كتاب عيَادة المريض وَتشييع المَيّت والصّلاة عليه وَحضور دَفنهِ وَالمكث عِنْدَ قبرهِ بَعدَ دَفنه


باب عيادة المريض


894 - عن البَرَاءِ بن عازِبٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أمَرَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعِيَادَةِ الْمَريضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَإبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإجَابَةِ الدَّاعِي، وَإفْشَاءِ السَّلاَمِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- عيادة المريض: ذهب بعض العلماء إلى أنها فرض كفاية، فإذا لم يقم بها أحد؛ فإنه يجب على من علم بحال المريض أن يعوده؛ لأن النبي ﷺ جعل ذلك من حقوق المسلم على أخيه، ولا يليق بالمسلمين أن يعلموا أن أخاهم فلانا مريض، ولا يعوده أحد منهم؛ لأن هذه قطيعة، وأي قطيعة! وهذا القول هو الراجح.
- المستحب لمن عاد مريضا أن يسأله عن حاله، كيف أنت؟ وعن أعماله: كيف تتوضأ، كيف تصلي؟ وعن معاملاته: هل لك حقوق على الناس؟ أو هل للناس حقوق عليك؟ ثم إذا قال نعم، تقول له: أَوصِ بما عليك، ولا تلح عليه في المسألة، ولا سيما إذا كان مرضه شديداً؛ لأنه ربما يضجر ويتعب، ولا تطل الجلوس عنده؛ لأنه ربما يكون يمل.
قال ابن باز ﵀:
- الرسول ﷺ أمرهم بسبع من خصال الإسلام، وخصال الإسلام وأعماله كثيرة، وآدابه، لكن هذه السبع منها: عيادة المريض يعود أخاه إذا مرض في بيته، أو في المستشفى يعوده، يسأل له الشفاء، يطمئن عن صحته، يتأثر المريض بهذا، يسره هذا، ويقع في قلبه أن أخاه مهتم به وزاره وتأثر بمرضه، ويكن لك في قلبه وقع كبير وأثر عظيم؛ ولهذا شرع الله عيادة المريض، وقال ﷺ: (عودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفكوا العاني).
- اتباع الجنائز هذا الثانية: اتباع الجنائز للصلاة وللدفن جميعاً للصلاة وللدفن كله مشروع من تبعها للصلاة فله قيراط، ومن تبعه للدفن مع الصلاة فله قيراطان، كل قيراط مثل الجبل العظيم من الأجر؛ يعني: أجر عظيم.
- تشميت العاطس ثالثاً: إذا حمد الله تقول: يرحمك الله، وهو يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم.
- الرابعة: إبرار القسم في الرواية الأخرى: إبرار المقسم إذا أقسم عليك أخوك تبر قسمه إذا قال: والله تقهوى عندي، والله تجب دعوتي تجيب دعوته تبر قسمه إذا أمكنك إذا استطعت ذلك؛ لأن في ذلك إكمالاً للتألف والتحاب والتواصل والتعارف، فلا تمنع من إبرار في القسم إذا استطعت ذلك.
- الخامسة: إجابة الداعي في دعوته إذا دعاك لوليمة من عرس أو غيرها، تجيب دعوة أخيك إذا كان ليس هناك مانع شرعي، أما إذا كان هناك مانع من كونه ممن يتظاهر بالمعاصي ولا يبالي، أو الدعوة فيها معاصي فأنت معذور؛ لكن إذا كانت الدعوة سليمة والأخ سليم لا يستحق الهجر تجب دعوته من حق المسلم على أخيه يجيب الدعوة في الحديث: (من لم يجب الدّعوة، فقد عصى الله ورسوله).
- السادس: نصر المظلوم، إذا كان مظلوماً تنصره بكلامك أو شفاعتك أو بمالك تسعى لتخليصه من الظلم.
- السابعة: إنشاء السلام عند التلاقي تبدأ بالسلام إذا رد عليك وسلم تجيبه، إذا سلم ترد عليه السلام، إذا مررت بقوم جالسين سلمت عليهم، إذا دخلت بيتك سلمت على أهل بيتك تفشي السلام، كل هذا من خصال الإسلام، ومن الأعمال الشرعية التي يحبها الله ومن أسباب التآلف بين المسلمين والتحاب.

895 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- المراد بالمريض الذي يعاد هو الذي انقطع في بيته، ولا يخرج، وأما المريض مرضا خفيفا لا يعوقه عن الخروج ومصاحبة الناس فإنه لا يعاد، لكن يُسأل عن حاله إذا علم الإنسان.
- للعيادة آداب كثيرة منها:
• أن ينوي الإنسان امتثال أمر النبي، فإن النبي أمر بها.
• أن ينوي الإحسان إلى أخيه بعيادته، فإن المريض إذا عاده أخوه؛ وجد في ذلك راحة عظيمة وانشراح صدر.
• أن يستغل الفرصة في توجيه المريض إلى ما ينفعه، فيأمره بالتوبة والاستغفار، والخروج من حقوق الناس.
• أنه ربما يكون على المريض إشكالات في طهارته، أو صلاته أو ما أشبه ذلك، فإذا كان العائد طالب علم، انتفع به المريض؛ لأنه لابد أن يخبره عما ينبغي أن يقوم به من طهارة وصلاة، أو يسأله المريض.
• أن الإنسان ينظر للمصلحة في إطالة البقاء عند المريض أو عدمها، وهذا القول هو القول الصحيح، وذهب بعض العلماء إلى أنه ينبغي تخفيف العيادة، وألا يثقل على المريض، لكن الصحيح أن الإنسان ينظر للمصلحة: إذا رأى أن المريض مستأنس منبسط منشرح الصدر، وأنه يحب أن يبقى عنده الذي يعوده، فليتأن لما في ذلك من إدخال السرور على المريض، وإن رأى أن المريض متضجر، وأنه يرغب أن يقوم الناس عنه حتى يأتيه أهله، ويصلحوا حاله؛ فإنه يقوم ولا يـتأخر.
• أن يتذكر الإنسان نعمة الله عليه بالعافية، فإن الإنسان لا يعرف قدر نعمة الله عليه إلا إذا رأى من ابتلي بفقدها، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.
• ما يرجى من دعاء المريض للعائد، ودعاء المريض حري بالإجابة؛ لأن الله عند المنكسرة قلوبهم من أجله، والمريض من أشد الناس ضعفا في النفس، ولا سيما إذا طال به المرض، أو ثقل به المرض، فيرجى إجابة دعوة هذا المريض.

896 - وعنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ - عز وجل - يَقُولُ يَومَ القِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدنِي! قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟! قَالَ: أمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ! أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَني عِنْدَهُ! يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمنِي! قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أطْعِمُكَ وَأنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟! قَالَ: أمَا عَلِمْتَ أنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ! أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لَوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي! يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي! قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أسْقِيكَ وَأنْتَ رَبُّ العَالَمينَ؟! قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ! أمَا إنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي!». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (كيف أعودك وأنت رب العالمين) يعني: وأنت لست بحاجة إلي حتى أعودك. لا إِشكال في قوله تعالى: (مرضت فلم تعدني!) لأنّ الله تعالى يستحيل عليه المرض؛ لأنّ المرض صفة نقص، والله سبحانه وتعالى منزه عن كل نقص، قال الله تبارك وتعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات: 180]، لكن المراد بالمرض: مرض عبد من عباده الصالحين، وأولياء الله ﷿ هم خاصّـته، ولهذا جاء في الحديث الصحيح القدسي أيضا: (من عادى لي وليا؛ فقد آذنته بالحرب) يعني أن الذي يُعادي أولياءَ اللهِ مُحارِب اللهِ ﷿ مَعَ أنه وإنْ كانَ لم يعاد الله على زعمه، لكنه إذا عادى أولياءه وحاربهم، فقد عاداه وحاربه ، كذلك إذا مَرِضَ عبد من عباد الله الصالحين، فإن الله ﷿ يكون عنده، ولهذا قال: (أما إنك لو عدته لوجدتني عنده) ولم يقل: لوجدت ذلك عندي كما قال في الطعام والشراب، بل قال: (لوجدتني عنده)، وهذا يَدل على قرب المريض من الله، ولهذا قال العلماء: إنَّ المريض حريّ بإجابة الدعاء، إذا دعا لشخص، أو دعا على شخص، وفي هذا دليل على استحباب عيادة المريض، وأن الله ﷿ عند المريض، وعندَ مَن عاده؛ لقوله (لوجدتني عنده).
- (يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني) يعني طلبت منك طعاما فلم تطعمني، ومعلوم أن الله تعالى لا يطلب الطعام لنفسه؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ [الأنعام: ١٤]، فهو غني عن كل شيء، لا يحتاج إلى الطعام، ولا إلى الشراب، لكن جاع عبد من عبادِ الله، فعلم به شخص، فلم يطعمه، قَالَ اللهُ تعالى: (أما إنّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي) يعني: لوجدت ثوابه عندي مدخرا لك، الحَسَنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وفي هذا دليلٌ على استحباب إطعام الجائع، وأنّ الإنسان إذا أطعم الجائع وجَد ذلك عند الله.
قال ابن باز ﵀:
- قوله جل وعلا فيما رواه الرسول عن ربه، الرسول ﷺ يروي عن ربه أحاديث تسمى الأحاديث القدسية، منها هذا الحديث؛ إنّ الله يقول: (يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني.. يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني! قال: يا ربّ، كيف أطعمك وأنت ربّ العالمين؟! قال: أما علمت أنّه استطعمك عبدي فلانٌ فلم تطعمه! أما علمت أنّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني! قال: يا ربّ، كيف أسقيك وأنت ربّ العالمِين؟! قال: استسقاك عبدي فلانٌ فلم تسقه! أما علمت أنّك لو سقينه لوجدت ذلك عندي) يعني: بنصره وتأييده سبحانه مثل: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦]، ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصابرين﴾ [الأنفال: ٤٦] فالله مع أوليائه، ومع عباده المؤمنين بنصره وتأييده بالتوفيق؛ كذلك إذا أطعم أو سقى يريد الثواب على ذلك من الله جل وعلا فلا يضيع عنده شيء فينبغي للمؤمن أن يحتسب في هذه الأمور وأن يرعاها وأن يهتم بها ولا يهملها؛ لأنها خصال عظيمة فيها مصالح كثيرة في التألف بين المسلمين والتحاب والتزاور وإفشاء السلام بينهم وعيادة المريض، إلى غير هذا من الخصال العظيمة التي بها نفع الجميع، وتأليف قلوب الجميع، والبعد عن الوحشة. وفق الله الجميع.

897 - وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «عُودُوا المَريضَ، وَأطْعِمُوا الجَائِعَ، وَفُكُّوا العَانِي». رواه البخاري.
«العاَنِي»: الأسيرُ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (وأطعموا الجائع) فإذا وجدنا إنساناً جائعاً؛ وجب علينا جميعاً أن نطعمه، وإطعامه فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.
- (وفكوا العاني): يعني الأسير، يعني فكوا الأسير الذي عند الكفار من الأسر، فإذا اختطف الكفار رجلاً مسلماً؛ وجب علينا أن نفك أسره، وكذلك لو أسروه في حرب بينهم وبين المسلمين، فإنّه يجب علينا أن نفك أسره، وفك أسره فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وإلا أثم الجميع.
قال ابن باز ﵀:
- يقول النبي ﷺ: (عودوا المَريض، وأطعموا الجائع، وفكّوا العاني)، هذا أمر فدل ذلك على تأكيد العيادة، تقدم أن من حق المسلم على أخيه أن يعوده إذا مرض (وأطعموا الجائع) يعني: تصدقوا على الفقير، (فكوا العاني) يعني: الأسير؛ يعني ادفعوا ما يسبب فكه من أيدي الكفار، وهكذا الأسرى عند المسلمين فقراء ومعسرين ينبغي للمسلم أن يتعاون في فك أسرهم وقضاء ديونهم إذا كانت فيما أباح الله.

898 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ المُسْلِمَ إِذَا عَادَ أخَاهُ المُسْلِمَ، لَمْ يَزَلْ في خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ» قِيلَ: يَا رَسولَ الله، وَمَا خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: «جَنَاهَا». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- يعني أنّه يجني من ثمار الجنة مدة دوامه جالسا عند هذا المريض. وقد سبق أن الجلوس عند المريض يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، فقد يكون الجلوس عند المريض مطلوبا، وقد يكون غير مطلوب.
قال ابن باز ﵀:
- يعني: جناها حتى يرجع، فهو من أسباب دخول الجنة عيادة المرضى، من أسباب حصول النعيم لما فيها من الخير العظيم.

899 - وعن عليّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِم يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ في الْجَنَّةِ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن».
«الخَريفُ»: الثَّمرُ الْمَخْرُوفُ، أيْ: الْمُجْتَنَى.
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذا الحديث له شاهد مما سبق أنّ الإنسان إذا عاد أخاه المريض؛ فهو في خرفة الجنة، يعني في جناها، وفضل الله واسع.
- أما استغفار الملائكة له، فهذا فيه نظر؛ لأن من قواعد الحديث الضعيف عند العلماء: كثرة الثواب في عمل يسير جدا، ولكننا نقول: إنّه ما دام قد ثبت أصل مشروعية عيادة المريض؛ فإن ذِكر الفضائل، إذا لم يكن الضعف شديداً، مما يساعد على فعل ما رغّب فيه، وينشط الإنسان، ويرجو الإنسان ثواب ذلك، إن كان هذا الحديث ثابتا عن النبي ﷺ حصل للإنسان ما دل عليه، وإن لم يكن ثابتا؛ فإنه لا يزيده إلا رغبة في الخير، وعلى كل حال، فهو يدل على فضيلة عيادة المريض، وأنه إن كان في الصباح؛ فله هذا الأجر، وإن كان في المساء فله هذا الأجر.

900 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأتَاهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أسْلِمْ» فَنَظَرَ إِلَى أبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ؟ فَقَالَ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ، فَأسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أنْقَذَهُ منَ النَّارِ». رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- حديث أنس بن مالك أنّ غلاما يهوديا كان يخدم النبي ﷺ فمرض هذا الغلام فعاده النبي ﷺ ، فجلس عند رأسه، وقال له: (أسلم) فنظر إلى أبيه، يعني كأنه يستشيره، فقال له أبوه، وهو يهودي: (أطع أبا القاسم)؛ لأنّ اليهودي يعلم أنه الرسول، ويدري أنه حق، فقال لابنه: أطع أبا القاسم؛ فأسلم هذا الغلام، فخرج النبي ﷺ وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار).
- جواز استخدام اليهودي، يعني أن يستخدمهم الإنسان ويجعلهم خدما عنده، وهذا بشرط أن يأمن من مكره؛ لأن اليهود أصحاب مكر وخديعة وخيانة، لا يكادون يوفون بعهد، ولا يؤدون أمانة، لكن إذا أمنه فلا بأس من أن يستخدمه.
- فيه أيضاً دليل على جواز عيادة المريض اليهودي؛ لأنّ النبي ﷺ عاد هذا الغلام، ولكن يحتمل أن تكون عيادة النبي له كانت من أجل خدمته إياه، وأن هذا من باب المكافأة على المعروف، وعلى هذا فلا يكون الحكم عاما لكل يهودي أن تعوده، ويحتمل أن الرسول ﷺ عاده ليعرض عليه الإسلام، فتكون عيادة المريض اليهودي، أو غيره من الكفار، تكون مستحبة إذا كان الإنسان يريد أن يعرض عليهم الإسلام، فينقذهم الله به من النار، وقد قال النبي: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من حمر النعم). يعني: إذا هدى الله بك رجلاً واحداً من الكفر خير لك من الإبل الحمر التي هي أغلى أنواع الإبل عند العرب.
- فيه دليلٌ على أنه ينبغي على من عاد المريض أن يرشده إلى الحق ويبين له الحق ويرغبه فيه، فإذا كان، مثلاً، يعلم أنّه أي المريض صاحب تقصير يقول له: يا فلان، استغفر الله، تب إليه، ويعرض عليه الأشياء التي تنفعه، فلا يبقى عنده يقص قصص الأولين والآخرين دون أن ينفعه في دينه، فأحسن ما تهدي للمريض هو أن تنفعه في دينه.
- فيه دليلٌ أيضاً على أنّ الأب قد يؤثر ابنه بالخير وهو لا يفعله، فهذا اليهودي أشار على ابنه أن يطيع أبا القاسم ويسلم، ولكنه هو لم يسلم، فالأب قد يحب لولده شيئا يرى أنه الخير وهو محروم منه، والعياذ بالله.
- فيه دليلٌ على أنّ النبي ﷺ حق، ويدل لذلك أن اليهودي قال لابنه: أطع أبا القاسم، والحق ما شهدت به الأعداء، ومعلوم أن اليهود والنصارى يعرفون النبي ﷺ كما يعرفون أبناءهم، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْۖ﴾ [البقرة: 146]، وإنما كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم؛ لأنّ الله قال: ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ﴾ [الأعراف: 157]، معروف مذكور باسمه العلم ﷺ.
- العمال الذين عندنا الآن من الكفار وهم كثيرون، لا ينبغي أن نتركهم هكذا، وأن نجعلهم في منزلة البهائم يعملون لنا دون أن ندلهم على الحق، فهم لهم حق علينا واجب أن ندعوهم للإسلام، ونبين لهم الحق، ونرغبهم فيه، حتى يسلموا.
قال ابن باز ﵀:
- الرسول ﷺ عاد خادماً له مرض، وكان يهودياً، فعاده النبي ﷺ كان غلاماً يخدمه قبل أن يأمر بإجلاء اليهود من المدينة؛ لأن اليهود غيروها، وقتل بعضهم وأجلى بعضهم، أجلى بني النضير وبني قينقاع، وقتل بني قريظة لما نقضوا العهد، فكان عنده خادم صبي فمرض فعاده النبي وقال له: (أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده؟ فقال: أطع أبا القاسم) الله هداهما ليقولا ذلك (أطع أبا القاسم) فأطاعه وأسلم فخرج النبي من عنده وهو يقول: (الحمد لِلَّه الّذي أنقذه من النّار).
- جواز عيادة المريض الكافر إذا رأى فيه مصلحة، كونه يعود مريضاً الكافر إذا رجا في ذلك المصلحة، وأن الله يهديه للإسلام كما عاد النبي هذا الغلام وكما عاد عمه أبا طالب ودعاه للإسلام، فإذا رأى أن في العيادة مصلحة للكافر عاده ودعاء إلى الإسلام ورغبه فيه بالدخول فيه قبل أن يهجم عليه الأجل.
- فيه تواضع النبي ﷺ كونه عاد غلاماً يهودياً كان يخدمه، فيه تواضعه وأنّه ما كان يتكبر عن مثل هذا ﷺ .
- فيه شرعية أن يعود الرئيس والكبير أخاه المريض خادمه المريض، وألا يترفع عن الناس تأسياً بالمصطفى عليه الصلاة والسلام، وفيه دعوة الكافر إلى الإسلام في حال صحته، وفي حال مرضه، وأنه لا بأس أن يعوده إذا مرض إذا رجا أن يهديه الله على يديه.