باب وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصيام وَمَا يتعلق بِهِ


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُم الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ إِلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَر﴾ [البقرة: 183 - 185].
وَأما الأحاديث فقد تقدمت في الباب الَّذِي قبله.
1215 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ - عز وجل: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَام، فَإنَّهُ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، فَإذَا كَانَ يَومُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ. وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أفْطَرَ فَرِحَ بفطره، وَإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ». متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ روايةِ البُخَارِي.
وفي روايةٍ لَهُ: «يَتْرُكُ طَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ، وَشَهْوَتَهُ مِنْ أجْلِي، الصِّيَامُ لي وَأنَا أجْزِي بِهِ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا».
وفي رواية لمسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يضاعَفُ، الحسنةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ. قَالَ الله تَعَالَى: إِلاَّ الصَّوْمَ فَإنَّهُ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ؛ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أجْلِي. للصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ».

1216 - وعنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبِيلِ اللهِ نُودِيَ مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ، يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه: بِأبي أنْتَ وَأُمِّي يَا رسولَ اللهِ! مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرورةٍ، فهل يُدْعى أحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأبوَابِ كُلِّهَا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، وَأرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الصيام أعظم العبادات إطلاقا، فإنه سر بين الإنسان وربه؛ لأنّه الإنسان لا يعلم إذا كان صائما أو مفطرا هو مع الناس ولا يعلم به نيته باطنة، فلذلك كان أعظم إخلاصا فاختصه الله من بين سائر الأعمال.
- قال بعض العلماء معنى (فإنه لي) إذا كان على الإنسان مظالم للعباد يوم القيامة، فإنه يؤخذ للعباد من حسناته، إلا الصيام فإنه لا يؤخذ منه شيء، لأنه لله ﷿ وليس للإنسان، وهذا معنى جيد؛ أن الصيام يتوفر أجره لصاحبه، ولا يؤخذ منه لمظالم الخلق شيئا.
- إنّ عمل ابن آدم يزاد من حسنة إلى عشرة أمثالها، إلا الصوم فإنه يعطى أجره بغير حساب، يعني أنه يضاعف أضعافا كثيرة، قال أهل العلم: ولأن الصوم اشتمل على أنواع الصبر الثلاثة، ففيه صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله.

1217 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أحدٌ غَيْرُهُمْ، يقال: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الريان يعني الذي يروي؛ لأنّ الصائمين يعطشون ولاسيما في أيام الصيف الطويلة الحارة فيجازون بتسمية هذا الباب بما يختص بهم؛ باب الريان.

1218 - وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا في سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1219 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1220 - وعنه - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أبْوَاب الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ، وَصفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1221 - وعنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ، فَإنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ، فَأكمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ». متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ البخاري.
وفي رواية لمسلم: «فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاَثِينَ يَوْمًا».
قال ابن باز ﵀:
- الصوم يكون بالرؤية أو بإكمال العدد لا بالحساب، الحساب لا يعتمد عليه عند جميع أهل العلم، وإنما العمدة على الرؤيا أو على إكمال العدة، فإذا غبي دخول رمضان وجب إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما، وإذا غبي دخول شوال وجب إكمال رمضان ثلاثين يوما، ثم يفطر الناس.

باب الجود وفعل المعروف والإكثار من الخير في شهر رمضان والزيادة من ذَلِكَ في العشر الأواخر منه


1222 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدَ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِيْنَ يَلْقَاهُ جِبْريلُ، وَكَانَ جِبْريلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِيْنَ يَلْقَاهُ جِبرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِن الرِّيحِ المُرْسَلَةِ . متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- كان النبي ﷺ (أجود الناس) بماله وبدنه وعلمه ودعوته ونصيحته وكل ما ينفع الخلق، وكان أجود ما يكون في رمضان لأن رمضان شهر الجود يجود الله فيه على العباد، والعباد الموفقون يجودون على إخوانهم، والله تعالى جواد يحب الجود.

1223 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ العَشْر أحْيَا اللَّيْلَ، وَأيْقَظَ أهْلَهُ، وَشَدَّ المِئْزَرَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- شد المئزر أي تأهب تأهبا كاملا للعمل، لأن شد المئزر معناه: أن الإنسان يتأهب للعمل، ويتقوى عليه، وقيل معنى شد المئزر: أنّه يتجنب النساء عليه الصلاة والسلام لأنّه يتفرغ للعبادة، وكلاهما صحيح.

باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إِلاَّ لمن وصله بما قبله أَوْ وافق عادة لَهُ بأن كَانَ عادته صوم الإثنين والخميس فوافقه


1224 - عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُم رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَومَهُ، فَليَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- المقصود بالنهي الخوف من أن يحتاط الإنسان لدخول رمضان، فيقول أصوم قبله بيوم أو يومين احتياطًا، فإن هذا الاحتياط لا وجه له.

1225 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَصُومُوا قَبْلَ رَمضَانَ، صُومُوا لِرُؤيَتِهِ، وَأفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ، فَإنْ حَالَتْ دُونَهُ غَيَايَةٌ فَأكْمِلُوا ثَلاثِينَ يَوْمًا». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسنٌ صحيح».
«الغَيايَةُ» بالغين المعجمة وبالياءِ المثناةِ من تَحْت المكررةِ، وهي: السحابة.
1226 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلاَ تَصُومُوا». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- النهي لمن أراد أن يجعله من رمضان، وأما من أراد التطوع به فإنه يحرم تحريم الذرائع، بمعنى أنه يخشى أن الناس إذا رأوا هذا الرجل قد صام ظنوا أنه صام احتياطا، ولا يجوز أن يحتاط.
قال ابن باز ﵀:
- كان النبي ﷺ يصوم شعبان كله، وربما صام أكثره عليه الصلاة والسلام، أما كونه يفطر النصف الأول ثم يبتدئ بعد النصف فينهى عن ذلك لقوله ﷺ: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) يعني إذا لم يصوموا قبله، أما من صام قبله وصام أكثر الشهر فلا بأس.

1227 - وعن أَبي اليقظان عمارِ بن يَاسِرٍ رضي الله عنهما، قَالَ: مَنْ صَامَ اليَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم. رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
قال ابن باز ﵀:
- آخر شعبان لا يصام احتياطًا لرمضان، سواءً كان صحوًا أو غيمًا لا يصام، إلا رجل له عادة فصادفت عادته آخر شعبان، كالذي يصوم الإثنين والخميس، أو يصوم يومًا ويفطر يومًا فإنه يصوم، أو إنسان يصوم الشهر كله شعبان فلا بأس.

باب مَا يقال عند رؤية الهلال


1228 - عن طلحة بن عبيدِ اللهِ - رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَأى الهلاَلَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأمْنِ وَالإيمانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإسْلاَمِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن» .
قال ابن باز﵀:
- الحديث في سنده مقال لكنه من أحاديث الفضائل، من أحاديث الترغيب، فإذا دعا الإنسان بذلك فلا حرج إن شاء الله، لكن ليس إسناده بذاك، المقصود أن رؤية الهلال إذا رآه المؤمن يستحب له أن يدعو بهذا الدعاء لما فيه من الخير العظيم
.