تابع باب الصبر
32 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لعَبدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلاَّ الجَنَّةَ». رواه البخاري .
قال ابن عثيمين ﵁:
- فضيلة الصبر على قبض الصفي من الدنيا، وأن الله ﷿ يجازي الإنسان إذا احتسب، يجازيه الجنة.
- الإشارة إلى أفعال الله، من قوله: (إذا قبضت صفيه) ولا شك أن الله ﷿ فعال لما يريد، ولكن يجب علينا أن نعلم أن فعل الله تعالى كله خير، لا ينسب الشر إلى الله أبداً، والشر إذا وقع فإنما يقع في المفعولات ولا يقع في الفعل.
- المقدر عليه إذا قدر الله عليه شرا وصبر واحتسب نال بذلك خيراً، وإذا قدر الله عليه شرًا ورجع إلى ربه بسبب هذا الأمر، لأن الإنسان إذا كان في نعمة دائماً قد ينسي شكر المنعم ﷿ ولا يلتفت إلى الله، فإذا أصيب بالضراء تذكر ورجع إلى ربه ﷾، ويكون في ذلك فائدة عظيمة، أما بالنسبة للآخرين، فإن هذا المقدر على الشخص إذا ضره قد ينتفع به الآخرون.
قال ابن باز ﵁:
- هذا فضل من الله إذا توفى سبحانه صفي العبد كولده، أو أخيه، أو أبيه، أو أمه، أو زوجته، أو زوج المرأة، أو ما أشبه ذلك إذا احتسب المؤمن وصبر عند المصيبة ليس له جزاء عند الله إلا الجنة.
- لكن إذا جزع فعليه الجزع، ولا ينفعه الجزع، بل عليه الإثم، وإن صبر واحتسب فله الأجر العظيم.
33 - وعن عائشةَ - رضيَ الله عنها: أَنَّهَا سَألَتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطّاعُونِ ، فَأَخْبَرَهَا أنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً للْمُؤْمِنينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ في الطَّاعُونِ فيمكثُ في بلدِهِ صَابرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أنَّهُ لا يصيبُهُ إلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ إلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ الشّهيدِ. رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵁:
- إذا وقع الطاعون بأرض فإننا لا نقدم عليها؛ لأن الإقدام عليها إلقاء بالنفس إلى التهلكة، ولكنه إذا وقع في أرض فإننا لا نخرج منها فراراً منه؛ لأنك مهما فررت من قدر الله إذا نزل بالأرض فإن هذا الفرار لن يغني عنك من الله شيئاً.
قال ابن باز ﵁:
- فضل الصبر والاحتساب، وأن الإنسان إذا صبر نفسه في الأرض التي نزل فيها الطاعون ثم مات به، كتب الله له مثل أجر الشهيد؛ وذلك أن الإنسان إذا نزل الطاعون في أرضه فإن الحياة غالية عند الإنسان، سوف يهرب، يخاف من الطاعون، فإذا صبر واحتسب الأجر وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، ثم مات به، فإنه يكتب له مثل أجر الشهيد. وهذا من نعمة الله ﷿.
- فالواجب عند المصيبة احتساب الأجر والصبر، وهكذا إذا نزلت أمراض خطيرة كالطاعون إن وقع وهو في البلد؛ لا يخرج منها، وإن سمع به في بلد لا يقدم عليه كما قال ﷺ: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه) من باب اتقاء الأسباب، (وإذا وقع بأرض، وأنتم بها فلا تخرجوا منها).
- الإنسان تحت أقدار الله ليس له مفر من قدر الله، فعليه أن يصبر ويحتسب عند وجود البلاء، طاعون، أو أمراض عامة أخرى، أو حروب، أو غير ذلك، فعليه أن يضرع إلى الله ويسأله الصبر والتوفيق، ويسأله الإعانة على المصيبة ويتحمل ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها. كان ميتاً أو غيره.
34 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ الله - عز وجل - قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عبدي بحَبيبتَيه فَصَبرَ عَوَّضتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ» يريد عينيه، رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵁:
- قال: (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه) يعني عينيه فيعمي، ثم صبر، إلا عوضه الله بهما الجنة؛ لأن العين محبوبة للإنسان، فإذا أخذهما الله ﷿ وصبر الإنسان واحتسب، فإن الله يعوضه بهما الجنة، والجنة تساوي كل الدنيا، بل قد قال النبي ﷺ: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها).
- إذا اقتضت حكمته أن يفقد أحداً من عباده حاسة من الحواس، فالغالب أن الله تعالى يخلف عليه حاسة قوية وإدراكاً قويا يعوض بعض ما فاته مما أخذه الله منه.
قال ابن باز ﵁:
- من جزاء الصابرين على مصيبة العمى الجنة ونعم الجزاء، ونعم الثواب لمن صبر واحتسب واستقام على أمر الله.
35 - وعن عطَاء بن أبي رَباحٍ، أنه قَالَ: قَالَ لي ابنُ عَباسٍ رضي اللهُ عنهما: ألاَ أُريكَ امْرَأةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّة؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هذِهِ المَرْأةُ السَّوداءُ أتتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إنّي أُصْرَعُ ، وإِنِّي أتَكَشَّفُ، فادْعُ الله تَعَالَى لي. قَالَ: «إنْ شئْتِ صَبَرتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإنْ شئْتِ دَعَوتُ الله تَعَالَى أَنْ يُعَافِيكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إنِّي أتَكَشَّفُ فَادعُ الله أَنْ لا أَتَكَشَّف، فَدَعَا لَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- أهل الجنة ينقسمون إلى قسمين: قسم نشهد لهم بالجنة بأوصافهم، وقسم نشهد لهم بالجنة بأعيانهم.
أ- أما الذين نشهد لهم بالجنة بأوصافهم فكل مؤمن، كل متق، فإننا نشهد بأنه من أهل الجنة. كما قال الله ﷾ في الجنة:﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَﱠ﴾ [آل عمران: من الآية133]، وقال:﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمۡ خَیۡرُ ٱلۡبَرِیَّة ﴾﴿جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ (البينة: 7/8) فكل مؤمن متق يعمل الصالحات فإننا نشهد بأنه من أهل الجنة، ولكن لا نقول هو فلان وفلان؛ لأننا لا ندري ما يختم له، ولا ندري هل باطنه كظاهره، فلذلك لا نشهد له بعينه، فإذا مات رجل مشهود له بالخير قلنا: نرجو أن يكون من أهل الجنة، لكن لا نشهد أنه من أهل الجنة.
ب- قسم آخر نشهد له بعينه، وهم الذين شهد لهم النبي ﷺ بأنهم في الجنة، مثل العشرة المبشرين بالجنة.
- ثبت صرع الجنى للإنسي بالقرآن، والسنة، والواقع.
- هذا النوع من الصرع له علاج يدفعه، وله علاج برفعه، فهو نوعان:
أ- أما دفعه: فبأن يحرص الإنسان على الأوراد الشرعية الصباحية والمسائية.
ب- وأما الرفع: فهو إذا وقع بالإنسان فإنه يقرأ عليه آيات من القرآن فيها تخويف وتحذير وتذكير واستعاذة بالله ﷿ حتى يخرج.
- دليل على فضيلة الصبر، وأنه سبب لدخول الجنة.
قال ابن باز ﵁:
- فيه وعدها بالجنة على صبرها على ما أصابها من مس الجن؛ ولكن ليس معنى هذا أنها لا تطلب العافية، فطلب العافية مطلوب، ومن صبر واحتسب فله أجر عظيم، والمؤمن من صفته أنه صبور حليم؛ لكن إذا دعا ربه أن يكشف عنه البلاء فلا بأس دعا ربه أن يمن عليه بالعافية كما في الحديث الصحيح: (سلوا الله العافية فإنه لم يعط عبد شيئًا أفضل من العافية).
- الدعاء والضراعة إلى الله والعلاج والدواء كله لا ينافي الصبر.
- أهل الجنة ينقسمون إلى قسمين: قسم نشهد لهم بالجنة بأوصافهم، وقسم نشهد لهم بالجنة بأعيانهم.
أ- أما الذين نشهد لهم بالجنة بأوصافهم فكل مؤمن، كل متق، فإننا نشهد بأنه من أهل الجنة. كما قال الله ﷾ في الجنة:﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَﱠ﴾ [آل عمران: من الآية133]، وقال:﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمۡ خَیۡرُ ٱلۡبَرِیَّة ﴾﴿جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ (البينة: 7/8) فكل مؤمن متق يعمل الصالحات فإننا نشهد بأنه من أهل الجنة، ولكن لا نقول هو فلان وفلان؛ لأننا لا ندري ما يختم له، ولا ندري هل باطنه كظاهره، فلذلك لا نشهد له بعينه، فإذا مات رجل مشهود له بالخير قلنا: نرجو أن يكون من أهل الجنة، لكن لا نشهد أنه من أهل الجنة.
ب- قسم آخر نشهد له بعينه، وهم الذين شهد لهم النبي ﷺ بأنهم في الجنة، مثل العشرة المبشرين بالجنة.
- ثبت صرع الجنى للإنسي بالقرآن، والسنة، والواقع.
- هذا النوع من الصرع له علاج يدفعه، وله علاج برفعه، فهو نوعان:
أ- أما دفعه: فبأن يحرص الإنسان على الأوراد الشرعية الصباحية والمسائية.
ب- وأما الرفع: فهو إذا وقع بالإنسان فإنه يقرأ عليه آيات من القرآن فيها تخويف وتحذير وتذكير واستعاذة بالله ﷿ حتى يخرج.
- دليل على فضيلة الصبر، وأنه سبب لدخول الجنة.
قال ابن باز ﵁:
- فيه وعدها بالجنة على صبرها على ما أصابها من مس الجن؛ ولكن ليس معنى هذا أنها لا تطلب العافية، فطلب العافية مطلوب، ومن صبر واحتسب فله أجر عظيم، والمؤمن من صفته أنه صبور حليم؛ لكن إذا دعا ربه أن يكشف عنه البلاء فلا بأس دعا ربه أن يمن عليه بالعافية كما في الحديث الصحيح: (سلوا الله العافية فإنه لم يعط عبد شيئًا أفضل من العافية).
- الدعاء والضراعة إلى الله والعلاج والدواء كله لا ينافي الصبر.
36 - وعن أبي عبد الرحمنِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ - رضي الله عنه -أنه قَالَ: كَأَنِّي أنْظُرُ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِياءِ، صَلَواتُ الله وَسَلامُهُ عَلَيْهمْ، ضَرَبه قَوْمُهُ فَأدْمَوهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَومي، فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمونَ». مُتَّفَقٌ علَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- وفي قول عبد الله بن مسعود ﵁: (كأني انظر إلى النبي ﷺ وهو يحكي لنا)، فيه دليل على أن المحدث أو المخبر يخبر بما يؤيد ضبطه للخبر والحديث، فإذا استعمل الإنسان مثل هذا الأسلوب لتثبيت ما يحدث به فله في ذلك أسوة من السلف الصالح ﵃.
- العبرة من هذا أن نصبر على ما نؤذي به من قول أو فعل في سبيل الدعوة إلى الله، وأن نقول متمثلين: هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت.
- الإنسان مهما عمل فهو ناقص لا يمكن أن يكمل عمله أبداً، إلا أن يشاء الله، فإذا أصيب وأوذي في سبيل الدعوة إلى الله فإن هذا من باب تكميل دعوته ورفعة درجته، فليصبر وليحتسب ولا ينكص على عقبيه.
قال ابن باز ﵁:
- فالصبر والتأسي بهم مطلوب، ولا سيما إذا كان المدعو جاهلا فيدعى له، وإذا أخطأ يُتحمل ويدعى له بالهداية حتى يتبصر ويعرف الحق.
37 - وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضيَ الله عنهما، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حَزَنٍ، وَلاَ أذًى، وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
و «الوَصَبُ»: المرض.
قال ابن عثيمين ﵁:
- فيهما دليل علي أن الإنسان يكفر عنه بما يصيبه من الهم والنصب والغم وغير ذلك، وهذا من نعمة الله ﷾، يبتلي ﷾ عبده بالمصائب وتكون تكفيراً لسيئاته وحطا لذنوبه.
- فإذا أصبت بالمصيبة فلا تظن أن هذا الهم الذي يأتيك أو هذا الألم الذي يأتيك ولو كان شوكة، لا تظن أنه يذهب سدي، بل ستعوض عنه خيراً منه، ستحط عنك الذنوب كما تحط الشجرة ورقها، وهذا من نعمة الله.
- فالمصائب تكون على وجهين:
أ- تارة إذا أصيب الإنسان تذكر الأجر واحتسب هذه المصيبة على الله، فيكون فيها فائدتان: تكفير الذنوب؛ وزيادة الحسنات.
ب- وتارة يغفل عن هذا فيضيق صدره، ويصيبه ضجر أو ما أشبه ذلك، ويغفل عن نية احتساب الأجر والثواب على الله، فيكون في ذلك تكفير لسيئاته، إذا هو رابح على كل حال في هذه المصائب التي تأتيه.
قال ابن باز ﵁:
- هذا يسلي المؤمن إذا أصابه الشيء، يحتسب يصبر، ويعلم أن له خيرًا عظيمًا، ولا يجزع فإن هذه الأشياء التي تؤذيه وتمسه من مرض أو فقر، أو تألم، أو شوكة، أو عثرة أو غير هذا، هذه مما يكفر الله بها الخطايا ويرفع بها الدرجات لمن صبر واحتسب.
38 - وعن ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه -أنه قَالَ: دخلتُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يُوعَكُ، فقلت: يَا رسُولَ الله، إنَّكَ تُوْعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ: «أجَلْ، إنِّي أوعَكُ كمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنكُمْ» قلْتُ: ذلِكَ أن لَكَ أجْرينِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، ذلِكَ كَذلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذًى، شَوْكَةٌ فَمَا فَوقَهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَ «الوَعْكُ»: مَغْثُ الحُمَّى، وَقيلَ: الحُمَّى.
39 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ». رواه البخاري.
وَضَبَطُوا «يُصِبْ» بفَتْح الصَّاد وكَسْرها .
قال ابن عثيمين ﵁:
- من يرد الله به خيراً فيصبر ويحتسب، فيصيب الله منه حتى يبلوه، أما إذا لم يصبر فإنه قد يصاب الإنسان ببلايا كثيرة وليس فيه خير، ولم يرد الله به خيراً، فالكفار يصابون بمصائب كثيرة، ومع هذا يبقون على كفرهم حتى يموتوا عليه، وهؤلاء بلا شك لم يرد بهم خيرا.
قال ابن باز ﵁:
- من جاهد نفسه لله وصبر حتى أدى حق ربه وأدى حق عباده ووقف عند حدود الله فاز بالعاقبة الحميدة، وفاز بالنجاة والسعادة يوم القيامة، ومن جزع ومال مع هواه وشيطانه ندم غاية الندامة وفاز بالخيبة.
40 - وعن أنس - رضي الله عنه - أنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوتَ لضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا، فَليَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِني مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيرًا لِي، وَتَوفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيرًا لي». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- تمني الموت استعجال من الإنسان بأن يقطع الله حياته، وربما يحرمه من خير كثير، ربما يحرمه من التوبة وزيادة الأعمال الصالحة، ولهذا جاء في الحديث: (ما من ميت يموت إلا ندم، فإن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون استعتب) أي: استعتب من ذنبه.
- إذا كان النبي ﷺ نهي أن يتمني الإنسان الموت للضر الذي نزل به، فإن أعظم من ذلك أن يقتل الإنسان نفسه ويبادر الله بنفسه.
- يجب معرفة الفرق بين شخص يتمني الموت من ضيق نزل به، وبين شخص يتمني الموت على صفة معينة يرضاها الله ﵁، الأول: هو الذي نهي عنه الرسول ﷺ، والثاني: جائز.
قال ابن باز ﵁:
- حياة المؤمن لا تزيده إلا خيرًا من حسنات تكتب، وسيئات تمحى، وأعمال صالحة إلى غير هذا من وجوه الخير.
41 - وعن أبي عبد الله خَبَّاب بنِ الأَرتِّ - رضي الله عنه -أنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ متَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ في ظلِّ الكَعْبَةِ، فقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا ألاَ تَدْعُو لَنا؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ في الأرضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ فَيُجْعَلُ نصفَينِ، وَيُمْشَطُ بأمْشَاطِ الحَديدِ مَا دُونَ لَحْمِه وَعَظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ الله هَذَا الأَمْر حَتَّى يَسيرَ الرَّاكبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَموتَ لاَ يَخَافُ إلاَّ اللهَ والذِّئْب عَلَى غَنَمِهِ، ولكنكم تَسْتَعجِلُونَ». رواه البخاري.
وفي رواية: «وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَقَدْ لَقِينا مِنَ المُشْرِكِينَ شدَّةً».
قال ابن عثيمين ﵁:
- في الحديث آية من آيات الله، حيث وقع الأمر مطابقا لما أخبر به النبي ﷺ.
- وآية من آيات الرسول ﷺ حيث صدقه الله بما أخبر به، وهذه شهادة له من الله بالرسالة، كما قال الله:﴿لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ یَشۡهَدُ بِمَاۤ أَنزَلَ إِلَیۡكَۖ أَنزَلَهُۥ بِعِلۡمِهِۦۖ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَشۡهَدُونَۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدًا﴾ [النساء ١٦٦].
42 - وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - أنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَومُ حُنَينٍ آثَرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نَاسًا في القسْمَةِ، فَأعْطَى الأقْرَعَ بْنَ حَابسٍ مئَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَة بْنَ حصن مِثْلَ ذلِكَ، وَأَعطَى نَاسًا مِنْ أشْرافِ العَرَبِ وآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ في القسْمَةِ. فَقَالَ رَجُلٌ: واللهِ إنَّ هذِهِ قِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُريدَ فيهَا وَجْهُ اللهِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَيْتُهُ فَأخْبَرتُهُ بمَا قَالَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كالصِّرْفِ. ثُمَّ قَالَ: «فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لم يَعْدِلِ اللهُ وَرسولُهُ؟» ثُمَّ قَالَ: «يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبر». فَقُلْتُ: لاَ جَرَمَ لاَ أرْفَعُ إِلَيْه بَعدَهَا حَدِيثًا . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَقَوْلُهُ: «كالصِّرْفِ» هُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ المُهْمَلَةِ: وَهُوَ صِبْغٌ أحْمَر.
قال ابن عثيمين ﵁:
- حب الدنيا والشيطان يوقع الإنسان في الهلكة.
- إذا كانت لحوم الناس بالغيبة لحوم ميتة، فإن لحوم العلماء ميتة مسمومة، لما فيها من الضرر العظيم، فلا تستغرب إذا سمعت أحدا يسب العلماء! وهذا رسول الله ﷺ قيل فيه ما قيل، فاصبر، واحتسب الأجر من الله ﷿، واعلم أن العاقبة للتقوى، فمادام الإنسان في تقوى وعلى نور من الله ﷿ فإن العاقبة له.
- فيه أن النبي ﷺ يعتبر بمن مضى من الرسل، ولهذا قال: لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر، لأن الله تعالى يقول:﴿قَدۡ كَانَ فِی قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةࣱ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِۗ﴾ [يوسف: من الآية111] ويقول:﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ ﴾ [الأنعام ٩٠]، فأمر الله نبيه ﷺ أن يقتدي بهدي الأنبياء قبله، وهكذا ينبغي لنا نحن أن نقتدي بالأنبياء، في الصبر على الأذى، وأن نحتسب الأجر على الله، وأن نعلم أن هذا زيادة في درجاتنا مع الاحتساب، وتكفير لسيئاتنا.
قال ابن باز ﵁:
- إذا كان الرسل يبتلون بهؤلاء المجرمين ويتهمونهم، فكيف يطمع بعد ذلك أحد في السلامة، حتى الرب ﷿ ما سلم من عباده، حتى الرب ما سلم من الملحدين المجرمين الكفار الذين أنكروا خيره، وأنكروا ما جاءت به رسله وكذبوا ما قاله ﷿، فلا يطمع أحد في سلامته في هذه الدنيا فلا بد من أذى ولا بد من مصائب، فليصبر وليحتسب، وليسأل ربه التوفيق والإعانة، وليجتهد في طاعة الله ورسوله حتى يلقى ربه.
43 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرَادَ الله بعبدِهِ الخَيرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ في الدُّنْيا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدِهِ الشَّرَّ أمْسَكَ عَنْهُ بذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يومَ القِيَامَةِ».
وَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵁:
- الإنسان لا يخلو من خطأ ومعصية وتقصير في الواجب؛ فإذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا: إما بماله، أو بأهله، أو بنفسه، أو بأحد ممن يتصل به؛ لأن العقوبة تكفر السيئات، فإذا تعجلت العقوبة وكفر الله بها عن العبد، فإنه يوافي الله وليس عليه ذنب، قد طهرته المصائب والبلايا، حتى إنه ليشدد على الإنسان موته لبقاء سيئة أو سيئتين عليه، حتى يخرج من الدنيا نقيا من الذنوب، وهذه نعمة؛ لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.
قال ابن باز ﵁:
- يستحب للمؤمن مع الصبر الرضا عن الله وأن يكون شاكرًا لنعم الله راضيًا عن ربه ﷿، يعلم أن ربه حكيم عليم، وأنه يبتلى عباده بالسراء والضراء، في الشدة والرخاء.
- كلما عظمت العقوبة عظم الجزاء، كلما عظمت البلية عظم الجزاء من مرض أو فقر أو موت قريب أو أذى من أحد أو غير ذلك، فتكفر الخطايا، ويعظم الأجر لمن صبر واحتسب.
44 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ - رضي الله عنه - يَشتَكِي، فَخَرَجَ أبُو طَلْحَةَ، فَقُبِضَ الصَّبيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالَتْ أمُّ سُلَيم وَهِيَ أمُّ الصَّبيِّ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إليه العَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ منْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَتْ: وَارُوا الصَّبيَّ فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَهُ، فَقَالَ: «أعَرَّسْتُمُ اللَّيلَةَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا»، فَوَلَدَتْ غُلامًا، فَقَالَ لي أَبُو طَلْحَةَ: احْمِلْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَبَعَثَ مَعَهُ بِتَمَراتٍ، فَقَالَ: «أَمَعَهُ شَيءٌ؟» قَالَ: نَعَمْ، تَمَراتٌ، فَأخَذَهَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا في فِيِّ الصَّبيِّ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبدَ الله. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية للبُخَارِيِّ: قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ: فَرَأيْتُ تِسعَةَ أوْلادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَؤُوا القُرْآنَ، يَعْنِي: مِنْ أوْلادِ عَبدِ الله المَولُودِ.
وَفي رواية لمسلمٍ: مَاتَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ مِنْ أمِّ سُلَيمٍ، فَقَالَتْ لأَهْلِهَا: لاَ تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ، فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْه عَشَاءً فَأَكَلَ وَشَرِبَ، ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلِكَ، فَوَقَعَ بِهَا. فَلَمَّا أَنْ رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وأَصَابَ مِنْهَا، قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَرَأَيتَ لو أنَّ قَومًا أعارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أن يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لا، فَقَالَتْ: فَاحْتَسِبْ ابْنَكَ، قَالَ: فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: تَرَكْتِني حَتَّى إِذَا تَلطَّخْتُ، ثُمَّ أخْبَرتني بِابْنِي؟! فانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَهُ بِمَا كَانَ فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «بَارَكَ اللهُ في لَيْلَتِكُمَا»، قَالَ: فَحَمَلَتْ. قَالَ: وَكانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ وَهيَ مَعَهُ، وَكَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَتَى المَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لاَ يَطْرُقُهَا طُرُوقًا فَدَنَوا مِنَ المَدِينَة، فَضَرَبَهَا المَخَاضُ، فَاحْتَبَسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ، وانْطَلَقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم. قَالَ: يَقُولَ أَبُو طَلْحَةَ: إنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ أَنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أخْرُجَ مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ وَقَدِ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى، تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أجدُ، انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا وَضَرَبَهَا المَخَاضُ حِينَ قَدِمَا، فَوَلدَت غُلامًا. فَقَالَتْ لِي أمِّي: يَا أنَسُ، لا يُرْضِعْهُ أحَدٌ حَتَّى تَغْدُو بِهِ عَلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم. فَلَمَّا أصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم ... وَذَكَرَ تَمَامَ الحَدِيثِ.
قال ابن عثيمين ﵂:
- دليل على قوة صبر أم سليم ﵂ وأن ابنها الذي مات بلغ بها الحال إلى أن تقول لزوجها هذا القول وتوري هذه التورية، وقدمت له العشاء، ونال منها، ثم قالت: ادفنوا الولد.
- وفي هذا دليل على جواز التورية، يعني أن يتكلم الإنسان بكلام تخالف نيته ما في ظاهر هذا الكلام، فله ظاهر هو المتبادر إلى ذهن المخاطب، وله معنى آخر مرجوح، لكن هو المراد في نية المتكلم، فيظهر خلاف ما يريد، وهذا جائز، ولكنه لا ينبغي إلا للحاجة، إذا احتاج الإنسان إليه لمصلحة أو دفع مضرة فليور، وأما مع عدم الحاجة فلا ينبغي أن يوري؛ لأنه إذا ورى وظهر الأمر على خلاف ما يظنه المخاطب نسب هذا الموري إلى الكذب وأساء الظن به، لكن إذا دعت الحاجة فلا بأس.
- فيه آية من آيات النبي ﷺ حيث دعا لهذا الصبي فبارك الله فيه وفي عقبه، وكان له كما ذكرنا تسعة من الولد، كلهم يقرأون القرآن ببركة دعاء النبي ﷺ.
- يستحب التسمية بعبد الله، فإن التسمية بهذا وبعبد الرحمن أفضل ما يكون، قال النبي ﷺ: (إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن).
قال ابن باز ﵁:
- ينبغي للمرأة أن تعظ زوجها كما ينبغي أن يعظها، كل منهما يعظ الآخر فيما يتعلق بالمصائب حتى يصبر كل منهما ولا يجزع.
- لا مانع من أن تتصنع المرأة لزوجها عند المصيبة وأن لا تخبره بالمصيبة حتى يقضي وطره منها.
45 - وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَملكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«وَالصُّرَعَةُ»: بضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وأَصْلُهُ عِنْدَ العَرَبِ مَنْ يَصْرَعُ النَّاسَ كَثيرًا.
46 - وعن سُلَيْمَانَ بن صُرَدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ جالِسًا مَعَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجُلانِ يَسْتَبَّانِ، وَأَحَدُهُمَا قدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ ، فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أعُوذ باللهِ منَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، ذَهَبَ منْهُ مَا يَجِدُ». فَقَالُوا لَهُ: إنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَعَوّذْ باللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- القوي حقيقة هو الذي يصرع نفسه إذا صارعته وغضب ملكها وتحكم فيها، لأن هذه هي القوة الحقيقة، قوة داخلية معنوية يتغلب بها الإنسان على الشيطان، لأن الشيطان هو الذي يلقي الجمرة في قلبك من أجل أن تغضب.
- المشروع للإنسان إذا غضب أن يحبس نفسه وأن يصبر، وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يتوضأ، فإن الوضوء يطفئ الغضب، وإن كان قائما فليقعد، وإن كان قاعدا فليضطجع، وإن خاف خرج من المكان الذي هو فيه، حتى لا ينفذ غضبه فيندم بعد ذلك.
قال ابن باز ﵁:
- يدل على أن القوي الحازم هو الَّذِي يملك نفسه عند الغضب فهو أولى باسم الشديد، وإن كان الذي يصرع الناس يسمى شديداً فهو الذي يصرع الناس يطرح بقوته ويسمى شديداً ولكن أولى منه بهذا الاسم وأحق منه بهذا الاسم الذي يملك نفسه عند الغضب ويجاهدها ويلزمها الحق عند ثوران الغض.
47 - وعن معاذِ بنِ أَنسٍ - رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيظًا ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَومَ القِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُورِ مَا شَاءَ». رواه أَبو داود والترمذي، وَقالَ: «حديث حسن».
48 - وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه: أنَّ رَجُلًا قَالَ للنبي - صلى الله عليه وسلم: أوصِني. قَالَ: «لا تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرارًا، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ». رواه البخاري.
49 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا يَزَالُ البَلاَءُ بِالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفسِهِ ووَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ تَعَالَى وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵁:
- إذا اغتاظ الإنسان من شخص وهو قادر على أن يفتك به، ولكنه ترك ذلك ابتغاء وجه الله، وصبر على ما حصل له من أسباب الغيظ؛ فله هذا الثواب العظيم أنه يدعى على رؤوس الخلائق يوم القيامة ويخير من أي الحور شاء.
- أن الإنسان إذا صبر واحتسب الأجر عند الله كفر الله عنه سيئاته، وإذا أصيب الإنسان ببلاء في نفسه أو ولده أو ماله، ثم صبر على ذلك، فإن الله ﷿ لا يزال يبتليه بهذا حتى لا يكون عليه خطيئة.
- أن المصائب في النفس والولد والمال تكون كفارة للإنسان، حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة، ولكن هذا إذا صبر، أما إذا تسخط فإن من تسخط فله السخط.
قال ابن باز ﵁:
- فضل كظم الغيظ؛ يعني : قد يبتلى بالغيظ وإن كان لا يريده وقد يبتلى بالغضب الشديد فيحتاج إلى تحمل وإلى صبر، فإذا كظم غيظه ولم ينفذه لا بضرب ولا سب ولا غير ذلك، فقد وعده الله بهذا الخبر العظيم، فينبغي للمؤمن أن يحاسب نفسه ولا سيما عند وجود أسباب الغضب، لعله يقوى على كظم غيظه والسلامة من شر الغضب بالطرق التي بينها الرسول ﷺ من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن الوضوء الشرعي، وترك الكلام والخوض فيما يسبب الغضب والقيام من المكان إلى مكان آخر، إلى غير هذا من الأسباب التي يستطيعها.
- الغضب فيه خطر ولهذا ينبغي للمؤمن أن يجاهد نفسه حتى يبتعد عن أسباب الغضب، الغضب له أسباب وبحاجة لترك أسبابه؛ لأنه متى استحكم في الإنسان صعب عليه الخلاص منه بعد ذلك، فينبغي للمؤمن الحذر من أسبابه من الملاحة والمخاصمات مع أهله، وأولاده، وغيرهم، وأن يكون سمحاً صبوراً الكلمة التي لا تناسب فيعفو ويصفح قد بخطأ عليه فيعفو، وقد يؤذى فيصبر تفادياً لما قد يضر.
50 - وعن ابْنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمرُ - رضي الله عنه - وَكَانَ القُرَّاءُ أصْحَابَ مَجْلِس عُمَرَ - رضي الله عنه - وَمُشاوَرَتِهِ كُهُولًا كانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أخيهِ: يَا ابْنَ أخِي، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأمِيرِ فَاسْتَأذِنْ لِي عَلَيهِ، فاسْتَأذَن فَأذِنَ لَهُ عُمَرُ. فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: هِي يَا ابنَ الخَطَّابِ، فَواللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلا تَحْكُمُ فِينَا بالعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ - رضي الله عنه - حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أميرَ المُؤْمِنينَ، إنَّ الله تَعَالَى قَالَ لِنَبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 198] وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، واللهِ مَا جَاوَزَهاَ عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا، وكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى. رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵁:
- من جهل عليك وتطاول عليك فأعرض عنه لاسيما إذا كان إعراضك ليس ذلا وخنوعا.
- الجهل له معنيان: أحدهما: عدم العلم بالشيء. والثاني: السفه والتطاول.
- ينبغي لنا إذا حصلت مثل هذه الأمور، كالغضب والغيظ، أن نتذكر كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ من أجل أن نسير على هديهما، حتى لا نضل، فإن من تمسك بهدي الله فإن الله يقول:﴿فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَایَ فَلَا یَضِلُّ وَلَا یَشۡقَىٰ﴾ [طه: من الآية123].
51 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّهَا سَتَكونُ بَعْدِي أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها!» قَالُوا: يَا رَسُول الله، فَمَّا تَأْمُرُنا؟ قَالَ: «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسأَلُونَ الله الَّذِي لَكُمْ ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
«وَالأَثَرَةُ»: الانْفِرادُ بالشَّيءِ عَمنَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ.
52 - وعن أبي يحيى أُسَيْد بن حُضَير - رضي الله عنه: أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ، قَالَ: يَا رسولَ الله، ألاَ تَسْتَعْمِلُني كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلانًا، فَقَالَ: «إنكُمْ سَتَلْقَونَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوني عَلَى الحَوْضِ ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«وَأُسَيْدٌ»: بضم الهمزة. «وحُضيْرٌ»: بحاءٍ مهملة مضمومة وضاد معجمة مفتوحة، والله أعلم.
قال ابن باز ﵁:
- ولا تنزعوا يداً من طاعة ولا تفتحوا باب الفتنة هكذا نصحهم ﷺ؛ ليتحملوا ما قد يقع من الرؤساء والكبار والأمراء، وأن يؤدوا الحق الذي عليهم لولاة الأمور من السمع والطاعة والإعانة على الخير وكتم أسباب الفتن إلى غير هذا مما ينبغي مع ولاة الأمور، وما نقصوه من حق الرعية فإن الإنسان يسأل الله أن يعوضه عن ذلك ولا يفتح باب الفتنة على الناس، ولا يسعى في إيقاظ الفتنة والشر على الناس، بل يتحمل ما ضاع عليه ويسأل الله من فضله حتى لا يكون سبب شر على المسلمين في كلامه أو فعاله أو غير هذا مما قد يقع منه.
53 - وعن أبي إبراهيم عبدِ الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعْضِ أيامِهِ التي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ، انْتَظَرَ حَتَّى إِذَا مالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فيهمْ، فَقَالَ: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسْأَلُوا الله العَافِيَةَ، فَإِذَا لقيتُمُوهُمْ فَاصْبرُوا ، وَاعْلَمُوا أنّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيوفِ».
ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانصُرْنَا عَلَيْهمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وبالله التوفيق.
قال ابن عثيمين ﵁:
- لا يتمني الإنسان لقاء العدو، وهذا غير تمني الشهادة! تمني الشهادة جائز وليس منهيا عنه، بل قد يكون مأموراً به، أما تمني لقاء العدو، فلا تتمناه؛ لأن الرسول النبي ﷺ قال: (لا تتمنوا لقاء العدو).
- الشهيد إذا قتل في سبيل الله فإنه لا يحس بالطعنة أو بالضربة، كأنها ليست بشيء، ما يحس إلا أن روحه تخرج من الدنيا إلى نعيم دائم أبدا، نسألك اللهم من فضلك، ولهذا قال الرسول ﷺ: (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف).
- ينبغي للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم ولنصرنا عليهم).
- الدعاء على الأعداء بالهزيمة؛ لأنهم أعداؤك وأعداء الله، فإن الكافر ليس عدواً لك وحدك، بل هو عدو لك ولربك ولأنبيائه ولملائكته ولرسله ولكل مؤمن، فالكافر عدو لكل مؤمن، وعدو لكل رسول، وعدو لكل نبي، وعدو لكل ملك، فهو عدو، فينبغي لك أن تسأل الله دائماً أن يخذل الأعداء من الكفار، وأن يهزمهم، وأن ينصرنا عليهم.