باب تحريم اتخاذ الكلب إلا لصيد أو ماشية أو زرع


1688 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعتُ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أوْ مَاشِيَةٍ فَإنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَومٍ قِيرَاطَانِ». متفق عليه.
وفي رواية: «قِيرَاطٌ».
1689 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أمْسَكَ كَلْبًا، فَإنَّهُ ينْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَومٍ قِيرَاطٌ إلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أوْ مَاشِيَةٍ». متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ، وَلاَ مَاشِيَةٍ وَلاَ أرْضٍ، فَإنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ».
قال ابن عثيمين ﵀:
- اتخاذ الكلب بلا سبب شرعي كبيرة من كبائر الذنوب، والعياذ بالله؛ لأن الذي يقتني الكلب إلا ما استثني، ينقص من أجره كل يوم قيراطان، ينقص كل يوم من أجره مثل جبلي أحد، قيراطان، وهذا يدل على أن اتخاذ الكلاب من كبائر الذنوب؛ إلا ما استثني: الصيد والحرث والماشية، فالصيد هو الكلب المعلم، الذي يصيد به الإنسان، فهذا يحل صيده إذا كان معلماً، بحيث يسترسل إذا أرسل، ويقف إذا زجر، وإذا أمسك لم يأكل، وأن يسمي الله عند إرساله، فهذا صيده حلال، والإنسان يقتنيه لحاجة ومصلحة،كذلك الحرث يتخذ الإنسان كلباً يحمي زرعه، لئلا تأكله الماشية فتفسده، والثالث: الماشية يتخذ الإنسان كلباً لماشيته، سواءً كان من الإبل أو الغنم أو البقر؛ لأنّه يحميها من الذئاب، ويحميها من اللصوص، إذ إنه إذا رأى من يستنكره نبح، فانتبه صاحبه، وكذلك لو فرض أن الإنسان يحتاج إلى حفظ مال كإنسان في مكان ناءِ، وليس حوله رجال أمن، فيتخذ الكلب فهذا لا بأس به؛ لأن هذا حماية مال، كالحرث وما عدا ذلك فإنه حرام.
- الكلب الأسود إذا مر بين يدي المصلي، قطع صلاته، ووجب عليه أن يستأنفها من جديد، وكذلك إذا مر بين المصلي وسترته، فإنه يقطع الصلاة ويستأنفها من جديد، والكلب الأسود لا يحل صيده عند أكثر العلماء، حتى لو كان معلماً، وأرسله صاحبه وسمى عليه، فإنّه لا يحل صيده؛ لأنّه شيطان، وإذا كان الكفار من بني آدم لا يحل صيدهم، ما عدا اليهود والنصارى، فكذلك هذا الشيطان الكلب، لا يصح صيده، وأما غيره من الكلاب ذات الألوان المتعددة، فإنها لا تبطل الصلاة، ويباح صيدها بالشروط المعروفة عند العلماء.
- نجاسة الكلب أخبث النجاسات، أخبث نجاسة في الحيوان، نجاسة الكلب؛ لأنه إذا ولغ في الإناء لا يطهر الإناء، إلا إذا غسل سبع مرات، إحداها بالتراب، غيره من النجاسات، إذا زالت عين النجاسة طهر المحل، أما هو فلابد من غسلها سبع مرات إحداها بالتراب.
قال ابن باز ﵀:
- ينبغي للمؤمن أن يصون نفسَه عن اقتناء الكلاب، إلا لهذه الثلاث: إما صيد، أو ماشية، أو حرث، فمَن اقتناها لغير ذلك ينقص من أجره كل يوم قيراطان، والمعنى: أنّه ينقص من أجره جُزْآن من مجموع الأجر، فهذا يدل على أنه ما ينبغي أن يُقتنى إلا لهذه المسائل الثلاث: إما للصيد، أو الحرث، أو للماشية، أما اقتناؤه لغير ذلك فلا يجوز، كاقتنائه لحراسة الأبواب في القرى والأمصار، أو للعب عليه، أو لغير هذا لا يجوز.

باب كراهية تعليق الجرس في البعير وغيره من الدواب وكراهية استصحاب الكلب والجرس في السفر


1690 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَصْحَبُ المَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ أوْ جَرَسٌ». رواه مسلم.
1691 - وعنه: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الجرس معلوم وهو الذي يعلق على الدواب، ويكون له رنة معينة، تجلب النشوى والطرب والتمتع بصوته، فهذا نهى عنه النبي ﷺ، نهى عنه بالتحذير منه، حيث أخبر أن الملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس؛ لأنّه مع مشي الدواب وهملجتها، يكون له شيء من العزف والموسيقى، ومن المعلوم أنّ المعازف حرام.
- الجرس الذي يكون في المنبهات من الساعات، وشبهها فلا يدخل في النهي؛ لأنّه لا يعلق على البهائم، وإنما هو مؤقت بوقت معين للتنبيه، وكذلك ما يكون عند الأبواب، يستأذن به، فإنّ بعض الأبواب يكون عندها جرس للاستئذان هذا أيضاً لا بأس به، ولا يدخل في النهي؛ لأنّه ليس معلقاً على بهيمة وشبهها، ولا يحصل به الطرب الذي يكون مما نهى عنه الرسول ﷺ، ويوجد في بعض التليفونات عند الانتظار، إذا رننت عليه ولم يكن حاضراً، قال: انتظر ثم تسمع موسيقى هذا هو الحرام؛ لأنّ الموسيقى من آلات العزف، وهي محرمة، لكن إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتصل بمن يريد إلا بهذا، فالإثم على من وضعه، إلا أنه ينبغي لمن سمعه، أن ينصح صاحب التليفون.
- ما يجعل في الانتظار في الهاتف من قراءة القرآن أحياناً، فهذا فيه ابتذال لكلام الله ﷿، حيث يجعل كأداة يعلم بها الانتظار، القرآن نزل لما هو أشرف من هذا وأعظم، نزل لإصلاح القلوب والأعمال، والأفراد والشعوب، ما نزل ليجعل وسيلة للانتظار في الهاتف وغيره، فلا شك أن هذا ابتذال للقرآن، والقرآن أشرف من أن يكون كذلك، ومن وضع القرآن من أجل الانتظار ينصح، أما إذا جعل في هذا الانتظار حكمة مأثورة، أو حديثا مأثوراً عن النبي ﷺ، فهذا لا بأس به.
قال ابن باز ﵀:
- الجرس من آلات اللهو، ومن مزامير الشيطان، فينبغي التَّحرز من ذلك والحذر؛ لأن العرب كانت تتخذه للعب واللهو، أما إذا كان في التَّنبيه لأهل البيت أو للهاتف، فهذا لم يُتَّخذ للعب واللهو، إنما هو للحاجة، وليس من هذا الباب، وإنما هو للتنبيه.
- لا يجوز استصحاب الكلب في السفر، إلا إذا كان من هذه الثلاثة المسائل: إما للصيد، أو الحرث، أو للماشية، فلا بأس به.

باب كراهة ركوب الجَلاَّلة، وهي البعير أو الناقة التي تأكل العَذِرَة، فإنْ أكلت علفًا طاهرًا فطاب لَحمُهَا، زالت الكراهة


1692 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهَى رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الجَلاَّلَةِ في الإبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا. رواه أبو داود بإسناد صحيح.

باب النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد فيه، والأمر بتنزيه المسجد عن الأقذار


1693 - عن أنس - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «البُصاقُ في المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا». متفق عليه.
والمرادُ بِدَفْنِهَا إذَا كَانَ المَسْجِدُ تُرَابًا أوْ رَمْلًا ونَحْوَهُ، فَيُوَارِيهَا تَحْتَ تُرَابِهِ.
قالَ أبُو المحاسِنِ الرُّويَانِي مِنْ أصحابِنا في كِتَابِهِ «البحر» وقِيلَ: المُرَادُ بِدَفْنِهَا إخْراجُهَا مِنَ المَسْجِدِ، أمَّا إِذَا كَانَ المَسْجِدُ مُبَلَّطًا أَوْ مُجَصَّصًا، فَدَلَكَهَا عَلَيْهِ بِمَدَاسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثيرٌ مِنَ الجُهَّالِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَفْنٍ، بَلْ زِيَادَةٌ فِي الخَطِيئَةِ وَتَكْثِيرٌ لِلقَذَرِ في المَسْجِدِ، وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَنْ يَمْسَحَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ غَيرِهِ أَوْ يَغْسِلَهُ.
1694 - وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى في جِدَارِ القِبْلَةِ مُخَاطًا، أَوْ بُزَاقًا، أَوْ نُخَامَةً، فَحَكَّهُ. متفق عَلَيْهِ.
1695 - وعن أنس - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ هذِهِ المَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَلاَ القَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ» أَوْ كَمَا قَالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- وجوب تنزيه المساجد عن الأذى والقذر، والنخامة والبصاق، وما أشبه ذلك.
- تحريم البصاق في المسجد، أو أن يتنخع في المسجد وما أشبه ذلك، فهو خطيئة بسببين:
• السبب الأول: أنّه إيذاء للمصلين قد يسجد المصلي عليه، وهو لا يشعر به، وقد يتقزز إذا رآه وتتكره نفسه لذلك فيتأذى بهذا.
• السبب الثاني: أن فيه إهانة لبيوت الله ﷿، الذي أمر تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فلا يجوز للإنسان أن يبصق في المسجد، لكن لو فرض أنه فعل، فكفارتها دفنها إن كانت في الأرض، وكفارتها حكها إن كانت على الجدار ونحوه، أما مساجدنا الآن،كما ترون مفروشة، كفارة ذلك أن يمسحها بمنديل، حتى تزول، لكننا نقول أصلاً لا يحل لك أن تتنخم في المسجد، لكن إن وقع فهذه كفارته.
- الإنسان إن رأى أذىً أو قذراً في المسجد فإنه يزيله، وعلى المؤمن أن يحترم بيوت الله فلا يلقِ فيها الأذى ولا القذر، ولا يرفع الصوت فيها، وإنما يكون متأدباً؛ لأن المساجد بيوت الله ﷿ ومأوى الملائكة.
قال ابن باز ﵀:
- وجوب تنزيه المساجد، وتطهيرها من القذر: النُّخامة، البُصاق، البول، إلى غير ذلك، فالمساجد يجب أن تُطهر، فقد أمر الرسولُ ﷺ أن تُنَظَّف المساجد وتُطيب، ويُبْعَد منها الأذى، والبُصاق في المسجد معصية، وكفَّارتها إذا وُجِدَتْ، دفنها إذا كان ترابًا أو رملًا، بحيث يدفنها في أرضٍ، ولا تضرّ أحدًا، وإلا أزالها، أما إذا كان مُبَلَّطًا فإنَّ الواجب، حكّها وإزالتها حتى لا يبقى لها أثرٌ، فالواجب على المسلمين تنزيه المساجد وتطهيرها وتنظيفها، والحذر مما يُقَذِّرها على الناس، ويُنَفِّر الناس منها، ومن النجاسة أشدّ، فلا بُصاق ولا قذر، حتى القذاة؛ لأنها محل العبادة للمسلمين، فلا يجوز أن يكون فيها ما يُقَذِّرها عليهم أو يُنَفِّرهم منها، والله المستعان
.

باب كراهة الخصومة في المسجد ورفع الصوت فِيهِ ونشد الضالة والبيع والشراء والإجارة ونحوها من المعاملات


1696 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّه سمعَ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً في المَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لاَ رَدَّها اللهُ عَلَيْكَ، فإنَّ المَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهذَا». رواه مسلم.
1697 - وعنه: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا رَأيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ في المَسْجِدِ، فَقُولُوا: لا أرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّةً فَقُولُوا: لاَ رَدَّ اللهُ عَلَيْكَ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن».
1698 - وعن بُريَدَةَ - رضي الله عنه: أنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الجَمَلِ الأَحْمَرِ؟ فَقَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «لاَ وَجَدْتَ؛ إنَّمَا بُنِيَتِ المَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ». رواه مسلم.
1699 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّهِ - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَن الشِّراءِ والبَيْعِ في المَسْجِدِ، وَأنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ؛ أَوْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ. رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- المساجد أضافها الله تعالى إلى نفسه، وأضافها النبي ﷺ إلى ربه في قوله ﷺ: (لا تمنعوا إماء الله، مساجد الله)، وبين الله سبحانه وتعالى أن هذه المساجد بيوت يذكر فيها اسم الله ﷿، وأذن الله أن ترفع، وأنها محل التسبيح، والمساجد لها حرمة، ولها أحكام واحترام وتعظيم، ومن ذلك أنه لا يحل للجنب أن يمكث فيه إلا بوضوء؛ لأنّ الجنب قال فيه النبي ﷺ: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه جنب، مادام على جنابته)، فالملائكة لا تدخل بيته، وكذلك في المسجد، إذا كان جنباً وبقى فيه يؤذي الملائكة؛ لأنه يمنعهم من دخوله، أو يتأذون إذا دخلوا، ولهذا نقول من عليه جنابة فلا يدخل المسجد، إلا أن يتوضأ واستثنينا الوضوء؛ لأنّ الصحابة ﵃كانوا ينامون في المسجد، فتصيب أحدهم الجنابة، فيقوم ويتوضأ، ويرجع فينام وهذا في عهد النبي ﷺ، وقد أقرهم الرسول ﷺ، على ذلك.
- من أحكام المساجد، لا يجوز بها البيع والشراء، سواءً كان قليلاً أو كثيراً، لا تبع شيئاً بقرش واحد، فإن ذلك حرام عليك، والبيع فاسد، لا ينتقل فيه الثمن للبائع، ولا المبيع للمشتري، ويجب أن يرد كل واحد منهما للآخر ما أخذ منه، سواء قل أو كثر، حتى لو قال: يا فلان عندك الحاجة الفلانية؟ قال: نعم، قال: أرسلي منها كذا وكذا، فهذا حرام؛ لأنّ هذا بيع وشراء، فالبيع والشراء في المسجد بأي حال من الأحوال لا يجوز، هذا بالنسبة للبائع والمشتري، لكن بالنسبة للذي يسمع إنساناً يبيع ويشتري، ماذا عليه؟ قال النبي ﷺ: قولوا له: (لا أربح الله تجارتك)، ادعوا عليه بأنّ الله يخسره ولا يربحه، فإنّ المساجد لم تبن لهذا، يحتمل أنّ هذه الكلمة يضيفها القائل إلى قوله، ويحتمل أنها تعليل للحكم، من النبي ﷺ، وأنها لا تقال، لكن إذا كان في قولك إياها تطييب لقلبه، فهذا قولها حسن، يعني تقول: لا أربح الله تجارتك، فإن المساجد لم تبن لهذا، ما بنيت للبيع والشراء، بنيت للصلاة والذكر وقراءة القرآن، وطلب العلم وما أشبه هذا، فإذا كان في قولك تطييب لقلبه فقلها حتى لا يغضب عليك، فقد دعوت عليكَ، لأمر من الرسول ﷺ، وأمر الرسول ﷺ مطاع كأمر الله ﷿.
- إنشاد الضالة، حرام لا يجوز، حتى وإن غلب على أمرك أنه سرق في المسجد، لا تقل هذا، كيف أتوصل إلى هذا؟ اجلس عند باب المسجد، خارج المسجد، وقل جزاكم الله خيراً، ضاع مني كذا.
- إن أراد الإنسان أن ينشد ضالة لصاحبها، يعني ليس ضائعاً منه، بل شيئاً وجده في المسجد، وجد المفاتيح، قال من يريد هذه المفاتيح؟ فهل هذا نشد ضالة يعني طلبها؟ أو نشد عن صاحبها؟ نشد عن صاحبها، هذا أجازه بعض العلماء، وقال لا بأس به؛ لأن هذا إحسان، وبعض العلماء كرهه، وقال: حتى هذه الحال يكره، ولكن إذا كان يريد أن يتمم إحسانه، يجلس عند باب المسجد، ويقول: من ضاع له المفتاح؟ من ضاع له كذا وكذا، فالمساجد يجب أن تحترم.
- إنشاد الأشعار في المسجد الذي ورد في الأحاديث النهي، والمراد بالأشعار اللغو، أو التي لا خير فيها، أما الأشعار الذي بها الخير جائزة، كان حسان بن ثابت ﵁ ينشد الشعر في مسجد النبي ﷺ، والنبي ﷺ يسمع، ولما سمعه ذات يوم عمر بن الخطاب ﵁ كأنّه أنكر عليه، قال: قد كنت أنشد في هذا المسجد، وفيه من هو خير منك، يعني لرسول الله ﷺ، فالأشعار إن كان خيراً فيه ومصلحة، فلا بأس بها،كالأشعار التي تحث على الطاعة والجهاد في سبيل الله ﷿ إذا كان هناك جهاد، وما أشبه ذلك، وأما أشعار لا خير فيها فلا تنشد في المسجد والله وأعلم.
قال ابن باز ﵀:
- التحذير من إنشاد الضَّوال في المسجد، والبيع والشراء، وما لا ينبغي في المساجد؛ لأنها بُنيت لعبادة الله وطاعته، والتَّقرب إليه بقراءة كتابه الكريم، وبالصلاة، والتسبيح، والتهليل، وإقامة حلقات العلم، فلا يجوز أن يُقام فيها ضدّ ذلك، من: إنشاد الضَّوال، والبيع والشراء، وإنشاد الأشعار التي لا خيرَ فيها. ولهذا زجر النبيُّ ﷺ عن ذلك فقال: (لا ردَّها الله عليك)، وهذا إنكارٌ شديدٌ، وهكذا قال لمن يبيع ويشتري: (لا أربح الله تجارتك)، وهذا إنكارٌ شديدٌ أيضًا، هذا يدل على أنَّ مَن تهاون في المساجد ولم يحترمها يُنْكَر عليه، سواء كان بالبيع والشراء، أو بإنشاد الضوال، أو الأشعار الماجنة التي لا خيرَ فيها.
- الأشعار الطيبة لا بأس بها، فقد كان حسان ﵁ يُنشد في المسجد في الردِّ على المشركين، فالأشعار التي فيها الرد على أهل الشرك، وبيان الحق والدعوة إليه لا بأس بها في المسجد، وغير المسجد، أما الأشعار التي فيها مدح فلان أو ذمّ فلان فلا ينبغي إنشادها في المساجد، وتُصان المساجد عنها
.
1700 - وعن السائبِ بن يزيد الصحابي - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ في المَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَالَ: اذْهَبْ فَأتِنِي بِهذَينِ، فَجِئْتُهُ بِهِمَا، فَقَالَ: مِنْ أيْنَ أَنْتُمَا؟ فَقَالاَ: مِنْ أهْلِ الطَّائِفِ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أهْلِ البَلَدِ، لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أصْوَاتَكُمَا في مَسْجِدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم! رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذا إنكار من عمر بن الخطاب ﵁ لرجلين رآهما يرفعان أصواتهما في مسجد النبي ﷺ بالمدينة، لكن هل لا ترفع في مسجد النبي ﷺ؟ أو جميع المساجد؟ الظاهر أنّ جميع المساجد مثل المسجد النبوي؛ لأن هذا احترام للمسجد، من حيث هو مسجد.
قال ابن باز ﵀:
- ينبغي التأدب في المساجد، وألا تُرفع الأصوات، كما زجر عمرُ ﵁ عن ذلك، فالمساجد لها حُرمتها، فإذا كان هناك حديثٌ أو حاجةٌ للحديث فليكن بالصوت العادي، لا برفع الأصوات.

باب نهي من أكل ثومًا أَوْ بصلًا أَوْ كراثًا أَوْ غيره مِمَّا لَهُ رائحة كريهة عن دخول المسجد قبل زوال رائحته إِلاَّ لضرورة


1701 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أكَلَ مِنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ - يعني: الثُّومَ - فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا». متفق عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ لمسلم: «مساجدنا».
1702 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرَبَنَّا، وَلاَ يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا». متفق عَلَيْهِ.
1703 - وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزلنا، أو فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا». متفق عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ لمسلم: «مَنْ أكَلَ البَصَلَ، والثُّومَ، والكُرَّاثَ، فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإنَّ المَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ».
1704 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: أنَّه خَطَبَ يومَ الجُمُعَةِ فَقَالَ في خطبته: ثُمَّ إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأكُلُونَ شَجَرتَيْنِ مَا أرَاهُمَا إِلاَّ خَبِيثَتَيْن: البَصَلَ، وَالثُّومَ. لَقَدْ رَأَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا وَجدَ ريحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ في المَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ إِلَى البَقِيعِ، فَمَنْ أكَلَهُمَا، فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا. رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- من الأحكام التي تتعلق بالمساجد، نهي من أكل بصلاً أو ثوماً أو كراثاً أو نحوه، فلا يقرب المسجد، ولا يدخل المسجد، حتى يذهب ريحه، ومن أراد أن يأكلهما (فليمتهما طبخاً) فإنّه إذا طبخهما راحت الرائحة، وحصلت الفائدة.
- البصل والثوم ليسا حراماً، يجوز للإنسان أن يأكلهما، لكن إذا أكلهما فلا يدخل المسجد، ولا يصلي مع جماعة، ولا يحضر درس علم؛ لأن الملائكة تتأذى منه برائحته الخبيثة، وكذلك قال العلماء: "من كان به رائحة أسنان، أو بخر في الفم، أو رائحة كريهة، أو ما أشبه ذلك، فإنّه لا يقرب المسجد، حتى يزيل هذه الرائحة؛ لأن العلة قائمة، وهي تؤذي الملائكة بالروائح الكريهة".
- إن قال قائل: لو أنّ الإنسان استعمل شيئاً تذهب به الرائحة فهل يجوز أن يدخل؟ نقول: نعم، يجوز إذا أكل ما يذهب الرائحة إذهاباً كاملاً، فلا بأس؛ لأنّ الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإن قال إنسان: هل يجوز للإنسان أن يأكلهما لئلا يحضر المسجد؟ قلنا: لا، حرام لا يجوز للإنسان أن يتوصل إلى إسقاط الفرض، بأي سبب كان، لكن لو أكلهما لأنه يشتهيهما، فإننا نقول: الأكل مباح، ولكن لا تقرب المسجد، حتى تزول رائحتهما.
قال ابن باز ﵀:
- الواجب على الإنسان، ألا يُؤذي الناس في مُصلَّاهم، فإذا أكل الثوم أو البصل أو الكُرَّاث أو كان به ما يتأذَّى به الناس من الرائحة الكريهة، أو كانت به رائحة الدخان، أو الصّنان، أو رائحة الآباط الشديدة، أن يجتنب الناسَ حتى يتنظَّف من ذلك، ويزول عنه ما به من الريح الكريهة، ولا يُصلِّي مع الناس، لأنَّه يتأذَّى به الناس، وفي اللفظ الآخر: (فإنَّ الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم)، يعني: لا يدخل المسجد، ولو لم يكن فيه مُصلُّون؛ لأنَّ هذا يتأذَّى به الملائكة.
- الرسول ﷺ كان يأمر بإخراجه من المسجد، إذا وجدوا منه ريحًا، وهذا يدل على أنَّ الأمر عظيم، وأنَّ الواجب على المسلم، أن يتباعد عمَّا يُؤذي إخوانه.
- قول عمر أنَّهما "خبيثتان" يعني: خبيثتان من جهة الرائحة، مثلما قال ﷺ: (كسب الحجَّام خبيثٌ)، يعني: من جهة سُوء الكسب، فهي خبيثة من جهة الرائحة، وهي حلال طيبة، فإذا أميتت طبخًا، يعني طبخت وزالت الرائحة، رجعت إلى طيبها، فإذا طبخها الإنسانُ حتى ذهب الريحُ، فلا حرج في ذلك ولا بأس.

باب كراهة الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب لأنَّه يجلب النوم فيفوت استماع الخطبة ويخاف انتقاض الوضوء


1705 - عن مُعاذِ بن أنس الجُهَنِيِّ - رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الحِبْوَةِ يَومَ الجُمعَةِ وَالإمَامُ يَخْطُبُ. رواه أَبُو داود والترمذي،وقالا: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- الحبوة: أن يضم الإنسان فخذيه إلى بطنه، وساقيه إلى فخديه، ويربط نفسه بسير أو عمامة أو نحوها، وقد نهى النبي ﷺ عنها والإمام يخطب يوم الجمعة لسببين:
• الأول: أنه ربما تكون هذه الحبوة سبباً لجلب النوم إليه، فينام عن سماع الخطبة.
• الثاني: أنّه ربما لو تحرك لبدت عورته؛ لأن غالب لباس الناس فيما سبق، الأزر والأردية، ولو تحرك أو انقلب لبدت عورته، وأما إذا أمن ذلك فإنه لا بأس بها؛ لأنّ النهي إذا كان لعلة معقولة، فزالت العلة، فإنه يزول النهي.
قال ابن باز ﵀:
- الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب، تُكره؛ لما ورد في الحديث، وإن كان في سنده لين؛ لأن الحبوة مجلبة للنوم، وقد تكون سببًا لانتقاض الوضوء،؛ لأنها وسيلةٌ إلى ارتخاء الأعضاء، وربما خرج شيءٌ، وربما جاءه النعاسُ ففات عليه استماع الخطبة، فالأولى للمؤمن تركها وقت الخطبة، فيجلس متربّعاً أو متورّكاً أو مفترشاً، كجلسته بين السَّجدتين، أو نحو ذلك غير الحبوة؛ ابتعادًا عن أسباب انتقاض الوضوء، وابتعادًا عن أسباب النُّعاس
.

باب نهي من دخل عَلَيْهِ عشر ذي الحجة وأراد أَنْ يضحي عن أخذ شيء من شعره أَوْ أظفاره حَتَّى يضحّي


1706 - عن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإذَا أَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الحِجَّةِ، فَلاَ يَأخُذَنَّ من شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- إذا دخل العشر من ذي الحجة، وأنت تريد أن تضحي أضحية عن نفسك، أو عن غيرك من مالك، فلا تأخذ شيئاً من شعرك، لا من الإبط، ولا من العانة، ولا من الشارب، ولا من الرأس، حتى تضحي، وكذلك لا تأخذن شيئاً من الظفر، ظفر القدم، أو ظفر اليد، حتى تضحي، وزاد غير مسلم: "ولا من بشرته"، يعني من جلده، لا يأخذ شيئاً حتى يضحي،، وذلك احترام للأضحية ولأجل أن ينال غير المحرمين، ما ناله المحرمون من احترام الشعور؛ لأن الإنسان إذا حج أو أعتمر فإنه لا يحلق رأسه، حتى يبلغ الهدي محله، فأراد الله ﷿ أن يجعل لعباده الذين لم يحجوا ويعتمروا نصيباً من شعائر النسك والله أعلم.
قال ابن باز ﵀:
- ظاهر النَّهي المنع؛ لأن الأصل في النهي التحريم، والسنة أن يُضحِّي كلُّ إنسانٍ عنه وعن أهل بيته، فإذا ذبح الإنسانُ واحدةً عنه وعن أهل بيته أو ثنتين، أو أكثر فإنه لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا، ولا من إبطه، ولا من رأسه، ولا من بشرته، يعني تقشير الجلد، بل يترك ذلك حتى يُضحِّي، هذا هو السنة، أما الهدي فلا يلزمه ذلك، فلو كان عنده هدي التمتع فله أن يأخذ بعد التَّحلل، فإذا تحلل من حجِّه، فله أن يأخذ من شعره، ومن أظفاره إذا لم يكن عنده ضحية، أما الضحية، فهي الدم الذي يتقرب به المسلمُ أيام عيد النحر.