باب فضل العتق


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿فَلاَ اقْتَحَمَ العَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ [البلد: 11 - 13].
1358 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ، عُضْوًا مِنْهُ في النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ‏إذا أعتقت عبدًا أعتق الله كل بدنك من النار؛ لأنك أعتقت هذا العبد من الرق فيعتقك الله تعالى من النار.
قال ابن باز ﵀:
- من أسباب العتق من النار أن تعتق الرقاب المملوكة لك الملِك الشرعي بالسبي أو نحوه.

1359 - وعن أَبي ذرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رسول الله، أيُّ الأعمَالِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «الإيمَانُ بِاللهِ، وَالجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ» قَالَ: قُلْتُ: أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «أنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن باز ﵀:
- أفضل الرقاب أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها؛ يعنى: شجاعته ودينه وعلمه وفضله، كلما كان أغلى بالصفات الحميدة صار أفضل، وهكذا في الإبل والبقر والغنم، ما كان أغلى وأنفس هو أفضل في الضحية، والصدقة.

باب فضل الإحسان إِلَى المملوك


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: 36].

1360 - وعنِ المَعْرُورِ بن سُوَيْدٍ، قَالَ: رَأيْتُ أَبَا ذَرٍ - رضي الله عنه - وَعَلَيهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهَا، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَذَكَرَ أنَّهُ سَابَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِليَّةٌ هُمْ إخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ الله تَحْتَ أيديكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1361 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أَتَى أحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ؛ فَإنَّهُ وَلِيَ عِلاَجَهُ ». رواه البخاري.
«الأُكْلَةُ» بضم الهمزة: وَهِيَ اللُّقْمَةُ.
قال ابن باز ﵀:
- الحث على الإحسان إلى المملوك وعدم تكليف ما يشق عليه، ومثل ذلك: الخدم الذين يكونون تحت يد الإنسان في حاجته وقضاء لوازمه، يُشرع له بل يجب عليه أن يعدل فيهم وألا يظلمهم، ويشرع له الإحسان إليهم، والتواضع، والرفق، وعدم تكليمهم ما يشقُّ عليهم.
- يُشرع لك أن يكون طعام الخدام من طعامك من أكلك، واللباس من جنس لباسك، هذا هو الأفضل، وإن خصصتهم بطعام طيب ولباس طيب لا بأس، لكن إذا أكلوا معك، يعني: أكلوا من طعامك فهو أكمل.

باب فضل المملوك الَّذِي يؤدي حق الله وحق مواليه


1362 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ العَبْدَ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1363 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لِلْعَبْدِ المَمْلُوكِ المُصْلِحِ أجْرَانِ»، وَالَّذِي نَفْسُ أَبي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ لَوْلاَ الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ وَالحَجُّ، وَبِرُّ أُمِّي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأنَا مَمْلُوكٌ. متفقٌ عَلَيْهِ.
1364 - عن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «المَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنَ الحَقِّ، وَالنَّصِيحَةِ، وَالطَّاعَةِ، لهُ أجْرَانِ». رواه البخاري.
1365 - وعنه، قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثَةٌ لَهُمْ أجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ، وَالعَبْدُ المَمْلُوكُ إِذَا أدَّى حَقَّ الله، وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَأدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا؛ فَلَهُ أَجْرَانِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ‏المملوك إذا قام بحق الله وحق سيده كان له الأجر مرتين، الأجر الأول لقيامه بحق الله، والثاني: لقيامه بحق سيده؛ لأنّ لله عليه حقًا كالصلوات والصيام وغيرهما من العبادات التي ليست مبنية على أمر مالي، وللسيد عليه حق وهو القيام بخدمته وما إلى ذلك، فإذا قام بالحقين صار له أجران.
- اليهود والنصارى إذا بلغتهم رسالة محمد ﷺ فلم يؤمنوا به حبطت أعمالهم، حتى أعمالهم التي يتدينون بها في ملتهم حابطة غير مقبولة؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].

باب فضل العبادة في الهرج وَهُوَ: الاختلاط والفتن ونحوها


1366 - عن مَعْقِلِ بن يسار - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «العِبَادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إليَّ». رواه مسلم.
قال ابن باز ﵀:
- ينبغي للمؤمن أن يكون عند اختلاف الناس وعند تهاونهم بأمر الله أو وجود الفتن بين الناس في القتال، أن يكون مشغولًا بطاعة الله وألا يشغله عن ذلك هذه الفتن التي تقع بين الناس والاختلاف والأهواء؛ بل ينبغي له أن يهتم بأمر دينه، وأن يتحرر من الدخول في الفتنة التي لا يعرف لدخوله وجهًا، فاعتصامه بطاعة الله واستقامته على دين الله عند وجود الفتن كالهجرة إليه عليه الصلاة والسلام، كالهجرة إلى النبي ﷺ في حياته.
- ما ينبغي للمؤمن أن يتدخل في أشياء تصده عن الحق من قيل وقال، أو اختلاف بين أهل البلد أو القبيلة أو قتال بينهم، ينبغي له إن استطاع أن يحل المشكلة فليفعل، وإلا فليستقيم على دين الله وليعتزل الفتنة ولا يدخل فيها إذا لم يكن لدخوله فيها وجه شرعي.

باب فضل السماحة في البيع والشراء والأخذ والعطاء وحسن القضاء والتقاضي وإرجاح المكيال والميزان، والنهي عن التطفيف وفضل إنظار الموسِر المُعْسِرَ والوضع عَنْهُ


قَالَ الله تَعَالَى:﴿ وَمَا تَفۡعَلُوا۟ مِنۡ خَیۡرࣲ یَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ ﴾ [البقرة ١٩٧] وقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 215]، وقال تَعَالَى: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُم﴾ [هود: 85]، وقال تَعَالَى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: 1 - 6].
1367 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَقَاضَاهُ فَأغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أصْحَابُهُ، فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «دَعُوهُ، فَإنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا» ثُمَّ قَالَ: «أعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ» قالوا: يَا رسولَ اللهِ، لا نَجِدُ إِلاَّ أمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: «أعْطُوهُ، فإنَّ خَيْرَكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضَاءً». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ‏هذا دليلٌ على أنّ الوفاء في العقود مما جاء في الشرائع السماوية السابقة واللاحقة، وقال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ‎١‏ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ‎٢ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 1-3]، هذه الآية وإن كانت قد وردت في المكيال والميزان إلا أن العامل حتى الموظف إذا كان يريد أن يعطي راتبه كاملا لكنه يتأخر في الحضور أو يتقدم في الخروج فإنه من المطففين الذي توعدهم الله بالويل؛ لأنه لا فرق بين إنسان يكيل أو يزن للناس وبين إنسان موظف عليه أن يحضر في الساعة الفلانية ولا يخرج إلا في الساعة الفلانية ثم يتأخر في الحضور ويتقدم في الخروج هذا مطفف، وهذا المطفف في الوظيفة.
- الإنسان إذا كان عليه حق لشخص وكان الشخص جاء يطلبه فلصاحب الحق أن يغلظ له القول؛ لأنه صاحب حق والرسول ﷺ سيوفيه لا شك.
- ينبغي للإنسان أن يقتدي برسول الله ﷺ في حسن القضاء؛ ومعاملة المستقضي الذي يطلب حقه، أي لا يعامله بالجفاء والسب والشتم، بل باللين؛ لأن له حقا ومقالة، ولا في المقضي يعني يقضي أحسن مما عليه سواء كان أحسن مما عليه كيفية أو أكثر مما يطلب، فمثلاً إذا استقرضت من شخص مائة ريال وعند الوفاء أعطيته مائة وعشرة بدون شرط فإن هذا لا بأس به، وهو من خير القضاء. وكذلك لو استقرضت منه صاعًا من الطعام وسطًا ليس بالطيب ولا بالرديء فأعطيته صاعًا طيبًا فهذا أيضًا من حسن القضاء، وخير الناس أحسنهم قضاء.

1368 - وعن جابر - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى». رواه البخاري.
1369 - وعن أَبي قتادة - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنَجِّيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ‏الإنسان كلما كان أسمح في بيعه وشرائه وتأجيره واستئجاره ورهنه وارتهانه وغير ذلك فإنه أفضل.
- رحم الله امرءً أو قال رجلاً، هذا خبر بمعنى الدعاء، يعني يدعو له بالرحمة إذا كان سمحاً في هذه المواضع الأربعة، سمحاً إذا باع لا يشتد على المشتري ويكون سهلاً يواضعه ويضع عنه، سمحاً إذا قضى غيره كان سمحًا يعطيه في وقته ولا يماطل، كذلك سمحًا إذا اشترى، وكذلك سمحًا إذا اقتضى إذا أخذ حقه، فهذه الأحوال الأربعة ينبغي للإنسان أن يكون سمحاً فيها حتى ينال دعاء رسول الله ﷺ.
قال ابن باز ﵀:
- ‏التنفيس على المعسرين بإمهالهم وانظارهم أو الوضع عنهم أو مسامحتهم وإبرائهم هذا من أفضل الأعمال، والله يقول سبحانه: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 280]،‏ إنظاره واجب، وإن عفا عنه وتصدق عليه وسامحه هذا أفضل.
- ينبغي أن يكون للمسلم أخلاق كريمة في معاملته للناس في بيعه وشراءه وقضائه واستقراضه.

1370 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، وَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَلَقِيَ اللهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1371 - وعن أَبي مسعود البدريِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيْرِ شَيْءٌ، إِلاَّ أنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوسِرًا، وَكَانَ يَأمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَن المُعْسِر. قَالَ اللهُ - عز وجل: نَحْنُ أَحَقُّ بذلِكَ مِنْهُ؛ تَجَاوَزُوا عَنْهُ». رواه مسلم .
1372 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قَالَ: أُتَي اللهُ تَعَالَى بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ في الدُّنْيَا؟ قَالَ: «وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا» قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى المُوسِرِ، وَأُنْظِرُ المُعْسِرَ. فَقَالَ الله تَعَالَى: «أنَا أَحَقُّ بِذا مِنْكَ تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي» فَقَالَ عُقْبَةُ بن عامِر، وأبو مسعودٍ الأنصاريُّ رضي الله عنهما: هكَذا سَمِعْنَاهُ مِنْ فيِّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
1373 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ لَهُ، أظَلَّهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- ‏الدين ليس هو المعروف عندنا، يعني أن تشتري سلعة لتبيعها وتنتفع بثمنها، الدين كل ما ثبت في الذمة فهو دين، حتى لو بعت إلى شخص سيارة بثمن غير مؤجل ولم يسلمك الثمن فالثمن في ذمته دين، وإن استأجرت بيتًا وتمت المدة ولم تسلمه الأجرة فالأجرة في ذمتك دين، المهم أن المداينة أن يعامل الناس ليس نقدا يعني يدا بيد، بل يبيع إليهم ويشتري منهم ويعفو عن المعسر
- فضيلة إنظار المعسر والتجاوز عنه وإبرائه. واعلم أن هذا لا ينقصك شيئًا من المال؛ لأن النبي ﷺ قال: (ما نقصت صدقة من مال)، بل هذا يجعل في مالك البركة والخير والزيادة والنماء.
- يجب على الإنسان إذا كان صاحبه معسرًا لا يستطيع الوفاء يجب عليه أن ينظره، ولا يحل له أن يكربه أو يطالبه لقول الله تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ ﴾ [البقرة: 280].
- هناك فرق بين الإبراء وهو إسقاط الدين عن المعسر، وبين الإنظار، الإنظار واجب، والإبراء سنة، ولا شك أنّ الإبراء أفضل؛ لأنّ الإبراء تبرأ به الذمة نهائيا، والإنظار تبقي الذمة مشغولة؛ لكن صاحب الحق لا يطالب به حتى يستطيع المطلوب أن يوفي.
- إذا ثبت أن هذا المدين يدعي الإعسار وليس بمعسر فإنه لا بأس أن يجبر ويحبس ويضرب حتى يوفي، فإن لم يفعل فإن الحاكم يتولى بيع ما شاء من ماله ويوفي دينه، أما الذي نعلم أنه معسر حقيقة فإنه لا يجوز لطالبه أن يطالبه ولا أن يقول: أعطني يجب أن يعرض عنه بالكلية.
قال ابن باز ﵀:
- الحث على التيسير على المسلمين، وعدم العسر في المداينة والمعاملة، والحث على إنظار المعسرين، أو إعفائهم ومسامحتهم، وأنّ ذلك من أسباب العفو عنه يوم القيامة، وتيسير الله عليه يوم القيامة.
- المشروع لكل مؤمن أن يتخلق بهذا الخلق، ويحرص على أن يكون من أهل التيسير والتسهيل والعفو والإنظار وعدم المضايقة.

1374 - وعن جابر - رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى مِنْهُ بَعِيرًا، فَوَزَنَ لَهُ فَأَرْجَحَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
1375 - وعن أَبي صَفْوَان سُويْدِ بنِ قيسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ العَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ، فَجَاءنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَاوَمَنَا بسَرَاوِيلَ، وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ بِالأَجْرِ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْوَزَّانِ: «زِنْ وَأَرْجِحْ». رواه أَبُو داود، والترمذي وقال: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- ‏ينبغي للإنسان عند الوفاء أن يوفي كاملاً بدون نقص، وإذا زاد فهو أفضل.
قال ابن باز ﵀:
- حث الوازنين والكيالين على الوفاء؛ لقوله ﷿: ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ١‏ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ‎٢ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 1-3]، فيوصى الكيال والوزان بالإرجاح والتحفظ والحذر من البخس.