١٣- باب القِيام للجِنَازة، ومتى يقعد؟


٦٥٢. [ق] عَنْ عامرِ بنِ رَبيعة ﵁، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ، فَقُومُوا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوْضَعَ». [خ:١٣٠٧]
• [ق] وفي رواية: قال: «إذا رَأى أحدكم جَنَازةً فإنْ لم يكن ماشيًا معها فَليقمْ حتَّى يُخَلِّفَها أو تُخَلِّفَهُ، أو تُوضع مِن قَبْل أنْ تُخَلِّفَهُ». [خ:١٣٠٨]
٦٥٣. ومِن حديث أبي سعيدٍ المَقْبُرِيِّ قال: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِيَدِ مَرْوَانَ فَجَلَسَا قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ، فَجَاءَ أَبُو سَعِيدٍ. قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ مَرْوَانَ، فَقَالَ: قُمْ، فَوَاللهِ لَقَدْ عَلِمَ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَدَقَ. [خ:١٣٠٩]
٦٥٤. [ق] وعَنْ عبد الرَّحمن بن أبي ليلى قال: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ -أَيْ: مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ- فَقَالَا: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ. فَقَالَ: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟!». [خ:١٣١٢]
٦٥٥. وعَنْ عبد الرَّحمن بن القاسم أَنَّ القَاسِمَ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الجَنَازَةِ وَلَا يَقُومُ لَهَا، وَيُخْبِرُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَقُومُونَ لَهَا يَقُولُونَ إِذَا رَأَوْهَا: كُنْتِ فِي أَهْلِكِ مَا أَنْتِ مَرَّتَيْنِ. [خ:٣٨٣٧]
الغريب: (الجَنَازة) بفتح الجيم: النَّعْش الذي يُحمل عليه الميِّت، وبكسرها: الميِّت. وقيل: هما لغتان. وهذا الأمر بالقيام كان في أوَّل الأمْر ثمَّ نُسِخَ، كما رواه مسلم^([خ:٩٦٢]) مِن حديث عليٍّ أنَّه قال: قام رَسول الله ﷺ للجِنازة ثمَّ قعد.
1. قال القرطبي: «معناه أن الموت يُفزع منه، إشارة إلى استعظامه، ومقصود الحديث ألا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت، لما يُشعر ذلك من التساهل بأمر الموت، فمن ثَمَّ استوى فيه كون الميت مسلماً أو غير مسلم».
2. قال البيضاوي: «التنبيه على أنه بحال ينبغي أن يضطرب من رأى ميتاً رعباً منه».

١٤- باب الإسْراع بالجَنَازَةِ، وحمل الرِّجال لها، وكلام الميِّت


٦٥٦. عَنْ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ ﵁ أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً، قَالَتْ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ،/ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَها إِنْسانٌ لصَعِقَ». [خ:١٣١٤]
1. قال الطيبي: «وكل من وقع في الهلكة دعا بالويل».
2. وفي الحديث: أن الميت الصالح يرى المبشرات قبل دفنه.

٦٥٧. [ق] وعَنْ أبي هُريرةَ ﵁، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قال: «أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». [خ:١٣١٥]
1. قال ابن حجر: «يؤخذ من الحديث ترك صحبة أهل البطالة وغير الصالحين؛ فأمرهم بالإسراع في مفارقته وهو ميت، فكيف الحال بالحي غير الصالح».
2. (فشر تضعونه عن رقابكم) قال النووي: «معناه أنها بعيدة من الرحمة فلا مصلحة لكم في مصاحبتها، ويؤخذ منه ترك صحبة أهل البطالة غير الصالحين».

١٥- باب فضْل اتِّباعِ الرِّجال الجَنَائِز، وكراهة ذلك للنِّساء


٦٥٨. [ق] عَنْ نافع قال: حُدِّثَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ يَقُولُ: مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ. قَالَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْنَا، فَصَدَّقَتْ -يَعْنِي عَائِشَةَ ﵂- أَبَا هُرَيْرَةَ، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. [خ:١٣٢٣]
1. فيه: التنبيه على عظيم فضل الله تعالى، وتكريمه للمسلم في تكثيره الثواب لمن يتولى أمره بعد موته.
2. وفيه: ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من التثبت في العلم والحديث النبوي، والتحري فيه.
3. وفيه: تميز أبي هريرة ﵁ في الحفظ، وأن إنكار العلماء بعضهم على بعض قديم، وأن العالم يستغرب مالم يصل إلى علمه.
4. وفيه: دلالة على فضيلة ابن عمر رضي الله عنهما؛ من حيث حرصه على العلم، وتأسفه على ما فاته من العمل الصالح.

٦٥٩. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ». قِيلَ: وَمَا القِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ». [خ:١٣٢٥]
٦٦٠. [ق] عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ﵂ قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. [خ:١٢٧٨]
1. علة النهي: أن النساء لا يُطقن مثل هذه المشاهد المحزنة والمواقف المؤثرة؛ فربما ظهر منهن من التسخط والجزع ما ينافي الصبر الواجب.

١٦- باب الصَّلاة على الجِنَازَةِ، وكيفيتها، وأين يُصلَّى عليها


٦٦١. عَنِ ابن عبَّاس ﵄ أنَّه صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الكِتَابِ: فقَالَ: لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ. [خ:١٣٣٥]
٦٦٢. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. [خ:١٣٣٣]
٦٦٣. [ق] ومِن حديث جابرٍ ﵁ قال: قال النَّبيُّ ﷺ: «قَدْ تُوُفِّيَ اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الحَبَشِ، فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ». قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِ وَنَحْنُ صُفُوفٌ. وكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أو الثالث. [خ:١٣١٧]
1. قال النووي: «فيه معجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه».
2. قال النووي: «وفيه استحباب الإعلام بالميت لا على صورة نعي الجاهلية، بل مجرد إعلام الصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك، والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا، وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها».

٦٦٤. [ق] ومِن/ حديثه قال: صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ، وَكبَّر أَرْبَعًا. [خ:١٣٣٤]
٦٦٥. [ق] ومِن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أنَّ رسولَ الله ﷺ نَعَى لَهُمُ النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ». [خ:١٣٢٨]
٦٦٦. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ اليَهُودَ جَاؤوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ عِنْدَ المَسْجِدِ. [خ:١٣٢٩]
1. قال ابن حجر: «دل حديث ابن عمر على أنه كان للجنائز مكان معد للصلاة عليها، فقد يستفاد منه أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض أو لبيان الجواز، والله أعلم».

٦٦٧. [ق] عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ﵁ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا. [خ:١٣٣١]

١٧- باب يُصلَّى على الغائبِ والمقبورِ إذا لم يُصَلَّ عليهما


• وقد تقدَّم صَلاة النَّبيِّ ﷺ على النَّجاشيِّ وهُو غَائبٌ. [ر:٦٦٤]
٦٦٨. [ق] وعَنِ ابنِ عبَّاسٍ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّ بِقَبْرٍ دُفِنَ لَيْلًا، فَقَالَ: «مَتَى دُفِنَ هَذَا؟» فَقَالُوا: البَارِحَةَ. قَالَ: «أَفَلَا آذَنْتُمُونِي؟» قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ، فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا فِيهِم-. [خ:١٣٢١]
قلت: قد صحَّ أنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَ لأصحابِهِ: لا يُحْدِثوا في شأنه شيئًا حتَّى يُؤْذِنُوه، فلم يفعلوا، وصلَّوا عليه ودفنوه بغير إذنه، فلم يعتدَّ النَّبيُّ ﷺ بصلاتهم تلك، فلذلك صلَّى هو عليه. والله أعلم.
1. وفيه: مشروعية الصلاة على الميت الحاضر عند قبره لمن لم يصل عليه، والإعلام بالموت.

١٨- باب الدَّفْنِ وأحكامه


٦٦٩. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ المَوْتِ إِلَى مُوسَى ﵇، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ المَوْتَ، فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ فَقَالَ: ارْجِعْ، فَقُلْ لَهُ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ المَوْتُ. قَالَ: فَالآنَ، فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ/ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ». [خ:١٣٣٩]
1. قال الخطابي: «فإن قيل: كيف يجوز أن يفعل موسى بالملَك مثل هذا الصنيع؟ أرسل الله الملك على سبيل الامتحان في صورة البشر فاستنكر موسى شأنه ودفعه عن نفسه فأتى ذلك على عينه، وقد جرت السنة بحفظ النفس ودفع الضرر، ومن شريعتنا أن من اطّلع على حَرَمِ قوم حَلَّ لهم أن يدفعوه ولو انفقأت عينه بذلك، ثم رد الله عليه عينه ليعلم موسى إذا صَحّت عينه أنه من عند الله فلهذا استسلم حينئذ وطاب نفساً لقضاء الله الذي لابد من لقائه».

٦٧٠. وعَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: «هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟» فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا. قَالَ: «فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا». فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا. [خ:١٣٤٢]
• [خت] قَالَ فُلَيْحٌ: أُرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ.
1. قوله: (ورسول الله ﷺ جالس على القبر)، قال ابن حجر: «فيه جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن».
2. قال ابن حجر: «في الحديث: إيثار البعيد العهد عن الملاذ في مُواراة الميت».
3. قال ابن حجر: «في الحديث إدخال الرجال المرأة قبرها؛ لكونهم أقوى على ذلك من النساء»، وبنحوه قال الكرماني.
4. قال ابن بطال: «فيه فضل عثمان وإيثاره الصدق حتى لم يَدَّعِ تلك الليلة ترك المقارفة، وإن كان عليه بعض الغضاضة في إلحاد غيره لزوجته».

٦٧١. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟» فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ». وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ. قَالَ جَابِرٌ: فَكُفِّنَ أَبِي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ وَاحِدَةٍ. [خ:١٣٤٧- ١٣٤٨]
تنبيه: قوله: (صَكَّه) أي: لَطَمَهُ على عَيْنِهِ فَفَقَأَهَا، وإنَّما فعل ذلك به لأنَّه جاء إلى قبضهِ ولم يُخَيِّرْهُ، وكان موسى قد أُعْلِمَ أنَّه لا يُقبض حتَّى يُخَيَّرَ، كما قال نبيُّنا ﷺ: «إنَّ الله لا يقبض نبيًّا حتى يُخَيَّرَ»^([خ:٤٤٣٥]). ولذلك لما خَيَّرَهُ مَلَكُ الموت في الرَّجعة الثانية قال: الآن. هذا أَوْلَى ما قيل فيه. و(الكَثِيبُ): كوم الرَّمل. و(يُقَارِف): يكسبُ ذنبًا، وأصل القَرْفِ: الكسب. وقيل: معناه: لم يُجامع أهله. و(اللَّحْدُ): قبرٌ في جانب الشِّقِ إلى القِبلة، والشَّقُّ المستقيم يُسمَّى: الضَّرِيحُ.
1. قال ابن حجر: «في الحديث دليل على جواز دفن اثنين في لحد، وعلى استحباب تقديم أفضلهما لداخل اللحد».
2. قال المهلب: «وهذا خطاب للأحياء أن يتعلموا القرآن ولا يغفلوه حين أكرم الله حملته في حياتهم وبعد مماتهم».

٦٧٢. [ق] وعَنْ جابرِ بنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا، قَالَ سُفْيَانُ: فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَلْبَسَ عَبْدَ اللهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً. [خ:١٣٥٠]
1. في الحديث: مشروعية إخراج الميت بعد دفنه لسبب.
2. وفيه: مشروعية تكفين الميتِ في القميص.

٦٧٣. عَنْ جَابِرٍ ﵁ -أيضًا- قَالَ: دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ،/ فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ. [خ:١٣٥٢]
• في رواية: فاسْتخرجتُه بعد ستَّة أَشْهُرٍ، فإذا هو كيوم وضعتُهُ غَيْرَ أُذُنِهِ. [خ:١٣٥١]
1. قال ابن حجر: «في الحديث: كرامة عبد الله والد جابر بوقوع الأمر على ما ظن، وكرامته بكون الأرض لم تُبْلِ جسده مع لُبْثه فيها، والظاهر أن ذلك لمكان الشهادة».

٦٧٤. [ق] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: مرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَة». ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّف عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا». [خ:١٣٦١]
1. قال ابن حجر: «وفيه: أن بعض العصاة يعذَّبون في البرزخ».
2. وفيه: التحذير من عدم الاحتراز من البول، ويلتحق به غيره من النجاسات في البدن والثوب.
3. وفيه: أن الله سبحانه قد يكشف بعض المغيبات -كعذاب القبر-؛ إظهارًا لآية من آيات النبي ﷺ، أو كرامة من كرامات أوليائه.
4. وفيه: الستر على الذنوب والعيوب؛ فإنه لم يصرح باسمي صاحبي القبرين.
5. وفيه: رحمة النبي ﷺ بأصحابه وحرصه على إبعاد الشر عنهم.

١٩- باب الميِّت يسمعُ خَفْقَ النِّعَالِ، وفي ثناء النَّاس عليه، والنَّهي عَنْ سبِّ الموتى


٦٧٥. [ق] عَنْ أنسٍ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ». قال النَّبيُّ ﷺ: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الكَافِرُ -أَوِ المُنَافِقُ- فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ». [خ:١٣٣٨]
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «مذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب والنعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن معذَّبة أو منعَّمة، وأنها تتصل بالبدن أحيانًا، فيحصل له معها النعيم، والعذاب».
2. وقال ابن حجر: «في الحديث أن الروح لا تفنى بفناء الجسد؛ لأن العرض لا يقع إلا على حي».

٦٧٦. [ق] وعنه قال: مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا خَيْرًا، فَقال النَّبيُّ ﷺ: «وَجَبَتْ». ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: «وَجَبَتْ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ». [خ:١٣٦٧]
٦٧٧. وفي رواية: «أَيُّمَا رَجُلٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ». فَقُلْنَا: وَثَلَاثَةٌ؟ قَالَ: «وَثَلَاثَةٌ». فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: «وَاثْنَانِ». ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الوَاحِدِ. [خ:١٣٦٨]
1. قال النووي: «وأما معناه ففيه قولان للعلماء: أحدهما: أن هذا الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل فكان ثناؤهم مطابقًا لأفعاله فيكون من أهل الجنة، فإن لم يكن كذلك فليس هو مرادا بالحديث. والثاني: وهو الصحيح المختار أنه على عمومه وإطلاقه وأن كل مسلم مات فألهم الله تعالى الناس أو معظمهم، الثناء عليه كان ذلك دليلا على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، وإن لم تكن أفعاله تقتضيه فلا تحتم عليه العقوبة، بل هو في خطر المشيئة، فإذا ألهم الله عز وجل الناس الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء».
2. وقوله: (وجبت وأنتم شهداء الله) قال النووي: «ولو كان لا ينفعه ذلك إلا أن تكون أعماله تقتضيه لم يكن للثناء فائدة، وقد أثبت النبي ﷺ له فائدة، فإن قيل: كيف مكنوا بالثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري وغيره في النهي عن سب الأموات؟ فالجواب: أن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق وسائر الكفار، وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة، فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بشر للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم، وهذا الحديث محمول على أن الذي أثنوا عليه شرًّا كان مشهورا بنفاق أو نحوه مما ذكرناه، هذا هو الصواب في الجواب عنه، وفي الجمع بينه وبين النهي عن السب».
3. قال ابن حجر: «استدل به على جواز ذكر المرء بما فيه من خير أو شر للحاجة، ولا يكون ذلك من الغيبة، وهو أصل في قبول الشهادة بالاستفاضة وأنَّ أقل أصلها اثنان»، وقال ابن العربي: «فيه جواز الشهادة قبل الاستشهاد، وفيه استعمال الثناء في الشر للمؤاخاة والمشاكلة، وحقيقته إنما هي في الخير».

٦٧٨. عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: قال النَّبيُّ ﷺ: «لَا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا». [خ:١٣٩٣]
1. قال ابن حجر: «أصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتاً».

٢٠- باب ما جاء في عذاب القبر والتعوُّذ منه/


٦٧٩. [ق] عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا أُقْعِدَ المُؤْمِنُ أُتِيَ، ثُمَّ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿یُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا﴾ [إبراهيم:٢٧]». [خ:١٣٦٩]
• وفي رواية: قال البَراء: ﴿یُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟﴾ [إبراهيم:٢٧] نزلت في عذاب القبر. [خ:١٣٦٩]
٦٨٠. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ القَبْرِ، فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ عَذَابِ القَبْرِ، فَقَالَ: «نَعَمْ، عَذَابُ القَبْرِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ. [خ:١٣٧٢]
٦٨١. [ق] وعَنْ أسماءَ ابنةِ أَبِي بَكْر ﵄ قالت: قَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ القَبْرِ الَّتِي يُفْتَنُ فِيهَا المَرْءُ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ المُسْلِمُونَ ضَجَّةً. [خ:١٣٧٣]
٦٨٢. [ق] وعَنْ أبِي أيُّوبَ ﵁ قال: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَدْ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، فَسَمِعَ صَوْتًا فَقَالَ: «يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا». [خ:١٣٧٥]
1. فيه أن فتنة القبر تقع على الكفار كما تقع على المسلمين.

٦٨٣. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْعُو: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ». [خ:١٣٧٧]

٢١- باب مَا قيل في أولاد المسلمين والمشركين


٦٨٤. عَنْ أنسِ بن مالك ﵁ قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ». [خ:١٣٨١]
1. فيه فضل من مات له أولاد صغار فصبر واحتسب، فإنه لعظم شفقته عليهم، ورحمته بهم، فإن الله -تعالى- يرحمه ويدخله الجنة، وفيه رحمة الله -تعالى- بعباده، حيث أعطاهم أفضل مما أَخذ منهم.

٦٨٥. [ق] وعَنْ ابن عبَّاسٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ ﵄ قالا: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ ذَرَارِيِّ المُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ». [خ:١٣٨٤]
٦٨٦. [ق] عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ﵁ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟» قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللهُ. فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟» قُلْنَا: لَا. قَالَ: «لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ،/ فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ، بِيَدِهِ -قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى: كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ- يُدخِلُهُ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ -أَوْ صَخْرَةٍ- فَيَشْدَخُ بِها رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ، فَعَادَ إِلَيْهِ، فَضَرَبَهُ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ، أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ، يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ -وفي رواية شَطِّ النَّهَرِ- رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ، وَأَدْخَلَانِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا في الشَّجَرَةَ، فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ؟ قَالَا: نَعَمْ، الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ الفُرقَانَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُوا الرِّبَا، وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ، فَأَوْلَادُ النَّاسِ، وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ المُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ، وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا/ مِيكَائِيلُ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ، قَالَا: ذَاكَ مَنْزِلُكَ، قُلْتُ: دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي، قَالَا: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ». [خ:١٣٨٦]
الغريب: أصل (الحِنْثَ): الإثم، وهو هنا عبارةٌ عَنِ البلوغ لأنَّه الحال الَّذي يتعلَّق بالمتَّصف بها الإثْم. و(يَلْتَئِمُ): يَجْتَمع ويَلْتَحم. و(الشَّدْخُ): الرَّضُّ مع كسر. و(تَدَهْدُهُ الحَجرِ): انحدارُه. و(شَطُّ النَّهر): جانبه وساحله. و(الثَّقب): الكُوَّة، والطَّريق الضَّيِّق في الجبل.
1. فيه: الاهتمام بأمر الرؤيا، والسؤال عنها، وذكرها بعد الصلاة.
2. وفيه: مشروعية إقبال الإمام بعد سلامِه على أصحابه.
3. وفيه: إباحة الكلام في العلم داخل المسجد.
4. وفيه: مشروعية استدبار القبلة عند الجلوس للعلم أو غيره.
5. قوله: (وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ الفُرقَانَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ)، قال القسطلاني: «لأن الإعراض عن القرآن بعد حفظه جناية عظيمة؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب الإعراض عنه، فلما أعرض عن أفضل الأشياء عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس».

٢٢- باب صلاة النَّبِيِّ ﷺ على أهل أُحُدٍ بعد سنين، وأنَّ ذلك كَان خاصًّا بهم


٦٨٧. [ق] عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطُكُم، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، إِنِّي وَاللهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَخَافُ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا». [خ:١٣٤٤]
الغريب: (الفَرَط) بفتح الرَّاء: السَّابقُ للماء تَهْيِئَةً للواردين. و(الحوض): مُجْتَمَعُ الماء. وظاهر هذا الحديث أنَّه صلَّى على شهداء أُحُدٍ كما يصلِّي على الموتى بتكبير وقيام وسَلام، ويجوز أن يكون دعاءً كما يُدْعَى للميِّت، وعلى هَذا لا يكون في الحديث إشكال.
٦٨٨. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «يَقُولُ اللهُ: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الجَنَّةُ». [خ:٦٤٢٤]
٦٨٩. [ق] عَنْ أُسَامَةَ ﵁ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ، وَعِنْدَهُ سَعْدٌ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذٌ، أَنَّ ابْنَهَا يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا: «لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلِلَّهِ مَا أَعْطَى، كُلٌّ بِأَجَلٍ، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ». [خ:٦٦٠٢]
• زاد في رواية: فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ، فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا قَعَدَ رُفِعَ إِلَيْهِ، فَأَقْعَدَهُ فِي حَجْرِهِ، وَنَفْسُ الصَّبِيِّ تَقَعْقَعُ، فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ يَضَعُهَا/ اللهُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». [خ:٦٦٥٥]
1. قال ابن حجر: «في هذا الحديث: جواز استحضار ذوي الفضل للمُحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم، وجواز القسم عليهم لذلك، وجواز المشي إلى التعزية والعيادة بغير إذن بخلاف الوليمة».
2. قوله: (فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام)، قال ابن حجر: «فيه استحباب إبرار القسم».
3. قال ابن حجر: «في الحديث: أن أهل الفضل لا ينبغي أن يقطعوا الناس عن فضلهم ولو ردّوا أول مرة».
4. (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى) قال النووي: «معناه الحث على الصبر والتسليم لقضاء الله، وتقديره أن هذا الذي أخذ منكم كان له لا لكم، فلم يأخذ إلا ما هو له فينبغي ألا تجزعوا كما لا يجزع من استردت منه وديعة أو عارية».
5. قوله: (وله ما أعطى) قال النووي: «معناه أن ما وهبه لكم ليس خارجا عن ملكه، بل هو سبحانه وتعالى يفعل فيه ما يشاء».
6. قوله: (وكل شيء عنده بأجل مسمى) قال النووي: «معناه اصبروا ولا تجزعوا فإن كل من يأت قد انقضى أجله المسمى فمحال تقدمه أو تأخره عنه، فإذا علمتم هذا كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم، وهذا الحديث من قواعد الإسلام المشتملة على جمل من أصول الدين وفروعه والآداب».
7. عيادة المريض، ولو كان مفضولاً، أو صبياً صغيراً.
8. قوله: (ففاضت عيناه فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) قال النووي: «معناه أن سعدا ظن أن جميع أنواع البكاء حرام، وأن دمع العين حرام، وظن أن النبي ﷺ نسي فذكره، فأعلمه النبي ﷺ أن مجرد البكاء ودمع العين ليس بحرام ولا مكروه بل هو رحمة وفضيلة وإنما المحرم النوح والندب والبكاء المقرون بهما أو بأحدهما».
9. قال ابن حجر: «وفي الحديث الترغيب في الشفقة على خلق الله والرحمة لهم، والترهيب من قساوة القلب وجمود العين».
10. قال ابن حجر: «وفي الحديث جواز البكاء من غير نوح ونحوه».
11. قال يحيى بن سعيد: «قلت لعروة: إن ابن عمر يشدد في البكاء على الميت، فقال: قد بكى على أبيه، وبكى أبو وائل في جنازة خيثمة»، قال ابن بطال: «فهؤلاء معالم الدين لم يروا إظهار الوجد على المصيبة بجوارح الجسم إذا لم يجاوزوا فيه المحذور خروجاً من معنى الصبر، ولا دخولاً في معنى الجزع».
12. قال ابن عثيمين: «إذا رأيت من نفسك رقة وليناً لعباد الله فأبشر بالخير؛ فإن هذا عنوان على رحمة الله إياك، وإن رأيت العكس فعالج نفسك وعودها على الرحمة، ومن أقرب ما يكون هو رحمة الصغار؛ فإن رحمة الصغار، والعطف عليهم والحنو عليهم، وتطييب خواطرهم، هذه من أقرب الأسباب، ومن أكبر الأسباب التي تعين الإنسان على الرحمة».

١ (الجِنَازة) بكسر الجيم بمعنى:

٥/٠