كتَاب الأدَب


باب الحياء وفضله والحث على التخلق به


680 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأنْصَار وَهُوَ يَعِظُ أخَاهُ في الحَيَاءِ، فَقَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُ، فَإنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الحياء صفة في النفس تحمل الإنسان على فعل ما يجمل ويزين، وترك ما يدنس ويشين، فتجده إذا فعل شيئا يخالف المروءة استحيا من الناس، وإذا فعل شيئا محرما استحيا من الله ﷿ وإذا ترك واجبا استحيا من الله وإذا ترك ما ينبغي فعله استحيا من الناس فالحياء من الإيمان.
- إذا كان عند الإنسان حياء وجدته يمشي مشيا مستقيما ليس بالعجلة التي يذم عليها وليس بالتماوت الذي يذم عليه، أيضا كذلك إذا تكلم تجده لا يتكلم إلا بالخير وبكلام طيب وبأدب وبأسلوب رفيع ما يقدر عليه وإذا لم يكن حييا فإنه يفعل ما شاء كما جاء في حديث الصحيح: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت).

681 - وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ». متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية لمسلمٍ: «الحياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» أَوْ قَالَ: «الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ».
قال ابن باز ﵀:
- الحياء لا يأتي إلّا بخَيرٍ؛ لأنّه يزجر عن القبائح ويمنع من سيء الأخلاق فهو خير كله.

682 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الإيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً: فَأفْضَلُهَا قَوْلُ: لاَ إلهَ إِلاَّ الله، وَأدْنَاهَا إمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
«البِضْعُ» بكسر الباءِ ويجوز فتحها: وَهُوَ مِنَ الثَّلاَثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ.
وَ «الشُّعْبَةُ»: القِطْعَةُ وَالْخَصْلَةُ. وَ «الإمَاطَةُ»: الإزَالَةُ. وَ «الأَذَى»: مَا يُؤْذِي كَحَجَرٍ وشوك وَطِينٍ ورماد وَقَذَرٍ وَنَحْو ذَلِكَ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- إنّ قول النبي ﷺ هنا الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ترك تعيينها من أجل أن نحرص نحن على تتبعها في الكتاب والسنة حتى نجمع هذه الشعب ثم نقوم بالعمل بها وهذا من حكمة النبي ﷺ التي أتاه الله تعالى.
- هذه الشعب أفضلها أو أعلاها قول لا إله إلا الله هذه الكلمة العظيمة لو وزنت السماوات السبع والأرضين السبع وجميع المخلوقات لرجحت بهن؛ لأنها أعظم كلمة وهي كلمة التوحيد التي إذا قالها الإنسان صار مسلما وإذا استكبر عنها صار كافرا فهي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر ولذلك كانت أعلى شعب الإيمان وأفضلها لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله ﷿. ومن ختم له بها في الحياة الدنيا فإنه يكون من أهل الجنة.
- الحياء انكسار يكون في القلب وخجل لفعل ما لا يستحسنه الناس والحياء من الله والحياء من الخلق من الإيمان فالحياء من الله يوجب للعبد أن يقوم بطاعة الله وأن ينتهي عما نهى الله والحياء من الناس يوجب للعبد أن يستعمل المروءة وأن يفعل ما يجمله ويزينه عند الناس ويتجنب ما يدنسه ويشينه فالحياء كله من الإيمان.
- يجب أن يكون الإنسان حيي القلب يشعر بشعور الناس، تجد بعض الناس الآن يوقف السيارة في أي مكان بالطول أو بالعرض ما يهتم المكان ضيق أو المكان واسع ما يبالي ليست هذه خصال المؤمن، المؤمن هو الذي يكون حيي القلب يشعر بشعور الناس يحب للناس ما يحب لنفسه.
- ينبغي للإنسان أن يقوم بإماطة الأذى عن الطريق وإذا كان لا يستطيع كما لو كانت أحجاراً كبيرةً أو أكواما من الرمل أو ما أشبه ذلك فليبلغ المسئولين ليبلغ البلدية مثلا لأنها المسئولة عن هذا يبلغها حتى يكون ممن تعانوا على البر والتقوى.
- الحياء شعبة من الإيمان فإذا كان الإنسان حييا لا يتكلم بما يدنسه عند الناس ولا يفعل ما يدنسه عند الناس، بل تجده وقورا ساكنا مطمئنا فهذا من علامة الإيمان والله الموفق.
قال ابن باز ﵀:
- الذي يمنعك من الحق ومن قول الحق، والصدع بالحق هذا ليس من الحياء، هذا يسمى ضعفاً، ويسمى عجزاً، وإنما الحياء الذي يعينك على الخير ويمنعك من القبائح، ويعينك على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وطيب الكلام، وحسن المحادثة، وكرم الضيافة وغير هذا، هذا هو الحياء، أما حياء يمنعك من قول الحق ويثبطك عن قول الحق ويُجرئك على قول الباطل، فهذا ليس بحياء، ولكنه ضعف وعجز وضد الكيس.

683 - وعن أَبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا، فَإذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ في وَجْهِه. متفقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ العلماءُ: حَقِيقَةُ الحَيَاءِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ القَبِيحِ، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ في حَقِّ ذِي الحَقِّ. وَرَوَيْنَا عَنْ أَبي القاسم الْجُنَيْدِ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: الحَيَاءُ: رُؤيَةُ الآلاءِ - أيْ النِّعَمِ - ورُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ، فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى حَيَاءً . وَالله أعلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الرسول ﷺ أشد حياء من العذراء في خدرها، ولكنه لا يستحي من الحق يتكلم بالحق ويصدع به لا يبالي بأحد فأما ما لا تضع به الحقوق فإنه ﷺ كان أحيى الناس.
- ينبغي للمؤمن أن يكون حييا لا يتخبط ولا يفعل ما يخجل ولا يفعل ما ينتقد عليه، ولكن إذا سمع ما يكره أو رأى ما يكره فإنه يتأثر، وليس من الرجولة أن لا تتأثر بشيء؛ لأن الذي لا يتأثر بشيء هو البليد الذي لا يحس؛ لكن تتأثر ويمنعك الحياء أن تفعل ما ينكر أو أن تقول ما ينكر، ثم إن الحياء لا يجوز أن يمنع الإنسان من السؤال عن دينه فيما يجب عليه لأن ترك السؤال عن الدين فيما يجب ليس حياء ولكنه خور فالله ﷿ لا يستحي من الحق قالت عائشة ﵂: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين)، فكانت المرأة تأتي تسأل النبي ﷺ عن الشيء الذي يستحي من ذكره الرجال، فلابد أن يسأل الإنسان عن دينه ولا يستحي.
- الحياء الذي يمنع من السؤال عما يجب السؤال عنه حياء مذموم ولا ينبغي أن نسميه حياء، بل نقول إن هذا خور وجبن، وهو من الشيطان، فاسأل عن دينك ولا تستح، أما الأشياء التي لا تتعلق بالأمور الواجبة فالحياء خير من عدم الحياء.
- مما يجانب الحياء ما يفعله بعض الناس الآن في الأسواق من الكلام البذيء السيئ أو الأفعال السيئة أو ما أشبه ذلك؛ فلذلك يجب على الإنسان أن يكون حييا إلا في أمر يجب عليه معرفته فلا يستحي من الحق.

بابُ حفظ السِّر


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء: 34].
684 - وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى الْمَرْأةِ وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا». رواه مسلم.
685 - وعن عبدِ الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ عمرَ - رضي الله عنه - حِيْنَ تأيَّمَتْ بِنْتُهُ حَفْصَةُ، قَالَ: لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ - رضي الله عنه - فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: إنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ؟ قَالَ: سأَنْظُرُ فِي أمْرِي. فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي، فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لاَ أتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - فقلتُ: إنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بنْتَ عُمَرَ، فَصَمتَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شَيْئًا! فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثَ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأنْكَحْتُهَا إيَّاهُ. فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِيْنَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا؟ فقلتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أرْجِعَ إِلَيْك فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلاَّ أنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَهَا، فَلَمْ أكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَوْ تَرَكَهَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَقَبِلْتُهَا. رواه البخاري.
«تَأَيَّمَتْ» أيْ: صَارَتْ بِلاَ زَوْجٍ، وَكَانَ زَوْجُهَا تُوُفِّيَ - رضي الله عنه. «وَجَدْتَ»: غَضِبْتَ.
686 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كُنَّ أزْوَاجُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهُ، فَأقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَمْشِي، مَا تُخْطِئُ مِشيتُها مِنْ مشْيَةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا، وقال: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي»، ثُمَّ أجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكتْ بُكَاءً شَديدًا، فَلَمَّا رَأى جَزَعَهَا، سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ، فقلتُ لَهَا: خَصَّكِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بالسِّرَارِ، ثُمَّ أنْتِ تَبْكِينَ! فَلَمَّا قَامَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَألْتُهَا: مَا قَالَ لَكِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: مَا كُنْتُ لأُفْشِي عَلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ، لَمَا حَدَّثْتِنِي مَا قَالَ لَكِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ فقالَتْ: أمَّا الآن فَنَعَمْ، أمَّا حِيْنَ سَارَّنِي في المَرَّةِ الأُولَى فأخْبَرَنِي أنّ جِبْريلَ كَانَ يُعَارِضُهُ القُرآنَ في كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَأنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ، وَإنِّي لا أُرَى الأجَلَ إِلاَّ قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَإنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأيْتِ، فَلَمَّا رَأى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: «يَا فَاطِمَةُ، أمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤُمِنِينَ، أَوْ سَيَّدَةَ نِساءِ هذِهِ الأُمَّةِ؟» فَضَحِكتُ ضَحِكِي الَّذِي رَأيْتِ. متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- السر هو ما يقع خفية بينك وبين صاحبك ولا يحل لك أن تفشي هذا السر أو أن تبينه لأحد سواء قال لك لا تبينه لأحد، أو علم بالقرينة الفعلية أنه لا يحب أن يطلع عليه أحد، أو علم بالقرينة الحالية أنه لا يحب أن يطلع عليه أحد:
• مثال الأول: اللفظ أن يحدثك بحديث ثم يقول لا تخبر أحدا هو معك أمانة.
• ومثال الثاني: القرينة الفعلية أن يحدثك وهو في حال تحديثه إياك يلتفت يخشى أن يكون أحد يسمع؛ لأن معنى التفاته أنه لا يحب أن يطلع عليه أحد.
• ومثال الثالث: القرينة الحالية أن يكون هذا الذي حدثك به أو أخبرك به من الأمور التي يستحي من ذكرها أو يخشى من ذكرها أو ما أشبه ذلك فلا يحل لك أن تبين وتفشي هذا السر.
- الواجب أن الأمور السرية في البيوت وفي الفرش وفي غيرها تحفظ وألا يطلع عليها أحدا أبدا فإن من حفظ سر أخيه حفظ الله سره فالجزاء من جنس العمل.
- جميع ما يشترط بين الناس فإنه من العهود، ومن ذلك: التزام الموظفين بأداء عملهم، فإن الموظف قد التزم بالشروط التي تشترطها الحكومة على الموظفين من الحضور في أول الدوام وعدم الخروج إلا بعد انتهاء الدوام، والنصح في العمل وما أشبه ذلك مما هو معروف في ديوان الخدمة، فالواجب الوفاء بهذه العهود، وإلا فاترك الوظيفة وكن حرا فيما تعمل؛ لأن الوظيفة لم تلزم بها، بل أنت الذي أتيت وتوظفت، فيجب أن تلتزم بما تقتضيه شروط هذه الوظيفة من كل شيء وإلا فدعها وكن حرا فيما تريد ولا أحد يحاسبك إلا الله ﷿.
قال ابن باز ﵀:
- الواجب على المؤمن عدم إفشاء سر أخيه إذا أسر إليه شيئاً؛ لأنه من الأمانات والأمانة يجب الوفاء بها، وعدم الخيانة، ومن العهود التي يجب الوفاء بها، فإن عهد إليه أمراً سرياً فالواجب ألا يفشي سره، ولا يخون عهده والله يقول: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٤]، ويقول ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٢٧]، ويقول في وصف المؤمنين: ﴿وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَ ٰ⁠عُونَ﴾ [المعارج: ٣٢]؛ يعني : يرعون العهد والأمانة، فإذا أفشى إليك أخوك سراً تعلم أنه لا يرضى بإفشائه ولا يحب أن يعلمه أحد كأن يقول إنه سيسافر غداً أو بعد غد وقال: هذا سر بيني وبينك، أو سيتزوج فلانة، ويطلق فلانة، فليس لك أن تفشي ذلك.
- هذا كله يدل على أن السر لا يجوز للمؤتمن أن يفشيه لا عن زوج ولا عن أب ولا عن غيرهما، ليس لمن أسر إليه شيء أن يفشيه سواء كان الذي أسره أبوه أو الزوج، أو غيرهما، الواجب حفظ السر، إذا عرفت أن صاحبه لا يرضى بإفشائه أو في إفشائه مضرة فالواجب عليك حفظه وألا تفشيه دفعاً للمضرة وحفظاً للأمانة.

687 - وعن ثَابِتٍ، عن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: أتَى عَلَيَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَأنَا ألْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَسَلمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَني إِلَى حاجَةٍ، فَأبْطَأتُ عَلَى أُمِّي. فَلَمَّا جِئْتُ، قالت: مَا حَبَسَكَ؟ فقلتُ: بَعَثَني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِحَاجَةٍ، قالت: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إنَّهاَ سرٌّ. قالت: لا تُخْبِرَنَّ بِسرِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحَدًا، قَالَ أنَسٌ: وَاللهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أحَدًا لَحَدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثَابِتُ. رواه مسلم وروى البخاري بعضه مختصرًا.
قال ابن عثيمين ﵀:
- يسن للإنسان أن يسلم على من مر به ولو كان من الصبيان؛ لأنّك إذا سلمت على الصبيان عودتهم التربية الحسنة حتى ينشئوا عليها ويعيشوا عليها ويكون لك أجر في كل ما اهتدوا فيه فكل شيء يهتدي فيه بك الناس من أمور الخير لك فيه أجر .
- أنّ الصبي إذا جاءك بحاجة وقال هذه من أبي هذه من أمي وما أشبه ذلك فلك أن تقبلها وإن كان هو بنفسه لا يملك أن يتبرع من ماله بشيء لكن إذا جاءك على أنه مرسل وقال هذا من أبي جاءك مثلا بتمر جاءك ببطيخ جاءك بثوب بأي شيء إذا جاءك فاقبله ولا تقل هذا صبي ربما سرقها ربما كذا ربما كذا أخذا بالظاهر.
- لا يجوز للإنسان أن يبدى سر شخص حتى لأمه وأبيه فلو أن إنساناً أرسلك في حاجة ثم قال لك أبوك ما الذي أرسلك به لا تخبره ولو كان أباك أو قالت أمك ما الذي أرسلك به لا تخبرها ولو كانت أمك لأنّ هذا من أسرار الناس ولا يجوز إبداؤها لأحد.
- حسن تربية أم سليم لابنها حيث قالت لا تخبرن أحدا بسر رسول الله ﷺ وإنما قالت له ذلك مع أنه لم يخبرها ولم يخبر غيرها تأييداً له وتثبيتاً له وإقامةً للعذر له لأنّه أبى أن يخبرها بسر رسول الله ﷺ فقالت لا تخبرن به أحداً كأنها تقول أنا أوافقك على هذا فاستمسك به.
قال ابن باز ﵀:
- جواز استخدام الصبيان العقلاء وإفشاء الأسرار إليهم في الحاجات التي يراها صاحب البيت ويوصيهم بكتمانها إذا كانت من الأشياء التي يحسن كتمانها.
- ينبغي للخادم وولده وأخيه وغيرهم إذا استودعوا أمراً ألا يفشوا إلا بإذن من استودعه أو بزوال العلة التي من أجلها كتمت السر.