سُورَةُ التَّوْبَةِ


٢٩٠٠. (خ م) (٣٠٣١) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: قُلتُ لابنِ عَبّاسٍ: سُورَةُ التَّوبَةِ، قالَ: آلتَّوبَةِ؟ قالَ: بَل هِيَ الفاضِحَةُ، ما زالَت تَنزِلُ: ﴿ومِنهُم﴾، ﴿ومِنهُم﴾، حَتّى ظَنُّوا أن لا يَبقى مِنّا أحَدٌ إلا ذُكِرَ فِيها. قالَ: قُلتُ: سُورَةُ الأَنفالِ، قالَ: تِلكَ سُورَةُ بَدرٍ. قالَ: قُلتُ: فالحَشرُ، قالَ: نَزَلَت فِي بَنِي النَّضِيرِ. وفي رواية (خ): قُلتُ لِابنِ عَبّاسٍ: سُورَةُ الحَشرِ، قالَ: قُل: سُورَةُ النَّضِيرِ.
-قال ابن عباس: كنا نسمى سورة براءة: الفاضحة. قال ابن عباس: ما زالت تنزل (ومنهم. .) (ومنهم) حتى خشينا. لأن الله تعالى قد حكى فيها أقوال المنافقين, وأذاهم للنبي عليه السلام, ولمزهم في الصدقات وغيرها، إلا أن الله لم يأمره بقتلهم، ونحن لا نعلم بالظن مثل ما علمه النبي - عليه السلام لأجل نزول الوحى عليه، فلم يجب لنا القطع على الظن غير أنه من ظهر منه فعل منكر فقد عرض نفسه لسوء الظن والتهمة في دينه فلا حرج على من أساء به الظن. (ابن بطال)

٢٩٠١. (خ) (١٤٠٤) عَنْ خالِدِ بْنِ أسْلَمَ قالَ: خَرَجنا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄، فَقالَ أعرابِيٌّ: أخبِرنِي عَن قَولِ اللهِ ﴿والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ ولا يُنفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٤]، قالَ ابنُ عُمَرَ ﵄: مَن كَنَزَها فَلَم يُؤَدِّ زَكاتَها فَوَيلٌ لَهُ، إنَّما كانَ هَذا قَبلَ أن تُنزَلَ الزَّكاةُ، فَلَمّا أُنزِلَت جَعَلَها اللهُ طُهرًا لِلأَموالِ.
- وأما الكنز فقال مالك: عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمر أنه قال: الكنز هو المال الذي لا تؤدي منه الزكاة وهو المستحق عليه الوعيد. ( العيني)

٢٩٠٢. (خ) (١٤٠٦) عَنْ زَيْدِ بْنِ وهْبٍ قالَ: مَرَرتُ بِالرَّبَذَةِ فَإذا أنا بَأبِي ذَرٍّ ﵁، فَقلت لَهُ: ما أنزَلَكَ مَنزِلكَ هَذا؟ قالَ: كُنتُ بِالشَّأمِ، فاختَلَفتُ أنا ومُعاوِيَةُ فِي: ﴿والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ ولا يُنفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، قالَ مُعاوِيَةُ: نَزَلَت فِي أهلِ الكِتابِ. فَقلت: نَزَلَت فِينا وفِيهِم، فَكانَ بَينِي وبَينَهُ فِي ذاكَ، وكَتَبَ إلى عُثْمانَ ﵁ يَشكُونِي، فَكَتَبَ إلَيَّ عُثْمانُ: أن اقدَم المَدِينَةَ. فَقَدِمتُها، فَكَثُرَ عَلَيَّ النّاسُ حَتّى كَأَنَّهُم لَم يَرَونِي قَبلَ ذَلكَ، فَذَكَرتُ ذاكَ لِعُثمانَ، فَقالَ لِي: إن شِئتَ تَنَحَّيتَ فَكُنتَ قَرِيبًا. فَذاكَ الَّذِي أنزَلَنِي هَذا المَنزِلَ، ولَو أمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعتُ وأَطَعتُ.
وفيه: أنه جائز للإمام أن يخرج من توقع ببقائه وقوع فتنة بين الناس.
- وفيه: ترك الخروج على الأئمة، والانقياد لهم، وإن كان الصواب في خلافهم.
- وفيه: جواز الاختلاف والاجتهاد في الآراء، ألا ترى أن عثمان ومن كان بحضرته من الصحابة لم يردوا أبا ذر عن مذهبه، ولا قالوا له: إنه لا يجوز لك اعتقاد قولك، لأن أبا ذر نزع بحديث النبي، (ﷺ) ، واستشهد به، وذلك قوله (ﷺ) : " ما أحب أن لى مثل أُحُدٍ ذهبًا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير"، وكذلك حين أنكر على أبي هريرة نصل سيفه استشهد على ذلك بقوله، (ﷺ) : " من ترك صفراء، أو بيضاء كوى بها " . وهذا حجة في أن الاختلاف في العلم باق إلى يوم القيامة، لا يرتفع إلا بإجماع.

٢٩٠٣. (خ) (٤٦٥٨) عَنْ زَيْدِ بْنِ وهْبٍ قالَ: كُنّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقالَ: ما بَقِيَ مِن أصحابِ هَذِهِ الآيَةِ إلا ثَلاثَةٌ، ولا مِن المُنافِقِينَ إلا أربَعَةٌ. فَقالَ أعرابِيٌّ: إنَّكُم أصحابَ مُحَمَّدٍ ﷺ تُخبِرُونا، فَلا نَدرِي؛ فَما بالُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَبقُرُونَ بُيُوتَنا، ويَسرِقُونَ أعلاقَنا؟ قالَ: أُولَئِكَ الفُسّاقُ، أجَل لَم يَبقَ مِنهُم إلا أربَعَةٌ، أحَدُهُم شَيخٌ كَبِيرٌ لَو شَرِبَ الماءَ البارِدَ لَما وجَدَ بَردَهُ.
- قوله: (أَحَدُهُم شَيخٌ كَبِيرٌ لَو شَرِبَ المَاءَ البَارِدَ لَمَا وَجَدَ بَردَهُ) قال التيمي: يعني عاقبه الله ببلاء في الدنيا وخرف
لا يجد معه ذوق الماء ولا طعم برودته. (الكرماني)
حاصل معنى هذا الحديث أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، كان صاحب سر رسول الله ﷺ في شأن المنافقين وكان يعرفهم ولا يعرفهم غيره بعد رسول الله ﷺ من البشر، وكان النبي ﷺ أسر إليه بأسماء عدة من المنافقين وأهل الكفر الذين نزلت فيهم الآية، ولم يسر إليه بأسماء جميعهم. (العيني).

٢٩٠٤. (خ) (٤٦٦٥) قالَ ابنُ أبِي مُلَيكَةَ: وكانَ بَينَهُما شَيءٌ، فَغَدَوت عَلى ابْنِ عَبّاسٍ فَقلت: أتُرِيدُ أن تُقاتِلَ ابنَ الزُّبَيرِ، فَتُحِلُّ حَرَمَ اللهِ؟ فَقالَ: مَعاذَ اللهِ؛ إنَّ اللهَ كَتَبَ ابنَ الزُّبَيرِ وبَنِي أُمَيَّةَ مُحِلِّينَ، وإنِّي واللهِ لا أُحِلُّهُ أبَدًا، قالَ: قالَ النّاسُ: بايِع لابنِ الزُّبَيرِ. فَقلت: وأَينَ بِهَذا الأمرِ عَنهُ ؟ أمّا أبُوهُ فَحَوارِيُّ النَّبِيِّ ﷺ يُرِيدُ الزُّبَيرَ، وأَمّا جَدُّهُ فَصاحِبُ الغارِ يُرِيدُ أبا بَكرٍ، وأُمُّهُ فَذاتُ النِّطاقِ يُرِيدُ أسماءَ، وأَمّا خالَتُهُ فَأُمُّ المُؤمِنِينَ يُرِيدُ عائِشَةَ، وأَمّا عَمَّتُهُ فَزَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ يُرِيدُ خَدِيجَةَ، وأَمّا عَمَّةُ النَّبِيِّ ﷺ فَجَدَّتُهُ يُرِيدُ صَفِيَّةَ، ثُمَّ عَفِيفٌ فِي الإسلامِ، قارِئٌ لِلقُرآنِ، واللهِ إن وصَلُونِي وصَلُونِي مِن قَرِيبٍ، وإن رَبُّونِي رَبُّونِي أكفاءٌ كِرامٌ، فَآثَرَ التُّوَيتاتِ والأساماتِ والحُمَيداتِ يُرِيدُ أبطُنًا مِن بَنِي أسَدٍ بَنِي تُوَيتٍ وبَنِي أُسامَةَ وبَنِي أسَدٍ، إنَّ ابنَ أبِي العاصِ بَرَزَ يَمشِي القُدَمِيَّةَ يَعنِي عَبدَ المَلِكِ بنَ مَروانَ، وإنَّهُ لَوّى ذَنَبَهُ يَعنِي ابنَ الزُّبَيرِ. وفي رواية: عنه قال: دَخَلنا عَلى ابْنِ عَبّاسٍ فَقال: ألا تَعجَبُونَ لابنِ الزُّبَيرِ؟ قامَ فِي أمرِهِ هَذا، فَقلت: لأحاسِبَنَّ نَفسِي لَهُ ما حاسَبتُها لأبِي بَكرٍ ولا لِعُمَرَ، ولَهُما كانا أولى بِكُلِّ خَيرٍ مِنهُ، وقلت: ابنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ، وابنُ الزُّبَيرِ، وابنُ أبِي بَكرٍ، وابنُ أخِي خَدِيجَةَ، وابنُ أُختِ عائِشَةَ، فَإذا هُوَ يَتَعَلّى عَنِّي ولا يُرِيدُ ذَلِكَ، فَقلت: ما كُنتُ أظُنُّ أنِّي أعرِضُ هَذا مِن نَفسِي فَيَدَعُهُ، وما أُراهُ يُرِيدُ خَيرًا، وإن كانَ لا بُدَّ، لأن يَرُبَّنِي بَنُو عَمِّي أحَبُّ إلَيَّ مِن أن يَرُبَّنِي غَيرُهُم.
- في رواية أبي مخنف وأن ابن الزبير يمشي القهقرى. وهو المناسب لقوله في عبد الملك يمشي القدمية، وكان الأمر كما قال ابن عباس فإن عبد الملك لم يزل في تقدم من أمره حتى استنقذ العراق من ابن الزبير وقتل أخاه مصعبًا ثم جهز العساكر إلى ابن الزبير بمكة فكان من الأمر ما كان، ولم يزل أمر ابن الزبير في تأخير إلى أن قتل -رحمه الله- ورضي عنه. ( ابن حجر )
- قوله: (فقال: ألا تعجبون لابن الزبير قام في أمره هذا؟) يعني الخلافة (فقلت: لأحاسبن نفسي له ما حاسبتها لأبي بكر ولا لعمر) أي لأناقش نفسي لابن الزبير في معونته, ولأستقصين عليها في النصح له والذب عنه ما ناقشتها للعمرين، وقال الداودي : أي لأذكرن في مناقبه ما لم أذكر في مناقبهما، وإنما صنع ابن عباس ذلك لاشتراك الناس في معرفة مناقب أبي بكر وعمر بخلاف ابن الزبير، فما كانت مناقبه في الشهرة كمناقبهما، فأظهر ذلك ابن عباس وبينه للناس إنصافًا منه له (ولهما) والعمرين (كانا أولى بكل خير منه) أي من ابن الزبير..
-قوله: (وما أراه يريد خيرا) أي: وما أظنه يريد خيرا يعني في الرغبة عني. قوله: (وإن كان لابد) أي: وإن كان هذا الذي صدر منه لا فراق له منه لأن يربني بنو عمي أي بنو أمية, ويربني من التربية ومعناه: يكون بنو أمية أمراء علي وقائمين بأمري, قوله: (أحب إلي غيرهم) أي: غير بني عمي. وهم الأمويون. وقال الحافظ إسماعيل في كتاب (التخيير) يعني: بقوله لأن يربني بنو عمي إلى آخره، لأن أكون في طاعة بني أمية وهم أقرب إلى قرابة من بني أسد أحب إلي. (العيني).

سُورَةُ هُودٍ


٢٩٠٥. (خ م) (٢٧٦٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁؛ أنَّ رَجُلًا أصابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتى النَّبِيَّ ﷺ، فَذَكَرَ ذَلكَ لَهُ، قالَ: فَنَزَلَت: ﴿وأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذَلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ﴾ [هود: ١١٤]، قالَ: فَقالَ الرَّجُلُ: ألِيَ هَذِهِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «لِمَن عَمِلَ بِها مِن أُمَّتِي».
وفي رواية (م): فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ؛ إنِّي عالَجتُ امرَأةً فِي أقصى المَدِينَةِ، وإني أُصِبتُ مِنها ما دُونَ أن أمَسَّها، فَأَنا هَذا، فاقضِ فيَّ ما شِئتَ. فَقالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَد سَتَرَكَ اللهُ لَو سَتَرتَ نَفسَكَ. قالَ: فَلَم يَرُدَّ النَّبِيُّ ﷺ شَيئًا، فَقامَ الرَّجُلُ فانطَلَقَ، فَأَتبَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا دَعاهُ، وتَلا عَلَيهِ هَذِهِ الآيَةَ.
وفي رواية (م): شَيئًا دُون الفاحِشَةِ، فَأَتى عُمَرَ بنَ الخَطّابِ فَعَظَّمَ عَليَهِ، ثُمَّ أتى أبا بَكرٍ فَعَظَّمَ عَليِهِ، ثُمَّ أتى النَّبيَّ ﷺ ... بِمِثلِهِ. وفي رواية (م): فَقالَ مُعاذٌ: يا رَسُولَ اللهِ؛ هَذا لِهَذا خاصَّةً، أو لَنا عامَّةً؟ قالَ: «بَل لَكُم عامَّةً».
وفي رواية (خ): «لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِم».
- فسر قوله: (وزلفا من الليل) بقوله: (ساعات بعد ساعات) وهو جمع زلفة كظلم جمع ظلمة. قوله: (ومنه سميت المزدلفة) أي: من معنى الزلف سميت المزدلفة لمجيء الناس إليها في ساعات من الليل، وقيل: لازدلافهم إليها أي: لاقترابهم إلى الله وحصول المنزلة لهم عنده فيها، وقيل: لاجتماع الناس بها، وقيل: لأنها منازل.

٢٩٠٦. (خ) (٤٦٨١) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبّادِ بْنِ جَعْفَرٍ؛ أنَّهُ سَمِعَ ابنَ عَبّاسٍ يَقرَأُ: «ألا إنَّهُم تَثنَونِي صُدُورُهُم». قالَ: سَأَلتُه عَنها، فَقالَ: أُناسٌ كانُوا يَستَحيُونَ أن يَتَخَلَّوا فَيُفضُوا إلى السَّماءِ، وأَن يُجامِعُوا نِساءَهُم فَيُفضُوا إلى السَّماءِ، فَنَزَلَ ذَلكَ فِيهِم.
-قوله: (كانوا يستحيون) ، من الحياء، ويروى: يستخفون، من الاستخفاء، وقال ابن عباس: كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء. قوله: (أن يتخلوا) ، أي: أن يقضوا الحاجة في الخلاء وهم عراة، قوله: (فيفضوا) ، من أفضى الرجل إلى امرأته إذا باشرها، وفي رواية أبي أسامة: كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء. (فنزل ذلك) أي: قوله عز وجل: {ألا إنهم يثنون} الآية.

سُورَةُ يُوسُفَ


٢٩٠٧. (خ) (٤٦٩٢) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ [يوسف: ٢٣]، قالَ: وإنَّما نَقرَؤُها كَما عُلِّمناها.
٢٩٠٨. (خ) (٤٥٢٤) عَنِ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: قالَ ابنُ عَبّاسٍ ﵄: ﴿حَتّى إذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وظَنُّواْ أنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ﴾ [يوسف: ١١٠] خَفِيفَةً. ذَهَبَ بِها هُناكَ، وتَلا: ﴿حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ ألا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ٢١٤]. فَلَقِيتُ عُروَةَ بنَ الزُّبَيرِ، فَذَكَرتُ لَهُ ذَلكَ، فَقالَ: قالَت عائِشَةُ: مَعاذَ اللهِ، واللهِ ما وعَدَ اللهُ رَسُولَهُ مِن شَيءٍ قَطُّ إلا عَلِمَ أنَّهُ كائِنٌ قَبلَ أن يَمُوتَ، ولَكِن لَم يَزَل البَلاءُ بِالرُّسُلِ حَتّى خافُوا أن يَكُونَ مَن مَعَهُم يُكَذِّبُونَهُم. فَكانَت تَقرَؤُها: «وظَنُّوا أنَّهُم قَد كُذِّبُوا» مُثَقَّلَةً.

سُورَةُ إبْراهِيمَ


٢٩٠٩. (خ) (٤٧٠٠) عَنْ عَطاءٍ، سَمِعَ ابنَ عَبّاسٍ ﵄: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا﴾ [إبراهيم: ٢٨]، قالَ: هُم كُفّارُ أهلِ مَكَّةَ. وفي رواية: عَن عَمْرٍو، عَن عَطاءٍ، عَن ابْنِ عَبّاسٍ ﵄: ﴿الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا﴾ [إبراهيم: ٢٨]، قالَ: هُم واللهِ كُفّارُ قُرَيشٍ. قالَ عَمرٌو: هُم قُرَيشٌ، ومُحَمَّدٌ ﷺ نِعمَةُ اللهِ، ﴿وأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دارَ البَوارِ﴾ [إبراهيم: ٢٨]، قالَ: النّارَ يَومَ بَدرٍ.

سُورَةُ الحِجْرِ


٢٩١٠. (خ) (٤٧٠٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُمُّ القُرآنِ.} هِيَ السَّبعُ المَثانِي والقُرآنُ العَظِيمُ».
٢٩١١. (خ) (٤٧٠٥) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الحجر: ٩١]، قالَ: هُم أهلُ الكِتابِ، جَزَّءُوهُ أجزاءً، فَآمَنُوا بِبَعضِهِ وكَفَرُوا بِبَعضِهِ.

سُورَةُ الإسْراءِ


٢٩١٢. (خ م) (٣٠٣٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ [الإسراء: ٥٧]، قالَ: كانَ نَفَرٌ مِن الإنسِ يَعبُدُونَ نَفَرًا مِن الجِنِّ، فَأَسلَمَ النَّفَرُ مِن الجِنِّ، واستَمسَكَ الإنسُ بِعِبادَتِهِم، فَنَزَلَت: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ﴾.
- قوله: {يدعون} مفعوله محذوف تقديره: أولئك الذين يدعونهم آلهة يبتغون إلى ربهم الوسيلة، أي: الزلفة والقربة أيهم أقرب. وعن ابن عباس ومجاهد وأكثر العلماء هم: عيسى وأمه, وعزير, والملائكة والشمس والقمر والنجوم. ( العيني)

٢٩١٣. (خ م) (٢٧٩٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: بَينَما أنا أمشِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَرثٍ، وهُوَ مُتَّكِئٌ عَلى عَسِيبٍ، إذ مَرَّ بِنَفَرٍ مِن اليَهُودِ، فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ. فَقالُوا: ما رابَكُم إلَيهِ، لا يَستَقبِلُكُم بِشَيءٍ تَكرَهُونَهُ. فَقالُوا: سَلُوهُ. فَقامَ إلَيهِ بَعضُهُم فَسَأَلَهُ عَنِ الرُّوحِ، قالَ: فَأَسكَتَ النَّبِيُّ ﷺ فَلَم يَرُدَّ عَلَيهِ شَيئًا، فَعَلِمتُ أنَّهُ يُوحى إلَيهِ، قالَ: فَقُمتُ مَكانِي، فَلَمّا نَزَلَ الوَحيُ قالَ: ﴿ويَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أمْرِ رَبِّي وما أُوتِيتُم مِّن العِلْمِ إلاَّ قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥].
وفي رواية: فِي حَرْثٍ بِالمَدِينةِ.
وفي رواية (خ): فَقامَ ساعَةً يَنظُرُ ... فَتَأَخَّرتُ عَنهُ حَتّى صَعِدَ الوَحيُ ...
٢٩١٤. (خ م) (٤٤٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ فِي قَولِهِ ﷿: ﴿ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها﴾، قالَ: نَزَلَت ورسُولُ اللهِ ﷺ مُتَوارٍ بِمَكَّةَ، فَكانَ إذا صَلّى بِأَصحابِهِ رَفَعَ صَوتَهُ بِالقُرآنِ، فَإذا سَمِعَ ذَلكَ المُشرِكُونَ سَبُّوا القُرآنَ ومَن أنزَلَهُ ومَن جاءَ بِهِ، فَقالَ اللهُ تَعالى لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ فَيَسمَعَ المُشرِكُونَ قِراءَتَكَ، ﴿ولا تُخافِتْ بِها﴾ عَن أصحابِكَ، أسمِعهُم القُرآنَ، ولا تَجهَر ذَلكَ الجَهرَ، ﴿وابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ١١٠]، يَقُولُ: بَينَ الجَهرِ والمُخافَتَةِ. زادَ (خ) فِي رِوايةٍ: أسمِعْهُمْ ولا تَجْهَرْ، حَتّى يَأخُذُوا عَنكَ القُرآنَ.
- وظاهر هذه الرواية أن التوسط في القراءة بين الجهر والمخافتة إنما هو في صلاة الليل. ( موسى لاشين)

٢٩١٥. (خ م) (٤٤٧) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ فِي قَولِهِ ﷿: ﴿ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها﴾، قالَت: أُنزِلَ هَذا فِي الدُّعاءِ.
- وإذا كان هذا مطلوباً في الصلاة التي هي مناجاة فإن الوضع نفسه يكون أشد طلباً حين الدعاء، فعلى المسلم أن لا يديم الجهر بالدعاء، فإنه لا يدعو أصم، ولكن يدعو سميعاً بصيراً، ولا يخفض صوته حتى لا يحرك لسانه ولا يسمع أذنه، فإن تحريك اللسان عبادة، وإن انشغال الأذنين بصوت التضرع والدعاء عبادة. وعلى المسلم أن يكون في دعائه بين الأمرين، أن يرفع صوته بالدعاء في وقت لا شبهة للرياء فيه، ويخفض صوته في وقت تشوبه شائبة الرياء والسمعة. وما أجمل قول الله تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} [الأعراف: 205].( موسى لاشين)

٢٩١٦. (خ) (٤٧١١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: كُنّا نَقُولُ لِلحَيِّ إذا كَثُرُوا فِي الجاهِلِيَّةِ: أمِرَ بَنُو فُلانٍ.
٢٩١٧. (خ) (٤٧١٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄: ﴿وما جَعَلْنا الرُّؤْيا الَّتِي أرَيْناكَ إلاَّ فِتْنَةً لِّلنّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠]، قالَ: هِيَ رُؤيا عَينٍ أُرِيَها رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيلَةَ أُسرِيَ بِهِ، والشَّجَرَةَ المَلعُونَةَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ.
-قوله: {الشجرة الملعونة } يعنى: الملعون آكلُها، وهم الكفار. ( ابن بطال)

سُورَةُ الكَهْفِ


٢٩١٨. (خ م) (٢٧٨٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّهُ لَيَأتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيامَةِ لا يَزِنُ عِندَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ، اقرَؤوا: ﴿فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ وزْنًا﴾».
-قوله" (جناح بعوضة) أي لا يعدله في القدر والمنزلة أي لا قدر له عند الله لسوء عمله وخلوّ قلبه من الإيمان.( محمد الأمين الهرري)
أن موازين الدنيا تختلف كلية عن موازين الآخرة. ( موسى لاشين)

٢٩١٩. (خ) (٤٧٢٨) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قالَ: سَأَلتُ أبِي: ﴿قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا﴾ [الكهف: ١٠٣]؛ هُم الحَرُورِيَّةُ؟ قالَ: لا، هُم اليَهُودُ والنَّصارى، أمّا اليَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا ﷺ، وأَمّا النَّصارى فَكَفَرُوا بِالجَنَّةِ، وقالُوا: لا طَعامَ فِيها ولا شَرابَ. والحَرُورِيَّةُ: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ﴾ [البقرة: ٢٧] وكانَ سَعدٌ يُسَمِّيهِم الفاسِقِينَ.
-وإنما خسرت اليهود والنصارى لأنهم تعبدوا على أصل غير صحيح فخسروا الأعمال والأعمار، والحرورية لما خالفوا ما عهد الله إليهم في القرآن من طاعة أولي الأمر بعد إقرارهم به كان ذلك نقضا منهم له، ويقال: الحرورية هم الخاسرون لأنهم ليسوا كفرة بل هم فسقة. ( العيني)

سُورَةُ مَرْيَـمَ


٢٩٢٠. (خ م) (٢٧٩٥) عَنْ خَبّابٍ ﵁ قالَ: كانَ لِي عَلى العاصِ بْنِ وائِلٍ دَينٌ، فَأَتَيتُهُ أتَقاضاهُ، فَقالَ لِي: لَن أقضِيَكَ حَتّى تَكفُرَ بِمُحَمَّدٍ. قالَ: فَقُلتُ لَهُ: إنِّي لَن أكفُرَ بِمُحَمَّدٍ حَتّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبعَثَ، قالَ: وإنِّي لَمَبعُوثٌ مِن بَعدِ المَوتِ، فَسَوفَ أقضِيكَ إذا رَجَعتُ إلى مالٍ ووَلَدٍ. قالَ: فَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿أفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وقالَ لأوتَيَنَّ مالًا ووَلَدًا﴾ [مريم: ٧٧] إلى قَولِهِ: ﴿ويَأْتِينا فَرْدًا﴾ [مريم: ٨٠].
- (قال) العاص: (وإني لمبعوث من بعد الموت فسوف أقضيك) دينك (إذا رجعت إلى مال وولد) لي، قال ذلك استهزاء بعقيدة البعث, وكان من المستهزئين برسول الله ﷺ والعياذ بالله تعالى منه.( محمد الأمين الهرري)

٢٩٢١. (خ) (٤٧٣١) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِجِبرِيلَ: «ما يَمنَعُكَ أن تَزُورَنا أكثَرَ مِمّا تَزُورُنا؟» فَنَزَلَت: ﴿وما نَتَنَزَّلُ إلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا وما خَلْفَنا﴾ [مريم: ٦٤].

سُورَةُ الأَنْبِياءِ


٢٩٢٢. (خ) (٤٧٣٩) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁؛ قالَ: بَنِي إسرائِيلَ والكَهفُ ومَريَمُ وطه والأنبِياءُ هُنَّ مِن العِتاقِ الأوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادِي.
-قوله ( هن من العتاق) باعتبار حفظها أو باعتبار نزولها؛ لأنها مكيات, ومراده تفضيل هذه السور لما يتضمن مفتتح كل منها بأمر غريب وقع في العالم خارق للعادة, وهو الإسراء, وقصة أصحاب الكهف, وقصة مريم. ( القسطلاني)

سُورَةُ الـحَـجِّ


٢٩٢٣. (خ م) (٣٠٣٣) عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبادٍ قالَ: سَمِعتُ أبا ذَرٍّ ﵁ يُقسِمُ قَسَمًا؛ إنَّ: ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ [الحج: ١٩]؛ إنَّها نَزَلَت فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَومَ بَدرٍ؛ حَمزَةُ وعَلِيٌّ وعُبَيدَةُ بنُ الحارِثِ، وعُتبَةُ وشَيبَةُ ابنا رَبِيعَةَ والوَلِيدُ بنُ عُتبَةَ.
وفي رواية (خ): عَن عَلِيٍّ ﵁ قالَ: أنا أوَّلُ مَن يَجْثُو بَينَ يَدَي الرَّحمنِ لِلخُصُومةِ يَومَ القِيامَةِ. وقالَ قَيسُ بنُ عِبادٍ: وفِيهِم نَزَلَت ... الآيَةُ.
- "هذان" إشارة إلى الفريقين اللذين ذكرهما أبو ذر -رضي الله عنه-، وهما: علي، وحمزة، وعبيدة، وهم المؤمنون، والفريق الآخر عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة، التقيا يوم بدر في أول الحرب، فافتخر المشركون، بدينهم، وانتسبوا إلى شركهم، وافتخر المسلمون بالإسلام، وانتسبوا إلى التوحيد، ولما خرج المشركون، ودعوا إلى البراز، خرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء، وعبد الله بن رواحة الأنصاري، فلما انتسبوا لهم, قالوا: أكفاء كرام، ولكنا نريد قومنا، فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث، وعلي -رضي الله عنه-، فأما حمزة وعلي فلم يمهلا صاحبيهما، فقتلاهما، وكر حمزة، وعلي على شيبة، فقتلاه، واحتملا صاحبيهما، فمات من جرحه ذلك بالصفراء عند رجوعه.( القرطبي)
- جواز المبارزة خلافا لمن أنكرها. ( محمد الإتيوبي)
- جواز إعانة المبارز رفيقه. ( محمد الإتيوبي)
- بيان فضيلة ظاهرة لحمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم. ( محمد الإتيوبي)

٢٩٢٤. (خ) (٤٧٤٢) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الحج: ١١] قالَ: كانَ الرَّجُلُ يَقدَمُ المَدِينَةَ، فَإن ولَدَت امرَأَتُهُ غُلامًا ونُتِجَت خَيلُهُ قالَ: هَذا دِينٌ صالِحٌ، وإن لَم تَلِد امرَأَتُهُ ولَم تُنتَج خَيلُهُ قالَ: هَذا دِينُ سُوءٍ.
-ومن الناس من هو ضعيف الإيمان، لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالطه بشاشته، بل دخل فيه، إما خوفا، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن. ( السعدي)
قال المفسرون: نزلت في أعراب كانوا يقدمون على النبي ﷺ فيسلمون، فإن نالوا رخاء أقاموا، وإن نالتهم شدة ارتدوا. ( القرطبي)

سُورَةُ النُّورِ


٢٩٢٥. (خ م) (٢٧٧٠) عَنْ عائِشَةَ ﵂ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قالَت: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا أرادَ أن يَخرُجَ سَفَرًا أقرَعَ بَينَ نِسائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهمُها خَرَجَ بِها رَسُولُ اللهِ ﷺ مَعَهُ، قالَت عائِشَةُ: فَأَقرَعَ بَينَنا فِي غَزوَةٍ غَزاها، فَخَرَجَ فِيها سَهمِي، فَخَرَجتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وذَلكَ بَعدَ ما أُنزِلَ الحِجابُ، فَأَنا أُحمَلُ فِي هَودَجِي وأُنزَلُ فِيهِ مَسِيرَنا، حَتّى إذا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن غَزوِهِ وقَفَلَ، ودَنَونا مِن المَدِينَةِ، آذَنَ لَيلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيتُ حَتّى جاوَزتُ الجَيشَ، فَلَمّا قَضَيتُ مِن شَأنِي أقبَلتُ إلى الرَّحلِ، فَلَمَستُ صَدرِي، فَإذا عِقدِي مِن جَزعِ ظَفارِ قَد انقَطَعَ، فَرَجَعتُ فالتَمَستُ عِقدِي، فَحَبَسَنِي ابتِغاؤُهُ، وأَقبَلَ الرَّهطُ الَّذِينَ كانُوا يَرحَلُونَ لِي، فَحَمَلُوا هَودَجِي، فَرَحَلُوهُ عَلى بَعِيرِيَ الَّذِي كُنتُ أركَبُ، وهُم يَحسِبُونَ أنِّي فِيهِ، قالَت: وكانَت النِّساءُ إذ ذاكَ خِفافًا، لَم يُهَبَّلنَ، ولَم يَغشَهُنَّ اللَّحمُ، إنَّما يَأكُلنَ العُلقَةَ مِن الطَّعامِ، فَلَم يَستَنكِر القَومُ ثِقَلَ الهَودَجِ حِينَ رَحَلُوهُ ورَفَعُوهُ، وكُنتُ جارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ وسارُوا، ووَجَدتُ عِقدِي بَعدَ ما استَمَرَّ الجَيشُ، فَجِئتُ مَنازِلَهُم ولَيسَ بِها داعٍ ولا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمتُ مَنزِلِي الَّذِي كُنتُ فِيهِ، وظَنَنتُ أنَّ القَومَ سَيَفقِدُونِي فَيَرجِعُونَ إلَيَّ، فَبَينا أنا جالِسَةٌ فِي مَنزِلِي غَلَبَتنِي عَينِي فَنِمتُ، وكانَ صَفوانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكوانِيُّ قَد عَرَّسَ مِن وراءِ الجَيشِ، فادَّلَجَ فَأَصبَحَ عِنْدَ مَنزِلِي، فَرَأى سَوادَ إنسانٍ نائِمٍ، فَأَتانِي، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وقَد كانَ يَرانِي قَبلَ أن يُضرَبَ الحِجابُ عَلَيَّ، فاستَيقَظتُ بِاستِرجاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرتُ وجهِي بِجِلبابِي، وواللهِ ما يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً، ولا سَمِعتُ مِنهُ كَلِمَةً غَيرَ استِرجاعِهِ، حَتّى أناخَ راحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلى يَدِها فَرَكِبتُها، فانطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرّاحِلَةَ، حَتّى أتَينا الجَيشَ بَعدَ ما نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَن هَلَكَ فِي شَأنِي، وكانَ الَّذِي تَوَلّى كِبرَهُ عَبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ، فَقَدِمنا المَدِينَةَ، فاشتَكَيتُ حِينَ قَدِمنا المَدِينَةَ شَهرًا، والنّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَولِ أهلِ الإفكِ، ولا أشعُرُ بِشَيءٍ مِن ذَلكَ، وهُوَ يَرِيبُنِي فِي وجَعِي؛ أنِّي لا أعرِفُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ اللُّطفَ الَّذِي كُنتُ أرى مِنهُ حِينَ أشتَكِي؛ إنَّما يَدخُلُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَيُسَلِّمُ؛ ثُمَّ يَقُولُ: «كَيفَ تِيكُم؟» فَذاكَ يَرِيبُنِي، ولا أشعُرُ بِالشَّرِّ، حَتّى خَرَجتُ بَعدَ ما نَقَهتُ، وخَرَجَت مَعِي أُمُّ مِسطَحٍ قِبَلَ المَناصِعِ، وهُوَ مُتَبَرَّزُنا، ولا نَخرُجُ إلا لَيلًا إلى لَيلٍ، وذَلكَ قَبلَ أن نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِن بُيُوتِنا، وأَمرُنا أمرُ العَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ، وكُنّا نَتَأَذّى بِالكُنُفِ أن نَتَّخِذَها عِنْدَ بُيُوتِنا، فانطَلَقتُ أنا وأُمُّ مِسطَحٍ، وهِيَ بِنتُ أبِي رُهمِ بْنِ المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ، وأُمُّها ابنَةُ صَخرِ بْنِ عامِرٍ خالَةُ أبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ، وابنُها مِسطَحُ بنُ أُثاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ المُطَّلِبِ، فَأَقبَلتُ أنا وبِنتُ أبِي رُهمٍ قِبَلَ بَيتِي حِينَ فَرَغنا مِن شَأنِنا، فَعَثَرَت أُمُّ مِسطَحٍ فِي مِرطِها فَقالَت: تَعِسَ مِسطَحٌ. فَقُلتُ لَها: بِئسَ ما قُلتِ؛ أتَسُبِّينَ رَجُلًا قَد شَهِدَ بَدرًا؟ قالَت: أي هَنتاه؛ أو لَم تَسمَعِي ما قالَ؟ قُلتُ: وماذا قالَ؟ قالَت: فَأَخبَرَتنِي بِقَولِ أهلِ الإفكِ، فازدَدتُ مَرَضًا إلى مَرَضِي، فَلَمّا رَجَعتُ إلى بَيتِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: «كَيفَ تِيكُم؟» قُلتُ: أتَأذَنُ لِي أن آتِيَ أبَوَيَّ؟ قالَت: وأَنا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أن أتَيَقَّنَ الخَبَرَ مِن قِبَلِهِما، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَجِئتُ أبَوَيَّ، فَقُلتُ لأُمِّي: يا أُمَّتاه؛ ما يَتَحَدَّثُ النّاسُ؟ فَقالَت: يا بُنَيَّةُ؛ هَوِّنِي عَلَيكِ، فَواللهِ لَقَلَّما كانَت امرَأَةٌ قَطُّ وضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّها ولَها ضَرائِرُ إلا كَثَّرنَ عَلَيها. قالَت: قُلتُ: سُبحانَ اللهِ؛ وقَد تَحَدَّثَ النّاسُ بِهَذا. قالَت: فَبَكَيتُ تِلكَ اللَّيلَةَ حَتّى أصبَحتُ، لا يَرقَأُ لِي دَمعٌ، ولا أكتَحِلُ بِنَومٍ، ثُمَّ أصبَحتُ أبكِي، ودَعا رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلِيَّ بنَ أبِي طالِبٍ وأُسامَةَ بنَ زَيْدٍ حِينَ استَلبَثَ الوَحيُ، يَستَشِيرُهُما فِي فِراقِ أهلِهِ، قالَت: فَأَمّا أُسامَةُ بنُ زَيْدٍ فَأَشارَ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ بِالَّذِي يَعلَمُ مِن بَراءَةِ أهلِهِ، وبِالَّذِي يَعلَمُ فِي نَفسِهِ لَهُم مِن الوُدِّ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ هُم أهلُكَ، ولا نَعلَمُ إلا خَيرًا. وأَمّا عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ فَقالَ: لَم يُضَيِّق اللهُ عَلَيكَ، والنِّساءُ سِواها كَثِيرٌ، وإن تَسأَل الجارِيَةَ تَصدُقكَ. قالَت: فَدَعا رَسُولُ اللهِ ﷺ بَرِيرَةَ، فَقالَ: «أي بَرِيرَةُ؛ هَل رَأَيتِ مِن شَيءٍ يَرِيبُكِ مِن عائِشَةَ؟» قالَت لَهُ بَرِيرَةُ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إن رَأَيتُ عَلَيها أمرًا قَطُّ أغمِصُهُ عَلَيها أكثَرَ مِن أنَّها جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنامُ عَن عَجِينِ أهلِها، فَتَأتِي الدّاجِنُ فَتَأكُلُهُ. قالَت: فَقامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى المِنبَرِ، فاستَعذَرَ مِن عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، قالَت: فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وهُوَ عَلى المِنبَرِ: «يا مَعشَرَ المُسلِمِينَ؛ مَن يَعذِرُنِي مِن رَجُلٍ قَد بَلَغَ أذاهُ فِي أهلِ بَيتِي؟ فَواللهِ ما عَلِمتُ عَلى أهلِي إلا خَيرًا، ولَقَد ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمتُ عَلَيهِ إلا خَيرًا، وما كانَ يَدخُلُ عَلى أهلِي إلا مَعِي». فَقامَ سَعدُ بنُ مُعاذٍ الأَنْصارِيُّ فَقالَ: أنا أعذِرُكَ مِنهُ يا رَسُولَ اللهِ، إن كانَ مِن الأَوسِ ضَرَبنا عُنُقَهُ، وإن كانَ مِن إخوانِنا الخَزرَجِ أمَرتَنا فَفَعَلنا أمرَكَ. قالَت: فَقامَ سَعدُ بنُ عُبادَةَ، وهُوَ سَيِّدُ الخَزرَجِ، وكانَ رَجُلًا صالِحًا، ولَكِن اجتَهَلَتهُ الحَمِيَّةُ، فَقالَ لِسَعدِ بْنِ مُعاذٍ: كَذَبتَ لَعَمرُ اللهِ؛ لا تَقتُلُهُ، ولا تَقدِرُ عَلى قَتلِهِ. فَقامَ أُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ، وهُوَ ابنُ عَمِّ سَعدِ بْنِ مُعاذٍ، فَقالَ لِسَعدِ بْنِ عُبادَةَ: كَذَبتَ لَعَمرُ اللهِ؛ لَنَقتُلَنَّهُ، فَإنَّكَ مُنافِقٌ تُجادِلُ عَنِ المُنافِقِينَ. فَثارَ الحَيّانِ الأُوسُ والخَزرَج، حَتّى هَمُّوا أن يَقتَتِلُوا، ورسُولُ الله ﷺ قائِمٌ عَلى المِنبَرِ، فَلَم يَزَل رَسُولُ اللهِ ﷺ يُخَفِّضُهُم، حَتّى سَكَتُوا وسَكَتَ، قالَت: وبَكَيتُ يَومِي ذَلكَ، لا يَرقَأُ لِي دَمعٌ، ولا أكتَحِلُ بِنَومٍ، ثُمَّ بَكَيتُ لَيلَتِي المُقبِلةَ، لا يَرقَأُ لِي دَمعٌ، ولا أكتَحِلُ بِنَومٍ، وأَبَوايَ يَظُنّانِ أنَّ البُكاءَ فالِقٌ كَبِدِي، فَبَينَما هُما جالِسانِ عِندِي، وأَنا أبكِي، استَأذَنَت عَلَيَّ امرَأَةٌ مِن الأَنصارِ، فَأَذِنتُ لَها، فَجَلَسَت تَبكِي، قالَت: فَبَينا نَحنُ عَلى ذَلكَ دَخَلَ عَلَينا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قالَت: ولَم يَجلِس عِندِي مُنذُ قِيلَ لِي ما قِيلَ، وقَد لَبِثَ شَهرًا لا يُوحى إلَيهِ فِي شَأنِي بِشَيءٍ، قالَت: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قالَ: «أمّا بَعدُ؛ يا عائِشَةُ؛ فَإنَّهُ قَد بَلَغَنِي عَنكِ كَذا وكَذا، فَإن كُنتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وإن كُنتِ ألمَمتِ بِذَنبٍ فاستَغفِرِي اللهَ وتُوبِي إلَيهِ، فَإنَّ العَبدَ إذا اعتَرَفَ بِذَنبٍ ثُمَّ تابَ تابَ اللهُ عَلَيهِ». قالَت: فَلَمّا قَضى رَسُولُ اللهِ ﷺ مَقالَتَهُ قَلَصَ دَمعِي، حَتّى ما أُحِسُّ مِنهُ قَطرَةً، فَقُلتُ لأَبِي: أجِب عَنِّي رَسُولَ اللهِ ﷺ فِيما قالَ، فَقالَ: واللهِ ما أدرِي ما أقُولُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ؟ فَقُلتُ لأُمِّي: أجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقالَت: واللهِ ما أدرِي ما أقُولُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ؟ فَقُلتُ وأَنا جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لا أقرَأُ كَثِيرًا مِن القُرآنِ: إنِّي واللهِ لَقَد عَرَفتُ أنَّكُم قَد سَمِعتُم بِهَذا، حَتّى استَقَرَّ فِي نُفُوسِكُم، وصَدَّقتُم بِهِ، فَإن قُلتُ لَكُم: إنِّي بَرِيئَةٌ، واللهُ يَعلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، لا تُصَدِّقُونِي بِذَلكَ، ولَئِن اعتَرَفتُ لَكُم بِأَمرٍ، واللهُ يَعلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُونَنِي، وإنِّي واللهِ ما أجِدُ لِي ولَكُم مَثَلًا إلا كَما قالَ أبُو يُوسُفَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨]، قالَت: ثُمَّ تَحَوَّلتُ، فاضطَجَعتُ عَلى فِراشِي، قالَت: وأَنا واللهِ حِينَئِذٍ أعلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، وأَنَّ اللهَ مُبَرِّئِي بِبَراءَتِي، ولَكِن واللهِ ما كُنتُ أظُنُّ أن يُنزَلَ فِي شَأنِي وحيٌ يُتلى، ولَشَأنِي كانَ أحقَرَ فِي نَفسِي مِن أن يَتَكَلّمَ اللهُ ﷿ فِيَّ بِأَمرٍ يُتلى، ولَكِنِّي كُنتُ أرجُو أن يَرى رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي النَّومِ رُؤيا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِها، قالَت: فَوَ اللهِ ما رامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَجلِسَه، ولا خَرَجَ مِن أهلِ البَيتِ أحَدٌ حَتّى أنزَلَ اللهُ ﷿ عَلى نَبِيِّهِ ﷺ، فَأَخَذَهُ ما كانَ يَأخُذُهُ مِن البُرَحاءِ عِنْدَ الوَحيِ، حَتّى إنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنهُ مِثلُ الجُمانِ مِن العَرَقِ فِي اليَومِ الشّاتِ؛ مِن ثِقَلِ القَولِ الَّذِي أُنزِلَ عَلَيهِ، قالَت: فَلَمّا سُرِّيَ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ وهُوَ يَضحَكُ، فَكانَ أوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِها أن قالَ: «أبشِرِي يا عائِشَةُ، أمّا اللهُ فَقَد بَرَّأَكِ». فَقالَت لِي أُمِّي: قُومِي إلَيهِ. فَقُلتُ: واللهِ لا أقُومُ إلَيهِ، ولا أحمَدُ إلا اللهَ؛ هُوَ الَّذِي أنزَلَ بَراءَتِي. قالَت: فَأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُو بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ﴾ [النور: ١١] عَشرَ آياتٍ، فَأَنزَلَ اللهُ ﷿ هَؤُلاءِ الآياتِ بَراءَتِي، قالَت: فَقالَ أبُو بَكرٍ، وكانَ يُنفِقُ عَلى مِسطَحٍ لِقَرابَتِهِ مِنهُ وفَقرِهِ: واللهِ لا أُنفِقُ عَلَيهِ شَيئًا أبَدًا، بَعدَ الَّذِي قالَ لِعائِشَةَ. فَأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنكُمْ والسَّعَةِ أن يُؤْتُوا أُولِي القُرْبى﴾ [النور: ٢٢] إلى قَولِهِ: ﴿ألا تُحِبُّونَ أن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٢]، (قالَ عَبدُ اللهِ بنُ المُبارَكِ: هَذِهِ أرجى آيَةٍ فِي كِتابِ اللهِ) فَقالَ أبُو بَكرٍ: واللهِ إنِّي لأُحِبُّ أن يَغفِرَ اللهُ لِي. فَرَجَعَ إلى مِسطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كانَ يُنفِقُ عَلَيهِ، وقالَ: لا أنزِعُها مِنهُ أبَدًا. قالَت عائِشَةُ: وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ عَن أمرِي: «ما عَلِمتِ أو ما رَأَيتِ؟» فَقالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ أحمِي سَمعِي وبَصَرِي، واللهِ ما عَلِمتُ إلا خَيرًا. قالَت عائِشَةُ: وهِيَ الَّتِي كانَت تُسامِينِي مِن أزْواجِ النَّبِيِّ ﷺ، فَعَصَمَها اللهُ بِالوَرَعِ، وطَفِقَت أُختُها حَمنَةُ بِنتُ جَحشٍ تُحارِبُ لَها، فَهَلَكَت فِيمَن هَلَكَ.
وفِي رِوايَةٍ: قالَ عُروَةُ: كانَت عائِشَةُ تَكرَهُ أن يُسَبَّ عِندَها حَسّانُ، وتَقُولُ: فَإنَّهُ قالَ:
فَإنَّ أبِي ووالِدَهُ وعِرْضِي *** لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنكُمْ وِقاءُ
وفِيها: قالَت عائِشَةُ: واللهِ إنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ ما قِيلَ لَيَقُولُ: سُبحانَ اللهِ؛ فَوَ الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ما كَشَفتُ عَن كَنَفِ أُنثى قَطُّ، قالَت: ثُمَّ قُتِلَ بَعدَ ذَلكَ (شَهِيدًا) فِي سَبِيلِ اللهِ.
وفي رواية (م): قالَت: لَمّا ذُكِرَ مِن شَأنِي الَّذِي ذُكِرَ وما عَلِمتُ بِهِ، قامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ اللهَ وأَثنى عَلَيهِ بِما هُو أهلُهُ، ثُمَّ قالَ: «أمّا بَعدَ؛ أشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُناسٍ أبَنُوا أهلِي، وايمُ اللهِ ما عَلِمتُ عَلى أهلِي مِن سُوءٍ قَطُّ، وأَبَنُوهُم بِمَن واللهِ ما عَلِمتُ عَلَيهِ مِن سُوءٍ قَطُّ، ولا دَخَلَ بَيتِي قَطُّ إلّا وأَنا حاضِرٌ، ولا غِبتُ فِي سَفَرٍ إلّا غابَ مَعِي»، وفِيها: ولَقَد دَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيتِي، فَسَأَلَ جارِيَتِي ... وفِيها: فانتَهَرَها بَعضُ أصحابِهِ فَقالَ: اصدُقِي رَسُولَ اللهِ ﷺ. حَتّى أسقَطُوا لَها بِهِ، فَقالَت: سُبحانَ اللهِ؛ واللهِ ما عَلِمتُ عَلَيها إلّا ما يَعلَمُ الصّائغُ عَلى تِبرِ الذَّهبِ الأَحمَرِ ... وفِيها: وكانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهِ مِسطَحٌ وحَمنَةُ وحَسّانُ، وأَمّا المُنافِقُ عَبدُ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ فَهُو الَّذِي كانَ يَستَوشِيهِ ويَجمَعُهُ، وهُو الَّذِي تَوَلّى كِبرَهُ وحَمنَةُ. رَواها (خ) مُعَلَّقةً.
ورَوى (خ): عَن عائِشَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَطَبَ النّاسَ فَحَمِدَ اللهَ وأَثنى عَلَيهِ، وقالَ: «ما تُشِيرُونَ عليَّ فِي قَومٍ يَسُبُّون أهلِي؟ ما عَلِمتُ عَلَيهِم مِن سُوءٍ قَطُّ». وعَن عُروَةَ قالَ: لمّا أُخبِرَت عائِشَةُ بِالأَمر قالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ أتَأَذَنُ لِي أن أنطِلَقَ إلى أهلِي؟ فَأَذِنَ لَها، وأَرسَلَ مَعَها الغُلامَ، وقالَ رَجُلٌ مِن الأَنصارِ: سُبحانَكَ ما يَكُونُ لَنا أن نَتَكَلَّمَ بِهَذا، سُبحانَكَ هَذا بُهتانٌ عَظِيمٌ.
-صحة القرعة بين النساء, وفي العتق وغيره.
-أن ارتحال العسكر يتوقف على أمر الأمير .
-جواز تأخر بعض الجيش ساعة ونحوها لحاجة تعرض له عن الجيش ، إذا لم يكن ضرورة إلى الاجتماع .
-إعانة الملهوف ، وعون المنقطع ، وإنقاذ الضائع ، وإكرام ذوي الأقدار كما فعل صفوان - رضي الله عنه - في هذا كله .
-حسن الأدب مع الأجنبيات لا سيما في الخلوة بهن عند الضرورة في برية أو غيرها, كما فعل صفوان من إبراكه الجمل من غير كلام ولا سؤال، وإنه ينبغي أن يمشي أمامها لا بجنبها ولا وراءها .
-استحباب الإيثار بالركوب ونحوه كما فعل صفوان .
-استحباب الاسترجاع عند المصائب سواء كانت في الدين أو الدنيا، وسواء كانت في نفسه أو من يعز عليه .
-جواز الحلف من غير استحلاف .
-أنه يستحب أن يستر عن الإنسان ما يقال فيه إذا لم يكن في ذكره فائدة، كما كتموا عن عائشة - رضي الله عنها - هذا الأمر شهرا ، ولم تسمع بعد ذلك إلا بعارض عرض، وهو قول أم مسطح : تعس مسطح .
-استحباب ملاطفة الرجل زوجته، وحسن المعاشرة .
-أنه إذا عرض عارض بأن سمع عنها شيئا أو نحو ذلك يقلل من اللطف ونحوه لتفطن هي أن ذلك لعارض، فتسأل عن سببه فتزيله .
-استحباب السؤال عن المريض .
-يستحب للمرأة إذا أرادت الخروج لحاجة أن تكون معها رفيقة تستأنس بها ، ولا يتعرض لها أحد .
-فضيلة أهل بدر والذب عنهم ، كما فعلت عائشة في ذبها عن مسطح .
-أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها .
-جواز التعجب بلفظ التسبيح، وقد تكرر في هذا الحديث وغيره.
-استحباب مشاورة الرجل بطانته وأهله وأصدقاءه فيما ينويه من الأمور .
-جواز البحث والسؤال عما يتعلق بالإنسان من أمور تخصه, أما غير ما يخصه ويتعلق به فهو منهي عنه وهو تجسس وفضول .
- خطبة الإمام الناس عند نزول أمر مهم .
-اشتكاء ولي الأمر إلى المسلمين من تعرض له بأذى في نفسه أو أهله أو غيره ، واعتذاره فيما يريد أن يؤذيه به .
-فضائل ظاهرة لصفوان بن المعطل - رضي الله عنه - بشهادة النبي ﷺ له بما شهد، وبفعله الجميل في إركاب عائشة - رضي الله عنها - ، وحسن أدبه في جملة القضية .
-فضيلة لسعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله عنهما .
-المبادرة إلى قطع الفتن والخصومات والمنازعات، وتسكين الغضب .
-قبول التوبة والحث عليها .
-استحباب المبادرة بتبشير من تجددت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه بلية ظاهرة .
-براءة عائشة - رضي الله عنها - من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز، فلو تشكك فيها إنسان - والعياذ بالله - صار كافرا مرتدا بإجماع المسلمين.
-تجدد شكر الله تعالى عند تجدد النعم .
-فضائل لأبي بكر - رضي الله عنه - في قوله تعالى : {ولا يأتل أولو الفضل منكم} الآية .
-استحباب صلة الأرحام وإن كانوا مسيئين .
- العفو والصفح عن المسيء, وإن كان ممن يحسن له المرء طوال عمره وفاجأه الآخر بإساءته فلا يترك الإحسان له لأنه إنما يعمله لوجه الله فتعامله مع ربه أعظم من كل إساءة تقابله, فعلاقة العبد مع ربه أسمى وأعلى وأشرف من كل ما يشوبها من صغائر البشرومساويهم, كما فعل أبو بكر مع أبي مسطح وهو ممن تكلم في عرض عائشة رضي الله عنها لما حلف أن لا يبر مسطحا لما تكلم في قضية الإفك، وأنزل الله: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم} [النور: 22]، قال: بلى يا رب، إنا لنحب ذلك، ثم عاد إلى بره كما كان أولا وقال: والله لا أنزعها عنه أبدا.
- استحباب الصدقة والإنفاق في سبيل الخيرات .
- يستحب لمن حلف على يمين ورأى خيرا منها أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه.
-فضيلة زينب أم المؤمنين رضي الله عنها .
-التثبيت في الشهادة .
-إكرام المحبوب بمراعاة أصحابه، ومن خدمه أو أطاعه كما فعلت عائشة رضي الله عنها بمراعاة حسان وإكرامه إكراما للنبي ﷺ .
-أن الخطبة تبتدأ بحمد الله تعالى ، والثناء عليه بما هو أهله .
-أنه يستحب في الخطب أن يقول بعد الحمد والثناء والصلاة على النبي ﷺ والشهادتين : أما بعد ، وقد كثرت فيه الأحاديث الصحيحة .
-غضب المسلمين عند انتهاك حرمة أميرهم، واهتمامهم بدفع ذلك .
جواز إغلاظ القول للمتعصب لمبطل كما سب أسيد بن حضير سعد بن عبادة لتعصبه للمنافق، وقال : إنك منافق تجادل عن المنافقين، وأراد أنك تفعل فعل المنافقين ، ولم يرد النفاق الحقيقي . ( موسى لاشين)

٢٩٢٦. (م) (٣٠٢٩) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄؛ أنَّ جارِيَةً لِعَبدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ يُقالُ لَها: مُسَيكَةُ، وأُخرى يُقالُ لَها: أُمَيمَةُ، فَكانَ يُكرِهُهُما عَلى الزِّنى، فَشَكَتا ذَلكَ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَأَنزَلَ اللهُ: ﴿ولا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلى البِغاءِ﴾ إلى قَولِهِ: ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النور: ٦٢].
-وقيل نزلت في ست جوار له كان يكرههن على الزنا : معاذة ، ومسيكة ، وأميمة ، وعمرة ، وأروى ، وقتيلة . والله أعلم .( النووي)
قوله تعالى { إن أردن تحصنا } فخرج مخرج الغالب إذ الإكراه إنما يكون لمريدة التحصن, أما غيرها فهي تسارع إلى البغاء من غير حاجة إلى الإكراه, والمقصود أن الإكراه على الزنا حرام سواء أردن تحصنا أم لا وصورة الإكراه مع أنها لا تريد التحصن أن تكون هي مريدة الزنا بإنسان فيكرهها على الزنا بغيره وكله حرام.( موسى لاشين)

٢٩٢٧. (خ) (٤٧٥٨) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: يَرحَمُ اللهُ نِساءَ المُهاجِراتِ الأُوَلَ، لَمّا أنزَلَ اللهُ: ﴿ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: ٣١]، شَقَّقنَ مُرُوطَهُنَّ فاختَمَرنَ بِها. وفي رواية: أخَذنَ أُزرَهُنَّ فَشَقَّقنَها مِن قِبَلِ الحَواشِي، فاختَمَرنَ بِها.
-قوله (أزرهن) : جمع إزار، وهي الملاءة بضم الميم وتخفيف اللام وبالمد، وهي: الملحفة
-والمعنى: وليضربن وليضعن خمرهن جمع خمار على جيوبهن جمع جيب وأريد به على صدورهن ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن وقرطهن، وذلك لأن جيوبهن كانت واسعة تبدو منها نحورهن وصدروهن وما حواليها، وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة فأمرن بأن يسدلنها من قدامهن حتى يغطينها. ( العيني )
قوله: (مروطهن) ، جمع مرط بكسر الميم وهو الإزار، قوله: (فاختمرن بها) أي: غطين وجوههن بالمروط التي شققتها. ( العيني )

١ 1-{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } من هم الذين بدلو نعمة الله كفراً ؟

٥/٠