باب صفة طول القميص والكُم والإزار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء من ذلك على سبيل الخيلاء وكراهته من غير خيلاء


789 - عن أسماءَ بنتِ يزيد الأنصاريَّةِ رَضِيَ الله عنها، قالت: كَانَ كُمُّ قَمِيص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الرُّسْغِ. رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- كان النبي ﷺ يحب القميص؛ لأنه أستر، ولأنّه قطعة واحدة يلبسها الإنسان مرة واحدة، فهي أسهل من أن يلبس الإزار أولًا، والرداء ثانيًا.
- لو كنت في بلد يعتادون لباس الأزر والأردية ولبست مثلهم، فلا حرج، والمهم ألا تخالف لباس أهل بلدك فتقع في الشهرة، وقد نهى النبي ﷺ عن لباس الشهرة.
- فيه دليلٌ على أن كم القميص يكون إلى الرسغ، والرسغ هو: الوسط بين الكوع والكرسوع، لأنّ الإنسان له مرفق وهو: المفصل الذي بين العضد والذراع، وله كوع وهو: طرف الذراع مما يلي الكف من جهة الإبهام، والكرسوع هو: طرف عظم الذراع مما يلي الكف من جهة الخنصر، وأما الرسغ: فهو ما بينهما.
قال ابن باز ﵀:
- فيه الدلالة على أفضلية القميص على غيره من الإزار والرداء؛ لأنه أكمل في الستر، وأكمل في الزينة، ولهذا كان القميص أحب لباسه ﷺ ، وكان يجعل كمه إلى الرسغ، والقميص هو الذي يسمى الآن المقطع، يسمي بعضهم مدرعة أو يسمى القميص، وهو لباس يستر البدن كله ويكون له يدان، فهذا يسمى القميص، ويسمى المدرعة، ويسمى الجبة، ويسمى غير ذلك من الأسماء التي تختلف في عُرف البلاد.
- كان أحب اللباس إليه ﷺ القميص، لما فيه من الستر الكامل، الزينة الكاملة، وكان يلبس تارة القميص، وتارة إزارًا ورداء ﷺ، وهكذا العرب كان من لباسهم القميص، ومن لباسهم إزار ورداء، كلبس المحرم، كل ذلك جائز ولا شيء فيه.
- الكم أفضل أن يكون إلى الرسغ، مفصل الكف من الذراع، حتى لا يكون محل الأكل بتلوث بالأشياء، يكون عند مفصل الذراع من الكف، طرف القميص الذي هو طرف الكم.

790 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رسول الله، إنَّ إزاري يَسْتَرْخِي إِلاَّ أَنْ أَتَعَاهَدَهُ، فَقَالَ لَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلاءَ». رواه البخاري وروى مسلم بعضه.
قال ابن عثيمين ﵀:
- إسبال الثياب يقع على وجهين، الوجه الأول: أن يجر الثوب خيلاء. الوجه الثاني: أن ينزل الثوب أسفل من الكعبين من غير خيلاء.
• أما الأول: وهو الذي يجر ثوبه خيلاء فإن النبي ﷺ ذكر له أربع عقوبات والعياذ بالله: لا يكلمه الله يوم القيامة، ولا ينظر إليه، يعني نظر رحمة، ولا يزكيه، وله عذاب أليم. لما سمع أبو بكر بهذا الحديث قال: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي علي، إلا أن أتعاهده، فهل يشملني هذا الوعيد؟ فقال ﷺ: إنّك لست ممن يضع هذا خيلاء، فزكاه النبي ﷺ بأنّه لا يصنع هذا خيلاء، وإنما العقوبة على من فعله خيلاء.
• أما الثاني: من لم يفعله خيلاء، فعقوبته أهون، ففي حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ما أسفل من الكعبين ففي النار)، ولم يذكر إلا عقوبة واحدة، ثم هذه العقوبة أيضًا لا تعم البدن كله، إنّما تختص بما فيه المخالفة، وهو ما نزل من الكعب، فإذا نزل ثوب الإنسان أو مشلحه أو سرواله إلى أسفل من الكعب فإنّه يعاقب على هذا النازل بالنار، ولا يشمل النار كل الجسد، إنما يكوي بالنار والعياذ بالله بقدر ما نزل، والصحيح أنّ الإسبال من كبائر الذنوب؛ لأن كبائر الذنوب كل ذنب جعل الله عليه عقوبة خاصة به، وهذا عليه عقوبة خاصة، ففيه الوعيد بالنار إذا كان لغير الخيلاء، وفيه وعيد بالعقوبات الأربع إذا كان خيلاء.

791 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَنْظُرُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إزارَه بَطَرًا». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن باز ﵀:
- هذا وعيد شديد يدل على وجوب الحذر من التكبر في اللباس وغيرها، ولهذا في الحديث الصحيح يقول ﷺ: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر).

792 - وعنه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أَسْفَل مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإزْارِ فَفِي النار». رواه البخاري.
793 - وعن أَبي ذر - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثلاثةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قَالَ: فقَرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثَ مِرار، قَالَ أَبُو ذرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا! مَنْ هُمْ يَا رسول الله؟ قَالَ: «المُسْبِلُ ، وَالمنَّانُ ، وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكاذِبِ». رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: «المُسْبِلُ إزَارَهُ».
قال ابن عثيمين ﵀:
- قرأها ثلاث مرات، وإنما فعل النبي ﷺ هذا من أجل أن ينتبه الإنسان؛ لأنّ اللفظ إذا جاء مجملًا ولا سيما مع التكرار ينتبه له الإنسان، حتى إذا جاءه التفصيل والبيان ورد على نفس متشوقة تطلب البيان.
- المسبل، يعني الذي يجر ثوبه خيلاء.
- المنان، الذي يمن بما أعطى، إذا أحسن إلى أحد بشيء جعل يمن عليه، فعلت بك كذا، وفعلت بك كذا، والمن من كبائر الذنوب؛ لأنّ عليه هذا الوعيد، وهو مبطل للأجر، لقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ﴾ [البقرة: 264].
- المنفق سلعته بالحلف الكاذب، يعني الذي يحلف وهو كاذب ليزيد ثمن السلعة فيقول: والله لقد اشتريتها بعشرة وهو لم يشترها إلا بثمانية، أو يقول: أعطيت فيها عشرة وهو لم يعطَ فيها إلا ثمانية فيحلف على هذا.
قال ابن باز ﵀:
- لا شك أن الإسبال فيه مفاسد منها: أنه في الغالب ينشأ عن التكبر والتعاظم، فإن لم يكن متكبرًا، جرَّه ذلك إلى التكبر، هذا من وسائله، ومنها أن فيه إسرافًا وتعريضًا للأوساخ والنجاسات، فلا يجوز أن ينزل عن الكعب في حق الرجل، فإذا كان مع التكبر صار أكبر وأكبر، وصار من الكبائر، نسأل الله العافية.
- إذا كان الإزار يرتخي من غير قصد، فهذا لا يضره إذا تعاهد، كما قال الصديق ﵁: إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده، فقال له رسول الله ﷺ: (إنّك لست ممن يفعله خيلاء)، فإذا كان الإنسان يرتخي إزاره من غير تكبر إنما يعرض له ذلك من غير اختيار.
- أما قول المؤلف ﵀: "إذا كان لغير الخيلاء صار مكروهًا" ليس بجيد، والصواب أنه محرم مطلقًا، لكن مع التكبر يكون الذنب أعظم، وتكون الكبيرة أشد.
- إذا أعطى الإنسان عطية فلا يجوز له أن يمن عليه، بأن يقول له: فعلت فيك كذا، وأعطيتك وأحسنت إليك؛ لأن هذا يفسدها ويبطلها، ويؤلم المعطى ويؤذيه.
- تنفيق السلعة بالحلف الكاذب معناه: من ينفق سلعة بالبيع والشراء بالأيمان الكاذبة، والله إني اشتريت بكذا، والله إنها تساوي كذا، والله إنها علي بكذا، والله سميت بكذا، وهو يكذب حتى يرغب بها الناس، وحتى يخدعهم ويشتروها بثمن زائد، وكل هذا من الخداع، ومن أعمال النفاق، يجب الحذر من ذلك.

794 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الإسْبَالُ في الإزار، وَالقَمِيصِ، وَالعِمَامةِ، مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلاءَ لَمْ ينْظُرِ الله إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه أَبُو داود والنسائي بإسناد صحيح.
795 - وعن أَبي جُرَيٍّ جابر بن سُلَيْم - رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيهِ، لا يَقُولُ شَيْئًا إِلاَّ صَدَرُوا عَنْهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالوا: رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلامُ يَا رسول الله - مرّتين - قَالَ: «لاَ تَقُلْ: عَلَيْكَ السَّلامُ، عَلَيْكَ السَّلامُ تَحِيَّةُ المَوْتَى، قُلْ: السَّلامُ عَلَيْكَ» قَالَ: قُلْتُ: أنْتَ رسول اللهِ؟ قَالَ: «أنَا رسول الله الَّذِي إِذَا أصَابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ، وَإِذَا أصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لَكَ، وَإِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ أَوْ فَلاَةٍ فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ، فَدَعَوْتَهُ رَدَّهَا عَلَيْكَ» قَالَ: قُلْتُ: اعْهَدْ إِلَيَّ. قَالَ: «لاَ تَسُبَّنَ أحَدًا» قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا، وَلاَ عَبْدًا، وَلاَ بَعِيرًا، وَلاَ شَاةً، «ولاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا، وأَنْ تُكَلِّمَ أخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ، إنَّ ذَلِكَ مِنَ المَعْرُوفِ، وَارْفَعْ إزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، فَإنْ أبَيْتَ فَإلَى الكَعْبَينِ، وَإيَّاكَ وَإسْبَالَ الإزَار، فَإنَّهَا مِنَ المَخِيلَةِ. وَإنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المَخِيلَةَ؛ وَإن امْرُؤٌ شَتَمَكَ وعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلاَ تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ». رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- معنى قوله ﷺ عليك السلام تحية الموتى: يعني أنهم كانوا في الجاهلية يسلمون على الأموات هكذا، يقولون عليك السلام، لكن الإسلام نسخ هذا وصار السلام يقال لمن ابتدئ به السلام عليك، حتى الموتى كان النبي ﷺ يخرج إليهم إلى المقبرة يسلم فيقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين)، ولا يقول: عليكم السلام.
- في قوله ﷺ: (قل السلام عليك)، دليل على أن الإنسان إذا سلم على الواحد يقول: (السلام عليك)، وهكذا جاء أيضا في حديث الرجل الذي يسمى المسيء في صلاته، أنه جاء فسلم على النبي ﷺ فقال: (السلام عليك) بالإفراد، وهذا هو الأفضل.
- قال بعض العلماء: تقول (السلام عليكم)، تريد بذلك أن تسلم على الإنسان الذي سلمت عليه ومن معه من الملائكة، ولكن الذي وردت به السنة أولى وأحسن أن تقول: (السلام عليك)، إلا إذا كانوا جماعة فإنك تسلم عليهم بلفظ (السلام عليكم).
- بيّن ﷺ للرجل أنّه، أي الرب ﷿، يجلب لعباده الخير، وأنه إذا دعاه عبده لم يخب، وهكذا كل دعاء تدعو به ربك فإنك لا تخيب، لو لم يأتك من هذا إلا أن الدعاء عبادة تؤجر عليه، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لكفى، وإذا لم يكن هناك موانع تمنع إجابة الدعاء، فإن الله تعالى إما أن يعطيك ما سألت وتراه رأي العين، وإما أن يكشف عنك من الضر ما هو أعظم، وإما أن يدخر ذلك لك عنده، وإلا فلن يخيب من دعا الله ﷿ أبدًا.
- إياك أن تستبطئ الإجابة فتقول دعوت ودعوت فلم يستجب لي، فإن الشيطان قد يلقي في قلبك هذا ويقول: كم دعوت الله من مرة وما جاءك مطلوب، ثم يقنطك من رحمة الله والعياذ بالله، وهذه من كبائر الذنوب القنوط من رحمة الله، ولو تأخرت إجابة الدعاء فأنت لا تدري ما هو الخير؟ ما أمرك الله تعالى بالدعاء إلا وهو يريد أن يستجيب لك كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، لكنك تستعجل، انتظر وألح على الله بالدعاء، فربما أن الله عز وجل يؤخر إجابتك لأجل أن تكثر من الدعاء فتزداد حسناتك، وتعرف قدر نفسك، وتعرف قدر حاجتك إلى الله ﷿، فهذا خير فإياك أن تستعجل.
- النبي ﷺ أمر جابر بن سليم ﵁ (ألا يحقرن من المعروف شيئًا)، كل معروف افعله، سواء كان قولًا أو فعلًا أو جاهًا، أو أي شيء، لا تحقر شيئًا من المعروف، فإن المعروف من الإحسان، والله سبحانه وتعالى يحب المحسنين، فلو ساعدت إنسانًا على تحميل متاعه في السيارة فهذا معروف، واعلم أن هناك قاعدة إذا ذكرها الإنسان سهل عليه الإحسان، وهي ما ثبت عن النبي ﷺ من قوله: (ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)، وما ظنك إذا كان الله في حاجتك هل تتعثر الأمور؟ الجواب: لا، إذا كان الله في حاجتك يساعدك على حاجتك، ويعينك عليها، فلا شك أنها سوف تسهل، فأنت كلما كنت في حاجة أخيك كان الله في حاجتك.
- ثم قال النبي ﷺ لجابر بن سليم ﵁ (وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف) لما قال: لا تحقرن من المعروف شيئًا، بيَّن أن من المعروف أن تلقي أخاك بوجه طلق، لا معبس ولا مكفهر، بل يكون منبسطًا، وذلك لأن هذا يدخل السرور على أخيك، وكل من أدخل السرور على أخيك فإنه معروف وإحسان، والله يحب المحسنين، وهذا لا شك أنه خير، إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون المرء الذي يخاطبك من المصلحة ألا تلقاه بوجه منبسط كأن يكون قد فعل شيئًا لا يُحمد عليه، فلا تلقه بوجه منبسط تعزيزًا له؛ لأجل أن يرتدع ويتأدب، ولكل مقام مقال.
- ثم إن النبي ﷺ (أمره أن يرفع إزاره إلى نصف الساق فإن أبى فإلى الكعبين) وهذا يدل على أن رفع الإزار إلى نصف الساق أفضل، ولكن لا حرج أن ينزل إلى الكعبين وذلك لأن هذا من باب الرخصة، وليس بلازم، أن يرفع الإنسان إزاره إلى نصف الساق، أو يرى أن ذلك حتم عليه، وأن الذي لا يرفع قد خالف السنة؛ لأنّ الرسول ﷺ قال: (فإن أبيت إلى الكعبين) ولم يقل فإن أبيت فعليك كذا وكذا من الوعيد، فدل ذلك على أن الأمر في هذا واسع. فلا ينبغي للإنسان أن يشدد على نفسه أو على الناس بحيث يرى أنه لزام عليه أن يجعل سرواله أو ثوبه أو مشلحه إلى نصف الساق، فالأمر في هذا واسع، هو سنة.
- حذر النبي ﷺ جابر بن سليم ﵁ من المخيلة، يعني أن يختال في مشيته أو ثوبه أو عمامته أو (مشلحه) أو كلامه أو أي شيء يفعله خيلاء، فإن الله لا يحب ذلك، ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [النساء: 36]، فالإنسان ينبغي له أن يكون متواضعًا دائمًا في لباسه ومشيته وهيئته وكل أحواله؛ لأن من تواضع لله رفعه الله، فهذه الآداب التي علمها النبي ﷺ أمته ينبغي للإنسان أن يتأدب بها، لأنه يحصل على أمرين:
• أولاً: امتثال أمر النبي ﷺ وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا﴾.
• ثانياً: التحلي بحسن الخلق، من خلال التأدب بهذه الآداب الراقية التي لا يستطيع أحد من البشر أن يوجه الناس إلى آداب مثلها أبدًا؛ لأن الآداب التي جاء بها الشرع هي خير الآداب.
- (وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك، فلا تعيره بما تعلم، فإنما وبال ذلك عليه)، وذلك أن الإنسان ينبغي له أن يعفو ويصفح ولا يجعل كل كلمة يسمعها مقياسًا له في الحكم على الناس، تغاض عن الشيء، واعف واصفح فإن الله تعالى يحب العافين عن الناس ويثيبهم على ذلك، وأنت إذا عيرته أو سببته بما تعلم فيه، طال النزاع وربما حصل بذلك العداوة والبغضاء، فإذا كففت وسكت هدأت الأمور، وهذا شيء مجرب، أن الإنسان إذا سب أحدًا قد سبه طال السباب بينهما، وحصل تفرق وتباغض، وإذا سكت فإنه قد يكون أنفع، كما قال الله تبارك وتعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]، يعني قالوا قولًا يسلمون به، إما أن يقولوا مثلا: جزاك الله خيرا أعرض عن هذا، اترك الكلام، وما أشبه ذلك.
قال ابن باز ﵀:
- كون الإنسان يعوّد لسانه الكلام الطيب، والأسلوب الحسن، والحذر من الأسلوب السيء والسب والشتم، هذا أمر يتعين على المؤمن، كذلك كونه يلقى أخاه بوجه منبسط منطلق غير معبس مطلوب أيضًا، وهذا مما يسبب الألفة والقرب والتقارب، أما تعبيس الوجه والاكفهرار وعدم الانبساط، يسبب النفرة والاختلاف والتباغض، فلا ينبغي للمؤمن.
- التشمير إلى نصف الساق أفضل، وإن نزله إلى الكعب فلا بأس، لكن لا ينزل عن الكعبين، بل يكون حد الكعب في حق الرجال، وأما في حق النساء فلا؛ لأنهن مأمورات بالتستر، فإرخاؤهن الثياب أمر مطلوب.
- (إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة) يعني من الكبر، فلا تكون مؤديًا للكبر، وإن كان لا يقصده أولاً، لكن إذا اعتاده قد تفضي إلى الكبر والتعاظم في النفس، فيكون الإثم أكثر.

796 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: بينما رَجُلٌ يُصَلَّي مسبلٌ إزَارَهُ، قَالَ لَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اذْهَبْ فَتَوَضَّأ» فَذَهَبَ فَتَوَضّأَ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَتَوَضّأ» فَقَالَ لَهُ رجُلٌ: يَا رسولَ اللهِ، مَا لَكَ أمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضّأَ ثُمَّ سَكَتَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «إنّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إزَارَهُ، وَإنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ صَلاَةَ رَجُلٍ مُسْبلٍ». رواه أَبُو داود بإسناد صحيح عَلَى شرط مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- لا يحل للإنسان أن يلبس ثوبًا نازلًا عن الكعب، وأما ما كان على حذاء الكعب، يعني على وزن الكعب، فلا بأس به، وكذلك ما ارتفع إلى نصف الساق، فما بين نصف الساق إلى الكعب كله من الألبسة المرخص فيها، والإنسان في حل وفي سعة إذا لبس إزارا أو سروالا أو قميصا أو مشلحًا يكون فيما بين ذلك، وأما ما نزل عن الكعب فحرام بكل حال بل هو من كبائر الذنوب.
- اختلف العلماء ﵏ فيما لو صلى الإنسان وهو مسبل، يعني قد نزل ثوبه أو سرواله أو إزاره أو مشلحه، الذي يستر ولا يشف، اختلف في هذا أهل العلم هل تصح صلاته أو لا تصح؟ فمن العلماء من قال أنها لا تصح صلاته؛ لأنه لبس ثوبا محرمًا والله سبحانه وتعالى إنما أباح لنا أن نلبس ما أحل لنا، والصحيح من أقوال العلماء أن صلاة المسبل صحيحة، ولكنه آثم، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة؛ لأن النهي هنا ليس نهيًا خاصًا بالصلاة، فلبس الثوب المحرم عام في الصلاة وغيرها، فلا يختص بها، فلا يبطلها، هذه هي القاعدة التي أخذ بها جمهور العلماء ﵏ وهي القاعدة الصحيحة.
- الإنسان يجب عليه أن يتقي الله ﷿ وألا يتخذ من نعمته وسيلة لغضبه والعياذ بالله، فإن من بارز الله بالعصيان وقيل له: إن الثوب النازل عن الكعب حرام ومن كبائر الذنوب، ولكنه لم يبال بهذا، فهذا استعان بنعمة الله على معصية الله نسأل الله العافية.

797 - وعن قيس بن بشر التَّغْلِبيِّ، قَالَ: أخْبَرَني أَبي - وكان جَلِيسًا لأَبِي الدرداء - قَالَ: كَانَ بِدمَشْق رَجُلٌ مِنْ أصْحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يقال لَهُ سهل بن الْحَنْظَلِيَّةِ، وَكَانَ رَجُلًا مُتَوَحِّدًا قَلَّمَا يُجَالِسُ النَّاسَ، إنَّمَا هُوَ صَلاَةٌ، فإذا فَرَغَ فَإنَّمَا هُوَ تَسْبِيحٌ وَتَكْبيرٌ حَتَّى يَأتي أهْلَهُ، فَمَرَّ بنا وَنَحْنُ عِنْدَ أَبي الدَّرداء، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدرداءِ: كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ. قَالَ: بَعَثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً فَقَدِمَتْ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَلَسَ في المَجْلِسِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ: لَوْ رَأيْتَنَا حِيْنَ التَقَيْنَا نَحْنُ وَالعَدُوُّ، فَحَمَلَ فُلانٌ وَطَعَنَ، فَقَالَ: خُذْهَا مِنِّي، وَأنَا الغُلاَمُ الغِفَاريُّ، كَيْفَ تَرَى في قَوْلِهِ؟ قَالَ: مَا أرَاهُ إِلاَّ قَدْ بَطَلَ أجْرُهُ. فَسَمِعَ بِذلِكَ آخَرُ، فَقَالَ: مَا أرَى بِذلِكَ بَأسًا، فَتَنَازَعَا حَتَّى سَمِعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «سُبْحَانَ الله؟ لاَ بَأسَ أَنْ يُؤجَرَ وَيُحْمَدَ» فَرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاء سُرَّ بِذلِكَ، وَجَعَلَ يَرْفَعُ رَأسَهُ إِلَيْهِ، وَيَقُولُ: أأنْتَ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: نَعَمْ، فما زال يُعِيدُ عَلَيْهِ حَتَّى إنّي لأَقُولُ لَيَبْرُكَنَّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، قَالَ: فَمَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداء: كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ، قَالَ: قَالَ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المُنْفِقُ عَلَى الخَيْلِ، كَالبَاسِطِ يَدَهُ بالصَّدَقَةِ لاَ يَقْبضُهَا»، ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَومًا آخَرَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداء: كَلِمَةً تَنْفَعنَا وَلاَ تَضُرُّكَ، قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيمٌ الأسَديُّ! لولا طُولُ جُمَّتِهِ وَإسْبَالُ إزَارِهِ!» فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْمًا فَعَجَّلَ، فَأَخَذَ شَفْرَةً فَقَطَعَ بِهَا جُمَّتَهُ إِلَى أُذُنَيْهِ، وَرَفَعَ إزارَهُ إِلَى أنْصَافِ سَاقَيْهِ. ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداء: كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إخْوانِكُمْ، فَأصْلِحُوا رِحَالكُمْ، وَأصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأنَّكُمْ شَامَةٌ في النَّاسِ؛ فإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّش». رواه أَبُو داود بإسنادٍ حسنٍ، إِلاَّ قيس بن بشر فاختلفوا في توثِيقِهِ وَتَضْعِيفِهِ ، وَقَدْ روى لَهُ مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- في قصة ابن الحنظلة ﵁ عبر وفوائد، حيث كان رجلًا يحب التفرد، ما هو إلا صلاة ثم تسبيح، ثم في شأن أهله، يعني أنّه لا يُحب أن يذهب عمره سدى مع الناس في القيل والقال والكلام الفارغ، الذي ليس فيه فائدة يصلي ويسبح ويكون في أهله.
- الحرب لا بأس أن الإنسان يفتخر فيها أمام العدو، ولهذا جاز للإنسان في مقابلة الأعداء أن يمشي الخيلاء، وأن يتبختر في مشيته، وأن يضع على عمامته ريش النعام، وما أشبه ذلك، مما يعد مفخرة؛ لأن هذا يغيظ الأعداء، وكل شيء يغيظ الكفار لك فيه أجر عند الله، حتى الكلام الذي يغيظ الكافر ويذله، هو عز لك عند الله عز وجل.
- مرَّ ابن الحنظلية بأبي الدرداء يومًا آخر فقال له أبو الدرداء: (كلمة تنفعنا ولا تضرك)، فأخبره أن النبي ﷺ قال: (المنفق على الخيل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها)؛ لأن الخيل في ذلك الوقت هي المركوب الذي يركب به في الجهاد في سبيل الله، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها، فيكون الإنفاق على الخيل من الصدقات؛ لأنها تستعمل في الجهاد في سبيل الله.
- فيه دليلٌ على أن طول الجمة، يعني الشعر للرجال، من المخيلة، وأن الشعر للرجل لا يتجاوز الكتف، أو شحمة الأذن، أو ما أشبه ذلك؛ لأن الذي يحتاج إلى التجمل بالرأس هي المرأة، فإن المرأة هي التي تحتاج إلى التجمل.
- في هذا إشارةٌ إلى أن الرجال لا يجوز لهم أن يتشبهوا بالنساء في الشعر، أو غير الشعر؛ لأن النبي ﷺ لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، والله سبحانه وتعالى جعل الذكور جنسًا والإناث جنسًا، وأحل لكل واحد منهما ما يناسبه، فلا يجوز أن يلحق الرجال بالنساء، ولا أعلم أن أحدًا من المسلمين ألحق النساء بالرجال في كل شيء، لكن الكفار الذين انتكسوا ونكس الله فطرتهم وطبيعتهم هم اللذين يقدمون النساء، ويقولون لابد أن تشارك المرأة الرجل حتى لا يحصل فرق، ولا شك أن هذا خلاف الفطرة التي جبل الله عليها الخلق، وخلاف الشريعة التي جاءت بها الرسل، فالنساء لهن خصائص والرجال لهم خصائص.
- (ثم إنّ الرجل سمع ذلك فقص جمته) فيه دليلٌ على امتثال الصحابة ﵃ لأمر النبي ﷺ واسترشادهم بإرشاده، وأنهم كانوا يتسابقون إلى تنفيذ ما يقول، وهذا علامة الإيمان، أما المتباطئ في تنفيذ أمر الله ورسوله، فإن فيه شبهًا من المنافقين الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، تجده مثلا يُخبر عن حكم الله ورسوله في شيء، ثم يتباطأ ويتثاقل وكأنما وضع رأسه في صخرة والعياذ بالله، ثم يذهب إلى كل عالم لعله يجد رخصة، مع أن العلماء قالوا إن تتبع الرخص من الفسق والعياذ بالله، والمتتبع للرخص فاسق، حتى إن بعضهم قال: "إن من تتبع الرخص فقد تزندق"، أي: صار زنديقًا، فعلى الإنسان إذا بلغه أمر الله ورسوله من شخص يثق به في علمه وفي دينه ألا يتردد، وأقول في علمه ودينه؛ لأن من الناس من هو دين ملتزم متقٍ لكن ليس عنده علم، تجده يحفظ حديثًا من أحاديث الرسول ثم يقوم يتكلم في الناس وكأنه إمام من الأئمة، وهذا يجب الحذر منه ومن فتاواه؛ لأنّه قد يخطئ كثيراً لقلة علمه، ومن الناس من يكون عنده علم واسع، لكن له هوى والعياذ بالله، يفتي الناس بما يرضى الناس لا بما يرضي الله، وهذا يسمى عالم الأمة، فالعلماء ثلاثة أقسام: عالم دولة، وعالم أمة، وعالم الملة.
- (إنّكم قادمون على إخوانكم) يعني فأصلحوا أحوالكم، وأصلحوا ثيابكم؛ لأنه من المعروف فيما سبق أن المسافر تكون ثيابه رثَّة، ويكون شعره شعثًا، ويكون عليه الغبار، ليس الأمر كاليوم، فاليوم تسافر بالطائرات نظيفة ونزيهة وليس فيها شيء، لكن فيما سبق كان الأمر على العكس من هذا، فأمرهم أن يصلحوا أحوالهم يعني الشعر الشعث. وفي هذا: إشارة إلى أنّه ينبغي للإنسان أن يلاحظ نفسه في هذه الأمور ولا يكون غافلًا حتى جمال الثياب.

798 - وعن أَبي سعيد الخدريِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «إزْرَةُ المُسْلِمِ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَلاَ حَرَجَ - أَوْ لاَ جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَيْنِ، فمَا كَانَ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ فَهُوَ في النَّارِ، وَمَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ». رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- قسَّم النبي ﷺ طول القميص إلى أربعة أقسام:
• القسم الأول: السُّنَّة، إلى نصف الساق.
• والقسم الثاني: الرخصة، وهو ما نزل من نصف الساق إلى الكعب.
• والقسم الثالث: كبيرة من كبائر الذنوب، وهو ما نزل عن الكعبين، ولكنه لم يكن بطرًا.
• والقسم الرابع: من جرَّ ثوبه خيلاء، أو بطرًا، وهو أشد من الذي قبله. فصارت الأقسام أربعة: قسم هو السنة، وقسم جائز، وقسم محرم، بل من كبائر الذنوب، لكنه دون الذي بعده، والقسم الرابع: من جرَّه خيلاء، فإن الله تعالى لا ينظر إليه.
- في هذا: دليل على أن من أنزل ثوبه إزارًا أو قميصًا أو سروالًا أو مشلحًا إلى أسفل من الكعبين، فإنه قد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، سواء فعل ذلك خيلاء، أو لغير الخيلاء؛ لأن النبي ﷺ فرَّق في هذا الحديث بين ما كان خيلاء، وما لم يكن كذلك، فالذي جعله خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة، وإذا ضممنا هذا الحديث إلى حديث أبي ذر السابق قلنا: لا ينظر الله إليه ولا يكلمه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم. أما ما دون الكعبين، فإنه يعاقب عليه بالنار فقط، ولكن لا تحصل له العقوبات الأربع.

799 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: مررتُ عَلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وفي إزَارِي استرخاءٌ، فَقَالَ: «يَا عَبدَ اللهِ، ارْفَعْ إزَارَكَ» فَرَفَعْتُهُ ثُمَّ قَالَ: «زِدْ» فَزِدْتُ، فَمَا زِلْتُ أتَحَرَّاهَا بَعْدُ. فَقَالَ بَعْضُ القَوْم: إِلَى أينَ؟ فَقَالَ: إِلَى أنْصَافِ السَّاقَيْنِ. رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (إلى أنصاف الساقين) يعني الزيادة إلى فوق لا تتجاوز نصف الساق من فوق، لكنها من نصف الساق إلى الكعب كل هذا جائز، وكلما ارتفع نصف الساق فهو أفضل.

800 - وعنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا» قالت: إِذًا تَنْكَشِفُ أقْدَامُهُنَّ. قَالَ: «فَيرخِينَهُ ذِرَاعًا لاَ يَزِدْنَ عليه». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- (فيرخينه ذراعًا لا يزدن)؛ لأن المرأة قدمها عورة، فإذا برز للناس ورأوه، فإن ذلك قد يكون فيه فتنة، فإذا نزلت ثوبها وجعلت تمشي سترت قدمها.
- في هذا دليل على وجوب تغطية الوجه؛ لأنه إذا كانت القدم يجب سترها مع أن الفتنة فيها أقل من الفتنة في الوجه فستر الوجه من باب أولى، ولا يمكن للشريعة التي نزلت من لدن حكيم خبير أن تقول للنساء يغطين أقدامهن ولا يغطين وجوههن؛ لأن هذا تناقض، بل هذا إعطاء للحكم في شيء، وحجب الحكم عن شيء أولى منه، وهذا لا يتصور في الشريعة العادلة التي هي الميزان، ولهذا جانب الصواب من قال من العلماء إنه يجب أن تستر القدمان، ولا يجب أن يستر الوجه والعينان، هذا لا يمكن أبدًا، والصواب الذي لا شك فيه عندنا، أنه لا يحل للمرأة أن تكشف وجهها إلا لزوجها أو محارمها.