باب النّهي عن القِرَانِ بين تمرتين ونحوهما إِذَا أكل جماعة إِلاَّ بإذن رفقته


741 - عن جَبَلَة بن سُحَيْم، قَالَ: أصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابن الزُّبَيْرِ؛ فَرُزِقْنَا تَمْرًا، وَكَانَ عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما يَمُرُّ بنا ونحن نَأكُلُ، فَيقُولُ: لاَ تُقَارِنُوا، فإنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عنِ القِرَانِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِلاَّ أَنْ يَسْتَأذِنَ الرَّجُلُ أخَاهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الشيء الذي جرت العادة أن يؤكل واحدة واحدة كالتمر، إذا كان معك جماعة فلا تأكل تمرتين جميعًا، لأن هذا يضر بإخوانك الذين معك، فلا تأكل أكثر منهم إلا إذا استأذنت، فإن أذنوا لك؛ فلا بأس، وكذلك ما جاء في العادة بأنه يؤكل أفرادًا كبعض الفواكه الصغيرة التي يلتقطها الناس حبةً حبة ويأكلونها، فإن الإنسان لا يجمع بين اثنتين إلا بإذن صاحبه الذي معه، مخافة أن يأكل أكثر مما يأكل صاحبه، أما إذا كان الإنسان وحده فلا بأس أن يأكل التمرتين جميعًا أو الحبتين مما يؤكل أفراداً، لأنه لا يضر بذلك أحداً إلا أن يخشى على نفسه من الشرق أو الغصص.
قال ابن باز ﵀:
- من آداب الطعام، إذا كان شيئًا يقرن، فإن الإنسان لا يقرن مع إخوانه إلا بإذنهم، وهذا من باب عدم الجشع.

باب مَا يقوله ويفعله من يأكل وَلاَ يشبع


742 - عن وَحْشِيِّ بن حرب - رضي الله عنه: أنَّ أصحابَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يَا رسولَ اللهِ، إنَّا نَأكُلُ وَلاَ نَشْبَعُ؟ قَالَ: «فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ» قالوا: نَعَمْ. قَالَ: «فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ». رواه أَبُو داود.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الذي يأكل ولا يشبع، لذلك أسباب منها:
• أنه لا يسمي الله على الطعام، فإن الإنسان إذا لم يسم الله على الطعام، أكل الشيطان معه، ونزعت البركة من طعامه.
• ومنها: أن يأكل من أعلى الصحفة، فإن ذلك أيضاً مما ينزع البركة من الصحفة؛ لأن النبي ﷺ نهي أن يأكل الإنسان من أعلى الصحفة، فإن فيه البركة فيأكل من الجوانب.
• ومنها: التفرق على الطعام فإن ذلك من أسباب نزع البركة؛ لأن التفرق يستلزم أن كل واحد يجعل له إناء خاص، فيتفرق الطعام وتنزع بركته، وذلك لأنك لو جعلت لكل إنسان طعامًا في صحن واحد، أو في إناءٍ واحد لتفرق الطعام، لكن إذا جعلته كله في إناء واحد اجتمعوا عليه وصار في القليل بركة، وهذا يدل على أنه ينبغي للجماعة أن يكون طعامهم في إناءٍ واحد ولو كانوا عشرةً أو خمسة، يكون طعامهم في صحن واحد بحسبهم، فإن ذلك من أسباب نزول البركة والتفرق من أسباب نزع البركة.
قال ابن باز ﵀:
- الحث على الأكل مجتمعين إذا كانوا أهل بيت، وإذا اجتمعوا يكون أقرب للبركة، وأولى من التفرق.
- ينبغي للآكل أن يبدأ باليمين، وأن يأكل مما يليه ويسمي الله، ولا يتناول الطعام من بين أيدي الناس، بل يأكل مما يليه، ويستحب للآكلين أن يأكلوا من حافات القصعة ويدعوا وسطها للبركة، هكذا جاءت السنة، فإذا اجتمعوا على القصعة أكلوا من جوانبها وتركوا الذروة هي الأخيرة.

باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها


فِيهِ: قَوْله - صلى الله عليه وسلم: «وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» متفق عَلَيْهِ كما سبق.
743 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «البَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطعَامِ؛ فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ، وَلاَ تَأكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
744 - وعن عبد الله بن بُسْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَصْعَةٌ يُقَالُ لَهَا: الغَرَّاءُ يَحْمِلُهَا أرْبَعَةُ رجالٍ؛ فَلَمَّا أَضْحَوْا وَسَجَدُوا الضُّحَى أُتِيَ بِتِلْكَ الْقَصْعَةِ؛ يعني وَقَدْ ثُردَ فِيهَا، فَالتَفُّوا عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَثُرُوا جَثَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ أعرابيٌّ: مَا هذِهِ الجِلْسَةُ؟ فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَريمًا، وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا»، ثُمَّ قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا مِنْ حَوَالَيْهَا، وَدَعُوا ذِرْوَتَها يُبَارَكْ فِيهَا». رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيد.
«ذِرْوَتها»: أعْلاَهَا بكسر الذال وضمها.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ينبغي للناس أن يأكلوا من حواف القصعة، يعني من جوانبها لا من وسطها ولا من أعلاها، ففي حديث عبد الله بن عباس، وعبد الله بن بسر ﵄ ما يدل على ذلك، وأن الإنسان إذا قدم إليه الطعام فلا يأكل من أعلاه، بل يأكل من الجانب، وإذا كان معه جماعة فليأكل مما يليه، ولا يأكل مما يلي غيره، وقوله ﷺ: (البركة تنزل في وسط الطعام) يدل على أن الإنسان إذا أكل من أعلاه ـ أي من الوسط ـ نزعت البركة من الطعام.
- قال أهل العلم: إلا إذا كان الطعام أنواعًا، وكان نوع منه في الوسط وأراد أن يأخذ منه شيئاً فلا بأس، مثل أن يوضع اللحم في وسط الصحفة؛ فإنه لا بأس أن تأكل من اللحم ولو كان في وسطها؛ لأنه ليس له نظير في جوانبها فلا حرج، كما أن النبي ﷺ كان يتتبع الدباء يلتقطها من الصحفة كلها، والدباء هي القرع.

باب كراهية الأكل متكئًا


745 - عن أَبي جُحَيْفَةَ وَهْبِ بن عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ آكُلُ مُتَّكِئًا». رواه البخاري.
قَالَ الخَطَّابِيُّ: المُتَّكئُ هاهُنَا: هُوَ الجالِسُ مُعْتَمِدًا عَلَى وِطَاءٍ تحته، قَالَ: وأرادَ أنَّهُ لا يَقْعُدُ عَلَى الوِطَاءِ وَالوَسَائِدِ كَفِعْل مَنْ يُريدُ الإكْثَارَ مِنَ الطَّعَام، بل يَقْعُدُ مُسْتَوفِزًا لاَ مُسْتَوطِئًا، وَيَأكُلُ بُلْغَةً. هَذَا كلامُ الخَطَّابيِّ ، وأشارَ غَيْرُهُ إِلَى أنَّ الْمُتَّكِئَ هُوَ المائِلُ عَلَى جَنْبِه، والله أعلم.
746 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا مُقْعِيًا يَأكُلُ تَمْرًا. رواه مسلم.
«المُقْعِي»: هُوَ الَّذِي يُلْصِقُ أَلْيَتَيْهِ بالأرض، وَيَنْصِبُ سَاقَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- فيه دليلٌ على أن الإنسان عند الأكل، لا يأكل متكئاً، وإنما يأكل مستوفزاً يعني جاث على ركبته، حتى لا يكثر من الأكل، لقول النبي ﷺ في الإكثار من الأكل: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، فإن كان لا محالة، فثلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفسه). هذا هو الأكل النافع الطبيعي، وإذا جُعت فكل، فالأمر ليس مقصوراً على ساعات معينة، لكن كونك تأكل هذا الخفيف يكون أسهل للهضم، وأسهل للمعدة، وإذا اشتهيت فكل، وهذا من الطب النبوي، لكن لا بأس بالشبع أحياناً، لأن النبي ﷺ أقر أبا هريرة ﵁ حينما سقاه اللبن، وقال: (اشرب، اشرب، اشرب)، حتى قال: (والله لا أجد له مسلكاً)، يعني لا أجد له مكانًا، فأقره النبي ﷺ على ذلك، وإنما الذي ينبغي أن يكون الأكثر في أكلك كما أرشد إليه النبي ﷺ، ثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس.
- الأكل ينقسم بالنسبة للجلوس له إلى قسمين: قسم منهيٌ عنه، وليس من هدي النبي ﷺ، وهو أن يأكل الإنسان متكئًا؛ إما على اليد اليمنى أو على اليد اليسرى، وذلك لأن الاتكاء يدل على غطرسة وكبرياء، وهذا معنى نفسي؛ ولأنه إذا أكل متكئًا يتضرر حيث يكون مجرى الطعام متمايلاً ليس مستقيماً، فلا يكون على طبيعته، فربما حصل في مجارى الطعام أضرار من ذلك.
- الإقعاء أن ينصب قدميه، ويجلس على عقبيه، هذا هو الإقعاء، وإنما أكل النبي ﷺ كذلك، لئلا يستقر في الجلسة فيأكل أكلًا كثيراً؛ لأن الغالب أن الإنسان إذ كان مقعياً لا يكون مطمئناً في الجلوس، فلا يأكل كثيراً. والحاصل أن عندنا جلستين:
• الجلسة الأولى: الاتكاء، وهذه ليست من هدي النبي ﷺ أن يأكل متكئًا.
• وكل أنواع الجلوس الباقية جائزة، ولكن أحسن ما يكون ألا تجلس جلسة الإنسان المطمئن المستقر، لئلا يكون ذلك سبباً لإكثار الطعام، وإكثار الطعام لا ينبغي، والأفضل أن يجعل الإنسان ثلثاً للأكل، وثلثاً للشراب، وثلثاً للنفس، هذا أصح ما يكون في الغذاء فإن تيسر فهذا هو المطلوب، ولا بأس أن يشبع الإنسان أحياناً.
قال ابن باز ﵀:
- كراهة الأكل متكئًا؛ فالمعنى النصيحة للأمة أن لا يأكلوا متكئين؛ لأنه الأسوة، كما قال الله ﷿: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:21].
- قوله: (لا آكل) إبلاغ للأمة أن هذه الجلسة غير مناسبة، لم ينه عنها، قال: لا أفعلها، والذي لا يفعله، يستحب لنا أن لا نفعله.
- الاتكاء: الميل، أن يميل على أحد جانبيه، هذا المتكئ، يتكئ على يده أو على كرسيه أو على مركأ، المتكئ هو المائل، والمنتصب ولو كان متمكنًا، أو متربعًا فلا بأس، لكن إذا كان متكئًا على أحد جنبيه هذا المتكئ.
- الحديث يدل على أنه لا بأس أن يأكل وهو مقعي على ركبتيه، المكروه الجلسة التي هي اتكاء، أما إذا جلس على ركبتيه مفترشًا، أو متوركًا، أو مقعيًا، فلا حرج في ذلك.

باب استحباب الأكل بثلاث أصابع، واستحباب لعق الأصابع، وكراهة مسحها قبل لعقها


واستحباب لعق القصعة وأخذ اللقمة الَّتي تسقط منه وأكلها، وجواز مسحها بعد اللعق بالساعد والقدم وغيرها
747 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا، فَلاَ يَمْسَحْ أَصَابِعَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَها». متفقٌ عَلَيْهِ.

748 - وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قَالَ: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأكُلُ بثَلاَثِ أصابعَ، فإذا فَرَغَ لَعِقَهَا. رواه مسلم.
749 - وعن جابر - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: «إنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ». رواه مسلم.
750 - وعنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ، فَلْيأخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَان، وَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ بالمِنْدِيل حَتَّى يَلْعَقَ أصَابِعَهُ، فَإنَّهُ لاَ يَدْري في أيِّ طَعَامِهِ البَرَكَةُ». رواه مسلم.
751 - وعنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فإذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيَأخُذْهَا فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً، ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا للشَّيْطَانِ، فإذا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أصابِعَهُ، فإنَّهُ لا يَدْري في أيِّ طعامِهِ البَرَكَةُ». رواه مسلم.

752 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أكَلَ طَعَامًا، لَعِقَ أصَابِعَهُ الثَّلاَثَ، وقال: «إِذَا سقَطَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ فلْيُمِطْ عنها الأذى، وَليَأكُلْهَا، وَلاَ يَدَعْها لِلْشَّيْطَان» وأمَرَنا أن نَسْلُتَ القَصْعَةَ، وقال: «إنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ينبغي للإنسان أن يأكل بثلاثة أصابع: الوسطى والسبابة والإبهام؛ لأن ذلك أدل على عدم الشره، وأدل على التواضع، ولكن هذا في الطعام الذي يكفي فيه ثلاثة أصابع، أما الطعام الذي لا يكفى فيه ثلاثة أصابع مثل الأرز فلا بأس بأن تأكل بأكثر، لكن الشيء الذي تكفي فيه الأصابع الثلاثة، اقتصر عليها فإن هذا سنة النبي ﷺ.
- ينبغي للإنسان إذا انتهى من الطعام أن يلعق أصابعه قبل أن يمسحها بالمنديل، كما أمر بذلك النبي ﷺ؛ يلعقها هو أو يُلعقها غيره، أما كونه هو يلعقها فالأمر ظاهر، وكونه يلعقها غيره، هذا أيضاً ممكن، فإنه إذا كانت المحبة بين الرجل وزوجته محبة قوية، يسهل عليه جداً أن تلعق أصابعه أو أن يلعق أصابعها فهذا ممكن؛ وقول بعض الناس: إن هذا لا يمكن أن يقوله النبي ﷺ لأنه كيف يلعق الإنسان أصابع غيره؟ نقول إن النبي ﷺ لا يقول إلا حقاً، ولا يمكن أن يقول شيئاً لا يمكن، فالأمر في هذا ممكن جداً. وكذلك الأولاد الصغار أحياناً، الإنسان يحبهم ويلعق أصابعهم بعد الطعام هذا شيء ممكن، فالسنة أن تلعقها أو تلعقها غيرك والأمر الحمد لله واسع، ما قال الرسول ﷺ فليلعقها غيره، حتى نقول هذا إجبارا للناس على شيء يشق عليهم، الأمر واسع.
- (إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة)، قد تكون البركة ونفع الطعام الكثير، بهذا الجزء الذي تلعقه من أصابعك.
- ينبغي للإنسان أن يلعق الصحفة أو القدر أو الإناء الذي فيه الطعام، إذا انتهيت فالحس حافته كما أمر بهذا النبي ﷺ، فإنك لا تدري في أي طعامك البركة، ومع الأسف أن الناس يتفرقون عن الطعام بدون تنفيذ هذه السنة فتجد حافات الآنية عليها الطعام كما هي، والسبب في هذا الجهل بالسنة. ولو أنّ طلبة العلم إذا أكلوا مع العامة، وجهوهم إلى هذه السنة، وغيرها من سنن الأكل والشرب، لانتشرت هذه السنن، لكن نسأل الله أن يعاملنا بعفوه، فنحن نتجاوز كثيراً ونتهاون في الأمر، وهذا خلاف الدعوة إلى الحق.
- الإنسان إذا سقطت منه اللقمة فلا يتركها؛ بل يأخذها وإذا كان فيها أذى يمسحه، لا يأكل الأذى، لأن الإنسان ليس مجبراً أن يأكل شيئاً لا يشتهيه، يمسح الأذى، كأن يكون فيها عود أو تراب أو ما أشبه ذلك امسحه ثم كله، لماذا؟ لأن النبي ﷺ قال: (ولا يدعها للشيطان)؛ لأن الشيطان يحضر ابن آدم في كل شؤونه، إن أراد أن يأكل حضره، وإن أراد أن يشرب حضره، وإن أراد أن يأتي أهله حضره، حتى يشاركه، فهو يشارك أهل الغفلة.
- الشيطان يترقب اللقمة إذا سقطت بالأرض، فإن رفعتها أنت فهي لك، وإن تركتها أكلها هو، فصار إذا لم يشاركك في الطعام، شاركك فيما يسقط من الطعام، ولهذا فضيق عليه في ذلك أيضاً، فإذا سقطت اللقمة أو التمرة أو ما أشبه ذلك في الأرض فخذها، وإذا كان علق بها أذىً، فأزل ذلك الأذى ثم كلها ولا تدعها للشيطان.
قال ابن باز ﵀:
- السنة للمؤمن أن يلعق أصابعه إذا أكل، ويسلت ما يليه من الصحفة.
- السنّة إذا فرغ الإنسان من الطعام ألا يمسح يده بالمنديل ولا يغسلها حتى يلعقها أو يُلعقها؛ لأنه قد يكون فيها بقية، إذا كان الطعام مما يبقي فيه بقية فلا يغسلها ولا يمسحها بالمنديل حتى يلعقها بنفسه أو يلعقه غيره كزوجته أو ولده أو خادمه.
- أمر ﷺ إذا سقطت اللقمة ألا يدعها للشيطان، بل يأخذها ويمط ما بها، إن كان لحقها أذى، يميطه ويأكل السليم.
- كان يأكل بثلاث أصابع ﷺ، ويلعقها إذا كان شيء مما يمكن أن يُلعق، يأكل بالأصابع الثلاثة كالتمرة والشيء الذي يتعلق بالأصابع وتحمله الثلاثة، وإذا احتاج إلى الخمسة أكل بالخمسة، لكن كان يأكل بالثلاثة على قناعة عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على أن الأكل بالثلاثة إذا تيسر فهو أفضل.
- (فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة)، هذه الحكمة قد تكون البركة في الشيء القليل الذي في الأصابع، والناس يأكلون من أطراف القصعة وجوانبها لا من وسطها، بل وسطها يترك للبركة.

753 - وعن سعيد بنِ الحارث: أنّه سأل جابرًا - رضي الله عنه - عنِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَقَالَ: لا، قَدْ كُنَّا زَمَنَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا نَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ الطَّعامِ إِلاَّ قليلًا، فإذا نَحْنُ وجَدْنَاهُ، لَمْ يَكُنْ لنا مَنَادِيلُ إِلاَّ أكُفَّنا، وسَواعِدَنَا، وأقْدامَنَا، ثُمَّ نُصَلِّي وَلاَ نَتَوَضَّأُ. رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الوضوء من الطعام المطبوخ الذي مسته النار كالخبز والأرز والجريش وغيرها، هل يتوضأ الإنسان إذا أكله أم لا؟ قال بعض العلماء إنه يجب على من أكل شيئاً مطبوخاً على النار أن يتوضأ؛ لأن النبي ﷺ أمر بالوضوء مما مست النار، ولكن الصحيح أنه لا يجب،كما في حديث جابر في صحيح البخاري الذي أورده المؤلف ﵀. إذا أكلت شيئاً مطبوخاً على النار فالأفضل أن تتوضأ ولو كنت على وضوء، والصحيح أنه ليس بواجب، ولكنه سنة، لأن آخر الأمرين من النبي ﷺ ترك الوضوء مما مست النار، يعني عدم الالتزام به.
قال ابن باز ﵀:
- فيه أن الأكل مما مست النار لا يوجب الوضوء، كان النبي ﷺ أمرهم بالوضوء مما مست النار، ثم رخص في ذلك، وكان ربما أكل الطعام واللحم ثم صلى ولم يتوضأ كما ذكر جابر ﵁، فالمقصود أن الوضوء مما مست النار مشروع لكن لا يجب، إلا إذا كان من لحم الإبل؛ فإن لحم الإبل ينقض الوضوء فيتوضأ، أما ما سواه فلا حرج.