باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بِسَيِّد ونحوه


1725 - عن بُريَدَةَ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإنَّهُ إنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ - عز وجل». رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح.
قال ابن باز ﵀:
- النهي عن تسمية المنافق ومن أظهر المعاصي سيدًا أو كريمًا أو ما أشبه ذلك من صفات التزكية؛ لأنه جدير بضد ذلك.
- من تظاهر بالبدع والمعاصي والنفاق لا يقال له: سيد ولا يزكى، بل يوجه إلى الخير ويحذر مما هو فيه من الباطل ولا يزكى.
- لا ينبغي للمؤمن أن يسمي من عرف بالنفاق والبدعة أو المعاصي الظاهرة سيدًا، أو يا كريم أو فلان بالعبارات الرفيعة، كل هذا لا يليق.
- لا يليق بالمؤمن أن يكون سبابًا ولا لعانًا، ولكن من كان مظهر الفسق والبدعة لا يلقب بالألقاب الرفيعة كالسيد ونحوه.

باب كراهة سب الحمّى


1726 - عن جابر - رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دخلَ على أُمِّ السَّائِبِ، أو أُمِّ المُسَيّبِ فَقَالَ: «مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ - أو يَا أُمَّ المُسَيَّبِ - تُزَفْزِفِينَ؟» قَالَتْ: الحُمَّى لاَ بَارَكَ اللهُ فِيهَا! فَقَالَ: «لاَ تَسُبِّي الحُمَّى فَإنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الكِيْرُ خَبَثَ الحَدِيدِ». رواه مسلم.
«تُزَفْزِفِينَ» أيْ تَتَحَرَّكِينَ حَرَكَةً سَريعَةً، وَمَعْنَاهُ: تَرْتَعِدُ. وَهُوَ بِضَمِّ التاء وبالزاي المكررة والفاء المكررة، وروي أيضا بالراء المكررة، وَرُوِيَ أيضًا بالراء المكررة والقافينِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- كل شيء من أفعال الله فإنّه لا يجوز للإنسان أن يسبه؛ لأن سبه سبا لخالقه ﷿.
- على المرء إذا أصيب أن يصبر ويحتسب الأجر على الله ﷿.
- أخبر أنّها، أي الحمى، تذهب بالخطايا كما يذهب الكير بخبث الحديد، فإن الحديد إذا صهر على النار ذهب خبثه وبقي صافيا، كذلك الحمى تفعل في الإنسان كذلك، ولها أدوية علاجية، منها: الماء البارد فإنّ النبي ﷺ أخبر أن: (الحمى من فيح جهنم) وأمرنا أن نطفئها بالماء البارد، ولهذا أقر الأطباء في الوقت الحاضر بأن من أفضل علاج الحمى البرودة، حتى إنّهم يجعلون الإنسان إذا أصابته الحمى حول المكيفات الباردة التي لا تضره، وأن يجعلوا خرقة مبلولة بالماء يغطون بها المريض..
- الإنسان يصبر ويحتسب على كل الأمراض لا يسبها.
قال ابن باز ﵀:
- الحمى يكفر الله بها الخطايا، وهي أيضًا تصيب الأنبياء والأخيار.
- لا ينبغي سب ما لا يستحق السب، كسّب الحمى أو سّب الأمراض الأخرى، ولكن يسأل الله العافية.

باب النهي عن سب الريح، وبيان ما يقال عند هبوبها


1727 - عن أبي المنذِرِ أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ. وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
1728 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «الرِّيحُ مِنْ رَوحِ اللهِ، تَأتِي بِالرَّحْمَةِ، وَتَأتِي بِالعَذَابِ، فَإذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلاَ تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذُوا باللهِ مِنْ شَرِّهَا». رواه أبو داود بإسناد حسن.
قوله - صلى الله عليه وسلم: «مِنْ رَوْحِ اللهِ» هو بفتح الراء: أي رَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ.
1729 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا عَصَفَتِ الرِّيحُ قال: «اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الرياح من آيات الله ﷿، فهذه الريح التي خلقها الله ﷿ وصرفها تنقسم إلى قسمين:
• ريح عادية لا تخيف لا يسن لها ذكر معين.
• ريح أخرى عاصفة هذه تخيف؛ لأن عادًا عذبهم الله تعالى بالريح العقيم والعياذ بالله.
- إذا عصفت الريح فإنه لا يجوز لك أن تسبها؛ لأن الريح إنما أرسلها الله ﷿ فسبك إياها سب لله ﷿، ولكن قل كما قال النبي ﷺ: (اللهم إني أسألك خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به)، وبهذا الدعاء يحصل لك خيرها، ويزول عنك شرها.
- إذا استعاذ الإنسان من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به وسأل الله خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به كفاه الله شرها.
- لا يجوز للإنسان أن يتعلق بالريح في حصول المطر والغيث والصحو وما أشبه ذلك؛ لأن هذا من جنس الاستسقاء بالأنواء الذي نهى عنه النبي ﷺ، فالأمر كله بيد الله ﷿ فعليك أن تعلق قلبك بربك ﷿، وألا تسب ما خلقه من الرياح، واسأل الله خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، واستعذ بالله من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به.
قال ابن باز ﵀:
- الريح ترسل بالخير والشر، فترسل رحمة لقوم، وعذابًا لآخرين.

باب كراهة سب الديك


1730 - عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإنَّهُ يُوِقِظُ لِلصَّلاَةِ». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قال ابن عثيمين ﵀:
- أمر النبي ﷺ من سمع صوت الديك أن يسأل الله من فضله، إذا سمعت صوت الديك فقل أسأل الله من فضله فإنها رأت ملكا.
- بعض الديكة يكون أذانه على دخول الوقت أو قرب دخول الوقت فيوقظ الناس للصلاة فنهى النبي ﷺ عن سبه لهذه المزية التي تميز بها.
- من تمام عدل الله ﷿ أن بعض الحيوانات التي يكون فيها مصلحة للعباد يكون لها مزية وفضل على غيرها، سب الديك قد يقع من بعض الناس يفزع من صوته وهو نائم فيسبه ويشتمه وهذا منهي عنه؛ لأنّ النبي ﷺ قال: (لا تسبوا الديك).
- ينبغي للإنسان أن يتخذ ما يوقظه للصلاة، وذلك مثل الساعات المنبهة، فإن الإنسان ينبغي له أن يقتني من هذه الساعات حتى تنبهه للصلاة في الوقت الذي يدرك فيه الصلاة؛ لأن ما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به وأنت مثاب على هذا.
قال ابن باز ﵀:
- الديكة لا تسب؛ لأنه يستعان بها على أوقات الصلاة تنفع، قبل مجيء الساعات؛ لأن الله ﷿ جبلها على أوقات معينة تؤذن فيها، يعرف بأذانها أوقات الصلاة، فهي من آيات الله فلا يجوز سبها، بل إذا سمع صوتها يسأل الله من فضله.

باب النهي عن قول الإنسان: مُطِرنا بنَوء كذا


1731 - عن زيد بن خالد - رضي الله عنه - قال: صلَّى بنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَّةِ في إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فقالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟» قالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قال: «قالَ: أصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وأَما مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ». متفق عليه.
وَالسَّماءُ هُنَا: المَطَرُ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- كل إنسان يجب عليه إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله ورسوله أعلم في الأمور الشرعية، أما الأمور الكونية القدرية فهذا لا يقول ورسوله أعلم؛ لأنّ النبي ﷺ لا يعلم الغيب، كما مثلا لو قال قائل أتظن المطر ينزل غدا تقول الله أعلم ولا تقل الله ورسوله أعلم، لكن لو قال لك هل هذا حرام أم حلال تقول الله ورسوله أعلم.
- إذا أضفت المطر إلى النوء فقلت هذا النجم نجم بركة وخير يأتي بالمطر، فهذا حرام عليك كفر بالله ﷿، وإضافة للشيء إلى سببه من نسيان المسبب وهو الله ﷿، وأما إذا قلت مطرنا بفضل الله ورحمته في هذا النوء، فلا بأس لأن هذا اعتراف منك بأن المطر بفضل الله، ولكنه صار في هذا بالنوء.
- إن اعتقد أن الكوكب هو الذي يأتي بالمطر فهذا كفر أكبر مخرج عن الملة، وإن اعتقد أنّ الكوكب سبب وأن الخالق هو الله ﷿ فهذا كفر بنعمة الله وليس كفراً مخرجا عن الملة.
- ينبغي للإنسان إذا جاء المطر أن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته.
قال ابن باز ﵀:
- ينبغي عند نزول الأمطار أن تنسب النعم إلى الله ﷿.
- النجوم ليس لها تأثير وليس لها عمل، إنما هي زينة للسماء ورجوم للشياطين وعلامات يهتدي بها ليس لها تصرف في شيء، فلا يجوز أن يقال: مطرنا بنوء كذا أو سقينا بنوء كذا أو بنجم كذا، هذا لا يجوز، أما لو قالوا: سقينا في الوسم في الشتاء في الصيف، يخبر عن الوقت لا بأس.

باب تحريم قوله لمسلم: يا كافر


1732 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «إذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، فَإنْ كانَ كَمَا قَالَ وَإلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ» متفق عليه.
1733 - وعن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه: أنَّه سَمِعَ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «مَنْ دَعَا رَجُلًا بالكُفْرِ، أو قالَ: عَدُوَّ اللهِ، وَلَيْسَ كَذلكَ إلاَّ حَارَ عَلَيْهِ». متفق عليه.
«حَارَ»: رَجَعَ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- المسلم والكافر حكمهما إلى الله ﷿، فالذي يحكم بالكفر هو الله والذي يحكم بالإسلام هو الله، كما أن الذي يحلل ويحرم هو الله ﷿، فليس لنا أن نحلل ما حرم الله ولا أن نحرم ما أحل الله، ولا أن نكفر من ليس بكافر في حكم الله ولا أن نقول هذا مسلم وليس مسلما عند الله.
- مسألة التكفير مسألة خطيرة جدا فتح بها أبواب شر كبيرة على الأمة الإسلامية فإن أول من انتحل هذه النحلة الخبيثة وهي تكفير المسلمين هم الخوارج.
- ما زال هذا المذهب الخبيث موجودا في المسلمين، يبيحوا دماء المسلمين مع احترامها، وأموالهم مع احترامها، ونساءهم مع احترام الأعراض، فيقولون مثلا من زنى فهو كافر، ومن سرق فهو كافر، ومن شرب الخمر فهو كافر، كل ذنب من كبائر الذنوب فهو عندهم كفر والعياذ بالله يخرج من الملة، فهؤلاء الذين يكفرون المسلمين لا شك أنهم هم الكفار؛ لأنّ النبي ﷺ أخبر (أن الرجل إذا قال لأخيه يا كافر فإنه يبوء بها أحدهما)، لابد إن كان كما قال كافر فهو كافر، وإلا كان الكافر هو القائل والعياذ بالله .
- يجب أن ينزه الإنسان لسانه وقلبه عن تكفير المسلمين، لا يتكلم فيقول هذا كافر، ولا يعتقد في قلبه أن هذا كافر لمجرد الهوى.
- الحكم بالتكفير ليس لزيد ولا لعمرو بل هو لله ورسوله، من كفره الله ورسوله فهو كافر وإن قلنا إنه مسلم، ومن لم يكفره الله ورسوله فهو مسلم وإن قال من قال إنه كافر.
- هذا القول من كبائر الذنوب إذا لم يكن الذي قيل فيه أهلا لها .
- تحريم القول للمسلم يا كافر أو يا عدو الله.
قال ابن باز ﵀:
- لا يجوز للإنسان أن يقول لأخيه: يا كافر أو: يا عدو الله لا يجوز أن يقول هذا الكلام؛ لأنه إذا قال له: يا كافر وليس كذلك رجع عليه كلامه، أو قال: يا عدو الله أو فاسق، أو يا خبيث رجع إليه كلامه إذا كان صاحبه ليس أهلا لذلك.
- من كان كافرا يقال له كافر.
- اللسان خطير، فالواجب على المسلم أن يتوقى شر لسانه ويحفظه.

باب النهي عن الفحش وبذاء اللسان


1734 - عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلاَ اللَّعَّانِ، وَلاَ الفَاحِشِ، وَلاَ البَذِيِّ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن».
1735 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «مَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيْءٍ إلاَّ شَانَهُ، وَمَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إلاَّ زَانَهُ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذه الأحاديث كلها تتعلق بما ينطق به الإنسان، وذلك أنه ينبغي، بل يجب على الإنسان ألا يتكلم إلا بخير، لقول النبي ﷺ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) والخير قد يكون خيرا لذاته، وقد يكون خيرا لغيره، فمن الخير لذاته أن يتكلم الإنسان بالقرآن بالذكر بالأمر بالمعروف بالنهي عن المنكر وما أشبه ذلك، وأما الخير لغيره أن يتكلم الإنسان بما ليس في ذاته أجر لكنه يريد أن يبسط إخوانه ويزيل عنهم الوحشة ويؤلف قلوبهم.
- المؤمن رفيق هين لين كلامه سهل.
قال ابن باز ﵀:
- المؤمن يتباعد عن فحش الكلام ورديء الكلام من ذكر الفواحش والمعاصي، وقلة الحياء ويكون طيب الكلام نزيه اللسان ولا ينبغي له تقعر الكلام والمبالغة في الحديث.

باب كراهة التقعير في الكلام والتشدُّق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللُّغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم


1736 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلاَثًا. رواه مسلم.
«المُتَنَطِّعُونَ»: المُبَالِغُونَ فِي الأمُورِ.
1737 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ اللهَ يُبْغِضُ البَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ». رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن».
1738 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وأقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَومَ القِيَامَةِ، أحَاسِنكُمْ أَخْلاَقًا، وإنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ، وأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَومَ القِيَامَةِ، الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن». وقد سبق شرحه في بَابِ حُسْنِ الخُلُقِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- من آفات اللسان التقعر في الكلام والتشدق حتى يتكلم الإنسان بملء شدقيه، وحتى يتكلم عند العامة في غرائب اللغة العربية إما رياء ليقول الناس ما أعلمه باللغة العربية أو لغير ذلك.
- الإنسان ينبغي أن يكون كلامه ككلام الناس، الكلام الذي يفهم حتى وإن كان بالعامية مادام يخاطب العوام، أما إذا كان يخاطب طلبة علم وفي مجلس التعلم فهنا ينبغي أن يكون كلامه بما يقدر عليه من اللغة العربية.
- المتنطع هو المتقعر في الكلام الذي يتنطع بكلامه، أو بقوله، أو بفعله، أو برأيه، أو بغير ذلك مما يعده الناس خروجا عن المألوف، وكل هذا من الآداب الحسنة التي جاء بها الإسلام.
قال ابن باز ﵀:
- الثرثارون أهل الكلام الكثير بلا فائدة، والمتكبرون معروف التكبر والتغطرس والترفع على الناس، وغمطهم واحتقارهم، والمتفيهق هو الذي عنده زيادة في التكبر والتكلف.
- ينبغي للمؤمن أن يكون متواضعا طيب الكلام بعيدًا عن الثرثرة والفحش وسوء الكلام والغيبة والنميمة، حريصًا على الكلام الطيب والأسلوب الحسن والرفق والتواضع، هكذا المؤمن .

باب كراهة قوله: خَبُثَتْ نَفْسي


1739 - عن عائشة رضي الله عنها، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسي» متفق عليه.
قالَ العُلَمَاءُ : مَعْنَى «خَبُثَتْ»: غَثَتْ، وَهُوَ مَعْنَى: «لَقِسَتْ» وَلَكِنْ كَرِهَ لَفْظَ الخُبْثِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- أحياناً يصيب الإنسان كتمة يسميها الناس كتمة، فتضيق عليه الدنيا بدون أن يعرف سببا لذلك، فيقول (خبثت نفسي)، وخبثت يعني صارت خبيثة، وهذه كلمة مكروهة.
- نهى النبي ﷺ أن يقول الرجل (خبثت نفسي)، ولكن يقول (لقست)، ولقست بمعنى خبثت، ولكنها في اللفظ تخالفها، فهي أهون منها وأيسر، وفي هذا الحديث دليل على اجتناب الألفاظ المكروهة وإبدالها بألفاظ غير مكروهة وإن كان المعنى واحدًا؛ لأنّ اللفظ قد يكون سببا للمعنى .
- الإنسان يكره له أن يطلق ألفاظا مكروهة على معاني صحيحة، بل يبدلها بألفاظ محبوبة للنفوس.
قال ابن باز ﵀:
- هذه الشريعة العظيمة جاءت بترغيب الناس في محاسن الأقوال والأعمال وفي تحذيرهم من خبيث القول والعمل، فلا يقول خبثت نفسي، ولكن يقول، لقست، يعني تغيرت، تتغير نفسي، أو تتكدر، أو لقست نفسي؛ لأنّ كلمة الخبث مستبشعة، فلهذا كرهها النبي ﷺ.

باب كراهة تسمية العنب كرمًا


1740 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ، فَإنَّ الكَرْمَ المُسْلِمُ» متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية: «فَإنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المُؤمِنِ». وفي رواية للبخاري ومسلم: «يَقُولُونَ الكَرْمُ، إنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المُؤْمِنِ».
1741 - وعن وائلِ بنِ حُجرٍ - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ تَقُولُوا: الكَرْمُ، وَلكِنْ قُولُوا: العِنَبُ، والحَبَلَةُ» . رواه مسلم.
«الحَبَلَةُ» بفتح الحاء والباء، ويقال أيضًا بإسكان الباء.
قال ابن عثيمين ﵀:
- والكرم كما قال النبي ﷺ هو المؤمن أو قلب المؤمن؛ لأنه مأخوذ من الكرم والكرم هو وصف محبوب يوصف به المؤمن ولاسيما إذا كان جوادا باذلا للخير بجاهه أو بماله أو علمه فإنّه أحق بهذا الوصف من العنب.
- هذا العنب قد يتخذ شراباً خبيثاً محرما لأن العنب ربما يتخذ منه الخمر نسأل الله العافية يعصر ويخمر فيكون خمرا خبيثا لهذا نهى النبي ﷺ أن يسمى العنب كرما.
- ما يوجد في بعض الكتب المؤلفة في الزراعة ونحوها يقال شجر الكرم أو الكروم أو نحو ذلك داخل في هذا النهي فلا ينبغي أن يسمي العنب أو أشجار العنب بالكرم أو بالكروم بل يقال الأعناب والعنب والحبلة وما أشبه ذلك .
قال ابن باز ﵀:
- الأفضل والسنة أن يطلق هذا اللفظ على قلب المؤمن؛ لأن الله أكرمه بالتقوى والتوحيد والدين، فهو كريم على الله، وقلبه هو الكرم، كل هذا من الآداب في الألفاظ.

باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلاَّ أن يحتاج إلى ذلك لغرض شرعي كنكاحها ونحوه


1742 - عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُبَاشِرِ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَصِفَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا». متفق عليه.
قال ابن عثيمين ﵀:
- لا يجوز للإنسان أن يصف امرأة لرجل فيقول صفتها كذا كالطول والحسن والبياض وما أشبه ذلك إلا إذا كان هناك موجب شرعي مثل أن يكون هذا الرجل يريد أن يتزوجها فيصفها له أخوها مثلا من أجل أن يقدم أو يترك لأن هذا لا بأس به.
- يجوز للخاطب إذا خطب امرأة أن ينظر إليها من أجل أن يكون هذا أدعى لقبوله أو رفضه، ولهذا نهى النبي ﷺ المرأة أن تصف المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها وهذا كما أنه محرم فهو من جهة الزوجة ضرر عليها، وذلك لأنّه إذا وصفت المرأة لزوجها فربما يرغب فيها ويتزوجها عليها ويقع بينهما مشاكل كما هي العادة، ولا يعني هذا أن الإنسان يدع التعدد تعدد الزوجات خوفا من ذلك لأن التعدد مشروع إذا قدر الإنسان على ذلك في بدنه وماله وعدله فإنه يشرع له أن يكثر الزوجات ليكثر النسل وتكثر الأمة الإسلامية لكن إذا كان يخشى ألا يعدل فقد قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا﴾ [النساء: 3].
- لا يجوز للإنسان أن يصف المرأة لرجل أجنبي منها إلا إذا كان هناك موجب شرعي، ومن ذلك ما يفعله بعض السفهاء بحيث يفتخر عند أصحابه وزملائه يقول: امرأتي جميلة يعني يفتخر بجمال زوجته، ووجها كذا وعينها كذا وفمها كذا وما أشبه ذلك فإن هذا من المحرم؛ لأنّ النبي ﷺ نهى عنه.
قال ابن باز ﵀:
- النهي عن وصف المرأة للرجل كأنه يشاهدها؛ لأن هذا قد يفتنه، قد يسبب شرًا من تعلق قلبه بها، فلا يجوز هذا الكلام إلا من حاجة، كأن يخطبها للزواج، بين صفاتها للخطبة لحاجة، أما لغير حاجة فلا؛ لأن هذا قد يفتن الرجل، قد يسبب تعلقه بها، قد يقع بسببها فيما لا ينبغي.