كِتابُ التَّفْسِيرِ


سُورَةُ الفاتِحَةِ


٢٨٤٨. (خ) (٤٤٧٤) عَنْ أبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلّى قالَ: كُنتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ، فَدَعانِي رَسُولُ اللهِ ﷺ فَلَم أُجِبهُ، فَقلت: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنِّي كُنتُ أُصَلِّي، فَقالَ: «ألَم يَقُل اللهُ ﴿اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ ولِلرَّسُولِ إذا دَعاكُم﴾». ثُمَّ قالَ لِي: «لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أعظَمُ السُّوَرِ فِي القُرآنِ قَبلَ أن تَخرُجَ مِن المَسْجِدِ». ثُمَّ أخَذَ بِيَدِي، فَلَمّا أرادَ أن يَخرُجَ قلت لَهُ: ألَم تَقُل: «لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أعظَمُ سُورَةٍ فِي القُرآنِ». قالَ: «﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢]، هِيَ السَّبعُ المَثانِي والقُرآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ». وفي رواية: قالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ ﷺ وأَنا أُصَلِّي، فَدَعانِي فَلَم آتِهِ حَتّى صَلَّيتُ، ثُمَّ أتَيتُ فَقالَ: «ما مَنَعَكَ أن تَأتِىَ؟» فَقُلتُ ... الحديث.
-فيه أن للفاتحة أسماء كثيرة فمن أسمائها السبع المثاني والقرآن العظيم، وسورة الحمد، والشكر، والشافية، وأم القرآن وغيرها (حمزة القاسم).
-فيه أن هذه السورة هي أفضل السور القرآنية في أهميتها، وكثرة ثوابها، وعظم نفعها، سماها الله بالسبع المثاني لأنها السورة الوحيدة التي تتكرر قراءتها في الصلوات الخمس دون غيرها، ولولا فضلها وأهميتها لما أوجب الله قراءتها في كل صلاة، وفي كل ركعة من الصلاة حيث لا تصح الصلاة إلا بها لقوله - ﷺ -: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " وأما فائدتها ونفعها فإنها رقية يستشفى بها، لقوله - ﷺ - لأبي سعيد الخدري: " وما أدراك أنها رقية " ولذلك تسمى الشافية. (حمزة القاسم).
-هي أعظم سور القرآن. يعني بذلك عظم المثوبة على قراءتها وذلك لما تجمع هذه السورة من الثناء على الله عزوجل والدعاء والمسألة. (الخطابي)

سُورَةُ البَقَرَةِ


٢٨٤٩. (خ م) (٣٠١٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «قِيلَ لِبَنِي إسرائِيلَ: ادخُلُوا البابَ سُجَّدًا، وقُولُوا حِطَّةٌ، يُغفَر لَكُم خَطاياكُم. فَبَدَّلُوا، فَدَخَلُوا البابَ يَزحَفُونَ عَلى أستاهِهِم، وقالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ».
-(وقالوا حبة في شعرة) استخفافًا بأمر الله تعالى ورُوي عن ابن عباس أن الباب الذي أُمروا بدخوله كان صغيرًا ضيقًا لا يتمكن الإنسان من الدخول فيه إلا بأن يكون راكعًا فكأنهم أعظموا أنفسهم من أن يدخلوا بهذه الهيئة المتواضعة فاختاروا هذه الهيئة التي فيها سخرية وتكبر (الهرري).

٢٨٥٠. (خ م) (٣٠٢٦) عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ ﵂ قالَ: كانَت الأَنصار إذا حَجُّوا فَرَجَعُوا لَم يَدخُلُوا البُيُوتَ إلا مِن ظُهُورِها، قالَ: فَجاءَ رَجُلٌ مِن الأَنصارِ فَدَخَلَ مِن بابِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلكَ، فَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ولَيْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُواْ البُيُوتَ مِن ظُهُورِها﴾ [البقرة: ١٨٩].
-لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها: أي من نقب أو فرجة من ورائها لا من بابه, وبيّن سبب ذلك الزهري فيما رواه عنه الطبري, فقال: كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء يتحرجون من ذلك, وكان الرجل يخرج مهلًا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعدما خرج من بيته فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة مخافة أن يحول سقف الباب بينه وبين السماء فيفتح الجدار من ورائه ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته اهـ من ابن جرير [2/ 187] (الهرري).

٢٨٥١. (م) (١٢٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: لَمّا نَزَلَت عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ: ﴿لِّلَّهِ ما فِي السَّمَواتِ وما فِي الأَرْضِ وإن تُبْدُواْ ما فِي أنفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٨٤]، قالَ: فاشتَدَّ ذَلكَ عَلى أصحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَتَوا رَسُولَ اللهِ ﷺ، ثُمَّ بَرَكُوا عَلى الرُّكَبِ، فَقالُوا: أي رَسُولَ اللهِ؛ كُلِّفنا مِن الأَعمالِ ما نُطِيقُ؛ الصَّلاةَ والصِّيامَ والجِهادَ والصَّدَقَةَ، وقَد أُنزِلَت عَلَيكَ هَذِهِ الآيَةُ، ولا نُطِيقُها. قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أتُرِيدُونَ أن تَقُولُوا كَما قالَ أهلُ الكِتابَينِ مِن قَبلِكُم: سَمِعنا وعَصَينا؟ بَل قُولُوا: سَمِعنا وأَطَعنا، غُفرانَكَ رَبَّنا وإلَيكَ المَصِيرُ». قالُوا: سَمِعنا وأَطَعنا، غُفرانَكَ رَبَّنا وإلَيكَ المَصِيرُ. فَلَمّا اقتَرَأَها القَومُ ذَلَّت بِها ألسِنَتُهُم، فَأَنزَلَ اللهُ فِي إثرِها: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنزِلَ إلَيْهِ مِن رَّبِّهِ والمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وقالُواْ سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥]، فَلَمّا فَعَلُوا ذَلكَ نَسَخَها اللهُ تَعالى، فَأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إن نَّسِينا أوْ أخْطَأْنا﴾، «قالَ: نَعَم». ﴿رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا﴾، «قالَ: نَعَم». ﴿رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾، «قالَ: نَعَم». ﴿واعْفُ عَنّا واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا أنتَ مَوْلانا فانصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦]، «قالَ: نَعَم».
ورَوى (م) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ نَحوَ حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ مُختَصَرًا، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لما نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ ﴿وإن تُبْدُواْ ما فِي أنفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ﴾. قالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُم مِنها شَيءٌ لَم يَدخُل قُلُوبَهُم مِن شَيءٍ، فَقالَ النَّبيُّ ﷺ: «قُولُوا سَمِعنا وأَطَعنا وسَلَّمنا»، وفِيها: قالَ: فَأَلقى اللهُ الإيمانَ فِي قُلُوبِهِم، فَأَنزَلَ اللهُ تَعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَها﴾، وفِيها: «قالَ: قَد فَعَلتُ»، مَكانَ: «قالَ: نَعَم».
٢٨٥٢. (خ) (٤٥٤٦) عَنْ رَجُلٍ مِن أصحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: أحسِبُهُ ابنَ عُمَرَ: ﴿وإن تُبْدُواْ ما فِي أنفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قالَ: نَسَخَتها الآيَةُ الَّتِي بَعدَها.
-فيه أنهم لما سمعوا وأطاعوا واستسلموا لما شكوا عنه من موجب الآية الأولى بقولهم: سمعنا وأطعنا غفرانك، وقرأوا هذه الآية الثانية نسخها الله سبحانه و تعالى أي نسخ الآية الأولى، يعني قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} أي رفع عنهم موجبها ومقتضاها تهوينًا للخطب عليهم، ببيان أن المراد بما في أنفسهم ما عزموا عليه من السوء خاصة، لا ما يعم الخواطر التي لا يستطاع الاحتراز عنها, فأنزل الله قوله {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا} أي لا يلزم الله نفسًا من النفوس {إلا وُسْعَهَا} أي إلا ما تطيق عليه، ويتيسر لها فضلًا منه (الهرري).
-وفيه بشارة بغفران ما طلبوا غفرانه من التقصير (الهرري).
-قوله (نعم) وهو إخبار من الله تعالى أنَّه أجابهم في تلك الدعوات فكل داعٍ يشاركهم في إيمانهم وإخلاصهم واستسلامهم أجابه الله تعالى كإجابتهم؛ لأنَّ وعده تعالى صدق وقوله حق (الهرري).

٢٨٥٣. (خ) (٤٤٨٠) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: سَمِعَ عَبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ ﵁ بِقُدُومِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وهوَ فِي أرضٍ يَختَرِفُ، فَأَتى النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: إنِّي سائِلُكَ عَن ثَلاثٍ، لا يَعلَمُهُنَّ إلا نَبِيٌّ، فَما أوَّلُ أشراطِ السّاعَةِ؟ وما أوَّلُ طَعامِ أهلِ الجَنَّةِ؟ وما يَنزِعُ الوَلَدَ إلى أبِيهِ أو إلى أُمِّهِ؟ قالَ: «أخبَرَنِي بِهِنَّ جِبرِيلُ آنِفًا». قالَ: جِبرِيلُ؟ قالَ: «نَعَم». قالَ: ذاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِن المَلائِكَةِ. فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿مَن كانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ﴾ [البقرة: ٩٧]، «أمّا أوَّلُ أشراطِ السّاعَةِ فَنارٌ تَحشُرُ النّاسَ مِن المَشرِقِ إلى المَغرِبِ، وأَمّا أوَّلُ طَعامِ أهلِ الجَنَّةِ فَزِيادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وإذا سَبَقَ ماءُ الرَّجُلِ ماءَ المَرأَةِ نَزَعَ الوَلَدَ، وإذا سَبَقَ ماءُ المَرأَةِ نَزَعَت». قالَ: أشهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ، وأَشهَدُ أنَّكَ رَسُولُ اللهِ، يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ اليَهُودَ قَومٌ بُهُتٌ وإنَّهُم إن يَعلَمُوا بِإسلامِي قَبلَ أن تَسأَلَهُم يَبهَتُونِي. فَجاءَت اليَهُودُ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أيُّ رَجُلٍ عَبدُ اللهِ فِيكُم؟» قالُوا: خَيرُنا وابنُ خَيرِنا، وسَيِّدُنا وابنُ سَيِّدِنا. قالَ: «أرَأَيتُم إن أسلَمَ عَبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ؟» فَقالُوا: أعاذَهُ اللهُ مِن ذَلكَ. فَخَرَجَ عَبدُ اللهِ فَقالَ: أشهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَقالُوا: شَرُّنا وابنُ شَرِّنا. وانتَقَصُوهُ، قالَ: فَهَذا الَّذِي كُنتُ أخافُ يا رَسُولَ اللهِ.
-فيه منقبة وفضيلة جليلة لعبد الله بن سلام رضي الله عنه (موسى شاهين).
-(وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامِ أَهلِ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ) الزيادة هي القطعة المنفردة المعلقة في الكبد، وهي في المطعم في غاية اللذة، ويقال: أنها أهنأ الطعام وأمراه. (ابن حجر)
-فيه أنَّ اليهودَ أهلُ كذِبٍ وفجورٍ، يقولونَ ويفتَروَن على غيرِهم ما ليسَ فيه. (الدرر السنية)
-فيه مِن علاماتِ نُبوَّةِ محمَّدٍ ﷺ إخبارُه عَن بعضِ الأمورِ الغيبِيَّةِ. (الدرر السنية)

٢٨٥٤. (خ) (٤٤٨١) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: قالَ عُمَرُ ﵁: أقرَؤُنا أُبَيٌّ، وأَقضانا عَلِيٌّ، وإنّا لَنَدَعُ مِن قَولِ أُبَيٍّ، وذاكَ أنَّ أُبَيًّا يَقُولُ: لا أدَعُ شَيئًا سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، وقَد قالَ اللهُ تَعالى: ﴿ما نَنسَخْ مِن آيَةٍ أوْ نُنسِها﴾.
وفي رواية: وإنّا لَنَدَعُ مِن لَحَنِ أُبَيٍّ ...
-وأقضانا علي: أي أعلمنا بالقضاء علي هو ابن أبي طالب (موسى شاهين).
- وإنّا لندع من قول أبي وذاك أن أبيًّا يقول لا أدع شيئًا سمعته من رسول الله ﷺ: أي نترك من قول أبي وكان لا يقول بنسخ تلاوة شيء من القرآن؛ لكونه لم يبلغه النسخ فردّ عليه عمر بقوله: "وقد قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها} فإنه يدل على ثبوت النسخ في البعض". (موسى شاهين).

٢٨٥٥. (خ) (٤٤٨٧) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ ﷺ: «يُدعى نُوحٌ يَومَ القِيامَةِ فَيَقُولُ: لَبَّيكَ وسَعدَيكَ يا رَبِّ. فَيَقُولُ: هَل بَلَّغتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَم. فَيُقالُ لأُمَّتِهِ: هَل بَلَّغَكُم؟ فَيَقُولُونَ: ما أتانا مِن نَذِيرٍ. فَيَقُولُ: مَن يَشهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وأُمَّتُهُ. فَتَشهَدُونَ أنَّهُ قَد بَلَّغَ، ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيدًا، فَذَلكَ قَولُهُ جَلَّ ذِكرُهُ: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَداءَ عَلى النّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]»، والوَسَطُ العَدلُ.
-فيه أن الاستدلال بالآية على أن الإجماع حجة لأن الله تعالى وصف الأمة بالعدالة, والعدل هو المستحق للشهادة وقبولها فإذا اجتمعوا على شيء وشهدوا به لزم قبوله. (القسطلاني).

٢٨٥٦. (خ) (٤٤٨٩) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: لَم يَبقَ مِمَّن صَلّى القِبلَتَينِ غَيرِي.
-قوله: (ممن صلى القبلتين) يعني: الصلاة إلى بيت المقدس وإلى الكعبة، وقال أنس: ذلك في آخر عمره، ولعل مراده: أنه آخر من مات بالبصرة، ممن صلى إلى القبلتين، وهم المهاجرون الأولون والسابقون (العيني).

٢٨٥٧. (خ) (٤٤٩٨) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ يَقُولُ: كانَ فِي بَنِي إسرائِيلَ القِصاصُ ولَم تَكُن فِيهِم الدِّيَةُ، فَقالَ اللهُ تَعالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصاصُ فِي القَتْلى الحُرُّ بِالحُرِّ والعَبْدُ بِالعَبْدِ والأُنثى بِالأُنثى فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أخِيهِ شَيْءٌ﴾، فالعَفوُ أن يَقبَلَ الدِّيَةَ فِي العَمدِ: ﴿فاتِّباعٌ بِالمَعْرُوفِ وأَداءٌ إلَيْهِ بِإحْسانٍ﴾، يَتَّبِعُ بِالمَعرُوفِ ويُؤَدِّي بِإحسانٍ: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ ورَحْمَةٌ﴾، مِمّا كُتِبَ عَلى مَن كانَ قَبلَكُم: ﴿فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [المائدة: ٩٤]، قَتَلَ بَعدَ قَبُولِ الدِّيَةِ.
-وفي الآية دليل على أن ولي الدم مخير بين أن يقتل أو يأخذ الدية. وبيان ذلك في حديث أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله - ﷺ - "من قتل له قتيل فهو بين خيرتين: إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية" (الخطابي).

٢٨٥٨. (خ) (٤٥٠٨) عَنِ البَراءِ ﵁؛ لَمّا نَزَلَ صَومُ رَمَضانَ كانُوا لا يَقرَبُونَ النِّساءَ رَمَضانَ كُلَّهُ، وكانَ رِجالٌ يَخُونُون أنفُسَهُم، فَأَنزَلَ اللهُ: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أنفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وعَفا عَنكُمْ﴾.
٢٨٥٩. (خ) (٤٥١٦) عَنْ حُذَيْفَةَ ﵁: ﴿وأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]، قالَ: نَزَلَت فِي النَّفَقَةِ.
-قال أبو أيوب الأنصاري: نزلت يعني هذه الآية فينا معشر الأنصار. إنّا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قلنا فيما بيننا لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها، فأنزل الله هذه الآية (العيني).

٢٨٦٠. (خ) (٢٠٩٨) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵁ قالَ: كانَت عُكاظٌ ومَجَنَّةُ وذُو المَجازِ أسواقًا فِي الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا كانَ الإسلامُ تَأَثَّمُوا مِن التِّجارَةِ فِيها، فَأَنزَلَ اللهُ: «لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ فِي مَواسِمِ الحَجِّ». قَرَأَ ابنُ عَبّاسٍ كَذا.
-فيه الأخذ بالشدة على نفسه في أمر معاشه، وأن العيش من الصناعات أولى بنزاهة الأخلاق من العيش من الهبات والصدقات وشبهها (ابن بطال)

٢٨٦١. (خ) (٤٥٢١) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: يَطَّوَّفُ الرَّجُلُ بِالبَيتِ ما كانَ حَلالًا حَتّى يُهِلَّ بِالحَجِّ، فَإذا رَكِبَ إلى عَرَفَةَ فَمَن تَيَسَّرَ لَهُ هَدِيَّةٌ مِن الإبِلِ أو البَقَرِ أو الغَنَمِ ما تَيَسَّرَ لَهُ مِن ذَلكَ أيَّ ذَلكَ شاءَ، غَيرَ أنَّهُ إن لَم يَتَيَسَّر لَهُ فَعَلَيهِ ثَلاثَةُ أيّامٍ فِي الحَجِّ، وذَلكَ قَبلَ يَومِ عَرَفَةَ، فَإن كانَ آخِرُ يَومٍ مِن الأَيّامِ الثَّلاثَةِ يَومَ عَرَفَةَ فَلا جُناحَ عَلَيهِ، ثُمَّ لِيَنطَلِق حَتّى يَقِفَ بِعَرَفاتٍ مِن صَلاةِ العَصرِ إلى أن يَكُونَ الظَّلامُ، ثُمَّ لِيَدفَعُوا مِن عَرَفاتٍ إذا أفاضُوا مِنها حَتّى يَبلُغُوا جَمعًا الَّذِي يَبِيتُونَ بِهِ، ثُمَّ لِيَذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا، وأَكثِرُوا التَّكبِيرَ والتَّهلِيلَ قَبلَ أن تُصبِحُوا، ثُمَّ أفِيضُوا فَإنَّ النّاسَ كانُوا يُفِيضُونَ، وقالَ اللهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أفِيضُواْ مِن حَيْثُ أفاضَ النّاسُ واسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٩] حَتّى تَرمُوا الجَمرَةَ.
-قوله: (فعليه) وجوبًا (ثلاثة أيام) يصومهن (في الحج وذلك قبل يوم عرفة) لأنه يسن للحاج فطره وهذا تقييد من ابن عباس. (القسطلاني).
-قوله: (من صلاة العصر) فإن قلت أول وقت الوقوف زوال الشمس يوم عرفة وآخره صبح العيد قلت اعتبر في الأول الأشرف لأن وقت العصر أشرف. (الكرماني).

٢٨٦٢. (خ) (٦٦٦٣) عَنْ عائِشَةَ ﵂: ﴿لاَّ يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أيْمانِكُمْ [البقرة: ٢٢٥]، قالَت: أُنزِلَت فِي قَولِهِ: لا واللهِ، وبَلى واللهِ.
٢٨٦٣. (خ) (٤٥٢٦) عَنْ نافِعٍ قالَ: كانَ ابنُ عُمَرَ ﵄ إذا قَرَأَ القُرآنَ لَم يَتَكَلَّم حَتّى يَفرُغَ مِنهُ، فَأَخَذتُ عَلَيهِ يَومًا، فَقَرَأَ سُورَةَ البَقَرَةِ حَتّى انتَهى إلى مَكانٍ، قالَ: تَدرِي فِيمَ أُنزِلَت؟ قلت: لا، قالَ: أُنزِلَت فِي كَذا وكَذا. ثُمَّ مَضى.
٢٨٦٤. (خ) (٥١٣٠) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ ﵁؛ أنَّها نَزَلَت فِيهِ، قالَ: زَوَّجتُ أُختًا لِي مِن رَجُلٍ فَطَلَّقَها، حَتّى إذا انقَضَت عِدَّتُها جاءَ يَخطُبُها، فَقلت لَهُ: زَوَّجتُكَ وفَرَشتُكَ وأَكرَمتُكَ فَطَلَّقتَها، ثُمَّ جِئتَ تَخطُبُها، لا واللهِ لا تَعُودُ إلَيكَ أبَدًا، وكانَ رَجُلًا لا بَأسَ بِهِ، وكانَت المَرأَةُ تُرِيدُ أن تَرجِعَ إلَيهِ، فَأَنزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة: ٢٣٢]، فَقُلتُ: الآنَ أفعَلُ يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: فَزَوَّجَها إيّاهُ.
-فيه تحريم العضل، فلا يجوز لولي المرأة المطلقة أن يمنعها من العودة إلى زوجها بعد انقضاء عدتها إذا طلب الزوج عودتها إليه، ورغبت المرأة في ذلك. (حمزة القاسم).
-فيه أنه لا يجوز نكاح المرأة سواء كانت بكرا أو ثيبا إلا بولي، لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيبا، واحتاجت في رجوعها لزوجها إلى موافقة وليها، ولو كان لها أمر نكاحها بدون وليها لزوجت نفسها دون حاجة إليه، وإنما خاطب الله في الآية الأولياء بقوله: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}؛ لأن أمر الزواج بيد الأولياء مع موافقة المرأة، قال الحافظ: والآية أصلح دليل على اعتبار الولي في النكاح، وإلا لما كان لعضله معنى، وقد وردت في ذلك أحاديث صريحة تدل على توقف النكاح على وجود الولي، فقد روى أبو موسى عن النبي - ﷺ - أنه قال: " لا نكاح إلا بولي "، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - ﷺ - قال: " أيما امرأة - نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن اشتجروا، فالسلطان ولي من لا ولي له " إلخ أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد وابن ماجة. (حمزة القاسم).

٢٨٦٥. (خ) (٤٥٣٠) عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ؛ قلت لِعُثمانَ بْنِ عَفّانَ: ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ويَذَرُونَ أزْواجًا﴾ [البقرة: ٢٤٠] قالَ: قَد نَسَخَتها الآيَةُ الأُخرى، فَلِمَ تَكتُبُها أوْ تَدَعُها؟! قالَ: يا ابنَ أخِي؛ لا أُغَيِّرُ شَيئًا مِنهُ مِن مَكانِهِ.
-حاصل المعنى: وحق الذين يتوفون عن أزواجهم أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تتمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا. أي: ينفق عليهن من تركته ولا يخرجهن من مساكنهن، وكان ذلك في أول الإسلام ثم نسخت المدة. قوله: {أربعة أشهر وعشرا} (البقرة: 234) ونسخت النفقة بالإرث الذي هو الربع أو الثمن، وهذا عند الجمهور (العيني).

٢٨٦٦. (خ) (٤٥٣١) عَنِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ؛ عَن مُجاهِدٍ: ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ويَذَرُونَ أزْواجًا﴾ [البقرة: ٢٣٤]، قالَ: كانَت هَذِهِ العِدَّةُ؛ تَعتَدُّ عِنْدَ أهلِ زَوجِها واجِبٌ، فَأَنزَلَ اللهُ: ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ويَذَرُونَ أزْواجًا وصِيَّةً لأَزْواجِهِم مَّتاعًا إلى الحَوْلِ غَيْرَ إخْراجٍ فَإنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠]، قالَ: جَعَلَ اللهُ لَها تَمامَ السَّنَةِ سَبعَةَ أشهُرٍ وعِشرِينَ لَيلَةً وصِيَّةً؛ إن شاءَت سَكَنَت فِي وصِيَّتِها، وإن شاءَت خَرَجَت، وهوَ قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿غَيْرَ إخْراجٍ فَإنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾، فالعِدَّةُ كَما هِيَ واجِبٌ عَلَيها. زَعَمَ ذَلكَ عَن مُجاهِدٍ، وقالَ عَطاءٌ: قالَ ابنُ عَبّاسٍ: نَسَخَت هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَها عِنْدَ أهلِها، فَتَعتَدُّ حَيثُ شاءَت، وهوَ قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿غَيْرَ إخْراجٍ﴾، قالَ عَطاءٌ: إن شاءَت اعتَدَّت عِنْدَ أهلِهِ وسَكَنَت فِي وصِيَّتِها، وإن شاءَت خَرَجَت، لِقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ﴾، قالَ عَطاءٌ: ثُمَّ جاءَ المِيراثُ فَنَسَخَ السُّكنى، فَتَعتَدُّ حَيثُ شاءَت ولا سُكنى لَها.
-دل الحديث على أن التصريح بالرغبة سائغ وأنه لا يكون تصريحًا حتى يصرح بمتعلق الرغبة, كأن يقول "إني في نكاحك لراغب", ومن التعريض أيضًا قوله "إن الله لسائق إليك خيرًا ", أو نحو هذا من ألفاظ التعريض "إذا حللت فآذنيني" , وفي حديث مسلم أن رسول الله -ﷺ- قال لفاطمة بنت قيس: "إذا حللت فآذنيني". والحكمة في ذلك أنه إذا صرح تحققت رغبته فيها فربما تكذب في انقضاء العدّة, ويحرم التصريح بها لمعتدّة من غيره رجعية كانت أو بائنًا بطلاق, أو فسخ, أو موت, أو معتدّة عن شبهة لمفهوم هذه الآية. (القسطلاني).

٢٨٦٧. (خ) (٥١٢٤) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄: ﴿فِيما عَرَّضْتُم [البقرة: ٢٣٥]، يَقُولُ: إنِّي أُرِيدُ التَّزوِيجَ، ولَوَدِدتُ أنَّهُ تَيَسَّرَ لِي امرَأَةٌ صالِحَةٌ.
٢٨٦٨. (خ) (٤٥٣٨) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ؛ سمعتُ عبدَ الله بنَ أبي مُلَيكَةِ يُحدِّثُ عَن ابْنِ عَبّاسٍ ﵄، قالَ وسَمِعتُ أخاهُ أبا بَكرِ بنَ أبِي مُلَيكَةَ يُحَدِّثُ عَن عُبَيْدِ بْنِ عُمَيرٍ قالَ: قالَ عُمَرُ ﵁ يَومًا لأَصحابِ النَّبِيِّ ﷺ: فِيمَ تَرَونَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَت: ﴿أيَوَدُّ أحَدُكُمْ أن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ﴾ [البقرة: ٢٦٦]؟ قالُوا: اللهُ أعلَمُ. فَغَضِبَ عُمَرُ، فَقالَ: قُولُوا نَعلَمُ أو لا نَعلَمُ. فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ: فِي نَفسِي مِنها شَيءٌ يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ. قالَ عُمَرُ: يا ابنَ أخِي؛ قُل ولا تَحقِر نَفسَكَ. قالَ ابنُ عَبّاسٍ: ضُرِبَت مَثَلًا لِعَمَلٍ، قالَ عُمَرُ: أيُّ عَمَلٍ؟ قالَ ابنُ عَبّاسٍ: لِعَمَلٍ، قالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعمَلُ بِطاعَةِ اللهِ ﷿، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ لَهُ الشَّيطانَ فَعَمِلَ بِالمَعاصِي حَتّى أغرَقَ أعمالَهُ.
-قال الطبري: قيل إن هذه الآية نزلت في الذين جادلوا رسول الله ﷺ في أمر عيسى، وقيل: في أمر مدة هذه الأمة، والثاني أولى؛ لأن أمر عيسى قد بينه الله لنبيه فهو معلوم لأمته، بخلاف أمر هذه الأمة فإن علمه خفي عن العباد.
-قال الخطابي : المتشابه على ضربين: أحدهما : ما إذا رد إلى المحكم, واعتبر به عرف معناه، والآخر : ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته، وهو الذي يتبعه أهل الزيغ فيطلبون تأويله، ولا يبلغون كنهه، فيرتابون فيه فيفتنون، والله أعلم.
-فيه التحذير من مخالطة أهل الزيغ، وأهل البدع، ومن يتبع المشكلات للفتنة, فأما من سأل عما أشكل عليه منها للاسترشاد وتَلَطَّف في ذلك، فلا بأس عليه وجوابه واجب. وأما الأول فلا يجاب، بل يُزجَر، ويُعزَّر كما عَزَّرَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيع بن عسل حين كان يتبع المتشابه . (النووي)
-(فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) المراد التحذير من الإصغاء إلى الذين يتبعون المتشابه من القرآن، وأول ما ظهر ذلك من اليهود في تأويلهم الحروف المقطعة، وأن عددها بالجمل مقدار مدة هذه الأمة، ثم أول ما ظهر في الإسلام من الخوارج حتى جاء عن ابن عباس أنه فسر بهم الآية. (ابن حجر)
-قال السعدي: القرآن كله محكم باعتبار، وكله متشابه باعتبار، وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار ثالث. فالحاصل أن منها آيات بينة واضحة لكل أحد، وهي الأكثر التي يرجع إليها، ومنه آيات تشكل على بعض الناس، فالواجب في هذا أن يرد المتشابه إلى المحكم والخفي إلى الجلي.
-الحكمة من نزول القرآن على هذين الوجهين الابتلاء والامتحان؛ لأن الذي في قلبه زيغ يتبع المتشابه فيبقى في حيرة من أمره، وأما الراسخون في العلم، فإنهم يؤمنون به كله متشابهه ومحكمه، ويعلمون أنه من عند الله، وأنه لا تناقض فيه، ويردون المتشابه منه إلى المحكم فيصير المتشابه محكمًا.

سُورَةُ آلِ عِمْرانَ


٢٨٦٩. (خ م) (٢٦٦٥) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: تَلا رَسُولُ اللهِ ﷺ: ﴿هُوَ الَّذِي أنزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُّحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابْتِغاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللَّهُ والرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنا وما يَذَّكَّرُ إلاَّ أُولُواْ الألْبابِ﴾ [آل عمران: ٧]، قالَت: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا رَأَيتُم الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمّى اللهُ، فاحذَرُوهُم».
-(أن رجالا من المنافقين) هكذا ذكره أبو سعيد الخدري في سبب نزول الآية، وأن المراد من كان يعتذر عن التخلف من المنافقين، وفي حديث ابن عباس الذي بعده أن المراد من أجاب من اليهود بغير ما سئل عنه وكتموا ما عندهم من ذلك، وقيل: نزلت في قول اليهود "نحن أهل الكتاب الأول والصلاة والطاعة" ، ومع ذلك لا يقرون بمحمد ﷺ ، ولا مانع أن تكون نزلت في كل ذلك، أو نزلت في أشياء خاصة، وعمومها يتناول كل من أتى بحسنة فَفَرح بها فرح إعجاب، وأحَبَّ أن يحمده الناس ويُثنوا عليه بما ليس فيه. (ابن حجر)

٢٨٧٠. (خ م) (٢٧٧٧) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ أنَّ رِجالًا مِن المُنافِقِينَ فِي عَهدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ كانُوا إذا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ إلى الغَزوِ تَخَلَّفُوا عَنهُ، وفَرِحُوا بِمَقعَدِهِم خِلافَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَإذا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ اعتَذَرُوا إلَيهِ، وحَلَفُوا، وأَحَبّوا أن يُحمَدُوا بِما لَم يَفعَلُوا، فَنَزَلَت: ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أتَواْ وَّيُحِبُّونَ أن يُحْمَدُواْ بِما لَمْ يَفْعَلُواْ فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِّنَ العَذابِ ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٨٨].
-قال ابن عثيمين: (حَسْبُنَا) أي: كافينا في مهماتنا وملماتنا، (وَنِعْمَ الْوَكِيل) إنه نعم الكافي جل وعلا، فإنه نعم المولى ونعم النصير. ولكنه إنما يكون ناصرا لمن انتصر به واستنصر به، فإنه عز وجل أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، فإذا اتجه الإنسان إليه في أموره أعانه وساعده وتولاه، ولكن البلاء من بني آدم، حيث يكون الإعراض كثيرا في الإنسان، ويعتمد على الأمور المادية دون الأمور المعنوية.

٢٨٧١. (خ م) (٢٧٧٨) عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أنَّ مَروانَ قالَ: اذهَب يا رافِعُ -لِبَوّابِهِ- إلى ابْنِ عَبّاسٍ، فَقُل: لَئِن كانَ كُلُّ امرِئٍ مِنّا فَرِحَ بِما أتى، وأَحَبَّ أن يُحمَدَ بِما لَم يَفعَل مُعَذَّبًا، لَنُعَذَّبَنَّ أجمَعُونَ. فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ: ما لَكُم ولِهَذِهِ الآيَةِ، إنَّما أُنزِلَت هَذِهِ الآيَةُ فِي أهلِ الكِتابِ، ثُمَّ تَلا ابنُ عَبّاسٍ: ﴿وإذَ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ ولا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] هَذِهِ الآيَةَ، وتَلا ابنُ عَبّاسٍ: ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أتَواْ وَّيُحِبُّونَ أن يُحْمَدُواْ بِما لَمْ يَفْعَلُواْ﴾ [آل عمران: ١٨٨]، وقالَ ابنُ عَبّاسٍ: سَأَلَهُم النَّبِيُّ ﷺ عَن شَيءٍ فَكَتَمُوهُ إيّاهُ، وأَخبَرُوهُ بِغَيرِهِ، فَخَرَجُوا قَد أرَوهُ أن قَد أخبَرُوهُ بِما سَأَلَهُم عَنهُ، واستَحمَدُوا بِذَلكَ إلَيهِ، وفَرِحُوا بِما أتَوا مِن كِتمانِهِم إيّاهُ ما سَأَلَهُم عَنهُ. زادَ (خ): إنَّما دَعا النَّبِيُّ ﷺ يَهُودَ، فَسَأَلَهُم عَن شَيءٍ فَكَتَمُوهُ ...
-فيه أن حاصل شبهة مروان أن كلًا منا يفرح بما يعمل من الخير وربما يحب أن يُحمد بما يفعل وإن الله سبحانه وتعالى قد ذمّ هذا الصنيع وأخبر أنه موجب للعذاب ونتيجة ذلك أن يكون كل منا معذبًا، وحاصل جواب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن هذه الآية نزلت في اليهود الذين كانوا يكتمون أشياء من النبي ﷺ ويفرحون بكتمانهم ويُظهرون له خلاف الواقع ويحبون أن يحمدهم رسول الله ﷺ والمسلمون على ما أظهروه من خلاف الواقع, فالموجب للعذاب هو فرحهم بكتمان الحقيقة وحبهم للحمد على كذبهم، أما فرح المسلمين بما فعلوه من حسنة فهو عاجل بشرى المؤمن كما جاء في الحديث إذا لم يكن على وجه العُجب والكبر (الهرري).

٢٨٧٢. (خ) (٤٥٦٣) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄: ﴿حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] قالَها إبراهِيمُ ﵇ حِينَ أُلقِيَ فِي النّارِ، وقالَها مُحَمَّدٌ ﷺ حِينَ قالُوا: ﴿إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إيمانًا وقالُواْ حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣].
وفي رواية: قالَ: كانَ آخِرَ قَولِ إبراهِيمَ حِينَ أُلقِيَ فِي النّارِ: حَسبِيَ اللهُ ونِعمَ الوَكِيلُ.

سُورَةُ النِّساءِ


-قال ابن كثير: أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة، وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير، ولم يضيق الله عليه.
-قال محمد الأمين الشنقيطي: أنه كان الرجل عنده اليتيمة في حجره، فإن كانت جميلة تزوجها من غير أن يقسط في صداقها، وإن كانت دميمة رغب عن نكاحها، وعضلها أن تنكح غيره؛ لئلا يشاركه في مالها، فنُهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن، ويبلغوا بهن أعلى سنَّتهن في الصَّداق، وأُمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. أي: كما انه يرغب عن نكاحها إن كانت قليلة المال والجمال، فلا يحل له أن يتزوجها إن كانت ذات مال وجمال إلا بالإقساط إليها، والقيام بحقوقها كاملة غير منقوصة. وهذا المعنى هو الموافق لما ذهبت إليه عائشة في حديث الباب.
-(وَأُمِرُوا أَن يَنكِحُوا مَا طَابَ لَهُم مِن النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ) أي: إن خفتم ألا تعدلوا في اليتامى الأطفال اللاتي لا أولياء لهن يطالبونكم بحقوقهن، ولا تأمنوا من ترك القيام بحقوقهن لعجزهن عن ذلك، فتزوجوا من النساء القادرات على تدبير أمورهن، أو من لهن أولياء يمنعونكم من الحَيْف عليهن.
-فيه اعتبار مهر المثل في المحجورات، وأن غيرهن يجوز نكاحها بدون ذلك.
-فيه أن للولي أن يتزوج من هي تحت حجره إذا أقسط في صداقها، قال القرطبي: فإذا بلغت اليتيمة وأقسط الولي في صداقها جاز له أن يتزوجها ويكون هو الناكح والمنكِح.
-فيه أن للولي حقًا في التزويج؛ لأن الله عزوجل خاطب الأولياء بذلك.
-فيه حفظ الإسلام لحقوق المرأة، وفيه أن الولاية لا تعطي للولي الحرية المطلقة في استخدام ولايته كما يعتقد البعض، فليس للولي أن يتصرف بما يتعارض مع مصلحة اليتيمة، أو يستغل ولايته لأكل مالها أو عضلها عن الكفء، وإن ظلم وتعدى انتقلت الولاية من الولي الأقرب إلى الولي الأبعد، وإذا وقع الظلم من الجميع انتقلت الولاية إلى القاضي، فالولاية على اليتيمة إنما شرعت لتحقيق مصلحتها، وولي اليتيمة يحمل على عاتقيه أمانة عظيمة يجب أن يقدرها قدرها؛ لأن الله قد عظم حق اليتيم في كتابه الكريم وفي سنة نبيه ﷺ.
-ليس فيه جواز جمع أكثر من أربع. (النووي)
-في دليل على فضل العلم، سواء كان في الرجال أو في النساء؛ لأن عروة بن الزبير كان يسأل خالته عائشة ؛ لأن أمه هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، فكان يسألها، ففيه سؤال الرجل العلمَ من المرأة، وكذلك الحُكم لو كان غيرَ مَحرم: إذا أُمِنَ المحذور، وإذا لم يكن خلوة، ولا محذور فلا بأس. (ابن عثيمين)
-فيه بيان حكم الحيل: أن يكون الرجل عنده أنثى وهو وليُّها كابنة عمِّه مثلا، فيرغب في مالها وجمالها فيرد أن يتزوجها، فيَتَحيَّلُ على ذلك برفض الخُطَّاب، وإشعارها بأنها لم يَخطبها أحد، فحينئذ تَخضع لرغبته هو، فيتزوجها بأقل من المهر أو يتزوجها وهي كارهة. فنهوا عن ذلك. (ابن عثيمين)

٢٨٧٣. (خ م) (٣٠١٨) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ أنَّهُ سَأَلَ عائِشَةَ عَن قَولِ اللهِ: ﴿وإنْ خِفْتُمْ ألاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليَتامى فانكِحُواْ ما طابَ لَكُم مِّنَ النِّساءِ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ﴾ [النساء: ٣]، قالَت: يا ابنَ أُختِي؛ هِيَ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجرِ ولِيِّها، تُشارِكُهُ فِي مالِهِ، فَيُعجِبُهُ مالُها وجَمالُها، فَيُرِيدُ ولِيُّها أن يَتَزَوَّجَها بِغَيرِ أن يُقسِطَ فِي صَداقِها، فَيُعطِيَها مِثلَ ما يُعطِيها غَيرُهُ، فَنُهُوا أن يَنكِحُوهُنَّ إلا أن يُقسِطُوا لَهُنَّ، ويَبلُغُوا بِهِنَّ أعلى سُنَّتِهِنَّ مِن الصَّداقِ، وأُمِرُوا أن يَنكِحُوا ما طابَ لَهُم مِن النِّساءِ سِواهُنَّ. قالَ عُروَةُ: قالَت عائِشَةُ: ثُمَّ إنَّ النّاسَ استَفتَوا رَسُولَ اللهِ ﷺ بَعدَ هَذِهِ الآيَةِ فِيهِنَّ، فَأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿ويَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الكِتابِ فِي يَتامى النِّساءِ الَّلاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وتَرْغَبُونَ أن تَنكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧]، قالَت: والَّذِي ذَكَرَ اللهُ تَعالى أنَّهُ يُتلى عَلَيكُم فِي الكِتابِ الآيَةُ الأُولى؛ الَّتِي قالَ اللهُ فِيها: ﴿وإنْ خِفْتُمْ ألاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليَتامى فانكِحُواْ ما طابَ لَكُم مِّنَ النِّساءِ﴾ [النساء: ٣]، قالَت عائِشَةُ: وقَولُ اللهِ فِي الآيَةِ الأخرى: ﴿وتَرْغَبُونَ أن تَنكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧]؛ رَغبَةَ أحَدِكُم عَنِ اليَتِيمَة الَّتِي تَكُونُ فِي حَجرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ المالِ والجَمالِ، فَنُهُوا أن يَنكِحُوا ما رَغِبُوا فِي مالِها وجَمالِها مِن يَتامى النِّساءِ إلا بِالقِسطِ مِن أجلِ رَغبَتِهِم عَنهُنَّ. وفِي رِوايَةٍ زادَ فِي آخِرِها: مِن أجلِ رَغبَتِهِم عَنهُنَّ إذا كُنَّ قَلِيلاتِ المالِ والجَمالِ.
وفي رواية: فِي قَولِهِ: ﴿ويَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ الآيَةُ، قالَت: هِيَ اليَتِيمَةُ الَّتِي تَكُونَ عِنْدَ الرَّجُلِ، لَعَلَّها أن تَكُونَ قَد شَرِكَتهُ فِي مالِهِ، حَتّى فِي العَذقِ، فَيَرغَبُ يَعنِي أن يَنكِحَها، ويَكرَهُ أن يُنكِحَها رَجُلًا فَيَشرَكُهُ في مالِهِ فَيَعضِلُها.
-في الباب حديث مرفوع أخرجه أبو داود: "جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: إن عندي يتيمًا له مال، وليس عندي شيء، أفآكل منه من ماله؟ قال: بالمعروف" وإسناده قوي. ( ابن حجر )
-فيه أنه يجوز للولي أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف إذا كان محتاجًا، وهو مذهب الجمهور. (النووي)

٢٨٧٤. (خ م) (٣٠١٩) عَنْ عائِشَةَ ﵂: فِي قَوله: ﴿ومَن كانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦]؛ قالَت: أُنزِلَت فِي والِي مالِ اليَتِيمِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيهِ ويُصلِحُهُ، إذا كانَ مُحتاجًا أن يَأكُلَ مِنهُ. وفي رواية: أن يُصِيبَ مِن مالِهِ، إذا كانَ مُحتاجًا، بِقَدرِ مالِهِ، بِالمَعرُوفِ.
-قول ابن عباس: "بعثه رسول الله ﷺ في سرية" كلام غير تام، وتتمته أن عبد الله بن حُذَافَةَ أمرهم بأمر فخالف بعضهم وأَنِفَ، على عادة العرب أنهم كانوا يأنفون من الطَّاعة، قال الشافعي: كانت العرب تأنف من الطّاعة للأمراء، فلمَّا أطاعوا رسول الله ﷺ, أمرهم بطاعة الأمراء. (القرطبي)
-أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وعلى تحريمها في المعصية. (النووي)
-قال العلماء: المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل: هم العلماء، وقيل: الأمراء والعلماء، وأما من قال: الصحابة خاصة فقط فقد أخطأ. (النووي)

٢٨٧٥. (خ م) (١٨٣٤) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄: نَزَلَ: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ أطِيعُواْ اللَّهَ وأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذافَةَ بْنِ قَيسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهمِيِّ، بَعَثَهُ النَّبِي ﷺ فِي سَرِيَّةٍ.
- (رجع ناس ممن كان معه) يعني عبد الله بن أبي وأصحابه، وأن عبد الله بن أبي كان وافق رأيه رأي النبي ﷺ على الإقامة بالمدينة، فلما أشار غيره بالخروج، وأجابهم النبي ﷺ فخرج، قال عبد الله بن أبي لأصحابه: أطاعهم وعصاني، علام نقتل أنفسنا؟ فرجع بثلث الناس. (المباركفوري)

٢٨٧٦. (خ م) (٢٧٧٦) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ إلى أُحُدٍ، فَرَجَعَ ناسٌ مِمَّن كانَ مَعَهُ، فَكانَ أصحابُ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِم فِرقَتَينِ، قالَ بَعضُهُم: نَقتُلُهُم. وقالَ بَعضُهُم: لا. فَنَزَلَت: ﴿فَما لَكُمْ فِي المُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨].
وفي رواية (خ): فِرقَةً تَقُولُ: نُقاتِلُهُم، وفِرقَةً تَقُولُ: لا نُقاتِلُهُم ...
٢٨٧٧. (خ م) (٣٠٢٣) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: اختَلَفَ أهلُ الكُوفَةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: ﴿ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ [النساء: ٩٣]، فَرَحَلتُ إلى ابْنِ عَبّاسٍ، فَسَأَلتُهُ عَنها، فَقالَ: لَقَد أُنزِلَت آخِرَ ما أُنزِلَ، ثُمَّ ما نَسَخَها شَيءٌ. وفي رواية: قلتُ لابنِ عباسٍ: ألِمَن قَتَلَ مؤمنًا متعمِّدًا من توبةٍ؟ قال: لا. قالَ: فَتَلَوتُ عليهِ هذه الآيةَ التي في الفرقان: ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالحَقِّ﴾ [الفرقان: ٦٨] إلى آخر الآية، قال: هذه آيةٌ مكيَّةٌ نَسَخَتْها آيةٌ مَدَنيَّةٌ: ﴿ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فِيها﴾ [النساء: ٩٣].
- (لَقَد أُنزِلَت آخِرَ مَا أُنزِلَ، ثُمَّ مَا نَسَخَهَا شَيءٌ) احتج ابن عباس رضي الله عنهما بهذه الآية المحكمة بأن القاتل متعمدًا لا توبة له، هذا هو المشهور عنه رضي الله عنه، ورُي عنه أن له توبة وجواز المغفرة له لقوله تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا}, وهذه الرواية الثانية هي مذهب أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعين ومن بعدهم، وما رُوي عن بعض السلف مما يخالف ذلك فهو محمول على التغليظ والتحذير من القتل. وليس في هذه الآية التي احتج بها ابن عباس رضي الله عنهما تصريح بأنه يخلد في النار، وإنما فيها أنه جزاؤه، ولا يلزم منه أن يُجازى، فقد يدخل النار يجازى فيها على هذه الكبيرة ثم يخرج كسائر عصاة الموحدين، أو يعفو الله عنه فلا يدخل النار أصلا، بل تتداركه رحمة الله عزوجل، إلا إذا قتل عمدًا مستحلًّا له بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد يخلد به في جهنم بالإجماع.
-ويمكن الجمع بين كلاميه بأن عموم التي في الفرقان خصَّ منها مباشرة المؤمن القتل متعمدًا، وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض، وأولى من دعوى أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه. ( ابن حجر )

٢٨٧٨. (خ م) (٣٠٢٣) عَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَن ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ بِمَكَّةَ: ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ إلى قَوله: ﴿مُهانًا﴾ [الفرقان: ٦٨، ٦٩]، فَقالَ المُشرِكُونَ: وما يُغنِي عَنّا الإسلام، وقَد عَدَلنا باللهِ، وقَد قَتَلنا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ، وأَتَينا الفَواحِشَ. فَأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿إلاَّ مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠] إلى آخِرِ الآيَةِ، قالَ: فَأَمّا مَن دَخَلَ فِي الإسلامِ وعَقَلَهُ، ثُمَّ قَتَلَ، فَلا تَوبَةَ لَهُ. وفي رواية (خ): وأَمّا الَّتِي فِي النِّساءِ؛ الرَّجُلُ إذا عَرَفَ الإسْلامَ وشَرائِعَهُ ثُمَّ قَتَلَ فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ. فَذَكَرتُهُ لِمُجاهِدٍ فَقالَ: إلاَّ مَن نَدِمَ.
-فيه سبب نزول هذه الآية، ورُوي في سبب نزولها غير ذلك.
فيه دليل على أن من أظهر شيئًا من الإسلام لم يحل دمه؛ لأن السلام تحية المسلمين، وكانت تحيتهم في الجاهلية غير ذلك، فكانت هذه علامة، ولابد من التلفظ بالشهادتين على تفاصيل في ذلك بين أهل الكتاب وغيرهم.

٢٨٧٩. (خ م) (٣٠٢٥) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: لَقِيَ ناسٌ مِن المُسلِمِينَ رَجُلًا فِي غُنَيمَةٍ لَهُ، فَقالَ: السَّلامُ عَلَيكُم. فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ، وأَخَذُوا تِلكَ الغُنَيمَةَ، فَنَزَلَت: ﴿ولا تَقُولُواْ لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ [النساء: ٩٤]، وقَرَأَها ابنُ عَبّاسٍ: ﴿السَّلامَ﴾. لَفظُ (خ): فَأَنزَلَ اللهُ فِي ذَلكَ إلى قَولِهِ: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ [النساء: ٩٤]، تِلكَ الغُنَيَمةِ.
-(فَتَقُولُ لَهُ: أَنتَ فِي حِلٍّ مِن شَأنِي) أي إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر منها، أو يعرض عنها، فلها أن تسقط حقها أو بعضه، من نفقة أو كسوة أو مبيت، أو غير ذلك من الحقوق عليه، وله أن يقبل ذلك منها فلا جناح عليها ولا عليه، ولهذا قال الله تعالى: {فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا} أي أن الصلح الذي تسكن إليه النفوس, ويزول به الخلاف خير على الإطلاق, أو خير من الفراق أو الخصومة.
-الفرق بين النشوز والإعراض: أن النشوز التباعد، والإعراض أن يكلمها ولا يأنس بها، وظاهر الآية أنها تجوز المصالحة عند مخافة أي نشوز أو أي إعراض، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيجوز التصالح بأي نوع من أنواعه، أما بإسقاط النوبة أو بعضها أو بعض النفقة أو بعض المهر. ( النحاس )
-في قوله تعالى: {والصلح خير} قاعدة عامة تشمل كل صلح بين مُتخاصمين، فإنه خير من إنهاء الخصومة؛ لأن الصلح مآله إلى التسامح وأن كل واحد منها لا يَحمل على الآخر شيئًا. (ابن عثيمين)

٢٨٨٠. (خ م) (٣٠٢١) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ فِي قَولِهِ ﷿: ﴿وإنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِن بَعْلِها نُشُوزًا أوْ إعْراضًا، قالَت: نَزَلَت فِي المَرأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَلَعَلَّهُ أن لا يَستَكثِرَ مِنها، (وتَكُونُ لَها صُحبَةٌ ووَلَدٌ)، فَتَكرَهُ أن يُفارِقَها، فَتَقُولُ لَهُ: أنتَ فِي حِلٍّ مِن شَأنِي.
وفي رواية: قالَت: هُوَ الرَّجُلُ يَرى مِن امرَأَتِهِ ما لا يُعجِبُهُ كِبَرًا أو غَيرَهُ، فَيُرِيدُ فِراقَها، فَتَقُولُ: أمسِكنِي، واقسِم لِي ما شِئتَ. قالَت: فَلا بَأسَ إذا تَراضَيا.
٢٨٨١. (خ) (٢٧٥٩) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: إنَّ ناسًا يَزعُمُون أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نُسِخَت، ولا واللهِ ما نُسِخَت، ولَكِنَّها مِمّا تَهاوَنَ النّاسُ، هُما والِيانِ: والٍ يَرِثُ، وذاكَ الَّذِي يَرزُقُ، ووالٍ لا يَرِثُ، فَذاكَ الَّذِي يَقُولُ بِالمَعرُوفِ، يَقُولُ: لا أملِكُ لَكَ أن أُعطِيَكَ.
- (فَنَسَخَ اللهُ مِن ذَلكَ مَا أَحَبَّ) هذا يدل على أن الأمر الأول استمر إلى نزول الآية، وفيه رد على من أنكر النسخ، وأجمع العلماء على أن شريعة الإسلام ناسخة لجميع الشرائع. (ابن حجر)
-(وَجَعَلَ لِلأَبَوَينِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنهُمَا السُّدُسَ وَالثُّلُثَ) قال الدمياطي: قوله: (والثلث) زيادة هنا، والمعنى أن لكل واحد منهما السدس في حال, وللأم الثلث في حال، ووزان ذلك ما ذكره في بقية الحديث: (وللزوج النصف والربع) أي: كل منهما في حال. (ابن حجر)

٢٨٨٢. (خ) (٦٧٣٩) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: كانَ المالُ لِلوَلَد، وكانَت الوَصِيَّةُ لِلوالِدَينِ، فَنَسَخَ اللهُ مِن ذَلكَ ما أحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثلَ حَظِّ الأُنثَيَينِ، وجَعَلَ لِلأَبَوَينِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ، وجَعَلَ لِلمَرأَةِ الثُّمُنَ والرُّبُعَ، ولِلزَّوجِ الشَّطرَ والرُّبُعَ.
وفي رواية: وجَعَلَ لِلأَبَوَينِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسَ والثُّلُثَ.
-أي أنه لا يجوز لكم أن ترثوا نساء آبائكم وأقاربكم كما يُورث المال، وتتصرفوا فيهن بالزواج بهن، أو تزويجيهن ممن تشاؤون، أو منعهن من الزواج، ولا يجوز لكم إمساك أزواجكم اللاتي تكرهونهن للإضرار بهن، حتى يتناولن لكم عن بعض ما أعطيتموهن من مهر وغيره، إلا أن يرتكبن فاحشة واضحة كالزنى، فإذا فعلن ذلك جاز لكم إمساكهن والتضييق عليهن حتى يفتدين منكم بما أعطيتموهن، وصاحبوا نساءكم صحبة طيبة، بكف الأذى وبذل الإحسان، فإن كرهتموهن لأمر دنيوي فاصبروا عليهن؛ فلعل الله يجعل فيما تكرهون خيرًا كثيرًا في الحياة الدنيا والآخرة. (المختصر في التفسير)
-من أسباب استمرار الحياة الزوجية أن يكون نظر الزوج متوازنًا، فلا يحصر نظره فيما يكره، بل ينظر أيضًا إلى ما فيه من خير، وقد يجعل الله فيه خيرًا كثيرًا, وفي الحديث الصحيح " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلق رضي منها آخر ". (المختصر في التفسير)

٢٨٨٣. (خ) (٤٥٧٩) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ لا يَحِلُّ لَكُمْ أن تَرِثُواْ النِّساءَ كَرْهًا ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] قالَ: كانُوا إذا ماتَ الرَّجُلُ كانَ أولِياؤُهُ أحَقَّ بِامرَأَتهِ، إن شاءَ بَعضُهُم تَزَوَّجَها، وإن شاءُوا زَوَّجُوها، وإن شاءُوا لَم يُزَوِّجُوها، فَهُم أحَقُّ بِها مِن أهلِها، فَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلكَ.
-ولكل واحد منكم جعلنا له عَصَبَة يرثون مما ترك الوالدان والأقربون من ميراث، والذين عقدتم معهم الأيمان المؤكدة على الحِلْف والنصرة فأعطوهم نصيبهم من الميراث، إن الله كان على كل شيء شهيدًا، ومن ذلك شهادته على أيمانكم وعهودكم هذه، والتوارث بالحِلف كان في صدر الإسلام ثم نُسِخ. (المختصر في التفسير)
-قال ابن عباس: كانوا يتوارثون بالهجرة والإخاء حتى نزلت هذه الآية، {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} أي في الميراث فبين بهذه الآية أن سبب القرابة أقوى وأولى من سبب الهجرة والإخاء، ونسخ بهذه الآية ذلك التوارث. وقوله {في كتاب الله} يعني في حكم الله أو أراد به القرآن، وهي أن قسمة المواريث مذكورة في سورة النساء من كتاب الله وهو القرآن. (العظيم آبادي)

٢٨٨٤. (خ) (٤٥٨٠) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَن ابْنِ عَبّاسٍ ﵄: ﴿ولِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ﴾ [النساء: ٣٣] قالَ: ورَثَةً، }والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكُمْ} [النساء: ٣٣]، كانَ المُهاجِرُونَ لَمّا قَدِمُوا المَدِينَةَ يَرِثُ المُهاجِرِيُّ الأَنْصارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ، لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخى النَّبِيُّ ﷺ بَينَهُم، فَلَمّا نَزَلَت: ﴿ولِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ﴾ نُسِخَت، ثُمَّ قالَ: ﴿والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكُمْ﴾ مِن النَّصرِ والرِّفادَةِ والنَّصِيحَةِ، وقَد ذَهَبَ المِيراثُ، ويُوصِي لَهُ.
٢٨٨٥. (خ) (٤٥٩٦) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أبِي الأَسْوَدِ قالَ: قُطِعَ عَلى أهلِ المَدِينَةِ بَعثٌ فاكتُتِبتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكرِمَةَ مَولى ابْنِ عَبّاسٍ فَأَخبَرتُهُ، فَنَهانِي عَن ذَلكَ أشَدَّ النَّهيِ، ثُمَّ قالَ: أخبَرَنِي ابنُ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ ناسًا مِن المُسلِمِينَ كانُوا مَعَ المُشرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوادَ المُشرِكِينَ عَلى عَهدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، يَأتِي السَّهمُ فَيُرمى بِهِ فَيُصِيبُ أحَدَهُم فَيَقتُلُهُ أو يُضرَبُ فَيُقتَلُ، فَأَنزَلَ اللهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: ٩٧] الآيَةَ.
-قال الطبري: " كان قوم من أهل مكة قد أسلموا، وكانوا يخفون الإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم ، فقال المسلمون: هؤلاء كانوا مسلمين، فأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت، فكتبوا بها إلى من بقي بمكة منهم، وأنهم لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون ففتنوهم فرجعوا، فنزلت: {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله} فكتب إليهم المسلمون بذلك فحزنوا، فنزلت: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} الآية، فكتبوا إليهم بذلك، فخرجوا فلحقوهم، فنجا من نجا، وقتل من قتل " .
-{فيم كنتم} سؤال توبيخ وتقريع ، واستنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية . (ابن حجر)
-فيه دلالة أن الولد يتبع المسلم من الأبوين كان الأب والأم. (ابن الملقن)

٢٨٨٦. (خ) (٤٥٩٧) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄: ﴿إلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ﴾ [النساء: ٩٨] قالَ: كانَت أُمِّي مِمَّن عَذَرَ اللهُ. وفي رواية: كُنتُ أنا وأُمِّي مِمَّن عَذَرَ اللهُ.
- (كان جريحا) أي: فنزلت الآية فيه.
-رخص لهم في وضع السلاح بسبب ما يثقل عنهم حملها بسبب ما ذكر من المطر والضعف، وأمرهم بأخذ الحذر مع ذلك خشية الغفلة فيهجم عليهم. (ابن الملقن)

٢٨٨٧. (خ) (٤٥٩٩) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄: ﴿إن كانَ بِكُمْ أذًى مِّن مَّطَرٍ أوْ كُنتُم مَّرْضى﴾ [النساء: ١٠٢] قالَ: عَبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوفٍ، وكانَ جَرِيحًا.
-قال العلماء: عذاب المنافق أشد من عذاب الكافر؛ لاستهزائه بالدين. (ابن حجر)
-(لَقَد أُنزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَومٍ خَيرٍ مِنكُم) أي: ابتلوا به؛ لأنهم كانوا من طبقة الصحابة، فهم خير من طبقة التابعين، لكن الله ابتلاهم فارتدوا ونافقوا فذهبت الخيرية منهم، ومنهم من تاب فعادت له الخيرية، فكأن حذيفة حذر الذين خاطبهم وأشار لهم أن لا يغتروا؛ فإن القلوب تتقلب، فحذرهم من الخروج من الإيمان؛ لأن الأعمال بالخاتمة، وبين لهم أنهم وإن كانوا في غاية الوثوق بإيمانهم، فلا ينبغي لهم أن يأمنوا مكر الله؛ فإن الطبقة الذين من قبلهم وهم الصحابة كانوا خيرًا منهم، ومع ذلك وجد بينهم من ارتد ونافق، فالطبقة التي هي من بعدهم أمكن من الوقوع في مثل ذلك. (ابن حجر)
- (فتبسم عبد الله) كأنه تبسم تعجبا من صدق مقالته . (ابن حجر)
-(عجبت من ضحكه) أي: من اقتصاره على ذلك، وقد عرف ما قلت، أي: فهم مرادي وعرف أنه الحق. (ابن حجر)
-(ثم تابوا فتاب الله عليهم) أي: رجعوا عن النفاق. (ابن حجر)
- يستفاد من قوله تعالى: {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين} صحة توبة الزنديق وقبولها على ما عليه الجمهور. (ابن حجر)
-أشد الناس عذابًا يوم القيامة ثلاثة: المنافق لهذه الآية، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون، {فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين}, وقال {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}. (ابن الملقن)

٢٨٨٨. (خ) (٤٦٠٢) عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قالَ: كُنّا فِي حَلقَةِ عَبْدِ اللهِ ﵁، فَجاءَ حُذَيْفَةُ حَتّى قامَ عَلَينا فَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: لَقَد أُنزِلَ النِّفاقُ عَلى قَومٍ خَيرٍ مِنكُم. قالَ الأسوَدُ: سُبحانَ اللهِ، إنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿إنَّ المُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النّارِ﴾ [النساء: ١٤٥]، فَتَبَسَّمَ عَبدُ اللهِ، وجَلَسَ حُذَيْفَةُ فِي ناحِيَةِ المَسْجِدِ، فَقامَ عَبدُ اللهِ، فَتَفَرَّقَ أصحابُهُ، فَرَمانِي بِالحَصا فَأَتَيتُهُ، فَقالَ حُذَيْفَةُ: عَجِبتُ مِن ضَحِكِهِ، وقَد عَرَفَ ما قلت، لَقَد أُنزِلَ النِّفاقُ عَلى قَومٍ كانُوا خَيرًا مِنكُم، ثُمَّ تابُوا فَتابَ اللهُ عَلَيهِم.

سُورَةُ الـمائِدَةِ


٢٨٨٩. (خ م) (٣٠١٧) عَنْ طارِقِ بْنِ شِهابٍ ﵁ قالَ: جاءَ رَجُلٌ مِن اليَهُودِ إلى عُمَرَ، فَقالَ: يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ؛ آيَةٌ فِي كِتابِكُم تَقرَؤونَها، لَو عَلَينا نَزَلَت مَعشَرَ اليَهُودِ لاتَّخَذنا ذَلكَ اليَومَ عِيدًا. قالَ: وأَيُّ آيَةٍ؟ قالَ: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾. فَقالَ عُمَرُ: إنِّي لأَعلَمُ اليَومَ الَّذِي نَزَلَت فِيهِ، والمَكانَ الَّذِي نَزَلَت فِيهِ، نَزَلَت عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ بِعَرَفاتٍ، فِي يَومِ جُمُعَةٍ.
- (لاتَّخَذنَا ذَلكَ اليَومَ عِيدًا) أي: لعظمناه وجعلناه عيدًا لنا في كل سنة لعظم ما حصل فيه من إكمال الدين. (المباركفوري)
- (عيدً) العيد فعلٌ من العَوْد، وإنما سمي به؛ لأنه يعود في كل عام.
-(فَقَالَ عُمَر: إِنِّي لأَعلَمُ اليَومَ الَّذِي نَزَلَت فِيهِ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَت فِيهِ) يوم الجمعة، ومراد عمر أنا قد اتخذنا ذلك اليوم عيدا من وجهين، فإنه يوم عرفة، ويوم جمعة، وكل واحد منهما عيد لأهل الإسلام. (النووي)
-استُدل بهذا الحديث على مزية الوقوف بعرفة يوم الجمعة على غيره من الأيام؛ لأن الله تعالى إنما يختار لرسوله الأفضل، وأن الأعمال تشرف بشرف الأزمنة كالأمكنة، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وقد ثبت في صحيح مسلم، عن أبي هريرة مرفوعا: " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة "، ولأن في يوم الجمعة الساعة المستجاب فيها الدعاء، ولا سيما على قول من قال: إنها بعد العصر. (ابن حجر)

٢٨٩٠. (خ) (٤٦١٨) عَنْ جابِرٍ قالَ: صَبَّحَ أُناسٌ غَداةَ أُحُدٍ الخَمرَ فَقُتِلُوا مِن يَومِهِم جَمِيعًا شُهَداءَ، وذَلكَ قَبلَ تَحرِيمِها.
-هذا الحديث يدل على أن تحريم الخمر كان بعد غزوة أحد في شوال سنة ثلاث من الهجرة. (العيني)

٢٨٩١. (خ) (٢٧٨٠) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِن بَنِي سَهمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدّارِيِّ وعَدِيِّ بْنِ بَدّاءٍ، فَماتَ السَّهمِيُّ بِأَرضٍ لَيسَ بِها مُسلِمٌ، فَلَمّا قَدِما بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جامًا مِن فِضَّةٍ مُخَوَّصًا مِن ذَهَبٍ، فَأَحلَفَهُما رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ وُجِدَ الجامُ بِمَكَّةَ، فَقالُوا: ابتَعناهُ مِن تَمِيمٍ وعَدِيٍّ. فَقامَ رَجُلانِ مِن أولِيائِهِ فَحَلَفا: لَشَهادَتُنا أحَقُّ مِن شَهادَتِهِما، وإنَّ الجامَ لِصاحِبِهِم، قالَ: وفِيهِم نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ [المائدة: ١٠٦].
-وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْكُفَّارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ الْكُفَّارُ، وَالْمَعْنَى : مِنْكُمْ أَيْ : مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ. (ابن حجر)

سُورَةُ الأَنعامِ


٢٨٩٢. (خ م) (١٢٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: لَمّا نَزَلَت: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ ولَمْ يَلْبِسُواْ إيمانَهُم بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢]؛ شَقَّ ذَلكَ عَلى أصحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وقالُوا: أيُّنا لا يَظلِمُ نَفسَهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيسَ هُوَ كَما تَظُنُّونَ، إنَّما هُوَ كَما قالَ لُقمانُ لابنِهِ: ﴿يابُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]». وفي رواية (خ): «إنَّما هُو الشِّرك ...».
-فيه أن سبب نزول هذه الآية هو سؤال الصحابة رضي الله عنهم، لكن يُعكِّر عليه قوله "لَيسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقمَانُ لابنِهِ: { يَابُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ويستفاد منه أن الآية التي في لقمان كانت معلومة عندهم، ولذلك نبههم عليها. قال ابن حجر في رفع هذا الإشكال: يحتمل أن يكون نزولها وقع في الحال، فتلاها عليهم ثم نبههم، فتلتئم الروايتان.
-(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لأنه وضع العبادة في غير موضعها, وإرجاع الفضل لغير المنعم سبحانه، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود لما سئل النبي ﷺ: " أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك", فالشرك أظلم الظلم، ولذلك كان جزاء صاحبه الخلود في النار يوم القيامة، كما قال تعالى: { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}
-في الحديث: الحمل على العموم حتى يرد دليل الخصوص، وأن النكرة في سياق النفي تَعُم، وأن الخاص يقضي على العام، والمبيَّن عن المجمل، وأن اللفظ يحمل على خلاف ظاهره لمصلحة دفع التعارض. (ابن حجر)
-ما يدلُّ على أنَّ النكرةَ في سياق النفي تَعُمُّ؛ لأنَّ الصحابة فَهِمَتْ من ذلك العمومِ كُلَّ ظلم، وأقرَّهم النبيُّ على ذلك الفَهمِ ، وبيَّن لهم أنَّ المراد بذلك ظُلْمٌ مخصوص . (القرطبي)
- أن درجات الظلم تتفاوت، وأن المعاصي لا تسمى شركًا، وأن من لم يشرك بالله شيئا فله الأمن وهو مهتد . فإن قيل : فالعاصي قد يعذب فما هو الأمن والاهتداء الذي حصل له ؟ فالجواب أنه آمن من التخليد في النار، مهتد إلى طريق الجنة، {أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}. (ابن حجر)

٢٨٩٣. (خ) (٣٥٢٤) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: إذا سَرَّكَ أن تَعلَمَ جَهلَ العَرَبِ فاقرَأ ما فَوقَ الثَّلاثِينَ ومِائَةٍ فِي سُورَةِ الأنعامِ: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ إلى قَولِهِ ﴿قَدْ ضَلُّواْ وما كانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٠].
- (عذابا من فوقكم) أي: من السماء كالحجارة والصيحة. (المباركفوري)
-(أو من تحت أرجلكم) كالخسف والرجفة . (المباركفوري)
-(أو يلبسكم شيعا) أي يخلطكم فرقا مختلفة الأهواء. (المباركفوري)
- (ويذيق بعضكم بأس بعض ) أي بالقتال. (المباركفوري)
-(هاتان) أي خصلة الالتباس وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض (أهون)، من بعث العذاب من الفوق أو من التحت. (المباركفوري)

٢٨٩٤. (خ) (٤٦٢٨) عَنْ جابِرٍ ﵁ قالَ: لَمّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿قُلْ هُوَ القادِرُ عَلى أن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذابًا مِّن فَوْقِكُمْ﴾، قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أعُوذُ بِوَجهِكَ»، قالَ: ﴿أوْ مِن تَحْتِ أرْجُلِكُمْ﴾ قالَ: «أعُوذُ بِوَجهِكَ»، ﴿أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام: ٦٥]، قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَذا أهوَنُ أو هَذا أيسَرُ».

سُورَةُ الأَعْرافِ


٢٨٩٥. (م) (٣٠٢٨) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: كانَتِ المَرأَةُ تَطُوفُ بِالبَيتِ وهِيَ عُريانَةٌ، فَتَقُولُ: مَن يُعِيرُنِي تِطوافًا، تَجعَلُهُ عَلى فَرجِها، وتَقُولُ:
اليَومَ يَبدُو بَعضُهُ أو كُلُّهُ فَما بَدا مِنهُ فَلا أُحِلُّهُ
فَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: ٣١].
- (من يعيرني تطوافا) هو ثوب تلبسه المرأة تطوف به، وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة، ويرمون ثيابهم، ويتركونها ملقاة على الأرض ولا يأخذونها أبدا، ويتركونها تُداس بالأرجل حتى تُبلى، ويُسمَّى اللقاء، حتى جاء الإسلام فأمر الله تعالى بستر العورة، فقال تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}، وقال النبي ﷺ: لا يطوف بالبيت عريان . (النووي)

٢٨٩٦. (خ) (٤٦٤٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قالَ: ما أنزَلَ اللهُ إلا فِي أخلاقِ النّاسِ.
-اقبل أيها الرسول من الناس ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، ولا تكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، فإن ذلك ينفّرهم، وَأْمُر بكل قول جميل وفعل حسن، وأعرض عن الجاهلين، فلا تقابلهم بجهلهم، فمن آذاك فلا تؤذه، ومن حَرَمَك فلا تَحْرِمه. (المختصر في التفسير)

سُورَةُ الأَنْفالِ


٢٨٩٧. (خ م) (٢٧٩٦) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ أبُو جَهلٍ: اللَّهُمَّ إن كانَ هَذا هُوَ الحَقَّ مِن عِندِكَ فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِن السَّماءِ أو ائتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ. فَنَزَلَت: ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنتَ فِيهِمْ وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وما لَهُمْ ألاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ [الأنفال: ٣٣، ٣٤] إلى آخِرِ الآيَةِ.
- (قَالَ أَبُو جَهلٍ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا) ظاهره أن أبا جهل هو القائل ذلك، وإن كان هذا القول نُسب إلى جماعة، فلعله بدأ به ورضي ما نُسب إليهم. روى ابن جرير أنهم قالوا ذلك ثم لما أمسوا ندموا فقالوا: غفرانك اللهم، فأنزل الله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}، ثم حلَّ بهم العذاب لما تركوا الندم على ما وقع منهم، وبالغوا في معاندة المسلمين ومحاربتهم، وصدَّهم عن المسجد الحرام.
-فيه فضل الاستغفار وبركته، وأنه أمان من العذاب ونزول العقوبات العامة والخاصة.

٢٨٩٨. (خ) (٤٦٤٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال: ٢٢] قالَ: هُم نَفَرٌ مِن بَنِي عَبدِ الدّارِ.
٢٨٩٩. (خ) (٤٦٥٣) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: لَمّا نَزَلَت: ﴿إن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٦٥]، شَقَّ ذَلكَ عَلى المُسلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيهِم أن لا يَفِرَّ واحِدٌ مِن عَشَرَةٍ، فَجاءَ التَّخفِيفُ، فَقالَ: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وعَلِمَ أنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٦٦]، قالَ: فَلَمّا خَفَّفَ اللهُ عَنهُم مِن العِدَّةِ نَقَصَ مِن الصَّبرِ بِقَدرِ ما خُفِّفَ عَنهُم.
وفي رواية: قالَ سُفيانُ: وقالَ ابنُ شُبرُمَةَ: وأُرى الأَمرَ بِالمَعرُوفِ والنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ مِثلَ هَذا.
-استدل بهذا الحديث على وجوب ثبات الواحد المسلم إذا قاوم رجلين من الكفار وتحريم الفرار عليه منهما سواء طلباه أو طلبهما، سواء وقع ذلك وهو واقف في الصف مع العسكر أو لم يكن هناك عسكر، وهذا هو ظاهر تفسير ابن عباس . (ابن حجر)

١ 1-ما هي السورة التي قال فيها الرسول علبه الصلاة والسلام ( هي السَّبعُ المَثاني، والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيتُه )

٥/٠