باب مَا يُدعى به للمريض


901 - عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اشْتَكى الإنْسَانُ الشَّيْءَ مِنْهُ، أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جُرْحٌ، قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأُصْبُعِهِ هكَذا - وَوَضَعَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة الرَّاوي سَبَّابَتَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَها - وقال: «بِسمِ اللهِ، تُرْبَةُ أرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا، بإذْنِ رَبِّنَا ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذا يدل على أنّه ينبغي للإنسان أن يداوي الجرح بمثل ذلك ووجه ذلك أن التراب طهور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم جعلت تربتها لنا طهورا وريق المؤمن طاهر أيضا فيجتمع الطهوران مع قوة التوكل على الله عز وجل والثقة به فيشفى بها المريض ولكن لابد من أمرين:
• الأمر الأول: قوة اليقين في هذا الداعي، بأن الله ﷿ سوف يشفي هذا المريض بهذه الرقية .
• الأمر الثاني: قبول المريض لهذا وإيمانه بأنّه سينفع. أما إذا كانت المسألة على وجه التجربة فإنّ ذلك لا ينفعه، لأنه لابد من اليقين أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم خير، ولابد أن يكون المحل قابلاً، وهو المريض، يكون مؤمناً بفائدة ذلك، أمإذا كان غير مؤمن فإنّه لن ينتفع؛ لأنّ الذين في قلوبهم مرض لا تزيدهم الآيات إلا رجسا إلى رجسهم، والعياذ بالله.

902 - وعنها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعُودُ بَعْضَ أهْلِهِ يَمْسَحُ بِيدِهِ اليُمْنَى، ويقولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِب البَأْسَ، اشْفِ أنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفاؤكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقمًا». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- يتوسل إلى الله ﷿ بربوبيته العامة فهو الرب ﷾ الخالق المالك المدبر لجميع الأمور فأنت أيها المريض تقول خلقني الله ﷿ ولا بأس بي ثم قدر علي المرض والذي قدر علي المريض بعد الصحة قادر على أن يشفيني أذهب البأس يعني المرض الذي حل بهذا المريض.
- الشافي من أسماء الله ﷿ ؛ لأنّه هو الذي يشفي المرض، وما يصنع من الأدوية أو يقرأ من الرقى فما هو إلا سبب قد ينفع وقد لا ينفع، ونحن مأمورون بالسبب كما قال النبي ﷺ: (تداووا، ولا تتداووا بحرام)، وقال: (ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء).

903 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - أنه قَالَ لِثابِتٍ رحمه اللهُ: ألاَ أرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ البَأسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شَافِيَ إِلاَّ أَنْتَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقمًا». رواه البخاري.
904 - وعن سعدِ بن أَبي وقاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: عَادَنِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- في هذا الحديث دليلٌ على أنّ من السنة أن يعود الإنسان المريض المسلم.
- فيه أيضاً حسن خلق النبي ﷺ ومعاملته لأصحابه، فإنه كان ﷺ يعود مرضاهم ويدعو لهم، وفيه أنّه يستحب أن يدعى بهذا الدعاء.
- فيه أيضاً دليلٌ على أن الإنسان يكرر الدعاء، لقد كان الرسول ﷺ إذا دعا يدعو ثلاثاً.

905 - وعن أَبي عبدِ الله عثمان بنِ أَبي العاصِ - رضي الله عنه: أنّه شَكَا إِلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَجَعًا، يَجِدُهُ في جَسَدِهِ، فَقَالَ لَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي يَألَم مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ: بسم اللهِ ثَلاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أعُوذُ بِعِزَّةِ الله وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أجِدُ وَأُحَاذِرُ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ينبغي للإنسان إذا أحس بألم أن يضع يده على هذا الألم، ويقول: (بسم الله" ثلاثًا، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)، يقولها سبع مرات، إذا قاله موقناً بذلك مؤمنا به، وأنه سوف يستفيد من هذا؛ فإنه يذهب الألم بإذن الله ﷿، وهذا أبلغ من الدواء الحسي، وأبلغ من الأقراص، والشراب، لأنّك تستعين بمن بيده ملكوت السماوات والأرض، الذي أنزل هذا المرض، هو الذي يجيرك منه.

906 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْهُ أجَلُهُ، فقالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أسْأَلُ اللهَ العَظيمَ، رَبَّ العَرْشِ العَظيمِ، أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلاَّ عَافَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ المَرَضِ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن»، وقال الحاكم: «حديث صحيح عَلَى شرط البخاري».
907 - وعنه: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى أعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَنْ يَعُودُهُ، قَالَ: «لاَ بَأسَ؛ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللهُ». رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (لا بأس) يعني لا شدة عليك، ولا أذى، (طهور) يعني: هذا طهور، إن شاء الله، وإنّما قال النبي ﷺ: (إن شاء الله) لأنّ هذه جملة خبرية، وليست جملة دعائية، لأنّ الدعاء ينبغي للإنسان أن يجزم به، ولا يقل: (إن شئت) ولهذا نهى النبي ﷺ أن يقول الرجل: "اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت"، لا تقل هذا؛ لأنّ الله لا مُكره له، إن شاء غفر لك ورحمك، وإن شاء لم يغفر، ولم يرحم، فلا يقال إن شئت.
- أما قول: (إن شاء الله) في قول النبي ﷺ: (لا بأس طهور إن شاء الله)، فهذا لأنّه خبر، وتفاؤل، فيقول: لا بأس، يعني ينفي أن يكون به بأس، ثم يقول: (إن شاء الله)؛ لأن الأمر كله بمشيئة الله ﷿.
- فيؤخذ من هذا الحديث: أنّه ينبغي لمن عاد المريض إذا دخل عليه أن يقول: (لا بأس؛ طهور إن شاء الله).

908 - وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أن جِبريلَ أتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْتَكَيْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: بِسْمِ الله أرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِسمِ اللهِ أُرقِيكَ. رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- في هذا دليلٌ على أنّه لا بأس أن يقول المريض للناس: إني مريض، إذا سألوه، وأن هذا ليس من باب الشكوى، الشكوى أن تشتكي الخالق للمخلوق، تقول أنا أصابني الله بكذا وكذا، تشكو الرب للخلق، هذا لا يجوز، ولهذا قال يعقوب ﵇: (إنّما أشكو بثي وحزني إلى الله)، لكن إذا أخبر المريض بمرضه على سبيل الإخبار لا الشكوى؛ فلا بأس.
- فيه أيضاً دليلٌ على أنّه ينبغي أن نقرأ على المريض بهذه الرقية: (بسم الله أرقيك) يعني: أقرأ عليك (من كل شيء يؤذيك) من مرض حزن هم أو غم، أو أي شيء يكون.
- في هذا الحديث دليلٌ على أن النبي ﷺ كغيره من البشر، يصيبه المرض.
- فيه أيضاً أن القراءة على المريض لا تنافي كمال التوكل، بخلاف الذي يطلب من الناس أن يقرؤوا عليه؛ فالذي يطلب من الناس أن يقرؤوا عليه؛ فيه شيء من نقص التوكل؛ لأنّه سأل الخلق، واعتمد على سؤالهم، لكن إذا جاء إنسان يقرأ عليه ولم تمنعه؛ فإن ذلك لا يضرك ولا يعد نقصاً في التوكل.

909 - وعن أَبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: أنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه قَالَ: «مَنْ قَالَ: لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، صَدَّقَهُ رَبُّهُ، فَقَالَ: لاَ إلهَ إِلاَّ أنَا وأنَا أكْبَرُ. وَإِذَا قَالَ: لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، قَالَ: يقول الله: لاَ إلهَ إلاَّ أنَا وَحْدِي لا شَريكَ لِي. وَإِذَا قَالَ: لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، قَالَ: لاَ إلهَ إِلاَّ أنَا لِيَ المُلْكُ وَلِيَ الحَمْدُ. وَإِذَا قَالَ: لاَ إله إِلاَّ اللهُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ، قَالَ: لاَ إلهَ إِلاَّ أنَا وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بي» وَكَانَ يقُولُ: «مَنْ قَالَهَا في مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ». رواه الترمذي،
وقال: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذا آخر حديث نقله النووي رحمه الله في كتابه "رياض الصالحين" في باب: "ما يدعى به للمريض"، وقد سبقت الأحاديث فيما يدعو به العائد للمريض أما هذا فهو يدعو به المريض نفسه.
- ينبغي للإنسان أن يحفظ هذا الذكر، وأنا يكثر منه في حال مرضه، حتى يختم له بالخير إن شاء الله تعالى.

باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله


910 - عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ عليَّ بْنَ أَبي طالب - رضي الله عنه - خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فقالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنِ، كَيْفَ أصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارئًا. رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- فيه دليلٌ على أنه إذا لم يمكن الوصول إلى المريض، فإنّه يسأل عنه من ينتابه من أقاربه أو غيرهم، يسأل عن حاله ليطمئن الإنسان.

باب مَا يقوله مَن أيس من حياته


911 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سَمِعْتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إلَيَّ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وارْحَمْنِي، وأَلْحِقْنِي بالرَّفِيقِ الأَعْلَى». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- اليأس من الحياة لا يُعلم إلا إذا حضر الموت، أما قبل ذلك؛ فإنه مهما اشتد المرض ،فإن الإنسان لا ييأس، وكم من إنسان اشتد به المرض حتى جمع أهله ماء تغسيله وحنوطه وكفنه ثم شفاه الله وعافاه.
قال ابن باز:
- كذلك يستحب للمريض أن يكثر من الدعاء بالمغفرة والرحمة كما فعل النبي ﷺ: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى الإنسان يسأل ربه في حياته وصحته وفي مرضه المغفرة والرحمة والفوز بالجنة والنجاة من النار، كان النبي يكثر من الدعاء ﷺ ، كان ﷺ يكثر من الدعاء، فيستحب للمؤمن الإكثار من الدعاء والله يقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:60]، ويقول ﷿: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:186]، فالسنة للمؤمن الإكثار من الدعاء ولاسيما في المرض

912 - وعنها، قالت: رَأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالْمَوْتِ، عِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، وَهُوَ يُدْخِلُ يَدَهُ في القَدَحِ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بالماءِ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أعِنِّي عَلَى غَمَرَاتِ المَوْتِ أَوْ سَكَرَاتِ المَوْتِ». رواه الترمذي.

باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر عَلَى مَا يشق من أمره وكذا الوصية بمن قرب سبب موته بحد أَوْ قصاص ونحوهما


913 - عن عِمْران بن الحُصَيْنِ رضي الله عنهما: أنَّ أمْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أتَت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَتْ: يَا رسول الله، أصَبْتُ حَدًّا فَأقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلِيَّهَا، فَقَالَ: «أحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإذَا وَضَعَتْ فَأتِنِي بِهَا» فَفَعَلَ، فَأمَرَ بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أمَرَ بِهَا فَرُجِمَت، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا. رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ينبغي للإنسان أن يحسن إلى المريض ويتحمله، ويصبر على ما يجد منه من كلام ناب؛ لأن المريض نفسه ضيقة، والدينا عليه قد ضاقت، فربما يحدث منه كلام، أو تضجر أو ما أشبه ذلك، فليصبر الإنسان على هذا، وليحتسب الأجر من الله ﷿.
- في هذا دليلٌ على أنه يوصي أهل الميت ومن يتولاه بالإحسان إليه، والرفق به، وغير ما ذكر مما يناسب حاله، كما فعل النبي ﷺ، وفي هذا الحديث دليل على أنّه لا يشترط في الإقرار بالزنا أن يتكرر أربع مرات، وأن الزاني إذا أقر ولو مرة واحدة، وهو عاقل لا اشتباه في حاله؛ فإنه يؤخذ بإقراره، ويقام عليه الحد.
- فيه أيضاً دليلٌ على أنّه يشترط في إقامة الحد ألا يتعدى الضرر إلى غير المحدود؛ لأنّها لو رجمت لمات الذي في بطنها وهو ليس منه جناية، ولهذا أمر النبي ﷺ أن تنتظر.
- في هذا دليلٌ على أنّ المرأة لا يحفر لها في الرجم، ولكن تربط عليها الثياب، ثم ترجم بالحجارة، يعني ترمى بحجارةٍ لا صغيرةٍ، ولا كبيرةٍ، حتى تموت، وإنّما كان الحد هكذا؛ لأنّ الشهوة المحرمة شملت جميع البدن، فناسب أن يذوق جميع البدن ألم العقوبة، وهذا من حكمة الله ﷿.
- وفي هذا دليلٌ على أنّ الحدود إذا أقيمت، فإنّ صاحبها يبرأ منها، ويُخلص منها، ويُطهر منها، ولهذا أمر النبي ﷺ بها فصلى عليها، وصلى الناس عليها.
قال ابن باز:
- ففي هذا دلالة على شرعية الإحسان إلى المريض، ووصية أهله بذلك، ومَن قَرُب أجلُه بإقامة حدٍّ ونحوه، كما حصل لهذه المرأة.

باب جواز قول المريض: أنَا وجع، أَوْ شديد الوجع أَوْ مَوْعُوكٌ أَوْ وارأساه ونحو ذلك. وبيان أنَّه لا كراهة في ذلك إِذَا لَمْ يكن عَلَى سبيل التسخط وإظهار الجزع


914 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسَسْتُهُ، فَقلتُ: إنَّكَ لَتُوعَكُ وَعَكًا شَديدًا، فَقَالَ: «أجَلْ، إنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ». متفقٌ عَلَيْهِ .
915 - وعن سعدِ بن أَبي وقاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فقلتُ: بَلَغَ بِي مَا تَرَى، وَأنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَتِي .. وذَكر الحديث. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- كلها أحاديث تدل على أنّه لا بأس أن يخبر الرجل المريض بأنّه مريض، أو شديد الوجع، أو ما أشبه ذلك.
- يجب على أهل العلم الذين يكتبون الوصايا أن يفقهوا أولاً في دين الله، وأن يحملوا الناس على ما هو أفضل وأولى.

916 - وعن القاسم بن محمد، قَالَ: قالت عائشةُ رضي الله عنها: وَارَأسَاهُ! فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أنَا، وَارَأسَاهُ!» ... وذكر الحديث. رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- فهذا اجتمع فيه سنتان: إقرارية وقولية، أما الإقرارية فإن النبي ﷺ أقر عائشة لما قالت: "وارأساه"، وأما القولية فهو نفسه قال: وارأساه)، وعليه فإنّ الإنسان إذا قال وارأساه، وابطناه، أو ما أشبه ذلك؛ فلا حرج بشرط ألا يقصد بذلك أن يشكو الخالق إلى المخلوق بل يقصد التوجع مما قضاه الله عليه فإذا كان مجرد خبر فهذا لا بأس به ولاسيما إذا كان يذكر هذا عند من يريد أن يعالجه لأنّه خبر مجرد ليس المراد به التسخط، ولا الاعتراض على قضاء الله وقدره.