(١٥) كِتَابُ الاسْتِسْقَاءِ


١- باب الخُرُوج إلى المُصَلَّى في صَلاة الاسْتسقاء والسُّنَّة فيها/


٥٠٨. [ق] عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ عبد الله بْن زيدٍ الأنْصاريِّ ﵁ أخبره: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، جَعَلَ مَا عَلَى اليَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ. [خ:١٠٢٧]
٥٠٩. [ق] وفي رواية الزُّهري، عَنْ عبَّاد عَنْ عمِّه: خَرج النَّبيُّ ﷺ يستسقي، فتوجَّه إلى القِبلة يَدعو، وحَوَّلَ رِداءه، ثمَّ صلَّى ركعتين يجهر فيهما بالقِراءة. [خ:١٠٢٤]
• [ق] وفي رواية عنه: فقام فدَعا الله قائمًا، ثمَّ تَوجه قِبَلَ القِبْلَةِ، وَحوَّل رداءه، فَأُسْقُوا. [خ:١٠٢٣]
• قَالَ البخاريُّ: ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: هُوَ صَاحِبُ الأَذَانِ، وَلَكِنَّهُ وَهْمٌ؛ لِأَنَّ هَذَا هو عَبْدُ اللهِ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ المَازِنِيُّ، مَازِنُ الأَنْصَارِ. قال البخاري: هذا مازنيٌّ، والآخر كوفيٌّ هو ابْن زيد.
1. قال النووي: «فيه استحباب الخروج للاستسقاء إلى الصحراء لأنه أبلغ في الافتقار والتواضع».
2. قوله: (وحوَّل رداءه) استحباب تحويل الرداء في أثنائها للاستسقاء، والتحويل شرع تفاؤلا بتغير الحال من القحط إلى نزول الغيث والخصب، ومن ضيق الحال إلى سعته.

٥١٠. [ق] وعَنْ أبي إسحْاق -هو السَّبيعي- قال: خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ وَخَرَجَ [معه] البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَاسْتَسْقَى، فَقَامَ لَهُمْ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ، فَاسْتَسقَى، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ بِالقِرَاءَةِ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ ولم [يُقِمْ]. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَرَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ النَّبِيَّ ﷺ. [خ:١٠٢٢]

٢- باب رفْع النَّاس أيديَهم مع الإمام في الاسْتسقاء


٥١١. [ق] عَنْ أَنسِ بنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ البَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ المَاشِيَةُ، هَلَكَ العِيَالُ، هَلَكَ النَّاسُ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَيْهِ يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَ رَسولِ اللهِ ﷺ. قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَشِقَ المُسَافِرُ وَمُنِعَ الطَّرِيقُ. [خ:١٠٢٩]
(بَشِقَ): أي: مَلَّ، ذكرَه معلَّقًا غير مُسندٍ.
1. فيه: مشروعية الاستسقاء أثناء خطبة الجمعة.
2. وفيه: قيام الشخص الواحد بأمر الجماعة من قومه، فينوب عنهم عند الحكام وغيرهم في طلب جلب المصلحة ودرء المفسدة.
3. وفيه جواز طلب الدعاء ممَّن يظن فيهم الصلاح والتقى من الأحياء الحاضرين، وهذا التوسل الجائز، أما التوسل بجاه أحد من المخلوقين، حياً أو ميتاً، فهذا لا يجوز، لأنه من وسائل الشرك.
4. وفيه رفع اليدين في الدعاء، لأن فيه معنى الافتقار، وتحرِّي معنى الإعطاء فيهما، وقد أجمع العلماء على رفعهما في هذا الموقف.

٥١٢. [ق] وعنه قال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. [خ:١٠٣١]

٣- باب مَن اكْتفى بصلاة الجُمُعة في الاستسقاء/


٥١٣. [ق] عَنْ أنسٍ ﵁ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَحَطَ المَطَرُ، وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ البَهَائِمُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَسْقِينَا، فَقَالَ: «اللهُمَّ اسْقِنَا» مَرَّتَيْنِ، وَايْمُ اللهِ، مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ، فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ المِنْبَرِ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ، صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يَحْبِسْهَا عَنَّا، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ ﷺ، وَقَالَ: «اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا». وتَكَشَّطَت المَدِينَةُ، فَجَعَلَتْ تَمْطُرُ حَوْلَهَا وَمَا تَمْطُرُ بِالمَدِينَةِ قَطْرَةٌ، فَنَظَرْتُ إِلَى المَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الإِكْلِيلِ. [خ:١٠٢١]
1. قال النووي: «وفيه أدبه ﷺ في الدعاء، فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله، بل سأل رفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر به ساكن ولا ابن سبيل، وسأل بقاءه في مواضع الحاجة بحيث يبقى نفعه وخصبه، وهي بطون الأودية وغيرها من المذكور».
2. قال ابن حجر: «قوله تبسم النبي ﷺ: (في رواية: «فضحك»، وفي رواية ثابت: «فتبسم»، زاد في رواية حميد: «لسرعة مِلال ابن آدم»)».

٤- باب الدُّعاء في الصَّحو عند كثرة المطر


٥١٤. [ق] وعَنْ أنسٍ ﵁ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا». قَالَ أَنَسٌ: وَاللهِ، مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ. قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلَا وَاللهِ، مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ». قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. [خ:١٠١٤]
• [خت] قَالَ شَرِيكٌ: فسَأَلْتُ أَنَسًا: أَهُوَ الرَّجُلُ/ الأَوَّلُ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي.
الغريب: (قَحَطَ المَطرُ) يَقْحَط قُحُوطًا: إذا احتبس، وحكى الفرَّاء: قَحِطَ -بكسر الحاء- يقحط. و(قَزَعَة): قِطعةٌ مِن السَّحاب. و(نشأتْ): ابتدأتْ. و(تَكَشَّطَتْ): أي: أقلعتْ عَنِ المدينة. و(دَارُ القَضاءِ): سُمِّيتْ بذلك لأنَّها بِيعت في قضاء دَيْن عمر بن الخطَّاب، مات وعليه عشرون ألفًا دَينًا، فوصَّى أن يُوَفَّى دَينه مِن ماله، فبيعتْ تلك الدَّار مِن مُعَاوية، وماله بالغابة لغيره، وكان هذا الدَّين ممَّا كتبه على نفسه لبيت المال. و(الإِكْلِيل): شِبهُ عِصَابَةٍ تُزيَّن بالجَوْهَرِ، ويُسمَّى التَّاج إكليلًا؛ يعني: أنَّ الماء أحاط بالمدينة كإحاطة هذه العِصَابة بالرَّأس. و(الأمْوال): هنا المواشي الإبل وغيرها. و(السُّبُل): جمع سبيل، وهو الطَّريق، وهَلاك المواشي لعدم المرعى، وهَلاك الطُّرق لتعذُّر المسير فيها مِن جهة عَدَم ما يُؤكل فيها. و(سَلْع) بفتح السِّين وسكون اللَّام: جبل بقرب المدينة. و(سَبْتًا): أي: إلى السَّبت المقبل، كما يُقال: جُمُعة. و(حَوَالَيْنَا): أي: حولنا، وهو ظرف منصوبٌ بفعل مضمر؛ أي: أَنزل. و(الآكام): جمع أكَمَةٍ، وهي الرَّابية، وتُجمع آكام بفتح الهمزة وكسرها، وبالوجهين رَويته هنا. وتُجمع أيضًا أَكَمَات، وأَكم وأُكم. و(الظِّرَاب): الرَّوابي جمع ظَرِبٍ. و(الرَّابية): دون التَّلِّ.
1. قال النووي: «في الحديث استحباب طلب انقطاع المطر على المنازل والمرافق إذا كثر وتضرروا به، ولكن لا تشرع له صلاة ولا اجتماع في الصحراء».

٥- باب استْشفاع المشركين بالمسلمين عند القَحْط،والتوسُّل بالأنْبياء والصَّالحين، وانتقام الله بالقَحط إذا انتُهِكَتْ مَحَارِمُهُ


٥١٥. [ق] عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَؤوا عَنِ الإِسْلَامِ، فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا المَيْتَةَ وَالعِظَامَ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا، فَادْعُ اللهَ، فَقَرَأَ: ﴿فَٱرۡتَقِبۡ یَوۡمَ تَأۡتِی ٱلسَّمَاۤءُ بِدُخَانࣲ مُّبِینࣲ﴾ [الدخان:١٠] ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿یَوۡمَ نَبۡطِشُ﴾ [الدخان:١٦] يَوْمَ بَدْرٍ. [خ:١٠٢٠]
• [خت] وفي رواية: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَسُقُوا الغَيْثَ، فَأَطْبَقَتْ/ عَلَيْهِمْ سَبْعًا، وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ المَطَرِ. قَالَ: «اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا». فَانْحَدَرَتِ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ، فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ.
٥١٦. وعَنْ عبدِ الله بن دِينار قال: سَمِعْتُ ابنَ عُمر ﵄ يَتمثَّل بشِعر أبي طَالبٍ:
وأبيضُ يُسْتَسقَى الغَمَامُ بوَجْهِهِ ثِمَالُ اليتامى عِصْمَةٌ للأَرَامِلِ [خ:١٠٠٨]
• [خت] وقال: رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ ﷺ يَسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ. وأنشد قول أبي طالبٍ... البيتَ. [خ:١٠٠٩]
1. قال القنوجي: «هذا البيت من قصيدة جليلة بليغة من بحر الطويل، وعدة أبياتها مئة بيت وعشرة أبيات، قالها لما تمالأت قريش على النبي ﷺ».
2. وفيه: أنَّ الشِّعرَ في مَدْحِ الإسلامِ والرَّسولِ ممدوحٌ لا مذمومٌ

٥١٧. وعَنْ أنسٍ ﵁ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. [خ:١٠١٠]
1. قال ابن حجر: «وفي الحديث: فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه».
2. وفيه: أن التوسل بالدعاء يطلب من الأحياء لا الأموات.
3. وفيه: رد على من يتوسل بالأموات إلى الله عز وجل.

٦- باب مَا يُقال عند المطر، وَذِكْر الرِّياح والزَّلازل


٥١٨. عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ قَالَ: «صَيِّبًا نَافِعًا». [خ:١٠٣٢]
1. وفي الحديث: الدعاء بالازدياد من الخير والبركة والنفع فيه.
2. استحباب الضراعة إلى الله عز وجل عند نزول المطر أن يجعله مطرَ رحمةٍ، لا مطرَ عذاب ولا هدم ولا غرق.

٥١٩. [ق] عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبيُّ ﷺ أَقْبلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ». [خ:١٠٣٨]
٥٢٠. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قال: كَانَتِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إِذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. [خ:١٠٣٤]
1. قال ابن حجر: «في الحديث: الاستعداد بالمراقبة لله، والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يُخاف بسببه».

٥٢١. [ق] وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ». [خ:١٠٣٥]
1. قال القنوجي: «وبالجملة لما كانت الصَّبَا ناصرة للنبي ﷺ أخذت الشعراء ذكرها في تغزلهم ونشيدهم، وتعلقوا بها تعلقاً تاماً عاماً لا يخلو عنه غالب كلامهم».

٥٢٢. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسولُ الله ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ -وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ». [خ:١٠٣٦]
1. وفي الحديث: علامة من علامات نبوته ﷺ.
2. وفيه: حث على طلب العلم؛ ففي إخبار الرسول ﷺ بقبض العلم إشارة إلى أن نحذر ونتدارك هذا الأمر، ونطلب العلم؛ حتى لا نصير لهذه الحال.
3. قوله: (ويتقارب الزمان) قال النووي: «المراد عدم البركة فيه وأن اليوم مثلا يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة».

٥٢٣. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: «اللهُمَّ/ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا». قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: قَالَ: «اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا». قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: «هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». [خ:١٠٣٧]

٧- باب لا يَدري مَتى يجيءُ المطرُ إلَّا الله


٥٢٤. عَنِ ابن عمر ﵄ قال: قال النَّبيُّ ﷺ: «مَفَاتيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ: لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي الأَرْحَامِ، وَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ». [خ:١٠٣٩]
الغريب: (صَيِّبًا): نازلًا، يُقال: صَابَ يَصُوبُ صَوْبًا، فهو صَائب وصَيِّب. قُلبتْ واوه ياءً وأُدغمت في الياء، وهو منصوب بفعل مُضْمَرٍ؛ أي: اجعلْه صَيِّبًا. و(إِثْرَ سَمَاء): بعدَ مطر. و(الحُدَيْبِيَة): ماءٌ قريب مِن مكَّة، ومَن اعتقد أنَّ المطر يكون بخلق الكَوكب فهو كافر حقيقة. و(النَّوْءُ): النُّهوض بِثقَلٍ. و(الصَّبَا): الرِّيح الشَّرقيَّة. و(الدَّبُور): الرِّيح الَّتي تَأتي مِن دُبر قِبلة أهلِ المدينة. و(النَّجْد): المُرتفع مِن الأَرض، وقَرنُ الشَّيطان: الأُمم الكفَّار الَّتي كانوا هناك، ويحتمل أنْ يكون ذلك عبارة عَنْ مُهيج القَتل والشُّرور الَّتي ظهرت، وتظهر مِن المشرق. و(تَقَارُب الزَّمانِ) هُنا: فساد أهله واستواؤهم في الفَساد، وقيل: قِصَرُ الأعمار.
1. إنما سُمّيت مفاتيح الغيب لأنها مفاتيح لما بعدها، فقيام الساعة مفتاح لليوم الآخر، ونزول الغيث مفتاح لحياة الأرض، وعلم ما في الأرحام مفتاح لحياة المخلوقات، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا مفتاح للأرزاق، وما تدري نفس بأي أرض تموت مفتاح للقيامة الصغرى لكل إنسان بحسبه.
2. وفي الحديث: إبطال تخرصات المنجمين والكهنة في تعاطيهم علم الغيب، وأن من ادعى علم شيء مما انفرد الله سبحانه بعلمه، فقد كذب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والقرآن العظيم.

(١٦) كِتَابُ الكُسُوفِ


١- باب ما يُؤمر به عِند الكُسُوف


٥٢٥. [ق] عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ﵁: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: كَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا اللهَ». [خ:١٠٤٣]
• [ق] وفي رواية: «الشَّمس والقمر آيتان مِن آيات الله، لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله، وصلُّوا حتَّى ينجلي». [خ:١٠٦٠]
1. قال ابن حجر: «وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض، وهو نحو قوله في الاستسقاء‏»‏ يقولون مطرنا بنوء كذا‏»‏ قال الخطابي‏:‏ «كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي ﷺ أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما»‏.

٥٢٦. [ق] عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ قَالَ:/ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَزِعًا، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى المَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: «هَذِهِ الآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِها عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ». [خ:١٠٥٩]
1. قال القسطلاني: «ويستحب لكل أحد أن يتضرع بالدعاء عند الزلازل ونحوها؛ كالصواعق، والريح الشديدة، والخسف، وأن يصلي منفرداً؛ لئلا يكون غافلاً».

٥٢٧. وعَنْ أسماءَ بنتِ أَبِي بكرٍ ﵄ قَالَتْ: لَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ. [خ:١٠٥٤]
• [ق] ومِن حَديثِ عائِشةَ: «فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا». [خ:١٠٤٤]
1. قوله (فإذا رأيتموها فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا) قال النووي: «فيه الحث على هذه الطاعات وهو أمر استحباب».

٢- باب مَا يُنَادَى به لصَلاة كُسُوف الشَّمس، وكيفيتها


٥٢٨. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ قَالَ: لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ نُودِيَ: إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ، فَرَكَعَ النَّبِيُّ ﷺ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ. قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا. [خ:١٠٥١]
٥٢٩. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالنَّاسِ، فَقَامَ فَأَطَالَ القِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ القِيَامَ وَهُوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّت الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَنخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا». ثُمَّ قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». [خ:١٠٤٤]
1. قال ابن حجر: «قوله ‏(‏يا أمة محمد) فيه معنى الإشفاق كما يخاطب الوالد ولده إذا أشفق عليه بقوله: (يا بني) كذا قيل، وفيهِ ‏أن الواعظ ينبغي له حال وعظه ألا يأتي بكلام فيه تفخيم لنفسه، بل يبالغ في التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع من يسمعه»‏.
2. قوله: (يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا) قال النووي: «معناه لو تعلمون من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم وشدة عقابه وأهوال القيامة وما بعدها كما علمت، وترون النار كما رأيت في مقامي هذا لبكيتم كثيرا، ولقل ضحككم لفكركم فيما علمتموه».
3. قال ابن حجر: «وفي الحديث ترجيح التخويف في الخطبة على التوسع في الترخيص لما في ذكر الرخص من ملاءمة النفوس لما جبلت عليه من الشهوة، والطبيب الحاذق يقابل العلة بما يضادها لا بما يزيدها»‏.‏
4. قال ابن حجر: «وفي الكسوف إشارة إلى تقبيح رأي من يعبد الشمس أو القمر، وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى ‏﴿لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ﴾ [فصلت 37] على صلاة الكسوف لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتهما لما يظهر فيهما من التغيير والنقص المنزه عنه المعبود جل وعلا».

٥٣٠. [ق] وفي رواية: قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَخَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَكَبَّرَ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». فَقَامَ وَلَمْ يَسْجُدْ، وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً/ هِيَ أَدْنَى مِنَ القِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ». ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. [خ:١٠٤٦]
٥٣١. [ق] وفي رواية عنها قالتْ: جَهَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي صَلَاةِ الكُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ فَرَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ». ثُمَّ يُعَاوِدُ القِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ الكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: قُلْتُ لِعُروة: مَا صَنَعَ أَخُوكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَا صَلَّى إِلَّا رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ، إِذْ صَلَّى بِالمَدِينَةِ. قَالَ: أَجَلْ إِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. [خ:١٠٦٥-١٠٦٦]

٣- باب مَن قال يُسِرُّ فيها بالقراءة، ولا يطوِّل السُّجود


٥٣٢. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ البَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللهَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ، فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الجَنَّةَ، وَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ». فَقَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ». قالَ: أيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ»./ [خ:١٠٥٢]
1. قال ابن حجر: «في الحديث: ما كان النبي ﷺ عليه من الشفقة على أمته وشدة الخوف من ربه».
2. قال النووي: «فيه الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببها، وكان خوفه ﷺ أن يعاقبوا بعصيان العصاة، وسروره لزوال سبب الخوف».
3. قوله (حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفاً من الجنة)، قال ابن بطال: «لم يأخذ العنقود؛ لأنه من طعام الجنة، وهو لا يفنى، والدنيا فانية لا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى، وقيل: لأن الجنة جزاء الأعمال، والجزاء بها لا يقع إلا في الآخرة».
4. معنى الكفر بالحديث: قيل: أيكفرن بالله قال: بكفر العشير وبكفر الإحسان، قال النووي: «فيه جواز إطلاق الكفر على كفران الحقوق وإن لم يكن ذلك الشخص كافرا بالله تعالى، وفيه ذم كفران الحقوق لأصحابها»

٤- باب صَلاة النِّساء معَ الرِّجال في الكُسُوف


٥٣٣. [ق] عنْ أسْماءَ بِنتِ أبي بَكْرٍ ﵄ أنَّها قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إلى السَّمَاءِ، وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ. قالَتْ: فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي المَاءَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. -في رواية: خطبَ، فحمدَ الله بما هو أهله- ثمَّ قال: «أمَّا بعدُ: مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ مِثْلَ -أَوْ قَرِيبًا- مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ -لَا أَدْرِي أَيَّتَهُما قَالَتْ أَسْمَاءُ- يُؤْتَى أَحَدُكُمْ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ -لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، جَاءَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا، وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ -لَا أَدْرِي أَيَّهما قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ». [خ:١٠٥٣]
1. قولها: (فأشارت بيدها إلى السماء) قال النووي: «فيه امتناع الكلام بالصلاة وجواز الإشارة، ولا كراهة فيها إذا كانت لحاجة».
2. قولها: (تجلاني الغشي) قال النووي: «هو معروف يحصل بطول القيام في الحر وفي غير ذلك من الأحوال، ولهذا جعلت تصب عليها الماء، وفيه أن الغشي لا ينقض الوضوء ما دام العقل ثابتا».
3. ولها: (فجعلت أصب فوق رأسي الماء) قال النووي: «هذا محمول على أنه لم تكثر أفعالها متوالية لأن الأفعال إذا كثرت متوالية أبطلت الصلاة».
4. قوله: (ما علمك بهذا الرجل) قال النووي: «إنما يقول له الملكان السائلان ما علمك بهذا الرجل ولا يقول رسول الله امتحانا له وإغرابا عليه لئلا يتلقن منهما إكرام النبي ﷺ ورفع مرتبته فيعظمه هو تقليدا لهما لا اعتقادا، ولهذا يقول المؤمن: هو رسول الله، ويقول المنافق: لا أدري فـيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة».

٥- بابُ مَن قالَ: يُصلَّىَ في كُسُوفِ الشَّمسِ رَكعتانِ كسائرِ النَّوافِلِ


٥٣٤. عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ﵁ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبيِّ ﷺ فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، ودَخَلْنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوها فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ». [خ:١٠٤٠]
• في رواية: وَذلكَ أنَّ ابْنًا للنَّبيِّ ﷺ -يُقال له: إبراهيم- مات، فقال النَّاس في ذلك. [خ:١٠٦٣]
الغريب: (الكُسُوف): التَّغَيُّر. و(الخُسُوف): النُّقصان. قاله الأَصْمَعِيُّ. فكُسُوف الشَّمس والقمر وخُسُوفهما: تغيُّرهما ونُقْصان ضوئهما. وقال بعض اللُّغَوِيِّين: لا يُقال في الشَّمس إلَّا كَسَفَتْ، ولا في القمر إلَّا خَسَفَ، وذُكر/ هَذا عَنْ عُروة. وقال اللَّيث بن سَعد: الخُسوف في الكلِّ، والكُسوف في البعض -يعني: في الشَّمس والقَمر- والمعروف الأوَّل. وقوله في حديث ابْن عمرو: (فَصَلَّى رَكعَتَينِ فِي سَجْدَةٍ): يَعني ركوعَين في رَكعة، وأهل الحِجاز يُسمُّون الرَّكعة سجدةً. و(غَيْرَةُ الله): عبارة عَنْ صيانته المحارمَ بالرَّدع والزَّجر عنها، والوعيد الشَّديد على مَن اسْتباح شيئًا منها. و(تَكَعْكَعْت): تأخَّرتُ، يُقال: كعَّ وتَكَعْكَع بمعنى واحد. ورؤيته لِلْجَنَّةِ والنَّار على حقيقتهما، فإنَّه قوَّى إدراكه حتَّى رآهما حيث هما، كما فُعل به حين أبصر بيت المقدِسِ وهو بمكَّة. و(أفظع): أكره وأصْعب. و(يَكْفُرْن الإحْسان): يجحدن حقوق الأزْواج وإنعامهم. و(العَشير): المعاشِرُ، وهو الزَّوج هنا. و(الغَشْي) بسكون الشين وبكسرها، هو خفيف الإغماء. و(تُفْتَنُون): تمتحنون بالسُّؤال المذكور. و(المُوقِنُ): الرَّاسخ الإيمان، و(المُرْتَاب): الشاكُّ. وقوله: (سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ) صريحٌ في ذمِّ التقليدِ المَحْض وتحريمه.
1. قال القاضي عياض: «معناه أنه لشدة سرعته واهتمامه بذلك أراد أن يأخذ رداءه فأخذ درع بعض أهل البيت سهوا، ولم يعلم ذلك لاشتغال قلبه بأمر الكسوف، فلما علم أهل البيت أنه ترك رداءه لحقه به إنسان».

١ عن أنس: أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بـ (…):

٥/٠