١٠- بابُ ما يَقتلُ المُحْرِمُ مِن الدَّوابِّ


٩٨٨. [ق] عَنْ حفصة زوج النَّبيِّ ﷺ قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: الغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالفَأْرَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ». [خ:١٨٢٨]
1. قال الخطابي: «وإنما أباح قتلهن دَفعا لعاديتهن؛ لأنهن كلهن مِن بَين عادٍ قتّال، أو مؤذ ضرار».

٩٨٩. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ». [خ:١٨٢٩]
1. قال القاضي عياض: «أصل الفسق الخروج عن الشيء، ومنه سُمِّي هؤلاء فواسق لخروجهم عن الانتفاع بهم، أو السلامة منهم إلى الإضرار والأذى.»

٩٩٠. [ق] وعَنْ عَبْدِ اللهِ -هو ابنُ مَسْعُودٍ- قال: بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي غَارٍ بِمِنًى، إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: ﴿ردءزة﴾، وإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا، وَإِنِّي لَأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اقْتُلُوهَا». فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا». [خ:١٨٣٠]
• قال أبو عبد الله: إنَّما أردْنا بهذا أنَّ مِنًى مِن الحَرَم، وأنَّهم لم يَرَوا بقتل الحيَّة بأسًا.
1. فيه تلطف النبي ﷺ في الخطاب، وإزالة ما في النفوس؛ لأنه لا شك أن الصحابة لما ابتدروها وفاتتهم، صار في نفوسهم شيء: كيف لم ندركها فنفعل ما أمرنا به النبي ﷺ؟! فقال لهم: إنها وقيت شركم كما وقيتم شرها، فهذه بتلك.
2. وفيه: مشروعية دفع المحرم للأذى عن نفسه أو من حوله.

١١- بابٌ: لا يُعْضَدُ شَجَرُ الحَرَمِ، ولا يُخْتَلَى خَلَاه، ولا يُنَفَّرُ صَيدُهُ، ولا يَحِلُّ القتالُ بِمكَّةَ


٩٩١. [ق] عَنْ أَبي شُرَيح العَدَويِّ -واسمه خُويلد بن عَمرٍو، وقيل: ابْن صَخْر- أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: اّْئْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ الغَدَ مِنْ يَوْمِ الفَتْحِ، فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: إنَّه حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ/ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقُولُوا له: إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ». فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لك عَمْرٌو؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذلكَ مِنْكَ، إنَّ الحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ. [خ:١٨٣٢]
1. قوله: (وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ) قال النووي: «فيه التصريح بوجوب نقل العلم وإشاعة السنن والأحكام».
2. إفادة العلم وقت الحاجة إليه؛ لأنه أبلغ.
3. نصح ولاة الأمور، وأن يكون ذلك بلطف ولين، لأنه أنجح في المقصود.
4. إقرار الصحابة إمارة الأمراء ولو كانوا فساقًا.
5. تعظيم حرمة مكة، بكون تحريمها من الله تعالى لا من الناس، وأما تحريم إبراهيم -عليه السلام- لمكة فهو إظهار لتحريم الله.
6. جواز النسخ مرتين في فعل واحد؛ لأن القتال بمكة كان حراما، ثم أحل للنبي ﷺ ساعة الفتح، ثم حُرم.

٩٩٢. [ق] وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: «لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، فَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ حرَّمهُ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا». قَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِلَّا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ. قَالَ: قال: «إِلَّا الإِذْخِرَ». [خ:١٨٣٤]
الغريب: (العَضْد): القَطْع، و(المِعْضَد): الآلة التي يُقطع بها. و(اسْتُنْفِرْتُم): أُمرتُم بالنَّفْرِ، وهو الخروج للغَزو. و(اللُّقَطَة): الشَّيء المُلتقط، وصوابه بسكون القاف، والمحدِّثون يقولونها بفتحها، وهو غَلطٌ، وإنَّما اللُّقَطَةُ -بالفتح-: الآخذ لِلُّقطة على قياس: صُرْعة وصُرَعة. و(الخَلا): الرَّطْب مِن النَّبات. و(الحَشيش): هو اليابس. و(الكلأُ) بالهمز، يُقال على كلٍّ منهما، و(الشَّجر): مَا كان على ساقٍ، و(النَّجم) مِن النَّبات ما لم يكن عَلى ساق. و(الخَرْبة) الرِّواية المشهورة بالفتح، وضبطه الأَصِيليُّ بالضمُّ، وهي الفَسَاد والسَّرقة. و(الخَارب): اللِّصُّ، وقيل: سارق الإبل خاصَّة. و(القَيْن): الحدَّاد؛ وقد يُقال على الصَّانع مُطلقًا.
1. قوله: (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) قال النووي: «معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة ولكن حصلوه بالجهاد والنية الصالحة وفي هذا: الحث على نية الخير مطلقا، وأنه يثاب على النية».
2. قال الطيبي - رحمه الله -: «الهجرة إما فرار من الكفار، وإما إلى الجهاد، وإما نحو طلب العلم، وقد انقطعت الأولى، فاغتنموا الأخيرتين».
3. الحديث دليل على انقطاع الهجرة من مكة بعد فتحها، وفي هذا إيذان بأن مكة ستبقى دار إسلام إلى قيام الساعة، وهذا من معجزاته ﷺ .

١٢- بابُ ما يَجْتَنِبهُ المُحْرمُ مِن اللِّباسِ وغيرِهِ


٩٩٣. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَلْبَسُوا القَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا العَمَائِمَ، وَلَا البَرَانِسَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ/ الكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الوَرْسُ، وَلَا تَنْتَقِبِ المُحْرِمَةُ». [خ:١٨٣٨]
٩٩٤. [ق] عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: «مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ». [خ:١٨٤١]
1. قوله: (وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الوَرْسُ) قال النووي: «أجمعت الأمة على تحريم لباسهما لكونهما طيبا، وألحقوا بهما جميع أنواع ما يقصد به الطيب، وسبب تحريم الطيب أنه داعية إلى الجماع؛ ولأنه ينافي تذلل الحاج، فإن الحاج أشعث أغبر».
2. قال النووي: «قال العلماء: والحكمة في تحريم اللباس المذكور على المحرم ولباسه الإزار والرداء أن يبعد عن الترفه ويتصف بصفة الخاشع الذليل؛ وليتذكر أنه محرم في كل وقت، فيكون أقرب إلى كثرة أذكاره، وأبلغ في مراقبته وصيانته لعبادته، وامتناعه من ارتكاب المحظورات؛ وليتذكر به الموت ولباس الأكفان، ويتذكر البعث يوم القيامة، والناس حفاة عراة مهطعين إلى الداعي» .
3. قال النووي: «والحكمة في تحريم الطيب والنساء: أن يبعد عن الترفه وزينة الدنيا وملاذها، ويجتمع همه لمقاصد الآخرة».
4. قال النووي: «وفيه أن من أصابه طيب ناسيا أو جاهلا ثم علم وجبت عليه المبادرة إلى إزالته».

١٣- بابُ ما يَجُوزُ للمُحْرِم فعْلُه-وكَوَى ابنُ عُمَرَ ابنَه وهو مُحْرِمٌ- ويَتداوى بما لم يكن فيه طيبٌ


٩٩٥. [ق] عَنِ ابن عبَّاسٍ قال: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ. [خ:١٨٣٥]
٩٩٦. [ق] وعَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قال: احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، بِلَحْي جَمَلٍ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ. [خ:١٨٣٦]
٩٩٧. [ق] وعَنِ البَرَاءِ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي ذِي القَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ: لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ بِسِلاحٍ إِلَّا فِي القِرَابِ. [خ:١٨٤٤]
1. قال القاضي عياض: «هذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولا حاجة، فإن كانت جاز» .

١٤- بابٌ


٩٩٨. [ق] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. [خ:١٨٣٧]
• قلتُ: قد صحَّ أنَّ ميمونةَ قالت: إنَّ النَّبيَّ ﷺ تزوَّج بها وَهو حَلال. وقد تُؤُول حَديثُ ابْنِ عباس على أنَّه ﵇ كان في الحَرَمِ حيث تزوَّج بها. والله أعلم.

١٥- بابُ سُنَّةِ المُحْرِمِ، والمُحْرِمِ إذا مَاتَ


٩٩٩. [ق] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبيِّ ﷺ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ: أَوْقَصَتْهُ- فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُه يَوْمَ القِيَامَةِ يُلَبِّي». [خ:١٨٤٩]
• [ق] وفي أخرى [خ:١٨٥٠]: «ولا تُمِسُّوه طِيبًا».
الغريب: (وَقَصَتْه): أوْقعته فانْدقَّتْ عنقُه. يُقال: وُقِصَ الرَّجلُ فهو مَوْقُوصٌ ثلاثيًا، وقد جَاء رُباعيًا. والأوَّلُ أَفصحُ.
1. الحديث دليل على أن من أحرم بحج أو عمرة، ثم مات قبل إتمام نسكه، أنه لا يكتمل النسك عنه، ولو كان فرضًا، فالنبي ﷺ لم يأمر أحدًا يتم النسك عن ذلك الرجل؛ لأنه لو أتم أحدًا عنه النسك، ذهب عنه وصف الإحرام، فلا يبعث يوم القيامة ملبيًا.
2. الحديث دليل على أنه يشرع تطييب الميِّت، ووجه ذلك أن النبي ﷺ في حديث الباب نهى عن تحنيط الميت المحرم، وهذا يدل على أن تحنيط غير المحرم من الأموات أمرٌ مشروع.

١٦- بابُ الحجِّ عَنِ المَيِّت وعَنِ المَعْضُوبِ وعَنِ الصَّبيِّ


١٠٠٠. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَت النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّيَ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ/ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، فَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «حُجِّي عَنْهَا؛ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَته؟ اقْضُوا اللهَ؛ فَاللهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ». [خ:١٨٥٢]
هذه روايةُ سعيدِ بن جُبيرٍ عن ابْنِ عبَّاسٍ.
1. في الحديث: مشروعية النيابة في الحج عن الميت.
2. وفيه: مشروعية النذر بالحج.
3. وفيه: مشروعية القياس وضرب المثل؛ ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه.
4. وفيه: أنه يستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتبت على ذلك مصلحة، وهو أطيب لنفس المستفتي وأدعى لإذعانه.

١٠٠١. [ق] وقَد رَواه سُليمانُ بن يَسَار عن ابْنِ عبَّاسٍ فقالَ: كانَ الفضلُ بنُ عبَّاسٍ رَديفَ رسولِ اللهِ ﷺ، فجاءتِ امْرأةٌ مِن خَثْعَمَ، فجعل الفَضلُ يَنظرُ إليها وتَنْظُرُ إليهِ، وجعلَ النَّبيُّ ﷺ يَصْرِفُ وجْه الفَضلِ إلى الشِّقِّ الآخرِ، فقالت: إنَّ فريضةَ اللهِ أدركَتْ أبي شيخًا كبيرًا لا يَثْبُتُ على الرَّاحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: «نعم». وذلك في حجَّة الوَدَاع. [خ:١٨٥٥]
1. في الحديث أنه يجوز للمرأة الاستفتاء في العلم والترافع في الحكم، والمعاملة وإظهار صوتها في ذلك إذا لم تحدث فتنة.
2. وفيه أن تغيير المنكر باليد للقادر عليه مقدم على تغييره باللسان.
3. وفيه أن العالم يغير من المنكر ما يمكنه إذا رآه، وإزالة المنكر باليد لمن أمكنه من غير مفسدة زائدة عن المنكر الحاصل.
4. وفيه أنه يخشى على الصالحين ما يخشى على غيرهم من الفتنة بالنساء.

١٠٠٢. وعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حُجَّ بِي مَعَ النَّبيِّ ﷺ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. [خ:١٨٥٨]
1. فيه جواز حج الصبي قبل البلوغ؛ ليتعود على الطاعة ويَألَفَهَا، وفيه كتابة الأجر للصبي والولي على أداء الحج وإن كان تطوعًا.

١٠٠٣. وقال عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ: وكان السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ قَدْ حُجَّ بِهِ فِي ثَقَلِ النَّبِيِّ ﷺ. [خ:١٨٥٩]

١٧- بابُ الحجِّ للنِّساءِ أفضلُ مِن الجهادِ، وحجُّهنَّ مع الزَّوج أو ذِي المَحْرم


١٠٠٤. عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ: «لَكُنَّ أَحْسَنُ الجِهَادِ وَأَجْمَلُهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَا أَدَعُ الحَجَّ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ. [خ:١٨٦١]
1. سمي الحج جهادا إما من باب التغليب، أو على الحقيقة، والمراد جهاد النفس؛ لما فيه من إدخال المشقة على البدن والمال.

١٠٠٥. [ق] وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الحَجَّ؟ فَقَالَ: «اّْخْرُجْ مَعَهَا». [خ:١٨٦٢]
1. قال النووي: «فيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة؛ لأنه لما تعارض سفره في الغزو، وفي الحج معها رجح الحج معها؛ لأن الغزو يقوم غيره في مقامه عنه بخلاف الحج معها».
2. قال ابن حجر: «يستفاد منه أن الحج في حق مثله أفضل من الجهاد؛ لأنه اجتمع له مع حج التطوع في حقه تحصيل حج الفرض لامرأته، وكان اجتماع ذلك أفضل من مجرد الجهاد الذي يحصل المقصود منه بغيره»

١٠٠٦. ومِن حديثِ أَبِي سَعيدٍ: «لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ». [خ:١٨٦٤]
١٠٠٧. وقد أَذِنَ عُمرُ لأزواجِ النَّبيِّ ﷺ في آخِر حجَّة حجَّها، فبعثَ معهنَّ عثمان ابن عفَّان وعبد الرَّحمن بن عوف. [خ:١٨٦٠]
1. قال الشيخ ابن عثيمين: «إذا قال قائل: هذا الحجيج ليس فيه أن معهن محرَماً، فهل يقال هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنهن أمهات المؤمنين، ليس بمحرمية ولكن باحترام، أو يقال المحرم هنا مسكوت عنه، وأُرسل معهن هذان الصحابيان الفاضلان مع المحارم؟ الأول محتمل، والثاني محتمل، فإذا أخذنا بالقاعدة أن يُحمل المتشابه على المُحكم ماذا نقول؟
الجواب: نقول بالاحتمال الثاني، ونقول: لابد أن محارمهن معهن لكن جُعل معهن هذان الصحابيان الجليلان تشريفاً وتعظيماً لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن»
.

١٨- بابُ مَن نَذَرَ المشيَ إِلى الكَعبةِ لَزِمَه، فإنْ لم يستطعْ رَكِب وعليه الهَدْي


١٠٠٨. [ق] عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ اّْبْنَيْهِ قَالَ: «مَا بَالُ هَذَا؟» قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ. قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ، مُرْه أَنْ يَرْكَبَ». [خ:١٨٦٥]
1. في الحديث: بيان تيسير الشرع في مواطن الاضطرار والشدة، وأن تكاليف الدين مبنية على قدر استطاعة العبد على العمل.

١٠٠٩. [ق] وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ/ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ ﷺ، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبيَّ ﷺ فَقَالَ: «لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ». [خ:١٨٦٦]
1. في الحديث بيان لبعض العلل في كراهية الشارع للنذر؛ وهو العجز عن القيام بالمنذور، فالظاهر أن هذه المرأة لما نذرت المشي علمت من نفسها عدم القدرة؛ فاضطرت إلى الخروج من هذا المأزق.
2. وفيه أنه إذا اشتمل النذر على أمر مباح وعبادة، فلكل حكمه، فيؤمر بالعبادة؛ لأنها التي يجب الوفاء بها، إذ قد اشتمل أداؤها على المصلحة.

١٠١٠. [ق] ومِن حديث أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى». [خ:١١٨٩]
1. قال النووي: «فيه بيان عظيم فضيلة هذه المساجد الثلاثة ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولفضل الصلاة فيها».

١٩- بابُ فَضْلِ المَدينةِ وتحرِيْمها


١٠١١. [ق] عَنْ أَبِي هُريرةَ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى، يَقُولُونَ: يَثْرِبُ، وَهِيَ المَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ». [خ:١٨٧١]
1. قال ابن الأثير: «(أمرت بقرية تأكل القرى) هي المدينة، أي يغلب أهلها وهم الأنصار بالإسلام على غيرها من القرى وينصر الله دينه بأهلها، ويفتح القرى عليهم ويغنمهم إياها فيأكلونها».

١٠١٢. [ق] وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «تُفْتَحُ اليَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الشَّأْمُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ العِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ». [خ:١٨٧٥]
1. قال المهلب: «في هذا الحديث أن المدينة تُسكن إلى يوم القيامة وإن خَلَت في بعض الأوقات لقصد الراعيين بغنمهما إلى المدينة».
2. المدينة خير لهم؛ لأنها حرم الرسول ﷺ، وجواره، ومهبط الوحي، ومنزل البركات، لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد والعوائد في الدين، التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الدنيوية الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها.
3. وفيه: دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض.

١٠١٣. [ق] وعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ تَبُوكَ حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ، فَقَالَ: «هَذَهِ طَابة». [خ:١٨٧٢]
١٠١٤. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا». [خ:١٨٧٦]
1. قال ابن عثيمين: «فيه إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضا، فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعاً في مكة، ومكة هي المهبط الأول للوحي لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد أن هاجروا إلى المدينة، فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشراً من المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان».

١٠١٥. وعنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «حُرِّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ المَدِينَةِ عَلَى لِسَانِي». قَالَ: وَأَتَى النَّبِيُّ ﷺ بَنِي حَارِثَةَ فَقَالَ: «أَرَاكُمْ يَا بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ الحَرَمِ». ثُمَّ التَفَتَ فَقَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ فِيهِ». [خ:١٨٦٩]
1. قوله في الحديث: (أَرَاكُمْ يَا بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ الحَرَمِ». ثُمَّ التَفَتَ فَقَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ فِيهِ) قال ابن حجر: «في هذا الحديث جواز الجزم بما يغلب على الظن، وإذا تبين أن اليقين على خلافه رجع عنه».

١٠١٦. [ق] وعَنْ عَلِيٍّ ﵁ قَالَ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «المَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى ثَوْرٍ، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ».[خ:١٨٧٠] وسَيأتي [ر:١٥٠٧].
١٠١٧. [ق] وعَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «المَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا وَلَا يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». [خ:١٨٦٧]
الغريب: (تَأْكُلُ القُرَى) أي: يُجْبَى إِليها خَراجُهَا. و(يَثْرِبُ): مأخوذ مِن الثَّرْب: وهو شَحم البَطن، أو مِن الثَّرَب: وهُو المؤاخذة والذَّمُّ. و(يَـُبِسُّون):/ يَزجرون الإبل بقولهم: بَس بَس، وهو صوتٌ تُزجَر به الإبل، ويُقال رُباعيًّا وثلاثيًّا. و(يَتَحَمَّلُون): يَحِلُّون. و(طَابة): مِن الطِّيب، وكأنَّه صيَّره عَلمًا للمدينة. و(لَابَتَا المَدينَة): هما الحَرَّتاَن الشَّرقيَّة والغربيَّة. و(النَّقْبُ): الطَّريق في الجَبل. و(يَأَرِزُ): يجتمعُ ويَثْبُتُ. و(عَائر) كَذا وقع هنا، وفي «كتاب مسلم»^([ح:١٣٧٠]): (عَيْر)، قال الزُّهريُّ: هو جَبل مكَّة، وقال غيره: ليس بالمدينة (عَيْر) ولا (ثَوْر)، وإنَّما هما بمكَّة، وأمَّا (ثَوْر) فكذلك رواه الأَصِيليُّ، وكنَّى غيره عنه بـ(كَذا)، وبعضهم ترك موضعه أبيضَ. قال أبو عُبَيدٍ: كأنَّ الحديثَ: (مِنْ عَيْرٍ إِلَى أُحُدٍ). و(الصَّرْف): الفَرِيْضَة. و(العَدْل): النَّافلة، قاله الأصْمَعي، وقيل غيرُ ذلك.
1. بيان شرف المدينة وفضلها ولذلك عظّم المعصية فيها.
2. تحريم إيواء أهل الجرائم وأهل البدع وتوقيرهم؛ لأن ذلك ثلم في الدين وتعظيم للفاسقين .
3. قوله: (فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ)، قال ابن حجر: «فيه جواز لعن أهل المعاصي والفساد لكن لا دلالة فيه على لعن الفاسق المُعين».
4. قال ابن حجر: «في الحديث أن المُحدث والمؤوي للمحدث في الإثم سواء».
5. قال ابن بطال: «وإن كان قد عُلِمَ أن من آوى أهل المعاصي أنه يشاركهم في الإثم فإن من رضي فعل قوم وعملهم التحق بهم»

٢٠- بابٌ: المدينةُ لا يدخلُها الطَّاعونُ ولا الدَّجَّالُ وتَنْفِي الشِّرارَ


١٠١٨. عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ المَدِينَةَ رُعْبُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، لِكُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ». [خ:١٨٧٩]
١٠١٩. [ق] وعَنْ أنسِ بن مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، لَيْسَ مِنْ نِقَابِهما إِلَّا عَلَيْهِا المَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ إليه كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ». [خ:١٨٨١]
• [ق] ومِن حَديث أبي سعيد الخُدْريِّ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَال: «يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ، يَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالمَدِينَةِ».[خ:١٨٨٢] الحديث وسيأتي[ر:٣١٢٤].
1. قال النووي: «فيه بيان فضيلة المدينة وحراستها في زمنه ﷺ، وكثرة الحراس، واستيعابهم الشعاب زيادة في الكرامة لرسول الله ﷺ».

١٠٢٠. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ». [خ:١٨٨٠]
١٠٢١. [ق] وعَنْ جَابِرٍ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ ﷺ فَبَايَعَهُ عَلَى الإِسْلَامِ، فَجَاءَ مِنَ الغَدِ مَحْمُومًا فَقَالَ: أَقِلْنِي. فَأَبَى ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ: «المَدِينَةُ كَالكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا». [خ:١٨٨٣]
1. في الحديث: أن من عقد على نفسه أو على غيره عقد الله، فلا يجوز له حله؛ لأن في حله خروجا إلى معصية الله، وقد قال الله تعالى: ﮋ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة:1].
2. وفيه دلالة على عدم الجواز لمن أسلم أن يترك الإسلام، ولا لمن هاجر إلى النبي - ﷺ - أن يترك الهجرة، وفي القصة ذم من ترك ذلك حيث وصفه النبي - ﷺ - بالخبيث.

١٠٢٢. [ق] ومِن حَديث زيدِ بن ثابتٍ: قَالَ النَّبيُّ ﷺ: «إِنَّهَا تَنْفِيْ الدَّجَّالَ». [خ:١٨٨٤]
الغريب: (الدَّجَّال): هو الكذَّاب المُمَوِّه بكذبِهِ. و(يَنْصَعُ): يخلُصُ ويَنِمُّ، ويُروى: «طِـَيبها» بكسر الطَّاء وفتحها، والكسر أنسب لينصع. و(تَرْجُف): تَضطرِبُ وتتحرَّك؛ يعني: أهلَها.

٢١- بابُ/ الدُّعاءِ للمدينةِ، وعَلى مَن كادَ أهلَها، والمنْع مَن أنْ تُعْرى


١٠٢٣. [ق] عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اجْعَلْ بِالمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ البَرَكَةِ». [خ:١٨٨٥]
1. قال النووي: «الظاهر أن البركة حصلت في نفس الكيل بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها، وهذا أمر محسوس عند من سكنها».

١٠٢٤. [ق] وعن سعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ قَال: «لَا يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا اّْنْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ». [خ:١٨٧٧]
1. من أراد المدينة بسوء اضمحلَّ أمره، وذهب كما يذهب الملح في الماء، ومنهم من قال بعمومه، وأن من أراد المدينة بسوء يذهب سلطانه عن قرب، وقيل: إن أرادها بسوء فإن إرادته لن تتم.

١٠٢٥. وعنْ أَنَسٍ قَالَ: أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ المَسْجِدِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ تُعْرَى المَدِينَةُ، وَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ؟!». [خ:١٨٨٧]
الغَريب: (اّْنْماع): ذابَ، وهو هنا كَناية عَنِ الهَلاك. و(يَكيد): يَخْدَع ويَسْعَى في مضرَّة أهلِها. و(تُعْرَى) أي: تُخْلَى عَنِ المساكن الَّتي حولها فتبقى عاريةً.
1. في الحديث: فضل عمارة المدينة، والتوسع والانتشار فيها.
2. وفيه: الترغيب في المشي إلى المساجد.

٢٢- بابُ حبِّ النَّبيِّ ﷺ المدينةَ، والصَّبرِ على شِدَّتِها


١٠٢٦. عنْ أَنَسٍ أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا. [خ:١٨٨٦]
1. قال ابن حجر: «الحديث فيه دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه».
2. قال ابن بطال: «لأنها وطنه، وفيها أهله وولده الذين هم أحب الناس إليه، وقد جبل الله النفوس على حب الأوطان والحنين إليها، وفعل ذلك عليه السلام، وفيه أكرم الأسوة، وأمر أمته سرعة الرجوع إلى أهلهم عند انقضاء أسفارهم».
3. قال القسطلاني: «وقد استجاب الله تعالى دعاء نبيه – ﷺ - حيث دعا اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حتى كان يحرك دابته إذا رآها من حبها».

١٠٢٧. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ المَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ ويَقُولُ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
اللهُمَّ العَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الوَبَاءِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ وأَشَدَّ، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَاّْنْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ». قَالَتْ: وَقَدِمْنَا المَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللهِ. قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلًا. تَعْنِي: مَاءً آجِنًا. [خ:١٨٨٩]
1. قال ابن حجر: «في الحديث إشارة إلى الترغيب في سكنى المدينة، وحديث عائشة في قصة وعك أبي بكر وبلال فيه دعاؤه ﷺ للمدينة بقوله: (اللهم صححها) وفي ذلك إشارة إلى الترغيب في سُكناها أيضاً».
2. وفي الحديث: أن الله تعالى أباح للمؤمن أن يسأل ربه صحة جسمه، وذهاب الآفات عنه إذا نزلت به، كسؤاله إياه في الرزق والنصر، وليس في دعاء المؤمن ورغبته في ذلك إلى الله لوم ولا قدح في دينه.
3. وفيه: الدعاء باللعن على الظالمين والكافرين.
4. وفيه: العناية بالناحية الصحية والاهتمام بجودة الهواء، ونقاء الماء، والتحذير من المياه الراكدة المتغيرة.
5. وفيه: مشروعية إنشاد الشعر، والتمثل به، واستماعه.

١٠٢٨. وعن حَفْصَةَ بنتِ عُمَرَ قالت: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: اللهُمَّ اّْرْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاّْجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ. [خ:١٨٩٠]
١٠٢٩. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ/ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي». [خ:١٨٨٨]
الغريب: (أَوْضَعَ): أسرعَ. و(وُعِكَ): أصابَهُ الوَعَكُ؛ أي: الحمَّى. و(العَقِيرةُ) هنا: الصَّوت. و(الإِذْخِرُ وَالجَلِيل): نباتان. و(مِجَنَّة): وادٍ بمكَّة. و(شَامةٌ وَطَفيلٌ): جَبلان هناك. و(بُطْحَان): وادٍ مِن أَوْدية المدينة. و(الآجِن): الماء المتغيِّر.
1. وقع في رواية ابن عساكر لحديث البخاري عن أبي هريرة بلفظ (قبري) بدل: (بيتي)، قال ابن حجر: وهو خطأ، قال ان تيمية: وهو ﷺ حين قال هذا القول لم يكن قد قُبِرَ بعد صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا لم يحتج به أحد من الصحابة حينما تنازعوا في موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم لكان نصًّا في محل النزاع، ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضع الذي مات فيه – بأبي هو وأمي – صلوات الله وسلامه عليه».

٢٣- بابُ الاشْتراكِ في الهَدْي


١٠٣٠. [ق] عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ طَاوُوسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ صُبْحَ أَربعةٍ مِنْ ذِي الحَـِجَّةِ مُهِلُّونَ بِالحَجِّ لَا يَخْلِطُهُمْ شَيْءٌ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً وَأَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا، فَفَشَتْ فِي ذَلِكَ القَالَةُ.
قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَيَرُوحُ أَحَدُنَا إِلَى مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا؟! فَقَالَ جَابِرٌ بِكَفِّهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا، وَاللهِ إِنِّي لأَبَرُّ وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْلَلْتُ». فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هِيَ لَنَا أَوْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: «لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ». قَالَ: وَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَقُولُ لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ. وَقَالَ الآخَرُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَأَمَرَه رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَأَشْرَكَهُ فِي الهَدْيِ. [خ:٢٥٠٥-٢٥٠٦]

١ قال الرسول ﷺ : خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن ؟

٥/٠