كتَاب آداب النَوم والاضْطِجَاع وَالقعُود والمَجلِس وَالجليس وَالرّؤيَا


باب مَا يقوله عِنْدَ النوم


813 - عن البَراءِ بن عازِبٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَن، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نفسي إلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ، وَألْجَأتُ ظَهْرِي إلَيْك، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ، لاَ مَلْجَأ وَلاَ مَنْجا مِنْكَ إِلاَّ إلَيكَ، آمَنْتُ بكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ». رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب الأدب من صحيحه.
814 - وعنه، قَالَ: قَالَ لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأ وُضُوءكَ لِلْصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَن، وَقُلْ ... » وذَكَرَ نَحْوَهُ، وفيه: «وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
النوم من آيات الله ﷿ الدالة على كمال قدرته وحكمته، وهو نعمة من الله تعالى على العبد؛ لأنه يستريح فيه من تعب سابق، وينشط فيه لعمل لاحق، فهو ينفع الإنسان فيما مضى، وفيما يستقبل، وهو من كمال الحياة الدنيا، وذلك لأنّ الدنيا ناقصة فتكمل بالنوم، لأجل الراحة، والإنسان في هذه الحياة الدنيا بشر ناقص يحتاج إلى تكميل.
- الله ﷿ يقبض النفس حين النوم، لكنه ليس القبض التام، الذي تحصل به المفارقة التامة، ولذلك تجد الإنسان حياً ميتاً في الحقيقة، لا يحس بما عنده، لا يسمع قولًا، ولا يبصر شخصاً، ولا يشم رائحة، ولكن لم تخرج نفسه من بدنه الخروج الكامل، وهو من آيات ﷿، تأتي القوم مثلًا في حجرة، أو في سطح، وهم نيام كأنهم جثث موتى، لا يشعرون بشيء، ثم هؤلاء القوم يبعثهم الله ﷿، ثم إن الإنسان يعتبر بالنوم اعتباراً آخر، وهو إحياء الأموات بعد الموت، فإن القادر على رد الروح، حتى يصحو الإنسان ويستيقظ ويعمل عمله في الدنيا، قادر على أن يبعث الأموات من قبورهم، وهو على كل شيء قدير.
- من آداب النوم: أن ينام الإنسان على الشق الأيمن؛ لأن هذا فعل النبي ﷺ وأمره، فالبراء بن عازب ﵁ روى أن النبي ﷺ كان يضطجع على شقه الأيمن، والنبي ﷺ أمر البراء بن عازب ﵁ أن ينام على شقه الأيمن، هذا هو الأفضل، سواءً كانت القبلة خلفك أو أمامك أو عن يمينك أو عن شمالك، النوم على الأيمن هو المهم لأمر النبي ﷺ به، بعض الناس اعتاد أن ينام على الجنب الأيسر، ولو نام على الأيمن، ربما لا يأتيه النوم، لكن عليه أن يعود نفسه، لأن المسألة ليست بالأمر الهين، ثبتت من فعل الرسول ﷺ وأمره.
- إذا نمت على الجنب الأيمن، تشعر بأنك متبع للرسول ﷺ حيث كان ينام على جنبه الأيمن، وممتثل لأمره، حيث أمر به عليه الصلاة والسلام، فعود نفسك وجاهدها على ذلك، يوماً أو يومين أو أسبوعاً، حتى تستطيع النوم وأنت ممتثل لسنة نبيك ﷺ.
- من السنن أيضاً إذا تيسر، أن تضع يدك اليمنى تحت خدك الأيمن، لأن هذا ثبت من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن تيسر لك ذلك فهو جيد وأفضل، وإن لم يتيسر فليس هو بالتأكيد كمثل النوم على الجنب الأيمن.
- من السنن أيضاً أن تقول هذا الذكر الذي قاله النبي ﷺ وأمر به، واجعله آخر ما تقول، بعد الأذكار الأخرى، مثل: (اللهم بك وضعت جنبي وبك أرفعه)، وما أشبه ذلك.
- أمر النبي ﷺ البراء بن عازب ﵁ أن يعيد عليه هذا الذكر فأعاده، لكن قال: "وبرسولك الذي أرسلت"، فقال له النبي ﷺ: (لا، قل: وبنبيك الذي أرسلت)، ولا تقل وبرسولك، قال أهل العلم: وذلك لأنّ الرسول يطلق على الرسول البشري، والرسول الملكي: جبريل، والنبي للنبي البشري، وأنت إذا قلت: "نبيك الذي أرسلت"، جمعت بين الشهادة للرسول ﷺ بالنبوة والرسالة، فكان هذا اللفظ أولى، من قولك: "وبرسولك الذي أرسلت".
- ينبغي عليكم أن تحفظوا هذا الذكر، وأن تقولوه إذا اضطجعتم على فرشكم، وأن تجعلوه آخر ما تقولون، امتثالاً لأمر النبي ﷺ واتباعاً لسنته وهديه.
- من حكمة الله ﷿ ورحمته، أنك لا تكاد تجد فعلاً للإنسان، إلا وجدته مقروناً بذكر، اللباس له ذكر، الأكل له ذكر، الشرب له ذكر، النوم له ذكر، حتى جماع الرجل لامرأته له ذكر، كل شيء له ذكر، وذلك من أجل ألا يغفل الإنسان عن ذكر الله ﷿، يكون ذكر الله على قلبه دائمًا، وعلى لسانه دائماً، وهذه من نعمة الله، التي نسأل الله تعالى أن يرزقنا شكرها، وأن يعيننا عليها.
قال ابن باز ﵀:
يستحب للمؤمن إذا أوى إلى فراشه، أن يكون على طهارة، وأن يضطجع على جنبه الأيمن، وأن يكون هذا من آخر ما يقول.

815 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كَانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إحْدَى عَشرَةَ رَكْعَةً، فَإذا طَلَعَ الفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَن حَتَّى يَجيءَ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤْذِنَهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- النبي ﷺ كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وهذا أكثر ما كان يصلي، إما إحدى عشرة، وإما ثلاثة عشر، وقد ينقص عن ذلك، حسب ما تكون حاله ﷺ من النشاط، وعدم النشاط.
- سنة الفجر، السنة أن يخففها، يخفف الركوع والسجود، والقيام والقعود، لكن بشرط ألا يخل بالطمأنينة، لأنه لو أخل بالطمأنينة لفسدت.
- من نعمة الله ﷿ أن أطلعنا على ما كان النبي ﷺ يعمله في السر، في الليل، بواسطة زوجاته ﵅، وهذا من الحكمة في كثرة تعدد زوجات النبي ﷺ، فإنه مات عن تسع نسوة، ومن فوائد ذلك، أن كل امرأة منهن، تأتي بسنة لا يطلع عليها إلا هي.
- فيه دليل على أنه يسن تخفيف ركعتي الفجر،كما فعل النبي ﷺ.
- فيه أن الأفضل للإمام، ألا يحضر إلى المسجد إلا عند إقامة الصلاة، وأن يجعل صلاة الرواتب في بيته،كما كان النبي ﷺ يفعل، أما المأموم فإنه يتقدم، لكن الإمام لما كان يُنتظر، ولا يَنتظر،كانت السنة أن يتأخر في بيته، حتى يصلي النوافل المشروعة ثم يأتي.
- فيه دليلٌ على استحباب الاضطجاع على الجنب الأيمن، بعد سنة الفجر، لمن تطوع في بيته،كما فعل النبي ﷺ.
- اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في هذه الضجعة:
• منهم من قال: إنّها سنة بكل حال.
• ومنهم من قال: إنّها ليست بسنة، إلا إذا كان الإنسان، صاحب صلاة في آخر الليل، فإنه يضطجع ليعطي بدنه شيئاً من الراحة.
• ومنهم من شدد فيها، حتى جعلها بعض العلماء، من شروط صلاة الفجر، وقال: من لم يضطجع بعد السنة، فلا صلاة له، لكن هذا قول شاذ. وإنّما ذكرناه لنبين لكم، أن بعض العلماء يأتون بأقوال شاذة، بعيدة عن الصواب، والصواب: أنها سنة لمن كان له تهجد من الليل وصلاة وطول قيام، فهذا يضطجع حتى يؤذن بالصلاة، وهذا في حق الإمام ظاهر، أما المأموم فإنه ربما لو اضطجع، يقيمون الصلاة فيفوته شيء منها، وهو لا يشعر.
- الإمام هو الذي ينتظره الناس، فإذا اضطجع بعد سنة الفجر في بيته، فإنّ هذا من السنة، إذا كان ممن يجتهد في التهجد، أما من لا يقوم إلا متأخراً، أو لا يقوم إلا مع أذان الفجر، فهذا لا حاجة إلى أن يضطجع بعد سنة الفجر.
قال ابن باز ﵀:
- يستحب التهجد بالليل، وأن يوتر بإحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، أو أقل من ذلك، حسب ما تيسر، النبي ﷺ أمر أن يفعل ما يطيق، وما هو أهون عليه، وأحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه، وإن قل، ثلاثة تدوم، أو خمس تدوم، أو سبع تدوم، أفضل من إحدى عشرة، تارة تفعل، وتارة لا تفعل.

816 - وعن حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أمُوتُ وَأحْيَا» وَإِذَا اسْتَيْقَظ قَالَ: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أحْيَانَا بَعْدَمَا أمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُشُورُ». رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ينبغي أن يضع الإنسان يده تحت خده، ومعلوم أنها اليد اليمنى، تكون تحت الخد الأيمن، وهذا ليس على سبيل الوجوب، ولكن على سبيل الأفضلية، فإن تيسر لك هذا، وإلا فالأمر واسع ولله الحمد، فكان النبي ﷺ يضع يده تحت خده، ويقول: (باسمك اللهم أموت وأحيا)، إنني أموت وأحيا، بإرادة الله ﷿.
- المراد بالموت هنا والله أعلم، موت النوم، لأن النوم يسمى وفاة، أو أنه الموت الأكبر، الذي هو مفارقة الروح للبدن.
- إذا قام قال: (الحمد لله، الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور) هذا يؤيد أن المراد بالموت في قوله: (باسمك اللهم أموت وأحيا) يعني موت النوم، وهو الموت الأصغر.
قال ابن باز ﵀:
- حث الأمة على الإكثار من ذكر الله تعالى في القعود، وفي اليقظة، وعند النوم، المؤمن ينبغي له أن يكون كثير الذكر لله ﷿، ويستحب أن يفعل كما فعل النبي ﷺ.

817 - وعن يَعيشَ بن طِخْفَةَ الغِفَارِيِّ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ أَبي: بينما أَنَا مُضْطَجِعٌ في الْمَسْجِدِ عَلَى بَطْنِي إِذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي برجلِهِ، فَقَالَ: «إنَّ هذِهِ ضجْعَةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ»، قَالَ: فَنظَرْتُ، فَإذَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم. رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح.
قال ابن عثيمين ﵀:
- فيه دليلٌ على أنّه لا ينبغي للإنسان أن ينام على بطنه، لاسيما في الأماكن التي يغشاها الناس، لأن الناس إذا رأوه على هذا الحال، فهي رؤية مكروهة، لكن إذا كان في الإنسان وجع في بطنه، وأراد أن ينام على هذه الكيفية؛ لأنه أريح له، فإنّ هذا لا بأس به؛ لأن هذه حاجة.
- فيه دليل على جواز ركض الإنسان بالرجل، يعني نخسه برجله؛ لأن النبي ﷺ فعل ذلك، وهو أشد الناس تواضعاً، ولا يعد هذا من الكبر، اللهم إلا أن يكون في قلب الإنسان شيء من كبر، فهذا شيء آخر، لكن مجرد أن تركض الرجل برجلك، لا يعتبر هذا كبراً، إلا أنه ينبغي مراعاة الأحوال، إذا كنت تخشى أن الرجل الذي تركضه برجلك، يرى أنك مستهين به، وأنك محتقر له، فلا تفعل؛ لأنّ الشيء المباح إذا ترتب عليه محظور، فإنه يمنع.
قال ابن باز ﵀:
- دلالة على كراهة الضجعة على البطن، وأن هذه الضجعة يبغضها الله ﷿، فأقل الأحوال كراهتها، فينبغي للمؤمن ألا ينام على بطنه، ينام على ظهره، أو على أحد جنبيه.

818 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ الله تَعَالَى فِيهِ، كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى تِرَةٌ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضجَعًا لاَ يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى فِيهِ، كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ». رواه أَبُو داود بإسنادٍ حسن.
«التِّرَةُ»: بكسر التاء المثناة من فوق، وَهِيَ: النقص، وقِيلَ: التَّبعَةُ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ينبغي للإنسان أن يكثر من ذكر الله قائماً، وقاعداً، وعلى جنبه، وكذلك إذا اضطجعت مضطجعاً، لم تذكر اسم الله فيه، فإنه يكون عليك من الله ترة، أي: خسارة، أن تجلس مجلساً، لا تذكر الله فيه، فهذا خسارة، لأنك لم تربح فيه.
- أكثر من ذكر الله دائماً وأبداً، كن كمن قال الله تعالى فيهم: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 190] لتكون ممتثلاً، لقول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [الأجزاب: 41، 42].
قال ابن باز ﵀:
- الحث على ذكر الله ﷿، وكلما قعد مقعدًا، أو اضطجع مضطجعًا، ولم يذكر الله،كان عليه ترة، يعني حسرة، يندم على مجالسه التي غفل فيها عن ذكر الله،كل واحد يتمنى أنه شغل هذا المقعد، أو هذا المضطجع، بشيء من ذكر الله جل وعلا، فينبغي للمؤمن أن يكون لسانه رطبًا بذكر الله ﷿.