باب تكثير الأيدي عَلَى الطعام


754 - عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «طَعَامُ الاثنينِ كافِي الثلاثةِ، وطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كافي الأربعة» متفق عَلَيْهِ.
755 - وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ». رواه مسلم.
قال ابن باز ﵀:
- المعنى: أنّ الاشتراك في الطعام المعد للاثنين يكفي الأربعة، ومعد للأربعة يكفي ضعفه ثمانية، وأن الله يبارك في ذلك، فينبغي ألا يشح المؤمن، وألا يبخل، وألا يسيء الظن، وقد ينزل بالإنسان من الضيوف ما لم يخطر على باله وما لم يحصل له إعداد مناسب لهم، فلا يجزع بل يقدم ما حصل والله ينزل البركة.

باب أدب الشرب واستحباب التنفس ثلاثًا خارج الإناء وكراهة التَّنَفُّس في الإناء واستحباب إدارة الإناء عَلَى الأيمن فالأيمن بعد المبتدئ


756 - عن أنس - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَنَفَّسُ في الشَّرابِ ثَلاثًا. متفق عَلَيْهِ.
يعني: يتنفس خارجَ الإناءِ.
757 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ البَعِيرِ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ، وَسَمُّوا إِذَا أنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا إِذَا أنْتُمْ رَفَعْتُمْ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن».
758 - وعن أَبي قَتَادَة - رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ في الإناءِ. متفق عَلَيْهِ.
يعني: يتنفس في نفس الإناءِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- للشرب آداب:
• منها: أن يسمي الله ﷿ إذا شرب، فيقول عند الشرب: بسم الله.
• ومنها: أن يتنفس في الشرب ثلاثاً؛ لقول أنس بن مالك ﵁ "كان النبي ﷺ إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثاً"، كيف يتنفس ثلاثاً؟ يعني يشرب، ثم يفصل الإناء عن فمه، ثم يشرب، ثم يفصله عن فمه، ثم يشرب الثالثة، ولا يتنفس في الإناء؛ لحديث أبي قتادة ﵁ أنّ النبي ﷺ: (نهى أن يتنفس الإنسان في الإناء)؛ لأنّ النفس في الإناء مستقذر على من يشرب من بعده، وربما يخرج مع النفس أمراض في المعدة، أو في المريء، أو في الفم فتلتصق في الإناء، وربما يشرق إذا تنفس في الإناء، فلهذا نهى النبي ﷺ أن يتنفس الإنسان في الإناء، بل يتنفس ثلاثة أنفاس، كل نفس يبعد فيه الإناء عن فمه.
قال ابن باز ﵀:
- يقول النبي ﷺ: (إن النبي ﷺ نهى أن يتنفس في الإناء)؛ يعني: إذا تنفس لا يتنفس في الإناء يفصله عن فمه؛ لأنه قد يخرج من فمه شيء ويقذر ما في الإناء، قد يشرق بالماء أو باللبن.
وإذا فضل منه شيء سواء كان لبنًا أو ماء يعطي من عن يمينه.

759 - وعن أنس - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بماءٍ، وَعَنْ يَمِينهِ أعْرَابيٌّ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْر - رضي الله عنه - فَشَرِبَ، ثُمَّ أعْطَى الأعْرابيَّ، وقال: «الأيْمَنَ فالأيْمَنَ» متفق عَلَيْهِ.
قَوْله: «شِيب» أيْ: خُلِطَ.
760 - وعن سهلِ بن سعدٍ - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشرابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أشْيَاخٌ، فَقَالَ للغُلامِ: «أتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هؤُلاَءِ؟» فَقَالَ الغُلامُ: لاَ واللهِ، لاَ أُوثِرُ بنَصيبي مِنْكَ أَحَدًا. فَتَلَّهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يَدِهِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قَوْله: «تَلَّهُ» أيْ وَضَعَهُ. وهذا الغلامُ هُوَ ابْنُ عباس رضي الله عنهما.
قال ابن عثيمين ﵀:
- أما التناول يعني بمن يبدأ في إعطاء الإناء إذا أراد أن يعطي الشراب أحدًا؟ مثال ذلك: رجل دخل ومعه شراب؛ معه شاي أو قهوة بمن يبدأ؟ نقول: إذا كان من الناس قد طلب الشراب فقال: هات الماء مثلًا، فإنه يبدأ به هو الأول، وإذا لم يكن أحد طلبه، فإنه يبدأ بالأكبر، ثم الأكبر، يناوله من على يمينه. وإذا كان الإناء مخصوصًا لكل واحد إناء كالفناجيل والكؤوس مثلا، فيبدأ بالأكبر، ثم يعطي الذي عن يساره؛ لأنّ الذي عن يساره هو الذي عن يمين الصّابّ، والصّابّ هو الذي سيناول، فيبدأ بمن على يمينه، والذي على يمين الصاب هو الذي عن يسار الشارب؛ لأن الصّاب مستقبل للشارب، فيكون من على يسار الشارب هو الذي على يمين الصاب.
- إذا كان الذي على اليمين أصغر سِنًا؛ فإنه يفضل على الذي على اليسار ولو كان أكبر سنًا.
- إذا كان الذي على اليمين أقل قدرًا، فإنه يعطى ويقدم على الذي هو أعظم قدرًا إذا كان على اليسار؛ لقول الرسول ﷺ: (الأيمنون الأيمنون الأيمنون، ألا فيمنوا، ألا فيمنوا، ألا فيمّنوا) هكذا جاء الحديث، لكن هذا فيمن إذا شرب يريد أن يناول من على يمينه، أو على يساره. أما ما يفعله الناس اليوم؛ يأتي الرجل بالإبريق، ويدخل المجلس، فهنا يبدأ بالأكبر؛ لأن الرسول ﷺ كان يبدأ به، فيعطيه أولا، ولأنه لما أراد أن يناول ﷺ المسواك أحد الرجلين اللذين وقفا، قيل له: (كبّر كبر)، وقد ورد أيضا في ذلك أحاديث عن النبي ﷺ، أنّك إذا دخلت المجلس تبدأ بالأكبر لا بمن على اليمين، والله الموفق.

باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنزيه لا تحريم


761 - عن أَبي سعيدٍ الْخُدْريِّ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ. يعني: أن تُكْسَرَ أفْواهُها، وَيُشْرَبَ مِنْهَا. متفق عَلَيْهِ.
762 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُشْرَبَ مِنْ فِيِّ السِّقَاءِ أَوْ القِرْبَةِ. متفق عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- من آداب الشرب: ألا يشرب الإنسان من فم القربة، أو السقاء؛ لأن النبي ﷺ نهى عن ذلك، والحكمة من هذا أن المياه فيما سبق ليست بتلك المياه النظيفة، فإذا صارت في القربة أو في السقاء، فإنه يكون فيها أشياء مؤذية عيدان، أو حشرات، أو غير ذلك مما هو معروف لمن كانوا يستعملون هذا من قبل، فلهذا نهى النبي ﷺ (عن اختناث الأسقية) يعني أن الإنسان يكسر أفواهها، ثم يشرب.
قال ابن باز ﵀:
- السنة أن يفرغ من القربة والسقاء ونحو ذلك في الإناء ويشرب حتى يكون على بصيرة بما يشرب؛ لكن إذا كان هناك حاجة كأن لا يجد إناء ونحو ذلك، فلا بأس.
- ثبت عن الرسول ﷺ أنه شرب قائما من زمزم، وثبت من حديث عائشة ﵂ أنّه ﷺ شرب قائما وقاعدا، فنهى عن الشرب قائماً، نهي تنزيه كراهة، السنة القعود إلا عند الحاجة، فلا مانع من الشرب قائما لعجلة أو كون الأرض غير مناسبة للجلوس فيها أو لأسباب اقتضت ذلك، وهذا كله يتعلق بالآداب الشرعية في الشرب.

763 - وعن أم ثابتٍ كَبْشَةَ بنتِ ثابتٍ أُختِ حَسَّانَ بن ثابتٍ رضي الله عنهما، قالت: دخل عَلَيَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَشَرِبَ مِنْ فيِّ قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِمًا، فَقُمْتُ إِلَى فِيهَا فَقَطَعْتُهُ. رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
وإنّما قَطَعَتْهَا: لِتَحْفَظَ مَوْضِع فَمِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَتَتَبَرَّكَ بِهِ، وتَصُونَهُ عَن الابْتِذَال. وهذا الحديث محمولٌ عَلَى بيان الجواز، والحديثان السابقان لبيان الأفضل والأكمل، والله أعلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- في الحديث دليلٌ على جواز التبرك بآثار النبي ﷺ وهو كذلك، وقد كان الصحابة يتبركون بعرق النبي ﷺ، ويتبركون بريقه، ويتبركون بثيابه، ويتبركون بشعره، أما غيره ﷺ فإنّه لا يتبرك بشيءٍ من هذا، فلا يتبرك بثياب الإنسان، ولا بشعره، ولا بأظفاره، ولا بشيء من متعلقاته، إلا النبي ﷺ، والله أعلم.

باب كراهة النفخ في الشراب


764 - عن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَن النَّفْخ في الشَّرَاب، فَقَالَ رَجُلٌ: القَذَاةُ أراها في الإناءِ؟ فَقَالَ: «أهرقها». قَالَ: إنِّي لا أرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحدٍ؟ قَالَ: «فَأَبِنِ القَدَحَ إِذًا عَنْ فِيكَ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».

765 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُتَنَفَّسَ في الإناءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ. رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- ذكر النبي ﷺ حديثين فيهما النهي عن النفخ في الشراب، وذلك لأنّ الإنسان إذا نفخ ربما يحصل من الهواء الذي يخرج منه أشياء مؤذية، أو ضارة كمرض ونحوه؛ فلهذا نهى النبي ﷺ عن النفخ فيه، فسأله الرجل قال: يا رسول الله، القذاة، يعني تكون في الشراب، يعني مثل العود الصغير، أو ما أشبه ذلك، فينفخه الإنسان من أجل أن يخرج، فقال النبي ﷺ: (أهرقها) يعني صب الماء الذي فيه القذاة ولا تنفخ فيه. ثم سأله: أنه لا يروى بنفس واحد، فقال: (أبن الإناء عن نفسك) المعنى أنه يشرب ويحتاج إلى تنفس، فأمره النبي ﷺ أن يبين الإناء عن فمه، يعني يفصله، ثم يتنفس، ثم يعود فيشرب، إلا أنّ بعض العلماء استثنى من ذلك ما دعت الحاجة إليه، كما لو كان الشراب حارًا ويحتاج إلى السرعة، فرخص في هذا بعض العلماء، ولكن الأولى ألا ينفخ حتى وإن كان حارا، إذا كان حارا، وعنده إناء آخر، فإنه يصبه في الإناء، ثم يعيده مرة ثانية حتى يبرد.
- في هذا دليلٌ على أنّ الشريعة الإسلامية كاملةٌ من جميع الوجوه، كل شيء قد علمنا إياه رسول الله ﷺ كما قال أبو ذر: "لقد توفي رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً" حتى الطيور في السماء لنا منها علم بتعليم الله ورسوله إيانا.