باب كراهة قول الإنسان: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ بل يجزم بالطلب


1743 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِم المَسْأَلَةَ، فَإنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ ». متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: «وَلكِنْ لِيَعْزِمْ وَلْيُعَظمِ الرَّغْبَةَ فَإنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ».
1744 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «إذا دَعَا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِم المَسْأَلَةَ، وَلاَ يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ، فَأَعْطِنِي، فَإنَّهُ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ». متفق عليه.
قال ابن عثيمين ﵀:
- لا ينبغي للإنسان أن يقول: "اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت"، بل هذا حرام؛ لأن قول القائل "إن شئت"، كأنّه يقول إن شئت اغفر لي، وإلا ما يهمني، كأنّه يقول أنا في غنى عنك، كما تقول لصاحبك إن شئت فزرني، يعني وإن شئت فلا تزرني، فأنا لست في حاجة إليك، ولهذا كان قول القائل "اللهم اغفر لي إن شئت" حرامًا.
- لا يقول الإنسان "اللهم ارحمني إن شئت"، بل يعزم؛ لأنه يسأل جوادًا كريمًا غنيًا حميدًا؛ ولأنه مفتقر إلى الله، فليكن عازمًا في الدعاء يقول: "اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني"، بدون إن شئت.
- لا يقول الإنسان: "اغفر لي إن شاء الله"، أو يقول الإنسان: "غفر الله لك إن شاء الله، هداك الله، إن شاء الله "،كل هذا لا يقال، وإنما يجزم الإنسان، ويعزم. وبيَّن النبي ﷺ ذلك؛ لأن فيه محظورين:
• الأول: قال ﷺ: (وليعزم المسألة فإن الله لا مكره له) يعني الله إن غفر لك فمشيئته، أو رحمك فمشيئته، لا أحد يكرهه على ذلك، فهو يفعل ما يشاء ويختار، لا مكره له حتى تقول إن شئت.
• الثاني: يقول الإنسان "إن شئت" كأنه يتعاظم الشيء، فيقول: "إن شئت فأت به، وإن شئت فلا تأت به"، والله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه، مهما عظم الشيء، فإن الله تعالى غني كريم يعطي الكثير ويترك القليل.
- من ذلك أيضا ما يقوله بعض الناس وأظنهم من الصوفية "اللهم إني لا أسألك رد القضاء، ولكني أسألك اللطف فيه"، فإن هذا حرام، كيف لا تسأل الله رد القضاء، وهل يرد القضاء إلا الدعاء! كما جاء في الحديث (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وكأنك إذا قلت اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه، كأنك تقول يا ربي عذبني، ولكن ارفق بي، يا رب أهلك أحبابي، ولكن ارفق، وما أشبه ذلك، كل هذه الأدعية يجب على الإنسان أن يتوخى فيها ما جاء في الكتاب والسنة وما كان بمعنى ذلك.
قال ابن باز ﵀:
- فيه الدلالة على أنّه ينبغي للداعي أن يعزم الرغبة فيما عند الله، وأن لا يستثني، فإذا دعا ربه فليجزم وليعظم الرغبة، فإن الله سبحانه هو الجواد الكريم لا يتعاظمه شيء أعطاه جل وعلا، فلا يقول : "اللَّهُمَّ اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، اللهم أعطني كذا إن شئت"، لا، يعزم المسألة، يقول: "اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم أنجني من النار"، يجزم لا يعلق، كأنه إذا علق المعنى إن أعطيتني، ولا ليس لي حاجة، أنا مستغني، ما يصلح هذا، أنت في فقر إلى الله، في حاجة إلى الله، وفي ضرورة إلى ربك، فلا تعلق، واسأل الله بأسمائه وصفاته؛ لأنك مضطر إليه، وأنت الفقير إليه سبحانه، هو الغني عنك جل وعلا؛ ولهذا أمر الرسول ﷺ بالجزم والعزم وعدم التعليق.

باب كراهة قول: ما شاء اللهُ وشاء فلان


1745 - عن حُذَيْفَةَ بنِ اليمانِ - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلاَنٌ؛ وَلكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شَاءَ فُلاَنٌ». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قال ابن عثيمين ﵀:
- يعني أنك إذا تقول: "ما شاء الله وشاء فلان، أو ما شاء الله وشئت"، أو ما أشبه ذلك؛ لأن الواو تقتضي التسوية، إذا قلت: "ما شاء الله وشاء فلان" كأنك جعلت فلانًا مساويًا لله في المشيئة، والله تعالى وحده له المشيئة التامة، يفعل ما يشاء الله، ولكن أرشد النبي ﷺ لما نهى عن ذلك إلى قول مباح، فقال: (ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان)؛ لأنّ (ثم) تقتضي الترتيب بمهلة، يعني أن مشيئة الله فوق مشيئة فلان.
- إنّ رجلاً قال للنبي ﷺ: "ما شاء الله وشئت"، قال ﷺ: (أجعلتني لله ندًا!)، ينكر عليه، (بل قل ما شاء الله وحده)، فهاهنا مراتب:
• المرتبة الأولى: أن يقول: "ما شاء الله وحده"، وهذه كلمة فيها تفويض الأمر إلى الله، واتفق عليها المسلمون، كل المسلمين يقولون: "ما شاء الله كان، وما لم يشاء لم يكن".
• المرتبة الثانية: أن يقول: "ما شاء الله، ثم شاء فلان"، فهذه جائزة، أجازها النبي ﷺ ، وأرشد إليها.
• المرتبة الثالثة: أن يقول: "ما شاء الله وشاء فلان"، فهذه محرمة، ولا تجوز؛ وذلك لأنّ الإنسان جعل المخلوق مساوي للخالق في المشيئة.
• المرتبة الرابعة: أن يقول: "ما شاء الله، فشاء فلان"، بالفاء، فهذه محل نظر؛ لأن الترتيب فيها وارد بمعنى أنّك إذا قلت فشاء، فالفاء تدل على الترتيب، لكنها ليس كـ ثم؛ لأن ثم تدل على الترتيب بمهلة، وهذه تدل على الترتيب بتعقيب، ولهذا فهي محل نظر، ولهذا لم يرشد إليها النبي ﷺ.
- فيه دليلٌ على أنّ الإنسان إذا ذكر للناس شيئًا لا يجوز، فليبين لهم ما هو جائز؛ لأنّه قال: (لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان)، وهكذا ينبغي لمعلم الناس إذا ذكر لهم الأبواب الممنوعة، فليفتح لهم الأبواب الجائزة، حتى يخرج الناس من هذا إلى هذا.
قال ابن باز ﵀:
- فيه دليلٌ على أنّه لا يجوز أن يقال: "ما شاء الله وشاء فلان"، ولا أن يقال: "لولا الله وفلان، أو هذا من الله ومن فلان"، ولكن يقال: "ما شاء الله ثم شاء فلان، لولا الله ثم فلان، هذا من الله ثم من فلان"، هكذا جاءت السُّنَّة.

باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة


والمُرادُ بِهِ الحَديثُ الذي يَكُونُ مُبَاحًا في غَيرِ هذَا الوَقْتِ، وَفِعْلُهُ وَتَرْكُهُ سواءٌ. فَأَمَّا الحَديثُ المُحَرَّمُ أو المَكرُوهُ في غير هذا الوقتِ، فَهُوَ في هذا الوقت أشَدُّ تَحريمًا وَكَرَاهَةً. وأَمَّا الحَديثُ في الخَيرِ كَمُذَاكَرَةِ العِلْمِ وَحِكايَاتِ الصَّالِحِينَ، وَمَكَارِمِ الأخْلاَقِ، والحَديث مع الضَّيفِ، ومع طالبِ حَاجَةٍ، ونحو ذلك، فلا كَرَاهَة فيه، بل هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وكَذَا الحَديثُ لِعُذْرٍ وعَارِضٍ لا كَراهَةَ فِيه. وقد تظاهَرَتِ الأحَاديثُ الصَّحيحةُ على كُلِّ ما ذَكَرْتُهُ.
1746 - عن أبي بَرْزَةَ - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكرهُ النَّومَ قَبْلَ العِشَاءِ والحَديثَ بَعْدَهَا. متفقٌ عليه.
1747 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى العِشَاء في آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قال: «أرأيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هذِه؟ فَإنَّ عَلَى رَأسِ مِائَةِ سَنَةٍ لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ علَى ظَهْرِ الأرْضِ اليَومَ أحَدٌ». متفق عليه.
1748 - وعن أنس - رضي الله عنه: أنَّهم انتظروا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءهُمْ قَريبًا مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ فَصَلَّى بِهِمْ - يَعْنِي: العِشَاءَ - ثمَّ خَطَبنا فقالَ: «ألاَ إنَّ النَّاسَ قَدْ صَلُّوا، ثُمَّ رَقَدُوا، وَإنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ». رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (أنّ النبي ﷺ كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها) وذلك لأنّ النوم قبل العشاء يؤدي إلى الكسل إذا قام ليصلي، وربما استغرق به النوم حتى أخر الصلاة عن وقتها، فلذلك كان النبي ﷺ يكره النوم قبل صلاة العشاء؛ من أجل أن يكون الإنسان نشيطًا، وأما النعاس فهذا ليس باختيار الإنسان، ولا يضره.
- الشاهد من هذا الحديث قوله ﷺ: (والحديث بعدها) فإنّ الحديث بعد العشاء كرهه النبي ﷺ، وأما إذا كان في خير فإنه لا بأس به، ولهذا كان النبي ﷺ يحدث أصحابه بعد صلاة العشاء وينصحهم، ويبين لهم.
قال ابن باز ﵀:
- السمر بعد العشاء في درس القرآن، درس العلوم الشرعية، في محاضرات، ندوات علمية، مع الضيف، مع الأهل، لا حرج في ذلك، إنّما المكروه السمر في القيل والقال، في الشيء الذي لا حاجة إليه، ولهذا نصحهم النبي ﷺ بعد صلاة العشاء لما تأخر بعض الليالي قال ﷺ: (ألا إنّ الناس قد صلوا، ثم رقدوا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة)، فدل على أنّ ما دام ينتظرها فهو في صلاة، وله أجر المصلين.

باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها إِذَا دعاها ولم يكن لَهَا عذر شرعي


1749 - عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأبَتْ أن تجيء ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبحَ». متفق عَلَيْهِ.
وفي رواية: «حَتَّى تَرْجعَ».

باب تحريم صوم المرأة تطوعًا وزوجها حاضر إِلاَّ بإذنه


1750 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإذْنِهِ، وَلاَ تَأذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ بِإذْنِهِ» متفق عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح أو قال حتى ترجع) وذلك أنّ الواجب عليها إذا دعاها الرجل إلى حاجته أن تجيبه، إلا إذا كان هناك عذر شرعي، كما لو كانت مريضة لا تستطيع معاشرته إياها، أو كان عليها عذر يمنعها من الحضور إلى فراشه، فهذا لا بأس، وإلا فإنّه يجب عليها أن تحضر، وأن تجيبه، وإذا كان هذا في حق الزوج على الزوجة، فكذلك ينبغي للزوج إذا رأى من أهله أنّهم يريدون التمتع، فإنه ينبغي أن يجيبهم ليعاشرها، كما تعاشره، فإنّ الله تعالى قال: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19].
- (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) الصيام نوعان:
• الأول: صيام واجب، فلها أن تصوم بغير إذن زوجها. فمثلا إذا كانت المرأة عليها من رمضان عشرة أيام ولم يبق على رمضان الثاني إلا عشرة أيام، فهنا تصوم، سواء أذن أم لم يأذن، بل لو منعها من الصوم فلها أن تصوم؛ لأن هذا واجب. أما إذا كان عليها عشرة أيام من رمضان، وقد بقى على رمضان الثاني شهر أو شهران أو أكثر، فله أن يمنعها من الصوم، ولا يحل لها أن تصوم إلا بإذنه، وذلك أن الوقت واسع، وإذا كان واسعًا فلا ينبغي لها أن تضيق على زوجها.
• الثاني: صوم تطوع، فلا تصوم إذا كان شاهدا إلا بإذنه، أما إذا كان غائبا فهي حرة، لكن إذا كان شاهدا فلا تصم؛ لأنه ربما يدعوها إلى حاجته وهي صائمة فيقع في حرج، وتقع هي كذلك في حرج.
- (ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) يعني لا تدخل أحدا إلى البيت إلا بإذنه، فإن منعها أن تدخل أحدًا معينًا، وقال: "فلان لا يدخل علي"، حرم عليها أن تدخله بيته؛ لأن البيت له، وأما إذا كان رجلا واسع الصدر، كريم النفس، فلا يلزمها أن تستأذنه لكل واحد.
قال ابن باز ﵀:
- الدلالة على وجوب السمع والطاعة من الزوجة لزوجها، إذا دعاها لحاجته، أو أمرها بشيء، عليها السمع والطاعة في المعروف، وإذا دعاها إلى حاجته للفراش ليلاً أو نهاراً، أن عليها الإجابة، وليس لها الامتناع، وهكذا بقية الحاجات التي من شأنها أن تقوم بها الزوجة، إلا من عذر شرعي، كالحيض والنفاس، فإنّ المرأة لا توطأ في الحيض ولا في النفاس، وهكذا في الإحرام، هكذا إذا كانت مريضة يضرها الجماع إذا كان لها عذر شرعي لا حرج، والواجب عليه أن يعذرها ولا يكلفها ما يشق عليها أو ما حرم الله عليها.
- ليس لها أن تصوم إلا بإذنه، إذا كان حاضراً؛ لأنّ الصوم قد يحول بينه وبين حاجاته، إلا رمضان، كما في الرواية الأخرى: (إلا رمضان)، رمضان تصوم ولو لم يرض، لكن لا تتطوع إلا بإذنه، إذا كان حاضراً، أما إذا كان غائباً مسافرا،ً أو هي عند أهلها لأسباب، فلا بأس تصوم بغير إذن، لكن إذا كانت عنده وهو حاضر ليس لها أن تصوم إلا بإذنه، إلا رمضان، وهكذا الكفارات الواجبة عليها أن تصومها.

باب تحريم رفع المأموم رأسه من الركوع أَو السجود قبل الإمام


1751 - عن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أمَا يَخْشَى أحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللهُ رَأسَهُ رَأسَ حِمَارٍ! أَوْ يَجْعَلَ اللهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ». متفق عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- تحريم رفع المأموم رأسه قبل إمامه في الركوع والسجود، وذلك أنّ المأموم مأمور بأن يتابع الإمام، فلا يتقدم عليه، ولا يتأخر عنه، ولا يوافقه، ولكن يتابعه:
• أما سبقه: أي التقدم عليه فإن كان في تكبيرة الإحرام لم تنعقد الصلاة، وإن كان في الركوع أو السجود وهو متعمد، يعلم أن ذلك حرام، فصلاته باطلة، تبطل صلاته؛ لأنه فعل فعلا محرما في الصلاة فبطلت صلاته، كما لو تكلم،
• أما الموافقة: بأن يشرع من الإمام إذا شرع في الشيء، مثلاً يركع مع ركوع الإمام، يسجد مع سجوده، يقوم مع قيامه، فهذا إن كان في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، وإن كان في غيرها فهو منهي عنه، قال بعضهم: مكروه، وقال بعضهم: حرام.
• أما التأخر عن الإمام: كما يفعله بعض الناس إذا سجد، وقام الإمام من السجود تجده يبقى ساجدا، يزعم أنّه يدعو الله، وأنّه في خير ودعاء، نقول نعم أنت في خير ودعاء لو كنت وحدك، أما وأنت مع الإمام فإن تأخرك عن الإمام مخالف لهدي النبي ﷺ؛ لقوله ﷺ: (فإذا ركع فاركعوا)، والفاء تدل على الترتيب والتعقيب، فالمشروع للإنسان أن يبادر، وألا يتأخر.
قال ابن باز ﵀:
- يجب على المأموم أن يتابع إمامه من دون مسابقة، ولا موافقة، بل متابعة، فليس له أن يسبقه لا في خفض ولا رفع، وليس له أن يوافقه أيضاً بل يكون بعده؛ لقوله ﷺ: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر)، فهو متابع، ليس له أن يسبق إمامه، ولا أن يوافق إمامه، وكثير من الناس تغلب عليه العجلة، فيرفع قبل إمامه أو مع إمامه أو يسجد معه أو يركع معه، هذا لا يجوز.
- الواجب الأناة والصبر حتى يستمر راكعاً ينقطع صوته ثم تركع وهكذا السجود حتى يستوي جالساً ثم ترفع إذا انقطع صوته، وهكذا في السجود لا تسجد قبله، يجب عليك أن تراعي صوته وفعله، فإذا انقطع صوته تنتقل، وإذا كنت تشاهد الفعل عملت به، يعني: شاهدته إذا رفع استوى رافعاً من الركوع رفعت، إذا استوى رافعاً من السجود رفعت، ولو ما سمعت الصوت.

باب كراهة وضع اليد عَلَى الخاصرة في الصلاة


1752 - عن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن الخَصْرِ في الصَّلاَةِ. متفق عَلَيْهِ.

باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إِلَيْهِ أَوْ مَعَ مدافعة الأخبثين : وهما البول والغائط


1753 - عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «لا صَلاَةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الخاصرة ما بين الحقو وأسفل الأضلاع، وذلك أن الإنسان مأمور إذا كان في صلاته أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى أو على الرسغ، أي ما بين الكف والذراع ويرفعهما على صدره هذه هي السنة يفعل ذلك في القيام قبل الركوع وبعد الركوع وأما وضعها على الخاصرة فإن النبي ﷺ نهى عن ذلك ولها صورتان:
• الصورة الأولى: أن يضع اليد اليسرى أو اليمنى على الخاصرة.
• الصورة الثانية: أن يضع اليد اليمنى على اليسرى، ويجعلها على قلبه.
- (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) يعني إذا قدم الطعام للإنسان وهو يشتهيه، فإنه لا يصلي حتى يقضي حاجته منه ،حتى ولو سمع الناس يصلون في المسجد، فله أن يبقى ويأكل حتى يشبع، فقد كان ابن عمر ﵄ يسمع قراءة الإمام يصلي وهو يتعشى ولا يقوم حتى يفرغ، وذلك لأن الإنسان إذا دخل في الصلاة وهو مشغول القلب فإنه لا يطمئن في صلاته، ولا يخشع فيها، يكون قلبه عند طعامه، والإنسان ينبغي له أن يصلي وقد فرغ من كل شيء، ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ‎٧‏ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب‎﴾ [الشرح: 7-8]، ولكنه لا ينبغي أن يجعل ذلك عادة له بحيث لا يقدم عشاءه أو غداءه إلا عند إقامة الصلاة .
- (لا يصلي وهو يدافعه الأخبثان البول والغائط) فإن هذا أيضا يذهب الخشوع؛ لأنه لا يدري الإنسان أيدافع البول والغائط الذي حاصره؟ أم يقبل على صلاته؟ ولأن حبس البول أو الغائط يضر البدن، فإن الله جعل للبول والغائط أمكنة، متى امتلأت فلابد من إخراجها، فكون الإنسان يحبس ذلك فهذا ضرر عليه.
- إذا قال قائل لو ذهبت أقضي الحاجة فاتتني الصلاة مع الجماعة، قلنا لا بأس اذهب واقض حاجتك، ولو فاتتك صلاة الجماعة.
قال ابن باز ﵀:
- نهى ﷺ عن الاختصار في الصلاة، وهو أن يضع يده على خاصرته، هذا خلاف السُّنَّة؛ لأن السُّنَّة أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى في الصلاة على صدره، أو يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، أما وضع اليد على خاصرته هذا خلاف السُّنَّة، وروي أن ذلك فعل اليهود وأنه تشبه باليهود في صلاتهم، فلا يجوز للمسلم فعل ما نهى الله عنه؛ لأنّه خلاف الهيئة المشروعة، ولأنّه تشبه باليهود في الاختصار.
- (لا صلاة بحضرة طعام) وفي اللفظ الآخر: (إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشاءكم)، وما ذاك إلا لأن تقديم العشاء يجعله يتعلق به، ويصلي صلاة ليس فيها الخشوع المطلوب، بل قلبه معلق بالطعام الذي قدم، فيبدأ به، لكن لا يتخذها عادة، فإنّ هذا معناه العزم على التخلف عن الصلاة في الجماعة، لكن إذا صادف، قدم العشاء أو الغداء قبل الظهر، أو مع العصر قدم، لا يذهب ونفسه متعلقة به، أما إذا كان لا رغبة له فيه، ليس عنده رغبة في الأكل فلا يضر؛ لأنه لا يتعلق به حينئذ شيء.
- المقصود من هذا: أن يأتي الصلاة وهو مقبل عليها، مشغول بها، مطمئن فيها، خاشع فيها لربه، قد جمع قلبه عليها، فإذا أتى إليها وهو يدافع الأخبثين، أو قام إليها بحضرة الطعام، شغل، وأخذ ذلك شعبة من قلبه، وشوش عليه صلاته.

باب النهي عن رفع البصر إِلَى السماء في الصلاة


1754 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ أقْوامٍ يَرْفَعُونَ أبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ!» فَاشْتَدَّ قَولُهُ في ذَلِكَ حَتَّى قَالَ:
«لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لَتُخطفَنَّ أَبْصَارُهُمْ!». رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) وهذا وعيد، يدل على أنّه يحرم على الإنسان أن يرفع بصره إلى السماء وهو يصلي، وقد رأيت بعض الناس إذا رفع من الركوع قال "سمع الله لمن حمده"، رفع بصره ووجهه، وهذا حرام عليه، حتى إن بعض العلماء قال: "إن فعل بطلت صلاته؛ لأنه ارتكب منهيا عنه نهيًا خاصًا في الصلاة، وإن هذا سوء أدب مع الله، وأن الإنسان مأمور بأن يستقبل القبلة بجميع بدنه، فإذا رفع بصره إلى السماء صار وجهه إلى السماء لا إلى القبلة فتبطل صلاته "، والمطلوب من المرء وهو يصلي أن يخشع، ويطأطأ رأسه.
• إذا قال قائل إذًا أين أضع بصري؟ قلنا: ضع بصرك حيث كان سجودك، إلا في حال رفع السبابة في الدعاء، في التشهد، فانظر إلى السبابة؛ لأنّ النبي ﷺ حين رفعها لا يتجاوز بصره إشارته، واستثنى بعض العلماء من ذلك النظر إلى الإمام ليقتدي به، لاسيما إذا كان الإنسان لا يسمع، ولا يمكن اقتداؤه بإمامه إلا بالنظر، فإنه ينظر إليه؛ لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك.
قال ابن باز ﵀:
- إذا كان يصلي يطرح بصره إلى الأرض لا يرفعه إلى السماء؛ لأن رفعه إلى السماء يشوش عليه صلاته، وقد يشتغل عنها فينظر إليه، لكن إذا طرح إلى موضع سجوده صار أجمع إلى قلبه على صلاته وأقل للعبث أو الوسوسة، بل يكون خاشعاً مطمئناً بصره خاشع مطروح ليس بمتشعب هكذا وهكذا .

باب كراهة الالتفات في الصلاة لغير عذر


1755 - عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: سألت رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الالتفَاتِ في الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ». رواه البخاري.
1756 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكَ والالتِفَاتَ فِي الصَّلاَةِ، فَإنَّ الالتفَاتَ في الصَّلاَةِ هَلَكَةٌ، فَإنْ كَانَ لاَ بُدَّ، فَفِي التَّطَوُّعِ لاَ في الفَريضَةِ». رواه الترمذي،وقال: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- الإنسان إذا قام يصلي فإنّه بين يدي الله، فلا ينبغي له أن يلتفت لا بقلبه ولا بوجهه إلى غير الله:
• أما الالتفات في القلب: فهو أنّ الإنسان يفكر في غير ما يتعلق بالصلاة، مثل: الهواجس التي تعتري كثيرًا من المصلين، فإن هذا الالتفات في القلب هو أشد إخلالا للصلاة من الالتفات بالبدن؛ لأنّه ينقص من أجر الصلاة، حتى إن الإنسان ينصرف من صلاته ما كتب له إلا عشرها أو أقل، حسب حضور قلبه.
• أما الالتفات بالوجه: فهو أن يلتفت الإنسان بليّ عنقه يمينًا أو شمالًا؛ وذلك لأن الإنسان مأمور في صلاته أن يكون وجهه تلقاء القبلة، لا يميل يمينًا ولا شمالًا، فإن فعل، فقد سألت عائشة  النبي ﷺ عن الالتفات في الصلاة فقال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد).
- (الاختلاس) أخذ الشيء بخفية، يعني أن الشيطان يتسلط على الإنسان في صلاته، فيؤدي إلى أن يتلفت يمينًا أو شمالًا لأجل أن ينقص أجره، فإن الله مقبل على العبد بوجهه، فإذا أعرض الإنسان عن ربه فإنه يوشك أن يعرض الله عنه.
- (إن الالتفات في الصلاة هلكة) ولكن إذا كان هناك حاجة فلا بأس، كما لو سمعت صوت حيوان يريد أن يعدو عليك والتفت فلا بأس، أو إنسانا في حاجة مهمة والتفت فلا بأس، بشرط أن يكون الالتفات بالرأس فقط، وأما الالتفات بالبدن فإنه يبطل الصلاة؛ لأنه انحراف عن القبلة، ومن شروط الصلاة استقبال القبلة.
- يوجد بعض الناس لا يلتفت بالعنق، ولكن يلتفت بالبصر، تجده يجعل بصره يحوم يمينًا وشمالًا، إن قام أحد نظر إليه، وإن تحرك نظر إليه، وهذا لا شك ينقص أجر الصلاة، فعلى الإنسان أن يكون بصره تلقاء وجهه، أن ينظر إلى محل سجوده، ولا ينظر يمينًا ولا شمالًا.
قال ابن باز ﵀:
- -الالتفات في الصلاة، بين النبي ﷺ أنّه اختلاس، يختلسه الشيطان من صلاة العبد، فينبغي للمؤمن أن يحذر ذلك إلا من حاجة، فإن كان لا بد، ففي التطوع، فالصديق ﵁ لما صلى بالناس عند غيبة النبي ﷺ، فلما جاء النبي ﷺ وقد دخل الصديق في الصلاة جعل الناس يصفقون تنبيهاً للصديق أن الرسول ﷺ حضر، فلما رآهم أكثروا التفت فرأى النبي ﷺ، فأشار له النبي ﷺ أن يبقى، فلم يبق بل تأخر وتقدم النبي ﷺ وصلي بالناس، وقال ﷺ: (إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال ولتصفق النساء). بدلا من الالتفات والتصفيق، ولم ينكر النبي ﷺ التفات الصديق من أجل الحاجة، مثل إنسان يصلي فسمع حركة عن يمينه أو عن شماله يخشى منها، فالتفت لا حرج للحاجة في الفرض والنفل، وفي النفل أوسع .

باب النهي عن الصلاة إِلَى القبور


1757 - عن أَبي مَرْثَدٍ كَنَّازِ بْنِ الحُصَيْنِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «لا تُصَلُّوا إِلَى القُبُورِ، وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا». رواه مسلم.
قال ابن باز ﵀:
- يدل على تحريم الصلاة إلى القبور، والجلوس عليها، فالواجب على المسلم يبتعد عن القبور عند الصلاة، لا يصلي فيها، ولا إليها، يقول النبي ﷺ: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فالقبور لا يصلى عندها، ولا يتخذ مساجد ولا يصلى إليها ولا يقعد عليها؛ لأن القعود عليها امتهان؛ ولأن الصلاة عندها وإليها وسيلة إلى الشرك، واتخاذ المساجد عليها وسيلة إلى الشرك، فلا يجوز.
- المقابر تزار للسلام على الأموات، والدعاء لهم، والترحم عليهم، وتذكر الآخرة والموت، لكن لا يصلى عندها ولا يصلى إليها، ولا يتخذ عليها، مساجد، ولا يجلس عندها للقراءة ونحوها، كل هذا من المنكرات، ومن وسائل الشرك.

باب تحريم المرور بَيْنَ يدي المصلِّي


1758 - عن أَبي الجُهَيْمِ عبد اللهِ بن الحارِثِ بن الصِّمَّةِ الأنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ».
قَالَ الراوي: لا أدْرِي قَالَ: أرْبَعينَ يَومًا، أَوْ أرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أرْبَعِينَ سَنَةً. متفق عَلَيْهِ.
قال ابن باز ﵀:
- لا يجوز للمسلم أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي؛ لأنه يشوش عليه صلاته، لكن إذا كان بعيداً فوق ثلاثة أذرع لا بأس، أو بينه وبينه سترة، ومر من وراء السترة لا بأس، كأن يكون عمود أو كرسي أو عنزة عصا إذا مر من ورائها لا حرج، أما أن يمر بين المصلي وبين السترة هذا لا يجوز، أو قريباً منه إذا كان ما عنده سترة يمر قريباً منه لا يجوز؛ لقوله ﷺ في الحديث الصحيح: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؛ يعني: من الإثم لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه).
- يقول ﷺ: (يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود). هذه الثلاث تقطع الصلاة إذا مرت قريب منه أو بينه وبين السترة، المرأة البالغة الحائض، والحمار، والكلب الأسود، هذه الثلاث تقطع الصلاة تبطلها، أما مرور الرجل أو الكلب غير الأسود أو بعض الدواب الأخرى لا تقطع، لكن يردها لا تمر بين يديه، يحاول أن لا تمر بين يديه.

باب كراهة شروع المأموم في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة الصلاة، سواء كَانَتْ النافلة سنة تلك الصلاة أَوْ غيرها


1759 - عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ المَكْتُوبَةَ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- يعني أنه إذا أقيمت الصلاة، فإنه لا يشرع المأموم في نافلة، سواء كانت هذه النافلة تحية مسجد، أو تطوعًا مطلقًا، أو راتبة تلك الصلاة، مثل أن تحضر لصلاة الفجر، وتقام الصلاة، فلا يجوز أن تصلي سنة الفجر؛ لأنه أقيمت الصلاة، ودليل ذلك حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) فقوله ﷺ: (لا صلاة) عام يشمل أي صلاة كانت، حتى لو كان على الإنسان فريضة فائتة نسيها ولم يذكرها إلا حين أقيمت الصلاة، فإنه لا يصليها، ولكن يدخل مع الإمام بنية تلك الفريضة التي فاتته، ولا ينفرد عن الناس، فمثلا إذا أقيمت صلاة العصر، ودخلت المسجد وأنت لم تصل الظهر، فلا تصلي الظهر؛ لأنه أقيمت صلاة العصر، لكن ادخل معهم بنية الظهر، ثم إذا فرغت من صلاتك فصل العصر.
- إذا أقيمت الصلاة، وأنت قد شرعت في النافلة، فهل تكملها، أو تخرج منها؟ في هذا للعلماء قولان:
• القول الأول: أنّه إذا أقيمت الصلاة وأنت قد شرعت في النافلة فاقطعها، ولا تكملها مطلقًا.
• القول الثاني: كملها، ولو فاتتك ركعة، أو ركعتان، أو كل الصلاة، إلا مقدار تكبيرة الإحرام قبل السلام.
• الصحيح أن نقول: إذا أقيمت الصلاة وأنت في نافلة، فإن كنت في الركعة الأولى فاقطعها، وإن كنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة، وهذا هو الصحيح الذي يمكن أن تجتمع فيه الأدلة.
قال ابن باز ﵀:
- يدل على أنه لا يجوز البدء بالنافلة إذا أقيمت الصلاة، سواء كانت النافلة راتبة، أو تحية المسجد، أو غير ذلك، متى أقيمت الصلاة وجب الاستعداد لدخول الفريضة، ولا يشرع في النافلة لقوله ﷺ: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة). وهذا يعم جميع النوافل إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. وهذا ظاهره المنع والتحريم؛ يعني : معناه النهي، وإذا كان قد شرع فيها قطعها وإذا كان قد بقي ركعة أو أكثر يقطعها؛ لأنّ الركعة تسمى صلاة، أما إذا كان قد أنهاها فلا بأس، إذا كان في السجود أو بعد الركوع أو في السجود الأخير أو في التحيات كمل؛ لأن الصلاة أقلها ركعة، فإذا كان قد أنهاها وركع الركوع الثاني من التحية أو الراتبة كمل، أما إذا كان في أولها أو قد أدى الركعة الأولى فإنه يقطعها ويستعد للفريضة ولا يبتدئ.