باب فضل يوم الجمعة ووجوبها والاغتسال لَهَا والطّيب والتبكير إِلَيْهَا والدعاء يوم الجمعة والصلاة عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - وفِيهِ بيان ساعة الإجابة واستحباب إكثار ذكر الله تعالى بعد الجمعة


قَالَ الله تَعَالَى: {فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ، وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].
1147 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ: فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- المراد بذلك خير يوم من أيام الأسبوع، وإنما قلنا هذا لئلا يتعارض مع قول النبي ﵀: (‌خير ‌يوم ‌طلعت ‌عليه الشمس يوم عرفة): فإن يوم عرفة أفضل باعتبار العام، وهذا أفضل باعتبار الأسبوع، فيه خلق آدم، وآدم هو أبو البشر خلقه الله ﷿ بيده.
- فضل يوم الجمعة أنه فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وكلاهما حكمة: خلق آدم حكمة، إدخاله الجنة حكمة، إنزاله إلى الأرض بسبب المعصية حكمة، ولكن اعلموا أن آدم تاب إلى الله هو وزوجه: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]،‏ وقال الله تعالى: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾‏ [طه: 122]، فكان بعد التوبة خيرًا منه قبل التوبة.
قال ابن باز ﵀:
- الجمعة فرض على المسلمين مثل الصلوات الخمس، الواجب على الرجل المكلف أن يؤديها وعلى من بلغ سبعًا أن يؤمر بها، ومن بلغ تسعًا فليؤمر بها أو يضرب أيضًا حتى يحافظ عليها مع بقية الصلوات.

1148 - وعنه، قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ أتَى الجُمُعَةَ، فَاسْتَمَعَ وأنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَى، فَقَدْ لَغَا». رواه مسلم.
قال ابن باز ﵀:
- يستحب لمن توضأ أن يصلي ركعتين في أي وقت؛ يعني من ذوات الأسباب في الضحى في الظهر أو في الليل أو العصر، السنة يصلي ركعتين يقال لها: سنة الوضوء، وهو من أسباب المغفرة ونفس الوضوء من أسباب المغفرة، فإذا صلاهما عن خشوع كان سبباً آخر من أسباب المغفرة.
- من حافظ عليها، أي صلاة الجمعة، من أسباب المغفرة، والسُّنَّة لها أن يتطيب من طيب بيته ويلبس من خير ثيابه ويتطيب، ثم يأتي الجمعة فيصلي ما يسر الله ثنتين أقل شيء أو أربعاً أو ستاً أو ثمانياً يسلم من كل ثنتين؛ يعني: وقت صلاة الضحى كله، ثم إذا دخل الإمام أنصت للخطبة، ثم يصلي بعدها أربعاً، تسليمتين هذا هو السُّنَّة والأفضل، فالمحافظة عليها وأداؤها مع الإمام على الوجه المشروع من أسباب المغفرة (غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيّامٍ)؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها .

1149 - وعنه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّراتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ». رواه مسلم.
قال ابن باز ﵀:
- ارتكاب كبائر الذنوب من أسباب حرمان المغفرة يوجب الحذر منها، والله ﷿ جعل الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن من صغائر الذنوب، أما الكبائر فلا بد من التوبة منها، الكبائر كالزنى والعقوق، قطيعة الرحم الربا، أكل الربا وظلم الناس، وغير ذلك من الكبائر هذه لا بد من التوبة، مجرد أداء الصلوات لا يكفي لا بد من توبة صادقة والحذر من كبائر الذنوب؛ لأن الله يقول سبحانه: ﴿إن تَجْتَنِبُوا كَبَاِئرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١]، فلا بد من اجتنابها حتى تكفر السيئات واجتنابها يكون بالتوبة، والندم والإقلاع، والعزم ألا يعود فيها، هذا اجتنابها، تركها، والحذر منها خوفاً من الله، تعظيماً لله وطاعة له وعزماً صادقاً ألا يعود فيها مع الندم عما مضى من ذلك.

1150 - وعنه، وعن ابن عمر - رضي الله عنهم: أنهما سَمعَا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ عَلَى أعْوَادِ مِنْبَرِهِ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الغَافِلِينَ». رواه مسلم.
قال ابن باز ﵀:
- هي فريضة من الفرائض الخمس -أي صلاة الجمعة- فمن تعمد تركها مثل من تعمد ترك الصلوات الأخرى كفر. نسأل الله العافية؛ لقول النبي ﷺ: (إنّ بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة)، في الحديث الآخر يقول ﷺ: (العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة فمن تركها فقد كفر) .
- من عقوبات تركها الختم على القلوب وأن يطبع عليها بطابع الغفلة. نسأل الله العافية.
- الواجب على المؤمن المحافظة عليها والعناية بها؛ لأن الله أوجبها على المقيمين كل أسبوع بدلاً من الظهر، فالواجب العناية بها والمحافظة عليها، وفيها في هذا اليوم ساعة عظيمة يستجاب فيها الدعاء.

1151 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1152 - وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». متفقٌ عَلَيْهِ.
المراد بِالمُحْتَلِمِ: البَالِغُ. وَالمُرادُ بِالوَاجِبِ: وُجُوبُ اخْتِيارٍ، كَقولِ الرَّجُلِ لِصَاحِبهِ: حَقُّكَ وَاجِبٌ عَلَيَّ. واللهُ أعلم.
قال ابن باز ﵀:
- السنة للمؤمن إذا حضر الجمعة أن يغتسل، هذا هو الأفضل عند ذهابه ولو اغتسلت أول النهار كفى؛ لكن الأفضل أن يغتسل عند ذهابه للجمعة؛ لأنه يكون أكمل، يغتسل ويتطيب عند ذهابه إلى الجمعة، ثم إذا وصل المسجد صلى ما قدر الله له ركعتين أكثر أربعاً ستاً ثمانياً أكثر، يصلي ما يسر الله له، ليس لها سُنَّة راتبة قبلها؛ لكن يصلي ما يسر الله له، أقل ذلك ركعتان تحية المسجد، وإذا دخل الإمام أنصت للخطبة وأوعى لها سمعه وألا يعبث في المسجد ويستفيد من الخطبة والموعظة.
- على الإمام أن يتحرى الخطبة التي تناسب الحاضرين وتنفعهم وبيان ما يجب عليهم وما يحرم عليهم، وحال الاستماع لا يتكلم مع أحد ينصت حتى ولو مع ما يخالف الشرع يشير إشارة. إذا رأى من يتكلم يشير إليه إشارة أن يسكت أو رأى من يعبث يشير إليه إشارة.
- يستحب الطيب والسواك في هذا اليوم العظيم يوم الجمعة ، كذلك اللبس الجيد حسب الاعتياد يوم الجمعة ويوم العيد، والتعطر بالطيب والغسل واللبس الطيب من الثياب يوم يجتمع فيه المسلمون كل أسبوع.
- النساء ليس عليهن جمعة ولا جماعة؛ لكن إذا حضرن الجمعة أجزأتهن عن الظهر لو حضرن مع الناس وصلين الجمعة أجزأت عن الظهر.

1153 - وعن سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فبِها وَنِعْمَتْ وَمَن اغْتَسَلَ فَالغُسْلُ أفْضَلُ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن».
1154 - وعن سَلمَان - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَومَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِن طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى». رواه البخاري.
قال ابن باز ﵀:
- الوضوء هو الفريضة والغسل سنة مؤكدة، الوضوء يكفي، ولكن الغسل هو السنة هو الكمال.

1155 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَن اغْتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ في الساعة الثَّالِثَةِ، فَكَأنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإذَا خَرَجَ الإمَامُ، حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قَوْله: «غُسْلُ الجَنَابَةِ» أيْ غُسلًا كغُسْلِ الجَنَابَةِ في الصِّفَةِ.
قال ابن باز ﵀:
- الحث على التبكير وأن التبكير منزلة تقديم قربات عظيمة: إبل وبقر وغنم، والأقرب والله أعلم أن هذا التبكير يبتدئ من بعد طلوع الشمس من ارتفاع الشمس؛ لأن المسلم مشروع له أن يبقى في مصلاه حتى طلوع الشمس كما كان يجلس عليه الصلاة والسلام في مصلاه فيكون التوجه إلى الجمعة بعد ذلك بعد ارتفاع الشمس وبعد مجيئه من مسجده، هذه الساعة الأولى، فالنهار اثنتا عشرة ساعة، والليل عند العرب اثنتا عشرة ساعة، من غروبها إلى طلوعها، والنهار من طلوعها إلى غروبها، اثنتا عشرة مجزأة، ففي هذا الحث والتحريض على التقدم والمسارعة في التبكير؛ لهذا الفضل العظيم، ثم مع التبكير يقرأ ويصلي يحصل له خير عظيم.

1156 - وعنه أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: «فِيهَا سَاعَةٌ لا يُوافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْألُ اللهَ شَيْئًا، إِلاَّ أعْطَاهُ إيّاهُ» وَأشَارَ بيَدِهِ يُقَلِّلُهَا . متفقٌ عَلَيْهِ.
1157 - وعن أَبي بُرْدَةَ بن أَبي موسى الأشعريِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أسَمِعْتَ أبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شأنِ سَاعَةِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلاةُ». رواه مسلم.
قال ابن باز ﵀:
- هذه الساعة بينها الرسول ﷺ في أحاديث أخرى في حديث أبي موسى أنه: (في ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)، يعني: الدعاء في هذا الوقت في جلوسه بين الخطبتين في الصلاة، هذا من أسباب الإجابة، كذلك بعد العصر جاء في عدة أحاديث أنها تكون بعد العصر أيضاً إلى غروب الشمس.
- الذي ينتظر الصلاة حكمه حكم المصلي الذي ينتظر الصلاة فهو في صلاة، فإذا دعا فهو حري بالإجابة، وينبغي الإكثار من الدعاء في جميع ساعات يوم الجمعة لعل الله أن يمن عليه بالإجابة.

1158 - وعن أوس بن أوسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أفْضَلِ أيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَأكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ؛ فَإنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ». رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
قال ابن باز ﵀:
- ففي هذا الحث والتحريض على الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله ﷺ يوم الجمعة، وأنها تعرض عليه.
- يوم الجمعة يبتدئ من طلوع الشمس إلى غروب الشمس، هذا يوم الجمعة، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فينبغي الإكثار من الذكر والدعاء والتقربات والتطوعات والصلاة على النبي ﷺ: (من صلّى عليّ صلاة صلّى اللَّه عليه بها عشراً)، فينبغي الإكثار من ذلك؛ لما فيه من الخير العظيم للمصلي وللنبي ﷺ.

باب استحباب سجود الشكر عِنْدَ حصول نعمة ظاهرة أَو اندفاع بلية ظاهرة


1159 - عن سعد بن أَبي وقاص - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكّةَ نُريدُ المَدِينَةَ، فَلَمَّا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ عَزْوَرَاءَ نَزَلَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا الله سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا، فَمَكَثَ طَويلًا، ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا - فَعَلَهُ ثَلاثًا - وقال: «إنِّي سَألتُ رَبِّي، وَشَفَعْتُ لأُمَّتِي، فَأعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي شُكْرًا، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأسِي، فَسَألْتُ رَبِّي لأُمَّتِي، فَأعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي شُكْرًا، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأسِي، فَسَألْتُ رَبِّي لأُمَّتِي، فَأعْطَانِي الثُّلثَ الآخَرَ، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي». رواه أَبُو داود.
قال ابن عثيمين ﵀:
- نعمة الله ﷿ لا تحصى، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: 18]، وأضرب مثلا: بالنفس الذي يتكرر في الدقيقة الواحدة إلى ستين مرة، هذا النفس لو قبض لهلك الإنسان، فهو نعمة كبرى ولا يمكن عدها، وكذلك الصحة والعافية، الأكل والشرب، البراز والبول، كلها نعم عظيمة، لكنها نعم مستمرة، ولو كلف الإنسان أن يسجد عند كل نعمة منها لبقي ساجدا مدى الدهر، لكن هناك نعم تتجدد للإنسان، كإنسان ولد له، أو تسهل له الزواج، أو قدم له غائب ميؤوس منه، أو حصل له مال أو ما أشبه ذلك من النعم التي تتجدد أو بشر بنصر المسلمين، أو ما أشبه ذلك، فهذا يستحب للإنسان أن يسجد لله ﷿ شكراً له.
- إذا بشر بولد قيل له: أبشر بولد هذه نعمة متجددة، فيسجد لله كما يسجد في الصلاة ويقول: (سبحان ربي الأعلى، سبحانك الله ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)، ثم يشكر الله على النعمة المعينة التي حصلت، فيقول: أشكرك يا ربي على هذه النعمة ويثني على الله تعالى في ذلك.
- هكذا أيضًا في اندفاع النقم، الإنسان في سلامة دائمة، ودائما هو معرض للآفات وللنقم، لكن أحيانا تنعقد أسباب النقمة ويشاهدها فيرفعها الله عنه، ولنضرب لذلك مثلا بحادث، إنسان مثلا يمشي في الطريق فانقلبت السيارة فنجا، هذه اندفاع نقمة، فيسجد لله تعالى شكرا على اندفاع هذه النقمة، أو إنسان مثلا يمشي وبينما هو كذلك انخسفت به حفرة في الأرض فنجا، فحضره اندفاع نقمة، يحمد الله ﷿ على ذلك.
- إذا دفع الله عنك نقمة فاسجد لله تعالى شكرًا على اندفاع هذه النقمة، وقل مثلا في السجود: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، اللهم إني أشكرك على أن نجيتني من هذه المصيبة ويذكرها، هذا سجود الشكر.
- اختلف العلماء ﵏، هل تشترط له الطهارة أو لا والصحيح أنّها لا تشترط، وذلك لأنّ هذا يأتي بغتة والإنسان غير متأهب فلو ذهب يتوضأ لطال الفصل بين السبب ومسببه فإذا كان على غير طهارة فليسجد.