(٢٣) كِتَابُ الزَّكَاةِ


١- باب وجوب الزَّكاة، وحكم مانعها، وبيان الكَنْزِ ما هو؟


٦٩٠. [ق] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ مُعَاذًا ﵁ إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِم». [خ:١٣٩٥]
1. قال ابن عثيمين: «وفيه وجوب بعث الدعاة إلى الله، وهذا من خصائص ولي الأمر، يجب على ولي أمر المسلمين أن يبعث الدعاة إلى الله في كل مكان، كل مكان يحتاج إلى الدعوة، فإن على ولي أمر المسلمين أن يبعث من يدعو الناس إلى دين الله عز وجل؛ لأن هذا دأب النبي صلى الله عليه وسلم وهديه أن يبعث الرسل يدعون إلى الله عز وجل»
2. قال ابن عثيمين: «وفيه أنه ينبغي أن يذكر للمبعوث حال المبعوث إليه؛ حتى يتأهب لهم، وينزلهم منازلهم؛ لئلا يأتيهم على غرة، فيوردون عليه من الشبهات ما ينقطع به، ويكون في هذا مضرة عظيمة على الدعوة، فينبغي على الداعي أن يكون على أهبة واستعداد لما يلقيه إليه المدعوون؛ حتى لا يأتيه الأمر على غرة، فيعجز وينقطع، وحينئذ يكون في ذلك ضرر على الدعوة»
3. في الحديث: أنه لا يحكم بإسلام الكافر إلا بالنطق بالشهادتين.
4. وفيه: أن الحد الفارق ما بين الغني والفقير هو امتلاك قدر المال الذي تجب فيه الزكاة.

٦٩١. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ». فَقَالَ: وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، قَالَ عُمَرُ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ. [خ:١٣٩٩]
1. فيه: اجتهاد الأئمة في النوازل، وطاعة الوزراء والأمة لهم.

٦٩٢. وعنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ- يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُك». ثُمَّ تَلَا: ﴿لَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ یَبۡخَلُونَ﴾ الآية [آل عمران:١٨٠]. [خ:١٤٠٣]
1. فيه: أن العبد إذا لم يشكر النعمة ويؤد حق الله فيها، تكون نقمة ووبالا عليه يوم القيامة، وتتمثل له في أبشع الصور التي تؤلمه وتؤذيه.
2. وفيه: ما يدل على قلب الأعيان، وذلك في قدرة الله تعالى هين لا ينكر.

٦٩٣. عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: أَخْبِرْنِي [عَنْ] قَوْلِ اللهِ: ﴿وَٱلَّذِینَ یَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ ﴾ [التوبة:٣٤] قالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ كَنَزَهَا وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا، فَوَيْلٌ لَهُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ جَعَلَهَا اللهُ طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ. [خ:١٤٠٤]
٦٩٤. [ق] وعَنِ الأحنف بن قَيْسٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى مَلَأٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ وَالثِّيَابِ وَالهَيْئَةِ، حَتَّى قَامَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بَشِّرِ الكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِم فِي نَارِ جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفَيهِ،/ وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفَيهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ، ثُمَّ وَلَّى، فَجَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، وَتَبِعْتُهُ وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، وَأَنَا لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: لَا أُرَى القَوْمَ إِلَّا قَدْ كَرِهُوا مَا قُلْتَ. قَالَ: إِنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا، قَالَ لِي خَلِيلِي. قَالَ: قُلْتُ: ومَنْ خَلِيلُكَ؟ قال النَّبيُّ ﷺ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُبْصِرُ أُحُدًا؟» قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ، وَأَنَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ، قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ». وَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ، إِنَّمَا يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا، لَا وَاللهِ، لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ حَتَّى أَلْقَى اللهَ. [خ:١٤٠٧-١٤٠٨]
الغريب: (مُثِّل): صُوِّرَ. و(الشُّجَاع): مِن الحيَّات، والَّذي يقوم على ذَنَبِه، ويواثبُ القائم والفارس. ويجمع: أَشْجِعَة وشُجْعَان. قاله اللِّحْيَانِيُّ. (والأقرع) منها: هو الذي تَقَرَّعَ رأسُه مِن السُّمِّ. و(الزَّبِيبَتَان): نابان يخرجان مِن فِيه. قاله الحربيُّ. وقيل: هما أَثَران في جانبي فمه مِن السُّمِّ، ويكون مِثْلُهَا في جانبي فَمِ المُكثر مِن الكلام. و(اللِّهْزِمَة): الشِّدْقُ. و(الرَّضْفُ): الحِجَارة المُحْمَاة. و(العَنَاق): الجَذَع مِن المعز. وقوله: (قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ خَلِيْلُكَ؟)، كلام معترِض بين قول أبي ذرٍّ: (قَالَ خَلِيلِيْ: يَا أَبَا ذَرٍّ). ولم يجبهُ أبو ذرٍّ على ذلك القول المُعْتَرِضِ، لكن حصل جوابه لَمَّا قال: (فَأَنَا أُرَى أنَّ رَسُولَ الله يُرْسِلُنِيْ).

٢- باب الحضِّ على الصَّدَقة مِن الكسْبِ الطَّيِّب،وبيان فضلها، ومبادرة المَوَانع منها


٦٩٥. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ». [خ:١٤١٠]
1. قوله ( (فإن ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﺑﻴﻤﻴﻨﻪ) فيه ماﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﻣﻨﻪ ﻟﻬﺎ، ﻭ ﻭﻗﻮﻉ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﻣﻨﻪ ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺿﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻛﻤﻞ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ؛ لأن ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻤﺮﺿﻲ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﺑﺎﻟﻴﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ.
2. وفيه إثبات صفة اليدين لله -تعالى-، وكلتا يديه يمين، كما يليق بجلاله وعظمته، وقد دل على هذا نصوص الكتاب والسنة، كقوله -تعالى-: (والسماوات مطويات بيمينه) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وكلتا يديه يمين) رواه مسلم.
3. قال ابن أبي جمرة: «وفيه دليل على قبول الصدقة ولو قلت، وقد قيدت في الحديث بالكسب الطيب».
4. وفيه: أن الصدقة لا تقوم بحجمها، وإنما تقوم بإخلاص صاحبها، وبالمال الذي خرجت منه، حلالا كان أو حراما.
5. وفيه: أن الأعمال الصالحة تحول يوم القيامة إلى أجرام مادية، لها صورة وحجم ووزن، فتوضع في ميزان العبد، وتوزن في كفة حسناته.

٦٩٦. [ق] وعَنْ عَدِيِّ بن حَاتِمٍ ﵁ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَجَاءَهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَشْكُو العَيْلَةَ، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ: فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكَ إِلَّا قَلِيلٌ، حَتَّى تَخْرُجَ العِيرُ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ، وَأَمَّا العَيْلَةُ: فَإِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ،/ حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ، ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ ﷿ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلَا تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ، فَلْيَتَّقِ أَحَدُكُمُ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». [خ:١٤١٣]
1. قوله: (فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار) قال ابن حجر: «فيه دليل على قرب النار من أهل الموقف».
2. قوله: (فلا يرى إلا النار) قال ابن هبيرة: «والسبب في ذلك أن النار تكون في ممره، فلا يمكنه أن يحيد عنها؛ إذ لابد له من المرور على الصراط.
3. قال ابن هبيرة: «المراد بالكلمة الطيبة هنا أن يدل على هدى، أو يرد عن ردى، أو يصلح بين اثنين، أو يفصل بين متنازعين، أو يحل مشكلا، أو يكشف غامضا، أو يدفع ثائرا، أو يسكن غضبا، والله أعلم»
.
4. قوله: (فإن لم يجد فبكلمة طيبة) قال ابن بطال: «إذا كانت الكلمة الطيبة يتقى بها النار، فالكلمة الخبيثة يستوجب بها النار».
5. قال ابن حجر: «في الحديث: أن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار»، وقال النووي: «وفيه الحث على الصدقة، وأنه لا يمتنع منها لقلتها، وأن قليلها سبب للنجاة من النار».

٦٩٧. [ق] عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ، بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ، ثُمَّ لَا يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ، وَيُرَى الرَّجُلُ الوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ، مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ». [خ:١٤١٤]
1. فيه استحباب المبادرة إلى الخير قبل فوات وقته، والحث على المبادرة بالصدقة، واغتنام إمكانها قبل تعذرها، وقد صرح بهذا المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم في أول الحديث: (تصدقوا فيوشك الرجل) إلى آخر، وسبب عدم قبولهم الصدقة في آخر الزمان لكثرة الأموال وظهور كنوز الأرض، ووضع البركات فيها، كما ثبت في الصحيح بعد هلاك يأجوج ومأجوج وقلة آمالهم، وقرب الساعة وعدم ادخارهم المال، وكثرة الصدقات.
2. قوله صلى الله عليه وسلم: (يطوف الرجل بصدقته من الذهب) إنما هذا يتضمن التنبيه على ما سواه؛ لأنه إذا كان الذهب لا يقبله أحد، فكيف الظن بغيره؟ وقوله صلى الله عليه وسلم: (يطوف) إشارة إلى أنه يتردد بها بين الناس، فلا يجد من يقبلها فتحصل المبالغة والتنبيه على عدم قبول الصدقة بثلاثة أشياء: كونه يعرضها، ويطوف بها، وهي ذهب.
3. قوله صلى الله عليه وسلم: (ويرى الرجل الواحد تتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء) قال النووي: «معنى (يلذن به) أي ينتمين إليه، ليقوم بحوائجهن ويذب عنهن كقبيلة بقي من رجالها واحد فقط وبقيت نساؤها، فيلذن بذلك الرجل ليذب عنهن ويقوم بحوائجهن، ولا يطمع فيهن أحد بسببه، وأما سبب قلة الرجال وكثرة النساء، فهو الحروب والقتال الذي يقع في آخر الزمان وتراكم الملاحم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ويكثر الهرج أي القتل) ».

٦٩٨. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ». [خ:١٤١٩]
الغريب: (عَدْلُ الشيء): مِثْلُه، وهو بفتح العين. و(الكسْبُ الطَّيِّب): الحلال. و(العِير): الإبل. و(العَيْلَة):الفقر. و(الخَفِير): الغَفِير، وهو الَّذي يُدْخَل في خَفَارتهِ؛ أي: عَهْدِهِ. و(يَلُذن): يَتَّقِين ويَسْتَترن. و(الحُلْقُوم): الحَلْق. والضَّمير في (بَلَغَتْ) هو للنَّفس المقبوضة بالموت.
1. قال ابن بطال: «فيه: أن أعمال البر كلما صعبت كان أجرها أعظم».
2. قال ابن حجر: «في الحديث أن تنجيز وفاء الدين والتصدق في الحياة وفي الصحة أفضل منه بعد الموت وفي المرض»، قال الخطابي: «فمعنى الحديث أن الشح غالب في حال الصحة، فإذا شح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره، بخلاف من أشرف على الموت وآيس من الحياة ورأى مصير المال لغيره فإن صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة، والشح رجاء البقاء وخوف الفقر». وبنحو ذلك ذكر ابن بطال

٣- باب أجر الصَّدقة على حسبِ نيَّة المُتَصَدِّقِ، وإن وقعت بيد مَن لم يَقْصِد


٦٩٩. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ. قَالَ: اللهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ. قَالَ: اللهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ. فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ/ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ». [خ:١٤٢١]
1. قال النووي: «ثبوت الثواب في الصدقة وإن كان الآخذ فاسقا وغنيا؛ ففي كل كبد حرى أجر، وهذا في صدقة التطوع، وأما الزكاة فلا يجزي دفعها إلى غني، وقال ابن بطال: «دل ذلك أن صدقة الرجل على السارق والزانية والغني قد تقبلها الله؛ لأنها إذا كانت سببا إلى ما يرضي الله فلا شك في فضلها وقبولها».
2. قال ابن حجر: «في الحديث أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع».
3. قال ابن حجر: «في الحديث استحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع الموقع».
4. قال ابن حجر: «بركة التسليم والرضا، وذم التضجر بالقضاء».
5. قال النووي: «فيه جواز التصريح بما يستكره من الكلمات، كقوله: زانية، لمصلحة راجحة وهي لإزالة اللبس، وأن هذا الوصف معروف عند العرب».
6. استحباب تذكير العصاة ودعوتهم للحق؛ فلعلهم يعتبرون ويتوبون.

٧٠٠. وعَنْ مَعْنِ بن يزيد ﵁ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَيَّ فَأَنْكَحَنِي، وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي المَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: وَاللهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «لَكَ مَا نَوَيْتَ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ». [خ:١٤٢٢]
1. قوله: (بايعت رسول الله ﷺ أنا وأبي وجدي) قال ابن حجر: «فيه جواز الافتخار بالمواهب الربانية والتحدث بنعم الله».
2. قوله: (فخاصمته إلى رسول الله ﷺ) قال المهلب: «فيه أن للابن أن يخاصم أباه، وليس بعقوق إذا كان ذلك في حق».
3. قوله: (فوضع عند رجل في المسجد) قال ابن حجر: «في الحديث جواز الاستخلاف في الصدقة ولا سيما صدقة التطوع؛ لأن فيه نوع إسرار».

٤- باب فضْل إخفاء صَدَقة التَّطوُّع، وإذا كانت عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وخير الأيدي


٧٠١. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». [خ:١٤٢٣]
1. قوله: (الإمام العادل) قال القاضي عياض: «هو كل من إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام، وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه».
2. قوله: (ورجل قلبه معلق في المساجد) قال النووي: «ومعناه: شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه: دوام القعود في المسجد»
3. قوله: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) قال النووي معناه: «اجتمعا على حب الله وافترقا على حب الله، أي كان سبب اجتماعهما حب الله، واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما، وفي هذا الحديث: الحث على التحاب في الله وبيان عظم فضله وهو من المهمات، فإن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان، وهو بحمد الله كثير يوفق له أكثر الناس أو من وفق له»
4. قال القاضي عياض: «وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها وعسر حصولها، وهي جامعة للمنصب والجمال لا سيما وهي داعية إلى نفسها، طالبة لذلك قد أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها، فالصبر عنها لخوف الله تعالى - وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال - من أكمل المراتب وأعظم الطاعات، فرتب الله تعالى عليه أن يظله في ظله»
5. قوله: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) قال النووي: «قال العلماء: وهذا في صدقة التطوع فالسر فيها أفضل؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء، وأما الزكاة الواجبة فإعلانها أفضل، وهكذا حكم الصلاة فإعلان فرائضها أفضل، وإسرار نوافلها أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»
6. قوله: (ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه) قال النووي: «فيه فضيلة البكاء من خشية الله تعالى، وفضل طاعة السر لكمال الإخلاص فيها»

٧٠٢. وعنه: عَنِ النَّبيِّ ﷺ قال: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». [خ:١٤٢٦]
1. قال القرطبي: «المختار أن معنى الحديث أفضل الصدقة ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال بحيث لا يصير المتصدق محتاجا بعد صدقته إلى أحد».
2. قوله: (وابدأ بمن تعول) قال ابن حجر: «فيه تقديم نفقة نفسه وعياله؛ لأنها منحصرة فيه بخلاف نفقة غيرهم»، قال النووي: «مقصود الباب: الحث على النفقة على العيال، وبيان عظم الثواب فيه؛ لأن منهم من تجب نفقته بالقرابة ومنهم من تكون مندوبة وتكون صدقة وصلة، ومنهم من تكون واجبة بملك النكاح أو ملك اليمين، وهذا كله فاضل محثوث عليه، وهو أفضل من صدقة التطوع.
3. وفي الحديث: أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد.

٧٠٣. [ق] عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ»
. [خ:١٤٢٧]
٧٠٤. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ -وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ المَسْأَلَةِ-: «اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، فَاليَدُ العُلْيَا هِيَ المُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ». [خ:١٤٢٩]
1. قال ابن حجر: «أعلى الأيدي المنفقة، ثم المتعففة عن الآخذ، ثم الآخذة بغير سؤال، وأسفل الأيدي السائلة والمانعة والله أعلم».
2. قال ابن حجر: «في الحديث تفضيل الغنى مع القيام بحقوقه على الفقر؛ لأن العطاء إنما يكون مع الغنى».

٥- باب التَّحريض على الصَّدقة والشَّفاعة فيها،وأجر الخازِنِ الأمينِ، والمرأة المتصدِّقة مِن مال زوجها غير مُفْسِدَةٍ


٧٠٥. [ق] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمَ عِيدٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، ثُمَّ مَالَ إلَى النِّسَاءِ وَبِلَالٌ مَعَهُ فَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ/ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي القُلْبَ وَالخُرْصَ. [خ:١٤٣١]
٧٠٦. [ق] وعَنْ أبي موسى ﵁ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ -أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ- قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا» وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ مَا شَاءَ. [خ:١٤٣٢]
1. فيه الترغيب في الشفاعة لما فيها من الأجر سواء أقضيت الحاجة أم لا.

٧٠٧. [ق] وعنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الخَازِنُ المُسْلِمُ الأَمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ -وَرُبَّمَا قَالَ: يُعْطِي- مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ المُتَصَدِّقَيْنِ». [خ:١٤٣٨]
٧٠٨. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا تَصَدَّقَتِ المَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ». [خ:١٤٣٧]
(القُلْبُ): سِوَارٌ، وقد يكون مِن عَظْمٍ.
1. فيه: دليل على أن التعاون على البر والتقوى يكتب فيه لمن أعان مثل ما يكتب لمن فعل، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
2. وفيه جواز اتخاذ خازن، وأن ذلك ليس مخيلة ولا تبذيرا.

٦- باب على كلِّ مُسْلمٍ صدقة، والدُّعاء للمُتَصَدِّقِ، وعلى المُمْسِكِ ومثالهما


٧٠٩. [ق] عَنْ أَبي مُوْسَى ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ». قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ فَقَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالُوا: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ». قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بِالمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ». [خ:١٤٤٥]
1. قوله: (يا نبي الله فمن لم يجد) قال ابن حجر: «فيه مراجعة العالم في تفسير المجمل وتخصيص العام».
2. قال ابن بطال: «فإن قيل: كيف يكون إمساكه عن الشر صدقة؟ قيل: إذا أمسك شره عن غيره، فكأنه قد تصدق عليه بالسلامة منه، وإن كان شرا لا يعدو نفسه؛ فقد تصدق على نفسه بأن منعها من الإثم».

٧١٠. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ أَعْطِ كُلَّ مُنْفِقٍ خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا». [خ:١٤٤٢]
1. قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا) قال العلماء: «هذا في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق وعلى العيال والضيفان والصدقات ونحو ذلك، بحيث لا يذم ولا يسمى سرفا، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا»
2. وفيه دعاء الملائكة للمؤمنين الصالحين المنفقين بالخير والبركة، وأن دعاءهم مستجاب.
3. وفيه جواز الدعاء للكريم بمزيد من العوض، وأن يخلف عليه خيرا مما أنفق، وجواز الدعاء على البخيل بتلف ماله الذي بخل به ومنع إنفاقه فيما أوجب الله عليه.

٧١١. [ق] وعنهُ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ ﷺ: «مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ -في رواية: مِن ثُدِيِّهما إلى تَراقِيهما- فَأَمَّا المُنْفِقُ فَلَا يُنْفِقُ إِلَّا سَبَغَتْ -أَوْ وَفَرَتْ- عَلَى جِلْدِهِ، حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا البَخِيلُ فَلَا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلَّا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ». [خ:١٤٤٣]
الغَريب: (سَبَغَتْ): طالتْ. و(البَنَان): الأصابع. و(تَعفو): تمحو أثَر مشيهِ.

٧- باب أفضلِ الصَّدقة جُهْدٌ مِن مُقِلٍّ، والنَّهي عَنْ لَمْز المُتَصَدِّق/


٧١٢. [ق] عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ ﵁ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ فَيُحَامِلُ، فَيُصِيبُ المُدَّ، وَإِنَّ لِبَعْضِهِمُ اليَوْمَ مِئَةَ أَلْفٍ. [خ:١٤١٦]
٧١٣. [ق] وفي رواية قال: لمَّا نزلتْ آية الصَّدقة كنَّا نُحَامِلُ، فجاء رجلٌ فتَصَدَّق بشيءٍ كثير، فقالوا: مُرَائِي، وجاء رجلٌ فتصدَّق بصَاعٍ، فقالوا: إنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنْ صاعِ هذا، فنزلت: ﴿ٱلَّذِینَ یَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِینَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ فِی ٱلصَّدَقَـٰتِ وَٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ﴾ الآية [التوبة:٧٩]. [خ:١٤١٥]
1. قوله: (كنا نحامل على ظهورنا) قال النووي معناه: «نحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة أو نتصدق بها كلها، ففيه التحريض على الاعتناء بالصدقة، وأنه إذا لم يكن له مال يتوصل إلى تحصيل ما يتصدق به من حمل بالأجرة أو غيره من الأسباب المباحة»
2. قال ابن بطال: «في الحديث ما كان عليه السلف من التواضع، والحرص على الخير واستعمالهم أنفسهم في المهن والخدمة رغبة منهم في الوقوف عند حدود الله، والاقتداء بكتابه، وكانوا لا يتعلمون شيئا من القرآن إلا للعمل به»

٧١٤. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْنَا، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقال النَّبيُّ ﷺ: «مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ». [خ:١٤١٨]
الغَريب: قوله: (نُحامِلُ) أي: نَحْمِلُ على ظُهُورنا. و(﴿یَلۡمِزُونَ﴾): يَعيبون. و(الجُهْد): المشقَّة. و(﴿ ٱلۡمُطَّوِّعِینَ﴾) يعني: المتطوِّعين، مِن التطوُّع بالخير.
1. بيان حال بيوتات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن رزقه كان كفافا.
2. بيان فضل الإيثار وأنه من سمات المؤمنين؛ فقد آثرت عائشة تلك المرأة وابنتيها على نفسها، وهذا يدل على سخائها وكرمها مع شدة حاجتها.
3. جواز ذكر المعروف والتحدث بنعمة الله إن لم يكن على وجه الفخر والرياء والمنة.

٨- باب ما تجِبُ فيه الزَّكاة مِن العين والمَوَاشِي والحُبُوب، وما لا تجب فيه


٧١٥. [ق] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ». [خ:١٤٥٩]
٧١٦. وعَنْ أنسٍ ﵁ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ﵁ كَتَبَ لَهُ هَذَا الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى البَحْرَيْنِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ، فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ -يَعْنِي- سِتًّا/ وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ. وَفِي صَدَقَةِ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ إِلَى مِئَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِئَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِ مِئَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِ مِئَةٍ فَفِي كُلِّ مِئَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاة فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِئَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. [خ:١٤٥٤]
1. فيه: دلالة على دفع الأموال الظاهرة إلى الإمام.
2. وفيه: بيان أن الإسلام دين منظم في فرائضه وأحكامه، ولا يظلم أحدا، ولا يجور على الحقوق.

٧١٧. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبيِّ ﷺ: «لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ». [خ:١٤٦٤]
الغَريب: (الذَّوْدُ): ما بين الثِّنتين إلى التِّسع مِن الإنَاث. قاله أبو عُبَيدٍ. وقال الأصْمَعي: ما بين الثَّلاث إلى العَشر. ولا يُقال على الواحد: ذَوْدٌ في قول أكثر اللُّغويين، وقد حُكي، واستدلَّ عليه بقولهم: الذَّود إلى الذَّود إبل، وفيه نظر. و(الأَوْسُق): جمع وَسْق -بفتح الواو- كفَلْس وأَفْلُس، ويُقال بكسرها، وتُجمع: أوساق؛ كعَدْل وأَعْدال. والوَسْق ستُّون صاعًا، والصَّاع أربعة أَمْداد، والمُدُّ رطل وثلث بالعراقيِّ. و(بِنتُ المَخَاضِ): هي الَّتي دخلتْ في السَّنة الثَّانية إلى استكمالها. و(المَخَاضُ): الحَمْلُ. و(بِنتُ اللَّبُونِ): هي الَّتي دخلت في الثَّالثة إلى استكمالها. و(الحِقَّةُ): هي الَّتي استحقَّت أن يطرقها الفَحل، ويُحمل عليها الحِمل، وهي الَّتي دَخلت في الرَّابعة إلى استكمالها. و(الجَذَعَة): هي الَّتي دخلتْ في الخامسة إلى اسْتكمالها، وهي آخر سنٍّ تجب في الزَّكاة. و(الوَرِق) بكسر الرَّاء: الدَّراهم، ويُقال بإِسكانها، وهي أيضًا: الرِّقَةُ -بتخفيف القَاف- قال بعض أهل اللُّغة: لا يُقال على غير الدَّراهم: وَرِق ولا رِقَة. وقد قال ابن قُتَيبة: يُقالا على الفِضَّة مسكوكها وغير مسكوكها./
1. أن كل ما أعد للاستعمال والاقتناء، لا تجب فيه الزكاة، قال ابن عثيمين: «فيه: التيسير على العباد في أنه لا يلزمهم الزكاة فيما يختصون به لأنفسهم».

٩- باب وَسْمِ الإمام إبل الصَّدقة


٧١٨. [ق] عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: غَدَوْتُ على رَسُولِ اللهِ ﷺ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، لِيُحَنِّكَهُ، فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ المِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ. [خ:١٥٠٢]
1. وفي الحديث: مشروعية تحنيك المولود، ويستحسن أن يقوم بذلك مؤمن صالح تقي؛ ليدعو له بالبركة.
2. وفيه: اعتناء الإمام بأموال الصدقة، وتوليها بنفسه.
3. وفيه: مشروعية وسم الحيوان بالكي، قال العيني: وفائدة الكي تمييز الحيوان بعضه من بعض وليرده من أخذه ومن التقطه يعرفه وإذا تصدق به لا يعود إليه.
4. وفيه: مشروعية إيلام الحيوان بما يتحمله من الألم مما فيه منفعة وصلاح.
5. قال العيني: «وفيه مباشرة أعمال المهنة وترك الاستطابة فيها للرغبة في زيادة الأجر ونفي الكبر»

١٠- باب وجوب الزَّكاة في البقر، ومَا لا يُؤخذ في الصَّدقة


٧١٩. [ق] عَنْ أَبِي ذَرٍّ ﵁ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَيهِ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ -أَوْ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، أَوْ كَمَا حَلَفَ- مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ، لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلَّا أُتِيَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، أو تَنْطُحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ». وقد رواه مِن طريقٍ أخرى، وصرَّح فيها يرفعه إلى النَّبيِّ ﷺ. [خ:١٤٦٠]
٧٢٠. ومِن حديث أنسٍ﵁ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ ﷺ: وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسٌ إِلَّا مَا شَاءَ المُصَدِّقُ. [خ:١٤٥٥]
1. فيه: أن جامع الزكاة له حق القبول والرفض إذا اختلت مواصفاته عن المقرر شرعا.

٧٢١. [ق] ومِن حديث أبي بكرٍ ﵁: وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. [خ:١٤٥٦]
٧٢٢. [ق] ومِن حَديث معاذٍ ﵁ أنَّه ﵇ قال له: «إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَها وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». [خ:١٤٩٦]
الغَريب: (الهَرِمَة): المُسِنَّة. و(العَوارُ) -بفتح العَيْن-: العَيب. و(العَنَاق) -بالفتح-: مِن أولاد المعز. و(الجَذَع): مِن أولاد الضَّأن. و(كَرائمُ المالِ): خِياره.
1. قوله: (واتق دعوة المظلوم) قال ابن دقيق العيد: «فيه دليل على تعظيم أمر الظلم واستجابة دعوة المظلوم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عقب النهي عن أخذ كرائم الأموال؛ لأن أخذها ظلم، وفيه تنبيه على جميع أنواع الظلم».

١١- باب حُكْم مَن وجبتْ عليه سِنٌّ فوجد عندَه غيرها، ولا يجمع بين مُفْتَرق


٧٢٣. مِن حديث أنسٍ ﵁: «ومَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ/ مِنْهُ الجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا بِنْتُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ، وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ». [خ:١٤٥٣]
• في رواية: «ولا يُجْمَعُ بين مُفْتَرِق، ولا يُفَرَّقُ بين مجتمِعٍ خَشْيةَ الصَّدقةِ». [خ:١٤٥٠]

١٢- باب ما يجِبُ فيه العُشْر، ونِصْف العُشْر، وذِكر الخَرْصِ


٧٢٤. عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ». [خ:١٤٨٣]
٧٢٥. [ق] عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ ﵁ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ القُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا، فَقال النَّبيُّ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «اخْرُصُوا». وَخَرَصَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، فَقَالَ لَهَا: «أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا». وذكرَ الحديثَ وَسيأتي [ر:٣٨١٧]، وفيه: فجاءَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، خَرْصَ رَسُولِ اللهِ ﷺ. [خ:١٤٨١]
الغَريب: (العَثَرِيُّ) بالثَّاء المثلَّثة، يحتمل أن يُقال: هو الَّذي يَشرب بِعُروقهِ، وهو المسمَّى بالبَعل في الرِّواية الأخرى. وقال أكثرهم: هو الَّذي يشرب بماء السَّماء، الَّذي يكسر حوله الأرْض، ويعثر جريه إلى الأصول بترابٍ. و(النَّضْحُ): الاسْتقاء بالنَّواضِحِ، وهي الإبل الَّتي يُستقى عليها الماء. و(الخَرْصُ) بالفتح: التَّقدير، وهو المصدر، وبالكسر: اسمُ الشَّيء المَخْرُوصِ.

١٣- باب كَراهية المسْألة، وفضل الاسْتعفاف عنها


٧٢٦. [ق] عَنِ ابن عُمَرَ ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى/ يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ». [خ:١٤٧٤]
1. قال ابن أبي جمرة: «معناه أنه ليس في وجهه من الحسن شيء؛ لأن حسن الوجه هو بما فيه من اللحم»، وقال القاضي عياض: قيل: معناه يأتي يوم القيامة ذليلا ساقطا لا وجه له عند الله، وقيل: هو على ظاهره فيحشر ووجهه عظم لا لحم عليه عقوبة له، وعلامة له بذنبه حين طلب وسأل بوجهه، كما جاءت الأحاديث الأخر بالعقوبات في الأعضاء التي كانت بها المعاصي، وهذا فيمن سأل لغير ضرورة سؤالا منهيا عنه وأكثر منه، كما في الرواية الأخرى (من سأل تكثرا».
2. وفي الحديث: أن الجزاء من جنس العمل، حيث توعد الله المتسول تكثرا بسلخ وجهه يوم القيامة، كما أراق ماء وجهه في الدنيا؛ لأن السؤال مذلة، والله لا يرضى للمسلم أن يعرض نفسه لهذه المهانة إلا لضرورة.
3. وفيه: دعوة إلى تحري وضع الصدقة فيمن صفته التعفف دون الإلحاح.

٧٢٧. [ق] وعَنِ المغيرةِ بن شُعبة ﵁ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ». [خ:١٤٧٧]
1. (إن الله كره لكم ثلاثا) قال الطيبي: «هذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق، وهو تتبع جميع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة».

٧٢٨. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قال: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ -وأَحْسِبُهُ قَالَ: إِلَى الجَبَلِ- فَيَحْتَطِبَ فَيَبِيعَ، فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ». [خ:١٤٨٠]
1. قال النووي: « فيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرا)، وفيه محاربة الإسلام للتسول والبطالة؛ ولذلك أوجب السعي والعمل، ولو كان شاقا؛ كالاحتطاب مثلا».
2. وفي الحديث: الترغيب في السعي والعمل، وطرق الأسباب المشروعة لكسب الرزق بشرف وكرامة وعزة نفس.

٧٢٩. [ق] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁: أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ». [خ:١٤٦٩]
1. قوله: (يعفه الله) قال ابن التين: «إما أن يرزقه من المال ما يستغني به عن السؤال، وإما أن يرزقه القناعة»، وقال ابن الجوزي: " لما كان التعفف يقتضي ستر الحال عن الخلق وإظهار الغنى عنهم فيكون صاحبه معاملا لله في الباطن فيقع له الربح على قدر الصدق في ذلك.
2. قال ابن حجر: «في الحديث: جواز السؤال للحاجة وإن كان الأولى تركه والصبر حتى يأتيه رزقه بغير مسألة».
3. قال ابن حجر: «في الحديث: حسن الإرشاد لوضع الصدقة، وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح».

٧٣٠. [ق] وعَنْ حكيم بن حزامٍ ﵁ قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى». قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى العَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ -يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ- عَلَى حَكِيمٍ، أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ. [خ:١٤٧٢]
الغريب: (قِيلَ وَقَالَ) يعني به: الخَوض في الكلام وكثرته. و(إِضَاعَة المَالِ): إتلافه، وإنفاقه في المعاصي والسَّفَهِ. و(المُزْعَةُ): القِطعة المُقَطَّعة، ومَزعْتُ اللَّحم: قطَّعته. و(سَخَاوَةُ النَّفسِ): تساهلُها ورِفْقُها في الأخذ. و(إِشْرَافُ النَّفْسِ): تشوُّقها للأخذِ وحِرصُها. و(لَا أَرْزَأُ): لا أَنْقُصُ، وهو مهموز.
1. قوله: (الدنيا حلوة خضرة) قال ابن الأثير: «الخضر نوع من البقول ليس من أحرارها وجيدها، فشبه الدنيا للرغبة فيها والميل إليها بالفاكهة الحلوة الخضرة، فإن الحلو مرغوب فيه من حيث الذوق، والأخضر مرغوب فيه من حيث النظر، فإذا اجتمعا زادت الرغبة، قال النووي: شبهه في الرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء الحلوة المستلذة، فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده، والحلو كذلك على انفراده فاجتماعهما أشد، وفيه إشارة إلى عدم بقائه؛ لأن الخضراوات لا تبقى ولا تراد للبقاء».
2. قال المهلب: «فيه أن سؤال السلطان الأكبر ليس بعار».
3. قال ابن هبيرة: «في هذا الحديث من الفقه: أن العبد المؤمن كما ينبغي ألا يكون مشرفا، ولا متطلعا إلى شيء من الدنيا، كذلك ينبغي ألا يكون مزاحما لله تعالى في تدبيره، ولا رادا على الله شيئا من عطائه، ولا مظهرا للتغاني عن الله عز وجل بمال ولا بحال».
4. وفيه: أن السائل إذا ألحف لا بأس برده، وموعظته وأمره بالتعفف، وترك الحرص.
5. فيه أن الإنسان لا يسأل إلا عند الحاجة والضرورة؛ لأنه إذا كانت يده السفلى مع إباحة المسألة، فهو أحرى أن يمتنع من ذلك عند غير الحاجة.
6. وفيه أنه ينبغي للإمام ألا يبين للطالب ما في مسألته من المفسدة إلا بعد قضاء حاجته؛ لتقع موعظته له الموقع؛ لئلا يتخيل أن ذلك سبب لمنعه حاجته.
7. قال النووي: «في هذا الحديث الحث على التعفف والقناعة والرضا بما تيسر في عفاف وإن كان قليلا، وأنه لا يغتر الإنسان بكثرة ما يحصل له بإشراف ونحوه فإنه لا يبارك له فيه، وهو قريب من قول الله تعالى: "يمحق الله الربا ويربي الصدقات».
8. فيه أن الإجمال في الطلب مقرون بالبركة.
9. فيه أن رد السائل بعد ثلاث ليس بمكروه.

١٤- باب مَنْ أحقُّ بالصَّدقة؟


٧٣١. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ/ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ المِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ».[خ:١٤٧٩] وفي رواية: «لا يسألُ النَّاس إلحافًا». [خ:١٤٧٦]
1. قوله: (ليس المسكين بهذا الطواف) قال النووي: «معناه المسكين الكامل المسكنة الذي هو أحق بالصدقة وأحوج إليها ليس هو هذا الطواف، بل هو الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له ولا يسأل الناس، وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطواف، بل معناه نفي كمال المسكنة».
2. قال ابن عثيمين: «وفي الحديث إشارة إلى أنه ينبغي للمسكين أن يصبر وأن ينتظر الفرج من الله، وألا يتكفف الناس أعطوه أو منعوه؛ لأن الإنسان إذا علق قلبه بالخلق وكل إليهم، كما جاء في الحديث: "من تعلق شيئا وكل إليه"، وإذا وكلت إلى الخلق نسيت الخالق، بل اجعل أمرك إلى الله عز وجل، وعلق رجاءك وخوفك وتوكلك واعتمادك على الله سبحانه وتعالى؛ فإنه يكفيك،﴿وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُ﴾ [الطلاق ٣]. ».
3. كل ما أمر الله عز وجل به فهو بالغك، لا يمنعه شيء، ولا يرده شيء».
4. وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال.
5. وفيه جواز التصدق ولو باليسير: كالتمرة أو اللقمة؛ فإنها وقاية من النار

٧٣٢. [ق] وعَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ ﷺ رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ. قَالَ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا مِنْهُمْ لَمْ يُعْطِهِ وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا؟ قَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا». قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا؟ قَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا». قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا؟ قَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا، إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ». وفي رواية: قال: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ، فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وَكَتِفِي، ثُمَّ قَالَ: «أَقْبِلْ، أَيْ سَعْدُ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وغيرهُ..». [خ:١٤٧٨]
تنبيه: اختلف الرُّواة في هذا اللَّفظ، فعند ابن منظور: «أقبل أي سعد» مِن القبول، أَمَرهُ به وعند شُرَيح: «أقبل» على الاستفهام. وكأنَّها تصحيف، والصَّواب ما وقع في «كتاب مسلم»^([خ:١٥٠]): «أقِتالًا أيْ سعد» على المصدر؛ أي: أتقاتلني قتالًا، ويصحُّ فيه المفعول من.... والله أعلم.

١٥- باب أخذ صَدَقة التَّمر عند الصِّرَامِ، ومَن باع ثمرَهُ بعد وجوب زكاة مالِهِ


٧٣٣. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُؤْتَى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ، فَيَجِيءُ هَذَا بِتَمْرِهِ، وَهَذَا مِنْ تَمْرِهِ حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا مِنْ تَمْرٍ، فَجَعَلَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ ﷺ لَا يَأْكُلُونَ صَدَقَةً». [خ:١٤٨٥]
• وفي رواية: قال له النَّبيُّ ﷺ: «كِخْ كِخْ، اطْرَحْهَا، أمَا شعرتَ أَنَّا لا نأكل الصَّدقة». [خ:١٤٩١]
1. قوله: (كخ كخ) قال القاضي عياض: «هي كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات فيقال له: (كخ) أي اتركه، وارم به»، قال الداودي: «هي عجمية معربة بمعنى بئس، وقد أشار إلى هذا البخاري بقوله في ترجمة باب من تكلم بالفارسية والرطانة».
2. قوله: (أما علمت أن آل محمد لا يأكلون من الصدقة) قال ابن حجر: «فيه الإعلام بسبب النهي، ومخاطبة من لا يميز لقصد إسماع من يميز».
3. قال ابن بطال: «إنما كان النبي ﷺ لا يأكل الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس؛ ولأن أخذ الصدقة منزلة ضعة، والأنبياء منزهون عن ذلك».
4. قال ابن بطال: «فيه أنه ينبغي أن يجنب الأطفال ما يجنب الكبار من المحرمات»، وبنحوه قال النووي.
5. قال النووي: «فيه أن التمرة ونحوها من محقرات الأموال لا يجب تعريفها، بل يباح أكلها والتصرف فيها في الحال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما تركها خشية أن تكون من الصدقة لا لكونها لقطة، وهذا الحكم متفق عليه، وعلله أصحابنا وغيرهم بأن صاحبها في العادة لا يطلبها ولا يبقى له فيها مطمع».

٧٣٤. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قال: نَهَى رَسول اللهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَكَانَ إِذَا/ سُئِلَ عَنْ صَلَاحِهَا قَالَ: «حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ». [خ:١٤٨٦]
قال البخاري: فلم يحظر البيع بعد الصَّلاح على أحد، ولم يَخُصَّ مَن وجبت عليه الزَّكاة ممَّن لمْ تجبْ.
1. قال ابن حجر: «أما البائع، فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل، وأما المشتري فلئلا يضيع ماله ويساعد البائع على الباطل».
2. قال ابن حجر: «وفيه قطع النزاع والتخاصم ومقتضاه جواز بيعها بعد بدو الصلاح مطلقا، سواء اشترط الإبقاء أم لم يشترط؛ لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها، وقد جعل النهي ممتدا إلى غاية بدو الصلاح، والمعنى فيه أن تؤمن فيها العاهة وتغلب السلامة، فيثق المشتري بحصولها بخلاف ما قبل بدو الصلاح فإنه بصدد الغرر».

١٦- باب الصَّدقة إذا بلغت مَحِلَّها جاز للغَنِيِّ أن يأكل منها،ودُعاء الإمام للمتصدِّق، واستعماله عليها، ومحاسبته للعامل


٧٣٥. [ق] عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ ﵂ قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» فَقَالَتْ: لَا إِلَّا شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنَ الشَّاةِ الَّتِي بَعَثْتَ بِهَا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: «إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا». [خ:١٤٩٤]
1. إنما كان صلى الله عليه وسلم يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة؛ تكريما وتشريفا؛ لما في الهدية من تآلف القلوب، والدعاء إلى المحبة، وجائز أن يثيب عليها بمثلها وأفضل منها، فترتفع المنة والذلة، ولا يجوز ذلك في الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس التي يطهرون بها الأموال من أدناسها.

٧٣٦. [ق] وعَنْ أنسٍ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِلَحْمٍ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ». [خ:١٤٩٥]
1. فيه أن موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم عليهن الصدقة، وإن حرمت على الأزواج.
2. فيه جواز أكل الغني مما تصدق به على الفقير، إذا أهداه له.
3. فيه بيان جواز قبول الغني هدية الفقير.
4. فيه أن من حرمت عليه الصدقة جاز له أكل عينها إذا تغير حكمها.
5. وفيه استحباب قبول الهدية، وإن نزر قدرها جبرا لخاطر المهدي.
6. فيه بيان أن لمن تصدق عليه بصدقة أن يتصرف فيها بما شاء، ولا ينقص أجر المتصدق.

٧٣٧. [ق] وعَنْ عبد الله بن أبي أَوْفَى ﵁: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ. قَالَ: «اللهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ». فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: «اللهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى». [خ:١٤٩٧]
1. فيه استحباب دعاء الإمام لأهل الصدقة إذا أتوه بها.
2. وفي الحديث: جواز الصلاة على غير الأنبياء.

٧٣٨. [ق] وعَنْ أبي حُمَيْدٍ الساعدِيِّ ﵁ قال: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا مِنَ الأَسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ. [خ:١٥٠٠]

١٧- باب النَّهي عَنِ العَوْدِ في الصَّدقة، ومَن يجوز له شرْبُ ألبانها


٧٣٩. [ق] عَنِ ابن عُمر ﵄ أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ، فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَاسْتَأْذَنَهُ فَقَالَ: «لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ». [خ:١٤٨٩]
• [ق] وفي لفظ آخر: قَال عُمرُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بائِعَهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: «لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ». [خ:١٤٩٠]
1. قال ابن هبيرة: «فيه من الفقه: أنه إذا تصدق الإنسان بصدقة على فقير فاحتاج الفقير إلى أن يبيعها فلا ينبغي للمتصدق أن يشتريها، والسر في ذلك أن وضع الصدقة للطهرة لقول الله عزوجل: ﴿خُذۡ مِنۡ أَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ صَدَقَةࣰ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّیهِم بِهَا﴾ [التوبة ١٠٣] فهي تطهير للمتصدق في المعنى كالماء المزال به النجاسة في الصورة، فإذا أعاد ما أزال به النجاسة إلى نفسه صار كما قال ﷺ: (كالكلب يعود في قيئه)».

٧٤٠. [ق] *وَعَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوْا المَدِينَةَ**،/ فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ* اللهِ ﷺ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، وَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا، وَأَبْوَالِهَا. [خ:١٥٠١] وسيأتي الحديث. [ر:١٨٩٦]
(اجْتَوَوْا) أي: لم توافقهم في صِحَّتهم ونحوه. (اسْتَوْخَم): واستَوْبَلَ.

١٨- باب ما جاء في الرِّكَازِ والمَعْدِنِ، وما يجِبُ فيهما


٧٤١. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ». [خ:١٤٩٩]
• [خت] تفسيرٌ: قال مالك وابن إدريس: (الرِّكاز): دِفْنُ الجاهليَّة، في قليله وكثيره الخُمُس، وليس المَعْدِن بِرِكَازٍ.
• [خت] وقال ابن عبَّاس: ليس العَنْبَرُ بركاز، بل هو شيء دَسَرَهُ البَحر.
• [خت] وقال الحسن: في العَنْبَر واللؤلؤ الخُمُس.
• وقال أيضًا: مَا كان مِن ركازٍ في أرض الحرب ففيه الخُمُس، وما كان في أرض السِّلْمِ ففيه الزَّكاة، وإن وَجَدْتَ اللُّقطةَ في أرض العدو فعرِّفها، فإن كانت مِن العَدُوِّ ففيها الخُمُس.
• [خت] وأخذ عمر بن عبد العزيز مِن المعادن مِن كلِّ مئتين خمسةً.
قال البخاري: وقال بعض النَّاس: المعدن رِكَاز مثلُ دِفْن الجاهليَّة؛ لأنَّه يقال: أَرْكَزَ المَعْدِنُ: إذا خرج منه شيء. قيل له: فقد يُقال لمن وُهب له الشَّيء، أو ربح ربحًا كثيرًا، أو كَثُرَ ثَمرُه: أركز، ثمَّ ناقض وقال: لا بأس أن يكتمه ولا يؤدِّي الخُمُس.
و(الجُبَار): الَّذي لا قَوَدَ فيه ولا دِيَةَ.
1. في الحديث: بيان عدل الشريعة الإسلامية، حيث لا يضمن أحد شيئا متلفا إذا لم يباشره ولا كان سببا فيه، ولا يؤاخذ من لم يصنع الضرر أو يتسبب فيه.

١٩- باب فرض صَدَقة الفِطْر، وممَّا يخرج، وعمَّن يخرج، ومتى يخرج


٧٤٢. [ق] عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَعَلَى الحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ. [خ:١٥٠٣]
٧٤٣. وفي رواية: أمرَ رَسول الله ﷺ بزكاة الفطر صاعًا مِن تمر، أو صاعًا مِن شعير. قال عبد الله: فجعل النَّاس عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِن حنطةٍ. [خ:١٥٠٧]
٧٤٤. وفي أخرى: فَرَض رسول الله صدقة الفِطْر/ -أو قال: رمضان- وذكر نحو ما تقدَّم، وزاد: وكان ابن عُمَر يعطي التَّمر، فأَعْوَزَ أهلُ المدينة مِن التَّمر، فأعطى شعيرًا، فكان ابن عُمَر يعطي عَنِ الصَّغير والكبير. قال نافع: حتَّى إن كان يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ. وكان ابن عمر يعطيها الَّذين يقبلونها، وكانوا يُعْطُوْنَ قبل الفِطر بيوم أو يومين. [خ:١٥١١]
٧٤٥. وعَنْ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ، قال: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ. [خ:١٥٠٦]
٧٤٦. وفي رواية قال: كنَّا نعطيها في زمان رسول الله ﷺ صاعًا مِن طعام، أو صاعًا مِن تمر، أو صاعًا مِن شعير، أو صاعًا مِن زبيب. فلمَّا جاء معاويةُ وجاءت السَّمْرَاءُ فقال: أُرَى مُدًّا مِن هذا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ. [خ:١٥٠٨]
(الأَقِطُ): لبنٌ أُخْرِجَ زُبْدُهُ، يجفَّف فيتكسَّر ويعود كالنِّشا المُنَيَّش.
✽ ✽ ✽

١ قال رسول الله ﷺ: "من آتاه الله مالًا فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع…"، والشجاع الأقرع هو:

٥/٠