باب فضل صلاة الجماعة


1064 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَة أفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». متفقٌ عَلَيْهِ.
1065 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «صَلاةُ الرَّجُلِ في جَمَاعةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتهِ وفي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلى المَسْجِدِ، لا يُخرِجُهُ إلاَّ الصَّلاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّتْ عَنهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ في مُصَلاَّهُ، مَا لَمْ يُحْدِث، تقولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلاَ يَزَالُ في صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ». متفقٌ عَلَيهِ، وهذا لفظ البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- لا منافاة بين الحديثين، بل يؤخذ بالأجر الزائد؛ لأن فضل الله واسع.
- (اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة) هذا أجر عظيم، وفضل كبير، لا ينبغي للرجل المؤمن العاقل أن يفرط فيه.
- الكثير من الناس -والعياذ بالله- حرموا الخير، تجدهم قريبين من المسجد، يتركون هذا الفضل العظيم، الواحد بسبع وعشرين، يعني أضعاف، ومع ذلك لا يأتي إلى المسجد -نسأل الله العافية- وربح الدنيا مع قلته يسعى إليه، ويهتم به، مع أنه زائل، فإن كل ما في الدنيا من نعيم فإما زائل عنك، وإما زائل أنت عنه، ولابد، ومع ذلك نجد بعض الناس يفرط فيه ولا يهتم به، وفضل الله تعالى يؤتيه من يشاء.
قال ابن باز ﵀:
- صلاة الجماعة فريضة ولازمة، فلا يجوز للمسلم أن يصلي وحده، بل يجب عليه أن يصلي مع الجماعة في بيوت الله، قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرْكَعُوا مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ﴾ [البقرة: 43]، يعني: صلوا مع المسلمين، فالجماعة فرض لا بد منه، ولا يجوز لأحد أن يتخلف عن الصلاة مع إخوانه إلا لعذر شرعي، كالمرض أو الخوف.

1066 - وعنه، قَالَ: أَتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ أعْمَى، فقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، لَيسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَّمَا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأجِبْ». رواه مُسلِم.
1067 - وعن عبدِ الله - وقيل: عَمْرو بن قَيسٍ - المعروف بابن أُمّ مكتوم المؤذن - رضي الله عنه - أنَّه قَالَ: يا رَسُول اللهِ، إنَّ المَدينَةَ كَثيرةُ الهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ. فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «تَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، فَحَيَّهلًا» رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسناد حسن.
ومعنى «حَيَّهَلًا »: تعال.
1068 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بحَطَبٍ فَيُحْتَطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤذَّنَ لهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إلى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهمْ». متفقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- فيه دلالة على وجوب صلاة الجماعة؛ لأن النبي ﷺ لا يهم هذا الهم إلا لترك أمر واجب، ولا يخبر الناس بذلك إلا ليحذرهم من تركه، ومخالفته، وإلا لم يكن هناك فائدة.
- كونه ﷺ هم أن يعاقبهم هذه العقوبة، دليل على تأكد الجماعة، وأنها أمر مهم، وقد روي بسند ضعيف أنه قال: (لولا ما فيها من النساء والذرية)، لكن هذا ضعيف، ولكن يكفي أن يكون هم بذلك.
- الذي تجب عليه الجماعة هو الذي يستطيع أن يصل إليها، وهو يسمع النداء.
- فيه دليل على وجوب صلاة الجماعة على الأعمى، وأن العمى ليس عذرا في ترك الجماعة، ودل أيضًا على أنها تجب في المسجد، وأنه ليس المقصود الجماعة فقط، بل الجماعة وأن تكون في المسجد، ودل أيضًا على أن العبرة بسماع النداء.
قال ابن باز ﵀:
- لهذا قال ﷺ لابن أم مكتوم ﵁ لما استأذن من أجل أنه كفيف، والطرق قد يكون فيها الهوام والسباع، وليس له قائد يلائمه، قال: (هل تسمع حي على الصّلاة حي على الفلاح؟)، قال: نعم، قال: (فحيّ هلا)، يعني: أجب، فإذا كان رجل أعمى كفيف ليس له قائد يلائمه ومع هذا يقال له: ليس لك رخصة، بل يجب أن تصلي مع الناس، فكيف بحال البصير القادر السليم؟ ويقول ﷺ: (من سمع النّداء فلم يأته فلا صلاة له إلّا من عذر)، قيل لابن عباس: ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض.
- عمل يستحق عليه صاحبه أن يحرق عليه بيته، يدل على شرعية الوجوب، يعني: لا بد منه، ثم فيها إعلان شعائر الدين، صلاة الجماعة إعلان شعائر الإسلام، تكثير المسلمين، التعاون، التواصي بالحق، التناصح، كيف يعرف أنك مسلم وأنت لا تصلي؟ إذا كنت لا تحضر الجماعة، إنما يعرف المسلمون بإيمانهم وتقواهم والتزامهم بالإسلام، بأدائهم الصلاة في الجماعة، فبهذا يتعارفون ويتعاونون ويتواصون بالحق، أما التخلف والتشاغل، هذه من صفات أهل النفاق، وأثقلها عليهم الفجر والعشاء، فالواجب الحذر من التشبه بهم.

1069 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ تَعَالَى غدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكم - صلى الله عليه وسلم - سُنَنَ الهُدَى، وَإنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى، وَلَوْ أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكم كَمَا يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّة نَبِيِّكُم لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤتَى بهِ، يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ. رَوَاهُ مُسلِم.
وفي رواية لَهُ قَالَ: إنّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَنَا سُنَنَ الهُدَى؛ وإنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى الصَّلاَةَ في المَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- لا يجوز لأحد يقدر على أن يصلي في المسجد إلا وجب عليه، إذا كان من أهل وجوب الجماعة، كالرجال.
- (سنن الهدى) يعني طرق الهدى، فكل ما جاء به النبي ﷺ فهو هدى ونور، شرعه الله له.
- الصلوات الخمس أعظم سنن الهدى بعد الشهادتين؛ لأن الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.
- (لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم) لو أن كل واحد صلى في بيته كما صلى هذا المتخلف، لتركنا السنة، ولتعطلت المساجد، وانقطع الناس بعضهم عن بعض، وما تعارفوا، ولا تآلفوا، ولا حصل هذا المظهر العظيم في الدين الإسلامي، ولكن من رحمة الله وحكمته أن شرع للعباد أن يصلوا جماعة، كل يوم خمس مرات، تلقى أخاك تسلم عليه، ويسلم عليك، وتقتدي معه على إمام واحد، فهي نعمة عظيمة من أعظم روابط الأخوة في المودة والمحبة.
- (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق) والمنافقون كثيرون، لاسيما إذا اعتز الإسلام وقوي، ما استطاع الإنسان أن يعلن كفره، ولهذا لم يبرز النفاق ولم يكثر في عهده ﷺ إلا حين انتصر المسلمون في غزوة بدر، فالمنافق لا يرجو ثوابًا، ولا يؤمن بالحساب، فلا يحضر الصلاة، ولهذا قال الرسول ﷺ: (أثقل الصلوات على المنافقين العشاء والفجر)؛ لأن صلاة العشاء لا يرى فيها الذي يتخلف، ففي عهد النبي ﷺ لم يكن يوجد كهرباء، ولا أنوار، فيتخلف الإنسان ولا يدري عنه، ثم إنّ صلاة العشاء والفجر تأتي في وقت الراحة والنوم، فهي ثقيلة على المنافقين، لا يأتون إليها، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا.
- (ولقد كان الرجل من المسلمين يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) فهو رجل مريضٌ لا يستطيع أن يمشى وحده، يهادونه، يمشون به رويدًا رويدًا حتى يقام في الصف، فيصلي مع الجماعة، وبهذه الأعمال وغيرها ملكوا مشارق الأرض ومغاربها، ولما تخلفت الأمة الإسلامية، واختلفت قلوبها، صارت إلى ما ترون الآن، أمة ذليلة، على أنهم يبلغون مليارًا من البشر، ومع ذلك هم في أذل ما يكون من الأمم، لأنهم متفرقون، بل بعضهم متعادون، بل بعضهم يرى أن الآخر أشد عليه من اليهود والنصارى -والعياذ بالله- لكن في عهد الرسول ﷺ لا يمكن أن يتخلف أحد عن الجماعة حتى ولو كان مريضا يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، فلو أننا عدنا إلى ما كان الصحابة عليه لصرنا أمه عزيزة مرموقة، كل يخافها، وكل يصانعها، وكل يتودد إليها، نسأل الله أن يعيد لنا مجدنا لديننا، ويعيد لنا كرامتنا، إنه على كل شيء قدير.
قال ابن باز ﵀:
- المؤمن يجاهد نفسه، ويحرص على إغاظة المنافقين، وعلى المحافظة على هذه العبادة في المساجد، يغيط المنافقين، ويرضي الله رب العالمين، ويفوز بهذه الخيرات العظيمة، من الدرجات والحسنات، وتكفير السيئات، حتى ولو كان أعمى يجتهد في أن يصل نفسه، قد ثبت عنه ﷺ أنه هم أن يحرق على من تخلف بيته، فهذا يدل على عظم الأمر، وكثير من الناس يتساهل في هذا الأمر، يتشبه بالمنافقين في التخلف عن الصلاة هذه مصيبة كبيرة، نسأل الله العافية.
- الواجب الحذر قال تعالى: ﴿إنَّ الْمُنفِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَوَة قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قليلًا﴾ [النساء: 142]، فلا ينبغي للمؤمن أن يرضى بهذه الحالة مشبهاً حال المنافقين، فليشمر ويجتهد في المسابقة والمسارعة إلى الصلاة مع إخوانه في الجماعة في كل وقت.

1070 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيةٍ، وَلاَ بَدْوٍ، لاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إلاَّ قَد اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِم الشَّيْطَانُ. فَعَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ، فَإنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَة » رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسناد حسن .
قال ابن عثيمين ﵀:
- فيه دليلٌ على أنه لا يجوز ترك الجماعة، ولكن هذا الحديث يفيد أنه لا يجوز إذا كانوا ثلاثة فأكثر؛ لكن هناك أحاديث أخرى تدل على أن الجماعة تجب إذا كانا اثنين فأكثر، أما في الجمعة فلا تجب إلا إذا كانوا ثلاثة فأكثر في غير البرية، أما البادية والمسافرون في البر فليس عليهم جمعة، لكن القرى والأمصار فيها جمعة، وأدنى ما يكون ثلاثة فإن قيل كيف يمكن أن تكون قرية أو مدينة ليس فيها إلا ثلاثة، فالجواب: يمكن هذا بأن تكون هذه المدينة مسافرين جاءوا للدراسة مثلا، كما يوجد الآن في المجتمعات في بعض البلاد الخارجية يكون من فيها من المواطنين ثلاثة فقط، والباقون كلهم مسافرون، جاءوا للدراسة، فهؤلاء تلزمهم الجمعة؛ لأن فيها ثلاثة مواطنين، وأما البادية فلا تجب عليهم الجمعة؛ لأن الجمعة لا تكون إلا في القرى والأمصار، ولهذا لم تكن البادية في عهد النبي ﷺ، وهم حول المدينة يقيمون الجمعة.
- (عليكم بالجماعة إنما يأكل الذئب القاصية من الغنم) دليل على أنه لا ينبغي للمسلمين الافتراق والاختلاف، وأنه واجب عليهم الاجتماع، وأن الشرود عن الجماعة سبب في الهلاك؛ لأن النبي ﷺ شبه ذلك بالقاصية من الغنم البعيدة، يأكلها الذئب فتهلك، فهكذا الذي يشذ عن الجماعة، حتى لو برأي ينفرد به، ويظن أن النصوص معه، وتدل عليه، فإن الواجب إذا رأى الإنسان في رأيه أن النصوص تدل على خلاف ما يراه الجمهور، فالواجب عليه أن يعيد النظر مرة بعد أخرى، إذ لا يمكن أن يكون الجمهور توهموا وأنت الذي أصبت.
قال ابن باز ﵀:
- يعني: الخطر على من ترك الجماعة وانفرد، هو على خطر من الشيطان أكثر، فالواجب على المؤمن أن يحرص على أداء الصلاة في الجماعة، وألا يتخلف عن إخوانه في بدو ولا في حضر.

باب الحث عَلَى حضور الجماعة في الصبح والعشاء


1071 - عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ، فَكَأنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ». رواه مُسلِم.
وفي رواية الترمذي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قَالَ: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ نِصْفَ لَيلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى العِشَاءَ وَالفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ، كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ» قَالَ الترمذي: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- (فكأنما صلى الليل كله) أي فكأنه قام يصلي الليل كله، العشاء نصف الليل، والفجر نصف الليل، وهذا فضل عظيم، يعني كأنك قائم الليل كله، وأنت في فراشك، إذا صليت الفجر في جماعة والعشاء في جماعة.
- قال ابن باز ﵀:
- الجماعة واجبة على الرجال المكلفين، يجب عليهم أن يصلوا في جماعة في مساجد الله، أما النساء فالسنة لهن الصلاة في البيت، وهو الأفضل لهن، والواجب على الجميع العناية بذلك، وأن يحافظوا على الوقت، وعلى الطمأنينة والخشوع في الصلاة، وأدائها كما شرع الله، قال تعالى: ﴿قد أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَشِعُونَ﴾ إلى أن قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَيْكَ هُمُ الْوَرِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: 1-11].
- الواجب على جميع المكلفين من الرجال أن يصلوا مع الجماعة في بيوت الله في المساجد، وأن يحافظوا عليها طاعةً لله سبحانه وتعظيماً لأمره، وحذراً من مشابهة أهل النفاق، وحذراً من تركها أيضاً، فإن الصلاة في البيت وسيلة إلى الترك؛ ولهذا حرم الله ذلك، يقول ﷺ: (من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له إلا من عذر)، قيل لابن عباس: ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض.
- يدل على فضل الجماعة، وأن من صلى العشاء والفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله؛ لما في ذلك من الخير العظيم والفضل الكبير، فإذا جمع بين ذلك صلى في الجماعة الفجر والعشاء، وقام الليل، جمع بين الخيرين.

1072 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا في العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». متفقٌ عَلَيهِ. وقد سبق بِطولِهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- العتمة هي العشاء والفجر، معروف لو يعلمون ما فيهما من الأجر والثواب، لأتوهما يحبون على الأرض كما يحبو الصبي، لما فيهما من الأجر العظيم.

1073 - وعنه، قَالَ: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ صَلاَةٌ أثْقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنْ صَلاَةِ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». متفقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر؛ لأنّ المنافقين يصلون رياء وسمعة، وصلاة العشاء والفجر ظلمة، لا يشاهدون، فهم يأتون إليهما كرهًا، لكن الظهر والعصر والمغرب يأتون؛ لأن الناس يشاهدونهم، فهم يراءون الناس، ولا يذكرون الله إلا قليلاً، والعشاء والفجر ما فيهما مراءاة؛ لأنّها ظلمة، وفي عهد النبي ﷺ لم تكن توجد أنوار ولا سرج، فلا يشاهدهم أحد، فيكون حضورهم العشاء والفجر ثقيلًا عليهم لفوات المراءاة، هذا من وجه، ومن وجه آخر أن صلاة العشاء والفجر وقت الراحة والنوم، ففي عهد الرسول ﷺ كان الناس لا يسهرون كما يسهر الناس اليوم، ينامون مبكرين بعد صلاة العشاء والفجر يقومون، ومنهم من يمن الله عليه بقيام، ومنهم من يقوم لصلاة الفجر، فهما ثقيلتان على المنافقين.
- ينبغي على الإنسان أن يحرص على صلاة العشاء والفجر، لكن صلاة العشاء ليست أفضل من صلاة العصر، فصلاة العصر أفضل، ولهذا صارت صلاة الفجر قرينة للعصر، وقرينة للعشاء.
- احرص أخي المسلم على جميع الصلوات، كن محافظا عليها، فهي أعظم الأعمال بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
قال ابن باز ﵀:
- الواجب الحذر من صفات المنافقين، والمحافظة على الصلاة في الجماعة، العشاء والفجر وغيرهما، هذا هو الواجب على المؤمن أن يحافظ على الصلاة في الجماعة، وأن يحذر التخلف عنها، والتشبه بأعداء الله، إلا من عذر، كالمرض والخوف، فالعذر يقوم مقام الحضور. يقول ﷺ: (إِذا كان العبد يعمل عملاً صالحاً، فشغله عنه مرضٌ أو سفرٌ، كتب له كصالحٍ ما كان يعمل، وهو صحيحٌ مقيمٌ)، معناه له أجره الكامل، فالواجب على المسلم أن يحذر التساهل، وترك الجماعة إلا من عذر.

باب الأمر بالمحافظة عَلَى الصلوات المكتوبات والنهي الأكيد والوعيد الشديد في تركهنّ


قال الله تَعَالَى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: 238]، وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: 5].
1074 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أيُّ الأعْمَالِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا» قلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ». متفقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (الصلاة على وقتها) يعني على الوقت المطلوب شرعًا، إن كان مما يطلب تقديمه، فتقديمه أفضل، وإن كان مما يطلب تأخيره، فتأخيره أفضل، والصلوات الخمس كلها الأفضل فيها التقديم إلا العشاء، فالأفضل فيها التأخير، ما لم يشق على الناس، وإلا الظهر في شدة الحر، فالأفضل فيها التأخير، تيسيرًا على الناس، وتخفيفًا عليهم، أما الفجر والعصر والمغرب، فالأفضل فيها التعجيل على كل حال، لكن قال العلماء: "من قام حين يسمع النداء، يتوضأ ويتأهب للصلاة، فهذا تقديم" يعني ليس المعنى أنه من حين يؤذن نصلي، المهم أن تستعد للصلاة من أول وقتها.
- (بر الوالدين) يعني الإحسان إليهما بالقول، والمال، والخدمة، وغير ذلك.
- فيه دليلٌ على إثبات المحبة لله عزوجل، وأنه يحب الأعمال، كما يحب العاملين، وأن حبه يتفاوت.
- فيه أنّ بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله، واجبه على واجبه، وتطوعه على تطوعه، فمثلا إذا كان الوالدان ليس عندهما من يعولهما ولا من يخدمهما وهما في ضرورة للولد، فإنه يجب عليه أن يبقى ولا يجاهد، وإذا كان عندهم من يقوم بخدمتهما وأمرهما، فهذا بقاؤه عندهما مستحب، ثم الجهاد وإذا احتاج إليه كان أفضل، وإن لم يحتج إليه فبر الوالدين أفضل.
قال ابن باز ﵀:
- أفضل الأعمال بعد التوحيد الصلاة على وقتها، فليؤدها في وقتها كما أوجب الله، هذا أفضل الأعمال بعد الشهادتين أن تؤدى الصلاة في وقتها.
- هذا يبين عظم شأن بر الوالدين، وأن برهما عظيم حتى قرنه بالصلاة، فالواجب على كل مسلم أن يبر والديه وأن يعتني بذلك؛ ولهذا أوصى الله بذلك في كتابه العظيم في مواضع كثيرة، قرن الوصية بالوالدين مع الوصية بالتوحيد، وترك الشرك، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وبالوالدين إحسانًا﴾ [الإسراء: 23]، الإحسان إلى الوالدين من أهم الفرائض، ثم الجهاد في سبيل الله؛ لما فيه من إعلاء الدين وقمع المشركين وإظهار شعائر الإسلام.

1075 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- شبه ﷺ الإسلام بالقصر الذي له خمسة أعمدة، ومعلوم أن الأعمدة هي أساس البنيان، وأنه إذا فقدت الأعمدة تداعى البنيان وانهدم، فإن بني على غير أعمدة بني بناء ضعيفًا، ولكن الإسلام بناء قوي محكم، شرعه الله لعباده.
- المهم يا إخواني أن تعلموا أن كل من يعبد من دون الله فهو باطل، سواء كان نجمًا أو وليًا أو صالحًا أو عالما أو رئيسا كل ما يعبد من دون الله فهو باطل، عبادته باطلة، فشهادة أن لا إله إلا الله تتضمن الإخلاص الذي لا تصح العبادة إلا به، والمتابعة التي يتضمنها شهادة أن محمدا رسول الله، ولهذا يعد هذا ركنا واحداً.
- هذه هي أركان الإسلام، من أتى بها فهو المسلم، وقد بنى على أساس متين، ومن لم يأت بها فهو بين فاسق أو كافر، فمن لم يأت بالشهادتين فهو كافر، ومن لم يصل فهو كافر، ومن منع الزكاة فهو فاسق، ومن لم يحج فهو فاسق، ومن لم يصم فهو فاسق.
قال ابن باز ﵀:
- الصلاة شأنها عظيم، وهي أعظم الأركان، وأهم الأركان بعد الشهادتين، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، فالواجب على المسلمين العناية بها والمحافظة عليها، يقول ﷺ: (إنّ أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر).

1076 - وعنه، قَالَ: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا عبده و رَسُولُه ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلاَّ بِحَقِّ الإسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ». متفقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (إذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم) في هذا دليل على أن الكفار إذا قوتلوا، فأموالهم حلال لنا، كما أننا نستبيح دماءهم، فنستبيح أموالهم من باب أولى، وكذلك أيضًا نستبيح نساءهم وذرياتهم، يكونون سبيًا لنا، ويكونون أرقاء للمسلمين؛ لأننا نأخذهم بكلمات الله بأمره ودينه وشرعه.
- (فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله) قاتل أبو بكر الصديق ﵁ مانعي الزكاة، حتى راجعه الصحابة، وراجعه عمر ﵁ في ذلك، ولكنه أصر على مقاتلتهم، وقال والله لو منعوني عناقًا، أي ماعزًا صغيرة، وفي رواية: عقالاً، وهي ما تربط به البعير، كانوا يؤدونه لرسول الله ﷺ لقاتلتهم على ذلك، يقول "فلما رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال علمت أنه الحق".
- فيه دليلٌ على أهمية الصلاة، وأن الناس يقاتلون على تركها، إلى أن يصلوا.
قال ابن باز ﵀:
- الواجب على المؤمن أن يعتني بالصلاة، مع أهله وأولاده وجيرانه، لا يغفل، يقول سبحانه: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة﴾ [التحريم: 6]، ومن أعظم الوقاية: أن يستقيموا على الصلاة، وأن يحافظوا عليها، وأن يقوم ولي أمرهم عليهم بذلك، حتى يكون هذا الجهاد من أسباب الوقاية من عذاب النار.

1077 - وعن معاذٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعثنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلى اليَمَنِ، فَقَالَ: «إنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْل الكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإنْ هُمْ أطاعُوا لِذلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ، فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذلِكَ، فَإيَّاكَ وَكَرَائِمَ أمْوَالهِمْ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإنَّهُ لَيْسَ بَينَهَا وبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». متفقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- أهل الكتاب هم اليهود والنصارى؛ لأن الله أنزل على اليهود التوراة، وعلى النصارى الإنجيل، وإنما أخبره بذلك ليكون مستعدًا لهم.
- أهل الكتاب هم أعلم الناس في ذلك الوقت بشرائع الله، فيجب على الإنسان أن يعرف حالهم، حتى يمكن أن يجادلهم بما يفحمهم به، وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، وهذا هو مفتاح الإسلام.
- (فإياك وكرائم أموالهم) يعني احذر أن تأخذ الطيب من الأموال، بل خذ الوسط لا يظلمون ولا يظلمون، لا تأخذ الردي من المستحقين للزكاة، ولا الأجود فتظلم الذين تجب عليهم الزكاة، خذ الوسط.
- (واتق دعوة المظلوم) يعني إنك إن أخذت من كرائم أموالهم، فقد ظلمتهم، فيدعون عليك. (فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب) فالله تعالى يستجيب لها ولو كانت من كافر، المظلوم إذا دعا الله ولو كان كافرا فإن الله ينتقم له ممن ظلمه، إما عاجلا وإما آجلاً؛ لأن هذا من باب إقامة العدل، والله أحكم الحاكمين، ومن تمام حكمته العدل بين عباده، فيأخذ للمظلوم من الظالم.
قال ابن باز ﵀:
- هذا يدل على أن البداءة تكون بالتوحيد، والإيمان بالرسالة قبل كل شيء، وأن على الدعاة كما على الرسل أن يبدؤوا بالتوحيد والإيمان بالرسول قبل كل شيء مع الكفرة، الكافر يدعى سواء كان يهودياً أو نصرانياً، أو غيرهم يدعون أولاً إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة لله وحده دون كل ما سواه، وهذا هو معنى شهادة أن لا إنه إلا الله؛ لأن معناها لا معبود حق إلا الله كما قال سبحانه: ﴿ذلك بأن اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج: 62].
- هكذا الدعوة إلى الإيمان بمحمد ﷺ والشهادة بأنه رسول الله، لا بد من ذلك، فلا إسلام إلا بذلك، ثم بعد الإقرار بالشهادتين والإيمان بهما يدعى إلى قبول الصلاة، كما فعل معاذ بأمر النبي ﷺ، ثم الزكاة بعد الصلاة.
- هذا يفيد أنّ الواجب على المؤمن وعلى الأمراء وعلى الدعاة أن يتحروا الحق والعدل في كل شيء ويحذروا الظلم؛ لأن دعوة المظلوم مستجابة، فعلى الحاكم والأمير والداعية إلى الله وعلى كل مسلم أن يتقي الله، وأن يتحرى العدل في أموره كلها والأمانة، وأن يحذر الجور والظلم أينما كان.

1078 - وعن جابرٍ - رضي الله عنه - قال: سمعت رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ والكُفْرِ، تَرْكَ الصَّلاَةِ». رواه مُسلِم.
1079 - وعن بُرَيْدَة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاَةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ». رواه التِّرمِذِيُّ، وَقَالَ: «حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح».
1080 - وعن شقِيق بن عبدِ الله التَّابِعيِّ المتفق عَلَى جَلاَلَتِهِ رَحِمهُ اللهُ، قَالَ: كَانَ أصْحَابُ محَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلاَةِ. رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ في كِتابِ الإيمان بإسنادٍ صحيحٍ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- فيه دليلٌ على أنّ تارك الصلاة كافر، مخرجًا عن الملة، فالذي لا يصلي أشد من اليهود والنصارى، اليهود لو ذبحوا لأكل الإنسان ذبيحتهم، والنصراني أيضًا كذلك، أما تارك الصلاة لو ذبح فإن ذبيحته لا تحل، وتارك الصلاة مثلا لو كانت أنثى لا تصلي، فإنه لا يحل للمسلم أن يتزوجها، ولو كانت نصرانية جاز أن يتزوجها المسلم، ولو كانت يهودية جاز أن يتزوجها أيضا المسلم.
- تارك الصلاة لا يقر على ترك الصلاة، بل يقال صل وإلا قتلناك، واليهودي والنصراني يقر على دينه، إما بمعاهدة، أو استئمان أو ذمة، فدل ذلك على أن ترك الصلاة أعظم من اليهودية والنصرانية، هذا الأمر الذي يتهاون به الناس اليوم.
- ليعلم أن الإنسان إذا ترك الصلاة، ثم عقد له على امرأة، فإن النكاح غير صحيح، ولو جامعها فإنه يجامعها بزنى والعياذ بالله، وكذلك لو عقد له وهو يصلي ثم ترك الصلاة، انفسخ النكاح، ووجب أن يفرق بينه وبين المرأة، إلا أن يتوب ويعود إلى الإسلام، فيبقى على نكاحه.
- ليعلم أن تارك الصلاة إذا مات على ترك الصلاة فإنّه لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين، ولا يدعى له بالرحمة، ولا تناله شفاعة النبي ﷺ يوم القيامة، ولكن ماذا نصنع به؟ هل نبقي جيفته للكلاب تأكلها ونحن نشاهده؟ لا؛ لأن هذا فساد لقلوب أقاربه، لكن نخرج به برا، ونحفر له حفرة، ونغرسه فيها بثيابه، بدون تكفين، ولا تغسيل، ولا صلاة عليه، ولا كرامة له، ولولا أن أهله يتأثرون لقلنا يبقي على وجه الأرض، تأكله الكلاب، والناس ينظرون إليه، لكنه يرمى اتقاء لنتنه، ورائحته، وخبثه، وإذا كان يوم القيامة قال النبي ﷺ أنه يحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف.
- ترك الصلاة أمر عظيم، ويجب على من مات عنده ميت وهو لا يصلي، أن يبعده عن مدافن المسلمين، ولا يحل له أن يقدمه للمسلمين ليصلوا عليه، وهو يعلم أنه مات لا يصلى أبدًا، فإن فعل فهو مسيء إلى المسلمين، والمسلمون ليس عليهم إثم؛ لأنهم ما علموا، لأنّ الله قال: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ‎﴾ [التوبة: 84]، والذي لا يصلي كافر بالله ورسوله، حتى لو قال أو آمن بأن الله موجود، وأن محمدًا رسوله، لا يكفي؛ لأن المنافقين يقولون مثل هذا الكلام: ﴿إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكذبون﴾ [المنافقون:1].
- اعلم أنّه إذا مات لك ميت وهو لا يصلي فإنّه لا يحل لك من ميراثه شيء، على قول أكثر أهل العلم؛ لأنّ ميراثه ليس لأقاربه المسلمين، كما أنّه هو لو مات عنه قريب مسلم، فإنّه لا يرثه، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
قال ابن باز ﵀:
- يدل على أنّ ترك الصلاة كفر أكبر؛ لأنّه قال: الكفر والشرك، والكفر معرف والشرك معرف والأصل فيه الكفر الأكبر والشرك الأكبر فبين الكفر الأكبر والشرك الأكبر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر.
- هذا يعم الرجال والنساء من العرب والعجم يعم الجميع، فالواجب العناية بالصلاة والمحافظة عليها والحذر غاية الحذر من إضاعتها والتساهل عنها من صفات المنافقين ﴿إنَّ الْمُتَفِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَوةِ قَامُوا كَسَالَى﴾ [النساء: 143].
- يوجب له الحذر من التشبه بأعداء الله المنافقين في التخلف عن الصلوات والكسل عنها، بل الواجب العناية بها والمحافظة عليها في السفر والحضر في جميع الأحوال، فهي عمود الإسلام وأول ما يفقد من الدين وأول شيء يحاسب عنه المرء يوم القيامة صلاته؛ فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر.
- تدل الأحاديث على عظم شأن الصلاة، وأن الواجب على كل مسلم أن يحافظ عليها في الجماعة، وأن يحذر التهاون بها، وأن تركها كفر وخروج من الإسلام.
- (ما كانوا يرون شيئاً تركه كفرٌ إلا الصّلاة) يعني: تركها كفر مخرج من الملة، بخلاف الزكاة والصوم والحج، فإنها معصية وكبيرة من الكبائر، إذا ترك الزكاة ما أداها كبيرة من الكبائر يستحق عليها العقاب يوم القيامة وفي النار، وذكر الرب جل وعلا في كتابه العظيم أن من بخل بالزكاة يعذب بها يوم القيامة، وهكذا صوم رمضان إذا ترك شيئاً منه، بالوعيد الشديد والتحذير الأكيد من كبائر الذنوب، هكذا الحج إذا أخر مع الاستطاعة فيه الوعيد، هكذا عقوق الوالدين قطيعة الرحم، شرب المسكر، الغيبة، النميمة، أكل الربا، كلها من الكبائر العظيمة، وفيها الوعيد لكن ليس صاحبها كافراً إذا لم يستحلها، فهو عاص فاسق، إلا إذا استحلها، إذا رأى العقوق حلالاً، أو الزنا حلالاً، أو الخمر حلالاً، صار كافراً نعوذ بالله.

1081 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ، فَإنْ صَلَحَتْ، فَقَدْ أفْلَحَ وأَنْجَحَ، وَإنْ فَسَدَتْ، فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُ - عز وجل: انْظُرُوا هَلْ لِعَبدي من تَطَوُّعٍ، فَيُكَمَّلُ بهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ تَكُونُ سَائِرُ أعْمَالِهِ عَلَى هَذَا». رواه التِّرمِذِيُّ، وَقَالَ: «حَدِيثٌ حَسَنٌ».
قال ابن عثيمين ﵀:
- فيه أنّ أول ما يحاسب عليه العبد من أعماله يوم القيامة الصلاة، وهذا بالنسبة لحق الله عزوجل، فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإلا فعلى العكس خاب وخسر والعياذ بالله، أما بالنسبة لحقوق الآدميين فأول ما يقضى بين الناس في الدماء؛ لأنها أعظم الحقوق، الدماء يعني القتل، ثم يحاسب على ما يبقى.
- من فضل الله ورحمته ونعمته وإحسانه أن شرع لنا النوافل خلف الصلوات، وقبلها، وفي كل وقت، إلا الأوقات المنهي عنها؛ وذلك لأن الإنسان لابد أن يكون في صلاته خلل، فيُكمل بهذه النوافل.
قال ابن باز ﵀:
- ينبغي للمؤمن الحذر من جميع ما حرم الله، وينبغي له العناية والحرص على كل ما أوجب الله، وأن يؤديه على أكمل وجه، وآخر وجه يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، ومن الأحاديث التي تدل على عظم شأن الصلاة قوله ﷺ: (إِنّ أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت، فقد خاب وخسر)، هذا وعيد عظيم، أول شيء تحاسب عنه يوم القيامة هذه الصلاة، هل أكملتها؟ هل أتممتها؟ أو انتقصت منها شيئاً؟ عليك أن تجتهد في إكمالها وإتمامها والمحافظة عليها حتى تربح يوم القيامة وتفوز بالسعادة، (فإن انتقص من فريضته شيءٌ، قال الرّب: انظروا هل لعبدي من تطوع، فيكمل بها ما انتقص من الفريضة؟ ثمّ تكون سائر أعماله على هذا)، وهكذا بقية الأعمال من زكاة وصوم، وحج، وغير ذلك إذا انتقص منها شيء كمل النقص بما اعتاده من النوافل مع تعرضه للوعيد الشديد، وهذه الدار هي دار العمل، دار المحاسبة والمجاهدة، كما قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ جَهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]، فالمؤمن يحتسب، ويجاهد نفسه، يصبر على ما فرض الله عليه عن إخلاص، وعن رغبة فيما عند الله، وعن شوق إليه وعن تلذذ بطاعته، ويحذر ما حرم الله عليه، ويكره ذلك ويحذره ويتباعد عنه حذراً من غضب الله وحذراً من عذابه سبحانه.

ه