باب بيان جواز الشرب قائمًا وبيان أنَّ الأكمل والأفضل الشرب قاعدًا


فِيهِ حديث كبشة السابق .
766 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: سَقَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ زَمْزَمَ، فَشَربَ وَهُوَ قَائِمٌ. متفق عَلَيْهِ .
767 - وعن النَّزَّالِ بن سَبْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَى عَلِيٌّ - رضي الله عنه - بَابَ الرَّحْبَةِ، فَشَربَ قائِمًا، وقال: إنِّي رَأَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ كما رَأَيْتُمُوني فَعَلْتُ. رواه البخاري.
768 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: كُنَّا عَلَى عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَأكُلُ وَنَحْنُ نَمْشِي، وَنَشْرَبُ ونَحْنُ قِيامٌ. رواه الترمذي ، وقال: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- الأفضل في الأكل والشرب أن يكون الإنسان قاعدًا، لأن هذا هو هدي النبي ﷺ، ولا يأكل وهو قائم ولا يشرب وهو قائم، أما الشرب وهو قائم فإنه صح عن النبي ﷺ أنّه نهى عن ذلك، وسئل أنس بن مالك عن الأكل قال: "ذاك أشر وأخبث"، يعني معناه أنّه إذا نهى عن الشرب قائمًا فالأكل قائمًا من باب أولى.
- في حديث ابن عمر ﵁ الذي أخرجه الترمذي وصححه قال: "كنا في عهد النبي ﷺ نأكل ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام" فهذا يدل على أنّ النهي ليس للتحريم ولكنه لترك الأولى، بمعنى أن الأحسن والأكمل أن يشرب الإنسان وهو قاعد وأن يأكل وهو قاعد، ولكن لا بأس أن يشرب وهو قائم وأن يأكل وهو قائم، والدليل على ذلك حديث عبد الله بن عباس ﵁ قال: "سقيت النبي ﷺ وعلى آله من زمزم فشرب وهو قائم".

769 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَدِّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَشْرَبُ قَائِمًا وقَاعِدًا. رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
770 - وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم: أنه نَهى أن يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا. قَالَ قتادة: فَقُلْنَا لأَنَسٍ: فالأَكْلُ؟ قَالَ: ذَلِكَ أَشَرُّ - أَوْ أخْبَثُ. رواه مسلم. وفي رواية لَهُ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - زَجَرَ عَن الشُّرْب قائِمًا.
771 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَشْرَبَنَّ أحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِيء». رواه مسلم.

باب استحباب كون ساقي القوم آخرهم شربًا


772 - عن أَبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَاقِي القَومِ آخِرُهُمْ شُرْبًا». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- ساقي القوم ينبغي أن يكون هو آخرهم شربًا، لما في ذلك من الإيثار وامتثال أمر النبي ﷺ.
- في هذا إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يخدم إخوانه بسقيهم وإذا كان صاحب البيت فليقدم إليهم الشراب أو الأكل كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام .
- هل الأفضل أن صاحب البيت ينصرف ولا يشاركهم في الطعام سواء كان غداء أو عشاء أو فطور أو الأفضل أن لا ينصرف؟ هذا يرجع إلى عادة الناس فإذا كانت مشاركته أطيب لقلوب الضيوف وأكثر إناسًا فليأكل معهم، وإذا كان الأمر بالعكس وجرت العادة أنه لا يأكل الإنسان مع ضيوفه فلا يأكل، ولقد قال رسول الله ﷺ: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، ولم يبين نوع الإكرام فيرجع في ذلك إلى ما جرى به عرف الناس.

باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة وجواز الكرع - وَهُوَ الشرب بالفم من النهر وغيره بغير إناء ولا يد - وتحريم استعمال إناء الذهب والفضة في الشرب والأكل والطهارة وسائر وجوه الاستعمال


773 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فقامَ مَن كَانَ قَريبَ الدَّارِ إِلَى أهْلِهِ، وبَقِيَ قَوْمٌ، فأُتِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ، فَصَغُرَ المخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَتَوَضَّأَ القَوْمُ كُلُّهُمْ. قالوا: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَمَانِينَ وزيادة. متفق عَلَيْهِ، هذه رواية البخاري.
وفي رواية لَهُ ولمسلم: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَعَا بإناءٍ مِنْ ماءٍ، فَأُتِيَ بقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ماءٍ، فَوَضَعَ أصابعَهُ فِيهِ. قَالَ أنسٌ: فَجَعلْتُ أنْظُرُ إِلَى الماءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْن أصَابِعِهِ، فَحَزَرْتُ مَنْ تَوضَّأ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانينَ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله في كتابه لبيان حكم الأواني واستعمالها في الشرب، ليعلم أن هناك قاعدة نافعة، وهي أنّ الأصل في كل ما خلق الله في الأرض أنه حلال فالأصل أن حكمه الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى:﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29].

774 - وعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قَالَ: أتَانَا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً في تَوْرٍ مِنْ صُفْر فَتَوَضَّأَ. رواه البخاري.
«الصُّفْر»: بضم الصاد، ويجوز كسرها، وَهُوَ النُّحاس، و «التَّوْر»: كالقدح، وَهُوَ بالتاء المثناة من فوق.
775 - وعن جابر - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِن الأَنْصَارِ، وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هذِهِ اللَّيْلَةَ في شَنَّةٍ وَإلاَّ كَرَعْنَا ». رواه البخاري.
«الشنّ»: القِربة.
قال ابن باز ﵀:
- يدل على أنّه لا بأس بالكرع في ماءٍ ماش كالنهر أو ساقية أو ما أشبه ذلك عند عدم وجود الأدوات، وإن شاء شرب في كفيه أو في إناء الأمر فيه واسع.

776 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قَالَ: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَانَا عَن الحَرِير، وَالدِّيباجِ، والشُّربِ في آنِيَة الذَّهَب والفِضَّةِ، وقال: «هي لَهُمْ في الدُّنْيَا، وهِيَ لَكُمْ في الآخِرَةِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين:
- العلة من تحريم آنية الذهب والفضة، بينها الرسول ﷺ: (هي لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة).
- هذا خاص بآنية الذهب والفضة، لو أن الإنسان شرب بآنية من معدن أغلى من الذهب والفضة لم يكن هذا حرامًا إذا لم يصل إلى حد السرف، ولكن لو أكل أو شرب في الذهب والفضة كان ذلك حرامًا، لأن النبي ﷺ نهى عن ذلك.
- والمطلي بالذهب والفضة قال العلماء: إنه كالخالص لا يجوز أن يؤكل فيه ولا أن يشرب فيه.
قال ابن باز ﵀:
- أواني الذهب والفضة تحرم على الرجال والنساء، وإنما هي لهم يعني للكفار في الدنيا ولكم في الآخرة، فلا يجوز الشرب في أواني الذهب والفضة ولا الاغتسال فيها، و لا أكل الطعام فيها ولا غير ذلك مايجوز استعمالها بجميع أنواع الاستعمال لا للرجال ولا للنساء.

777 - وعن أُمِّ سلمة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الَّذِي يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ، إنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية لمسلم: «إنَّ الَّذِي يَأكُلُ أَوْ يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ».
وفي رواية لَهُ: «مَنْ شَرِبَ في إناءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّم».
قال ابن عثيمين ﵀:
- دليلٌ أنّ الأكل في آنية الذهب والفضة من كبائر الذنوب، لأنّ النبي ﷺ توعد على ذلك بأن من فعله: فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم، الجرجرة صوت الطعام والشراب وهو ينحدر في البلعوم، فإذا أكل أو شرب في إناء الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم، وهذا يدل على أنّه من كبائر الذنوب، لأن فيه الوعيد.
- كل ذنب فيه وعيدٌ فإنّه من كبائر الذنوب.