(١١) كِتَابُ الجُمُعَةِ


١- بابُ فرْضِ الجُمُعة وفضلها، لقوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِیَ لِلصَّلَوٰةِ مِن یَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلۡبَیۡعَۚ﴾ الآية [الجمعة:٩]


٤٤٤. [ق] عَنْ أبي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ وَالسَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللهُ لهُ، فَالنَّاسُ لَنَا تَبَعٌ، اليَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ». [خ:٨٧٦]
٤٤٥. [ق] وعنه/ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». [خ:٨٨١]
الغريب: (فَاسْعَوا): فامْضوا، وقد قُرئتْ كذلك. و(بَيْدَ): بمعنى غير. و(اليَهود غَدًا): أي: عبادة اليهود غدًا أو تعظيمهم، وهذا كقول العرب: الهلال اللَّيلةَ، وأصل (رَاحَ): رجعَ بعشيٍّ، وأوَّل العشيِّ الزَّوال. و(البَدَنَةُ): واحدة البُدْنِ، وهي الهدايا مِن الإبل. و(الذِّكْر): الخُطبَة.
1. قوله: (نحن الآخرون)؛ قال ابن حجر: «أي: الآخرون زمانًا، الأولون منزلة، والمراد: أن هذه الأُمَّة وإن تأخَّر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة، بأنهم أول مَن يحشر، وأول مَن يحاسب، وأول مَن يقضى بينهم، وأول من يدخل الجَنَّة».
2. قال المهلب: «فيه دليل على أن المسارع إلى طاعة الله والسابق إليها أعظم أجراً؛ ألا ترى أنه قد مثل ذلك بهدي البدنة، ثم الرائح بعده كمهدي البقرة إلى البيضة، فأراد ﷺ أن يُري فضل ما بين البقرة والبدنة».
3. قال ابن حجر: «قوله: (فكأنما قرب بيضة) فيه أن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع».
4. قال النووي: «في الحديث الحث على التبكير إلى الجمعة وأن مراتب الناس في الفضيلة فيها وفي غيرها بحسب أعمالهم، وهو من باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾».
5. قال النووي: «وفيه أن القربان والصدقة يقع على القليل والكثير، وقد جاء في رواية النسائي بعد الكبش (بطة ثم دجاجة ثم بيضة) وفي رواية بعد الكبش (دجاجة ثم عصفور ثم بيضة) وإسنادا الروايتين صحيحان».

٢- بابُ فضْلِ الغُسلِ يومَ الجُمُعة، والطِّيبِ، والسِّواكِ


٤٤٦. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ». [خ:٨٧٧]
٤٤٧. [ق] وعنه أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ بَيْنَا هُوَ قَائِمٌ فِي الخُطْبَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ قَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ، فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ، فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ. فَقَالَ: وَالوُضُوءُ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَأْمُرُ بِالغُسْلِ. [خ:٨٧٨]
• [ق] وفي رواية: قال عُمَر: ألمْ تَسمَعوا رسولَ الله ﷺ قالَ: «إذا رَاحَ أحدكم إلى الجُمُعَةِ فلْيَغتسلْ». [خ:٨٨٢]
1. قال النووي: «في الحديث تفقد الإمام رعيته وأمرهم بمصالح دينهم والإنكار على مخالف السنة وإن كان كبير القدر»، وقال ابن حجر: «في الحديث إنكار الإمام على من أخلَّ بالفضل وإن كان عظيم المحلّ، ومواجهته بالإنكار ليرتدع من هو دونه بذلك».

٤٤٨. [ق] وعَنْ عمرو بن سُلَيْمٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ ﵁ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: «الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَنَّ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ». قَالَ عَمْرٌو: أَمَّا الغُسْلُ، فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الِاسْتِنَانُ وَالطِّيبُ، فَاللهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا، وَلَكِنْ هَكَذَا فِي الحَدِيثِ. [خ:٨٨٠]
٤٤٩. عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ ﵁ قَالَ: قال النَّبيُّ ﷺ: «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنَ الطُّهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ/ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى». [خ:٨٨٣]
1. قال النووي: «قال العلماء: معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام أن الحسنة بعشر أمثالها، وصار يوم الجمعة الذي فعل فيه هذه الأفعال الجميلة في معنى الحسنة التي تجعل بعشر أمثالها».

٤٥٠. [ق] وعَنْ طَاوُوس قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُؤوسَكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي. [خ:٨٨٤]
٤٥١. [ق] وعَنْ عبد الله بن عمرَ ﵄ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ». الحديثَ. [خ:٨٨٦]
٤٥٢. [ق] وعَنْ أَبي هُريرةَ: قال النَّبيُّ ﷺ: «لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا». [خ:٨٩٨]
• [ق] في رواية: «يغسل فيه رأسَه وجسدَه». [خ:٨٩٧]
زاد البزَّار في «مُسنده»: «وهو يوم الجُمُعة».
الغريب: (يَسْتَنُّ): يَدْلُكُ أسْنانه بالسِّواك. و(الحُلَّة): كلُّ ثوبين غيرِ مُلَفَّقين كإزارٍ ورداءٍ. و(سِيَرَاء): مخطَّطة بخطوط شبه السُّيور، وكانت حريرًا خالصًا، والله أعلم. و(الخَلَاق): الحظُّ والنَّصيب، ويعني أنَّها مِن لِباس الكفَّار.
1. قال العراقي: «وفيه أن المستحب التجمل يوم الجمعة بالملابس الحسنة لكونه - عليه الصلاة والسلام - أقر عمر على ذلك، وإنما أنكر استعمال السيراء، وما في معناه».
2. قال العراقي: «في الحديث تذكير المفضول الفاضل بما يحتاج إليه من أمر دينه، ودنياه إذا ذهل عنه أو لم يعرف به»

٣- بابُ الجُمُعةِ في القُرَى والمُدُنِ


٤٥٣. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي مَسْجِدِ عَبْدِ القَيْسِ بِجُوَاثَى مِنَ البَحْرَيْنِ. [خ:٨٩٢]
• [خت] وقال يُونُس: كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مَعَهُ بِوَادِي القُرَى، هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ؟ وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا، وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ -وَرُزَيْقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ- فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ، وَأَنَا أَسْمَعُ: يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». الحديثَ [خت:٨٩٣].
وسيأتي إنْ شاء الله [ر:١٢٤٥].

٤- بابٌ/ في السَّعي إلى الجمعة، ومِن أين يُؤتى إليها، والرُّخصة في التَّخلُّف عنها بِعُذر المطَر


٤٥٤. عَنْ عَبَايَة بْن رِفَاعَةَ قَالَ: أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ ﵁ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الجُمُعَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهُ ﷺ يَقُولُ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ». [خ:٩٠٧]
1. قال ابن رجب: «وليس عن النبي ﷺ في هذا الحديث ذكر المشي إلى الجمعة، إنما فيه فضل المشي في سبيل الله؛ فأدخل الراوي المشي إلى الجمعة في عموم السبيل، وجعله شاملاً له وللجهاد. والأظهر في إطلاق سبيل الله: الجهاد».

٤٥٥. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالعَوَالِيِّ، فَيَأْتُونَ فِي العَبَاءِ، ويُصِيبُهُمُ الغُبَارُ وَالعَرَقُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمُ العَرَقُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي، فَقال النَّبيُّ ﷺ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا؟». [خ:٩٠٢]
1. قوله: (لو أنكم تطهرتم) قال النووي: «فيه أنه يندب لمن أراد المسجد أو مجالسة الناس أن يجتنب الريح الكريهة في بدنه وثوبه».

٤٥٦. وعَنِ ابن عبَّاس ﵄ أنَّه قَال لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، فقَالَ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ. [خ:٩٠١]
الغريب: (يَنْتَابون): يَتَعَاهدون، وأقرب العَوالي عَلى ثلاثة أميال مِن المدينة. و(العَبَاء): جمع عَبَاءَة، وهي الكِساء. وعَنَى بقوله: (مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي) رسولَ الله ﷺ. و(عَزْمَة): أي: معزوم عليها في حقِّ مَن لا عُذْرَ لَهُ. و(أُحْرِجكم): مِن الحَرَج وهو المشقَّة. و(الدَّحْض): الزَّلَق، وهو بإسكان الحاء وفتحها.

٥- بابُ الأذانِ يوم الجُمُعةِ عندَ الزَّوالِ، وعندَ جلوسِ الإمامِ على المِنبرِ، ولو أَذَّنَ واحدٌ أَجْزَأَ


٤٥٧. عَنِ السَّائب بن يَزِيدَ ﵁ إِنَّ الأَذَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَكَثُرُوا، -في رواية[خ:٩١٢]: وكثُر النَّاس- أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِالأَذَانِ الثَّالِثِ، فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ، فَثَبَتَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. [خ:٩١٦]
• وفي رواية: الثاني، بدل الثالث. [خ:٩١٥]
• وفي رواية: ولم يكنْ للنَّبيِّ ﷺ مُؤَذِّنٌ غير واحد. كان التَّأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر. [خ:٩١٣]
قال البخاري: (الزَّوْرَاءُ): موضع بسوق المدينة./

٦- بابُ الخُطْبَةِ على المِنْبَرِ قائمًا


٤٥٨. [ق] عَنِ ابْن عمر ﵄ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: «مَنْ جَاءَ إِلَى الجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ». [خ:٩١٩]
٤٥٩. [ق] وعَنْ أبي حازم بن دِينَارٍ أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلًا السَّاعِدِيَّ ﵁، وَقَد امْتَرَوْا فِي المِنْبَرِ: مِمَّ عُودُهُ؟ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ، وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى فُلَانَةَ -امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ- «مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ». فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الغَابَةِ ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَوُضِعَتْ هَاهُنَا، ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ صَلَّى عَلَيْهَا وَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ نَزَلَ القَهْقَرَى، فَسَجَدَ فِي أَصْلِ المِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي». [خ:٩١٧]
٤٦٠. وعَنْ جابرِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ المِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ العِشَارِ حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. [خ:٩١٨]
• وفي روايةٍ: قالَ جابرٌ: فصاحتْ النَّخلة الَّتي كان يخطُبُ عندها، حتَّى كادت أن تَنْشَقَّ، فنزلَ النَّبيُّ ﷺ حتَّى أخذها، فضَمَّها إليه، فجعلتْ تَئِنُّ أنين الصَّبيِّ الَّذي يُسَكَّت، حتَّى استقرَّت. قال: «بكتْ على ما كانتْ تسمع مِن الذِّكر». [خ:٢٠٩٥]
1. في الحديث: الاستعانة بأهل الصناعات والمقدرة في كل شيء يشمل المسلمين نفعه.
2. فيه: الوقوف في الخطبة على أي شيء مرتفع، واتخاذ المنبر في المساجد.
3. وفي الحديث: علم من أعلام النبوة، ومعجزة من معجزاته، حيث تشعر الجمادات بوجوده وفراقه ﷺ.

٤٦١. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَقْعُدُ، ثُمَّ يَقُومُ كَمَا تَفْعَلُونَ الآنَ. [خ:٩٢٠]
الغريب: (امْتَرَوْا): تَنَازَعُوا واختلفوا. و(الطَّرْفَاء): -بسكون الرَّاء- شجرٌ مِن شجر البادية. و(الغابة): موضع معروف بقرب المدينة. و(القَهْقَرَى): الرُّجوع إلى خلف في المشي. و(العِشَار): جمع عُشَرَاء، وهي النَّاقة الَّتي أتى عليها مِن حملها عشرة أشهر. و(الجِذْع): أصل النَّخلة المقطوعة. وحنينه مِن أدلَّة صحَّة نبوَّة نبيِّنا محمَّد ﷺ./

٧- بابُ النَّهي عَنْ أن يُقامَ أحدٌ مِن مَقْعَدِه يومَ الجُمعةِ، وإقبالِ النَّاسِ على الإمامِ، والأمرِ بالإنْصاتِ له


٤٦٢. [ق] عَنِ ابن عمر ﵄ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَقْعَدِهِ، وَيَجْلِسَ فِيهِ، قيل لِنَافِعٍ: الجُمُعَةَ؟ قَالَ: الجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا. [خ:٩١١]
٤٦٣. [ق] وعَنْ أبي سعيد الخُدْري ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى المِنْبَرِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ. [خ:٩٢١]
٤٦٤. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ». [خ:٩٣٤]
(اللَّغو): مِن الكلام الَّذي لا يفيد، وقد يُعَبَّرُ به عمَّا لا يجوز، وهو المراد في هذا الحديث.
1. قال النووي: «فيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة، والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود».

٨- بابُ الخُطْبةِ وما يُقالُ فيها


٤٦٥. عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ﵁ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَسَمِعْتُهُ يقول حِينَ تَشَهَّدَ: «أَمَّا بَعْدُ». [خ:٩٢٦]
٤٦٦. وعَنِ ابن عبَّاس ﵄ قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ المِنْبَرَ، وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفًا مِلْحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِلَيَّ». فَثَابُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ هَذَا الحَيَّ مِنَ الأَنْصَارِ يَقِلُّونَ وَيَكْثُرُ النَّاسُ، فَمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَضُرَّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعَ فِيهِ أَحَدًا، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيِّهِمْ». [خ:٩٢٧]
1. الكلام على لفظة «أما بعد»:
(١) أول من تكلم بها: قال النووي: «اختلف العلماء في أول من تكلم بها فقيل: داود عليه السلام، وقيل: يعرب بن قحطان، وقيل: قس بن ساعدة، وقال بعض المفسرين أو كثير منهم: إنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود، وقال المحققون: فصل الخطاب الفصل بين الحق والباطل».
(٢) موضعها: قال النووي: «فيه استحباب قول: (أما بعد) في خطب الوعظ والجمعة والعيد وغيرها، وكذا في خطب الكتب المصنفة، وقد عقد البخاري بابا في استحبابه، وذكر فيه جملة من الأحاديث»، وقال القنوجي: «ويستفاد من هذه الأحاديث: أن (أما بعد) لا تختص بالخطب، بل تقال أيضاً في صدور الرسائل، والمصنفات، وقد كثر استعمال المصنفين لها بلفظ: وبعدُ».
(٣) معناها: قال ابن رجب: «والمعنى في الفصل بأمّا بعد: الإشعار بأن الأمور كلها وإن جلّت وعظمت فهي تابعة لحمد الله والثناء عليه، فذاك هو المقصود بالإضافة، وجميع المهمات تبع له من أمور الدين والدنيا».
2. قال القنوجي: «وقد تتبع طرق الأحاديث التي وقع فيها (أما بعد) الحافظ عبد القادر الرهاوي في (خطبة الأربعين المتباينة) له، فأخرجه عن اثنين وثلاثين صحابياً».

٤٦٧. [ق] عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ﵁ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا. [خ:٩٢٨]
٤٦٨. [ق] عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ الكُرَاعُ، هَلَكَ الشَّاءُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. [خ:٩٣٢]
الغريب: (مُتَعَطِّفًا): جاعلها على عِطْفَيهِ؛ أي: جانبه. و(دَسِمَة): متغيِّرة تغيُّرًا يشبه تغيُّر الدَّسم،/ وهو الدُّهن وكأنَّها غير صفيَّة. و(الكُرَاع): المواشي على أربع.
1. قال ابن حجر: «في الحديث: جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة».
2. قال ابن حجر: «في الحديث: قيام الواحد بأمر الجماعة، وإنما لم يباشر ذلك بعض أكابر الصحابة؛ لأنهم كانوا يسلكون الأدب بالتسليم، وترك الابتداء بالسؤال».
3. قال ابن حجر: «وفي الحديث: سؤال الدعاء من أهل الخير ومن يرجى منه القبول وإجابتهم لذلك».

٩- بابٌ: إذا نَفرَ النَّاسُ عَنِ الإمامِ فصلاتُهُ ومَن بقي معه جائزةٌ، وركوعُ مَن دخلَ والإمامُ يخطُبُ


٤٦٩. [ق] عَنْ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ ﵄ قال: بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَإِذَا رَأَوۡا۟ تِجَـٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوۤا۟ إِلَیۡهَا وَتَرَكُوكَ قَاۤىِٕمࣰاۚ﴾ [الجمعة:١١]. [خ:٩٣٦]
1. قوله تعالى: (وتركوك قائما) قال الشيخ ابن عثيمين: «هذه منقبة لرسول الله ﷺ أنه لما انصرف الناس عنه لم يقطع الخطبة ولم ييأس، بل بقي عليه الصلاة والسلام قائما يخطب وكأن شيئا لم يكن، وهذا من صبره صلوات الله وسلامه عليه على ما يحصل له من مثل هذه الأمور».
2. في الحديث أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله، وقت دواعي النفس لحضور اللهو [والتجارات] والشهوات، أن يُذَكِّرها بما عند الله من الخيرات، وما لمؤثر رضاه على هواه.
3. قُدِّمت التجارة على اللهو في صدر الآية، لأن رؤيتها كانت الباعث الأعظم على الانفضاض إليها، وترك الرسول ﷺ قائما يخطب على المنبر، ولم يبق معه إلا عدد قليل من أصحابه، وأخرت في آخر الآية وقدم اللهو عليها، ليكون ذمهم على انفضاضهم أشد وأوجع، حتى لا يعودوا إلى مثل ذلك.

٤٧٠. [ق] وعنه قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ فَقَالَ: «صَلَّيْتَ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ». [خ:٩٣١]
الغريب: (اللهو): هنا طبلٌ أو مِزْمَارٌ ضربه أهل العِير إشعارًا بقدومهم. و(انفضُّوا): ذهبوا وتفرُّقوا. حُكي أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال عند ذلك: «لولا الباقون لنزلت عليهم الحِجَارة». والضَّمير في ﴿إِلَیۡهَا﴾ عائد إلى التِّجارة؛ لأنَّها المقصود الأصلي الأهم.
1. قال ابن حجر: «قوله: (والنبي ﷺ يخطب، فقال: أصليتَ؟) فيه: أن للخطيب أن يأمر في خطبته وينهى ويبين الأحكام المحتاج إليها»، وفيه: جواز الكلام في الخطبة لحاجة، وجوازه للخطيب وغيره.
2. قال النووي: «وفيه الأمر بالمعروف والإرشاد إلى المصالح في كل حال وموطن».

١٠- بابُ السَّاعةِ الَّتي في يومِ الجُمُعةِ، والصَّلاةِ قبلَها وبعدَها، والانتشارِ بعدَ فعلِها


٤٧١. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقَالَ: «فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ». وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. [خ:٩٣٥]
1. قال ابن المنير: «إذا عُلِم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة، ولليلة القدر بعثُ الدواعي على الإكثار من الصلاة والدعاء، ولو بُيِّن لاتَّكل الناس على ذلك، وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها».
2. قال ابن المنير: «الإشارة لتقليلها هو للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها».

٤٧٢. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ العِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. [خ:٩٣٧]
٤٧٣. عَنْ سَهْلٍ ﵁ قَالَ: كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا، فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَة تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ، ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا، فَتَكُونُ أُصُولُ/ السِّلْقِ عَرْقَهُ، وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ، وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ. [خ:٩٣٨]
1. قال ابن حجر: «في الحديث استحباب التقرب بالخير ولو بالشيء الحقير، وذلك مستنبط من فعل المرأة إذا كانت تقدم للصحابة السلق».
2. قال ابن حجر: «في الحديث بيان ما كان الصحابة عليه من القناعة وشدة العيش والمبادرة إلى الطاعة ».
3. قال ابن رجب: «فيه: أن فرح الفقير بوجود ما يأكل وتمنيه لذلك غير قادح في فقره، ولا منافٍ لصبره؛ بل ولا لرضاه».

٤٧٤. [ق] وعنه قال: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الجُمُعَةَ، ثُمَّ تَكُونُ القَائِلَةُ. [خ:٩٤١]
• [ق] وفي رواية: مَا كنَّا نَقِيلُ ولا نتَغَدَّى إلَّا بعد الجُمُعَة. [خ:٩٣٩]
الغريب: (الأَرْبعاء): جمع رَبيع، وهو الجدول. و(العَرْق) بفتح العين: العَظْم الَّذي عليه اللَّحم؛ يعني: تجعل أصول السِّلق بدل اللَّحم؛ أي: لم يكن في ذلك لحم، ورواه أبو ذرٍ: (عُراقه) ورُوي: (غَرْفة) بالغين المعجمة، أي: مَرَقة. وليست بشيء. وعند ابن شُريح: (تحقل على أربعاء) بالقاف، بدل (تجعل) أي: تزرع في الحقل. وإنَّما كانوا يَقِيلون ويتغدَّون بعد الصَّلاة لأنهم كانوا يُهَجِّرُونَ بالجُمُعة فكانوا يؤخِّرون ما يفعلون في الهاجرة في غير يوم الجُمُعة، فيفعلونه يوم الجمعة بعد الصَّلاة، ولا يُفهم مِن هذا أنَّهم كانوا يصلُّون الجمعة قبل الزَّوال؛ لأنَّه قد صحَّ عنه أنَّه ما كان يصلِّيها إلَّا بعد الزَّوال، وقد صحَّ ذلك بعمل أهل المدينة. والله أعلم.

(١٢) كِتَابُ صَلَاةِ الخَوْفِ


١- بابٌ يَقْسِمُ الإِمامُ العَسكرَ فريقين، ويصلِّي بكلِّ طائفةٍ ركعةً


٤٧٥. [ق] عَنْ عبدِ الله بن عُمر ﵄ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا العَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى العَدُوِّ، وَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاؤُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. [خ:٩٤٢]
• [ق] وفي رواية: عَنِ ابْن عمر، عَنِ النَّبيِّ ﷺ: «فإنْ كانوا أكثر مِن ذلك فليصلُّوا قيامًا ورُكبانًا». [خ:٩٤٣]
1. أهمية الوقت في الصلاة فإن الله سبحانه وتعالى أمرهم بالجماعة وبصلاة الخوف من أجل الحفاظ على الوقت، وإلا فإنه بإمكان المقاتل أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، وربما تهدأ الحرب فدل هذا على أن الوقت. ولذلك الفقهاء يقولون: الوقت من أهم شروط الصلاة.
2. قال ابن حجر: «استدل به على عِظَم أمر الجماعة، بل على ترجيح القول بوجوبها لارتكاب أمور كثيرة لا تغتفر في غيرها، ولو صلى كل امرئ منفرداً لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك».
3. وفي الحديث سعة الشريعة: فإن هذا في أمر تعبدي ورد فيه النص، ومع ذلك جاء فيه هذه السعة في تغيير صفة الصلاة، في تغيير اتجاه القبلة في الحركة إلى غير ذلك من الأوصاف التي تدل على سعة الشريعة ومراعاتها لتغير الأحوال والظروف.
4. وفيه الأخذ بالأسباب: وأنه واجب، فإن الله سبحانه وتعالى لم يكلهم فقط إلى أن يصلوا، ويقول: ما دام أنتم تصلون تعبدون ربكم وتذكرون ربكم ناموا والملائكة تحرسكم! وإنما قال: ﴿وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ﴾ ثم قال في الآية: ﴿وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾.

٢- بابٌ: يصلِّي بهم صَلاةً واحدةً، ويحرُسُ بعضُهم بعضًا/


٤٧٦. عَنِ ابْن عبَّاسٍ ﵄ قال: قَامَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ، وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ، فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ، وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلَاةٍ، وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. [خ:٩٤٤]

٣- بابُ مَن قالَ: تُؤَخَّرُ الصَّلاةُ إلى أنْ ينجلي القتالُ


• [خت] قالَ أنسٌ ﵁: حَضَرْتُ مُنَاهَضَةَ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الفَجْرِ، وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ القِتَالِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ، فَلَمْ نُصَلِّ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى، فَفُتِحَ لَنَا. قَالَ أَنَسٌ: وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
• وقد تقدَّم مِن حديث جابرٍ أنَّ النَّبيَّ ﷺ أَخَّر العَصَرَ يومَ الخندقِ إلى أنْ غابتِ الشَّمسُ، ثمَّ صلَّاها، ثمَّ صلَّى بعدها المغرب. [ر:٣٠٨]

٤- بابُ صَلاةِ الطَّالبِ والمَطْلوبِ راكبًا وإيماءً


• [خت] وَقَالَ الوَلِيدُ: ذَكَرْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ صَلَاةَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَقَالَ: كَذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَنَا إِذَا تُخُوِّفَ الفَوْتُ.
• [خت] وَاحْتَجَّ الوَلِيدُ: بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ». (خ:٩٤٦)
٤٧٧. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: قال النَّبيُّ ﷺ لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ». فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ العَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَلَمْ يُعَنِّفْ أَحَدًا مِنْهُمْ. [خ:٩٤٦]
1. قال ابن القيم: «كل من الفريقين مأجور بقصده، إلا أنَّ مَنْ صلّى حاز الفضيلتين: امتثال الأمر في الإسراع، وامتثال الأمر بالمحافظة على الوقت ولاسيما ما في هذه الصلاة بعينها من الحث على المحافظة عليها، وأنَّ مَنْ فاتته حبط عمله، وإنما لَمْ يُعَنِّفِ الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر، ولأنهم اجتهدوا فَأَخَّرُوا لامتثالهم الأمر، لكنهم لَمْ يَصِلُوا إلى أن يكون اجتهادهم أَصْوَبَ من اجتهاد الطائفة الأخرى».
2. قال السهيلي: «في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية، ولا على من استنبط من النص معنى يخصِّصه، وفيه أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب».
3. قال النووي: «وفيه أنه لا يُعَنَّف المجتهد فيما فعله باجتهاده إذا بذل وسعه في الاجتهاد».
4. وفيه: إقرار النبي ﷺ للخلاف فيما يشرع فيه الاجتهاد، واحتمالية النص لهذا الخلاف.
5. وفيه: إشارة وتحذير أن يكون الخلاف سببا في تعطيل المسلمين عن قضاياهم ومهامهم الكبرى.

٥- بابٌ: يَثْبُتُ الإمامُ قائمًا مُنتظرًا للطَّائفةِ الأُخرى


٤٧٨. [ق] عَنْ صَالح بْن خَوَّات عمَّن صلَّى مَعَ النَّبيِّ ﷺ يومَ ذَاتِ الرِّقاعِ صَلاةَ الخوف -وفي رواية [خ:٤١٣١]: أنَّه سَهلُ بْن أبي حَثَمَةَ- أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ العَدُوِّ،/ فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَصَفُّوا وِجَاهَ العَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. [خ:٤١٢٩]
• [خت] قال مالكٌ: وذلك أحسنُ مَا سمعتُ في صلاة الخوف.

١ س١) قال ﷺ: "إذا جاء أحدكم الجمعة":

٥/٠