باب تأكيد وجوب الزكاة وبيان فضلها وَمَا يتعلق بِهَا


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَأقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 43]، وقال تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ [البينة:5]، وقال تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 103].
1206 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بُنِيَ الإسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإقَامِ الصَّلاَةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، والله سبحانه وتعالى يذكرها كثيرًا مع الصلاة في القرآن الكريم، والزكاة هي: التعبد لله تعالى، في دفع مال مخصوص من أموال مخصوصة، ولها فوائد عظيمة، منها تكميل إسلام العبد؛ لأنها أحد أركان الإسلام؛ وهي أفضل من الصدقة؛ ومنها أنّ الإنسان يخرج بها عن دائرة البخلاء، إلى دائرة الكرماء؛ لأنها بذل مال، والبخل إمساك المال، ومنها مضاعفة الحسنات؛ لأن الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله؛ مثلهم كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، ومنها أن فيها جبراً لقلوب الفقراء، ودفعاً لحاجتهم، وحماية من غضبهم، والأمة الإسلامية أمة واحدة، يجب أن يعتقد كل إنسان، أنه لبنة في سور قصر مع إخوانه المسلمين، لقول النبي ﷺ: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، ومنها أنها سبب في شرح الصدر؛ لأن الإنسان كلما بذل شيئاً من ماله، شرح الله له صدره، وهذا شيء مجرب وواقع، لو يتصدق الإنسان بأدنى من واجب الزكاة، لوجد في صدره انشراحاً، وفي قلبه محبة للخير، ومنها أنها تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء، وهذه فائدة عظيمة، يعني الإنسان يموت على أحسن حال، وحسن الخاتمة، أعز ما يكون على الإنسان؛ لأنه وقت فراق الدنيا إلى الآخرة، والشيطان أحرص ما يكون على بني آدم عند الموت؛ لأنها هي الساعة الحاسمة، إما من أهل النار، أو من أهل الجنة، فالأعمال بالخواتيم، والصدقة وعلى رأسها الزكاة تدفع ميتة السوء، ومنها أنّ النبي ﷺ أخبر أن كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة، فالناس تكون الشمس، فوق رءوسهم قدر ميل، وهؤلاء المتصدقون، وعلى رأس صدقاتهم الزكاة، يكونون في ظل صدقاتهم يوم القيامة.
قال ابن باز ﵀:
- الزكاة فرضها الله على عباده، وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة، وهي حق المال في أموال معدودة مخصوصة، في النقود من الذهب والفضة، وما يقوم مقامها من العمل، وفي الحبوب والثمار، وفي بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم السائمة الراعية، كل هذه فيها الزكاة، وفي عروض التجارة، الأموال المعدة للبيع، فالله جعل فيها الزكاة، ركناً من أركان الإسلام الخمسة.
- أعظم الأمور، توحيد الله والإيمان برسوله ﷺ، ثم الصلاة، ثم الزكاة، هذه أهم الأركان الخمسة، ومتى قام العبد بهذه الأركان قام بالبقية، ولهذا جاء في النصوص الكثيرة الاقتصار على الشهادتين والصلاة والزكاة؛ لأن الإيمان بهذه الثلاث؛ إيمان بالجميع، يدعو صاحبه إلى أن يؤمن بكل ما شرع الله، وبكل ما أمر الله به ورسوله ﷺ.

1207 - وعن طَلْحَةَ بن عبيد الله - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأسِ نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ، وَلاَ نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا مِنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَإذا هُوَ يَسألُ عَنِ الإسْلاَم، فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «خَمْسُ صَلَواتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: «لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ» فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «وَصِيامُ شَهْرِ رَمَضَانَ» قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ» قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ» فَأدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لاَ أُزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أفْلَحَ إنْ صَدَقَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- قول الرجل لما أدبر (والله لا أزيد على هذا ولا أنقص)، عاهد الله عهداً بيمين، ألا يزيد على هذا ولا ينقص، فقال النبي ﷺ: (أفلح إن صدق)، وهذا دليل على أن الإنسان إذا اقتصر على الواجب في الشرع، فإنه مفلح، ولكن لا يعني هذا أنه لا يسن أن يأتي بالتطوع؛ لأن التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة، وكم من إنسان أدى الفريضة، وفيها خلل، وخدوش، تحتاج إلى تكميل، وإلى رتق الصدع.
قال ابن باز ﵀:
- دل ذلك على أن الواجب على المؤمن أن يؤدي هذه الفرائض، وأن النافلة تطوع، إلا ما وجب من الكفارات والنذور، هذه لها أدلتها، وهكذا زكاة الفطر، وما شرع الله من صلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء، صلاة الجنائز كل هذه لها أدلتها الخاصة، وهكذا ما شرع الله من تحريم النواهي يجب على المؤمن أن يلتزم بذلك، وأن ينتهي عما نهى الله عنه من جميع المحارم.
- المؤمن يتزود من كل خير، ويسابق إلى الخيرات، ويسارع إلى أنواع الخير، حتى يزداد فضله وأجره، وحتى ترتفع منزلته في الآخرة، في دار الكرامة، كلما زاد العبد في الخير زاد الله له في الأجر، فالتزود من التقوى فيه الخير العظيم.

1208 - وعن ابن عباس - رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بعث مُعاذًا - رضي الله عنه - إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَأنِّي رسول اللهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أن اللهَ تَعَالَى، افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ، وتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1209 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم:
«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ، فَإذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِني دِمَاءهُمْ وَأمْوَالَهُمْ، إِلاَّ بِحَقِّ الإسْلاَمِ، وَحِسَابُهُم عَلَى الله». متفقٌ عَلَيْهِ.
1210 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، فَقال عُمَرُ - رضي الله عنه: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولوُا لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بين الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ. وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤدُّونَهُ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأيْتُ اللهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبي بَكْرٍ لِلقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَقُّ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
 من الناس، من يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، وقلبه منطوي على الكفر، ولهذا قال: (حسابهم على الله)، فالمنافقون يقولون: لا إله إلا الله، لكن لا يذكرون الله إلا قليلاً، ويقولون لرسول الله ﷺ نشهد إنك لرسول الله، ويقيمون الصلاة، ولكن لا يأتون الصلاة، إلا وهم كسالى، ويتصدقون ولكن لا ينفقون، إلا وهم كارهون، ومع ذلك قلوبهم منطوية على الكفر، ولهذا قال: وحسابهم على الله ﷿.
- هذا دليل على حزم أبي بكر ﵁ مع أنه ألين من عمر، لكن في مواقف الشدة والضيق، يكون أبو بكر، أحزم من عمر ﵁.
- من امتنع عن الزكاة، وجب على الإمام قتاله حتى يؤدي الزكاة.
قال ابن باز ﵀:
- وفق الله الصديق في هذه المحنة العظيمة، فلهذا ثبته الله، وثبت الصحابة معه حتى قاتلوهم، فرجع من رجع إلى الإسلام، ودخلوا في دين الله، وهذا يدلنا على أن الواجب على أهل الإسلام أن يؤدوا حق لا إله إلا الله، من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك، فإن الشهادتين لهما حقوق فمن أدى الحقوق، كمل إسلامه وكمل إيمانه، وإلا ألزم بذلك.
- من أدى ما أوجب الله، وترك ما حرم الله، هذا هو المؤمن حقاً، وله الجنة والكرامة، ومن قصر في ذلك، ووحد الله، وترك الشرك، لكنه قصر في بعض الواجبات، أو بعض المعاصي، يكون تحت مشيئة الله، إن شاء الله عفا عنه، بتوحيده وأعماله الطيبة، وإن شاء عذبه على قدر ما مات عليه من المعاصي، ولم يتب، يعذب في النار مدة معلومة، حسب ما ضيع من أمر الله، ثم يخرج منها إلى الجنة بتوحيده وإيمانه.

1211 - وعن أَبي أيُّوب - رضي الله عنه: أنّ رَجُلًا قَالَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم: أخْبِرْنِي بعمل يُدْخِلُنِي الجَنَّة، قَالَ: «تَعْبُدُ اللهَ، وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (وتصل الرحم) الرحم: هم القرابة من جهة الأب، أو من جهة الأم، وصلتهم بما جرى به العرف والعادة؛ لأن النبي ﷺ،لم يبين كيفية الصلة، وكل شيء جاء في الكتاب والسنة، ولم يبين فإن مرجعه إلى عادة الناس وعرفهم، وهذا يختلف باختلاف الأحوال، واختلاف الأزمان، واختلاف البلدان، ففي حالة الحاجة، والفقر وشدة المؤونة، تكون صلتهم بإعطائهم ما يتيسر من المال، وما يسد حاجتهم، وكذلك إذا كان هناك مرضى في القرابة، فإن صلتهم أن تعودهم، وتتكرر عليهم، بحسب ما فيهم من مرض، وبحسب القرابة، وإذا كانت الأمور ميسرة، وليست هناك حاجة، فإنه يكفي أن تصلهم بالهاتف، أو بالمكاتبة، أو في المناسبات البعيدة، كالأعياد وغير ذلك، والمهم أن صلة الرحم واجبة، ولكن غير محددة في الشرع، فيرجع فيها على ما جرى به العرف وتعارفه الناس بينهم.

1212 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ أعْرَابيًا أتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ، دَخَلْتُ الجَنَّةَ. قَالَ: «تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ» قَالَ: وَالذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا أزيدُ عَلَى هَذَا، فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا». متفقٌ عَلَيْهِ.
1213 - وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ: بايَعْتُ النبيَ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إقَامِ الصَّلاَةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (النصح لكل مسلم) الإنسان ينصح لكل مسلم بحيث يعامله، كما يعامل نفسه، وكما يحب أن يعامله الناس، فلا يشتمه، ولا يقذفه، ولا يخدعه ولا يغشه ولا يخونه، ويكون له ناصحاً من كل وجه، وإذا استشاره في شيء، وجب عليه أن يشير عليه بما هو الأصلح له في دينه ودنياه.
قال ابن باز ﵀:
- يجب على كل مسلم أن ينصح لإخوانه المسلمين، أينما كانوا في بر أو بحر، في شدة أو رخاء، يجب أن ينصح، ولا يغش في معاملة، ولا في شهادة، ولا في غير ذلك، وهذا لازم لكل المسلمين، ليس خاصا بأحد دون أحد، بل يجب على جميع المسلمين، أن ينصحوا وألا يغشوا ولا يخونوا، عليهم أن ينفذوا أمر الله كما أوجب الله عليهم.

1214 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلاَ فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ في يَومٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فَيَرَى سَبيلَهُ، إمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإمَّا إِلَى النَّارِ»
قيل: يَا رسولَ الله، فالإبلُ؟ قَالَ: «وَلاَ صَاحِبِ إبلٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلْبُهَا يَومَ وِرْدِهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أوْفَرَ مَا كَانَتْ، لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا فَصيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا، رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإمَّا إِلَى النَّارِ»
قِيلَ: يَا رَسولَ اللهِ، فَالبَقَرُ وَالغَنَمُ؟ قَالَ: «وَلاَ صَاحِبِ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، بُطِحَ لَهَا بقَاعٍ قَرْقَرٍ، لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ، وَلاَ جَلْحَاءُ، وَلاَ عَضْبَاءُ، تَنْطَحُهُ بقُرُونها، وَتَطَؤُهُ بِأظْلاَفِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا، رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، في يَومٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَة حَتَّى يُقْضى بَيْنَ العِبَادِ، فَيَرَى سَبيِلَهُ، إمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإمَّا إِلَى النَّارِ».
قيل: يَا رسول الله فالخَيْلُ؟ قَالَ: «الخَيلُ ثَلاَثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ أجْرٌ. فَأمَّا الَّتي هي لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ ربَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أهْلِ الإسْلاَمِ، فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ، وَأمَّا الَّتي هي لَهُ سِتْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا في سَبيلِ الله، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ في ظُهُورِهَا، وَلاَ رِقَابِهَا، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ، وَأمَّا الَّتي هي لَهُ أجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا في سَبيلِ الله لأهْلِ الإسْلاَمِ في مَرْجٍ، أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ المَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ كُتِبَ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ حَسَنَات وكُتِبَ لَهُ عَدَدَ أرْوَاثِهَا وَأبْوَالِهَا حَسَنَات، وَلاَ تَقْطَعُ طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا، وَأرْوَاثِهَا حَسَنَاتٍ، وَلاَ مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ، فَشَرِبَتْ مِنْهُ، وَلاَ يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيهَا إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ» قِيلَ: يَا رسولَ اللهِ فالحُمُرُ؟ قَالَ: «مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ في الحُمُرِ شَيْءٌ إِلاَّ هذِهِ الآية الفَاذَّةُ الجَامِعَةُ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7 - 8]». متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- كان ﷺ يبين للناس بياناً شافياً كافياً، حتى ترك أمته، وقد أكمل به الله الدين، وأتم به النعمة على المؤمنين.
- ما لا يؤدى زكاته فهو كنز، ولو كان على رؤوس الجبال، وما تؤدى زكاته، فليس بكنز، ولو كان في باطن الأرض، فالكنز ما لا تؤدى زكاته.
- ما قام مقام الذهب والفضة بالأوراق النقدية، فله حكمه، وعلى هذا فمن عنده أوراق، تساوي هذا المبلغ من الذهب والفضة، فعليه أن يزكي عنها، ومعاملة الناس الآن في غالب الدول كلها بالأوراق.
- ذكر النبي ﷺ الإبل والبقر والغنم، وجعل من حق الإبل، حلبها يوم وردها، إذا وردت على الماء، فإنها تحلب، وجرت العادة أنهم يحلبونها، ويتصدقون بها على الحاضرين، هذا من حقها؛ لأن الإبل روايا كبيرة فيها ألبان، فإذا وردت الماء درت، وإذا درت صار فيها فضل كبير من اللبن، فإذا جاء الفقراء، يوزع عليهم هذا من حقها.
- الحمر لم ينزل فيها شيء، فإن استعملت الحمير في خير، فهو خير وإن استعملتها في شر، فهي شر والله أعلم.
قال ابن باز ﵀:
- كل من كان عنده مال، يجب عليه أن يؤدي الزكاة، على حسب الأنصبة الشرعية، التي بينها الرسول ﷺ، وليس له التأخر عن ذلك، أو البخل أو الشح، بل يجب أن يخرج الزكاة، طيبة بها نفسه وأن يصرفها في أهلها رجاء ثواب الله وحذر عقاب الله، وقد جاء في ذلك نصوص كثيرة في الوعيد في حق من تساهل بها، وجاء الوعد العظيم والخير الكثير لمن أداها.
- هذا وعيد عظيم يدل على وجوب الحذر، من البخل بالزكاة والتساهل بها، وهذه الزكاة تزيده خيراً لا تنقصه، فهي نماء لماله، وزيادة يبارك الله له في المال، ويزيده بهذه الصدقة.