِلَت. قالَ: قُلتُ: ويحَكَ، واللهِ لَقَد قَرَأتُها عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَقالَ لِي: «أحسَنتَ». فَبَينَما أنا أُكَلِّمهُ إذ وجَدتُ مِنهُ رِيحَ الخَمرِ، قالَ: فَقُلتُ: أتَشرَبُ الخَمرَ وتُكَذِّبُ بِالكِتابِ؟ لا تَبرَحُ حَتّى أجلِدَكَ، قالَ: فَجَلَدتُهُ الحَدَّ.
- أن ابن مسعود رضي الله عنه كانت له ولاية إقامة الحدود نيابة عن الإمام إما عموما وإما خصوصا. (النووي)
- في قوله: (أحسنت) منقبة عظيمة لابن مسعود رضي الله عنه لم يذكرها افتخارا بل تحديثا بنعمة الله واحتجاجا على عدو الله. (القاري)
- قوله: (تكذب بالكتاب ): لو كذب به حقيقة قتله؛ فقد أجمعوا على أن من جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن كفر، وإنما قال هذا: (ما هكذا أنزلت) جهالة منه، وقلة حفظ، أو قلة تثبت لأجل السكر، وكابر في ذلك عبد الله، وكان مكذبا له لا للكتاب حقيقة. (القاضي عياض)
- فيه دليل على أن الرجل اعترف بشربها بلا عذر وإلا فلا يجب الحد بمجرد ريحها، وفي المسألة خلاف (النووي)

باب: الزَّجْرُ عَنِ الاخْتِلافِ فِـي القُرْآنِ


٢٨٤٥. (خ م) (٢٦٦٧) عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «اقرَؤُوا القُرآنَ ما ائتَلَفَت عَلَيهِ قُلُوبُكُم، فَإذا اختَلَفتُم فَقُومُوا».
ذَكَرَهُ (خ) أيضًا عَن عُمَرَ قَولَهُ، وقالَ: وجُندَبٌ أصَحُّ وأَكثَرُ.
-(ما ائتلفت عليه قلوبكم): ما دامت قلوبكم وخواطركم مجموعة ذات نشاطة في قراءته، (فإذا اختلفتم) أي: حصل لكم تفرق وملالة (فقوموا عنه) أي: اتركوا قراءته، فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور القلب. (الطيبي).
-وقيل: إذا اختلفتم في فهم معانيه فقوموا عنه وتفرقوا لئلا يتمادى بكم الخلاف إلى الشر.
-فيه الحض على الألفة والتحذير من الفرقة في الدين، فكأنه قال: اقرءوا القرآن والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه، فإذا اختلفتم فقوموا عنه، أي فإذا عرض عارض شبهة توجب المنازعة الداعية إلى الفرقة فقوموا عنه: أي فاتركوا تلك الشبهة الداعية إلى الفرقة، وارجعوا إلى المحكم الموجب للألفة. (ابن بطال)
-فيه أمرهم بالقيام عن الاختلاف ولم يأمرهم بترك قراءة القرآن إذا اختلفوا في تأويله لإجماع الأمة على أن القراءة لمن فهمه ولمن لم يفهمه، فدل على أن قوله: قوموا عنه على وجه الندب لا على وجه التحريم للقراءة عند الاختلاف. (العيني)
-والحاصل: أن الباحثين في فهم معاني القرآن يجب عليهم أن يقصدوا ببحثهم التعاون على فهمه واستخراج أحكامه، قاصدين بذلك وجه الله تعالى، ملازمين الأدب والوقار، فإن اتفقت أفهامهم، فقد كملت نعمة الله تعالى عليهم، وإن اختلفت وظهر لأحدهما خلاف ما ظهر للآخر، وكان ذلك من مثارات الظنون ومواضع الاجتهاد، فحق كل واحد أن يصير إلى ما ظهر له، ولا يثرب على الآخر ولا يلومه، ولا يجادله، وهذه حالة الأقوياء والمجتهدين، وأما من لم يكن كذلك فحقه الرجوع إلى قول الأعلم، فإنَّه عن الغلط أبعد وأسلم، وأما إن كان ذلك من المسائل العلمية فالصائر إلى خلاف القطع فيها محروم، وخلافه فيها محرم مذموم، ثم حكمه على التحقيق، إما التكفير وإما التفسيق.
-والأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن محمول عند العلماء على اختلاف لا يجوز، أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز كاختلاف في نفس القرآن، أو في معنى منه لا يسوغ فيه الاجتهاد، أو اختلاف يوقع في شك أو شبهة، أو فتنة وخصومة، أو شجار ونحو ذلك. وأما الاختلاف في استنباط فروع الدين منه، ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة وإظهار الحق، واختلافهم في ذلك فليس منهيا عنه، بل هو مأمور به، وفضيلة ظاهرة، وقد أجمع المسلمون على هذا من عهد الصحابة إلى الآن. ( النووي )
-كان اختلاف الصحابة يقع في القراءات واللغات فأمروا بالقيام عند الاختلاف لئلا يجحد أحدهم ما يقرأه الآخر فيكون جاحدا لما أنزل الله عز وجل ( ابن الجوزي )
-استحباب قراءة القرآن وقت النشاط وحضور القلب؛ لأنه بذلك يوجد التدبر.

٢٨٤٦. (م) (٢٦٦٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو ﵄ قالَ: هَجَّرتُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ يَومًا، قالَ: فَسَمِعَ أصواتَ رَجُلَينِ اختَلَفا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَينا رَسُولُ اللهِ ﷺ يُعرَفُ فِي وجهِهِ الغَضَبُ، فَقالَ: «إنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكُم بِاختِلافِهِم فِي الكِتابِ».
٢٨٤٧. (خ) (٣٤٧٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: سَمِعتُ رَجُلًا قَرَأَ آيةً، وسَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقرَأُ خِلافَها، فَجِئتُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ فَأَخبَرتُهُ، فَعَرَفتُ فِي وجهِهِ الكَراهِيَةَ، وقالَ: «كِلاكُما مُحسِنٌ، ولا تَختَلِفُوا، فَإنَّ مَن كانَ قَبلَكُم اختَلَفُوا فَهَلَكُوا».
- المراد به اختلاف لا يجوز، أو يوقع فيما لا يجوز، كاختلافهم في تفسير القرآن، أو اختلافهم في معان لا يسوغ فيها الاجتهاد، أو اختلاف يوقع في التشاجر والشحناء. وأما الاختلاف في فروع الدين، وتمسك صاحب كل مذهب بالظاهر من القرآن وتأويله الظاهر على خلاف ما تأول صاحبه فأمر لابد منه في الشرع، وعليه مضى السلف وانقرضت الأعصار. ( القاضي عياض )
- المراد بهلاك من قبلنا هنا هلاكهم في الدين بكفرهم وابتداعهم فحذر رسول الله ﷺ من مثل فعلهم. (النووي)
- النهي عن اختلاف المسلمين في القرآن؛ لأن ذلك يؤدي إلى التفرق، والتناحر، والتباغض، والتشاجر، وفيه الهلاك الشامل، كما أخبر النبي - ﷺ.
- التحذير عن الخصومة في الأمور التي لها أصل شرعي من الكتاب والسنة كالأحرف السبعة الثابتة عن رسول الله - ﷺ -، أو الاختلافات الفقهية، فإن المسلمين قد اختلفوا في الأحكام التشريعية منذ عهد الصحابة والتابعين، وتغايرت فتاوى الصحابة فيها، ولا ينبغي النزاع والخصومة فيها، فإن هؤلاء المجتهدين جميعاً على هدى من الله، ويؤجرون على كل حال، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد. (القاري)
- في قوله: (كلاكما محسن) أن كل من قرأ برواية مما اشتهر عن رسول الله - ﷺ - أنه قرأ به من الأحرف السبعة فإنه لا يجوز إنكاره ولا رده، بل يجب قبوله والإيمان به، فإن كلًّا من ذلك شاف كاف. (ابن هبيرة)
- ظهرت الكراهة في وجه الرسول ﷺ مع قوله: "كلاكما محسن" لأنهما تجادلا، ويخشى من هذا الجدال إنكار شيء من القرآن، وإنكار شيء من القرآن غير جائز.(القسطلاني)
- حرص الصحابة على تأدية ما سمعوا من القرآن كما سمعوه من الرسول ﷺ. (موسى لاشين)
- مشروعية التقاضي عند التخاصم. (موسى لاشين)
- الاعتبار بأحوال السابقين. (موسى لاشين)

١ 1-من كلف أبو بكر بجمع القران

٥/٠