باب فضل الوضوء


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ إِلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا يُريدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُريدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6].
1024 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- الغرة بياض الوجه، والتحجيل بياض الأطراف، أطراف اليدين، وأطراف الرجلين، يعني أن هذه المواضع تكون نورًا يتلألأ يوم القيامة لهذه الأمة، وهذه خاصة بنا ولله الحمد، كما قال النبي ﷺ: (سيما ليست لغيركم)، يعني علامة تتبين بها أمة محمد ﷺ في هذا اليوم المشهود.
- هذا دليلٌ على فضل الوضوء، وأنّ أعضاء الوضوء تأتي بيضاء يوم القيامة، تلوح من النور.
- (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) هذه الجملة ليست من كلام النبي ﷺ بل هي من كلام أبي هريرة ﵁، وليست بصحيحة من جهة الحكم الشرعي؛ لأنّ ظاهرها أنّ الإنسان يمكنه أن يطيل غرته، يعني يطيل وجهه، وهذا غير ممكن، فالوجه محدد من الأذن إلى الأذن، ومن منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية، وهذا مما يدل على أن هذه الجملة من كلام أبي هريرة ﵁ قالها اجتهادًا.
- فرض الله علينا أن نغسل الوجوه، والأيدي إلى المرافق، والأرجل إلى الكعبين، هذا هو منتهى الوضوء، وكفى فخرًا أن يأتي الناس يوم القيامة وهذه المواضع تتلألأ نورًا من أجسادهم من أثر الوضوء.
- فيه دليلٌ على فضيلة الوضوء، وعلى إثبات البعث، وأن الأمم يوم القيامة يأتي كل أمة تدعى إلى كتابها، هل صدَّقت كتابها أم لم تُصدّق.
قال ابن باز ﵀:
- الأمة تدعى يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، نور في وجوههم، ونور في أيديهم، وأرجلهم بسبب الوضوء، نور في الوجه، والتحجيل في اليدين والرجلين.

1025 - وعنه، قَالَ: سَمِعْتُ خليلي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تَبْلُغُ الحِلْيَةُ مِنَ المُؤمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الوُضُوءُ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الحلية يوم القيامة يُحلَّى بها الرجال والنساء، يلبس الرجال والنساء حلية من ذهب وفضة ولؤلؤ، ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا﴾ [الحج: 23]، فهم يُحَلّون بهذه الأنواع الثلاثة، ولابد أن تكون مرصوفة على وجه يحصل به الجمال أكثر وأكثر؛ لأن التحلي بكل نوع من هذا لا شك أنه يكسب الإنسان جمالًا، فإذا رصف بعضها إلى بعض ورتبت ترتيبًا حسنا أعطت جمالًا أكثر.
- فيه دليلٌ على فضيلة الوضوء، حيث تكون مواضعه يوم القيامة يحلّى بها الإنسان في الجنة.
قال ابن باز ﵀:
- الوضوء يبلغ العضدين، تبلغ الحلية في ذراعيه إلى العضدين، والمؤمنون يحلون في الجنة رجالهم ونساؤهم كل يحلى، فالواجب على المؤمن أن يتعاهد الوضوء، وأن يحافظ عليه، وألا يصلي إلا بطهارة؛ لأن الله أوجب عليه ذلك، ولما له من الفضل العظيم في هذا الخير العظيم، وإذا جدده لهذا الفضل فهو مستحب، أو جدد حين حضرت الصلاة، فجدد لأجل هذا الفضل فهو على خير، أو جدد الوضوء ليطوف أو ما أشبه ذلك كل ذلك خير، لكن لا يلزم إلا في الحدث.

1026 - وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من تَوَضَّأ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُج مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الوضوء يكون سببًا لكفارة الخطايا، حتى من أدق مكان، وهو ما تحت الأظفار.
- الوضوء من أفضل العبادات، وهو عبادة ينبغي للإنسان أن ينوي به التقرب إلى الله عز وجل، يعني أن يستحضر وهو يتوضأ أنه يتقرب إلى الله، كما أنه إذا صلى يستشعر أنه يتقرب إلى الله، ويستشعر بأنه يمتثل أمر الله في قوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغْسِلُوا۟ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: 6]، ويستشعر أيضًا أنه متبع لرسول الله ﷺ في وضوئه، ويستحضر أنه يريد الثواب، وأنه يثاب على هذا العمل حتى يتقنه ويحسنه.
قال ابن باز ﵀:
- الوضوء من العبادات العظيمة والقربات، وهو من شروط الصلاة في الفرض والنفل مع القدرة، ومع هذا فيه هذا الفضل العظيم، وأن وضوء الإنسان إذا أسبغه كما أمر الله، كان من أسباب تكفير السيئات وحط الخطايا، فينبغي للمؤمن أن يعتني بالوضوء، وأن يُسبغه في مواضعه احتسابًا لله، وأن يفرح بهذه النعمة العظيمة ويشكر الله عليها.

1027 - وعنه، قَالَ: رَأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأ هكَذَا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَكَانَتْ صَلاَتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى المَسْجدِ نَافِلَةً». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذا شيءٌ يسير ولله الحمد، أنّ الإنسان يعمل هذا العمل، ثم يغفر ما تقدم من ذنبه، وأخذ العلماء من ذلك أنه يستحب لمن أسبغ الوضوء أن يصلي ركعتين، وتسمى سنة الوضوء، سواءً في الصباح أو المساء، في الليل أو النهار، بعد الفجر أو بعد العصر؛ لأنها سنة لها سبب، فإذا توضأ الإنسان نحو وضوء الرسول ﷺ فإنه يصلي ركعتين يغفر له ما تقدم من ذنبه.
- (وكان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة) يعني: زائد على مغفرة الذنوب، وليس معنى نافلة يعني صلاة تطوع، قد تكون صلاة فريضة، ولكن نافلة يعني زائدًا على مغفرة الذنوب؛ لأنّ ذنوبه غفرت بوضوئه وصلاته الأولى، فيكون مشيه للمسجد وصلاته ولو لفريضة نافلة، أي زيادة على مغفرة الذنوب؛ لأن النفل في اللغة معناه: الزيادة، كما قال الله تعالى: ﴿ومِنَ ٱلَّليْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ﴾ [الإسراء: 90].

1028 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ - أَو المُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ، خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ، أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ، خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ المَاءِ، أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (خرجت خطايا وجهك مع الماء أو مع آخر قطر الماء) أو هنا للشك من الراوي، وعلى كل حال، فإن الإنسان إذا غسل وجهه خرجت خطايا وجهه، وإذا غسل يديه خرجت خطايا يديه التي كان قد بطش بها، وإذا غسل رجليه خرجت خطايا رجليه، حتى يخرج نقيًا من الذنوب، ولله الحمد.
- هذا دليلٌ على فضيلة الوضوء، ولكن من منا يستحضر هذا الفضل، فهل يكتب هذا الفضل للإنسان سواء أستحضره أم لا؟ الظاهر إن شاء الله أنّه يكتب له، سواء أستحضر أو لم يستحضر، لكن إذا استحضر فهو أكمل؛ لأنه إذا استحضر هذا احتسب الأجر على الله ﷿، وأيقن أنه سيجازي ويكافأ على هذا العمل، جزاءً وفاقًا، بخلاف ما إذا توضأ وهو غافل، لكننا نرجو من الله ﷿ أن يكتب هذا الأجر حتى من الإنسان الغافل، الذي يتوضأ على سبيل إبراء ذمته.
قال ابن باز ﵀:
- (مع قطر الماء) يعني أن الله ﷿ يزيل تلك الذنوب، ويمحو أثرها بهذا الوضوء الشرعي، ويكون أثر ذلك مع قطر الماء، يعني تعلق هذه المغفرة وحصولها يتم بقطر الماء، يعنى بانتهاء الوضوء على هذه الأعضاء، وهذا من الأحاديث المطلقة التي يرجى فيها للعبد الخير العظيم، ولكن عند أهل السنة مقيدة؛ لقوله تعالى: ﴿إن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: 31]، مقيدة بالأحاديث الأخرى التي فيها اشتراط اجتناب الكبائر كما في قوله ﷺ: (الصّلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفّراتٌ ما بينهنّ إذا اجتنب الكبائر)، الحاصل أن هذه الأحاديث فيها البشارة وفيها الوعد بهذا الخير بالتشجيع على هذا الخير، وفي الأحاديث الأخرى التقيد بأن هذه كفارة وهذه المغفرة مقيدة باجتناب العبد الكبائر.

1029 - وعنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى المقبرة، فَقَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَومٍ مُؤْمِنِينَ، وَإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ، وَدِدْتُ أنَّا قَدْ رَأَيْنَا إخْوانَنَا» قالوا: أوَلَسْنَا إخْوَانَكَ يَا رسول الله؟ قَالَ: «أنْتُمْ أصْحَابِي، وَإخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأتُوا بَعْدُ» قالوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسولَ الله؟ فَقَالَ: «أرَأيْتَ لَوْ أنَّ رَجُلًا لَهُ خَيلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» قالوا: بَلَى يَا رسول الله، قَالَ: «فإنَّهُمْ يَأتُونَ غُرًّا مُحَجَّلينَ مِنَ الوُضُوءِ، وأنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الحَوْضِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- كان النبي ﷺ في أول الأمر نهى عن زيارة القبور؛ لأن الناس حديثو عهد بشرك، فخشي أن تتعلق قلوبهم بالقبور، وتفتتن بها، فنهى عن الزيارة، ثم لما استقر الإيمان في قلوبهم أمرهم بالزيارة، فقال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت) وفي رواية (تذكر الآخرة)، فأمر بزيارتها، وبين الحكمة العظيمة من هذه الزيارة، وأنها تذكر الإنسان الذي على ظهر الأرض أنّه اليوم على ظهرها، وغدًا في بطنها ولا يدري متى يكون هذا؟ فكان في زيارة المقابر تذكير بالموت والآخرة.
- (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) وصدق النبي ﷺ ما من حي إلا سيلحق الميت، بمشيئة الله ﷿، واختلف العلماء رحمهم الله لماذا قال: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وهو أمر معلوم متيقن؟ والصحيح أنه لا إشكال في هذا، فإن معنى التعليق هنا أننا إذا لحقنا بكم نلحق بمشيئة الله، متى شاء لحقنا بكم؛ لأن الأمر أمره، والملك ملكه، هو الذي يدبر عز وجل ما شاء، فيمن شاء.
- (وددت أنا لقينا إخواننا) تمنى أن يلقى إخوانه ﷺ اللهم اجعلني وإياكم منهم، قالوا: (يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي) أخص من الإخوان، الصاحب أخ وزيادة، والأخ أخ بلا مصاحبة، قال أنتم أصحابي يعني فأنتم أخص منهم، وهم الصحابة، إخوان للرسول ﷺ وأصحاب له، أما من جاءوا بعدهم من المؤمنين فهم إخوانه، وليسوا أصحابه.
- قالوا: (يا رسول الله كيف تعرفهم)، يعني وأنت لم تدركهم؟ فضرب مثلًا برجل له خيلٌ غر، يعني فيها بياض في رأسها، ومحجلة بياض في أرجلها، مع خيل دهم، يعني سود ليس فيها أي غرة، هل يشتبه عليه هذا بهذا؟ قالوا: "لا"، قال: (فإنكم تأتون يوم القيامة غرا محجلين يعني من أثر الوضوء).
- فيه دليلٌ على فضيلة الوضوء، وأنّ هذه الأمة يأتون يوم القيامة وهم غر محجلون من أثر الوضوء، (غر) يعني بيض الوجوه، (محجلون) يعني بيض الأرجل والأيدي، وهذا البياض بياض نور وإضاءة، يعرفهم الناس يوم القيامة في هذا اليوم المشهود العظيم، تعرف أمة هذا النبي الكريم ﷺ بهذه السيما والعلامة التي ليست لغيرهم.
- ليعلم أنّ أصحاب القبور مهما بلغوا من العمل الصالح والتُّقى، لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، ولا يملكون لغيرهم أيضًا نفعًا ولا ضرًا، ولهذا هم يُدعى لهم، ولا يدعوا هم، وقد قال الله عز وجل: ﴿إن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا ٱسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر: 14].
قال ابن باز ﵀:
- الله ﷿ جعل على المؤمنين من أمة محمد ﷺ علامة من البياض في وجوههم غرة، والتحجيل في الأيدي والأرجل، من النور الخاص من آثار الوضوء، وكأن هذا علامة لهم يعرفهم بها نبيهم ﷺ.

1030 - وعنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ألاَ أَدُّلُكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قالوا: بَلَى يَا رسول الله، قَالَ: «إسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ؛ فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (ألا أدلكم) الاستفهام من أجل أن ينتبه السامع لما يلقى إليه؛ لأنّ الأمر مهم.
- (إسباغ الوضوء على المكاره) يعني أن الإنسان يتوضأ وضوءه على كره منه، إما لكونه فيه حمى ينفر من الماء فيتوضأ على كره، وإما أن يكون الجو باردًا وليس عنده ما يسخن به الماء فيتوضأ على كره، وإما أن يكون هناك أمطار تحول بينه وبين الوصول لمكان الوضوء، فيتوضأ على كره، المهم أنه يتوضأ على كره ومشقة، لكن بدون ضرر، أما مع الضرر فلا يتوضأ، بل يتيمم، هذا مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، ولكن هذا لا يعني أن الإنسان يشق على نفسه، يكون عنده ما يسخن به الماء، ويقول: لا أريد أن أتوضأ بالماء البارد لأنال هذا الأجر، فهذا غير مشروع، فالإنسان ليس مأمورًا ولا مندوبًا في أن يفعل ما يشق عليه ويضره، بل كلما سهلت عليه العبادة فهو أفضل، لكن إذا كان لابد من الأذى والكره فإنه يؤجر على ذلك؛ لأنه بغير اختياره.
- (كثرة الخطا إلى المساجد) فيه دليل على أن الجماعة تكون في المسجد، ولا تكون في البيت، وأن الإنسان إذا كثرت خطاه إلى المساجد يرفع الله له به الدرجات، ويمحو عنه الخطايا، وكثرة الخطا معناه أن يأتي الإنسان للمسجد ولو من بعيد وليس المعنى أن يتقصد الطريق البعيد أو أن يقارب الخطا هذا غير مشروع، بل يمشي على عادته ولا يتقصد البعد.
- (انتظار الصلاة بعد الصلاة) بمعنى أن الإنسان إذا فرغ من هذه الصلاة، يتشوق إلى الصلاة الأخرى، وهكذا يكون قلبه معلقًا بالمساجد، كلما فرغ من صلاة فهو ينتظر الصلاة الأخرى.
- (فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) يعني المرابطة على الخير، وهو داخل في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200].
قال ابن باز ﵀:
- في الحديث فضل هذه الأعمال، فإسباغ الوضوء مما يمحو الله بها الخطايا، ولا سيما في أوقات الشدة.
- (كثرة الخطا إلى المساجد) الخطا ترفع درجة وتحط خطيئة، تكتب بها حسنة ذاهباً وراجعاً، هذه نعمة عظيمة لمن أخلص لله.
- (انتظار الصلاة بعد الصلاة) يكون إذا صلى على باله الصلاة الأخرى حتى يؤديها لا يغفل، ليس معناه يجلس في المسجد ولا يخرج، لا، المراد أن يهتم بالصلاة وينتظر وجوب وقتها حتى يحضر، مثلما في حديث السبعة الذين يظلهم في ظله قال: (ورجلٌ قلبه معلّقٌ في المساجد)، يعني : كلما خرج من الصلاة قلبه معلق بها حتى يأتي بالصلاة الأخرى.

1031 - وعن أَبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمَانِ». رواه مسلم.
وَقَدْ سبق بطوله في باب الصبر، وفي البابِ حديث عمرو بن عَبَسَة - رضي الله عنه - السابق في آخر باب الرَّجَاءِ، وَهُوَ حديث عظيم؛ مشتمل عَلَى جمل من الخيرات.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (الطهور شطر الإيمان) يشمل طهور الماء، وطهور التيمم، وطهارة القلب من الشرك، والشك، والغل، والحقد على المسلمين، وغير ذلك مما يجب التطهر منه، فهو يشمل الطهارة الحسية، والطهارة المعنوية.
- (شطر الإيمان) يعني نصفه، والنصف الثاني هو التحلي بالأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة؛ لأن كل شيء لا يتم إلا بتنقيته من الشوائب، وتكميله بالفضائل، فالتكميل بالفضائل نصف، والتنقية من الرذائل نصف آخر.
قال ابن باز ﵀:
- الطُّهور: بالضم، يعني التطهر، والطَّهور: بالفتح، يعني الماء المعد للوضوء.
- (الطهور شطر الإيمان) يعني: التطهر من الجنابة والأحداث شطر الإيمان، الإيمان شطران شطر معنوي عملي وهو الإيمان والتوحيد وتقوى الله، وشطر حسي وهو الطُهور بالماء، هذا اسمه الطهارة الظاهرة الحسية، والتوحيد والإيمان والأعمال الصالحة هي الطهارة المعنوية بالقلب

1032 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الوُضُوءَ، ثُمَّ يقول: أشهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ». رواه مسلم.
وزاد الترمذي: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ».
قال ابن باز ﵀:
- فيه الدلالة على شرعية التشهد بعد الوضوء، يستحب للمؤمن إذا فرغ من الوضوء أن يتشهد، ويستحب أيضاً ذكر آخر: (سبحانك اللهم بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك)، هذا ذكر يقوله من قام من مجلس، روى هذا أيضاً النسائي بإسناد جيد عن النبي ﷺ كان يقول بعد الوضوء أو قال: من قاله بعد الوضوء طبع عليها بطابع تحت العرش.
- المقصود أنّ هذه فضائل تستحب بعد الوضوء، الشهادة وهذا الدعاء، فيهما الجمع بين الطهارتين: الطهارة الحسية من الوضوء، والطهارة المعنوية في الشهادة والدعاء.

باب فضل الأذان


1033 - عن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا في النِّدَاءِ والصَّفِ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ، ولو يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». متفقٌ عَلَيْهِ.
«الاسْتِهَامُ»: الاقْتِرَاعُ، وَ «التَّهْجِيرُ»: التَّبْكِيرُ إِلَى الصَّلاةِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- سبحان الله! معنى هذا أن الناس لو يعلمون ما في الأذان من فضل وأجر لكانوا يقترعون أيهم الذي يؤذن، بينما الناس الآن مع الأسف يتدافعون هذا، يقول أذن وهذا يقول بل أذن أنت، وهكذا، فينبغي عليك إذا كنت في رحلة أن تحرص أن تكون أنت المؤذن، لكن معلوم أن الرحلة لها أمير، سواء سفر أو نزهة، فإذا نصب الأمير شخصًا للأذان، فليس لأحد أن يتقدم ويؤذن؛ لأنه صار مؤذنًا راتبًا، وكذلك إذا قال لأحدهم أنت الإمام، صار هو الإمام، ولا أحد يتقدم عليه، لقول النبي ﷺ: (لا يؤمن رجل رجلًا في سلطانه إلا بإذنه).
قال ابن باز ﵀:
- هذه الأحاديث كلها تتعلق بالأذان؛ الأذان من أفضل القربات وهو دعوة إلى الله و دعوة إلى أداء هذه الصلاة العظيمة، التي هي عمود الإسلام، فالمؤذن من الدعاة إلى الله المعلنين بالدعوة إلى أعظم عبادة، وأفضل العبادة بعد الشهادتين؛ ولهذا جاءت فيهم الأحاديث الدالة على فضلهم.
- (لو يعلم النّاس ما في النّداء) يعني: الأذان، (والصف الأول) يعني: من الأجر العظيم، (ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ) يعني: اقترعوا، أي إذا كانت قرعة كل يقول: أنا، لعلي أحظى بالأذان، لعلي أحظى بالصف الأول، (ولو يعلمون ما في التّهجير) يعني التبكير إلى الصلاة، (لاستبقوا إليه) المؤمن مشروع له أن يبكر، ويبادر بالصلاة من حين الأذان، أو قبله، حتى يدرك الصف الأول، حتى ينتظر الصلاة، يفوز بعبادة الانتظار والذكر والدعاء، وانتظار هذه العبادة العظيمة، (ولو يعلمون ما في العتمة والصّبح لأتوهما ولو حبّواً) يعني من الأجر العظيم، حضور صلاة العشاء وصلاة الفجر؛ لأنهما صلاتان قد ينام عنهما كثير من الناس، أو يشغل عنهما، وكذلك يفرط فيهما المنافقون ويتثاقلون، فالواجب على المؤمن أن تكون عنايته بالصلاة أكمل عناية، وأن يحذر صفات المنافقين وصفات الكسالى، وأن يفرح بأن يبادر إلى الصف الأول، وأن يسند إليه الأذان، وأن يسابق في كل صلاة يكون من الأولين، من المنتظرين ومن المتسابقين إلى الصف الأول.

1034 - وعن معاوية - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «المُؤَذِّنُونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعْناقًا يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- يوم القيامة إذا بعث الناس فإن المؤذنين يكون لهم ميزة ليست لغيرهم، وهي أنهم أطول الناس أعناقًا، فيعرفون بذلك، تنويها لفضلهم، وإظهارًا لشرفهم؛ لأنهم يؤذنون ويعلنون بتكبير الله ﷿، وتوحيده، والشهادة لرسوله ﷺ بالرسالة والدعوة إلى الصلاة وإلى الفلاح، يعلنونها من الأماكن العالية، ولهذا كان جزاؤهم من جنس العمل، أن تعلو رءوسهم، وأن تعلو وجوههم، وذلك بإطالة أعناقهم يوم القيامة، وهذا يدل على أنّه ينبغي للإنسان أن يحرص على أن يكون مؤذنًا، حتى لو كان في نزهة هو وأصحابه، فإنّه ينبغي أن يبادر لذلك.
قال ابن باز ﵀:
- يشتهرون بين الناس، ويعرفون، بسبب ما قاموا من النداء على رؤوس الناس، يدعون إلى هذه العبادة العظيمة.

1035 - وعن عبدِ الله بن عبدِ الرَّحْمنِ بن أَبي صَعصعة: أنَّ أَبَا سَعيد الخدريَّ - رضي الله عنه - قَالَ لَهُ: «إنِّي أرَاكَ تُحبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ فَإذَا كُنْتَ في غَنَمِك - أَوْ بَادِيتِكَ - فَأذَّنْتَ للصَّلاَةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإنَّهُ لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤذِّنِ جِنٌّ، وَلاَ إنْسٌ، وَلاَ شَيْءٌ، إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ» قَالَ أَبُو سَعيدٍ: سمعتُهُ مِنْ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
قال ابن باز ﵀:
- فيه دليلٌ على أنّ الإنسان يؤذن، ولو وحده، ولو في غنمه أو باديته، ولو كان واحداً فإنه يؤذن ويُقيم.

1036 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا نُودِيَ بالصَّلاَةِ، أدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأذِينَ، فَإذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ للصَّلاةِ أدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا واذكر كَذَا - لِمَا لَمْ يَذْكُر مِنْ قَبْلُ - حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ مَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذا هو معنى قوله تعالى: ﴿مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ﴾ [الناس: 4]، الذي يخنس عند ذكر الله ﷿، ويختفي ويبعد؛ لأنّ الشيطان أكره ما عنده عبادة الله، وأبغض ما عنده من الرجال عبَّاد الله، وأحب ما يحب الشرك بالله ﷿، والمعاصي؛ لأنّه يأمر بالفحشاء ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة: 262]، فيحب من الناس أن يأتوا ما لم يأمر الله به، ويكره أن يأتوا ما أمر الله عز وجل.
- (يقول له اذكر كذا اذكر كذا) حتى لا يطيق المصلي، وهذا أمر يشهد له الواقع، فإن الإنسان أحيانًا ينسى أشياء، فإذا دخل في الصلاة فتح الشيطان عليه باب التذكر حتى جعل يذكرها.
- الأذان يطرد الشياطين، ولهذا استحب الكثير من العلماء إذا ولد المولود أول ما يولد أن يؤذن في أذنه؛ حتى يطرد الشيطان عنه، وبعضهم يقول: يؤذن في أذنه حتى يكون أول ما يسمع ذكر الله عز وجل، ولكن هل إذا أذن الإنسان في غير وقت الأذان هل يطرد الشياطين؟ الله أعلم، لكن ذكر الله على سبيل العموم يطرد الشياطين؛ لأن معنى الخناس الذي يخنس عند ذكر الله عز وجل.
قال ابن باز ﵀:
- الإخبار بأنّ الشيطان يهرب من الأذان حتى لا يسمعه، ثم يعود بعد انتهائه ليوسوس على الناس، ثم عند سماع الإقامة يدبر ويهرب، فإذا انتهت إقامة الصلاة، عاد ليوسوس على المصلي حتى يشغله في صلاته، وقد يذكره بأمور كان نسيها حتى ينال من خشوع قلبه في صلاته حتى لا يدر كم صلى، نعوذ بالله من وساوس الشيطان الرجيم

1037 - وعن عبدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنّه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إِذَا سَمِعْتُمُ النداء فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإنَّه مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ؛ فَإنَّهَا مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ وَأرْجُو أَنْ أكونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- أمر النبي ﷺ إذا سمعنا المؤذن أن نقول مثل ما يقول، إلا حي على الصلاة، حي على الفلاح، فلا نقول مثله، لأننا نحن مدعوون، والمؤذن داع، فلا يصح أن نقول (حي على الصلاة) بعده، لكننا نقول كلمة الاستعانة (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وهذه الكلمة تعني أننا عزمنا على الإجابة، ولكننا نستعين بالله عز وجل، ولهذا أقول إن هذه الكلمة كلمة استعانة، تعين الإنسان على أموره، وعلى صلاح أحواله.
- الوسيلة درجة عالية في الجنة أعلى ما يكون، لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، قال النبي ﷺ وأرجو أن أكون أنا هو، وهذا الرجاء إن شاء الله تعالى سيكون محققًا؛ لأننا نعلم أن أفضل الخلق عند الله محمد ﷺ؛ ولأن أمة محمد تدعو الله بذلك بعد كل أذان، والدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، كل الأمة تقول اللهم آت محمدا الوسيلة، وأمة محمد جديرة بإذن الله إذا دعت أن يؤتى محمد ﷺ الوسيلة، أن يقبل الله منها.
- ينبغي لنا إذا سمعنا المؤذن أن نقول مثل ما يقول حتى لو كنا نقرأ نقطع القراءة، ونجيب المؤذن، وإذا فرغنا نقبل على القراءة، واختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا كان الإنسان يصلي هل يتابع المؤذن؟ فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (نعم، ولو كنت تصلي؛ لأنّ الأذان ذكر لا يبطل الصلاة)، ولكن أكثر العلماء يقولون إذا كنت تصلي لا تجب المؤذن؛ لأنّ الصلاة فيها شغل خاص بها، والأذان طويل يشغلك كثيرا عنها، لكن لو عطست وأنت تصلي فقل: "الحمد لله" ما في مانع؛ لأنها كلمة واحدة، لا تشغلك عن الصلاة، أما إجابة المؤذن طويلة فلا تجب المؤذن، ولكن إذا فرغت من الصلاة فأجب المؤذن؛ لأنّك سكت اشتغالا بصلاتك.
- لو سمعت عدة مؤذنين فهل تجيب كل مؤذن؟ نقول إذا كانوا يؤذنون في صوت واحد بمعنى أن يبدأ الثاني قبل أن يتم الأول، فانشغل بالأول ولا عليك بالثاني، أما إذا سمعت الثاني بعد انتهاء الأول، فتابعه لأنّه خير، وهو داخل في عموم قول الرسول ﷺ فقولوا مثل ما يقول.
قال ابن باز ﵀:
- فالسنة لمن سمع الأذان، أن يجيب المؤذن، ويقول مثل قول المؤذن: سواء بسواء، إلا في الحيعلة، يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، هكذا شرع الله، ثم بعد الفراغ يصلي على النبي ﷺ ويسأل الله له الوسيلة كل هذا مستحب عند الأذان أن يقول مثل قول المؤذن، ويأتي بهذا الذكر، وهذا الدعاء، وهو حري بالإجابة، ولكن الصلاة على النبي ﷺ تكون بعد أن ينتهي المؤذن، وكذلك المؤذن يصلي على النبي ﷺ مثل سائر الناس صلاة خفيفة ليست كالأذان بعد إغلاق الميكرفون، صلاة يسمعها من حوله.
- هكذا الإنسان الذي يسمع الصلاة على النبي ﷺ يصلي عليه صلاة ليس فيها جهراً زائداً صلاة يسمعها من حوله.
- (اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة، والصّلاة القائمة، آت محمّداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الّذي وعدته) زاد البيهقي رحمه الله: بإسناد صحيح: (إنّك لا تخلف المِيعاد) إذا قالها وأتى بها لا بأس؛ لأنها موافقة للقرآن: ﴿إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ﴾ [آل عمران: 194]، والوسيلة: منزلة في الجنة: (ثمّ سلوا اللَّه لي الوسيلة). وفي لفظ الحديث الآخر: (ثمّ سل تعطه)

1038 - وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا كَمَا يَقُولُ المُؤذِّنُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1039 - وعن جابر - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ، وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتي يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (آت محمداً الوسيلة والفضيلة) يعني أعطه الوسيلة: وهي درجة في الجنة أعلى ما يكون من درجاتها، وهي للنبي ﷺ، والفضيلة: يعني الميزة، والرتبة العالية، وقد حصل له ذلك.
- (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) وقد وعده الله ذلك في قوله: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ [الإسراء: 90]، ومن هذا المقام المحمود الشفاعة العظمى، فإن الناس يوم القيامة يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون في ذلك اليوم العظيم.
- إن هذا الحديث رواه البخاري إلى قوله (الذي وعدته) لكن قد صحت زيادة (إنك لا تخلف الميعاد)، فينبغي أن يقولها الإنسان؛ لأنّها صحيحة، ولأنّ هذا دعاء المؤمنين: ﴿رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ﴾ [آل عمران: 194].

1040 - وعن سعدِ بن أَبي وقَّاصٍ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قَالَ: «مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: أشْهَدُ أَنْ لاَ إلَه إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالإسْلامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ». رواه مسلم.
قال ابن باز ﵀:
- يستحب للمؤمن أن يقول عند الشهادتين (رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد ﷺ نبياً).
- جديرٌ بالمؤمن أن يحافظ على هذه الأذكار العظيمة، وهذه العبادة العظيمة، يرجو ما وعد الله به من الخير العظيم بغفران الذنوب، والدخول في شفاعة نبيه ﷺ مع ما فيه من إعلان توحيد الله، والدعوة إلى سبيله.

1041 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن».
قال ابن باز ﵀:
- الدعاء بين الأذان والإقامة فيه فضلٌ عظيم، فهو من أوقات الإجابة، فينبغي أن يتحرى الإنسان ما بين الأذان والإقامة بالدعوات الطيبة، الدعوات الجامعة.
- أمر ﷺ أن نقول كما يقول المؤذن، ثم نسأل له الوسيلة، ثم ندعو لأنفسنا بما نشاء، فالمؤمن يتحرى في دعوته الأوقات المناسبة التي يرجى فيها الإجابة، كآخر الليل، وبين الأذان والإقامة، بعد صلاة العصر من يوم الجمعة، عند جلوس الإمام على المنبر يوم الجمعة، كل هذه الأوقات يتحرى فيها الإجابة.