كتَاب اللّبَاس


باب استحباب الثوب الأبيض، وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود، وجوازه من قطن وكتان وشعر وصوف وغيرها إِلاَّ الحرير


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَاري سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف: 26]، وقال تَعَالَى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأسَكُمْ﴾ [النحل: 81].
778 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ البَيَاضَ؛ فَإنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
779 - وعن سَمُرَة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الْبَسُوا البَيَاضَ؛ فَإنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ». رواه النسائي والحاكم، وقال: «حديث صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- إنّ الثوب الأبيض خير من غيره من جهة الإضاءة والنور، ومن جهة أنه إذا اتسخ أدنى اتساخ ظهر فيه؛ فبادر الإنسان إلى غسله، أما الثياب الأخرى فربما تتراكم فيها الأوساخ والإنسان لا يشعر بها، ولا يغسلها، وإذا غسلها فلا يدري هل تنظف أم لا؟ فلهذا قال النبي ﷺ: (فإنّها من خير ثيابكم).

780 - وعن البراءِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرْبُوعًا ، وَلَقَدْ رَأيْتُهُ في حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
781 - وعن أَبي جُحَيفَةَ وَهْب بن عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ: رَأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِمكّةَ وَهُوَ بالأبْطَحِ في قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدمِ، فَخَرَجَ بِلاَلٌ بِوَضُوئِهِ، فَمِنْ نَاضِحٍ وَنَائِلٍ، فَخَرَجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وعليه حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، كَأنِّي أنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، فَتَوَضّأ وَأذَّنَ بِلاَلٌ، فَجَعَلْتُ أتَتَبَّعُ فَاهُ هاهُنَا وَهَاهُنَا، يقولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ لاَ يُمْنَعُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
«العنَزة» بفتح النون: نحو العُكازَة.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الإنسان إذا كان في السفر، فإنه ينبغي أن يصلي إلى شيء قائم، كعصا يركزها في الأرض، أو ما أشبه ذلك.
قال ابن باز ﵀:
- لبس جميع الألوان كلها جائزة، وأفضلها البياض.

782 - وعن أَبي رمْثَة رفَاعَةَ التَّيْمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوبانِ أخْضَرَان. رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد صحيح.
783 - وعن جابر - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاء. رواه مسلم.
784 - وعن أَبي سعيد عمرو بن حُرَيْثٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كأنّي أنْظُرُ إِلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قَدْ أرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
785 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كُفِّنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثةِ أثْوَاب بيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. متفقٌ عَلَيْهِ.
«السَّحُولِيَّة» بفتح السين وضمها وضم الحاء المهملتين: ثيابٌ تُنْسَبُ إِلَى سَحُول: قَرْيَة باليَمنِ «وَالكُرْسُف»: القُطْنُ.
786 - وعنها، قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غَدَاةٍ، وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مرَحَّلٌ مِنْ شَعرٍ أسْوَد. رواه مسلم.
«المِرْط» بكسر الميم: وَهُوَ كساءٌ وَ «المُرَحَّلُ» بالحاء المهملة: هُوَ الَّذِي فِيهِ صورةُ رحال الإبل، وهِيَ الأَكْوَارُ.
قال ابن باز ﵀:
- النبي ﷺ ينوع بالألبسة وألوانها حتى يعلم الناس الجواز، وأنه لا حرج في هذه الألبسة ولا حرج في الألوان، إلا أنه لا يجوز لبس الحرير، يجب الحذر من الحرير مطلقا في حق الرجل، ومن مسه الحرير من أنواع اللباس. وفي حق المرأة كل أنواع الألبسة من قطن وشعر وصوف وحتى الحرير جائز لها.

787 - وعن المغيرة بن شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ لَيْلَةٍ في مسير، فَقَالَ لي: «أمَعَكَ مَاءٌ؟» قلتُ: نَعَمْ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى في سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَأفْرَغْتُ عَلَيْهِ مِنَ الإدَاوَةِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أخْرَجَهُمَا مِنْ أسْفَلِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأسِهِ، ثُمَّ أهْوَيْتُ لأَنْزَعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» وَمَسحَ عَلَيْهِمَا. متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية: وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الكُمَّيْنِ.
وفي رواية: أنَّ هذِهِ القَضِيَّةَ كَانَتْ في غَزْوَةِ تَبُوكَ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- لا يجوز أن يمسح على حائل سوى الخفين، أو العمامة، فلو كان على الإنسان ثوب ضيق الأكمام، ولا تخرج اليد إلا بصعوبة وقال: أمسح على هذا الثوب كما أمسح على الخف قلنا: هذا لا يجوز لابد أن تخرج يدك حتى تغسلها حتى لو فرض أنها لم تخرج إلا بشق الكم فإنه يشق حتى يؤدي الإنسان ما فرض الله عليه من غسل اليد ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: 6].
- من فوائد هذا الحديث: ما ذهب إليه بعض العلماء؛ من أن المسح على الخفين يكون مرة واحدة على القدمين إذ أن المغيرة لم يذكر أنّه بدأ باليمنى قبل اليسرى، فاستنبط بعض العلماء من ذلك أنّ المسح على الخفين يكون باليدين جميعا مرة واحدة، ولكن لا حرج أن الإنسان يفعل هذا، أو يمسح على الرجل اليمنى قبل اليسرى، لأن المسح بدل عن الغسل، والغسل تقدم فيه اليمنى على اليسرى، والبدل له حكم المبدل، فإن فعل الإنسان هذا أو هذا فلا حرج، والأمر في هذا واسع.
قال ابن باز ﵀:
- الدلالة على أنّه ﷺ كان يلبس مما يرد من بلاد الكفرة، كان عليه جبة شامية في غزوة تبوك، وكان يأتي الألبسة من اليمن حال كونها كافرة، قبل إسلامهم، يأتي منهم مروط سود مخططة بحمر ويلبسونها، فدل ذلك على أنه لا بأس أن يلبس المسلمون ما يرد من بلاد الكفرة، الأصل الطهارة.

باب استحباب القميص


788 - عن أُمِّ سَلَمَة رضي الله عنها، قالت: كَانَ أحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الْقَمِيص. رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- كان النبي ﷺ يحب القميص؛ لأنه أستر، ولأنّه قطعة واحدة يلبسها الإنسان مرة واحدة، فهي أسهل من أن يلبس الإزار أولًا، والرداء.
قال ابن باز ﵀:
- فيه الدلالة على أفضلية القميص على غيره من الإزار والرداء؛ لأنه أكمل في الستر، وأكمل في الزينة، ولهذا كان القميص أحب لباسه ﷺ ، وكان يجعل كمه إلى الرسغ، والقميص هو الذي يسمى الآن المقطع، يسمي بعضهم مدرعة أو يسمى القميص، وهو لباس يستر البدن كله ويكون له يدان، فهذا يسمى القميص، ويسمى المدرعة، ويسمى الجبة، ويسمى غير ذلك من الأسماء التي تختلف في عُرف البلاد.
- كان أحب اللباس إليه ﷺ القميص، لما فيه من الستر الكامل، الزينة الكاملة، وكان يلبس تارة القميص، وتارة إزارًا ورداء ﷺ، وهكذا العرب كان من لباسهم القميص، ومن لباسهم إزار ورداء، كلبس المحرم، كل ذلك جائز ولا شيء فيه.