(٣٨) كِتَابُ الشَّهَادَاتِ


١- بابُ لَا يَشْهدُ إلَّا العُدُول، وإِثْم شَهادةِ الزُّورِ، وقَوْلِ اللهِ تعالىَ: ﴿وَأَشۡهِدُوا۟ ذَوَیۡ عَدۡلࣲ مِّنكُمۡ وَأَقِیمُوا۟ ٱلشَّهَـٰدَةَ لِلَّهِ﴾ [الطلاق:٢] وقولِهِ: ﴿مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَاۤءِ﴾ [البقرة:٢٨٢]


١٢٧٨. وعن عبد الله بن عُتْبة قال: سمعتُ عُمرَ بنَ الخطَّابِ يقولُ: إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْء، اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. [خ:٢٦٤١]
1. في الحديث: أن الأصل في المسلم العدالة حتى يظهر منه ما ينافيها.

١٢٧٩. [ق] وعَنْ أنس: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الكَبَائِرِ فقَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ». [خ:٢٦٥٣]
١٢٨٠. [ق] وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ثَلَاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ» -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا- «وَقَوْلُ الزُّورِ». فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. [خ:٢٦٥٤]
1. قوله: (وجلس وكان متكئاً)، قال ابن دقيق العيد: «اهتمامه ﷺ بشهادة الزور يحتمل أن يكون لأنها أسهل وقوعاً على الناس والتهاون بها أكثر».
2. قوله: (فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)، قال ابن حجر: «فيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه ﷺ والمحبة له والشفقة عليه».
3. قوله: (ألا وقول الزور)، قال ابن حجر: «فيه تحريم شهادة الزور، وفي معناها كل ما كان زوراً من تعاطي المرء ما ليس له أهلاً».

١٢٨١. [ق] وعن عِمران بْن حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ». [خ:٢٦٥١]
١٢٨٢. [ق] وعَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ». قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالعَهْدِ. [خ:٢٦٥٢]
1. قال ابن عثيمين: «قوله: (خير الناس) دليل على أن قرنه خير الناس، فصحابته ﵃ أفضل من الحواريين الذين هم أنصار عيسى، وأفضل من النقباء السبعين الذين اختارهم موسى عليه السلام، وهذه الأفضلية أفضلية من حيث العموم والجنس، لا من حيث الأفراد، فلا يعني أنه لا يوجد في تابعي التابعين من هو أفضل من التابعين، أو لا يوجد في التابعين من هو أعلم من بعض الصحابة، أما فضل الصحبة، فلا يناله أحد غير الصحابة ولا أحد يسبقهم فيه، وأما العلم والعبادة، فقد يكون فيمن بعد الصحابة من هو أكثر من بعضهم علمًا وعبادة».
2. قوله: (تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته)، قال القاري: «قيل: ذلك عبارة عن كثرة شهادة الزور واليمين، فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة، وتارة يعكسون»، وقال المظهر: «هذا يحتمل أن يكون مثلا في سرعة الشهادة واليمين، وحرص الرجل عليهما، والإسراع فيهما، حتى لا يدري أنه بأيهما يبتدئ، وكأنه تسبق شهادته يمينه ويمينه شهادته من قلة مبالاته بالدين».

٢- بابُ قَبُولِ شهادةِ القَاذِفِ والمَحدودِ إِذَا تَابا، وقولِ اللهِ تعالىَ: ﴿وَلَا تَقۡبَلُوا۟ لَهُمۡ شَهَـٰدَةً أَبَدࣰاۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ ۝٤ إِلَّا ٱلَّذِینَ تَابُوا۟...﴾ [النور:٤-٥]


• [خت] وَجَلَدَ عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعًا بِقَذْفِ المُغِيرَةِ، ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ، وَقَالَ: مَنْ تَابَ قَبِلْتُ/ شَهَادَتَهُ.
• [خت] وَأَجَازَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُتْبَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُوسٌ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ وَشُرَيْحٌ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ.
• [خت] وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: الأَمْرُ عِنْدَنَا بِالمَدِينَةِ إِذَا رَجَعَ القَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.
• [خت] وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.
• [خت] وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا جُلِدَ العَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنِ اّْسْتُقْضِيَ المَحْدُودُ فَقَضَايَاهُ جَائِزَةٌ.
• [خت] وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ القَاذِفِ وَإِنْ تَابَ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ جَازَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَأَجَازَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ وَالعَبْدِ وَالأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ.
١٢٨٣. [ق] وعَن عُرْوَة بن الزُّبَيْرِ أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولَ اللهِ ﷺ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ يَدُهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ. [خ:٢٦٤٨]

٣- بابُ شَهادةِ الأَعْمى والعَبدِ والمَرْأةِ


• [خت] وأجازَ شهادةَ الأَعْمى القاسمُ والحسنُ وابْنُ سِيرينَ والزُّهريُّ وعطاءٌ والشَّعبيُّ.
• [خت] وَقَالَ الحَكَمُ: رُبَّ شَيْءٍ تَجُوزُ فِيهِ.
• [خت] وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَرَأَيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ لَوْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةٍ أَكُنْتَ تَرُدُّهُ؟
• [خت] وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَعَرَفَتْ صَوْتِي، قَالَتْ: سُلَيْمَانُ اّْدْخُلْ، فَإِنَّكَ مَمْلُوكٌ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ شَيْءٌ.
• [خت] وَأَجَازَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ مُتَنَقِّبَةٍ.
١٢٨٤. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يَقْرَأُ آيةً فِي المَسْجِدِ فَقَالَ: «لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً، أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا». [خ:٢٦٥٥]
1. قال ابن حجر: «قال الإسماعيلي: النسيان من النبي ﷺ لشيء من القرآن يكون على قسمين: أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله ﷺ في حديث ابن مسعود في السهو (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون). والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى: {سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه}. قال: فأما القسم الأول فعارض سريع الزوال لظاهر قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وأما الثاني فداخل في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا} على قراءة من قرأ بضم أوله من غير همزة.
2. وفي الحديث: جواز النسيان على النبي ﷺ فيما ليس طريقه البلاغ.

• [خت] وفي رواية: قالتْ عائشة: تهجَّد النَّبيُّ ﷺ في بيتي، فسمِعَ صوت عَبَّاد يصلِّي في المسجد، فقال: «يا عائشة! أصوتُ عَبَّادٍ هذا؟»
قلتُ: نعم، قال: «اللَّهمَّ ارْحم عَبَّادًا».
1. فيه: الدعاء لمن أحرز الإنسان من جهته خيرا، وإن لم يقصده ذلك الإنسان.
2. وفيه: رفع الصوت بالقراءة في الليل، وفي المسجد، ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحدا، ولا تعرض للرياء والإعجاب.

• وقد تقدَّم قولُ النَّبيِّ ﷺ: «إنَّ بلالًا يُنادي بلَيْلٍ، فكلُوا واشْربُوا حتَّى ينادي ابْن أمِّ مكتوم»[ر:٣٢١]، وقد تقدَّم قوله ﷺ: «أليسَ/ شَهَادةُ المرأة مثلَ نِصفِ شَهادةِ الرَّجل؟»[ر:١٧٢].
• [خت] وَقَالَ أَنَسٌ: شَهَادَةُ العَبْدِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَ عَدْلًا.
• [خت] وَأَجَازَها شُرَيْحٌ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى.
• [خت] وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ إِلَّا لِسَيِّدِهِ.
• [خت] وَأَجَازَهُ الحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ.
• [خت] وَقَالَ شُرَيْحٌ: كُلُّكُمْ بَنُو عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ.
١٢٨٥. وعَنِ ابْنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عن عقبة بن الحارث أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ، قَالَ: فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَأَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: «كَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّها أَرْضَعَتْكُمَا؟» فَنَهَاهُ عَنْهَا. [خ:٢٦٥٩]
• وفي رواية: «كيفَ وقد قِيلَ؟ دَعهَا عَنك» أو نحوه. [خ:٢٦٦٠]
1. فيه أن الرضاع يثبت، وتترتب أحكامه بشهادة امرأة واحدة.
2. جواز إعراض المفتي لينبه المستفتي على أن الحكم فيما سأله الكف عنه.
3. جواز تكرار السؤال لمن لم يفهم المراد.

٤- بابُ تَعديلِ النِّساءِ بعضِهنَّ بعضًا


١٢٨٦. [ق] عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةَ ابْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللهُ مِنْهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَمَا أَنْزَلَ اللهُ الحِجَابَ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ، وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَالتَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، فَأَقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ، وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ/ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ ثِقَلَ الهَوْدَجِ، فَاحْتَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَنِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ، حَتى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ يَدَهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإِفْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ بِهَا شَهْرًا يُفِيضُونَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَرَى مِنَ النَّبِيِّ ﷺ اللَّطَفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ، إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: «كَيْفَ تِيكُمْ»؟ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نَقَهْتُ، فَرُحْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ مُتَبَرِّزُنَا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ فِي البَرِّيَّةِ أَوْ فِي التَّنَزُّهِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ نَمْشِي، فَعَثَرَتْ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟! فَقَالَتْ: يَا هَنْتَاهْ، أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالُوا؟! فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَسَلَّمَ فَقَالَ: «كَيْفَ تِيكُمْ؟» فَقُلْتُ: ائْذَنْ لِي إِلَى أَبَوَيَّ. قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ، فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، أَوَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ -وفي رواية [خ:٤١٤٣]: قالت عائشة: سَمع رسول الله؟ قالت أمُّها: نعمْ. قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم. فخرَّت مغشيًّا عليها، فما أفاقت إلَّا وَعليها حمَّى بِنَافِضٍ- قَالَتْ: فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ/ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ من نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ لَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَهْلُكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. فَدَعَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «يَا بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْهَا شَيْئًا يَرِيبُكِ؟» فَقَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنِ العَجِينِ، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي». فَقَامَ سَعْدٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا وَاللهِ أَعْذِرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ. فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ -وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وكانَ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ- فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ، لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: كَذَبَ لَعَمْرُ اللهِ، وَاللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ، فَثَارَ الحَيَّانِ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى المِنْبَرِ، فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، وَبَكَيْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبَيْنَما هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَما نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَجَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ مَكَثتُ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي/ إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ». فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ ﷺ مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، وَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللهِ ﷺ. قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ؟ فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللهِ فِيمَا قَالَ. قَالَتْ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ. قَالَتْ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ، وَوَقَرَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ -وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَبَرِيئَةٌ- لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ -وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي- وَاللهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا، إِلَّا أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ: ﴿فَصَبۡرࣱ جَمِیلࣱ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف:١٨]. ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللهُ، وَلَكِنْ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا، وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالقُرْآنِ فِي أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا تُبْرِئُنِي، فَوَاللهِ مَا رَامَ مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ. فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ اّْحْمَدِي اللهَ، فَقَدْ بَرَّأَكِ». فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللهَ. فَأَنْزَلَ اللهُ ﷿:﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ جَاۤءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةࣱ مِّنكُمۡ﴾[النور:١١-٢٠]،فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ ﷿ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدَّيقُ -وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ - : وَاللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ شَيْئاً أَبَداً بَعْدَمَا قَالَ لِعَائِشَةَ. فَأَنْزَلَ اللهُ ﷿: ﴿وَلَا یَأۡتَلِ أُو۟لُوا۟ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن یُؤۡتُوۤا۟ أُو۟لِی ٱلۡقُرۡبَىٰ﴾إِلَى قَوْلِهِ:﴿غَفُورࣱ رَّحِیمٌ﴾ [النور:٢٢] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ سَألَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ: «يَا زَيْنَبُ، مَا عَلِمْتِ؟» فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا خَيْرًا. قَالَتْ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ/ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالوَرَعِ. [خ:٢٦٦١]
تنبيه: قضيَّةُ الإفْك كَانت في غزوة المُرَيْسِيع، واختُلف في زَمانها. فقيل: كَانت في شَعبان سنة ستٍّ مِن الهجرة، وعلى هذا فيكون ذِكر سعدِ بن مُعاذ في القضية وَهْمًا، فإنَّه مات منصرفَ رسول الله ﷺ مِن بَني قُريظة بِلا خلاف، وكذلك قال أبو عُمرَ بنِ عبدِ البرِّ، قال: وإنَّما تَرَاجَعَ في ذلك سعدُ بن عبادة وأُسَيْدُ بن الحُضَيْرِ. قال القاضي عِيَاض: وجدتُ الطَّبري ذكرَ عَنِ الواقدي أنَّ المرَيْسيع سَنة خمسٍ، قال: وكانت الخندق وَقُرَيظة بعدها، وعلى هذا لا يكون ذكر سعد بن معاذ وهمًا، والله أعلم. و(المُرَيْسِيع): مَاء في ناحية قُدَيْدٍ، ممَّا يلي السَّاحل، أَغار النَّبيُّ ﷺ فيها على بني المُصْطَلِق وَهم غَارُّونَ-أي: غَافلون- وأَنْعَامُهُم تَسقي على الماء فقَتل وأَسرَ. (الهَوْدَج): القُبَّة فيها المَرْأة، وهِي الخِدْر. و(آذَنَ): أَعْلَمَ. و(الجَزْع) بفتح الجيم: الخَرز المَنظوم. و(أَظْفارُ): كذا الرِّواية بألفٍ، والصَّواب: (ظِفَارِ) بغير أَلفٍ مكسورة الرَّاء مبنيٌّ. وهي مدينة باليمن فيها ثِياب حُمْرٌ يُقال: مَنْ دَخَلَ ظَفَارَ حَمَّرَ، وخَرَزٌ ظِفَاري مَنسوب إليها. و(العُلْقَة) مِن الطَّعام: القَليل منه. و(أَمَمْتُ مَنزِلي): قصدتُه مخفَّفةَ الميم. و(سَوادُ النَّائم): شَخْصُهُ. و(التَّعْرِيس): النُّزول مِن آخر اللَّيل، وقال أبو زيد: هو النُّزول في أيِّ وقت كان، ويَشهد له مَا وقع هنا. و(الظَّهيرة): شدَّة الحَرِّ. و(نَحْرُها): أولُها. و(يُفِيضُونَ): يُشِيْعون الحديث. و(يَرِيبُنِي): مِن الرِّيبة، وهو ثلاثيٌّ. و(الوَجَعَ): المرض. و(نَقَهتُ): أَفَقْتُ، وهو بالفتح، ونَقِهْتُ بكسرها معناه: فَهِمتُ. و(مِسْطَحٌ): اسم رجلٍ، وأصله: عودٌ مِن أعواد الحِنَّاء. و(المَناصع): مواضع معروفة. و(المُتَبَرَّز) بفتح الرَّاء هُو: موضع التَّبرُّز، وأصلُه مِن بَرَز: إذا خَرج إلى البَراز. و(الكُنُف): جمع كَنيف، وأصلُه: السَّاتر. و(التَّنزُّه): التَّباعُدُ عَنِ الأقْذار. و(تعِسَ): انتكسَ، دَعَتْ عليه. و(يَا هَنَتَاه): يا امْرأة، ويُقال للرَّجل: يا هَناه، ولا يُستعملان إلَّا في النِّداء. و(وَضِيئةٌ): حسنة. و(لَا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ) أي: لا يَنْقَطِعُ. و(قَلَصَ): انقطعَ. و(يَأْتَلِي): يحلِفُ. و(الوَرَعَ): الكفُّ عَنِ المحارم./
1. فيه: خروج المرأة بدون إذن زوجها في الأمور التي جرى العرف بها، فعائشة ﵂ لم تستأذن رسول الله ﷺ عند خروجها لقضاء الحاجة، وإلاَّ لما غادر المكان بدونها.
2. قولها: (فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار)، قال ابن حجر: «فيه جواز تحلي المرأة في السفر بالقلادة ونحوها».
3. قولها: (فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه)، قال ابن حجر: «فيه صيانة المال ولو قلّ للنهي عن إضاعة المال، فإن عقد عائشة لم يكن من ذهب ولا جوهر».
4. قال ابن حجر: «في الحديث شؤم الحرص على المال؛ لأنها لو لم تُطل في التفتيش لرجعت بسرعة فلما زاد على قدر الحاجة أثَّرَ ما جرى».
5. قولها: (فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي)، قال ابن حجر: «فيه خدمة الأجانب للمرأة من وراء حجاب».
6. قوله: (فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني)، قال القاضي عياض: «وهذا من صفوان لمعنيين: أحدهما: أنها مصيبة لنسيان امرأة منفردة في قفر وليل مُظلم، والثاني: ليقيمها استرجاعهُ من نومها، صيانةً لها عن ندائها وكلامها».
7. قال النوويُّ رحمه الله: «استحباب الاسترجاع عند المصائب؛ سواء كانت في الدين أو في الدنيا، وسواء كانت في نفسه أو من يعزُّ عليه».
8. رعاية الله لأوليائه، وهذا يتضح من جوانب عديدة: فبالنوم ينقطع تفكير عائشة ﵂ فيما أهمها وأقلق راحتها، ويقدر الله تأخُّر صفوان ليُلحِقَها بالجيش، وتتجلى في أعظم صورها في نزول آيات براءتها، وفي أنها مرضت بعد رجوعها إلى المدينة فلم تعلم بما يقال إلا قبل وقت يسير من نزول براءتها، ولو علمت من أول الأمر لكان الخطب أعظم.
9. قولها: (والله ما تكلمنا بكلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه)، قال ابن العراقي: «ليس تكراراً، فإنه قد لا يكلمها، ولكن يُكلِّم نفسه أو يجهر بقراءة، أو ذكر، بحيث يسمعها، فلم يقع منه ذلك، بل استعمل الصمت في تلك الحالة أدباً وصيانةً، ولهول تلك الحالةِ التي هو فيها».
10. قال ابن العراقي: «فيه حسن الأدب مع الأجنبيات لاسيما في الخلوة بهن عند الضرورة في بريَّة أو غيرها».
11. قولها: (فانطلق يقود بي الراحلة)، قال ابن حجر: «في الحديث إكرام ذوي القدر، وإيثارهم بالركوب، وتجشم المشقة لأجل ذلك».
12. قولها: (وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله ﷺ اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي)، قال ابن العراقي: «فيه استحباب ملاطفة الإنسان زوجته، وحُسن معاشرتها، إلا أن يسمع عنها ما يكرهه، فيقلل من اللطف لتفطن هي أن ذلك لعارض، فتسأل عن سببه فتُزيله».
13. قوله (فَرُحْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ) قال ابن حجر: «وفيه أن المرأة إذا خرجت لحاجة تستصحب من يؤنسها أو يخدمها ممن يؤمن عليها».
14. قولها: (فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح)، قال ابن العراقي: «فيه كراهة الإنسان صاحبه وقريبه إذا آذى أهل الفضل أو فعل غير ذلك من القبائح كما فعلت أم مسطح في دعائها على ولدها».
15. قولها: (فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح) ، قال ابن حجر: «في الحديث فضيلة قوية لأم مسطح؛ لأنها لم تُحابِ ولدها في وقوعه في حق عائشة، بل تعمدت سبه على ذلك».
16. قولها: (أتسبين رجلاً شهد بدراً)، قال ابن العراقي: «فيه فضيلة أهل بدر، والذبّ عنهم كما فعلت أم المؤمنين في ذبها عنه».
17. قوله: (أي هنتاه! أولم تسمعي ما قال)، قال ابن العراقي: «فيه أنه يستحب أن يُستَرَ عن الإنسان ما يُقال فيه، إذا لم يكن في ذكره فائدة كما كتموا عن عائشة ﵂ هذا الأمر شهراً».
18. قولها: (أتأذن لي أن آتي أبويَّ)، قال ابن العراقي: «فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها».
19. قولها: (يا بنية! هوني على نفسك الشأن)، قال ابن حجر: «فيه أنه لا ينبغي لأهل المريض أن يُعلموه بما يؤذي باطنه لئلا يزيد ذلك في مرضه».
20. قولها: (فقلت سبحان الله) قال ابن العربي المالكي: «فيه مشروعية التسبيح عند سماع ما يعتقد السامع أنه كذب، وتوجيهه هنا أنه سبحانه وتعالى ينزه أن يحصل لقرابة رسول الله ^ تدنيس، فيشرع شكره بالتنزيه في مثل هذا».
21. قولها: (يستشيرهما في فراق أهله)، قال ابن العراقي: «فيه مشاورة الإنسان بطانته وأهله وأصدقاءه فيما ينوبه من الأمور»، قال النووي: «وفيه جواز استفتاء المفضول مع وجود أفضل منه».
22. وفيه أنه إذا استشير جماعة فقد يصيب المفضول ويخطئ الفاضل.
23. وفيه أنه لا يلزم الأخذ بالاستشارة، وهي غير ملزمة، فالنبي ﷺ لم يأخذ بقول علي ﵁.
24. وفيه استشارة الرجل للمرأة إذا أُمنت الفتنة.
25. قولها: (فقام رسول الله ﷺ من يومه)، قال ابن العراقي: «أي على المنبر، وفيه خطبة الإمام الناس عند نزول أمرٍ مهم».
26. قوله: (من يعذرني فيمن آذاني في أهلي) قال ابن العراقي: «فيه اشتكاء ولي الأمر إلى المسلمين من تعرَّض له بأذى في نفسه أو أهله أو غيره، واعتذاره فيما يُريد أن يؤدبه به».
27. قولها: (وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية)، قال القاضي عياض: «فيه أن التعصب في الباطل يخرج عن اسم الصلاح».
28. قال القاضي عياض: «فيه جواز سب المتعصب في الباطل والمتكلم بنكر القول، والإغلاظ في سبه بما يشبه صفته، وإن لم يكم فيه حقيقة، لقول أسيد: (كذبت، إنك منافق تجادل عن المنافقين)، وحاشا سعدا من النفاق، ولكن لما كان منه من ظاهر التعصب لابن أبي، عرض له بمثل هذا القول الغليظ».
29. قوله: (فلم يزل رسول الله ﷺ يخفضهم حتى سكتوا وسكت)، قال ابن العراقي: «فيه المبادرة إلى قطع الفتن والخصومات والمنازعات وتسكين الغضب».
30. قولها: (فجلست تبكي معي)، قال ابن حجر: «فيه مساعدة من نزلت فيه بليَّة بالتوجع والبكاء والحزن».
31. قوله: (أما بعد، يا عائشة! فإنه بلغني عنك كذا وكذا)، قال ابن العراقي: «فيه أن الخطيب والمتكلم بالمهم يأتي بعد الحمد والشهادتين بهذه اللفظة، وهي: (أما بعد)».
32. قولها لأبويها: (أجيبا عني)، قال ابن العراقي: «فيه تفويض الكلام إلى الكبار؛ لأنهم أعرف بمقاصده، واللائق بالمواطن منه، وأبواها يعرفان حالها».
33. قولها: (ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يُتلى)، قال القرطبي: «فيه دليل على أن الذي يتعين على أهل الفضل والعلم والعبادة والمنزلة احتقار أنفسهم، وترك الالتفات إلى أعمالهم وأحوالهم، وتجريد النظر إلى لطف الله وعفوه ورحمته وكرمه».
34. قوله: (أبشري يا عائشة!)، قال ابن العراقي: «فيه استحباب المُبادرة لتبشير من تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه بليَّة ظاهرة».
35. قولها: (لا والله! لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله)، قال ابن حجر: «فيه معذرة من انزعج عند وقوع الشدة لصغر سن ونحوه، وإدلال المرأة على زوجها وأبويها».
36. قال ابن حجر: «في الحديث أن الشدة إذا اشتدت أعقبها الفرج».
37. قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ}، قال ابن العراقي: «فيه استحباب صلة الأرحام، وإن كانوا مسيئين والعفو والصفح عن المسيء، والصدقة والإنفاق في سبيل الخيرات».
38. وفيه أن المرء يتعلم من أخطائه، فعائشة ﵂ خرجت لقضاء حاجتها وكان الأولى أن تعلم بذلك لئلا يغادروا المكان دونها قال ابن حجر: «وقد وقع لها بعد ذلك في ضياع العقد أيضا أنها أعلمت النبي ﷺ بأمره، فأقام بالناس على غير ماء حتى وجدته، ونزلت آية التيمم بسبب ذلك، فظهر تفاوت حال من جرب الشيء ومن لم يجربه».

٥- بابُ ما يُكْرَهُ مِن الإِطْنَابِ في المَدْحِ، وليقُلْ ما يَعْلَمُ إِذا أُمِنَتِ الفتنةُ على المادِحِ والمَمْدُوح


١٢٨٧. [ق] عَنْ أَبِي مُوسَى: سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي مَدْحِهِ، فَقَالَ: «أَهْلَكْتُمْ -أَوْ: قَطَعْتُمْ- ظَهَرَ الرَّجُلِ». [خ:٢٦٦٣]
١٢٨٨. [ق] وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ». مِرَارًا. ثُمَّ قَالَ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ». [خ:٢٦٦٢]
• [خت] وقال أبو جَميلة: وجدتُ مَنْبُوذًا، فلمَّا رآني عُمرُ كأنَّه يتَّهمني، قال عَرِيفي: إنَّه رجلٌ صالحٌ. قال: كذلك، اذْهب وعلينا نَفَقتُهُ.
1. من كان مادحاً لا محالة فليوكل حال الممدوح في النهاية إلى الله فهو حسيبه وأعلم بحاله.
2. الثناء على العبد ينبغي أن يكون على سبيل حسن الظن به وليس على سبيل الجزم والقطع.

٦- بابُ بُلُوغِ الصِّبيانِ وشهادَتِهم، وقولِهِ تعالى: ﴿وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَـٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡیَسۡتَـٔۡذِنُوا۟﴾ [النور:٥٩]


-وقال مُغيرة: احتلَمتُ وأنا ابْن ثنتي عَشْرة سنةً- وبلوغ النِّساء إلى المَحِيْضِ لقولِهِ: ﴿وَٱلَّـٰۤـِٔی یَىِٕسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِیضِ مِن نِّسَاۤىِٕكُمۡ﴾إلى قولِهِ﴿أَن یَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّ﴾ [الطلاق:٤]
• [خت] وقالَ الحَسنُ بنُ صالحٍ: أدركتُ جارةً لنا جَدَّةً بنتُ إحدى وعشرين سَنةً.
١٢٨٩. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي، قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الحَدِيثَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الَحَدَّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ. وَكَتَبَ لعُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. [خ:٢٦٦٤]
• وقد تقدَّم قولُ النَّبيِّ ﷺ: «غُسْلُ يومِ الجُمعةِ واجبٌ على كلِّ مُحْتَلِمٍ»[ر:٤٤٨].

٧- بابُ البَيِّنةُ عَلى المُدَّعي، واليَمِيْنُ علىَ المُدَّعَى عليْهِ


١٢٩٠. [ق] وقالَ ابنُ عبَّاس: قَضَى النَّبيُّ ﷺ بِاليَمِينِ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ. [خ:٢٦٦٨].
1. قال النووي: «هذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع، ففيه أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك، وقد بين ^ الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه، لأنه لو كان أعطي بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واستبيح، ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه، وأما المدعي فيمكنه صيانتهما بالبينة».

١٢٩١.[ق] وعن/ أبي وائل قال: قال عبدُ الله -هو ابن مسعود-: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، ثمَّ أَنْزَلَ اللهُ ﷿ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ یَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَیۡمَـٰنِهِمۡ ثَمَنࣰا قَلِیلًا﴾﴿أَلِیمࣱ﴾[آل عمران:٧٧]، ثُمَّ إِنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَحَدَّثْنَاهُ بِما قَالَ، فَقَالَ: صَدَقَ، لَفِيَّ نَزَلَتْ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي شيءٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبيِّ ﷺ فَقَالَ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ». فقُلْتُ لهُ: إِذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي. فَقَالَ النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». [خ:٢٦٦٩]
1. قال ابن حجر: «في الحديث أن يمين الفاجر تسقط عنه الدعوى، وأن فجوره في دينه لا يوجب الحجر عليه، ولا إبطال إقراره، ولولا ذلك لم يكن لليمين معنى».
2. قال ابن حجر: «فيه موعظة الحاكم المطلوب إذا أراد أن يحلف خوفًا من أن يحلف باطلًا، فيرجع إلى الحق بالموعظة».
3. أن حكم الحاكم يرفع الخلاف الظاهر فقط، أما الباطن، فلا يزال باقياً فعلى هذا لا يحل المحكوم به، ما لم يكن مباحا للمحكوم له.

٨- بابُ تَغليظِ اليمينِ بالزَّمان والمكانِ، وبماذا يَحلفُ، والحُكْمُ عِندَ المُسارعةِ لليَمينِ


• [خت] وقال ﷺ: «وَرَجُلٌ حَلَفَ بِاللهِ كَاذِبًا بَعْدَ العَصْرِ» (خ:٢٦٧٢).
• [خت] وَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِاليَمِينِ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي. فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى المِنْبَرِ، فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ مِنْهُ.
١٢٩٢. [ق] وعن نافع، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ». [خ:٢٦٧٩]
١٢٩٣. وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ اليَمِينَ فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ النَّبيُّ ﷺ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي اليَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ. [خ:٢٦٧٤]

٩- بابُ لا تُقْبَلُ شَهادةُ الكافرِ وَلا خبرُهُ


• [خت] وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ المِلَلِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَغۡرَیۡنَا بَیۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ﴾ [المائدة:١٤].
• [خت] وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: ﴿ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ﴾ [البقرة:١٣٦]». (خ:٤٤٨٥)
١٢٩٤. وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الكِتَابِ وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِاللهِ، تَقْرَؤونَهُ ولَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللهُ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمُ الكِتَابَ، فَقَالُوا: هُوَ/ مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ، وَلَا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيكم. [خ:٢٦٨٥]

١٠- بابُ الإصْلاحِ بين النَّاسِ وفَضْلِهِ، وقولِهِ تعالىَ: ﴿لَّا خَیۡرَ فِی كَثِیرࣲ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ﴾ الآية [النساء: ١١٤]، وقولِهِ تعالىَ: ﴿وَٱلصُّلۡحُ خَیۡرࣱ﴾ [النساء:١٢٨]


١٢٩٥. [ق] عن حُمَيْدِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لَيْسَ الكَاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، ويَقُولُ خَيْرًا». [خ:٢٦٩٢]
١٢٩٦. [ق] وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِذَلِكَ فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ». [خ:٢٦٩٣]
١٢٩٧. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ: ﴿وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضࣰا﴾ [النساء:١٢٨] قَالَتْ: هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنَ امْرَأَتِهِ مَا لَا يُعْجِبُهُ -كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ- فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا فَتَقُولُ: أَمْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ. فَلَا بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا. [خ:٢٦٩٤]
الغريب: (يَنْمِي): يتحدَّث ويَرفع. و(النُّشُوز): الترفُّع عَنِ العَدل في الحقِّ، وهو ها هنا البُغض.

١١- بابٌ: إِذا اّْصْطَلَحُوا عَلى جَوْرٍ فهو مَرْدُودٌ


١٢٩٨. [ق] عن عائشةَ قالت: قالَ النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ مَرْدُوْدٌ». [خ:٢٦٩٧]
1. قال النووي: «هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه ﷺ فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات».
2. قال ابن حجر العسقلاني: «هذا الحديث معدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعده، وقال: يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع».
3. قال ابن حجر الهيتمي: «هو قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، بل من أعظمها وأعمها نفعًا من جهة منطوقه؛ لأنه مقدمة كلية في كل دليل يستنتج منه حكم شرعي».
4. قال النووي: «وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به».

١٢٩٩. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَا: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اّْقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ. فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، فاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ. فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا: عَلَى اّْبْنِكَ الرَّجْمُ. فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِئَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، أَمَّا الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ -لِرَجُلٍ- فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَارْجُمْهَا». فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا./ [خ:٢٦٩٥]
• وفي رواية: «فإنْ اعترفت فارْجمها». فغَدا عليها، فاعترفتْ فرَجَمها. [خ:٦٨٢٧]
1. قوله: (اقض بيننا بكتاب الله) قال النووي: «فيه أنه يستحب للقاضي أن يصبر على من يقول من جفاة الخصوم: احكم بالحق بيننا، ونحو ذلك».
2. قوله: (ثم سألت أهل العلم) قال النووي: «فيه جواز استفتاء غير النبي ﷺ في زمنه؛ لأنه ﷺ لم ينكر ذلك عليه».
3. قوله: (الوليدة والغنم رد) قال النووي: «أي مردودة، ومعناه يجب ردها إليك، وفي هذا أن الصلح الفاسد يرد، وأن أخذ المال فيه باطل يجب رده، وأن الحدود لا تقبل الفداء».

١٢- بابُ الصُّلْحِ معَ المشركينَ، وكيفَ يُكْتَبُ الصُّلحُ؟


١٣٠٠. [ق] عَنِ البَرَاءِ بن عَازبٍ قَالَ: اّْعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي ذِي القَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الكِتَابَ كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. فقَالُوا: لَا نُقِرُّ بِهَا، فلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا مَنَعْنَاكَ، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ». ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: «امْحُ رَسُولَ اللهِ». قَالَ: لَا وَاللهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا. فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الكِتَابَ فَكَتَبَ: «هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ألَّا يَدْخُلَ مَكَّةَ بِسِلَاحٍ إِلَّا فِي القِرَابِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَأَنْ لَا يَمْنَعَ أحدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يُقِيمَ بِهَا»، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ، أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ: اّْخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فَتَبِعَتْهُم ابْنَةُ حَمْزَةَ: يَا عَمِّ يَا عَمِّ. فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ. فَحَمَلَتْهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ، فقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ ابنة عَمِّي. وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي. وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ ﷺ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: «الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ». وَقَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ». وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي». وَقَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا». [خ:٢٦٩٩]
تنبيه: قوله: (فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الكِتَابَ فَكَتَبَ) ظَاهرٌ قويٌّ في أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَتبَ بيده، وقدْ أنْكره قومٌ تمسُّكًا بقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنتَ تَتۡلُوا۟ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَـٰبࣲ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِیَمِینِكَ﴾ [العنكبوت:٤٨] وَلا نُكْرَةَ فيه؛ فإنَّ الخطَّ المنفيَّ عنه الخطُّ المكتسب عَنِ التَّعَلُّم، وهذا خطٌّ خارقٌ للعادة أجراه الله على أناملِ نَبِيِّهِ، مع بقائه لا يُحْسِنُ الكتابة المكتسَبة، فهذا زِيادة في صِحَّة نبوَّته. والله أعلم. و(قَاضَاهم): صَالحهم.
1. قوله: (لا والله لا أمحوك أبدا) قال ابن حجر: «وكأن عليًّا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتمًا، فلذلك امتنع من امتثاله».
2. وفي الحديث: مشروعية الصلح مع الكفار، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات السياسية والعسكرية معهم لصالح المسلمين.
3. وفيه: أن من هديه ﷺ أن يبدأ الرجل بنفسه في المكاتبات والرسائل بين الناس.
4. وفيه: تنازل القائد عن بعض حقوقه المعلومة للجميع حتى يتم الصلح.
5. هذا الحديث أصل في باب الحضانة؛ وهو القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره، وتربيته بما يصلحه، وبوقايته عما يهلكه.
6. وفيه: أن للخالة حقا في الحضانة.

١٣- بابُ/ الصُّلحِ بينَ الأُمراءِ والخلفاءِ، وقولِهِ تعالىَ: ﴿وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَا﴾ [الحجرات:٩]


١٣٠١. وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ وَاللهِ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِي: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ -وَكَانَ وَاللهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ-: أَيْ عَمْرُو، إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ؟ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ؟ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولَا لَهُ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ، فَأَتَيَاهُ فَدَخَلَا عَلَيْهِ وَتَكَلَّمَا، فقَالَا لَهُ، وَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا. قَالَا: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ. قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَصَالَحَهُ. قَالَ الحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ». قَالَ البخاريُّ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الحَدِيثِ. [خ:٢٧٠٤]
1. قال ابن حجر: «في الحديث علم من أعلام النبوة، ومنقبة للحسن بن علي ﵂ ما، فإنه ترك الملك لا لقلة، ولا لذلة، ولا لعلة، بل لرغبته فيما عند الله، لما رآه من حقن دماء المسلمين، فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة».
2. قال ابن حجر: «قوله: (عظيمتين من المسلمين) رد على الخوارج الذين كانوا يكفّرون عليًّا ومن معه، ومعاوية ومن معه، بشهادة النبي ﷺ للطائفتين بأنهم من المسلمين، ومن ثم كان سفيان بن عيينة يقول عقب هذا الحديث: قوله: (من المسلمين) يعجبنا جدّا.
3. وفيه: مشروعية الصلح على مال ليرضى أصحاب الحقوق.
4. وفيه: أن الرسل يسمع قولهم ولا يتعرض إليهم.
5. قال ابن التين: «وفيه ولاية المفضول الخلافة مع وجود الأفضل؛ لأن الحسن ومعاوية ﵁ ما ولي كل منهما الخلافة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ﵃ في الحياة وهما بدريان»
.
6. قال ابن حجر: «وفيه جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى في ذلك صلاحا للمسلمين، والنزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بالمال، وجواز أخذ المال على ذلك وإعطائه بعد استيفاء شرائطه».
7. قال ابن حجر: «وفيه أن السيادة لا تختص بالأفضل، بل هو الرئيس على القوم، والجمع سادة، وهو مشتق من السؤدد، وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس، أي الأشخاص الكثيرة»، وقال المهلب: «الحديث دال على أن السيادة إنما يستحقها من ينتفع به الناس لكونه علق السيادة بالإصلاح».
8. قال ابن حجر: «وفيه إطلاق الابن على ابن البنت».
9. وفيه دلالة على رأفة معاوية ﵁ بالرعيّة، وشفقته على المسلمين، وقوة نظره في تدبير الملك ونظره في العواقب.

١٤- بابُ إِشارةِ الإمامِ بالصُّلْحِ فإنْ لمْ يُقْبَلْ حَكَمَ


١٣٠٢. [ق] عن عائشةَ قالت: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ صَوْتَ خُصُومٍ بِالبَابِ عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَا، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لَا أَفْعَلُ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَالَ: «أَيْنَ المُتَأَلِّي عَلَى اللهِ أنْ لا يَفْعَلَ المَعْرُوفَ؟» فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ. [خ:٢٧٠٥]
1. قوله: (يستوضع الآخر ويسترفقه) قال النووي: «في هذا الحديث دليل على أنه لا بأس بمثل هذا، ولكن بشرط ألا ينتهي إلى الإلحاح وإهانة النفس أو الإيذاء ونحو ذلك إلا من ضرورة».
2. قوله: (أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟) قال النووي: «فيه الصفح عما يجري بين المتخاصمين من اللغط، ورفع الصوت عند الحاكم».
3. قال النووي: «وفيه كراهة الحلف على ترك الخير، وإنكار ذلك، وأنه يستحب لمن حلف لا يفعل خيرا أن يحنث فيكفر عن يمينه».
4. قال النووي: «وفيه الشفاعة إلى أصحاب الحقوق، وقبول الشفاعة في الخير».
5. وفيه: توقير الصحابة للنبي ﷺ وسرعة استجابتهم له، وسرعة فهم الصحابة لمراد الشارع، وطواعيتهم لما يشير إليه، وحرصهم على فعل الخير.

١٣٠٣. [ق] وعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ مالٌ، فَلَقِيَهُ -في رواية [خ:٢٧١٠]: في المسجد- فَلَزِمَهُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «يَا كَعْبُ». فَأَشَارَ بِيَدِهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ. فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفًا. [خ:٢٧٠٦]
• [ق] في رواية: «قمْ فاقْضهِ». [خ:٢٧١٠]
١٣٠٤. [ق] وعن عُرْوة بن الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ/ بَدْرًا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي شِرَاجٍ مِنَ الحَرَّةِ، كَانَ يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِلْزُّبَيْرِ: «اّْسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الماءَ إِلَى جَارِكَ». فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: «اّْسْقِ، ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الجَدْرَ». فَاسْتَوْعَى لِلْزُّبَيْرِ حِينَئِذٍ حَقَّهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ سَعَةٍ لَهُ وَلِلْأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا أَحْفَظَ الأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللهِ ﷺ اسْتَوْعَى لِلْزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الحُكْمِ. قَالَ عُرْوَةُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ﴾ الآية [النساء: ٦٥]. [خ:٢٧٠٨]

١٥- بابُ الصُّلحِ بَيْنَ الغُرَماءِ وأَصْحابِ المِيْراثِ


• [خت] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَخَارَجَ الشَّرِيكَانِ، فَيَأْخُذَ هَذَا عَينًا وَهَذَا دَيْنًا، فَإِنْ تَوِيَ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ.
١٣٠٥. عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: تُوُفِّيَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَعَرَضْتُ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا الثَّمرةَ بِمَا عَلَيْهِ، فَأَبَوْا وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ فِيهِ وَفَاءً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِذَا جَدَدْتَهُ فَوَضَعْتَهُ فِي المِرْبَدِ آذَنْتَ». فَجَاءَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ غُرَمَاءَكَ فَأَوْفِهِمْ». فَمَا تَرَكْتُ أَحَدًا لَهُ عَلَى أَبِي دَيْنٌ إِلَّا قَضَيْتُهُ، وَفَضَلَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَسْقًا: سَبْعَةٌ عَجْوَةٌ، وَسِتَّةٌ لَوْنٌ -أَوْ سِتَّةٌ عَجْوَةٌ، وَسَبْعَةٌ لَوْنٌ- فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ المَغْرِبَ -في رواية [خ: ٢٣٩٦]: صَلاة العصر، وفي أُخرى [خت: ٢٧٠٩]: صلاة الظهر- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَضَحِكَ، فَقَالَ: «ائْتِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَخْبِرْهُمَا». فَقَالَا: لَقَدْ عَلِمْنَا إِذْ صَنَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَا صَنَعَ أَنْ سَيَكُونُ ذَلِكَ. [خ:٢٧٠٩]

١ منع أبو بكر نفقته عن أحد الصحابة، فأنزل الله قوله: ﴿وَلا يَأتَلِ أُولُو الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتوا أُولِي القُربى وَالمَساكينَ وَالمُهاجِرينَ في سَبيلِ اللَّهِ وَليَعفوا وَليَصفَحوا أَلا تُحِبّونَ أَن يَغفِرَ اللَّهُ لَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [النور: ٢٢]، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي"، هذا الصحابي هو:

٥/٠