باب آداب السلام


857 - عن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَليلُ عَلَى الكَثِيرِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية للبخاري: «والصغيرُ عَلَى الكَبيرِ».
قال ابن عثيمين ﵀:
- خير الناس من يبدأ الناس بالسلام، وقد كان النبي ﷺ وهو أشرف الخلق يبدأ من لقيه بالسلام، فاحرص على أن تكون أنت الذي تسلم قبل صاحبك، ولو كان أصغر منك؛ لأن خير الناس من يبدؤهم بالسلام، وأولى الناس بالله من يبدؤهم بالسلام، فهل تحب أن تكون أولى الناس عند الله؟ كلنا يحب ذلك، إذّا فابدأ الناس بالسلام.
- ذكر النبي ﷺ أنّ الراكب يسلم على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير؛ وذلك لأنّ الراكب يكون متعلقًا، فيسلم على الماشي، والماشي متعليًا على القاعد، فيسلم عليه، والقليل يسلم على الكثير؛ لأن الكثير لهم حق على القليل، والصغير يسلم على الكبير؛ لأن الكبير له حق على الصغير، ولكن لو قدر أن القليلين في غفلة ولم يسلموا، فليسلم الكثيرون، ولو قدر أن الصغير في غفلة، فليسلم الكبير، ولا تترك السنة.
- هذا الذي ذكره النبي ﷺ ليس معناه أنّه لو سلم الكبير على الصغير كان حرامًا، ولكن المعنى الأولى أن الصغير يسلم على الكبير، فإن لم يسلم فليسلم الكبير، حتى إذا بادرت بالسلام فأفضل وأولى الناس بالله من يبدؤهم بالسلام.
قال ابن باز ﵀:
- السنة أنّ هؤلاء يبدؤون: الصغير بالسلام إذا مر على الكبير، والماشي على القاعد، والراكب على الماشي، والقليل على الكثير. إذا مرَّ فقابل جماعة فالأقل يبدأ، وإن بدأ الأكثر فازوا بالأجر، تقابل ثلاثة واثنان فالأفضل يبدأ الاثنان، فإن بدأ الثلاثة فازوا بالأجر، وهكذا مرَّ إنسان على القاعد، السنة المار هو الذي يبدأ، فإن بدأه القاعد فاز بالأجر، وهكذا الراكب إذا مر يبدأ بالسلام على الماشي، فإن بدأه الماشي فاز بالأجر، وهكذا الصغير يبدأ بالسلام على الكبير، للكبير حق، هذا من الآداب الشرعية السلام، وينبغي للمؤمن أن يلاحظ هذه الأمور، وأن يحرص عليها؛ لأنها آداب صالحة مشروعة يحصل بها التحاب والتعاون على الخير.

858 - وعن أَبي أُمَامَة صُدَيِّ بن عجلان الباهِلي - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَوْلى النَّاسِ بِاللهِ مَنْ بَدَأهُمْ بِالسَّلامِ». رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيدٍ.
ورواه الترمذي عن أَبي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قِيلَ: يَا رسول الله، الرَّجُلانِ يَلْتَقِيَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ؟، قَالَ: «أَوْلاَهُمَا بِاللهِ تَعَالَى» قَالَ الترمذي: «حديث حسن».
قال ابن باز ﵀:
- من بدأ بالسلام حاز الفضيلة، فكون الصغير يبدأ، والقليل يبدأ، والراكب يبدأ أولى، فإن بدأ العكس، الكبير على الصغير، أو بدأ الكثير على القليل، أو الماشي على الراكب، فاز بالأجر الحسن.

باب استحباب إعادة السلام عَلَى من تكرر لقاؤه عَلَى قرب بأن دخل ثم خرج ثُمَّ دخل في الحال، أَو حال بينهما شجرة ونحوهما


859 - عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - في حديثِ المسِيءِ صلاته: أنّه جَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ، فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذا الحديث فيه قصة الرجل الذي دخل المسجد فصلى صلاة لا يطمئن فيها، ينقرها نقرًا، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ فرد عليه السلام، وقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، فرجع الرجل وصلى، لكن كصلاته الأولى بدون طمأنينة، ثم رجع فسلم على النبي ﷺ، فرد عليه السلام وقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، ثلاث مرات، والرجل يصلي صلاة لا يعرف غيرها لأنه جاهل، ثم قال: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني)، وهذا من حكمة الرسول ﷺ جعله يتردد يصلي هذه الصلاة التي لا تجزئ من أجل أن يشتاق إلى العلم، ويتشوف إليه، فيرد العلم على قلبه وهو منفتح له، محتاج إليه، ومعروف أن الشيء إذا جاء على الحاجة يكون أقبل للنفس. انظر الآن تعطي الفقير عشرة ريالات وهو محتاج، يفرح بها فرحًا شديدًا، ويكون لها منزلة، لكن لو أعطيتها غنيًا لا تهمه، الحاصل أنّ النبي ﷺ رد هذا الرجل من أجل أن يتشوق إلى العلم، وينفتح قلبه له، فقال ﷺ: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ولكن الفاتحة لابد منها لدلالة نصوص أخرى عليها، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تطمئن قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، هذه ركعة تامة، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)، علمه الرسول ﷺ فتعلم ومشى.
- فاستدل المؤلف بهذا الحديث على أنّ الإنسان إذا رجع إلى أخيه ولو من قرب فليسلم عليه، مثلا أنت في المسجد ثم انصرفت لتجديد الوضوء، أو إحضار كتاب، أو ما أشبه ذلك، ثم رجعت فسلم، وهذا خير فكل سلام بعشر حسنات.
قال ابن باز ﵀:
- يستحب تكرار السلام لمن تكرر مجيئه ولو كان غير بعيد، فإن المسيء في صلاته جاء فسلم على النبي ﷺ فرد عليه السلام قال: (ارجع فصل فإنّك لم تصل)، فتنحى عنه قليلا فصلى والنبي يراقبه، ثم جاء فسلم فرد عليه النبي ﷺ وقال: (ارجع فصل فإنّك لم تصل)، فرجع كذلك فصل كما صلى، ثم جاء فسلم فرد عليه النبي ﷺ.
- فيه دليلٌ على أنّ الإنسان إذا قام من القوم، ثم عاد إليهم يسلم، ويردون عليه، ولو ما خرج من المكان، كأن يقضي الحاجة ثم عاد، أو قام إلى ناحية المسجد، ثم عاد، أو قام من الحلقة يقضي الحاجة، ثم عاد يسلم عليه ويرد عليه، وهذا كله يدل على أنه ينبغي الإكثار من السلام والحرص عليه؛ لما فيه من التآلف والتحاب وإزالة الوحشة والأجر.

860 - وعنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ، أَوْ جِدَارٌ، أَوْ حَجَرٌ، ثُمَّ لَقِيَهُ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ». رواه أَبُو داود.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الإنسان إذا سلم على أخيه ثم خرج ورجع عن قرب أو عن بعد، فإنّه يعيد السلام، مثلًا إنسان عنده ضيوف في البيت، فدخل إلى البيت يأتي لهم بماء أو طعام أو نحو ذلك، فإنه إذا رجع يسلم.
- هذه من نعمة الله أنّه يُسَن السلام وتكراره كلما غاب الإنسان عن أخيه، سواء غيبة طويلة أو قصيرة، فإن الله شرع لنا أن يسلم بعضنا على بعض؛ لأّن السلام عبادة وأجر كلما ازددنا منه ازددنا عبادة لله، وازداد أجرنا وثوابنا عند الله، ولولا أنّ الله شرع هذا لكان تكرار السلام على هذا الوجه من البدعة، لكن من نعمة الله أنك إذا غبت عن أخيك ورجعت ولو عن قرب فإنك تُسَلّم عليه إذا حال بينكما شجرة أو حجر كبير بحيث تغيب عنه، فإذا لقيته فسلم عليه.
قال ابن باز ﵀:
- مثل: في السيارة نزل ثم تلاقيا من جهة أخرى، هذا نزل من جانب وهذا نزل من جانب ثم تلاقيا، مثل الذي حال بينهما شجر، أو جدار فيسلم؛ لأنه حالت بينهما. المقصود من هذا الحث على الإكثار من السلام عند أقل سبب؛ لأنه يجلب المحبة والألفة وتقارب القلوب، ويبعد الشحناء والعداوة والتهاجر، قال النبي ﷺ: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم)، وقال ﷺ: (أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلون الجنة بسلام)، وقال الله في كتابه العزيز: ﴿وإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ﴾ [النساء: 86].

باب استحباب السلام إِذَا دخل بيته


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿فَإذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور: 61].
861 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أهْلِكَ، فَسَلِّمْ، يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ، وعلى أهْلِ بَيْتِكَ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- من السنة إذا دخل الإنسان بيته أن يسلم، لكن أول ما تدخل تبدأ بالسواك، ثم سلم على أهلك، وقد أوصى النبي َّ ﷺ أنس بن مالك ﵁ وهو خادمه قال: (يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم تكن بركة عليك وعلى أهلك) ولهذا قال الله تعالى ﴿مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور: 61].
قال ابن باز ﵀:
- المؤمن يسلم على أهله، وهو دعاء لهم بالسلام والرحمة والبركة، دعاء من الله ينزل عليهم السلامة، يقول: السلام عليكم، معناه: السلامة عليكم تنزل وتحل، أو معناه بركة السلام؛ لأنه اسم من أسماء الله، بركة السلام عليكم تحل ورحمته وبركاته، وإذا دخل الإنسان بيته وسلم كان ذلك بركة عليه وعلى أهله. ولهذا أمر النبي ﷺ أنسًا ﵁ إذا دخل على أهله أن يسلم عليهم، يكون بركة عليه وعليهم، ومرَّ على الصبيان فسلم عليهم ليعتادوا السلام ويعرفوا شرعتيه، وهكذا مر على نسوة فسلم عليهم، فألوى بيده يشير إلى أنه يسلم عليهم حتى يفطنوا، والإنسان إذا سلم على بعيد فأكثر وأشار حتى يخطر البعيد أنّه يسلم عليهم، أو الذي عنده ثقل في السمع يصوت بالكلام، ويشار أيضًا لينتبه أنّه سلم عليهم.

باب السلام عَلَى الصبيان


862 - عن أنس - رضي الله عنه: أنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وقال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الصبيان يعني الصغار من سن التمييز إلى سن الثانية عشرة ونحوها، وقد جرت عادة الكثير من الناس ألا يسلم على الصبيان استخفافا بهم، ولكن هذا خلاف هدي النبي ﷺ حيث كان يسلم على الصغير والكبير، ، فهذا أنس بن مالك ﵁ مر على صبيان فسلم عليهم وقال إن النبي ﷺ كان يفعله، أي كان يسلم على الصبيان، وللسلام على الصبيان أكثر من فائدة:
• أولًا: اتباع السُّنة، سنة النبي ﷺ، وقد قال الله تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْـَٔاخِرَ﴾ [الأحزاب: 21].
• ثانيًا: التواضع، حتى لا يَظنَّ الإنسان بنفسه، ويشمخ بأنفه، ويعلو برأسه، يتواضع ويسلم على الصبيان، وقد قال النبي ﷺ: (ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا وما تواضع أحد لله إلا رفعه).
• ثالثًا: تعويد الصبيان لمحاسن الأخلاق؛ لأنّ الصبيان إذا رأوا الرجل يمر بهم ويسلم عليهم تعودوا ذلك واعتادوا هذه السنة المباركة الطيبة.
• رابعًا: أن هذا يجلب المودة للصبي، يعني أن الصبي يُحب الذي يسلم عليه ويفرح بذلك، وربما لا ينساها أبدًا؛ لأن الصبي لا ينسى ما مر به. هذه من فوائد السلام على الصبيان، فينبغي لنا إذا مررنا على صبيان يلعبون في السوق أو جالسين يبيعون شيئًا أو ما أشبه ذلك، أن نسلم عليهم لهذه الفوائد التي ذكرناها.

باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه، وعلى أجنبية وأجنبيات لا يخاف الفتنة بهن وسلامهن بهذا الشرط


863 - عن سهل بن سعدٍ - رضي الله عنه - قال: كَانَتْ فِينَا امْرَأةٌ - وفي رواية: كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ - تَأخُذُ مِنْ أصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي القِدْرِ، وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَإذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ، وَانْصَرَفْنَا، نُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَتُقَدِّمُهُ إلَيْنَا. رواه البخاري.
قَوْله: «تُكَرْكِرُ» أيْ: تَطْحَنُ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- السلام على المحارم من النساء والزوجات سنة، والمحارم يعني التي لا يحل لك أن تتزوج بها، فتسلم عليها، ولا حرج في ذلك، تسلم على زوجتك، على أختك، على عمتك، على بنت أخيك، على بنت أختك، ولا حرج في هذا. أما الأجانب، فلا تسلم عليهن، اللهم إلا العجائز الكبيرات إذا كنت آمنا على نفسك من الفتنة، وأما إذا خفت الفتنة فلا تسلم، ولهذا جرت عادة الناس اليوم أن الإنسان لا يسلم على المرأة إذا لاقاها في السوق، وهذا هو الصواب، ولكن لو دخلت بيتك ووجدت فيه نساء من معارفك، وتسلم فلا بأس، ولا حرج بشرط أمن الفتنة، وكذلك المرأة تسلم على الرجل بشرط أمن الفتنة.
- هذه المرأة كانت تأخذ من (أصول السلق)، والسلق نوع من الشجر، وأصوله طيبة تصلح إدامًا، فتأخذ من هذه الأصول وتلقيها في الماء، وتغليها على النار، وتكركر عليها حبات من شعير، فإذا خرج الصحابة من شاء منهم جاء إليها يسلم عليها، ويأكل من هذا السلق ويفرحون به؛ لأن الصحابة ﵃ لم يكونوا أغنياء إلا بعد أن فتح الله عليهم، كما قال تعالى ﴿ومَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا﴾ [الفتح: 19]، وقال: ﴿وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا﴾ [الفتح: 20]، فكثرت الأموال بعد الفتوح، أما قبل ذلك فإن غالبية الصحابة فقراء.
- فإن قال قائل: ما حكم مصافحة النساء؟ الجواب: المصافحة للنساء المحارم لا بأس بها، أما المصافحة لغير المحارم فلا تجوز، سواء مباشرةً، أو من وراء حائل، وسواءً كانت امرأةً كبيرةً أو صغيرةً.

864 - وعن أُم هَانِىءٍ فاخِتَةَ بنتِ أَبي طالب رضي الله عنها، قالت: أتيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفَتْحِ وَهُوَ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْتُ ... وَذَكَرَتِ الحديث. رواه مسلم.
865 - وعن أسماءَ بنتِ يزيدَ رضي الله عنها، قالت: مَرّ عَلَيْنَا النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نِسوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا. رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن»، وهذا لفظ أَبي داود.
ولفظ الترمذي: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ في المَسْجِدِ يَوْمًا، وَعُصْبَةٌ مِنَ النِّسَاءِ قُعُودٌ، فَأَلْوَى بِيَدِهِ بالتَّسْلِيمِ.

باب تحريم ابتدائنا الكافر بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب السلام عَلَى أهل مجلسٍ فيهم مسلمون وكفار


866 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَبْدَأُوا اليَهُودَ وَلاَ النَّصَارَى بالسَّلامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ في طَرِيق فَاضطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- سبق الكلام في السلام على المسلمين الخُلَّص، وأنه سنة مؤكدة.
- أما السلام على الكفار فإنه لا يحل لنا أن نبدأهم بالسلام، يعني لا يجوز للإنسان إذا مرَّ بالكافر أو دخل عليه أن يقول السلام عليك؛ لأن النبي ﷺ نهى عن ذلك.

867 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أهْلُ الكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- إذا سلم علينا الكفار ماذا نقول، قال النبي ﷺ: (إذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم)، فقط، لا تزد على هذا، قل: (وعليكم)، لماذا؟ لأنهم في عهد الرسول الله ﷺ يأتون يُسلّمون على المسلمين لكن سلام خبيث يقولون: (السام عليكم)، يعني الموت، ومن يسمعهم (يُدغمون الكلمة) يظن أنهم يقولون: السلام عليكم، وهم يقولون: السام عليكم -يعني الموت- فانظر إلى العداوة، حتى التحية يدخلون فيها الشيء الضار السام، لذا قال النبي ﷺ: (فقولوا: وعليكم) فقط،ولذا قال بعض العلماء: "إذا قال الكافر السلام عليك -باللام الواضحة- فقل عليك السلام؛ لماذا؟ لأنه زال الأمر الذي بنى عليه الرسول ﷺ قوله (فقولوا: وعليكم) كما في حديث ابن عمر في البخاري: إنهم يقولون: (السَّام عليكم فإذا سلموا فقولوا: وعليكم)، وهذه علَّة واضحة أنّ السبب أننا نقول: وعليكم، لأنهم يقولون السام عليكم، أما إذا قالوا: السلام صراحة، فنقول: وعليكم السلام؛ لأن أقوم الناس بالعدل هم المسلمون، والحمد لله، فإذا قالوا السلام عليكم، نقول: وعليكم السلام، وإذا قالوا: أهلاً وسهلاً، نقول: أهلاً وسهلاً، وإذا قالوا: مرحبًا، نقول: مرحبًا، فنعطيهم مثل ما يعطوننا.
- اختلف العلماء ﵏ هل يجوز أن نبدأهم بغير السلام، مثل أن يقول: مرحبا، أهلاً وسهلاً؟ فمنهم من قال: لا بأس به تأليفًا، لاسيّما إن خاف منه، أو من شره، ومنهم من قال: لا؛ لأن ذلك فيه تعظيم له، وعلى الإنسان في هذه الحال يعني في: أهلاً وسهلاً، ومرحبًا، وما أشبه ذلك، ينظر ما تقتضيه الحاجة أو المصلحة.
قال ابن باز ﵀:
- (إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم)، إذا بدؤونا نرد عليهم، لا نبدأهم، وهكذا جميع الكفرة لا نبدأهم، ومتى بدأوا نرد عليهم: وعليكم؛ لأنهم قد يأتون بشيء ليس بواضح، كما تقول اليهود: السام عليكم، السام يعني: الموت، يأتون بعبارة مجملة مبهمة يحسب السامع أنه يقول: السلام، وهو يقول: السام، ولهذا يقال: وعليكم، يعني: عليكم ما قلتم ، قال النبي ﷺ: (يُستجاب لي فيهم، ولا يُستجاب لهم في)، يعني: يستجاب دعاؤنا فيهم، ولا يستجاب دعاؤهم علينا، ولهذا نقول: وعليكم، ولا نقول: وعليكم السلام ورحمة الله، لا، فقط وعليكم، يعني: عليكم ما قلتم.

868 - وعن أُسَامَة - رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكينَ - عَبَدَة الأَوْثَانِ - واليَهُودِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- إذا مرَّ الإنسان بجمع فيه مسلمون وكفار، هل يترك السلام؛ لأن فيهم كفارًا، أم يُسَلّم لأن فيه مسلمين؟ اجتمع الآن سببان، مبيح وحاظر، المبيح وهم المسلمون، والحاظر المانع وهم الكفار، لكن هنا يمكن تشذيذ الحكم، وإلا فالقاعدة الشرعية أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر، وتعذر انفكاك أحدهما عن الآخر، فإنه يغلب جانب الحظر أي المنع، لكن هنا يمكن من الانفكاك، تسلم وتنوي على المسلمين؛ يعني لو مررت بجماعة فيهم كفار ومسلمون، تقول: السلام عليكم، وتنوي بقلبك، يعني على المسلمين؛ لأن النبي ﷺ مرَّ بمجلس فيه أخلاط من المشركين واليهود، وفيهم مسلمون، فسلم عليهم.
قال ابن باز ﵀:
- الرسول ﷺ مر على مجلس فيه بعض المسلمين، وفيه أخلاط من اليهود، والمشركين في المدينة، بعدما هاجر ﷺ، بلغه أن سعد بن عبادة ﵁ مريض فركب دابته وتوجه إلى سعد للعيادة، فمر على المجلس، فيها أخلاط فيهم المسلمون، ويهود من يهود المدينة، وبعض عباد الأوثان الذين ما أسلموا، فسلم عليهم جميعًا.
هذا يدل على أنه إذا مر الإنسان بمجلس فيه أخلاط يسلم، وينوي بسلامه المسلمين ما ينوي الكفار؛ لأنه هو البادئ، ينوي بسلامه من معهم من المسلمين، كما فعل النبي ﷺ لما مر على هؤلاء الجماعة سلم من أجل وجود المسلمين بينهم، أما إذا كانوا كلهم كفارًا لا يبدؤون، لا يبدأهم بالسلام، أو لقيهم لا يبدأهم بالسلام، إذا كانوا كلهم كفارًا، أما إذا كان فيهم مسلمون فإنه يبدأ وينوي المسلمين بإبلاغ السلام

باب استحباب السلام إِذَا قام من المجلس وفارق جلساءه أَوْ جليسه


869 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا انْتَهى أَحَدُكُمْ إِلَى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الأُولَى بِأحَقّ مِنَ الآخِرَةِ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- في هذا الحديث أنّ الرجل إذا جاء إلى المجلس، فإنه يسلم، فإذا أراد أن ينصرف وقام وفارق المجلس فإنه يسلم، لأن النبي ﷺ أمر بذلك، وقال (ليست الأولى بأحق من الثانية)، يعني كما أنك إذا دخلت تسلم كذلك، فإذا فارقت فسلم، ولهذا إذا دخل الإنسان المسجد سلم على النبي ﷺ، وإذا خرج سلم عليه أيضًا، وإذا دخل مكة لعمرة أو حج بدأ بالطواف، وإذا فارق مكة وخرج ختم بالطواف؛ لأنّ الطواف تحية مكة لمن دخل بحج أو عمرة، وكذلك وداع مكة لمن أتى بحج أو عمرة ثم سافر، هذا من كمال الشريعة أنها جعلت المبتدى والمنتهى على حد سواء في مثل هذه الأمور، والشريعة،كما نعلم جميعًا، من لدن حكيم خبير، كما قال تعالى: ﴿كِتَٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: 1]، فتجدها كلها متناسقة متصاحبة ليس فيها تناقض، ولا تفضيل، حتى إن الرسول ﷺ نهى أن يمشى الرجل بنعل واحد، ولو لإصلاح الأخرى لماذا؟ لأنّك إذا خصصت إحدى قدميك بالنعل صار ذلك جورٌ، وعدم عدل، فأنت ترى الآن أن الشريعة الإسلامية جاءت بالعدل في كل شيء، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ﴾ [النحل: 90].
قال ابن باز ﵀:
- يدل على أنّ المسلم إذا دخل على قوم وسلم عليهم، ثم أراد أن يقوم، يسلم أيضاً يقول النبي ﷺ: (فليست الأولى بأحقّ من الآخرةِ) يعني: كلتاهما حق، يسلم عند الدخول، وعند القيام من المجلس، يبدأ بالسلام، ويختم بالسلام، هذا هو السنة.