(٩) كِتَابُ المَوَاقِيتِ/
١- بابُ مواقيتِ الصَّلاةِ وفضلِها،
وقولِهِ: ﴿إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبࣰا مَّوۡقُوتࣰا﴾ [النساء:١٠٣]
٢٦٨. [ق] عَنْ مالكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالعِرَاقِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟! أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: «بِهَذَا أُمِرْتَُ؟!» فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ: اعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ، أَوَ أَنَّ جِبْرِيلَ هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ وَقْتَ الصَّلَاةِ؟ قَالَ عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ. [خ:٥٢١-٥٢٢]
• [ق] وفي رواية: لم يظهرِ الفَيءُ مِن حُجْرَتها. [خ:٥٤٥]
1. قال النووي: «هذ الحديث صريح في التبكير بصلاة العصر في أول وقتها وأن وقتها يدخل بمصير ظل الشيء مثله، ولهذا كان الآخرون يؤخرون الظهر إلى ذلك الوقت، وإنما أخرها عمر بن عبد العزيز على عادة الأمراء قبله قبل أن تبلغه السنة في تقديمها، فلما بلغته صار إلى التقديم، ويحتمل أنه أخرها لشغل وعذر عرض له، وظاهر الحديث يقتضي التأويل الأول، وهذا كان حين ولي عمر بن عبد العزيز المدينة نيابة لا في خلافته؛ لأن أنسا ﵁ توفي قبل خلافة عمر بن عبد العزيز بنحو تسع سنين».
2. وفي الحديث الحث على الصلاة في أول وقتها، وخصوصا صلاة العصر، وأن تأخيرها يذهب بها إلى أوقات النهي التي تكره فيها الصلاة.
2. وفي الحديث الحث على الصلاة في أول وقتها، وخصوصا صلاة العصر، وأن تأخيرها يذهب بها إلى أوقات النهي التي تكره فيها الصلاة.
٢٦٩. [ق] وعَنْ عبدِ الله -هو ابْن مسعود ﵁- قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا». قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ». قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. [خ:٥٢٧]
٢٧٠. [ق] وعنه أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: ﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَیِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفࣰا مِّنَ ٱلَّیۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ یُذۡهِبۡنَ ٱلسَّیِّـَٔاتِۚ﴾ [هود:١١٤] فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلِي هَذَا؟ قَالَ: «لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ». [خ:٥٢٦]
الغريب: (تَظهر): تعلو. و(برُّ الوَالِدين): الإحسان إليهما والقيام بحقوقهما. و(الحُجْرة): الدَّار، لأنَّها تحجُرُ بحيطانها. و(اسَتَزَدْتُه): سألتُه الزِّيادة. و(زُلَفُ اللَّيلِ): سَاعاته.
1. قال ابن بطال: «دل هذا الحديث أن القُبلة وشبهها مما أصابه الرجل من المرأة غير الجماع - كل ذلك من الصغائر التي يغفرها الله باجتناب الكبائر، والصغائر هي من اللمم التي وعد الله مغفرتها لمجتنب الكبائر بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} وهذه الآية تفسير قوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، وأما الكبائر: فأهل السنة مجمعون على أنه لا بد فيها من التوبة والندم والإقلاع واعتقاد أن لا عودة فيها».
2. قال ابن تيمية: «الزنا من الكبائر وأما النظر والمباشرة فاللمم منها مغفور باجتناب الكبائر فإن أصر على النظر أو على المباشرة صار كبيرة وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير من فساد زنا لا إصرار عليه».
2. قال ابن تيمية: «الزنا من الكبائر وأما النظر والمباشرة فاللمم منها مغفور باجتناب الكبائر فإن أصر على النظر أو على المباشرة صار كبيرة وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير من فساد زنا لا إصرار عليه».
٢- بابُ وقتِ الظُّهرِ، وتَأْخِيرِها في شدَّةِ الحرِّ
٢٧١. [ق] عَنْ أنَسِ بن مَالك ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الظُّهْرَ،/ فَقَامَ عَلَى المِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ، فَلَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي». فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي البُكَاءِ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي». فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ». ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي». فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا. فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالخَيْرِ وَالشَّرِّ». [خ:٥٤٠]
٢٧٢. [ق] وعَنْ أبي بَرْزَةَ ﵁ قال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى المِئَةِ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالعَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى المَدِينَةِ رَجَعَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ -وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي المَغْرِبِ- وَلَا يُبَالِي بِتَأْخِيرِ العِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ. [خ:٥٤١]
1. قال ابن رجب: «والظاهر - والله أعلم - أنه كانَ يقرأ بالستين إلى المئة في الركعتين كلتيهما؛ فإنه كانَ ينصرف حين يعرف الرجل جليسه، ولو كانَ يقرأ في كل ركعة بمائة آية لم ينصرف حتى يقارب طلوع الشمس».
٢٧٣. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِالظَّهَائِرِ سَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الحَرِّ. [خ:٥٤٢]
٢٧٤. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قال: «إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّــي أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ». [خ:٥٣٦-٥٣٧]
1. قوله: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنَفَسَين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف) قال القاضي عياض: «اختلف العلماء في معناه، فقال بعضهم: هو على ظاهره، واشتكت حقيقة، وشدة الحر من وهجها وفيحها وجعل الله تعالى فيها إدراكًا وتمييزا بحيث تكلمت بهذا، وقيل: ليس هو على ظاهره، بل هو على وجه التشبيه والاستعارة والتقريب، وتقديره: أن شدة الحر يشبه نار جهنم فاحذروه واجتنبوا حروره، والأول أظهر».
2. قال ابن عثيمين: «فيه أن الجماد بالنسبة لله عز وجل يتكلم مع الله ويناجي الله، وهذا ظاهر في القرآن والسنة، ففي القرآن يقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾».
3. وفي الحديث أن النار مخلوقة الآن، وكذلك الجنة، قال تعالى عن النار: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ وقال عن الجنة: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ وفي حديث النهي عن الصلاة إذا قام قائم الظهيرة؛ عُلل ذلك بأن جهنم تسجر.
2. قال ابن عثيمين: «فيه أن الجماد بالنسبة لله عز وجل يتكلم مع الله ويناجي الله، وهذا ظاهر في القرآن والسنة، ففي القرآن يقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾».
3. وفي الحديث أن النار مخلوقة الآن، وكذلك الجنة، قال تعالى عن النار: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ وقال عن الجنة: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ وفي حديث النهي عن الصلاة إذا قام قائم الظهيرة؛ عُلل ذلك بأن جهنم تسجر.
٢٧٥. [ق] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ ﵁: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ ﷺ الظُّهْرَ فَقَالَ: «أَبْرِدْ أَبْرِدْ» -أَوْ قَالَ: «انْتَظِرِ انْتَظِرْ»- وَقَالَ: «شِدَّةُ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ»، حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُول. [خ:٥٣٥]
• [ق] وفي رواية: كنَّا مع رسول الله ﷺ في سَفَرٍ، فأراد المؤذِّن أن يؤذِّن للظُّهر، فقال النَّبيُّ ﷺ: «أَبْرِدْ». ثمَّ أراد أن يؤذِّن فقال له: «أَبْرِدْ». حتَّى رأينا فَيْءَ التُّلُول. وذكر نحوه. [خ:٥٣٩]
الغريب: (زَاغَتْ): مَالتْ وَزَالتْ عَنْ كَبِد السَّماء. و(العُرْضُ) بضمِّ العين: النَّاحية، وبفتحها: خلاف الطُّول. و(الظَّهائرُ): جمع ظَهِيرة. و(الإِبْرَادُ): الدُّخول في أوَّل وقت البَرْد، وهو حين/ تنكسر سَوْرَةُ الحرِّ بعد الزَّوال، وقد قُدِّر ذلك برُبُعِ القامة والزِّيادة اليسيرة. و(الفَيْح): شدَّة حرِّ النَّار، وكذلك اللَّفْح. و(اشْتَكَتِ النَّارُ): أي: خَزَنَتُها، ويحتمل أن يكون مِن باب:
شكى إليَّ جملي طُولَ السُّرى ... ... ... ... ... ...
و(الزَّمْهَرِير): شدَّة البَرْد. و(الفَيْءُ): ظلُّ ما بعد الزوال. و(التُّلُول): جمع تَلٍّ، وهي الرَّوابي المرْتفعة. و(حَياة الشَّمسِ): بقاء حَرارتها وارْتفاعها.
٣- بابٌ: في وقتِ صلاةِ العصرِ وفضلِها، والأمرِ بالتَّبكيرِ بها، وإِثْم مَن فاتتهُ مِن غيرِ عُذرٍ
٢٧٦. [ق] عَنْ أنسٍ ﵁ قال: كُنَّا نُصَلِّي العَصْرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو ابْنِ عَوْفٍ فَنَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ العَصْرَ. [خ:٥٤٨]
٢٧٧. [ق] وعَنْ أبي أُمَامَة ﵁ قال: صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي العَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: العَصْرُ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ. [خ:٥٤٩]
٢٧٨. [ق] وعَنْ أنسٍ ﵁ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى العَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. وَبَعْضُ العَوَالِي مِنَ المَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ. [خ:٥٥٠]
٢٧٩. وعَنْ أبي المَلِيحِ -واسمه عَامر بن أسامة الهُذَليُّ- قال: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصلَاةِ العَصْرِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ». [خ:٥٥٣]
1. قال ابن تيمية: «تفويت العصر أعظم من تفويت غيرها، فإنها الصلاة الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها، وهي التي فرضت على من كان قبلنا، فضيعوها».
٢٨٠. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ العَصْرِ، فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ». [خ:٥٥٢]
1. قال ابن رجب: «وفي الحديث: دليل على تعظيم قدر صلاة العصر عند الله عز وجل وموقعها من الدين، وأن الذي تفوته قد فجع بدينه وبما ذهب منه، كما يفجع من ذهب أهله وماله»، وذكر ابن عبد البر: «معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترا، والوتر الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غمان: غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر».
2. قال النووي: «قال الداودي من المالكية: معناه يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقد أهله وماله، فيتوجه عليه الندم والأسف لتفويته الصلاة، وقيل: معناه فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف عليه كما يلحق من ذهب أهله وماله».
2. قال النووي: «قال الداودي من المالكية: معناه يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقد أهله وماله، فيتوجه عليه الندم والأسف لتفويته الصلاة، وقيل: معناه فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف عليه كما يلحق من ذهب أهله وماله».
٢٨١. [ق] وعَنْ جَرير بنِ عبدِ الله ﵁ قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةً فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ﴾ [ق:٣٩]»، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا لَا تَفُوتَنَّكُمْ./ [خ:٥٥٤]
1. في الحديث إثبات البشرى لأهل الإيمان أنهم سيرون الله تعالى يوم القيامة، وإثبات الرؤية حقيقة؛ كما أخبر الله ورسوله، بخلاف ما قاله أهل التأويل والتعطيل.
2. خصَّ هذين الوقتين لاجتماع الملائكة فيهما، ورفعهم الأعمال، لئلّا يفوتهم هذا الفضل العظيم.
2. خصَّ هذين الوقتين لاجتماع الملائكة فيهما، ورفعهم الأعمال، لئلّا يفوتهم هذا الفضل العظيم.
٢٨٢. [ق] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». [خ:٥٥٥]
الغريب والشَّرح: بين بني عمرو وبَين المدينة قريبٌ مِن ثلاثة أميال. و(حَبِطَ عَمَلُه): بَطل وفَسَد. ومقصود بُرَيْدَةَ بهذا الحديث: أنَّ مَن أخَّر صلاة العصر إلى آخرِ وقتِ فضيلتها بَطل ثوابها، وإنْ أجزأتْ عنه، ولا يصحُّ حملُه على ظَاهره، إلَّا أن يكون التَّارك جاحدًا للوجوب، فيكون ذلك رِدَّةً، وَهي مبطلة للأعمال بِلا شكٍّ، وليس مُرَادَ الحديث، فتعيَّن مَا ذكرناه، وَعلى ذلك يُحمل قوله: «كأنَّما وُتِرَ أهله وماله» أي: سُلِبَ ذلك يعني به ثواب التَّبكير، والله أعلم. وهو أحسنُ التَّأويلات فيما ظَهر لي، وقد اسْتوفيتها في الكتاب «المُفْهِمِ»^([٢/٢٥٢]). وقوله: (لَا تَضَامُّونَ): يُروى بفتح التَّاء وتشديد الميم مِن الانضمام والازْدحام، ويُروى بضمِّ التَّاء والميم وتخفيفها مِن الضَّيم، وهو الذُّل؛ أي: لا يلحقكم عند رؤية الله تعالى شيء مِن ذلك، بخلاف المَرئيات السَّماوية المُعتادة فإنَّ ذلك يلحق عند رَوْمِ رؤيتها عِند طلوعها. وقوله: (فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) يعني بهما الفَجر والعَصر؛ أي: لا تُغْلَبُوا على فعلهما في أوَّل وقتهما. و(يَتَعاقَبُونَ): يَعْقُبُ بعضهم بعضًا؛ أي: تنزلُ بعده وعَقيبَه، وهي لغة قوم مِن العرب يقولون: أَكلوني البراغيث، والأفصح: أَكلتني.
1. في الحديث: أن الصلاة أعلى العبادات؛ لأنها عليها وقع السؤال والجواب.
2. قال النووي: «وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين وتكرمة لهم أن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم، فيكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير».
2. قال النووي: «وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين وتكرمة لهم أن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم، فيكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير».
٤- بابُ مَن أدركَ ركعةً مِن العصرِ قبلَ الغروبِ
٢٨٣. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ/ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ». [خ:٥٥٦]
٢٨٤. وعَنْ سَالمِ بن عبد الله، عَنْ أبيه ﵁ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوْتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا إِلَى صَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا القُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ أَهْلُ الكِتَابَيْنِ: أَيْ رَبَّنَا، أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ اللهُ ﷿: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ». [خ:٥٥٧]
٢٨٥. وعَنْ أبي موسى ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَثَلُ المُسْلِمِينَ وَاليَهُودِ وَالنَّصَارَىَ كَمَثَلِ رَجُلٍ اّْسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، فَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ، فَقَالَ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ. فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلَاةِ العَصْرِ قَالُوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا. فَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الفَرِيقَيْنِ». [خ:٥٥٨]
(ظَلَمْتُكمْ) هنا بمعنى: نَقصتكم.
1. في الحديث: تفضيل هذه الأمة، وكثرة أجرها مع قلة عملها، وأن الأعمال بالخواتيم.
٥- بابُ وقتِ المَغْرِبِ
٢٨٦. [ق] عَنْ رَافع بْنِ خَدِيج ﵁ قال: كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ. [خ:٥٥٩]
٢٨٧. [ق] وعَنْ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ ﵁ قال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ، وَالعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا، إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَؤُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا -أَوْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ- يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ. [خ:٥٦٠]
٢٨٨. [ق] وعَنْ سَلَمة ﵁ قال: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ المَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالحِجَابِ. [خ:٥٦١]
الغريب: (مَواقِع النَّبْلِ): حيث يقع؛ يعني: أنَّه كان يُبَكِّر بِها قبل نزول الظُّلمة. و(نَقيَّة): يعني/ لم يخالطها صُفرة. و(وَجَبَتْ): يعني سَقطتِ الشَّمس. و(الغَلَسُ): اختلاط الضَّوء بالظُّلمة. و(تَوَارَتْ): غابتْ. و(الحِجاب): ما يَحْجُبُها عَنِ الأبصار عند مَغيبها.
٦- بابُ مَن كَرِهَ أن يُقالَ للمغربِ: العِشاءُ، وللعِشاءِ: العَتَمَةُ، ومَن رآه واسعًا
٢٨٩. عَنْ عبد الله المُزَنيِّ ﵁ أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ المَغْرِبِ». قَالَ: وَتَقُولُ الأَعْرَابُ: هِيَ العِشَاءُ. [خ:٥٦٣]
٢٩٠. [ق] وعَنْ عبدِ الله بن عُمر ﵄ قال: صَلَّى لَنَا النَّبيُّ ﷺ لَيْلَةً صَلَاةَ العِشَاءِ -وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ: العَتَمَةَ- ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ». فَوَهَلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ النَّبيِّ ﷺ إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِئَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قال النَّبيُّ ﷺ: «لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ». يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ القَرْنَ. [خ:٦٠١]
• [خت] وقال ﵇: «لَو يعلَمونَ ما في العَتَمَةِ والصُّبح، لأَتَوْهُمَا ولو حَبْوًا». (خ:٦١٥)
• قال البخاري: والاختيار أنْ يقول: العِشاء؛ لقوله تعالى: ﴿وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَاۤءِۚ﴾ [النور:٥٨].
الغريب: (العَتَمَة): شدَّة ظلمة اللَّيل، وكانت العَرب تحلبُ في ذلك الوقت، وتُسمِي تلك الحَلْبة: العَتَمَة، وأراد بقوله ﵇: (لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ) أنَّ ذلك القَرْن يذهب، تنبيهًا على قِصَرِ أعمارهم، ليغتنموا فُرصة المبادرة للصَّلاة وغيرها. و(وَهَل النَّاس): وَهِمُوا، وهو بفتح الهاء.
1. قوله: (ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا) قال النووي: «فيه الحث العظيم على حضور جماعة هاتين الصلاتين، والفضل الكثير في ذلك لما فيهما من المشقة على النفس من تنغيص أول نومها وآخره، ولهذا كانتا أثقل الصلاة على المنافقين».
2. قال ابن بطال: «إنما أراد رسول الله ﷺ أن هذه المدة تخترم الجيل الذي هم فيه، فوعظهم بقصر أعمارهم، وأعلمهم أن أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم ليجتهدوا في العبادة».
3. قال النووي: «وفي هذا الحديث تسمية العشاء عتمة، وقد ثبت النهي عنه، وجوابه من وجهين: أحدهما أن هذه التسمية بيان للجواز، وأن ذلك النهي ليس للتحريم، والثاني وهو الأظهر أن استعمال العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة لأن العرب كانت تستعمل لفظة العشاء في المغرب، فلو قال: لو يعلمون ما في العشاء والصبح لحملوها على المغرب، ففسد المعنى، وفات المطلوب، فاستعمل العتمة التي يعرفونها ولا يشكون فيها، وقواعد الشرع متظاهرة على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما».
2. قال ابن بطال: «إنما أراد رسول الله ﷺ أن هذه المدة تخترم الجيل الذي هم فيه، فوعظهم بقصر أعمارهم، وأعلمهم أن أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم ليجتهدوا في العبادة».
3. قال النووي: «وفي هذا الحديث تسمية العشاء عتمة، وقد ثبت النهي عنه، وجوابه من وجهين: أحدهما أن هذه التسمية بيان للجواز، وأن ذلك النهي ليس للتحريم، والثاني وهو الأظهر أن استعمال العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة لأن العرب كانت تستعمل لفظة العشاء في المغرب، فلو قال: لو يعلمون ما في العشاء والصبح لحملوها على المغرب، ففسد المعنى، وفات المطلوب، فاستعمل العتمة التي يعرفونها ولا يشكون فيها، وقواعد الشرع متظاهرة على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما».
٧- بابُ فضلِ العِشاءِ، وما يُكْرَهُ مِن النَّومِ قبلَها والحديثِ بعدَها
٢٩١. [ق] [عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولًا فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ، وَالنَّبِيُّ ﷺ بِالمَدِينَةِ، فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ ﷺ عِنْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ ﷺ أَنَا وَأَصْحَابِي، وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةِ حَتَّى اّْبْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ: «عَلَى رِسْلِكُمْ، أَبْشِرُوا، إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكُمْ، أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ». أَوْ قَالَ: «مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ». لَا يَدْرِي أَيَّ الكَلِمَتَيْنِ قَالَ، قَالَ أَبُو مُوسَى: فَرَجَعْنَا، فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ. [خ:٥٦٧]
٢٩٢. [ق] عَنْ عُرْوةَ أن عائشة ﵂ قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيْلَةً بِالعِشَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلَامُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ، فَقَالَ لِأَهْلِ المَسْجِدِ: «مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرَكُمْ». قَالَ: وَلَا يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِالمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ. [خ:٥٦٩]
٢٩٣. [ق] عَنْ عبدِ الله بن عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً، فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرُكُمْ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُبَالِي أَقَدَّمَهَا أَمْ أَخَّرَهَا، إِذَا كَانَ لَا يَخْشَى أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا، وَكَانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا. قالَ ابنُ جُرَيجٍ: قلتُ لعطاءٍ وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵄ يَقُولُ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيْلَةً بِالعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا، وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ: الصَّلَاةَ. قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَخَرَجَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ الآنَ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا». فَاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً كَيْفَ وَضَعَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى رَأْسِهِ يَدَهُ كَمَا أَنْبَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ؟ فَبَدَّدَ لِي عَطَاءٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِ شَيْئًا مِنْ تَبْدِيدٍ، ثُمَّ وَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى قَرْنِ الرَّأْسِ، ثُمَّ ضَمَّهَا يُمِرُّهَا كَذَلِكَ عَلَى الرَّأْسِ، حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامُهُ طَرَفَ الأُذُنِ مِمَّا يَلِي الوَجْهَ عَلَى الصُّدْغِ وَنَاحِيَةِ اللِّحْيَةِ، لَا يُقَصِّرُ وَلَا يَبْطُشُ إِلَّا كَذَلِكَ، وَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَكَذَا». [خ:٥٧٠-٥٧١]
1. قوله: (ويكره النوم قبلها) قال النووي: «قال العلماء: وسبب كراهة النوم قبلها أنه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم، أو لفوات وقتها المختار والأفضل، ولئلّا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة».
2. قوله: (والحديث بعدها) قال النووي: «وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر، ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل، أو الذكر فيه، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز، أو في وقتها المختار أو الأفضل، ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا»، قال النووي: «قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها، أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه، وذلك كمدارسة العلم، وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم، والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك، فكل هذا لا كراهة فيه، وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه، والباقي في معناه».
3. قوله: (فقال حين خرج إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم) قال النووي: «فيه أنه يستحب للإمام والعالم إذا تأخر عن أصحابه أو جرى منه ما يظن أنه يشق عليهم أن يعتذر إليهم ويقول: لكم في هذا مصلحة من جهة كذا أو كان لي عذر أو نحو هذا».
2. قوله: (والحديث بعدها) قال النووي: «وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر، ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل، أو الذكر فيه، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز، أو في وقتها المختار أو الأفضل، ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا»، قال النووي: «قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها، أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه، وذلك كمدارسة العلم، وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم، والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك، فكل هذا لا كراهة فيه، وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه، والباقي في معناه».
3. قوله: (فقال حين خرج إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم) قال النووي: «فيه أنه يستحب للإمام والعالم إذا تأخر عن أصحابه أو جرى منه ما يظن أنه يشق عليهم أن يعتذر إليهم ويقول: لكم في هذا مصلحة من جهة كذا أو كان لي عذر أو نحو هذا».
٢٩٤. [ق] عَنْ أنسٍ ﵁ قَالَ: أَخَّرَ النَّبِيُّ ﷺ صَلَاةَ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ]، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا». [خ:٥٧٢]
• [خت] قَالَ أنسٌ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ.
قلت: (وَبِيصُ الخَاتِم): بَريقه ولمعانُه.
٨- بابُ وقتِ الفجرِ وفَضْلِها، وإدراكِ ركعةٍ منها
٢٩٥. [ق] عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ». [خ:٥٧٤]
٢٩٦. [ق] وعَنْ أنسٍ ﵁ أنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ﵁ حَدَّثَهُ: أَنَّهُمْ تَسَحَّرُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ. قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ. يَعْنِي آيَةً. [خ:٥٧٥]
• وفي لفظٍ آخر: كَمْ كَانَ بينَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ؟ قال: قدْرُ ما يَقْرأ الرَّجُل خَمسينَ آيَة. [خ:٥٧٦]
1. في الحديث: حسن عشرة النبي ﷺ لأصحابه، حيث كان يأكل معهم.
2. وفيه: تأخير السحور إلى قريب من الفجر والاجتماع عليه.
3. قال ابن حجر: «قال المهلب وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تُقدر الأوقات بالأعمال؛ كقولهم: قدر حلب شاة، وقدر نحر جزور».
4. وفيه حرص الصحابة ﵃ على العِلم، فهذا أنس ﵁ يسأل زيد بن ثابت عن هذه السنة التي خَفيت عليه.
2. وفيه: تأخير السحور إلى قريب من الفجر والاجتماع عليه.
3. قال ابن حجر: «قال المهلب وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تُقدر الأوقات بالأعمال؛ كقولهم: قدر حلب شاة، وقدر نحر جزور».
4. وفيه حرص الصحابة ﵃ على العِلم، فهذا أنس ﵁ يسأل زيد بن ثابت عن هذه السنة التي خَفيت عليه.
٢٩٧. [ق] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ». [خ:٥٧٩]
• [ق] وفي رِواية أخرى: «مَن أدْركَ ركعةً مِن الصَّلاة فقد أدْرك الصَّلاة». [خ:٥٨٠]
الغريب: (البَرْدَان): هنا يعني بهما الفَجر والعصر؛ لأنَّهما في وقتِ البَرْدَيْن. ويعني بمَن أدرك ركعةً مِن الصَّلاة مع الإمام. وَكذا جاء مفسَّرًا في «كتاب مسلم»^([خ:٦٠٧]) يعني به يكون مُدركًا لحكم الجماعة وفضلها، والحديث الأوَّل يعني به إدراك الوقت.
٩- بابُ القُنُوتِ في الفجرِ
٢٩٨. [ق] عَنْ أنسٍ ﵁ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ سَبْعِينَ رَجُلًا لِحَاجَةٍ، يُقَالُ لَهُم: القُرَّاءُ، فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ -رِعْلٌ وَذَكْوَانُ- عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ مَعُونَةَ، فَقَالَ القَوْمُ: وَاللهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا، فَقَتَلُوهُمْ. فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ شَهْرًا عَلَيْهِمْ فِي صَلَاةِ الغَدَاةِ، وَذَلِكَ بَدْءُ القُنُوتِ، وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ. وَسَأَلَ رَجُلٌ [أَنَسًا] عَنِ القُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ القِرَاءَةِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ القِرَاءَةِ./ [خ:٤٠٨٨]
1. فيه: دليل على أن أهل الحق قد ينال منهم المبطلون، ولا يكون ذلك دالا على فساد ما عليه أهل الحق، بل كرامة لهم، وشقاء لأهل الباطل.
2. وفي الحديث: الدعاء على أهل الغدر وانتهاك المحارم، والإعلان بأسمائهم، والتصريح بذكرهم.
2. وفي الحديث: الدعاء على أهل الغدر وانتهاك المحارم، والإعلان بأسمائهم، والتصريح بذكرهم.
١٠- بابُ النَّهي عَنِ الصَّلاةِ بعدَ الفَجرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمسُ
٢٩٩. [ق] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عُمَرُ أَنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ. [خ:٥٨١]
1. في الحديث الرد على الروافض فيما يدعونه من المباينة بين أهل البيت النبوي وبين أكابر الصحابة؛ لقول ابن عباس ﵁ وهو ابن عم المصطفى ﷺ: (وأرضاهم عندي عمر).
2. وفيه توكيد الخبر بكثرة ناقليه وقوة الثقة بهم.
2. وفيه توكيد الخبر بكثرة ناقليه وقوة الثقة بهم.
٣٠٠. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قال: قَالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «لا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا». [خ:٥٨٢]
٣٠١. [ق] وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ». [خ:٥٨٣]
٣٠٢. وعَنْ مُعاوية ﵁ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهما، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا، يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ. [خ:٥٨٧]
الغريب: (حَاجِبُ الشَّمْسِ): أوَّل ما يبدو منها عند طلوعها، وأوَّل ما يغرب منها.
١١- بابُ مَن قالَ: تجوزُ الصَّلاةُ بعدَ العصرِ إلَّا ساعةَ الغُروبِ
٣٠٣. [ق] عَنِ ابن عمر ﵄ قال: أُصَلِّي كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يُصَلُّونَ، لَا أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ أوْ نَهَارٍ مَا شَاءَ، غَيْرَ أَنْ لَا تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا. [خ:٥٨٩]
• [خت] وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ قالت: صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ العَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: «شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ». (خ:١٢٣٣)
٣٠٤. وعَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ، مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللهَ، وَمَا لَقِيَ اللهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ عَنِ الصَّلَاةِ، وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا -تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ- وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّيهِمَا، وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي المَسْجِدِ، مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ. [خ:٥٩٠]
٣٠٥. [ق] وعنها قَالَتْ: رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ العَصْرِ. [خ:٥٩٢]
١٢- بابُ/ قضاءِ الفَوَائتِ، وأحكامِها
٣٠٦. وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ -واسمه الحارث بن رِبْعِيٍّ ﵁- قَالَ: سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لَيْلَةً فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ». قَالَ بِلَالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ، فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ ﷺ، وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، أَيْنَ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ. قَالَ: «إِنَّ اللهَ سُبْحَانَه قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ، قُمْ فَأَذِّنْ النَّاسَ بِالصَّلَاةِ». فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى. [خ:٥٩٥]
1. قال النووي: «فيه استحباب الأذان للصلاة الفائتة».
٣٠٧. [ق] وعَنْ أنسٍ ﵁، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قال: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ، قالَ: ﴿وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِیۤ﴾ [طه:١٤]». [خ:٥٩٧]
٣٠٨. [ق] وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. قال النَّبيُّ ﷺ: «وَاللهِ مَا صَلَّيْتُهَا». فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ. [خ:٥٩٦]
1. قوله: (فوالله ما صليتها) معناه: إنما حلف النبيﷺ تطييبًا لقلب عمر ﵁؛ فإنه شق عليه تأخير العصر إلى قريب من المغرب، فأخبره النبي ﷺ أنه لم يصلها بعد؛ ليكون لعمر به أسوة، ولا يشق عليه ما جرى وتطيب نفسه، وأكد ذلك الخبر باليمين.
2. قال النووي: «فيه دليل على جواز اليمين من غير استحلاف، وهي مستحبة إذا كان فيه مصلحة من توكيد الأمر، أو زيادة طمأنينة، أو نفي توهم نسيان، أو غير ذلك من المقاصد السائغة، وقد كثرت فيه الأحاديث، وهكذا القسم من الله تعالى كقوله تعالى: (والذاريات)، و(الطور)، و(المرسلات)، (والسماء والطارق)، و(الشمس وضحاها)، و(الليل إذا يغشى)، و(الضحى)، و(التين)، و(العاديات)، و(العصر)، ونظائرها كل ذلك لتفخيم المقسم عليه وتوكيده».
3. قوله: (فقمنا إلى بطحان فتوضأ رسول الله ﷺ وتوضأنا فصلى ﷺ العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب) قال النووي: «هذا ظاهره أنه صلاهما في جماعة، فيكون فيه دليل لجواز صلاة الفريضة الفائتة جماعة».
4. قال النووي: «وأما تأخير النبي ﷺ صلاة العصر حتى غربت الشمس فكان قبل نزول صلاة الخوف».
2. قال النووي: «فيه دليل على جواز اليمين من غير استحلاف، وهي مستحبة إذا كان فيه مصلحة من توكيد الأمر، أو زيادة طمأنينة، أو نفي توهم نسيان، أو غير ذلك من المقاصد السائغة، وقد كثرت فيه الأحاديث، وهكذا القسم من الله تعالى كقوله تعالى: (والذاريات)، و(الطور)، و(المرسلات)، (والسماء والطارق)، و(الشمس وضحاها)، و(الليل إذا يغشى)، و(الضحى)، و(التين)، و(العاديات)، و(العصر)، ونظائرها كل ذلك لتفخيم المقسم عليه وتوكيده».
3. قوله: (فقمنا إلى بطحان فتوضأ رسول الله ﷺ وتوضأنا فصلى ﷺ العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب) قال النووي: «هذا ظاهره أنه صلاهما في جماعة، فيكون فيه دليل لجواز صلاة الفريضة الفائتة جماعة».
4. قال النووي: «وأما تأخير النبي ﷺ صلاة العصر حتى غربت الشمس فكان قبل نزول صلاة الخوف».
١٣- بابُ كراهيةِ السَّمَرِ بعد العِشاءِ، وما يجوزُ منه
٣٠٩. [ق] في حَديثِ أبي بَرْزَة ﵁: وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ العِشَاءَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ أَحَدُنَا جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ من السِّتِّينَ إِلَى المِئَةِ. [خ:٥٩٩]
٣١٠. [ق] وعَنْ أنسِ بن مالك ﵁ قال: نَظَرنا النَّبِيَّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ، فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا، ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ: «أَلَا إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لن تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ». قَالَ الحَسَنُ: «وَإِنَّ القَوْمَ لَا يَزَالُونَ في خَيْرٍ مَا انْتَظَرُوا الخَيْرَ». [خ:٦٠٠]
٣١١. [ق] وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ﵄ أَنَّ/ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ». وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَشَرَةٍ. قَالَ: فَهُوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي -ولَا أَدْرِي هَلْ قَالَ: وَامْرَأَتِي- وَخَادِمٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ لَبِثَ حتَّى صُلِّيَتِ العِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ ﷺ، فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ -أَوْ قَالَ: ضَيْفِكَ؟- قَالَ: أَوَمَا عَشَّيْتِيهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عُرِضُوا فَأَبَوْا، فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ، فَجَدَّعَ وَسَبَّ، وَقَالَ: كُلُوا لَا هَنِيئًا، فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا، وَايْمُ اللهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا -قَالَ: فشَبِعُوا- وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ -يَعْنِي يَمِينَهُ- ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ فَمَضَى الأَجَلُ، فَفَرَّقَنَا اثْنَي عَشَرَ رَجُلًا، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ، اللهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ، أَوْ كَمَا قَالَ. [خ:٦٠٢]
الغريب: (السَّمَرُ): الحَديث باللَّيل، وأصلُه مِن السَّمر، وهو ضوء القمر، فسُمِّي الحديث به لأنَّهم كانوا يتحدَّثون فيه. و(نَظَرْنا): انتظرنا. و(الصُّفَّة): سَقيفة كانت في مسجد النَّبيِّ ﷺ يأوي إليها فُقراء المهاجرين. و(غُنْثَر) بالغين المعجمة والنُّون والثَّاء المثلَّثة مضموم الغين مفتوح الثَّاء: هو ذبابٌ أزرق يكون في الصَّحارى شبَّههُ به تَحقيرًا. و(جَدَّع): قال له: جَدْعًا، وأصلُ الجَدْع القطْع. (وايْمُ الله): بوصل الألف وقطعها، وأصله: أيمن الله، وهو عند سيبويه مِن اليُمْنِ والبركة، وعند غيره: جمعُ يمين، وأَلِفُهُ ألفُ قطعٍ. و(قُرَّة عَيْنِي): قَسَمٌ بما تحبُّه وتَقَرُّ به عينها، ويحتمل أن تعني بذلك الله تعالى؛ لأنَّ القسم بغيره ممنوع. (وَلَا): صِلة للقَسم كَقوله تعالى: ﴿لَاۤ أُقۡسِمُ بِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ﴾ [القيامة:١]. وقوله: (فَرَّقَنَا/ اثْنَي عَشَر) يعني: عَرِيفًا، وهذه رواية أبي ذرٍّ، ورواية الأَصِيلي: (فَعَرَّفَنا) بالعين المهملة: أي: جعلنا اثني عشر عَرِيفًا على جماعات وقبائل. والله أعلم.