(١٠) كِتَابُ الأَذَانِ


١- باب بدْء الأذان وفضْله وصِفته


٣١٢. [ق] عَنِ ابنِ عمر ﵄ قال: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قُمْ يَا بِلَالُ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ». [خ:٦٠٤]
1. قال النووي: "فيه التشاور في الأمور، لاسيما المهمة، وذلك في حق الأمة بإجماع العلماء".
2. قال القرطبي: " وتشاورهم في هذا دليل على مراعاتهم المصالح والعمل بها، وذلك أنه لما شق عليهم التحيّن بالتبكير فيفوتهم عملهم، أو بالتأخير فتفوتهم الصلاة؛ نظروا في ذلك".
3. في الحديث دلالة على أنه ينبغي مخالفة أهل الباطل في أعمالهم، فالنصارى علامتهم الضرب بالناقوس، واليهود اتخذوا قرناً، والمجوس يضرمون ناراً، فجاء إنكار عمر ﵁ باستفهام إنكاري فقال "أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِي بِالصَّلاَةِ؟" أي أتقتدون بهم ولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟

٣١٣. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، واذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى». [خ:٦٠٨]
1. قال القاضي عياض: "قيل: إنما يدبر الشيطان لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار شعائر الإسلام، وإعلانه، وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد".
2. أخذ من قوله ﷺ:" أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ" جواز التصريح وعدم الكناية عن ألفاظ المعايب المستقبح سماعها إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى التصريح بها.

٣١٤. وَعَنْ [عبدِ الرحمنِ بنِ] عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ ﵁ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ «لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ. [خ:٦٠٩]
1. في الحديث: فضل الإعلان بالسنن وإظهار أمور الدين، حتى ولو في البادية.
2. وفيه الندبُ إلى أذان المنفرد، ولو كان في صحراء.

٣١٥. [ق] وَعَنْ أنسٍ ﵁: لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ: ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا، فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ. [خ:٦٠٦] قال إسْماعيل: فذكرتُ لأيُّوب فقال: إلَّا الإقامة. [خ:٦٠٧]
الغَريب: (يَتَحَيَّنُون): يَرْقُبون حِين الصَّلوات. و(النِّداء بالصَّلاةِ): هو الأذان لها، وإنَّما يصيب الشَّيطان عند الِّنداء ما ذُكر لشدَّة غيظه وحَنَقه مِن أجل الإعْلان بالصَّلاة، والدُّعاء لها، واجتماع المسلمين/ لفعلها، ولما يُغفر عند ذلك مِن الذُّنوب، وهذا نحو ممَّا يلحقُه يوم عَرَفَة. و(يَخْطُر): يَجُول بما يورده مِن الوَساوس. و(المَدَى): الغَاية. ويعني بقوله: (وَلَا شَيْء) الملائكةَ؛ إذ لم يذكرهم، فإنْ قيل: إنَّ اسم الجنِّ قد تناولهم لأنَّهم يَسْتَجِنُّون عَنِ الأبْصار. قيل: فيكون المراد به كلُّ رطبٍ ويابسٍ كما قد جاء ذلك في بعض الأحاديث. والله أعلم. وقوله (إلَّا الإِقَامَة) يعني بها قول المقيم: قد قامتِ الصَّلاة، فإنَّه يُشْفَع.

٢- باب ما يُحْقَنُ مِن الدِّماءِ بالأذانِ، وما يقولُ سامعُه، والإسْهامِ عليه


٣١٦. [ق] وَعَنْ أنسٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يُغيرُ بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ... الحديثَ. [خ:٦١٠]
1. قال النووي: " في الحديث دليل على أن الأذان يمنع الإغارة على أهل ذلك الموضع، فإنه دليل على إسلامهم"، والحديث دليل على أن الأذان شعار الإسلام فقد جعله النبي ﷺ كافياً في حقن الدماء ودليلاً على إسلامهم، وأن تركه مسوّغ لقتالهم.
2. قال النووي: " ذكر العلماء في حكمة الأذان أربعة أشياء: إظهار شعار الإسلام، وكلمة التوحيد، والإعلام بدخول وقت الصلاة، وبمكانها، والدعاء إلى الجماعة"
3. قال ابن عثيمين: "والذي يقاتلهم الإمام إلى أن يؤِّذنوا، وهذا من باب التعزير لإقامة الفرض، وليس من باب استباحة دمائهم".
4. قال الشوكاني: "فيه جواز الحكم بالدليل لكونه ﷺ كف عن القتال بمجرد سماع الأذان، وفي هذا الحديث الأخذ بالأحوط في أمر الدماء؛ لأنه كف عنهم في تلك الحال مع احتمال ألا يكون ذلك على الحقيقة".

٣١٧. [ق] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ». [خ:٦١١]
• وَعَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا يَقولُ مِثْلَهُ، إِلَى قَوْلِهِ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. [خ:٦١٢]
• وفي رواية: أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، وَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ ﷺ يَقُولُ. [خ:٦١٣]
٣١٨. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ». [خ:٦١٤]
٣١٩. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». [خ:٦١٥]
الغريب: الضَّمير في (مِثلْه) عائدٌ عَلى المؤذِّن، وإنْ لم يَجْرِ له في حديث معاوية ذِكْرٌ، لكنَّه ممَّا يفسُّره سابقُه. فليُتأمَّل. (الوَسِيلَة) في الأصل هي: القُرْبَة، توسَّلت بفلان بكذا؛ أي: تقرَّبت إليه. ويعني بها هنا درجة في الجنَّة ومنزلة لا/ أعلى منها، كما جاء في «كتاب مسلم». و(المَقامُ المَحْمُودُ): هو المقام الَّذي يشفع فيه نبيُّنا ﷺ لأهل المَحشر يوم القيامة بعد أن يدلَّهم عليه الأنْبياء، فيحمدُه أهل المَحشر كلُّهم. و(يَسْتَهِمُوا): يقترعوا. والضَّمير في (عَليه) عائد على (ما) الموصولة على الأولى. و(التَّهْجِيرُ): المجيء إلى الصَّلاة في الهاجرة، وَهي شدَّة الحرِّ. و(حَبْوًا): عَلى الرُّكَب.
1. قوله: (ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا) قال النووي: "فيه الحث العظيم على حضور جماعة هاتين الصلاتين، والفضل الكثير في ذلك لما فيهما من المشقة على النفس من تنغيص أول نومها وآخره، ولهذا كانتا أثقل الصلاة على المنافقين".

٣- بابُ قليلِ الكَلامِ لا يقطعُ الأذانَ، وجوازِ أذانِ الأعْمى إذا كانَ لهُ مَن يُعرِّفُهُ بالوقتِ


• [خت] وتكلَّم سُليمان بن صُرَدٍ في أَذَانِه.
٣٢٠. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِيْ رَزَغٍ، فَلَمَّا بَلَغَ المُؤَذِّنُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ، فَنَظَرَ القَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. فَقَالَ: فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ. [خ:٦١٦]
1. في الحديثِ بيانُ جانبٍ مِنَ التَّخفيفِ والتَّيسيرِ على النَّاسِ في مِثلِ هذه الأحوالِ

٣٢١. [ق] وعَنْ عَبد الله بن عُمر ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ». قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. [خ:٦١٧]
الغريب: (الرَّزَغُ) بالغين المعجمة وبفتح الزاي وسكونها، وهو الطِّين القَليل، وقيل: المطر القليل. و(الرِّحَالُ): هنا مواضع الرِّحال؛ يعني بها: البيوت. و(إِنَّها عَزْمَة): بسكون الزَّاي -يعني: الجمعة- أي: إنِّها مِن العزائم الَّتي يجوز التَّخلُّف عنها للعُذْر. و(أَصْبَحْتَ): قاربتَ الصَّباح، لا أنَّه دخلَ في الصَّباح لأنَّه كانَ يلزم منه أن يباحَ الأكلُ في زمان الصَّوم وهو اليوم.
1. في الحديث مشروعية اتخاذ مؤذنين لمسجد واحد.
2. وفيه مشروعية كون المؤذن أعمى.
3. قوله: (وابن مكتوم الأعمى) قال النووي: "في هذا الحديث جواز وصف الإنسان بعيب فيه للتعريف أو مصلحة تترتب عليه، لا على قصد التنقيص، وهذا أحد وجوه الغيبة المباحة وهي ستة مواضع يباح فيها ذكر الإنسان بعيبه ونقصه وما يكرهه، وقد بينتها بدلائلها واضحة في آخر كتاب الأذكار الذي لا يستغني متدين عن مثله".
4. وفيه مشروعية أن ينسب الرجل إلى أمه إذا كان معروفا بذلك، مثل ابن أم مكتوم.

٤- بابٌ: بين كلِّ أَذَانَيْنِ صلاةٌ لمَن شَاءَ، وانتظارُ الإِقامةِ


٣٢٢. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنيِّ ﵁ أنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ». ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ». [خ:٦٢٧]
٣٢٣. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: كَانَ المُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ،/ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ شَيْءٌ.
• وفي رواية: لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلٌ. [خ:٦٢٥]
٣٢٤. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قالت: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ. [خ:٦١٩]
• [ق] وفي رواية: قبل صَلاة الفجر، بعد أنْ يَسْتَبِينَ الفجرُ، ثمَّ اضطجع عَلى شِقِّه الأيمن حتَّى يأتيه المؤذِّن للإقامة. [خ:٦٢٦]
1. قولها: (حتى يأتيه المؤذن) قال النووي: "في الحديث دليل على استحباب اتخاذ مؤذن راتب للمسجد".
2. قال النووي: "وفيه جواز إعلام المؤذن الإمام بحضور الصلاة وإقامتها واستدعائه لها".
3. قولها: (اضطجع على شقه الأيمن) قال النووي: "فيه دليل على استحباب الاضطجاع والنوم على الشق الأيمن، قال العلماء: وحكمته أنه لا يستغرق في النوم، لأن القلب في جنبه اليسار فيعلق حينئذ فلا يستغرق، وإذا نام على اليسار كان في دعة واستراحة فيستغرق".

٥- بابُ الأذانِ في السَّفرِ، واستدارةِ المؤذِّنِ


٣٢٥. [ق] عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ ﵁ قَالَ: أَتَى رَجُلَانِ النَّبِيَّ ﷺ يُرِيدَانِ السَّفَرَ، فَقال النَّبيُّ ﷺ: «إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا». [خ:٦٣٠]
1. قوله ﷺ: (وإذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما وليؤمكما أكبركما) قال النووي: "في الحديث: أن الأذان والجماعة مشروعان للمسافرين، وفيه: الحث على المحافظة على الأذان في الحضر والسفر"

٣٢٦. [ق] وعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ: أَنَّهُ رَأَى بِلَالًا يُؤَذِّنُ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا بِالأَذَانِ. [خ:٦٣٤]
• [خت] قَال البُخاري: وَيُذْكَرُ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ.
• [خت] وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ.
• [خت] وَقَالَ عَطَاءٌ: الوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ.
1. اختصت الحيعلتان بالالتفات دون باقي الأذان؛ لأنهما خطاب للآدمي وغيرهما ذكر لله تعالى، قال ابن المقري الشافعي في روض الطالب: "واختصت الحيعلتان بالالتفات؛ لأن غيرهما ذكر لله وهما خطاب الآدمي كالسلام في الصلاة يلتفت فيه دون غيره من الأذكار، وفارق كراهة الالتفات في الخطبة بأن المؤذن داعٍ للغائبين والالتفات أبلغ في إعلامهم والخطيب واعظ للحاضرين فالأدب ألا يعرض عنهم".

٦- بابُ النَّهي عَنِ الاسْتعجالِ إلى الصَّلاةِ، والأمْرِ بالسَّكينةِ والوَقارِ


٣٢٧. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ ﵁ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «فَلَا تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». [خ:٦٣٥]
٣٢٨. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». [خ:٦٣٦]
1. قال النووي: "قال العلماء: والحكمة في إتيانها بسكينة، والنهي عن السعي أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها ومتوصلًا إليها، فينبغي أن يكون متأدبا بآدابها، وعلى أكمل الأحوال".
2. قوله: (إذا أقيمت الصلاة) قال النووي: "إنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها؛ لأنه إذا نهى عن إتيانها سعيا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها فقبل الإقامة أولى"
3. قوله: (وما فاتكم) قال النووي: "دليل على جواز قول: فاتتنا الصلاة، وأنه لا كراهة فيه، وبهذا قال جمهور العلماء".
4. قوله: (وعليه السكينة والوقار) قال النووي: "قيل: هما بمعنى واحد، وجمع بينهما تأكيدا، والظاهر أن بينهما فرقا، وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك، والوقار في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت والإقبال على طريقه بغير التفات، ونحو ذلك."

٣٢٩. [ق] وعَنْ أبي قتادة ﵁ -واسْمه الحَارث- قَالَ: قَالَ/ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ». [خ:٦٣٨]
الغريب: (الجَلَبَةَ): اخْتلاط الأصوات وحَسُّ الحَركات المضطربة. و(السَّكِينةُ): السُّكون والهدوء.
1. قال النووي: "والنهي عن القيام قبل أن يروه لئلا يطول عليهم القيام، ولأنه قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه".

٧- بابٌ: إذا ذَكَرَ الإمامُ أنَّه مُحْدِثٌ فخرجَ، انتُظِرَ إذا كان لم يدخلْ في الصَّلاةِ، وجواز الفَصْلِ بين الإقامة والصَّلاة بالكلام


٣٣٠. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبيَّ ﷺ خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ. قَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمْ». فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، وَقَدِ اغْتَسَلَ. [خ:٦٣٩]
٣٣١. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ، فَحَبَسَهُ بَعْدَمَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ. [خ:٦٤٣]
٣٣٢. [ق] وفي لفظ آخر: أُقيمت الصَّلاة والنَّبيُّ ﷺ يُناجي رَجُلًا في جانبِ المسجد، فما قام إلى الصَّلاة حتَّى نامَ القَوم. [خ:٦٤٢]
(يَنْطِفُ): يقطرُ. و(النُّطْفَة): القَطرة مِن الماء. و(المُناجاة): المحادثة سِرًّا.

٨- بابُ تأكُّدِ صلاةِ الجماعةِ، وفَضْلِها


٣٣٣. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ يُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ». [خ:٦٤٤]
1. فيه جواز الاستنابة في الإمامة للحاجة.
2. وفيه جواز التخلّف عن الجماعة للمصلحة.
3. فِيه تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة، قال ابن دقيق العيد: "وسره أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزواجر اكتفي به عن الأعلى".

٣٣٤. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». [خ:٦٤٥]
٣٣٥. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ أَنَّهُ سَمِعَ/ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». [خ:٦٤٦]
٣٣٦. وعَنْ أمِّ الدَّرداء ﵂ قالت: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهُوَ مُغْضَبٌ، فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا. [خ:٦٥٠]
الغريب: (العَرْقُ) بفتح العين: العَظْم الَّذي عليه اللَّحْم. و(المِرْمَاتَان) صحيحُ الرِّواية فيها بكسر الميم: تثنيةُ مِرْمَاة، وقد اختُلف في معناها، فقال ابْن حبيب: هما السَّهمان، وقال الأخْفش: هي لعبةٌ كانوا يلعبونها بِنصال محدَّدة يَرمونها في كَوم مِن تراب فأيُّهم أثبتها في الكوم غَلَبَ، وهي المِرْمِاة والمِدْجَاة، والجمع مَرَامٍ، ومَدَاجٍ. وقال أبو عبيدة: المِرْمَاةُ: مَا بين ظِلْفَي الشَّاة. قلت: ومعنى الحديث: أنَّ المنافق بجهله بثواب العِشاء لا يبالي بحضورها، فَلو عرض له في المسجد عَرَض ولو كان يسيرًا محتقرًا لشهدها لذلك العَرَض لا الثَّواب. وقول أبي الدَّرداء محمولٌ على أنَّ الأمور العامَّة بدأ تَغَيُّرُهَا بعدَ موتِ النَّبيِّ ﷺ.

٩- بابُ فَضْلِ كَثْرةِ الخُطى إلى الجماعةِ، وانتظارِ الصَّلاةِ


٣٣٧. [ق] عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ قَالَ: قال النَّبيُّ ﷺ: «أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ». [خ:٦٥١]
٣٣٨. وعَنْ أنسٍ ﵁ قال: إِنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ: فَكَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُعْرُوا المَدِينَةَ، فَقَالَ: «أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ». [خ:٦٥٦]
٣٣٩. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ». [خ:٦٥٩]
1. قوله: (في مصلاه) أي: في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد، وكأنه خرج مخرج الغالب، وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرًا على نية انتظار الصلاة كان كذلك.

٣٤٠. [ق] وعنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلًا مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ». [خ:٦٦٢]
الغريب:/ (يُعْرُوا المَدِيْنَة): يُخلون ناحيتهم مِن المدينة ويتركونها عَرَاءً؛ أي: خالية، وذلك أنَّهم أرادوا أنْ ينتقلوا عَنْ مواضعهم إلى قُرب مسجد النَّبيِّ ﷺ. و(تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ): تغتنمون أجرَ خُطَاكم. و(تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ): تدعو له. و(يُحْدِث): قد فسَّره أبو هُرَيْرَةَ فيما تقدَّم بالحَدَثِ، وغيرُه فسَّره بما يُحدِثُه مِن معصية. و(غَدَا): بَكَّر إلى المسجد. و(رَاحَ): رجع بعَشِيٍّ؛ يعني: الصُّبح والعَصر، والله أعلم. و(النُّزُل) بضمِّ الزَّاي: ما يُعدُّ للضَّيف مِن الكرامة.
1. قال ابن بطال: "فيه: الحض على شهود الجماعات، ومواظبة المساجد للصلوات؛ لأنه إذا أعد الله له نزله في الجنة بالغدو والرواح، فما ظنك بما يعد له ويتفضل عليه بالصلاة في الجماعة واحتساب أجرها والإخلاص فيها لله تعالى".
2. قال ابن عثيمين: "وظاهر الحديث أن من غدا إلى المسجد أو راح، سواء غدا للصلاة، أو لطلب علم، أو لغير ذلك من مقاصد الخير، أن الله يكتب له في الجنة نُزُلًا، والنُزُل: ما يقدم للضيف من طعام ونحوه على وجه الإكرام، أي أن الله تعالى يعد لهذا الرجل الذي ذهب إلى المسجد صباحا أو مساء، يعد له في الجنة نُزُلًا إكراما له".

١٠- بابٌ: إذا أُقيمتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إلَّا المكتوبةِ، ولا صَلاةَ بحضرةِ الطَّعامِ


٣٤١. [ق] عَنْ عبد الله بن مَالك ابن بُحَيْنَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الصُّبْحَ أَرْبَعًا، الصُّبْحَ أَرْبَعًا؟!». [خ:٦٦٣]
٣٤٢. عَنْ عَائِشَةَ ﵂ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَؤوا بِالعَشَاءِ». [خ:٦٧١]
• [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ زيادة: «وَلَا تَعْجَلْ حَتَّى تَفْرَغَ مِنْهُ». [خ:٦٧٣]
• [خت] وفي لفظ آخر: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ، فَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ». [خت:٦٧٤]
٣٤٣. [ق] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا قُدِّمَ العَشَاءُ فَابْدَؤوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ المَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ». [خ:٦٧٢]
• [خت] وكان ابْنُ عُمرَ يبدَأ بالعَشاء. (خ:٦٧٣)
• [خت] وقال أبو الدَّرداء: مِن فِقْه المرءِ إقبالُه عَلى حَاجَتِه حتَّى يُقبل على صلاته وقَلبه فارغٌ.
الغريب: (لَاثَ بِه النَّاسُ): أي: أحاطوا به، مِن قولهم: لُثْتُ العِمَامةَ برأسي. والأمْر بتقديم العشاء عَلى الصَّلاة إنَّما ذلك لمَن كان محتاجًا إلى الطَّعام، بحيث يُخاف عليه تشويش قلبه بسببه، وذلك خصَّه بالمغرب لأنَّ أكثر النَّاس صُيَّامًا كانوا. والله أعلم.
1. قال ابن الملقِّن: "ينبغي أن يدور الحُـكم مع العلّة وجودا وعدماً، فحيث أمِـنّـا التشويش قُدِّمت الصلاة. ويدلّ على ما ذهب إليه ابن الملقن ما رواه البخاري ومسلم عن عمرو بن أمية أنه رأى رسول الله ﷺ يحتز من كتف شاة في يده، فدُعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي كان يحتزّ بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ، فالنبي ﷺ قام إلى الصلاة وترك الطعام".
2. الإسلام دين الكمال، فهو يوازن بين متطلّبات الروح وبين متطلّبات الجسد.

١١- بابُ/ أهلِ العِلمِ والفضلِ أحقُّ بالإِمامةِ وَجَوازِ الاسْتخلافِ


٣٤٤. [ق] عَنْ أبي مُوسى ﵁ قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ ﷺ فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ، فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. قَالَ: «مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ». فَعَادَتْ، فَقَالَ: «مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ». فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ رَسولِ اللهِ ﷺ. [خ:٦٧٨]
1. قال النووي: "وفي مراجعة عائشة جواز مراجعة ولي الأمر على سبيل العرض والمشاورة والإشارة بما يظهر أنه مصلحة، وتكون تلك المراجعة بعبارة لطيفة".
2. وفيه: دلالة على أن أبا بكرٍ ﵁ أفضل الناس بعد النبي ﷺ، وأولاهم بخلافته.
3. قال ابن حجر: "قوله: (إنكن صواحب يوسف) وجه المشابهة بينهما في ذلك: أنَّ زليخا استدعت النسوة، وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة، ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حُسن يوسف، ويعذرنها في محبته".
4. وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صَرْفَ الإمامة عن أبيها كونه لا يُسمِع المأمومين القراءةَ، لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك وهو ألا يتشاءم الناس به، وقد صرحت هي فيما بعد ذلك فقالت: لقد راجعته، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحبَّ الناس بعده رجلاً قام مقامه أبداً.

٣٤٥. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، قَالَ عُرْوَةُ: فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ: أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ. [خ:٦٨٣]
1. فيه: الأدب مع الكبير، حيث أراد أبو بكر التأخر عن الصف لمقام رسول الله ﷺ.
2. وفيه: مشروعية الصلاة جالسا لمن لا يقوى على القيام.
3. وفيه: الإشارة إلى تعظيم الصلاة في الجماعة

٣٤٦. [ق] عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ المُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ التَفَتَ، فَرَأَى رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللهَ ﷿ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا لِي أَرَاكُم أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ التُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ». [خ:٦٨٤]
• في رواية: «فليُسَبِّح الرِّجال، وليصفِّح النِّساء». [خ:٧١٩٠]
الغريب: (رَقيقٌ): أي: رَقيق القلب، كثير الخشوع والبكاء. و(صَواحبُ): جمع صاحبة، وهو تشبيه لهؤلاء النِّساء بالنِّساء اللَّاتي/ رُمْنَ فِتْنةَ يُوسُفَ، على جهة الزَّجر. و(التَّصفيقُ): الضَّرب بالأصابع في الكفِّ. و(التَّصفيح): الضَّرب بإحدى صَفحتي الكفِّ على الأخرى، وهما متقاربان.
1. قال النووي: "فيه فضل الإصلاح بين الناس ومشي الإمام وغيره في ذلك".
2. قال النووي: "فيه أن الإمام إذا تأخر عن الصلاة تقدم غيره إذا لم يخف فتنة وإنكارا من الإمام".
3. قال النووي: "فيه أن المقدم نيابة عن الإمام يكون أفضل القوم وأصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به".
4. قال النووي: "وفيه أن المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وأن الفاضل يوافقه".
5. قال النووي: "وفيه أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة لقوله: صفق الناس، وجواز الالتفات في الصلاة للحاجة، وجواز مشي الخطوة والخطوتين في الصلاة".
6. قال النووي: "وفيه استحباب حمد الله تعالى لمن تجددت له نعمة ورفع اليدين بالدعاء وفعل ذلك الحمد والدعاء عقب النعمة وإن كان في صلاة".
7. قوله: (يا أبا بكر! ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟) قال النووي: "وفيه أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء وفهم منه إكرامه بذلك الشيء لا تحتم الفعل، فله أن يتركه ولا يكون هذا مخالفة للأمر، بل يكون أدباً وتواضعاً وتحذقاً في فهم المقاصد".
8. قوله: (ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله ﷺ) قال النووي: "فيه ملازمة الأدب مع الكبار".
9. قال النووي: "وفي الحديث فضائل كثيرة لأبي بكر ﵁، وتقديم الجماعة له، واتفاقهم على فضله عليهم ورجحانه".
10. قوله: (فتخلص حتى وقف في الصف) قال النووي: "فيه جواز خرق الإمام الصفوف ليصل إلى موضعه إذا احتاج إلى خرقها لخروجه لطهارة أو رعاف أو نحوهما ورجوعه".

١٢- بابٌ: يؤمُّ القومَ أقرؤُهم، فإنْ اسَتووا فيها فالأكبرُ


٣٤٧. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ العُصْبَةَ -مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ- قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبيِّ ﷺ كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا. [خ:٦٩٢]
٣٤٨. [ق] عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ ﵁ قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ، فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ رَحِيمًا فَقَالَ: «لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلَادِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ، مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ». [خ:٦٨٥]
• [خت] وقال البخاري: [بابُ إِمامَةِ العَبْدِ والمَوْلَى] -وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ في المُصْحَفِ- وَوَلَدِ البَغِيِّ وَالأَعْرَابِيِّ، وَالغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ.
قال النووي: "في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصلاة، ويحفظوها وينقلوها ويعلموها الناس وليقتدي بأفعالهما من وراءه، ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة أن يُقدَّم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة، ومواقف القتال وإمامة الصلاة والتدريس والإفتاء وإسماع الحديث ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك".

١٣- بابُ إمامةِ المَفْتُونِ والمبتَدعِ


٣٤٩. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَؤوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ». [خ:٦٩٤]
1. في الحديث بيانُ عَفوِ اللهِ عن أفعالِ الاضطرارِ التي يَفعَلُها المسلمُ التزامًا بفِعلِ الحاكمِ.

٣٥٠. عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الخِيَار ﵁ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ، وَنَتَحَرَّجُ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاؤوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ. [خ:٦٩٥]
• [خت] وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا نَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ المُخَنَّثِ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا.
قلتُ: يعني المخنَّث الَّذي يكون ذلك فيه خِلقة، لقُربه مِن المرأة وشبهِه بها، وأمَّا الَّذي يتعاطى ذلك فلا تجوز الصَّلاة خلفَه بوجهٍ، لأنَّه فاسق أقبح فسقٍ حتَّى يرجع عَنْ تخنيثه.
٣٥١. وعَنْ أنسِ بنِ مالكٍ ﵁ قَالَ: قال النَّبيُّ ﷺ لِأَبِي ذَرٍّ: «اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ»./ [خ:٦٩٦]
1. قال النووي: "في الحديث: الحث على موافقة الأمراء في غير معصية لئلا تتفرق الكلمة وتقع الفتن".

١٤- بابٌ: إذا صلَّى الإمامُ جالسًا صلَّى المأمومُ جالسًا وإنْ كان صحيحًا


٣٥٢. [ق] عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا». [خ:٦٨٨]
٣٥٣. [ق] عَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ رَكِبَ فَرَسًا، فَصُرِعَ عَنْهُ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ -وفي رواية[خ:٨٠٥]: سَاقُه الأَيْمَن- فَصَلَّى صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ».[خ:٦٨٩]
قلتُ: (جُحِشَ): خُدِشَ. و(صُرِعَ): سَقَط، وذلك لعثار الفرسٍ، والله أعلم. وقَد كان رسول الله ﷺ أشجعَ النَّاس وأفرسهم على خيل. و(الشِّقُّ): جانب، وهو بكسر الشِّين.

١٥- بابُ ما جاءَ ممَّا يدلُّ على نَسْخ ذلك


٣٥٤. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قالت: ثَقُلَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» فَقُلْنَا: لَا يَا رَسُول اللهِ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ. قَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي المِخْضَبِ». قَالَتْ: فقَعَدَ، فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» فقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ. قَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي المِخْضَبِ». قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي المِخْضَبِ». قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي المَسْجِدِ، يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ ﷺ لِصَلَاةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ، فَأَرْسَلَ/ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا-: يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، وَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا العَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ. قَالَ: «أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ». فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ يَأْتَمُّ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ ﷺ قَاعِدٌ -في رواية[خ:٧١٢]: وأبو بكر يُسمع النَّاس التَّكبيرَ- قال ابن عبَّاس: والرَّجل الَّذي كان مع العبَّاس هو عليُّ بن أبي طالب. [خ:٦٨٧]
• قال البخاري: قال الحُمَيديُّ: قوله: «إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ». هو في مَرضه القديم، ثمَّ صلَّى بعد ذلك النَّبيُّ ﷺ جالسًا والنَّاس خلفَه قيامًا، لم يأمرهم بالقعود، وإنَّما يُؤخذ بالآخِر فالآخِرِ مِن فعلِ النَّبيِّ ﷺ.
الغَريب: (المِخْضَب): الإجَّانة وَهي القَصْرية. و(يَنوءُ): ينهض نهضةَ المتثاقِلِ. و(عُكُوفٌ): مقيمون في المسجد مُلَازِمُونَ.
1. قوله: (فأغمي عليه) قال النووي: "فيه دليل على جواز الإغماء على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولا شك في جوازه فإنه مرض، والمرض يجوز عليهم بخلاف الجنون فإنه لا يجوز عليهم لأنه نقص، والحكمة في جواز المرض عليهم ومصائب الدنيا تكثير أجرهم، وتسلية الناس بهم، ولئلا يفتتن الناس بهم ويعبدوهم لما يظهر عليهم من المعجزات والآيات البينات".
2. قوله: (فقال أصلى الناس؟ فقيل: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله) قال النووي: "فيه دليل على أنه إذا تأخر الإمام عن أول الوقت ورجي مجيئه على قرب ينتظر ولا يتقدم غيره".
3. قولها: (فأرسل رسول الله ﷺ إلى أبي بكر ﵁ أن يصلي بالناس، فقال أبو بكر ﵁ وكان رجلا رقيقا: يا عمر صل بالناس، فقال عمر ﵁: أنت أحق بذلك) قال النووي: "فيه فضيلة أبي بكر الصديق ﵁ وترجيحه على جميع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وتفضيله، وتنبيه على أنه أحق بخلافة رسول الله ﷺ".
4. قال النووي: "فيه أن الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة استخلف من يصلي بهم، وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم"
5. قال النووي: "وفيه: فضيلة عمر بعد أبي بكر ﵁ لأن أبا بكر ﵁ لم يعدل إلى غيره"
6. قال النووي: "وفيه: أن المفضول إذا عرض عليه الفاضل مرتبة لا يقبلها، بل يدعها للفاضل إذا لم يمنع مانع".
7. قال النووي: "وفيه: جواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب والفتنة لقوله: أنت أحق بذلك".

١ قال النبي ﷺ: "كلوا واشربوا حتى يؤذن…":

٤/٠