١٦- بابُ ما يجوزُ مِن الشُّروطِ في الإِسْلامِ، وفي الأَحكامِ، ومعَ المُشْرِكِينَ
١٣٠٦. عن عُرْوة بن الزُّبَيْرِ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ -يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهِ- قَالَا: خَرَجَ/ رَسُولُ اللهِ ﷺ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ بِالغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ، فَخُذُوا ذَاتَ اليَمِينِ». فَوَاللهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ. فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، خَلَأَتْ القَصْوَاءُ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا خلقٌ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ». ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا». ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ المَاءِ، يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يَلْبثِ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ العَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرَ عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ -وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ- فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الحُدَيْبِيَةِ، مَعَهُمُ العُوذُ المَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ البَيْتِ -في رواية [خ:٤١٧٨]: فقال: «أَشِيرُوا عليَّ، أترون أنْ أميل إلى عِيالِهم وذَرَارِيِّ هؤلاء الَّذين يُرِيْدونَ أَنْ يصدُّونا عَنِ البيتِ؟ فإنْ يأْتُونا كان اللهُ قد قَطَعَ عُنقًا مِن المشركينَ، وإلَّا تَرَكْناهم مَحْرُوبينَ». قالَ أبو بكرٍ: يا رسولَ الله! خرجتَ عامدًا لهذا البيتِ لا تريد قَتْلَ أحدٍ ولا حربَ أحدٍ، فتوجَّهْ لَهُ، فمَن صدَّنا عنه قاتَلناه، قالْ: «اّْمْضوا على اسم الله»- فقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّا لم نَجِئْ لقتالِ أحدٍ، ولكنَّا جِئنا مُعْتَمِرِينَ، وإنَّ قريشًا قد نَهِكَتْهم الحَرب، وأضرَّتْ بهم، فإنْ شَاؤوا مَادَدْتُهُمْ ويخلُّوا بينيْ وبين النَّاس، فإنْ أَظْهَرْ فإنْ شاؤوا أن يَدْخُلُوا فيما دَخَلَ فيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وإلَّا فقد جَمُّوا، وإِنْ هم أَبَوْا فوالَّذي نفسي بِيَدِهِ لأُقاتِلَنَّهم عَلى أَمْري هذا حتَّى تَنْفَردَ سَالِفَتي، ولَيُنْفِذَنَّ اللهُ أمرَه». فقال بُديل: سأبلِّغُهم ما تقول. فانطلَق حتَّى أتى قُريشًا فقال: إنَّا قَد جئناكم مِن هذا/ الرَّجلِ، وسَمعناه يقول قولًا، فإنْ شئتم أن نَعْرِضَهُ عليكم فَعَلْنَا. فقال سُفهاؤهم: لا حَاجة أنْ تُخْبِرَنا عنه بشيءٍ. وقالَ ذَوُو الرَّأي مِنهم: هاتِ مَا سمعتَه يقول. قال: سمعتُه يقول كذا وكذا، فَحَدَّثَهُمْ بما قالَ النَّبِيُّ ﷺ، فقامَ عروة بن مسعودٍ فقال: أي قوم! ألستُم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أَوَلَسْتُ بالولدِ؟ قالوا: بلى. قال: فهلْ تتَّهموني؟ قالوا: لا. قالَ: أَلَسْتُم تعلمونَ أنِّي اسْتَنْفَرْتُ أهلَ عُكَاظٍ، فلما بَلَّحُوا عَليَّ جِئْتُكُم بأهْلي وولَدي ومَن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإنَّ هذا قَد عَرَضَ خُطَّة رُشدٍ اّْقْبلوها ودَعُوْنِي آتيه. فقالوا: ائته. فأتاه فَجَعَلَ يُكلِّمُ النَّبيَّ ﷺ، فقال النَّبِيُّ ﷺ نحوًا مِن قوله لبُديل، فقال عُروة عند ذلك: أي محمَّد! أرأيتَ إن استأصلتَ أمرَ قومك، هل سمعتَ بأحدٍ مِن العَرب اجتاح أصلَه قبلك؟ وإنْ تكن الأخرى، فإنِّي والله لأُرى وجوهًا، وإنِّي لأرى أشوابًا مِن النَّاس خليقًا أن يَفِرُّوا ويدَعوك. فقالَ لهُ أَبو بكرٍ: اّْمْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، أنحن نَفِرُّ عنه ونَدَعُهُ؟ فقال: مَن ذا؟ قالوا: أبو بكر. فقال: أمَا والَّذي نفسي بيده لولا يدٌ كَانت لكَ عِنْدي لم أَجْزِكَ بها لأجبتُكَ. قال: وجعلَ يكلِّم النَّبيَّ ﷺ، فكلَّما كلَّمه أخذَ بلحيتِه، والمغيرة بن شعبة قائمٌ على رأسِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ومعه السَّيف وعليه المِغْفَرُ، فكلَّما أهوىَ عروةُ بيدِهِ إلى لِحْيَةِ النَّبيِّ ﷺ ضربَ يدَه بنعلِ السَّيفِ، وقال: أَخِّر يدَكَ عن لِحْيَةِ رسولِ اللهِ ﷺ، فرفعَ عروةُ رأْسَه فقالَ: مَن هذا؟ قالوا: المغيرةُ بنُ شعبةَ. فقالَ: أَيْ غُدَرُ، ألستُ أَسْعى في غَدْرِتِك. -وكانَ المغيرةُ صَحبَ قومًا في الجاهليَّةِ فقتلَهم وأخذَ أموالَهم. ثمَّ جاءَ فأَسْلَمَ، فقال النَّبيُّ ﷺ: «أمَّا الإسلامُ فأَقْبَلُ، وأمَّا المالُ فلستُ منهُ في شيءٍ»- ثمَّ إنَّ عُروةَ جَعَلَ يرمقُ أصحابَ رسولِ الله ﷺ بعينيه، قال: فوالله ما تَنَخَّم رسولُ الله ﷺ نُخامةً إلَّا وقعتْ في كفِّ رجلٍ منهم، فدلَك بها وجهَهُ وجِلدَهُ، وإِذا أمرَهم اّْبْتدروا أمرَهُ، وإِذا توضَّأَ كادُوا يَقْتَتلونَ عَلى وَضوئِهِ، وإذا تَكلَّمَ خَفَضُوا أَصواتَهُم عندَه، ما يُحِدُّون إليهِ النَّظرَ/ تعظيمًا لَهُ، فرَجَعَ عُروةُ إِلى أصحابِهِ فقالَ: أيْ قومِ! والله لقد وَفَدْتُ عَلى الملوكِ، ووفدتُ على قيصرَ وكسرىَ والنَّجاشيِّ، والله إنْ رأيتُ ملكًا قطُّ يعظِّمه أصحابُهُ ما يعظِّمُ أصحابُ محمَّدٍ محمَّدًا، واللهِ إنْ تنخَّمَ نُخامةً إلَّا وقعتْ في كفِّ رجلٍ منهم فدلَك بها وجهَه وجِلدَه، وإذَا أَمَرَهم اّْبتدرُوا أَمْرَهُ، وإِذا توضَّأَ كادوا يَقْتتِلُونَ عَلى وَضُوئِهِ، وإذا تكلَّمَ خَفَضُوا أَصواتَهمْ عندَهُ، وما يُحِدُّون إليه النَّظرَ تَعْظيمًا، وإنَّه قد عرَض عَليكم خطَّة رُشْدٍ فاقَبُلوها، فقالَ رجلٌ مِن بَنِي كِنانةَ: دَعُوني آتيه. فقالوا: ائْتِهِ. فلمَّا أشْرفَ عَلى النَّبيِّ ﷺ وأصحابِهِ، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «هَذا فُلان، وهو مِن قَوْمٍ يعظِّمون البُدْن فابْعثُوها لَهُ». فبُعِثَتْ له، واسْتقبله النَّاسُ يُلَبُّونَ، فلمَّا رأى ذلك قال: سبحانَ اللهِ! ما ينبغِي لهؤلاءِ أن يُصَدُّوا عَنِ البيتِ. فلمَّا رجع إلى أصْحابِهِ قالَ: رأيتُ البُدْنَ قد قُلِّدَتْ وأُشْعِرَتْ، فمَا أَرىَ أنْ يُصَدُّوا عَنِ البيتِ. فقامَ رجلٌ منهم يُقال له مِكْرَزُ بن حَفصٍ فقالَ: دَعُوني آتِيْه. فقالوا: اّْئته. فلمَّا أشرفَ عليهم، قالَ النَّبيُّ ﷺ: «هذا مِكْرَز، وهو رجلٌ فاجرٌ». فجعل يُكلِّمُ النَّبيَّ ﷺ. فبينما هو يكلِّمه إذ جاءَ سهيلُ ابنُ عَمرو. قال مَعمرٌ: فأخبرني أيُّوب عن عِكرمة أنَّه لمَّا جاءَ سُهيلٌ قال النَّبيُّ ﷺ: «قد سَهُلَ لكُم مِن أَمْرِكُم». قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا. فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ الكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اّْكْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ». فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللهُمَّ، كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ. فَقَالَ المُسْلِمُونَ: وَاللهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اّْكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ». ثُمَّ قَالَ: «هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ». فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ البَيْتِ، وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَاللهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ» -قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: «لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»- فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ/ البَيْتِ، فَنَطُوفَه». فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَا تَتَحَدَّثُ العَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ. فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا. فقَالَ المُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ! كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى المُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟! فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، قَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّا لَمْ نَقْضِ الكِتَابَ بَعْدُ». قَالَ: فَوَاللهِ إِذًا لا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَأَجِزْهُ لِي». قَالَ: مَا أَنَا مُجيزُ ذَلِكَ. قَالَ: «بَلَى فَافْعَلْ». قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِل. قَالَ مِكْرَزٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ. قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إِلَى المُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟! وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ ﷺ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: «بَلَى». قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: «بَلَى». قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: «إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي». قُلْتُ: أَوَلَست كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا نأتي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: «بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ العَامَ؟» قُلْتُ: لَا. قَالَ: «فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ». قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللهِ إِنَّهُ عَلَى الحَقِّ. قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ العَامَ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ -قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا- قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ اّْحْلِقُوا». قَالَ: فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ/ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اّْخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ. فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللهُ ﷿: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا جَاۤءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ مُهَـٰجِرَ ٰتࣲ﴾حَتَّى بَلَغَ: ﴿بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ﴾ [الممتحنة:١٠] فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى المَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ -رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ- وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: العَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا. فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا جَيِّدًا. فَاسْتَلَّهُ الآخَرُ، فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ، ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ. فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ حَتَّى أَتَى المَدِينَةَ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ رَآهُ: «لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا». فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قُتِلَ وَاللهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ. فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، قَدْ وَاللهِ أَوْفَى اللهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْجَانِي اللهُ مِنْهُمْ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ». فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ البَحْرِ، قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، فَوَاللهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ تُنَاشِدُهُ اللهَ وَالرَّحِمِ، لَمَّا أَرْسَلَ: فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِی كَفَّ أَیۡدِیَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَیۡدِیَكُمۡ عَنۡهُم﴾حَتَّى بَلَغَ:﴿حَمِیَّةَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ﴾ [الفتح: ٢٤-٢٦] وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللهِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ./ [خ:٢٧٣١-٢٧٣٢]
• [خت] وقَالَ عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ، وَبَلَغْنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: أَنْ يَرُدُّوا إِلَى المُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَحَكَمَ عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ أَنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ، قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، وَابْنَةَ جَرْوَلٍ الخُزَاعِيِّ، فَتَزَوَّجَ قَرِيبَةَ مُعَاوِيَةَ، وَتَزَوَّجَ الأُخْرَى أَبُو جَهْمٍ، فَلَمَّا أَبَى الكُفَّارُ أَنْ يُقِرُّوا بِأَدَاءِ مَا أَنْفَقَ المُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَنْزَلَ اللهُ ﷿: ﴿وَإِن فَاتَكُمۡ شَیۡءࣱ مِّنۡ أَزۡوَ ٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ﴾ [الممتحنة:١١] وَالعَقْبُ: مَا يُؤَدِّي المُسْلِمُونَ إِلَى مَنْ هَاجَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنَ الكُفَّارِ، فَأَمَرَ أَنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنَ المُسْلِمِينَ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءِ الكُفَّارِ اللَّاتي هَاجَرْنَ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ المُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إِيمَانِهَا، وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرِ بْنَ أَسِيدٍ الثَّقَفِيَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا فِي المُدَّةِ، فَكَتَبَ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُهُ أَبَا بَصِيرٍ. فَذَكَرَ الحَدِيثَ. [خ:٢٧٣٣]
الغَريب: (الغَمِيم): مَوضع قريب مِن مكَّة. و(قَتَرَةُ الجَيشِ): غُبارهم. و(حَلْ حَلْ): كلمةٌ تُزجَر بها الإبل. و(خَلأَت): حَرَنَت وتصعَّبت، والخَلاء في الإبل كالحِرَان في الدَّواب. و(الخُطَّة): الخصلة الجميلة، وهي بضمِّ الخاء. و(الثَّمَدُ): القَليل مِن الماء النَّابع. و(يَتَبَرَّضُهُ): يأخذونه قليلًا قليلًا. و(البَرَضُ): شُرب القليل. و(يَجيشُ): يفورُ فَورًا كثيرًا. و(صَدَرُوا عَنْه): رَجعوا رواءً. و(عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ): أصحاب سرِّه ونُصحِهِ. و(العُوذُ المَطَافِيلُ) قيل: الحَديثات النِّتاج الَّتي معها أطفالها، وهي أكرمُ الإبل عندهم. و(نَهِكَتْهُم الحَرْبُ): أضعفتهم. و(مَادَدْتَهم): صَالَحْتَهم. و(جَمُّوا) أي: تقوَّوا ونَشطوا. و(السَّالِفَة): العُنُق. و(بلَّحُوا): تأخَّروا، مأخوذٌ مِن البَلَح الَّذي لا تبدو فيه نُقطة الإرْطَاب، والله أعلم. و(اسْتَأصَلْتُ): أهلكتُ. و(اّْجْتاحَ) بمعناه. و(النُّخَامة): البُصاق الغليظ، و(وَفدتُ): قَدِمت. و(ضُغْطَةً): غلبةً وقهرًا. و(يَرسُفُ في قُيودِهِ): يمشي فيها مشي المُقيَّد المُثْقَلُ. و(قَاضَى): صالَحَ. و(أَجِزْ لي) أي: اّْتْركهُ لي. فلم يفعل سهيلٌ ولا نفعَ إجازة مِكْرَز. و(الدَّنِيَّةُ): صِفَة لمحذوف؛ أي: الحالة الدنيَّة؛/ أي: الخَسِيسة. و(العِصَم): جمع عِصْمَة؛ ويعني بها: عِصمةَ النِّكاح، وأصل العِصمة: المنْع. و(يَعدُو): يجري. و(الذُّعْر): الفَزَع.
1. قوله: (فخذوا ذات اليمين)، قال ابن بطال: «فيه جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلباً لِغِرتهم».
2. قوله: (وما ذاك لها بخُلُق)، قال ابن حجر: «وفيه جواز الحكم على الشيء بما عُرِف من عادته وإن جاز أن يطرأ عليه غيره، فإذا وقع من شخص هفوة لا يُعهد منه مثلها لا يُنسب إليها ويُرَدّ على من نَسبه إليها»، وقال ابن بطال: وفيه دليل على أن الأخلاق المعروفة من الحيوان كلها يحكم بها على الطارئ الشاذ منها، وكذلك في الناس، إذا نُسب إنسان إلى غير خُلُقه المعلوم في هفوة كانت منه لم يحكم بها.
3. قوله: (والذي نفسي بيده)، قال ابن حجر: «فيه تأكيد القول باليمين فيكون أدعى إلى القبول، وقد حُفِظَ عن النبي ^ الحلف في أكثر من ثمانين موضعاً قاله ابن القيم في الهدي».
4. قوله: (هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟) قال ابن حجر: «فيه الندب إلى صلة الرَّحِم، والإبقاء على من كان من أهلها، وبذل النصيحة للقرابة».
5. قوله: (قائم على رأس النبي ﷺ بالسيف) ، قال ابن حجر: «فيه جواز القيام على رأس الأمير بالسيف بقصد الحراسة ونحوها من ترهيب العدو، ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس لأن مَحلّه ما إذا كان على وجه العظمة والكِبْر».
6. قوله: (ويَدَعُوكَ) فيه أن العادة جرت أن الجيوش المُجمَّعة لا يُؤْمن عليها الفرار بخلاف من كان في قبيلة واحدة فإنهم يأنفون الفرار في العادة، وما درى عروة أن مودة الإسلام أعظم من مودة القرابة، وقد ظهر ذلك من مبالغة المسلمين في تعظيم النبي ﷺ.
7. قوله: (امصص بظر اللات)، قال ابن حجر: «أراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه، وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار، وفيه جواز النطق بما يُستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك».
8. قال ابن المنير: «في قول أبي بكر تخسيس للعدو وتكذيبهم وتعريض بإلزامهم من قولهم: إن اللات بنت الله -تعالى الله عن ذلك عُلُواً كبيراً- بأنها لو كانت بنتاً لكان لها ما يكون للإناث».
9. قوله: (وأما المال فلست منه في شيء)، قال ابن حجر: «أي لا أتعرض له لكونه أخذَه غدراً، ويستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً؛ لأن الرفقة يُصْطَحبون على الأمانة، والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلماً كان أو كافراً».
10. قال ابن حجر: «في الحديث: جواز السفر وحده للحاجة».
11. قال ابن حجر: «جواز التنكيب عن الطريق السهلة إلى الوعرة للمصلحة».
12. قال ابن حجر: «جواز التصرف في ملك الغير بالمصلحة بغير إذنه الصريح إذا كان سبق منه ما يَدل على الرضا بذلك، لأنهم قالوا: حَلْ حَلْ فزجروها بغير إذن، ولم يعاتبهم عليه».
13. قال ابن حجر: «في هذه القصة: جواز التشبيه من الجهة العامة وإن اختلفت الجهة الخاصة، لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض، لكن جاء التشبيه من جهة إرادة الله منْع الحَرَم مُطلقاً».
14. قال ابن حجر: «في الحديث: جواز استنصاح بعض المعاهدين وأهل الذمة إذا دلت القرائن على نُصحهم وشهدت التجربة بإيثارهم أهل الإسلام على غيرهم، ولو كانوا من أهل دينهم؛ لأن النبي ﷺ سمع لبُديل بن ورقاء الخزاعي وقَبِل مشاورته».
15. قال ابن حجر: «في الحديث فضل الاستشارة لاستخراج وجه الرأي واستطابة قلوب الأتباع».
16. قال ابن حجر: «فيه جواز بعض المسامحة في أمر الدين، واحتمال الضيم فيه مالم يكن قادحاً في أصله إذا تعين ذلك طريقاً للسلامة في الحال والصلاح في المآل سواء كان ذلك في حال ضعف المسلمين أو قوتهم».
17. قال الخطابي: «وفي امتناع سهيل بن عمرو على رسول الله ﷺ أن يصدّر كتاب الصلح بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" ومطالبته إياه أن يكتب "باسمك اللهم" ومساعدة رسول الله ﷺ إياه على ذلك، بابٌ من العلم فيما يجب من استعمال الرفق في الأمور، ومداراة الناس فيما لا يلحق دين المسلم به ضرر، ولا يبطل معه لله سبحانه حق».
18. قال ابن حجر: «فيه أن التابع لا يليق به الاعتراض على المتبوع بمجرد ما يَظهر في الحال، بل عليه التسليم، لأن المتبوع أعرف بمآل الأمور غالباً بكثرة التجربة، ولاسيما مع من هو مؤيَّد بالوحي».
19. قال ابن القيم: «وفيه جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو، إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه، ولا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم».
20. قال ابن القيم: «هذه الهدنة كانت من أعظم الفتوح، فإن الناس أمن بعضهم بعضًا، واختلط المسلمون بالكفار، وبادؤوهم بالدعوة وأسمعوهم القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين، وظهر من كان مختفيًا بالإسلام، ودخل فيه في مدة الهدنة من شاء الله أن يدخل، ولهذا سماه الله فتحًا مبينًا».
2. قوله: (وما ذاك لها بخُلُق)، قال ابن حجر: «وفيه جواز الحكم على الشيء بما عُرِف من عادته وإن جاز أن يطرأ عليه غيره، فإذا وقع من شخص هفوة لا يُعهد منه مثلها لا يُنسب إليها ويُرَدّ على من نَسبه إليها»، وقال ابن بطال: وفيه دليل على أن الأخلاق المعروفة من الحيوان كلها يحكم بها على الطارئ الشاذ منها، وكذلك في الناس، إذا نُسب إنسان إلى غير خُلُقه المعلوم في هفوة كانت منه لم يحكم بها.
3. قوله: (والذي نفسي بيده)، قال ابن حجر: «فيه تأكيد القول باليمين فيكون أدعى إلى القبول، وقد حُفِظَ عن النبي ^ الحلف في أكثر من ثمانين موضعاً قاله ابن القيم في الهدي».
4. قوله: (هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟) قال ابن حجر: «فيه الندب إلى صلة الرَّحِم، والإبقاء على من كان من أهلها، وبذل النصيحة للقرابة».
5. قوله: (قائم على رأس النبي ﷺ بالسيف) ، قال ابن حجر: «فيه جواز القيام على رأس الأمير بالسيف بقصد الحراسة ونحوها من ترهيب العدو، ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس لأن مَحلّه ما إذا كان على وجه العظمة والكِبْر».
6. قوله: (ويَدَعُوكَ) فيه أن العادة جرت أن الجيوش المُجمَّعة لا يُؤْمن عليها الفرار بخلاف من كان في قبيلة واحدة فإنهم يأنفون الفرار في العادة، وما درى عروة أن مودة الإسلام أعظم من مودة القرابة، وقد ظهر ذلك من مبالغة المسلمين في تعظيم النبي ﷺ.
7. قوله: (امصص بظر اللات)، قال ابن حجر: «أراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه، وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار، وفيه جواز النطق بما يُستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك».
8. قال ابن المنير: «في قول أبي بكر تخسيس للعدو وتكذيبهم وتعريض بإلزامهم من قولهم: إن اللات بنت الله -تعالى الله عن ذلك عُلُواً كبيراً- بأنها لو كانت بنتاً لكان لها ما يكون للإناث».
9. قوله: (وأما المال فلست منه في شيء)، قال ابن حجر: «أي لا أتعرض له لكونه أخذَه غدراً، ويستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً؛ لأن الرفقة يُصْطَحبون على الأمانة، والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلماً كان أو كافراً».
10. قال ابن حجر: «في الحديث: جواز السفر وحده للحاجة».
11. قال ابن حجر: «جواز التنكيب عن الطريق السهلة إلى الوعرة للمصلحة».
12. قال ابن حجر: «جواز التصرف في ملك الغير بالمصلحة بغير إذنه الصريح إذا كان سبق منه ما يَدل على الرضا بذلك، لأنهم قالوا: حَلْ حَلْ فزجروها بغير إذن، ولم يعاتبهم عليه».
13. قال ابن حجر: «في هذه القصة: جواز التشبيه من الجهة العامة وإن اختلفت الجهة الخاصة، لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض، لكن جاء التشبيه من جهة إرادة الله منْع الحَرَم مُطلقاً».
14. قال ابن حجر: «في الحديث: جواز استنصاح بعض المعاهدين وأهل الذمة إذا دلت القرائن على نُصحهم وشهدت التجربة بإيثارهم أهل الإسلام على غيرهم، ولو كانوا من أهل دينهم؛ لأن النبي ﷺ سمع لبُديل بن ورقاء الخزاعي وقَبِل مشاورته».
15. قال ابن حجر: «في الحديث فضل الاستشارة لاستخراج وجه الرأي واستطابة قلوب الأتباع».
16. قال ابن حجر: «فيه جواز بعض المسامحة في أمر الدين، واحتمال الضيم فيه مالم يكن قادحاً في أصله إذا تعين ذلك طريقاً للسلامة في الحال والصلاح في المآل سواء كان ذلك في حال ضعف المسلمين أو قوتهم».
17. قال الخطابي: «وفي امتناع سهيل بن عمرو على رسول الله ﷺ أن يصدّر كتاب الصلح بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" ومطالبته إياه أن يكتب "باسمك اللهم" ومساعدة رسول الله ﷺ إياه على ذلك، بابٌ من العلم فيما يجب من استعمال الرفق في الأمور، ومداراة الناس فيما لا يلحق دين المسلم به ضرر، ولا يبطل معه لله سبحانه حق».
18. قال ابن حجر: «فيه أن التابع لا يليق به الاعتراض على المتبوع بمجرد ما يَظهر في الحال، بل عليه التسليم، لأن المتبوع أعرف بمآل الأمور غالباً بكثرة التجربة، ولاسيما مع من هو مؤيَّد بالوحي».
19. قال ابن القيم: «وفيه جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو، إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه، ولا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم».
20. قال ابن القيم: «هذه الهدنة كانت من أعظم الفتوح، فإن الناس أمن بعضهم بعضًا، واختلط المسلمون بالكفار، وبادؤوهم بالدعوة وأسمعوهم القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين، وظهر من كان مختفيًا بالإسلام، ودخل فيه في مدة الهدنة من شاء الله أن يدخل، ولهذا سماه الله فتحًا مبينًا».
١٧- بابٌ: إِذا اشتَرطَ البائِعُ ظَهرَ الدَّابةِ إلى مكانٍ مسمَّىً جازَ
١٣٠٧. [ق] عن عامر -هو الشَّعْبيُّ- قال: حَدَّثَنِي جَابِر بن عبد الله أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ قَدْ أَعْيَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ ﷺ فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ، فَسَارَ سيرًا لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: «بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ». قُلْتُ: لَا. قَالَ: «بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ». فَبِعْتُهُ، فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا قَدِمْنَا المدِينَةَ أَتَيْتُهُ بِالجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي، قَالَ: «مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ». [خ:٢٧١٨]
• [خت] وفي رواية: عَنْ جَابرٍ: أَفْقَرَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ ظَهْرَهُ إِلَى المَدِينَةِ.
• [خت] وفي أخرى: قال: فَبِعْتهُ على أنَّ ليَ فَقَارَ ظَهْرِهِ حتَّى أَبْلُغَ المدينة. (خ: ٢٩٦٧)
• [خت] وفي أخرى: قال: «أفقرتُكَ ظَهْرَهُ إلى المدينةِ».
• [خت] وفي أخرى: «وَلكَ ظهرَهُ حتَّى تَرْجِع».
قلتُ: وقد اضطربتِ الرِّواياتُ في كم كان الثَّمن؟ ففي بعضها: (أوقيَّة). وفي بعضها: (أربعة أَوَاقٍ)، وفي بعضها: (بأوقيَّة ذَهَب)، وفي بعضها: (بأربعة دنانيرَ)، وفي بعضها: (بعشرين دينارًا). قال البخاري: وقول الشَّعبي: (بأوقيَّة) أكثر.
١٨- بابٌ: إِذا اشْترطَ في المُزَارَعَة: إِذا شئتُ أخرجتُك
١٣٠٨. عن نَافعٍ، عن ابْنِ عُمر قَالَ: لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ: «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللهُ». وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ، فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرَهُمْ، هُمْ عَدُوُّنَا وَتُهْمَتُنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلَاءَهُمْ، فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي أَبِي الحُقَيْقِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ، وَعَامَلَنَا عَلَى الأَمْوَالِ، وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا. فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ ﷺ:/ «كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ؟» فَقَالَ: كَانَ ذلكَ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي القَاسِمِ. فقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ. فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ مَالًا وَإِبِلًا وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [خ:٢٧٣٠]
الغريب: (فَدْعُ اليدِ والرِّجلِ): خَلْعُهُمَا مِن الرُّسْغ. و(الإجْلاءُ): الإخراج، وقد يأتي مصدره على الجلاء. و(القُلُوصُ): الفَتِيَّةُ مِن الإبل، كالجارية في النِّساء.
١٩- بابُ مَن شَرَطَ على نفسِهِ شَيئًا لزمَه، والشُّروطُ في الوَقْف
• [خت] قَالَ شُرَيْحٌ: مَنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فَهُوَ عَلَيْهِ.
• [خت] وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّ رَجُلًا بَاعَ طَعَامًا وَقَالَ: إِنْ لَمْ آتِكَ الأَرْبِعَاءَ فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بَيْعٌ. فَلَمْ يَجِئْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْمُشْتَرِي: أَنْتَ أَخْلَفْتَ فَقَضَى عَلَيْهِ.
١٣٠٩. [ق] وعَنِ ابنِ عُمرَ أَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُني بِهِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا». فقَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ، أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ فِي الفُقَرَاءِ وَفِي القُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ. [خ:٢٧٣٧]
• [ق] وفي رواية: غير مُتَأَثِّل مَالًا. [خ:٢٧٣٧]
الغريب: (القُربى): قَرَابة المتصدِّق. و(الرِّقابُ): أن يشتري مِن غلَّتها رِقَابًا فيُعتقون. و(المُتموِّل): الَّذي يتَّخذها مالًا؛ أي: مُلكًا، وكذلك المُتَأَثل؛ أي: لا يَتملَّك شيئًا مِن رِقَابها.
(٣٩) كِتابُ الوَصَايَا
١- بابُ الوَصَايا
١٣١٠. [ق] عن نَافع، عن ابنِ عُمر أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». [خ:٢٧٣٨]
1. قال ابن حجر: «في الحديث الندب إلى التأهب للموت والاحتراز قبل الفوت؛ لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت، فينبغي أن يكون متأهباً لذلك فيكتب وصيته، ويجمع فيها ما يحصل له به الأجر ويحبط عنه الوزر من حقوق الله وحقوق عباده».
2. وفيه: أن الأشياء المهمة ينبغي أن تضبط بالكتابة؛ لأنها أثبت من الضبط بالحفظ؛ لأنه يخون غالبا.
2. وفيه: أن الأشياء المهمة ينبغي أن تضبط بالكتابة؛ لأنها أثبت من الضبط بالحفظ؛ لأنه يخون غالبا.
١٣١١. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ -خَتَنِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ- قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ/ عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً، وَلَا شَيْئًا إِلَّا بَغْلَتَهُ البَيْضَاءَ، وَسِلَاحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً. [خ:٢٧٣٩]
١٣١٢. [ق] وعن طَلْحةَ بن مُصَرِّفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى هَلْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَوْصَى؟ فَقَالَ: لَا. فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الوَصِيَّةُ أَوْ أُمِرُوا بِالوَصِيَّةِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ. [خ:٢٧٤٠]
1. قال النووي: «وأما قوله: (لم يوص) فمعناه لم يوص بثلث ماله ولا غيره إذ لم يكن له مال، ولا أوصى إلى علي ﵁ ولا إلى غيره، بخلاف ما يزعمه الشيعة، وأما الأرض التي كانت له ﷺ بخيبر وفدك، فقد سبّلها ^ في حياته ونجز الصدقة بها على المسلمين، وأما الأحاديث الصحيحة في وصيته ﷺ بكتاب الله ووصيته بأهل بيته، ووصيته بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وبإجازة الوفد فليست مرادة بقوله: "لم يوص"، إنما المراد به ما قدمناه، وهو مقصود السائل عن الوصية، فلا مناقضة بين الأحاديث، وقوله: "أوصى بكتاب الله" أي بالعمل بما فيه، وقد قال الله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} ومعناه: أن من الأشياء ما يُعلم منه نصًّا، ومنها ما يحصل بالاستنباط».
١٣١٣. [ق] وعَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ وَصِيًّا، فَقَالَتْ: مَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ، وَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي -أَوْ قَالَتْ: حَجْرِي- فَدَعَا بِالطَّسْتِ، فَلَقَدْ انْخَنَثَ فِي حَجْرِي، فَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ مَاتَ، فَمَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ؟! [خ:٢٧٤١]
٢- بابُ الوَصيَّةِ بالثُّلُثِ لا يتجاوزُ، والحضِّ على تركِ الوَرثةِ أَغنياءَ
١٣١٤. [ق] عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: «يَرْحَمُ اللهُ ابْنَ عَفْرَاءَ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: «لَا». قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: «لَا». قُلْتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَنْ تَدَعَ أنتَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْفَعَكَ، فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ». وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ. [خ:٢٧٤٢]
• وفي رواية: قال: فأوصى النَّاسُ بالثُّلُث، فجازَ ذلك عليهم. [خ:٢٧٤٤]
1. قوله: (ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك) قال النووي: «فيه استحباب الإنفاق في وجوه الخير، وفيه أن الأعمال بالنيات، وأنه إنما يثاب على عمله بنيته، وفيه أن الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد به وجه الله تعالى».
2. قال النووي: «وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة، ويثاب عليه، وقد نبه ^ على هذا بقوله: (حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك)؛ لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة، وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ومع هذا فأخبر ﷺ أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك، فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى».
3. قوله: (وعسى الله أن يرفعك) قال النووي: «فيه طول العمر، للازدياد من العمل الصالح، والحث على إرادة وجه الله تعالى بالأعمال».
4. قوله: (ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون) قال النووي: «هذا الحديث من المعجزات، فإن سعدا ﵁ عاش حتى فتح العراق وغيره، وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم، وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم، وسبيت نساؤهم وأولادهم، وغنمت أموالهم وديارهم، وولي العراق فاهتدى على يديه خلائق، وتضرر به خلائق بإقامته الحق فيهم من الكفار ونحوهم».
5. قال النووي: «فيه جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح من مداواة أو دعاء صالح أو وصية أو استفتاء عن حاله ونحو ذلك، وإنما يكره من ذلك ما كان على سبيل التسخط ونحوه فإنه قادح في أجر مرضه».
6. قال ابن عثيمين: «وكان في الأول ليس عنده إلا بنت واحدة، ولكنه بقي وطال عمره، ورزق أولادا، سبعة عشر ابنا واثنتي عشرة ابنة».
7. قال النووي: «وفي هذا الحديث: حث على صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب، والشفقة على الورثة، وأن صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد».
2. قال النووي: «وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة، ويثاب عليه، وقد نبه ^ على هذا بقوله: (حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك)؛ لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة، وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ومع هذا فأخبر ﷺ أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك، فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى».
3. قوله: (وعسى الله أن يرفعك) قال النووي: «فيه طول العمر، للازدياد من العمل الصالح، والحث على إرادة وجه الله تعالى بالأعمال».
4. قوله: (ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون) قال النووي: «هذا الحديث من المعجزات، فإن سعدا ﵁ عاش حتى فتح العراق وغيره، وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم، وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم، وسبيت نساؤهم وأولادهم، وغنمت أموالهم وديارهم، وولي العراق فاهتدى على يديه خلائق، وتضرر به خلائق بإقامته الحق فيهم من الكفار ونحوهم».
5. قال النووي: «فيه جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح من مداواة أو دعاء صالح أو وصية أو استفتاء عن حاله ونحو ذلك، وإنما يكره من ذلك ما كان على سبيل التسخط ونحوه فإنه قادح في أجر مرضه».
6. قال ابن عثيمين: «وكان في الأول ليس عنده إلا بنت واحدة، ولكنه بقي وطال عمره، ورزق أولادا، سبعة عشر ابنا واثنتي عشرة ابنة».
7. قال النووي: «وفي هذا الحديث: حث على صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب، والشفقة على الورثة، وأن صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد».
١٣١٥. [ق] وعَنِ ابن عبَّاسٍ قالَ: لَوْ غَضَّ النَّاسُ إِلَى الرُّبْعِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» أَوْ: «كَبِيرٌ». [خ:٢٧٤٣]
1. قوله: (الثلث والثلث كبير): فيه: أنه إذا كان مال الإنسان قليلاً وكان ورثته فقراء فالأفضل ألّا يوصي بشيء لا قليل ولا كثير لقوله عليه الصلاة والسلام (إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة)، خلافاً لما يظنه بعض العوام أنه لابد من الوصية فهذا خطأ، والإنسان الذي ماله قليل وورثته فقراء ليس عندهم مال لا ينبغي له أن يوصي الأفضل ألّا يوصي، ويظن بعض العامة أنه إذا لم يوص لم يكن له أجر وليس كذلك، بل إذا ترك المال لورثته فهو مأجور في هذا.
٣- بابُ لا وصيَّةَ لوارثٍ،
وتأويلِ قولِهِ تَعَالى: ﴿مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصِی بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنٍ﴾ [النساء:١١]
١٣١٦. عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ المَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ،/ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ. [خ:٢٧٤٧]
• [خت] قال البخاري: وَيُذْكَرُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ.
وَقَوْلِهِ ﷿: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا﴾ [النساء:٥٨]
فأَدَاءُ الأَمَانَةِ أَحَقُّ مِنْ تَطَوُّعِ الصَّدقة.
• [خت] وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى».
• [خت] قال: وَيُذْكَرُ أَنَّ شُرَيْحًا وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ وَطَاوُوسًا وَابْنَ أُذَيْنَةَ أَجَازُوا إِقْرَارَ المَرِيضِ بالدَّيْن.
• [خت] وَقَالَ الحَسَنُ: أَحَقُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ الرَّجُلُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ.
• [خت] وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالحَكَمُ: إِذَا أَبْرَأَ الوَارِثَ مِنَ الدَّيْنِ بَرِئَ.
• [خت] وَأَوْصَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنْ لَا تُكْشَفَ امْرَأَتُهُ الفَزَارِيَّةُ عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا.
• [خت] وَقَالَ الحَسَنُ: إِذَا قَالَ لِمَمْلُوكِهِ عِنْدَ المَوْتِ: كُنْتُ أَعْتَقْتُكَ جَازَ.
• [خت] وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا قَالَتِ المَرْأَةُ عِنْدَ مَوْتِهَا: إِنَّ زَوْجِي قَضَانِي وَقَبَضْتُ مِنْهُ جَازَ.
• [خت] وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ لِلْوَرَثَةِ، ثُمَّ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالوَدِيعَةِ وَالبِضَاعَةِ وَالمُضَارَبَةِ.
• [خت] وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ». (خ:٥١٤٣)
• [خت] وَلَا يَحِلُّ مَالُ المُسْلِمِينَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «آيَةُ المُنَافِقِ: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». (خ: ٣٣)
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا﴾ [النساء:٥٨] فَلَمْ يَخُصَّ وَارِثًا وَلَا غَيْرَهُ.
٤- بابُ الوقْفِ والوصيَّةِ لأقاربِهِ، ومَنِ الأقارب؟
• [خت] وَقَالَ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَبِي طَلْحَةَ: «اّْجْعَلْه لِفُقَرَاءِ أَقَارِبِكَ». فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَا أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي.
وَكَانَ قَرَابَةُ حَسَّانَ وَأُبَيٍّ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ المُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ بن عَمرٍو، فَيَجْتَمِعَانِ إِلَى حَرَامٍ وَهُوَ الأَبُ الثَّالِثُ، وَحَرَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَهُوَ يُجَامِعُ حَسَّانَ أَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيًّا إِلَى سِتَّةِ آبَاءٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ. وَأُبَــيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ/ النَّجَّارِ، فَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ يَجْمَعُ حَسَّانَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيًّا.
• وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ فَهُوَ إِلَى آبَائِهِ فِي الإِسْلَامِ.
• [خت] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِیرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِینَ﴾ [الشعراء:٢١٤] جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ». لِبُطُونِ قُرَيْشٍ. (خ:٤٧٧٠)
١٣١٧. [ق] وقال أبو هُريرةَ: لما نزلتْ: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِیرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِینَ﴾ [الشعراء:٢١٤] قَامَ النَّبيُّ ﷺ فقال: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا». [خ:٢٧٥٣]
1. في الحديث: بيان أن كل إنسان مرتبط بعمله، ولا ينفعه نسبه ولا ماله ولا عمل غيره.
٥- بابٌ: يصحُّ وقْف الأرْض وإنْ لم يتبيَّن حُدُودَها، والإشْهاد على الوقْف
١٣١٨. [ق] عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بِيْرُحَاءَ، مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لَن تَنَالُوا۟ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا۟ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران:٩٢] قامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿لَن تَنَالُوا۟ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا۟ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران:٩٢] وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بِيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ، فَقَالَ: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ -أَوْ: رَايِحٌ، شَكَّ ابْنُ مَسْلَمَةَ- وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ». قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ، وَفِي بَنِي عَمِّهِ. [خ:٢٧٦٩]
• وفي رواية: فقالَ رسولُ الله ﷺ: «بَخٍ، ذَلكَ مَالٌ رابحٌ، قَبِلْنَاهُ مِنْكَ، وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْكَ، فَاجْعَلْهُ فِي الأَقْرَبِينَ» فتصدَّق به أبو طَلْحَة على ذوي رَحمهِ. [خ:٢٧٥٨]
1. قال ابن بطال: «فيه من الفقه: حب الرجل الصالح للمال، وقد قال أبو بكر لعائشة: "ما أحد أحب إليّ غنى منك، ولا أعز عليَّ فقراً منك"».
2. قال ابن بطال: «فيه إباحة دخول أجنة الإخوان، والشرب من مائها، والأكل من ثمارها بغير إذنهم إذا عَلِمَ أن أنفس أصحابها تطيب بذلك، وكان مما لا يُتشاح فيه».
3. قال المهلب: «فيه أن الصدقة إذا كانت جزلة أن صاحبها يُمدح ويغبط؛ لقول النبي ﷺ: (بخٍ، ذلك مال رابح) فسلاه عليه السلام بما يناله من ربح الآخرة».
2. قال ابن بطال: «فيه إباحة دخول أجنة الإخوان، والشرب من مائها، والأكل من ثمارها بغير إذنهم إذا عَلِمَ أن أنفس أصحابها تطيب بذلك، وكان مما لا يُتشاح فيه».
3. قال المهلب: «فيه أن الصدقة إذا كانت جزلة أن صاحبها يُمدح ويغبط؛ لقول النبي ﷺ: (بخٍ، ذلك مال رابح) فسلاه عليه السلام بما يناله من ربح الآخرة».
١٣١٩. وعَنِ ابن عبَّاس أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَأَتَى النَّبيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، فَهَلْ يَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا. [خ:٢٧٥٦]
الغريب:/ المشهور في (بِيرحاءَ): كَسر الباء -وقد فُتحتْ- ومَدُّ (حَاء)، وقد قُصرتْ. و(المِخْرَاف): بكسر الميم وبألِفٍ. و(المَخْرِف) بفتح الميم وكسر الرَّاء: البُستان؛ سُمِّي بِذلك لأنَّ ثماره تُخترف؛ أي: تُجتنى. و(المِخرَف) بكسر الميم وفتح الرَّاء: الآلة الَّتي يُجْتَنى فيها.
1. قوله: (فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها)، قال ابن حجر: «فيه أن إظهار الصدقة قد يكون خيراً من إخفائها وهو عند اغتنام صدق النية فيه».
2. قال ابن حجر: «في الحديث فضل بر الوالدين بعد الوفاة والتوصل إلى براءة ما في ذمتهم».
3. قال النووي: «في الحديث فضيلة الوقف، وهي الصدقة الجارية، وفيه فضيلة الإنفاق مما يحب، وفيه فضيلة ظاهرة لعمر ﵁، وفيه مشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمور وطرق الخير».
2. قال ابن حجر: «في الحديث فضل بر الوالدين بعد الوفاة والتوصل إلى براءة ما في ذمتهم».
3. قال النووي: «في الحديث فضيلة الوقف، وهي الصدقة الجارية، وفيه فضيلة الإنفاق مما يحب، وفيه فضيلة ظاهرة لعمر ﵁، وفيه مشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمور وطرق الخير».
٦- بابٌ: يُستحبُّ أن يتصدَّق عمَّن مَات فَجْأَةً
١٣٢٠. [ق] عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وأُرَاها لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ تَصَدَّقْ عَنْهَا». [خ:٢٧٦٠]
1. قال النووي: «وفي هذا الحديث جواز الصدقة عن الميت واستحبابها، وأن ثوابها يصله وينفعه، وينفع المتصدق أيضا، وهذا كله أجمع عليه المسلمون».
١٣٢١. [ق] وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ، فَقَالَ: «اقْضِهِ عَنْهَا». [خ:٢٧٦١]