باب إعانة الرفيق


في الباب أحاديث كثيرة تقدمت كحديث:
«وَاللهُ في عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخِيهِ» . وحديث: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَة» وَأشْبَاهِهِما.
969 - وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ في سَفَرٍ إذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ»، فَذَكَرَ مِنْ أصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَهُ، حَتَّى رَأيْنَا، أنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ينبغي للإنسان أن يكون مع رفقائه في السفر محسنا إليهم، قاضيا لحاجتهم، معينا لهم فإن هذا من الآداب النبوية التي جاءت بها سنة النبي ﷺ.

970 - وعن جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ أرَادَ أَنْ يَغْزُوَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، إنَّ مِنْ إخْوَانِكُمْ قَوْمًا لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ، وَلاَ عَشِيرةٌ، فَلْيَضُمَّ أحَدُكُمْ إِلَيْهِ الرَّجُلَيْنِ أَو الثَّلاَثَةَ، فَمَا لأَحَدِنَا مِنْ ظَهْرٍ يَحْمِلُهُ إِلاَّ عُقْبةٌ كَعُقْبَةٍ» يَعْني أحَدهِمْ، قَالَ: فَضَمَمْتُ إلَيَّ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً مَا لِي إِلاَّ عُقْبَةٌ كَعقبة أحَدِهِمْ مِنْ جَمَلِي. رواه أَبُو داود.
971 - وعنه، قَالَ: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَلَّفُ في المَسير، فَيُزْجِي الضَّعِيف، وَيُرْدِفُ وَيَدْعُو لَهُ. رواه أَبُو داود بإسناد حسن.
قال ابن باز ﵀:
- على ولي الأمر والأمير وشيخ القبيلة ورئيس الإخوان فيما بينهم وكبير القرية ورئيس الفرقة في الغزو أو في السفر ورئيس الحارة في البلد أن يتفقد إخوانه، ويتفقد أحوالهم؛ الفقراء والمحاويج، حتى يُواسي المنقطع والفقير.

باب مَا يقول إذا ركب دَابَّة للسفر


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: 12 - 13].
972 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ». وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ. وَزَادَ فِيهِنَّ «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». رواه مسلم.
مَعْنَى «مُقْرِنِينَ»: مُطِيقِينَ. وَ «الوَعْثَاءُ» بفتحِ الواوِ وَإسكان العين المهملة وبالثاء المثلثة وبالمد وَهِيَ: الشِّدَّةُ. وَ «الكَآبَةُ» بِالمَدِّ، وَهِيَ: تَغَيُّرُ النَّفْسِ مِنْ حُزْنٍ وَنَحْوهِ. وَ «المُنْقَلَبُ»: المَرْجِعُ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) هذه الجملة جملة عظيمة، كأن الإنسان لما ركب مسافرا على هذه الذلول أو الفلك كأنه يتذكر السفر الأخير من هذه الدنيا وهو سفر الإنسان إلى الله ﷿ إذا مات، وحملته الناس على أعناقهم فيتذكر ويقول: (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) فالمنقلب إلى الله جل وعلا.
- لا فرق أن تموت هنا أوهناك أو في بلد مقدس أو غير مقدس ولا في هذا الشهر ولا في هذا اليوم ولا في هذا الوقت المهم أن تموت على خير.
- كان الذي يتبادر أن يقول الإنسان: الحمد لله الذي سخر لنا هذا ولكنه أمر أن يقول: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا﴾ [الزخرف: 13]، كما جاءت الآية، لأن (سبحان) تدل على التنزيه: يعني تنزيه الله ﷿ عن الحاجة وعن النقص، فكأن الإنسان يشعر إذا ركب على هذه الفلك والأنعام، أنه محتاج إليه يستعين به على حاجاته، فيسبح الله ﷿ الذي هو مستغن عن كل خلقه فكان التسبيح في هذا المقام أنسب، كما جاء في السنة أيضا أنه يحمد الله.
- الله ﷿ جعل لنا ما نركب، لنستقر على الظهور، فلم يجعله صعبا نزراً لا يستوي الإنسان على ظهره ولا يستقره، وهذا مشاهد في السيارات والسفن والطائرات والإبل الذلول وما أشبه ذلك.

973 - وعن عبد الله بن سَرجِسَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ، وَدَعْوَةِ المَظْلُومِ، وَسُوءِ المَنْظَرِ في الأَهْلِ وَالمَالِ. رواه مسلم.
هكذا هُوَ في صحيح مسلم: «الحَوْر بَعْدَ الكَوْنِ» بالنون، وكذا رواه الترمذي والنسائي، قَالَ الترمذي: وَيُرْوَى «الكوْرُ» بالراءِ، وَكِلاهما لَهُ وجه.
قَالَ العلماءُ: ومعناه بالنون والراءِ جَميعًا: الرُّجُوعُ مِنَ الاسْتِقَامَةِ أَوِ الزِّيَادَةِ إِلَى النَّقْصِ. قالوا: ورِوايةُ الرَّاءِ مَأخُوذَةٌ مِنْ تَكْوِيرِ العِمَامَة وَهُوَ لَفُّهَا وَجَمْعُهَا. ورواية النون، مِنَ الكَوْنِ، مَصْدَرُ كَانَ يَكُونُ كَونًا: إِذَا وُجِدَ وَاسْتَقَرَّ.
974 - وعن عَلِي بن ربيعة، قَالَ: شهدت عليَّ بن أَبي طالب - رضي الله عنه - أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ في الرِّكَابِ، قَالَ: بِسْمِ اللهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنينَ، وَإنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، ثُمَّ قَالَ: الحمْدُ للهِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: اللهُ أكْبَرُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ إنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقيلَ: يَا أمِيرَ المُؤمِنِينَ، مِنْ أيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَالَ: رَأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ ثُمَّ ضَحِكَ، فقُلْتُ: يَا رسول اللهِ، مِنْ أيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَالَ: «إنَّ رَبَّكَ تَعَالَى يَعْجَبُ مِنْ عَبدِهِ إِذَا قَالَ: اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، يَعْلَمُ أنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن»، وفي بعض النسخ: «حسن صحيح». وهذا لفظ أَبي داود.