كتَاب السَّلاَم


باب فضل السلام والأمر بإفشائه


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أهْلِهَا﴾ [النور: 27]، وقال تَعَالَى: ﴿فَإذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور: 61]، وقال تَعَالَى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86]، وقال تَعَالَى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ الْمُكرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ﴾ [الذاريات: 24 - 25].
844 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- إطعام أهلك قيام بواجب، وإطعام الأباعد قيام بمستحب، والواجب أحب إلى الله من المستحب، كما في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) وبعض الناس ينفق على أهله ما ينفق ولكنه لا يشعر بأنه يتقرب إلى الله بهذا الإنفاق، ولو جاءه مسكين وأعطاه ريالاً واحداً يشعر بأنه متقرب إلى الله بهذه الصدقة، ولكن الصدقة الواجبة على الأهل أفضل وأكثر أجراً.
- الناس ثلاثة أقسام:
• القسم الأول: الفاسق المعلن بفسقه، فهذا سلم عليه، إلا إذا كان في هجره مصلحة.
• القسم الثاني: الكافر، لا تسلم عليه، لكن إن سلم عليك رد عليه.
• القسم الثالث: إنسان مسلم لا تعلم عليه فسقا، فسلم عليه واحرص على أن تكون أنت البادئ بالسلام، لأن النبي ﷺ كان يبدأ من لقيه بالسلام.

845 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولئِكَ - نَفَرٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ جُلُوس - فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ؛ فَإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيتِكَ. فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فقالوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- إنّ الملائكة أجسام وليست أرواحا بلا أجسام، لأنهم جلوس، والجالس يعني أنه جسم، وقد رأى النبي ﷺ جبريل على صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق.
- إنّ السلام متلقن من الملائكة بأمر الله، حيث قال سبحانه وتعالى: (إنها تحيتك وتحية ذريتك). لكن في قولهم في الرد (السلام عليك ورحمة الله) إشكال، وهو أن المعروف في الرد أن يقدم الخبر فيقال: عليك السلام. والرد على ذلك نقول: إما أنهم هنا يعلمونه التحية الابتدائية، أو أن الشريعة وردت بخلاف ذلك، أي بتقديم الخبر.

846 - وعن أَبي عُمَارة البراءِ بن عازِبٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعيفِ، وَعَوْنِ المَظْلُومِ، وَإفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَإبْرَارِ المُقسِمِ. متفقٌ عَلَيْهِ، هَذَا لفظ إحدى روايات البخاري.
847 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَدْخُلُون الجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلاَ أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ». رواه مسلم.
848 - وعن أَبي يوسف عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، أفْشُوا السَّلاَمَ، وَأطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأرْحَامَ، وَصَلُّوا والنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَم». رواه الترمذي، وقال: «حديث صحيح».
849 - وعن الطُّفَيْل بن أُبَيِّ بن كعبٍ: أنَّه كَانَ يأتي عبد الله بن عمر، فيغدو مَعَهُ إِلَى السُّوقِ، قَالَ: فإذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوقِ، لَمْ يَمُرَّ عَبدُ الله عَلَى سَقَّاطٍ وَلاَ صَاحِبِ بَيْعَةٍ، وَلاَ مِسْكِينٍ، وَلاَ أحَدٍ إِلاَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ، قَالَ الطُّفَيْلُ: فَجِئْتُ عبد الله بنَ عُمَرَ يَوْمًا، فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَى السُّوقِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَصْنَعُ بالسُّوقِ، وَأنْتَ لا تَقِفُ عَلَى البَيْعِ، وَلاَ تَسْأَلُ عَنِ السِّلَعِ، وَلاَ تَسُومُ بِهَا، وَلاَ تَجْلِسُ في مَجَالِسِ السُّوقِ؟ وَأقُولُ: اجْلِسْ بِنَا هاهُنَا نَتَحَدَّث، فَقَالَ: يَا أَبَا بَطْنٍ - وَكَانَ الطفَيْلُ ذَا بَطْنٍ - إنَّمَا نَغْدُو مِنْ أجْلِ السَّلاَمِ، نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقيْنَاهُ. رواه مالك في المُوطَّأ بإسنادٍ صحيح.
قال ابن عثيمين ﵀:
- لا ينبغي للإنسان أن يمل من كثرة السلام، لو قابلت مائة شخص فيما بينك وبين المسجد مثلا، فسلم، إذا سلمت على مائة شخص تحصل على ألف حسنة، هذه نعمة كبيرة، وفي هذا أيضا دليل على حرص السلف الصالح على كسب الحسنات.
قال ابن باز ﵀:
- السنة للمؤمن إفشاء السلام، وإذا دخل السوق بهذه النية الصالحة، ليفشي السلام، ويسلم على من لقي من المؤمنين فهو مأجور بذلك؛ لأنّ الله شرع له إفشاء السلام، وفي الإفشاء تعليم الجاهل وتذكير الناسي حتى يتأدب الناس ويتعلموا صغارهم وكبارهم.

باب كيفية السلام


يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ المُبْتَدِئُ بالسَّلاَمِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. فَيَأتِ بِضَميرِ الجَمْعِ، وَإنْ كَانَ المُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا، وَيقُولُ المُجيبُ: وَعَلَيْكُمْ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، فَيَأتِي بِوَاوِ العَطْفِ في قَوْله: وَعَلَيْكُمْ.

850 - عن عِمْرَان بن الحصين رضي الله عنهما، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «عَشْرٌ» ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ، فَقَالَ: «عِشْرُونَ» ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبَركَاتُهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ، فَقَالَ: «ثَلاثُونَ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن».
851 - وعن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: قَالَ لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «هَذَا جِبريلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ» قالت: قُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وهكذا وقع في بعض رواياتِ الصحيحين: «وَبَرَكاتُهُ» وفي بعضها بحذفِها، وزِيادةُ الثقةِ مقبولة .
852 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا تكلم بِكَلِمَةٍ أعَادَهَا ثَلاثًا حَتَّى تُفهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سلم عَلَيْهِمْ ثَلاَثًا. رواه البخاري.
وهذا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الجَمْعُ كَثِيرًا.
853 - وعن المِقْدَادِ - رضي الله عنه - في حدِيثهِ الطويل، قَالَ: كُنَّا نَرْفَعُ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَصِيبَهُ مِنَ اللَّبَنِ، فَيَجِيءُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لاَ يُوقِظُ نَائِمًا، وَيُسْمِعُ اليَقْظَانَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يُسَلِّمُ. رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- إذا سلمت ولم يسمع المسلم عليه، أعد مرة ثانية وثالثة، وهكذا إذا سلمت ورد عليك ردا لا يجزئ كما لو قلت: السلام عليك، قال: أهلاً ومرحباً، أعد السلام قل: السلام عليك، إذا قال: أهلاً مرحباً أعد السلام، قل: السلام عليك ثلاث مرات، فإن لم ينفع فاتركه، ولكن نبهه بأن قول القائل في الإجابة أهلا ومرحبا لا يكفي، لابد أن يقول: عليك السلام إذا قيل: السلام عليك، والله الموفق.
قال ابن باز ﵀:
- الرجل إذا دخل على قومٍ فيهم نيام وفيهم اليقظان يُسلِّم تسليماً وسطاً لا يُوقظ النائم، ولكن يُسمع اليقظان؛ مُراعاةً للنائمين، وهكذا إذا كان يقرأ مع قراء لا يجهر عليهم، يُخافت حتى لا يُشوش عليهم، أو بين المصلين يُخافت حتى لا يُشوش عليهم؛ ولما خرج ذات ليلةٍ ﷺ في رمضان وجماعات يقرؤون، كل واحدٍ يُصلي في جماعةٍ، فقال: (كلكم يُناجي الله، فلا يجهر بعضُكم على بعضٍ).

854 - وعن أسماء بنتِ يزيد رضي الله عنها: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ في المَسْجدِ يَوْمًا، وَعُصْبَةٌ مِنَ النِّسَاءِ قُعُودٌ، فَألْوَى بِيَدِهِ بالتسْلِيمِ. رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن».
وهذا محمول عَلَى أنَّه - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالإشَارَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أنَّ في رِوَايةِ أَبي داود: فَسَلَّمَ عَلَيْنَا.
قال ابن باز ﵀:
- إذا مرّ الرجل على نساء سلم عليهم، وهذا من السنة التي شرع الله لعباده ودعا إليها نبيه ﷺ في إفشاء السلام.

855 - وعن أَبي أُمَامَة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوْلى النَّاسِ باللهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بالسَّلاَمِ». رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيدٍ، ورواه الترمذي بنحوه وقال: «حديثٌ حسن». وَقَدْ ذُكر بعده .
856 - وعن أَبي جُرَيٍّ الهُجَيْمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقلتُ: عَلَيْكَ السَّلامُ يَا رسول الله. قَالَ: «لاَ تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلامُ؛ فإنَّ عَلَيْكَ السَّلاَمُ تَحِيَّةُ المَوتَى». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث صحيح»، وَقَدْ سبق بِطُولِهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
صيغة السلام أن تقول: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وإذا كانوا جماعة تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأما "عليك السلام" فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، وقال: (إن هذه تحية الموتى)، يعني أنهم كانوا في الجاهلية يسلمون على أمواتهم بمثل هذا.