٧- بابٌ: إِذا وقَفَ أرضًا أو بِئرًا واشْترطَ لنفسِهِ مِثلَ دِلَاءِ المُسلمينَ


• [خت] وَوَقَفَ أنسٌ دارًا، فكانَ إذا قَدِمها نَزَلها.
• [خت] وتصدَّق الزُّبيرُ بدُورِهِ، وقال للمَرْدُودة مِن بناتِه أنْ تسكن غير مُضِرَّة ولا مُضَرٍّ بهَا، فإنْ اسْتغنتْ بِزوجٍ فليس لها حقٌّ.
• [خت] وجعلَ ابنُ عُمرَ نصيبَهُ مِن دارِ عُمرَ سُكنى لِذوي الحَاجات مِن آل عبد الله.
• وقال أبو عبد الرَّحْمَنِ: إنَّ عُثْمَانَ حَيْثُ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ، وَلَا أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ؟» فَحَفَرْتُهَا، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ؟» فَجَهَّزْتُهُمْ. قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ. [خ: ٢٧٧٨]
وَقَالَ عُمَرُ فِي وَقْفِهِ: لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ. (خ:٢٧٦٤)
وَقَدْ يَلِيهِ الوَاقِفُ، وسيأتي قول النَّبيِّ ﷺ: «لا نُوْرَث، وما ترَكنَاهُ صَدقةٌ». [ر:١٩٠٧]

(٤٠) كِتابُ الجهَادِ والسِّيَرِ


١- بابٌ: في فَضْلِ الجِهَادِ والرِّباطِ، وقولِ اللهِ ﷿: ﴿هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ﴾إلى قولِهِ:﴿تِجَـٰرَةࣲ ٱلۡعَظِیمُ﴾ [الصف: ١٠- ١٢]، وقولِهِ تعالىَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَ ٰ⁠لَهُم﴾/ الآية [التوبة: ١١١]


١٣٢٢. [ق] عن عبدِ الله بن مَسْعُودٍ قالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا». قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. [خ:٢٧٨٢]
1. يقصد بهذا السؤال الأعمال البدنية، بقرينة تخصيص الجواب بالصلاة وبر الوالدين والجهاد ولم يدخل في السؤال ولا جوابه شيء من أعمال القلوب التي أعلاها الإيمان.
2. فيه أن الأعمال ليست في درجة واحدة في الأفضلية، وإنما تتفاوت حسب تقريبها من الله تعالى، ونفعها، ومصلحتها، فسأل عما ينبغي تقديمه منها.
3. وفيه ترك بعض السؤال عن العلم لبعض الأسباب؛ كمخافة الإضجار والهيبة من المسؤول.

١٣٢٣. [ق] وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ؟ قَالَ: «لَا أَجِدُهُ». قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ؟» قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ فَرَسَ المُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ، فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ. [خ:٢٧٨٥]
١٣٢٤. [ق] وعَنْ أَبي سَعيدٍ قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ». قَالُوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللهَ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ». [خ:٢٧٨٦]
1. قوله: (ويدع الناس من شره) فيه بيان أنّ من أدب العزلة أن يقصد إبعاد شره عن المسلمين، لا إبعاد شرورهم عنه، وإن كان حاصلاً ضمناً، وذلك هضماً لنفسه؛ كيلا يرى الفضل له عليهم، وامتثالاً للأمر بالتواضع الذي أمر الله تعالى به.
2. وفيه: تفاوت الأعمال الصَّالحة في الفضل والثَّواب.

١٣٢٥. [ق] وعَن أَبِي هُريرةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ -وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ إنْ تَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ». [خ:٢٧٨٧]
١٣٢٦. [ق] وعَن عَبدِ اللهِ بنِ أَبي أَوفى أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ». [خ:٢٨١٨]
١٣٢٧. [ق] وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيها». [خ:٢٨٩٢]
1. قال ابن قتيبة: «وأصل الرباط أن يربط هؤلاء خيلهم، وهؤلاء خيلهم، استعدادا للقتال، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾».
2. قال النووي: «هذه فضيلة - ظاهرة للمرابط، وجريان عمله بعد موته فضيلة مختصة به، لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحا في غير مسلم كل ميت يختم على عمله، إلا المرابط، فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة أما إجراء الرزق فهو موافق للشهداء، لقوله تعالى: ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾».
[[1. قال ابن قتيبة: «وأصل الرباط أن يربط هؤلاء خيلهم، وهؤلاء خيلهم، استعدادا للقتال، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾».
2. قال النووي: «هذه فضيلة - ظاهرة للمرابط، وجريان عمله بعد موته فضيلة مختصة به، لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحا في غير مسلم كل ميت يختم على عمله، إلا المرابط، فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة أما إجراء الرزق فهو موافق للشهداء، لقوله تعالى: ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾».

٢- بابُ الدُّعاءِ بالجِهَادِ والشَّهادةِ للرِّجالِ والنِّساءِ ودَرجاتِ المجاهدينَ


١٣٢٨. [ق] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَطْعَمَتْهُ، وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ» أَوْ: «مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ». شَكَّ إِسْحَاقُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهمْ. فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ/ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ» كَمَا قَالَ فِي الأُوْلى، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: «أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ». فَرَكِبَتِ البَحْرَ زمنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ، فَهَلَكَتْ. [خ:٢٧٨٨]
• في رواية: فخَرجَتْ مع زوجِها عُبادةَ بْنِ الصَّامتِ غازيًا أوَّلَ ما رَكبَ المسلمونَ البَحرَ مع مُعَاويةَ. [خ:٢٧٩٩]
1. قال النووي: «اتَّفق العلماء على أنَّها كَانت محرمًا له ﷺ، واختلفوا في كيفيَّة ذلك » ؛ فقال ابن عبد البرِّ وغيره: « كانت إحدى خالاته من الرَّضاعة، وقال آخرون: بل كانت خالةً لأبيه أو لجدِّه؛ لأنَّ عبد المطَّلب كانت أمّه من بنِي النَّجَّار».
2. قال النووي: «وفيه: جواز ملامسة المحرم في الرَّأس وغيره ممَّا ليس بعورةٍ، وجواز الخلوة بالمحرم والنّوم عندها، وهذا كلُّه مجمعٌ عليه».
3. قال النووي: « وفيه: جواز أكل الضَّيف عند المرأة المزوَّجة ممَّا قدَّمته له إلا أن يعلم أنّه من مال الزَّوج، ويعلم أنَّه يكره أكله من طعامه ».
4. فيه جواز الفرح بما يحدث من النعم، والضحك عند حصول السرور.

١٣٢٩. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ -أُرى- وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ». [خ:٢٧٩٠]
1. قوله: (أو جلس في أرضه)، قال ابن حجر: «فيه تأنيس لمن حُرِم الجهاد وأنه ليس محروماً من الأجر، بل له من الإيمان والتزام الفرائض ما يُوصله إلى الجنة وإن قَصُر عن درجة المجاهدين».
قوله: (أوسط الجنة وأعلى الجنة)، قال ابن حجر: «المراد بالأوساط هنا الأعدل والأفضل، كقوله تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾. وقال ابن حبان: «المراد بالأوسط السعة وبالأعلى الفوقية».

١٣٣٠. [ق] وعن سَمُرَةَ قال: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا. قَالَا: أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ». [خ:٢٧٩١]
١٣٣١. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَقَابُ قَوْسٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ». وَقَالَ: «لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ».[خ:٢٧٩٣]
١٣٣٢. [ق] وعَن سهلِ بن سعد عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الرَّوْحَةُ وَالغَدْوَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَفْضَلُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». [خ:٢٧٩٤]
الغَريب: (ثَبَجُ البَحْرِ): أَوْسَطه وَمُعْظمُه. و(الفِرْدَوْسُ): حدائق الأعْناب. و(أَوْسَطُها): أعلاها وأعدلها. و(قَابُ القَوْسِ): مِقداره، وهو أيضًا القادُ والقيدُ.

٣- بابُ فَضْلِ الشَّهادةِ وتَمَنِّيها


١٣٣٣. [ق] عن أنَسِ بن مالكٍ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا إِلَّا الشَّهِيدَ؛ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى، ولَرَوْحَةٌ في سَبيلِ اللهِ أو غَدْوَة خيرٌ مِن الدُّنيا ومَا فِيها، ولَقابُ قوسِ/ أحَدكم مِن الجنَّة أو مَوضع قِيدٍ -يعني سَوطه- خَيرٌ مِن الدُّنيا وَمَا فِيها، وَلَو أنَّ امْرأةً مِن أَهْلِ الجَنَّةِ اّْطَّلَعَتْ إلى أهْلِ الأرْضِ لأضاءَتْ مَا بَيْنهما، ولَملأتْهُ ريحًا، وَلنَصِيفُهَا عَلى رَأْسها خيرٌ مِن الدُّنيا وَما فِيها». [خ:٢٧٩٥-٢٧٩٦]
١٣٣٤. [ق] وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنَّ رِجَالًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَا تَطِيبُ نُفُوْسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ». [خ:٢٧٩٧]
1. في الحديث بيان ما كان عليه النبي ﷺ من الشفقة على المسلمين، والرأفة بهم، وأنه كان يترك بعض ما يختاره للرفق بالمسلمين.
2. وفيه بيان أن الأعمال الصالحة لا تستلزم الثواب لأعيانها، وإنما يحصل بالنية الخالصة لله عز وجل.

١٣٣٥. [ق] وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ أَقْوَامًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا، فَلَمَّا قَدِمُوا قَالَ لَهُمْ خَالِي: أَتَقَدَّمُكُمْ فَإِنْ أَمَّنُونِي حَتَّى أُبلِغَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَإِلَّا كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا. فَتَقَدَّمَ فَأَمَّنُوهُ، فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ أَوْمَؤُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ. ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا رَجُلًا أَعْرَجَ صَعِدَ الجَبَلَ -قَالَ هَمَّامٌ: وَأُرَاهُ آخَرَ مَعَهُ- فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ﷺ أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ، فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، فَكُنَّا نَقْرَأُ: ‹أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا›، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ. [خ:٢٨٠١]
1. فيه: دليلٌ على أنَّ أهل الحق قد ينال منهم المبطلون، ولا يكون ذلك دالًّا على فساد ما عليه أهل الحق، بل كرامة لهم، وشقاء لأهل الباطل.
2. وفي الحديث: الدُّعاء على الظَّالمين والغادرين ومن يؤذي المسلمين.

١٣٣٦. [ق] وعن جَابرٍ -هو ابْن عبدِ الله- قال: جِيءَ بِأَبِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، وَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ فَنَهَانِي قَوْمِي، فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ، فَقِيلَ: بنتُ عَمْرٍو، أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو. فَقَالَ: «لِمَ تَبْكِين -أَوْ: لَا تَبْكِين- مَا زَالَتِ المَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا». [خ:٢٨١٦]

٤- بابُ فَضْلِ الجُرْحِ في سَبيلِ اللهِ، والعَثْرَةُ والغُبَارُ وَمَسْحُهُ عَنِ المُجاهدِ


١٣٣٧. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ -وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ- إِلَّا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ دمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ». [خ:٢٨٠٣]
١٣٣٨. [ق] وعَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ فِي بَعْضِ المَشَاهِدِ قَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ، فَقَالَ:/
«هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ». [خ:٢٨٠٢]
1. في الحديث: أنَّ الأنبياء يصابون ببعض المكروه؛ ليعظم أجرهم؛ فهم أشَدُّ النَّاس بلاءً.

١٣٣٩. وعن عَبَايَةَ بنِ رِفَاعةَ بنِ رَافعٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ». [خ:٢٨١١]
١٣٤٠. وعن عائشةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الخَنْدَقِ وَوَضَعَ، وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الغُبَارُ، فَقَالَ: وَضَعْتَ السِّلَاحَ! فَوَاللهِ مَا وَضَعْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَأَيْنَ؟» قَالَ: هَا هُنَا، وَأَوْمَأَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ. [خ:٢٨١٣]
١٣٤١. وعَنْ أبي سعيدٍ قال: كُنَّا نَنْقُلُ لَبِنَ المَسْجِدِ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، وَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الغُبَارَ وَقَالَ: «وَيْحَ عَمَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ». [خ:٢٨١٢]
1. وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ من أوجه: منها أن عمارا يموت قتيلا، وأنه يقتله مسلمون، وأنهم بغاة، وأن الصحابة يقاتلون، وأنهم يكونون فرقتين: باغية، وغيرها، وكل هذا قد وقع مثل فلق الصبح، صلى الله وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
2. وفيه: أنَّ التَّعاون في بنيان المسجد من أفضل الأعمال؛ لأنَّه ممَّا يجري للإنسان أجُره بعد موته.
3. وفيه: إكرام العامل في سبيل الله والإحسان إليه بالفعل والقول.

٥- بابُ قولِ الله تعالى: ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِ﴾ الآية [الأحزاب: ٢٣]


١٣٤٢. [ق] عن حُميدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَس بن مالكٍ قَالَ: غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللهُ مَا أَصْنَعُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، قَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ -يَعْنِي أَصْحَابَهُ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ -يَعْنِي المُشْرِكِينَ-. ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ، إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ. قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا صَنَعَ، قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ، قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُرَى -أَوْ نَظُنُّ- أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِ﴾ [الأحزاب:٢٣] إِلَى آخرِها. وذكر باقي الحَديث [خ:٢٨٠٥]، وسَيأتي إنْ شاء الله تعالى. [ر:٢١٤٢]
١٣٤٣. وعن زيدِ بن ثَابِتٍ أنَّه قَالَ: نَسَخْتُ الصُّحُفَ فِي المَصَاحِفِ، فَفَقَدْتُ آيَةً مِنْ الأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقْرَأُ بِهَا، فَلَمْ أَجِدْهَا إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَهَادَتَهُ/ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ، وهي قَوْلُهُ: ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِ﴾ [الأحزاب:٢٣]. [خ:٢٨٠٧]
الغَريب: (نَحْبَهُ) أي: نَذْرَه، وأصلُ النَّحْب: النَّفْس، وكأنَّ هَذا النَّاذرَ نذرَ قتْلَ نفسه في الجِهاد فوَفَّى به.
1. قال ابن حجر: «قوله: (فلم أجدها إلا مع خزيمة الأنصاري) أي: مكتوبة، لِما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ ألا تكون تواترت عند من لم يتلقها من النبي ﷺ، وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة، ولعلهم لما وجدها زيد عند أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد، وفائدة التتبع المبالغة في الاستظهار والوقوف عند ما كتب بين يدي النبي ﷺ».
2. قال الزرقاني: «انتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة، وضعها له أبو بكر وعمر فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ وحذر دقيق وتحريات شاملة فلم يكتف بما حفظ في قلبه ولا بما كتب بيده ولا بما سمع بأذنه، بل جعل يتتبع ويستقصي آخذا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين:
أحدهما: ما كتب بين يدي رسول الله ﷺ.
والثاني: ما كان محفوظًا في صدور الرجال، وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي رسول الله ﷺ»
.

٦- بابُ تَقديمِ العَملِ الصَّالحِ والنِّيَّةِ الصَّادقةِ الخَالصةِ قبلَ القتالِ


• [خت] وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ.
١٣٤٤. [ق] عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازبٍ قال: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالحَدِيدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُقَاتِلُ وَأُسْلِمُ؟ قَالَ: «أَسْلِمْ، ثُمَّ قَاتِلْ». فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا». [خ:٢٨٠٨]
1. قال ابن بطال: قال المهلب: «فى هذا الحديث دليل أن الله يعطى الثواب الجزيل على العمل اليسير تفضلاً منه على عباده، فاستحق هذا نعيم الأبد فى الجنة بإسلامه، وإن كان عمله قليلا، لأنه اعتقد أنه لو عاش لكان مؤمناً طول حياته فنفعته نيته، وإن كان قد تقدمها قليل من العمل، وكذلك الكافر إذا مات ساعة كفره يجب عليه التخليد فى النار، لأنه انضاف إلى كفره اعتقاده أنه يكون كافراً طول حياته، لأن الأعمال بالنيات».

١٣٤٥. وعَنْ أنسِ بنِ مَالِكٍ قال: إِنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ البَرَاءِ -وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ- أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ -وَكَانَ قَد قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ- فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي البُكَاءِ. قَالَ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى». [خ:٢٨٠٩]
1. معرفة ما أعد الله للمتقين تُهوِّن مصائب الدنيا على المؤمنين.
2. من صفات الداعية التبشير والتلطف بمن أصيب بمصيبة.
3. جواز البكاء على الميت وإن كان قتيل المعركة يظن له الشهادة.

١٣٤٦. [ق] وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا». [خ:٢٨١٠]
(سَهْمٌ غَرْبٌ): رُوِّيناه بتنوين (سَهم) وإسْكان الرَّاء على أنَّه نعت لـ (سَهم)، وهو السَّهم الَّذي لا يُعْرَفُ رَاميه، ووجدناه في الأصل بحذف التَّنوين وفتح الرَّاء، وقيل: إنَّ الغرْب خَشَبٌ تُعمل منه السِّهَامُ، والله أعلم.

٧- بابُ وجوبِ النَّفيرِ والجِهادِ، والتَّعوُّذِ مِنَ الجُبْنِ، وقولِ اللهِ ﷿: ﴿ٱنفِرُوا۟ خِفَافࣰا وَثِقَالࣰا﴾إلى﴿إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ﴾ [التوبة: ٤١- ٤٢]، وقولِهِ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَا لَكُمۡ إِذَا قِیلَ لَكُمُ ٱنفِرُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ﴾ إلى: ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ ۝٣٩﴾ [التوبة: ٣٨-٣٩]


١٣٤٧. [ق] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ يومَ الفَتْحِ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ،/ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا». [خ:٢٨٢٥]
1. قوله: (ولكن جهاد ونية) قال النووي: «معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة ولكن حصلوه بالجهاد والنية الصالحة. وفي هذا: الحث على نية الخير مطلقا، وأنه يثاب على النية»

١٣٤٨. وعن عَمروِ بن مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ قَالَ: كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ، كَمَا يُعَلِّمُ المُعَلِّمُ الغِلْمَانَ الكِتَابَةَ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ فَقَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ». [خ:٢٨٢٢]
١٣٤٩. [ق] وعَنْ أنسِ بن مَالِكٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ». [خ:٢٨٢٣]
الغَريب: ابن عبَّاس: (ثُبَاتٍ): سَرايا متفرِّقين. يُقالُ: أحدُ الثُّبَات: ثُبَةٌ. و(أَرْذَلُ العُمُرِ): أَسْوؤه، وذلك بِضَعْف القِوى واخْتلال العقل.
1. قوله: (وأن أرد إلى أرذل العمر) قال النووي: «لما فيه من الخرف، واختلال العقل والحواس والضبط والفهم، وتشويه بعض المنظر، والعجز عن كثير من الطاعات، والتساهل في بعضها».
2. قال النووي: «وأما استعاذته ﷺ من الجبن والبخل، فلما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات، والقيام بحقوق الله تعالى، وإزالة المنكر، والإغلاظ على العصاة، ولأنه بشجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات، ويقوم بنصر المظلوم والجهاد، وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال، وينبعث للإنفاق والجود ولمكارم الأخلاق، ويمتنع من الطمع فيما ليس له، قال العلماء: واستعاذته ﷺ من هذه الأشياء لتكمل صفاته في كل أحواله وشرعه أيضا تعليمًا».

٨- بابٌ: في الرَّجلين يقتلُ أحدُهما الآخرَ كِلَاهما يدخلُ الجنَّة، وكمْ الشهداء؟


١٣٥٠. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلَانِ الجَنَّةَ: يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى القَاتِلِ فيُسْتَشْهَدُ». [خ:٢٨٢٦]
1. وفيه: أنَّ كرمه سبحانه وفضله متنوعٌ من وجوهٍ لا تعدُّ ولا تحصى.
2. وفيه: فتح أبواب التّوبة بكل وسيلةٍ؛ فإنَّ الإسلام يجبُّ ما قبله.

١٣٥١. وعنه قال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بَعْدَمَا افْتَتَحُوهَا -في رِواية [خ:٤٢٣٨]: وَإِنَّ حُزْمَ خَيْلِهِمْ لَلِيفٌ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْهِمْ لِي. فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ العَاصِي: لَا تُسْهِمْ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ. فَقَالَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ: وَاعَجَبًا لِوَبْرٍ تَدَلَّى عَلَيْنَا مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ -في رواية[خ:٤٢٣٨]: قَالَ أَبَانُ: وَأَنْتَ بِهَذَا يَا وَبْرُ، تَحَدَّرَ مِنْ رَأْسِ ضَأْلٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَا أَبَانُ اّْجْلِسْ» فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ- يَنْعَى عَلَيَّ قَتْلَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللهُ عَلَى يَدَيَّ، وَلَمْ يُهِنِّي عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَسْهَمَ لَهُ أَو لَمْ يُسْهِمْ لَهُ. [خ:٢٨٢٧]
١٣٥٢. [ق] وعنه أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ». [خ:٢٨٢٩]
الغَريب: (الوَبْرُ): دُوَيْبَّةٌ تشبه/ السِّنَّوْر. و(تَدَلَّى): اّْنْحدَرَ، وقد رُوي كذلك، ورُوي: (تردَّى) وكلُّها بمعنًى واحد. و(قَدُوم): بفتح القاف وضمِّ الدال مخفَّفةُ، لا يُقال هذا إلَّا كذا، فأمَّا (قدوم) الموضع وآلة النَّجار، فرُوي في كلِّ واحدٍ منهما التَّخفيفُ والتَّشديد. و(ضال): جبلٌ، وقد رُوي باللَّام والنُّون، وكأنَّ النُّون بدلٌ مِن اللَّام، كما قالوا: فَرس رِفَلٌّ ورِفَن، إذا كان طويل الذَّنَبِ، وهذا كلُّه تحقيرٌ مِن أبان لأَبي هُرَيْرَةَ لمَّا قال: (لا تقسم له)، و(ابْنُ قَوْقَل): رجلٌ مسلمٌ قتله أَبَانُ في حالة كفره. و(المَطْعُون): الَّذي أصابه الطَّاعون، وهو الموت العام. و(المَبْطون): الَّذي يموت بعِلَّةِ البطْن كالاسْتسقاء وذَاتُ الجَنْبِ، ونحو ذلك. و(صَاحَب الهَدْم): الَّذي يموت تحته مِن غير تَغْرِيرٍ. والله أعلم.
1. قال ابن باز: «والمصدوم بالسيارة يدخل ضمن الشهداء إن شاء الله، هو من جنس صاحب الهدم أو أشد.«

٩- بابُ فيمَن حَبَسَهُ العُذْرُ، وقولِهِ تعالى: ﴿لَّا یَسۡتَوِی ٱلۡقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ غَیۡرُ أُو۟لِی ٱلضَّرَرِ﴾ [النساء:٩٥]


١٣٥٣. عَن أنسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ فِي غَزَاةٍ له فَقَالَ: «إِنَّ أَقْوَامًا بِالمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمُ العُذْرُ»
. [خ:٢٨٣٩]
١٣٥٤. [ق] وعَنِ البَرَاءِ -هو ابْن عَازب- قال: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لَّا یَسۡتَوِی ٱلۡقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [النساء:٩٥] دَعَا رَسُولُ اللهِ ﷺ زَيْدًا فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا، وَشَكَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ فَنَزَلَتْ: ﴿لَّا یَسۡتَوِی ٱلۡقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ غَیۡرُ أُو۟لِی ٱلضَّرَرِ﴾ [النساء:٩٥]. [خ:٢٨٣١]
• وفي رِواية: قالَ النَّبيُّ ﷺ للبرَاءِ: «ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالكَتِفِ». أو: «الكَتف والدَّوَاة» الحديثَ. [خ:٤٩٩٠]
1. في الحديث مشروعية اتخاذ الكاتب وتقريبه.
2. وفيه جواز تقييد العلم بالكتابة.
3. وفيه جواز كتابة القرآن في الألواح والأكتاف.

١٣٥٥. [ق] وعن سَهلِ بنِ سَعدٍ السَّاعديِّ أنَّه قال: رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ جَالِسًا فِي المَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَمْلَى عَلَيْهِ: ﴿لَّا یَسۡتَوِی ٱلۡقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾﴿وَٱلۡمُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ﴾[النساء:٩٥] فجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَسْتَطِيعُ الجِهَادَ لَجَاهَدْتُ -وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى- فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿غَیۡرُ أُو۟لِی ٱلضَّرَرِ﴾ [النساء:٩٥]. [خ:٢٨٣٢]
١٣٥٦. وعَنْ أَبي مُوْسى قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:/ «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللهُ لَهُ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا». [خ:٢٩٩٦]
1. فيه: فَضلُ العَمَلِ في حالِ الإقامةِ والصِّحَّةِ؛ لِيَنالَ الإنسانُ هذا الأجْرَ إذا سافَرَ أو مَرِضَ.

١٠- بابُ الصَّبرِ عِندَ القِتالِ، والتَّحريضِ عليهِ، وفَضْلِ مَن جَهَّزَ غَازِيًا


١٣٥٧. [ق] عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى كَتَبَ فَقَرَأْتُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا». [خ:٢٨٣٣]
١٣٥٨. [ق] وعَنْ أَنَسٍ قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الخَنْدَقِ، فَإِذَا المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالجُوعِ قَالَ:
«اللهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ»
فَقَالُوا مُجِيبِينَ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا [خ:٢٨٣٤]
1. قوله: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة)، قال ابن حجر: «إشارة إلى تحقير عيش الدنيا لما يعرض له من التكدير وسرعة الفناء».
2. قال النووي: «إذا رأى شيئا يعجبه قال لبيك إن العيش عيش الآخرة».

١٣٥٩. [ق] وفي طَريق أُخرى عنه قال: جعلَ المهاجرون والأنْصار يَحْفِرُون الخَنْدقَ حول المدينة، وينقلون التُّراب على مُتونهم، ويقولون:
نحـن الَّذين بايعوا محمَّــدًا علـى الإسلام مـا بقينـا أبـدَا
والنَّبيُّ ﷺ يُجِيْبُهم:
«اللَّهمَّ إنَّه لا خيرَ إلَّا خيرُ الآخرهْ فباركْ في الأنْصار والمهاجرهْ» [خ:٢٨٣٥]
١٣٦٠. [ق] وعَنِ البراء قال: رَأَيْتُ النَّبيَّ ﷺ يَوْمَ الأَحْزَابِ يَنْقُلُ التُّرَابَ، وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
«لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا [خ:٢٨٣٧]
فَأَنْزِلِ السَّكِينَةَ عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا»

١٣٦١. [ق] وعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا». [خ:٢٨٤٣]

١١- بابُ فَضلِ النَّفقةِ في سَبيلِ اللهِ، والصَّومِ فيهِ لمَنْ لا يَضعُفُ عَنِ الجِهَادِ


١٣٦٢. [ق] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَامَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ». ثُمَّ ذَكَرَ زَهْرَةَ الدُّنْيَا، فَبَدَأَ بِإِحْدَاهُمَا وَثَنَّى بِالأُخْرَى. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَيَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ، قُلْنَا:/ يُوحَى إِلَيْهِ، وَسَكَتَ النَّاسُ كَأَنَّ عَلَى رُؤوسِهِمُ الطَّيْرَ، ثُمَّ إِنَّهُ مَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا؟ أَوَخَيْرٌ هُوَ؟ -ثَلَاثًا- إِنَّ الخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالخَيْرِ، وَإِنَّهُ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ حَبَطًا إِلَّا آكِلَةَ الخَضِرِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امتدَّت خَاصِرَتَاهَا، اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، ثُمَّ رَتَعَتْ، وَإِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَنِعْمَ صَاحِبُ المُسْلِمِ لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، فَجَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْهَا بِحَقِّهِا، فَهُوَ كَالآكِلِ لَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ القِيَامَةِ». [خ:٢٨٤٢]
1. قال ابن بطال: «فيه أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فُتِحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها، فلا يطمئن إلى زخرفها ولا يُنافس غيره فيها».
2. وفي الحديثِ: جلوس الإمامِ على المنبرِ عند الموعظة، وجلوس النَّاس حوله.
3. وفيه: ضرب الأمثال؛ لتقريب المعاني إلى الأفهامِ.
4. وفيه: أنَّ المكتسب للمال من غيرِ حلّه غير مباركٍ له فيه.
5. وفيه: أنّ للعالم أن يحذّر من يجالسه من فتنة المال وغيرِه، وينبّهه إلى مواضعِ الخوف من الافتتان به.
6. وفيه: الحضّ على الاقتصاد في المال، والحثّ على الصّدقة وترك الإمساك.

١٣٦٣. [ق] وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا». [خ:٢٨٤٠]
١٣٦٤. وعَنْ أَنسِ بنِ مالكٍ قال: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ لَا يَصُومُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ أَجْلِ الغَزْوِ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ لَمْ أَرَهُ مُفْطِرًا إِلَّا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى. [خ:٢٨٢٨]
الغَريب: (بَركاتُ الأرْضِ): خَيْرَاتُها. و(زَهْرَتُها): زِينتها ومَا يُعجِبُ منها، ويعني بإحداهما الكلمة الأولى الَّتي هي: (إنَّمَا أخْشَى عَلَيكُم) إلى آخرها، وبالأخرى: (ثُمَّ ذَكَرَ زَهْرَةَ الدُّنْيَا)، و(الرُّحَضَاء): العَرَق عَن تعبٍ ومشقَّة. و(الحَبَط): انتفاخُ الجوف مِن كَثرةِ الأكلِ. و(الخَضِرُ): اسم جنس ما يَسْتَحِيلُ مِن المرعى. و(ثَلَطتْ): أَلْقَتِ الرَّوثَ. و(رَتَعَت): رَعتْ. وهذان مَثَلان للحَريص على المال المُمسك، والمُقْتَصِد المُنْفِق.

١٢- بابٌ: في الخَيْلِ والمُسَابقةِ بها، وَفَضْلِها، وأنَّها معقودٌ في نواصيْها الخيرُ


١٣٦٥. [ق] عَن أَبي هُريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «الخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ: فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَطَالَ لها فِي مَرْجٍ -أَوْ رَوْضَةٍ-، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنَ المَرْجِ -أَوِ الرَّوْضَةِ- كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا وَآثَارُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِئَاءً،/ وَنِوَاءً لِأَهْلِ الإِسْلَامِ فَهِيَ وِزْرٌ عَلَى ذَلِكَ». وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الحُمُرِ، فَقَالَ: «مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلَّا هَذِهِ الآيَةُ الجَامِعَةُ الفَاذَّةُ: ﴿فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَیۡرࣰا یَرَهُۥ ۝٧ وَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲ شَرࣰّا یَرَهُۥ ۝٨﴾ [الزلزلة:٧-٨]». [خ:٢٨٦٠]
١٣٦٦. وعنه قال: قَال النَّبيُّ ﷺ: «مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللهِ إِيمَانًا بِاللهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». [خ:٢٨٥٣]
1. قال الخطابي: «في الحديث إشارة إلى أن المال الذي يكتسب باتخاذ الخيل من خير وجوه الأموال وأطيبها».
2. قال ابن عبد البر: «فيه إشارة إلى تفضيل الخيل على غيرها من الدواب؛ لأنه لم يأت عنه ﷺ في شيء غيرها مثل هذا القول».
3. فيه دليل على تغليظ تحريم الرياء، وشدة عقوبته.

١٣٦٧. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَجْرَى النَّبِيُّ ﷺ مَا ضُمِّرَ مِنَ الخَيْلِ مِنَ الحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ، وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى. قَالَ سُفْيَانُ: من الحَفْيَاءِ إِلَى الثَّنِيَّةِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، ومن ثَنِيَّةَ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ. [خ:٢٨٦٨]
١٣٦٨. [ق] وفي رواية: سَابَقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ، فَأَرْسَلَهَا مِنَ الحَفْيَاءِ، وكان أَمَدُهَا ثنيَّةَ الوَدَاع، قال موسى بن عُقْبَة: بين ذلك ستَّة أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ. وَسَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتي لم تُضَمَّرْ فأَرْسَلَها مِن ثنيَّةِ الوَدَاعِ، وكانَ أَمَدُهَا مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ. قال موسى: بين ذلك مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ. وكان ابْن عُمَر ممَّن سابقَ بها. [خ:٢٨٧٠]
1. قال ابن حجر: في الحديث مشروعية المسابقة، وأنه ليس من العبث، بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو.
2. وفيه بيان مشروعية الإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة.
3. وفيه بيان جواز إضافة المسجد إلى قوم مخصوصين.
4. قال ابن حجر: فيه تنزيل الخلق منازلهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم غاير بين منزلة المضمَّر وغير المضمَّر، ولو خلطهما لأتعب غير المضمر.

١٣٦٩. [ق] عن عُرْوَةَ بنِ الجَعْدِ البَارِقِيِّ: أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ». [خ:٢٨٥٢]
• [ق] وقد رواه ابنُ عُمرَ. [خ:٢٨٤٩]
١٣٧٠. [ق] وعَنْ أَنسِ بنِ مَالكٍ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «البَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الخَيْلِ». [خ:٢٨٥١]
الغريب: (المرْجُ): النَّباتُ المختلِطُ المختلِفُ. و(الرَّوْضَةُ): النَّباتُ الَّذي له نَوْرٌ وزَهْرٌ. و(الطِّيَل) بفتح الياء: الحبلُ الذي تُربط به الدَّابَّة للرَّعي. و(الفَخْر): المُفاخرة والتكبُّر. و(الرِّياءُ): المرَاءاة. و(النِّوَاءُ) بكسر النُّون: المناوأة، وهي المُعَادَاة والمُبَاعَدة. و(الجَامِعَة): العامَّة. و(الفَاذَّة): المنفردة بمعناها؛ أي: ليس في جميع آي القرآن مثلها. و(تَضْميرُ الخيل): هو أن تُسمَّنَ ثمَّ تُجْرَى حتَّى تُهْزَل، فيذهب لحمُها وتبقى قوَّتها. ويُستفاد مِن قوله: «الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» أنَّ الجهاد دائمٌ ماضٍ مع كلِّ إمام برٍّ أو فاجر.
1. قال ابن حجر: «في الحديث بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة؛ لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون».
2. قال القاضي عياض: «هذا الحديث مع وجيز لفظه، من البلاغة، والعذوبة ما لا مزيد عليه في الحُسن، مع الجناس السهل الذي بين الخيل والخير.
3. قال الخطابي: فيه إشارة إلى أن المال الذي يُكتسب باتخاذ الخيل من خير وجوه الأموال، وأطيبها، والعرب تُسَمِّى المال خيراً.

١ القائل لرسول الله ﷺ: ولو استزدته لزادني:

٥/٠