(١٩) باب دُعَاء التَّهجُّد - 00:19


٥٧٧. [ق] عَنِ ابن عبَّاس ﵄ قال: كَانَ رَسولُ اللهِ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: «اللهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ -أَوْ-: لَا إِلَهَ غَيْرُكَ». وفي رواية: «وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ». [خ:١١٢٠]
الغريب: (يَتَهَجَّد): يصلِّي ليلًا. و(الهجود): النَّوم والسَّهَر، يُقال: هَجَدَ وتهجَّد: إذا نام ليلًا وسَهر، فهو مشترك. و(قَيِّم)، و(قَيُّوم)، و(قَيَّام) كلُّها مبالغة قَائِم، ويعني به أنَّه تعالى هو الَّذي يقيم السَّموات والأرض ومَن فيهما، وبه يتقوَّم كلُّ ذلك؛ إذ لا قَوام لشيء مِن ذلك كلِّه إلَّا به. و(نُور السَّموات والأرْض): خالق ما فيهما مِن الأنْوار والهدايات، وغير/ ذلك ممَّا يُقال عليه: نور. و(أسْلمتُ): انْقَدْتُ. و(آمنتُ): صَدَّقْتُ. و(توكَّلتُ): فَوَّضْتُ. وقوله: (فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ...) إلى آخره، تعليم لنا كيف نستغفر، وأمَّا هو: فهو مغفورٌ له، والأنْبياء معصومون ممَّا يناقض مدلول المعجزة بالعقل والإجماع، ومِن الكبائر بالإجماع، واختُلِفَ في الصَّغائر الَّتي لا تُزري بالمناصب هل يصحُّ وقوعها منهم أم لا؟ على قولين قد بيَّنا متمسِّكات كلٍّ منهما في كتابنا «المُفْهِم»^([١/٤٣٥]). و(الحَوْل): الحركة. و(القُوَّةَ): القُدرة؛ أي: ليس لنا بشيء مِن ذلك إلَّا إذا خَلَق الله لنا ذلك.
1. قال الطيبي: «(ووعدك الحق): أي الثابت، وعرَّفه ونكَّر ما بعده؛ لأن وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره، والتنكير في البواقي للتعظيم».
2. (والنبيون حق ومحمد ﷺ حق) قال ابن حجر: «خصّه بالذكر تعظيماً له، وعطفه على النبيين إيذاناً بالتغاير بأنه فائق عليهم بأوصاف مُختصة».
3. قال ابن حجر: «في الحديث: استحباب تقديم الثناء على المسألة عند كل مطلوب اقتداء به ﷺ».

٥٧٨. وعَنْ عُبَادة بن الصَّامِتِ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّــأَ قُبِلَتْ صَلَاتُهُ». [خ:١١٥٤]
قوله: (تَعارَّ)؛ أي: هَبَّ مِن نومه ورفَعَ صوته.
1. قال ابن الملقن: «حديث عُبادة، شريف عظيم القدر، فينبغي لكل من بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويخلص نيته لربه العظيم أن يرزقه حظاً من قيام الليل، فلا عون إلا به، ويسأله فكاك رقبته من النار، وأن يوفقه لعمل الأبرار، وأن يتوفاه على الإسلام، فمن رزقه الله حظاً من قيام الليل فليكثر شكره على ذلك، ويسأله أن يديم له ما رزقه، وأن يختم له بفوز العاقبة وجميل الخاتمة».
2. قال أبو عبد الله الفربري: «أجريت هذا الدعاء على لساني عند انتباهي من النوم ثم نمت فجاءني جاءٍ فقرأ هذه الآية: ﴿وَهُدُوٓاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَهُدُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡحَمِيدِ﴾».

١- باب ما يفعلهُ الشَّيطان في النَّائم باللَّيل إذا لم يُصَلِّ


٥٧٩. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أنَّ رسول الله ﷺ قال: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ». [خ:١١٤٢]
٥٨٠. [ق] وعَنْ أبي وائلٍ، عَنْ عبد الله ﵁ قال: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ، فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ». [خ:١١٤٤]
الغريب: (قافية الرَّأس): مؤخِّره، وهذا العَقْدُ هو بكلام الشَّيطان كَعَقْد السَّواحر، وحاصلُه أنَّه يغرُّه ويخدعهُ بطول اللَّيل حتَّى ينام، فيُحرم قيام اللَّيل. و(بَول الشيطان):/ لا إخَالُه في بقائه على ظَاهره، ويحتمل أن يُراد به أنَّه يصرفه عَنِ الصَّارخ والمُنَبِّهِ بما يقرُّه في أُذُنِهِ حتَّى لا ينتبه، فكأنَّه ألقى في أُذُنه بوله، فأثقلَ سمعه بذلك، ويحتمل أن يكون عبارة عَنْ اسْتِرْذَالِهِ له، وَجَعْله أُذُنَه كالمحلِّ الذي يُبال فيه. والله أعلم.
1. قال النووي: «في الحديث الحث على ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ، والتحريض على الوضوء حينئذ وعلى الصلاة وإن قلت».
2. قوله: (فأصبح نشيطا طيب النفس) قال النووي: «لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة، ووعده به من ثوابه مع ما يبارك له في نفسه، وتصرفه في كل أموره، مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه».
3. قوله: (وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) قال النووي: «وليس في هذا الحديث مخالفة لقوله ﷺ: (لا يقل أحدكم خبثت نفسي) فإن ذلك نهي للإنسان أن يقول هذا اللفظ عن نفسه، وهذا إخبار عن صفة غيره».
4. في قوله: (بال الشيطان في أذنه) قال د.خالد السبت: « من أهل العلم من حمله على ظاهره وهذا -أولى وأقرب- ولا داعي إلى تأويله وحمله على محامل أخرى؛ لأن هذه أمور غيبية لا ندرك حقائقها، وكنهها، وكيفيتها، لكن النبي ﷺ أخبر أن الشيطان له ملابسات مع الإنسان».

٢- باب ما يُكره مِن التَّشديد في العبادة


٥٨١. [ق] عَنْ أنسِ بنِ مالكٍ ﵁ قال: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الحَبْلُ؟» قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، فَقال النَّبيُّ ﷺ: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ». [خ:١١٥٠]
٥٨٢. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قالت: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ. قَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» قُلْتُ: فُلَانَةُ، لَا تَنَامُ بِاللَّيْلِ، فَذُكِرَ مِنْ صَلَاتِهَا. قَالَ: «مَهْ! عَلَيْكُمْ بمَا تُطِيقُونَ مِنَ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا». [خ:١١٥١]
1. قوله: (حُلُّوه ليصلِّ أحدكم نشاطه)، قال ابن حجر: «فيه إزالة المنكر باليد واللسان» وقال النووي: «فيه: إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه».
2. قوله: (عليكم من الأعمال ما تطيقون) قال النووي: «أي تطيقون الدوام عليه بلا ضرر، وفيه: دليل على الحث على الاقتصاد في العبادة واجتناب التعمق، وليس الحديث مختصا بالصلاة، بل هو عام في جميع أعمال البر».
3. قال النووي: «وفي هذا الحديث كمال شفقته ﷺ ورأفته بأمته؛ لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر فتكون النفس أنشط والقلب منشرحا فتتم العبادة، بخلاف من تعاطى من الأعمال ما يشق فإنه بصدد أن يتركه أو بعضه أو يفعله بكلفة وبغير انشراح القلب، فيفوته خير عظيم، وقد ذم الله سبحانه وتعالى من اعتاد عبادة ثم أفرط فقال تعالى: ﴿وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ رِضۡوَٰنِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوۡهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاۖ﴾ وقد ندم عبد الله بن عمرو بن العاص على تركه قبول رخصة رسول الله ﷺ في تخفيف العبادة ومجانبة التشديد» .
4. قوله: (وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل) قال النووي: «وإنما كان القليل الدائم خيرا من الكثير المنقطع؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة، قال النووي: في الحديث الحث على الاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور».
5. قال النووي: «في الحديث الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط».
6. قال ابن حجر: «في الحديث: جواز تنفل النساء في المسجد».

٥٨٣. [ق] ومِن حديث عبد الله بن عَمْرٍو ﵄: قَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟» قُلْتُ: إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ: «فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، إِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ حَقٌّ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ». [خ:١١٥٣]
الغريب: (مَهْ): معناه: كُفَّ. و(لا يَمَلُّ): لا يَقطع ثوابه حتَّى ينقطع العامل عَنِ العمل. و(هَجَمَتْ عينك): أي: بالنُّوم؛ أي: يَغْلِبُهَا، ويحتمل بالضَّعف والمرض لكثرة السَّهَر. و(نَفِهَتْ نفسك): أي: عَيِيَتْ وتَعِبَتْ.
1. قوله: (وإن لنفسك حقاً، ولأهلك حقاً، فصم وأفطر)، قال ابن حجر: «فيه أن الأولى في العبادة تقديم الواجبات على المندوبات».
2. قال ابن حجر: «في الحديث: أن من تكلف الزيادة على ما طُبِعَ عليه يقع له الخلل في الغالب»، وقال: «وفي الحديث الحض على ملازمة العبادة؛ لأنه ﷺ مع كراهته له التشديد على نفسه حضَّهُ على الاقتصاد، كأنَّه قال له: ولا يمنعك اشتغالك بحقوق من ذُكِر أن تضيع حق العبادة وتترك المندوب جُملة، ولكن اجمع بينهما».
3. قال ابن حجر: «في الحديث جواز الإخبار عن الأعمال الصالحة والأوراد ومحاسن الأعمال، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الرياء».

٣- باب ما جاءَ في ركْعتي الفَجْر


٥٨٤. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: لَمْ يَكُن رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ. [خ:١١٦٩]
٥٨٥. [ق] وعنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ. [خ:١١٦٠]
٥٨٦. وعنها قالت: كَانَ رَسولُ اللهِ ﷺ إِذَا صَلَّى -تعني ركعتي الفجر- فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤْذَنَ بِالصَّلَاةِ. [خ:١١٦٧]
1. في الحديث: حسن معاشرة الرسول ﷺ لأهله.
2. وفيه: أنه لا بأس بالكلام المباح بعد ركعتي سنة الفجر.

٥٨٧. [ق] وعنها/ قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ القُرْآنِ. [خ:١١٧١]
1. قال النووي: «هذا الحديث دليل على المبالغة في التخفيف، والمراد المبالغة بالنسبة إلى عادته ﷺ من إطالة صلاة الليل وغيرها من نوافله، وليس فيه دلالة لمن قال لا تقرأ فيهما أصلا».

٥٨٨. [ق] وعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. [خ:١١٧٠]

٤- باب ما جاءَ في الضُّحَى


٥٨٩. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ. [خ:١١٧٨]
1. (أوصاني خليلي)، قال ابن حجر: «يؤخذ منه الافتخار بصحبة الأكابر إذا كان ذلك على معنى التحدث بالنعمة والشكر لله، لا على وجه المباهاة والله أعلم».
2. (وركعتي الضحى)، قال ابن دقيق العيد: «وفي هذا دلالة على استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وعدم مواظبة النبي ﷺ على فعلها لا ينافي استحبابها؛ لأنه حاصل بدلالة القول، وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلة القول والفعل، لكن ما واظب النبي ﷺ على فعله مُرجَّح على ما لم يُواظب عليه».
3. اختلاف وصايا النبي - ﷺ - لأصحابه، مبني على علمه - ﷺ - بأحوال أصحابه، وما يناسب كل واحد منهم، فالقوي يناسبه الجهاد، والعابد تناسبه العبادة، والعالم يناسبه العلم، وهكذا.

٥٩٠. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا. [خ:١١٧٧]
1. كانت عائشة ﵂ تصليها وتحافظ عليها، ولعلها سمعت من النبي ﷺ الحث عليها، وأنه إنما ترك المداومة عليها خشية أن تظن أنها واجبة.
2. وفي الحديث: كمال شفقته ورحمته ﷺ بأمته.
3. وفيه: أنه إذا تعارضت المصالح، فإنه يقدم أهمها.

٥٩١. عَنْ مُوَرِّقٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: تُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: لَا إِخَالُهُ. [خ:١١٧٥]
٥٩٢. وعَنْ أنسٍ ﵁ قَال: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ -وَكَانَ ضَخْمًا- لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ، فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ ﷺ طَعَامًا، فَدَعَاهُ إِلَى بَيْتِهِ، وَنَضَحَ لَهُ طَرَفَ حَصِيرٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أنسٌ: مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى الضُّحَى غَيْرَ ذَلِكَ اليَوْمِ. [خ:١١٧٩]
قلتُ: إنَّما لم يداوموا على صَلاة الضَّحى ليُفرِّقوا بينَها وبين المتأكِّد مِن الصَّلوات كالفَرائض والسُّنن. والله أعلم.
1. قال العيني: «فيه جواز اتخاذ الطعام لأولي الفضل ليستفيد من علمهم».
2. وفي الحديث: تواضع النبي ﷺ، وحسن عشرته لأصحابه.

٥- باب مَن قال: إنَّ للمكتوبات رَوَاتب، والصَّلاة قبل صلاة المغرب


٥٩٣. [ق] عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الجُمُعَةِ، فَأَمَّا المَغْرِبُ وَالعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ. قَال: وَحَدَّثَتْنِي أُخْتِي حَفْصَةُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَمَا يَطْلُعُ الفَجْرُ، وَكَانَتْ سَاعَةً لَا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا. [خ:١١٧٢- ١١٧٣]
• [ق] وفي رواية: لا يُدْخَل. [خ:١١٨٠]
٥٩٤. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ. [خ:١١٨٢]
٥٩٥. وعَنْ عبد اللهِ المُزَنِيِّ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ/ قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ». قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ» كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. [خ:١١٨٣]
٥٩٦. وعَنْ مَرثْد بن عَبْدِ اللهِ اليَزَنِيِّ. قَالَ: أَتَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنِيَّ ﵁ فَقُلْتُ: أَلَا أُعْجِبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ، يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ! فَقَالَ عُقْبَةُ: إِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ الآنَ؟ قَالَ: الشُّغْلُ. [خ:١١٨٤]

٦- باب الأمر بالتطوُّع في البيت، وصلاته في جماعةٍ


٥٩٧. [ق] عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا». [خ:١١٨٧]
1. قال النووي: «وإنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان، وهو معنى قوله ﷺ: (فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا)»

٥٩٨. [ق] وعَنْ محمود بن الرَّبِيع الأنْصاري ﵁ أَنَّه عَقَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا في وَجْهِهِ مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ. فَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ سَمِعَ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصارِيَّ -وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ- يَقُولُ: إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بنيْ سَالِمٍ وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَادٍ إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ، فَشَقَّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ الوَادِيَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي مِنْ بَيْتِي مَكَانًا؛ أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سَأَفْعَلُ». فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَمَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟» فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى المَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ، فَحَبَسْتُهُ عَلَى خَزِيرٍ يُصْنَعُ لَهُ، فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي بَيْتِي، فَثَابَ رِجَالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ فِي البَيْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ؟ لَا أَرَاهُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: ذَلكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ./ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَقُلْ ذَاكَ؛ أَلَا تَرَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ؟!» فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَمَّا نَحْنُ، فَوَ اللهِ لَا نَرَى وُدَّهُ وَلَا حَدِيثَهُ إِلَّا إِلَى المُنَافِقِينَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ». [خ:١١٨٥-١١٨٦]
الغريب: (المَجُّ) -بالجيم-: طرح الماء واللُّعاب مِن الفم. و(اشتداد النَّهار): ارتفاعه. و(الخَزِير) بالخاء والزاي المعجمتين، حَسَاءٌ يُصنع مِن نِخالٍ، ولا يكون إلَّا بِدَسَمٍ. ويُقال: خزيرة -بالتَّاء- وقد رُوي كذلك. وأمَّا الحَزِيرة -بالحَاءِ المهملة-: فحَسَاءٌ مِن دقيق. والنَّار المُحَرَّمَةُ على أهل التَّوحيد: هي نار الكفَّار الَّتي لا يموتون فيها ولا يَحْيَوْن؛ لأنَّه قد صحَّ وعُلِمَ على القطع أنَّ طائفة مِن أهل الكبائر مِن المُوَحِّدِينَ يدخلون النَّار فيموتون فيها، ثمَّ يَحيون فيخرجون منها، ويدخلون الجنَّة بالشَّفاعة.
1. إحضارُ الصِّبيان مجالسَ العلم، والسِّنُّ المعتَبَرة للتحمُّل، لأن محمود بن الربيع كان عمره خمس سنوات حينها.
2. وفيه مُؤانسَة النبي ﷺ الأطفال وملاطفتهم.
3. وفيه جوازُ استصحابِ الزَّائر بعضَ أصحابه إذا عَلِمَ أنَّ المستدعيَ لا يكره.
4. قال النووي: «في الحديث بيان ما كان النبي - ﷺ - عليه من الشفقة على أمته ومراعاة مصالحهم، وأنه ينبغي لولاة الأمور وكبار الناس والمتبوعين - في علم وغيره - الاقتداء به - ﷺ - في ذلك».
5. وفي الحديث جوازُ اتخاذ موضعٍ مُعَيَّنٍ للصلاة في البيت، ويُحمَل النهيُ الواردُ على الصَّلاةِ المكتوبةِ في المسجد.
6. قال ابن عثيمين: «ومنها: أنه يجب على الإنسان أن يحبس لسانه عن الكلام في الناس، بنفاق، أو كفر، أو فسق، إلا ما دعت الحاجة إليه، فإنه لا بد أن يبيِّنه؛ لأن النبي ﷺ لما قال رجل عن مالك: إنه منافق، قال: (لا تقل هكذا؛ أمَا علمتَ أنه قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله؟)».
7. وفيه أنَّ أحكامَ المسلمين تَجري على الظاهِر، والعُذْر بالتأويل السَّائِغ لِمَن رمَى المسلِمَ بالنِّفاق.

(٢٠) باب فَضْل مسجد مكَّة والمدينة , وبيت المقدس، وفضْل مَا بين القبر والمِنبر - 9:52


٥٩٩. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». [خ:١١٨٩]
1. قوله: (لا تشدوا إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى) قال النووي: «فيه بيان عظيم فضيلة هذه المساجد الثلاثة ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولفضل الصلاة فيها».

٦٠٠. [ق] وعنه أَنَّ رَسُول اللهِ ﷺ قَالَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ». [خ:١١٩٠]
٦٠١. [ق] وعنه: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي». [خ:١١٩٦]
1. قال ابن عبد البر: « قال قوم: معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل روضة في الجنة، وقال آخرون: هذا على المجاز؛ كأنهم يعنون أنه لما كان جلوسه وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والإيمان والدين هناك، شبه ذلك الموضع بالروضة، لكرم ما يجتني فيها، وأضافها إلى الجنة لأنها تقود إلى الجنة، كما قال ﷺ: (الجنة تحت ظلال السيوف): يعني أنه عمل يوصل به إلى الجنة، وكما يقال: الأم باب من أبواب الجنة؛ يريدون أن برها يوصل المسلم إلى الجنة مع أداء فرائضه، وهذا جائز سائغ مستعمل في لسان العرب، والله أعلم بما أراد من ذلك».

١- باب فَضْل مَسجد قُبَاءٍ، وإتْيانه


٦٠٢. [ق] عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابنَ عُمَرَ ﵄ كَانَ لَا يُصَلِّي مِنَ الضُّحَى إِلَّا فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمَ يَقْدَمُ مَكَّةَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْدَمُهَا فَيَجِيء فَيَطُوفُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ المَقَامِ، وَيَوْمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ، فَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ. وَكَانَ/ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَزُورُهُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا. قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا أَصْنَعُ كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يَصْنَعُونَ، وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، غَيْرَ أَنْ لَا تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا. [خ:١١٩١]
٦٠٣. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄: أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ، مَاشِيًا وَرَاكِبًا، فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ. [خ:١١٩٤]

٢- باب ما يجوز مِن العمل في الصَّلاة


٦٠٤. [ق] عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ -وَهِيَ خَالَتُهُ- قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ عَلَى عَرْضِ الوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ -أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ- ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَجَلَسَ يَمَسَحَ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدَيهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ خَوَاتِمَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ قُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأْسِي -وفي رواية: فَأَخَذَ بذؤابَتِي فَجَعَلَنِيْ عَنْ يَمينِه -وَأخَذَ بِأُذُنِي اليُمْنَى يَفْتِلُهَا بِيَدِهِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. [خ:١١٩٨]
1. قوله: (وأخذ بأذني اليمنى يفتلها) قال النووي: «قيل إنما فتلها تنبيها له من النعاس، وقيل: ليتنبه لهيئة الصلاة وموقف المأموم وغير ذلك، والأول أظهر لقوله في الرواية الأخرى: فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني».

٦٠٥. [ق] وعَنْ أنسِ بنِ مالكٍ ﵁ أَنَّ المُسْلِمِينَ بَيْنَما هُمْ فِي الفَجْرِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِهِمْ، فَفَجِئَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهَمَّ المُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَرَحًا بِالنَّبِيِّ ﷺ حِينَ رَأَوْهُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا، ثُمَّ دَخَلَ الحُجْرَةَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ ذَلِكَ اليَوْمَ. [خ:١٢٠٥]
(الشَّنُّ): القِربَةُ البَالِيَةُ. و(النُّكُوص): الرُّجوع إلى خلف. و(يَفْتَتِنُوا): يشتغلون عنها ذهولًا./
2. قوله: (ثم تبسم رسول الله - ﷺ - ضاحكا) قال النووي: «سبب تبسمه - ﷺ - فرحه بما رأى من اجتماعهم على الصلاة، واتباعهم لإمامهم، وإقامتهم شريعته، واتفاق كلمتهم واجتماع قلوبهم، ولهذا استنار وجهه - ﷺ - على عادته إذا رأى أو سمع ما يسره يستنير وجهه، وفيه معنى آخر وهو تأنيسهم وإعلامهم بتماثل حاله في مرضه».

٣- باب ما يجوز مِن مسِّ الحَصى، وبَسْط الثَّوب والبُصَاق في الصَّلاة


٦٠٦. [ق] عَنْ مُعَيْقِيب ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ. قَالَ: «إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً». [خ:١٢٠٧]
٦٠٧. [ق] وعَنْ أنسِ بنِ مالكٍ ﵁ قالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي شِدَّةِ الحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ. [خ:١٢٠٨]
٦٠٨. [ق] وعَنْ أنسٍ ﵁ أيضًا قالَ: «إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى». [خ:١٢١٤]

٤- باب النَّهي عَنِ التَّصفيق والاخْتصار في الصَّلاة


٦٠٩. [ق] عَنْ سَهلِ بنِ سعْدٍ ﵁ قال: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ، فَخَرَجَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ بِلَالٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَدْ حُبِسَ، وَقَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَأَقَامَ بِلَالٌ الصَّلَاةَ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَبَّرَ لِلنَّاسِ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا، حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيحِ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَفَتَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيه فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ رَجَعَ القَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَصَلَّى لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ فِي الصَّلَاةِ أَخَذْتُمْ بِالتَّصْفِيحِ؟ إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللهِ». ثُمَّ التَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لِابْنِ/ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ ﷺ. [خ:١٢١٨]
1. في الحديث: ذهاب الإمام للإصلاح بين رعاياه، وتقديم ذلك على مصلحة الإمامة بنفسه؛ لأن في ذلك دفع المفسدة، وهو أولى من الإمامة بنفسه.
2. وفيه: تقديم الأصلح والأفضل للإمامة.
3. وفيه: تفضيل الصديق ﵁؛ حيث قدم للإمامة، وإشارته ﷺ بالثبات على حاله.
4. وفيه: أن إقامة الصلاة، واستدعاء الإمام من وظيفة المؤذن، وأن المؤذن هو الذي يقيم.
5. وفيه: مشروعية إمامة المفضول في وجود الفاضل.

٦١٠. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا. [خ:١٢٢٠]
٦١١. [ق] وفي رواية: نُهِيَ عَنِ الخَصْرِ في الصَّلاة. [خ:١٢١٩]
الغَريب: قيل: (التَّصفيح): هو التَّصفيق كما قال سهلٌ، وقيل: التَّصفيح: الضَّرب بإصبعين في صَفْحَة الكفِّ. والتَّصفيق: الضَّرب بالكفِّ على الكفِّ، و(الاخْتصار): هو وضع اليد على الخَصْرِ، وهو فعل المختال، وقيل: هو اختصار القراءة في الصَّلاة والرُّكوع والسُّجود؛ أي: حذف ذلك، والأوَّل أولى؛ لأنَّه الأظْهر مِن الرِّواية الثَّانية.

٥- باب تفكُّر المُصلِّي الشَّيء في الصَّلاة


٦١٢. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ ﵁ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ العَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ القَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ، فَقَالَ: «ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ عِنْدَنَا، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ». [خ:١٢٢١]
1. قال ابن رجب: «فيه: دليل على أن ‏الإسراع بالقيام عقب السلام من غير تمهل لم يكن من عادة النبي ﷺ، ولهذا تعجبوا من سرعته في هذه المرة وعَلِمَ منهم ذلك فلذلك أعلمهم بعذرِه».
2. قال ابن بطال: «مباح للإمام إذا سلم أن ينصرف إن شاء قبل انصراف الناس».
3. قال المهلب: «التخطي لا يكون مكروهاً إلا في موضع يشتغل الناس فيه عن الصلاة أو عن الخطبة، فحينئذ يكره التخطي من أجل شغل الناس بمن تخطاهم عما هم فيه من الذكر والاستماع».
4. قال ابن بطال: «فيه أن من حبس صدقة للمسلمين من وصية أو زكاة أو غيرها أنه يُخاف عليه أن يحبس بها يوم القيامة في الموقف، لقوله عليه الصلاة والسلام: (كرهت أن يحبسني) يعني: في الآخرة، والله أعلم».
5. قال ابن بطال: «فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به، فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يُؤْمَن، والتسويف غير محمود».

(٢١) أبوابُ السَّهْوِ - 16:29


١- باب الأمْر بسجود السَّهو


٦١٣. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا أُذِّنَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا سَكَتَ المُؤَذِّنُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ أَدْبَرَ، فَإِذَا سَكَتَ أَقْبَلَ، فَلَا يَزَالُ بِالمَرْءِ يَقُولُ لَهُ: اذْكُرْ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ». [خ:١٢٢٢]
• [ق] وفي رواية: «فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ». [خ:١٢٣١]

٢- باب السُّجود في النَّقص قبلُ، وفي الزِّيادة بَعْدُ


٦١٤. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ ﵁ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ/ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَسَلَّمَ. [خ:١٢٢٤]
• [ق] وفي رواية: قام مِن اثْنتين مِن الظُّهر، فلمْ يجلس بينهما، فلمَّا قضى صَلاته سَجد سَجدتين، ثمَّ سَلَّم بعد ذلك. [خ:١٢٢٥]
٦١٥. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ -هو ابن مسعود ﵁- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سَلَّمَ. [خ:١٢٢٦]

٣- باب التَّسليم قبل تمام الصَّلاة سَهوًا لا يُفسدها، وجواز الكلام لإصلاحها


٦١٦. [ق] عَنْ محمَّد -هُو ابْن سيرين- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ إِحْدَى صَلَاتَيِ العَشِيِّ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي العَصْرَ- رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ المَسْجِدِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلَاةُ؟ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ ﷺ ذَا اليَدَيْنِ، فَقَالَ: أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ». قَالَ: بَلَى قَدْ نَسِيتَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّر فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. [خ:١٢٢٩]
• [ق] وفي رواية: فقال له ذو اليدين: أَقَصُرَتِ الصلاةُ أم نسيتَ يا رسولَ الله؟ فقال رسولُ الله ﷺ: «أَصَدَقَ ذو اليدين؟» فقال النَّاس: نعم. وذكر نحو ما تقدَّم. [خ:١٢٢٨]
1. قوله - ﷺ -: (لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به) قال النووي: فيه: «أنه لا يؤخر البيان وقت الحاجة».
2. قال النووي: «فيه جواز النسيان في الأفعال والعبادات على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأنهم لا يقرون عليه».
3. وفيه من الأسرار التي تترتب على سهوه -ﷺ- بيان: التشريع، والتخفيف عن الأمة.
4. وفيه أنَّ الخروج من الصلاة قبل إتمامها -مع ظن أنَّها تمت- لا يبطلها فيبني بعضها على بعض، إن قرب الزمن عرفًا، ويعيدها إن طال الفصل عُرْفًا، أو أحدث، أو خرج من المسجد.

٤- باب مَن كانت له صلاةٌ، فَشُغل عنها صَلَّاها في وقتٍ آخرَ


٦١٧. [ق] عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالُوا: اقْرَأْ﵍ مِنَّا جَمِيعًا، وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ العَصْرِ، وَقُلْ لَهَا: إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْهَمَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ النَّاسَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ عَنْهَما، قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ/ عَلَى عَائِشَةَ، فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَنْهَى عَنْهَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهَا حِينَ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ وَقُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ، وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا ابْنَةَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ». [خ:١٢٣٣]
1. قوله: (قال ابن عباس: وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها) قال النووي: «هكذا وقع في بعض الأصول (أضرب الناس عليها) وفي بعض (أصرف الناس عنها) وكلاهما صحيح ولا منافاة بينهما، وكان يضربهم عليها في وقت ويصرفهم عنها في وقت من غير ضرب، أو يصرفهم مع الضرب، ولعله كان يضرب من بلغه النهي، ويصرف من لم يبلغه من غير ضرب، وقد جاء في غير مسلم أنه كان يضرب عليها بالدرة، وفيه احتياط الإمام لرعيته ومنعهم من البدع والمنهيات الشرعية وتعزيرهم عليهما».
2. قوله: (قال كريب: فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به فقالت: سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة) قال النووي: «هذا فيه أنه يستحب للعالم إذا طلب منه تحقيق أمر مهم ويعلم أن غيره أعلم به أو أعرف بأصله أن يرشد إليه إذا أمكنه».
3. قال النووي: «وفيه الاعتراف لأهل الفضل بمزيتهم».
4. قال النووي: «وفيه إشارة إلى أدب الرسول في حاجته، وأنه لا يستقل فيها بتصرف لم يؤذن له فيه، ولهذا لم يستقل كريب بالذهاب إلى أم سلمة؛ لأنهم إنما أرسلوه إلى عائشة، فلما أرشدته عائشة إلى أم سلمة وكان رسولا للجماعة لم يستقل بالذهاب حتى رجع إليهم فأخبرهم فأرسلوه إليها».
5. قولها: (فقولي له تقول أم سلمة) قال النووي: «إنما قالت عن نفسها: تقول أم سلمة فكنت نفسها، ولم تقل هند باسمها؛ لأنها معروفة بكنيتها، ولا بأس بذكر الإنسان نفسه بالكنية، إذا لم يعرف إلا بها أو اشتهر بها بحيث لا يعرف غالبا إلا بها، وكنيت بأبيها سلمة بن أبي سلمة وكان صحابيا».
6. قوله: (إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان) أنه إذا تعارضت المصالح والمهمات بدئ بأهمها، ولهذا بدأ النبي ﷺ بحديث القوم في الإسلام، وترك سنة الظهر حتى فات وقتها؛ لأن الاشتغال بإرشادهم وهدايتهم وقومهم إلى الإسلام أهم.
7. (وقل لها: إنَّا أُخبرنا عنك أنك تصلينهما)، قال ابن حجر: «فيه الترغيب في علو الإسناد؛ لأن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر، قالوا: (إنَّا أُخبرنا) فلم يكتفوا بذلك وطلبوا السماع وعلو الإسناد بدون واسطة».
8. قوله: (وقد بلغنا أن النبي ﷺ نهى عنها)، قال ابن حجر: «فيه أن الأصل اتباع النبي ﷺ في أفعاله».
9. قال ابن حجر: «في الحديث: أن الجليل من الصحابة قد يخفى عليه ما اطلع عليه غيره».
10. قال ابن حجر: «في الحديث: أنه لا يُعدل إلى الفتوى بالرأي مع وجود النص».
11. قوله: (فدخلت على عائشة، فبلغتها ما أرسلوني، فقالت: سل أم سلمة)، قال ابن حجر: «فيه أن العالم لا نقص عليه إذا سُئِلَ عما لا يدري فوكل الأمر إلى غيره، حيث أحالت عائشة إلى أم سلمة».
12. قوله: (فأرسلت إليه الجارية، فقلت: قومي بجنبه فقولي له)، قال ابن حجر: «في الحديث: ترك تفويت طلب العلم وإن طرأ ما يشغل عنه وجواز الاستنابة في ذلك، وأن الوكيل لا يُشترط أن يكون مثل موكله في الفضل».

١ قال النبي ﷺ: "من تعارَّ من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له …" معنى (تعار):

٥/٠