٢٦- بابُ مَن قَالَ: إنَّ الأجيرَ يُسهَمُ له. وإجَارةِ الفَرسِ بجزءٍ ممَّا يَغْنَمُ عليهِ


• [خت] وَقَالَ الحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: يُسْهَمُ لِلْأَجِيرِ مِنَ المَغْنَمِ.
• [خت] وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ، فَبَلَغَ سَهْمُ الفَرَسِ أَرْبَعَ مِئَةِ دِينَارٍ، فَأَخَذَ مِئَتَيْنِ، وَأَعْطَى صَاحِبَهُ مِئَتَيْنِ.
١٤١٨. [ق] عنْ صَفوان بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَحَمَلْتُ عَلَى بَكْرٍ، فَهُوَ أَوْثَقُ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي، فَاسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا، فَقَاتَلَ رَجُلًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، وَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَأَهْدَرَهَا، وَقَالَ: «أَيَدْفَعُ يَدَهُ إِلَيْكَ فَتَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الفَحْلُ؟». [خ:٢٩٧٣]
(القَضْمُ): الأكْلُ بمقدِّم الأسْنان، والخَضْم: بالفَم كلِّه.
1. مشروعية ذكر الرجل الصالح عمله، ما لم يكن في ذلك رياء وسمعة.
2. مشروعية استئجار الأجير للخدمة، وكفاية مؤنة العمل في الغزو وغيره.
3. رفع الجنايات إلى الحكام لأجل الفصل.
4. تشبيه فعل الآدمي بفعل الحيوان الذي لا يعقل؛ للتنفير عن مثل فعله.

٢٧- بابُ النَّهيِ عَنِ السَّفَرِ بالمُصْحَفِ إلى أرضِ العدوِّ، وعَنِ الوَحْدَةِ في السَّفَرِ


١٤١٩. [ق] عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ. [خ:٢٩٩٠]
1. قال ابن هبيرة: «قال الله تعالى:{فِی صُحُفࣲ مُّكَرَّمَةࣲ} [سورة عبس:13] ، وإنما يكرمها البررة من المؤمنين، ومن تكريمه لها لا يُمكّن أعداء الله أن ينالوها بعين ولا سمع».

يعني بِذلك: المَصاحِفَ، بدليلِ قولِ ابنِ عُمرَ: (إنَّ النَّبيَّ ﷺ وأصحابَه سافروا في أرضِ العَدُوِّ وهم يَعْلَمُون القُرآن). وقال مالكٌ: إنَّما نهى عَن ذلك مخافةَ أن يَنَالَهُ العدوُّ.
١٤٢٠. وعَنِ ابْنِ عُمرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّه قالَ: «لوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ»./ [خ:٢٩٩٨]
1. قال المهلب: «نهيه عن الوحدة في سير الليل إنما هو إشفاق على الواحد من الشياطين؛ لأنه وقت انتشارهم وأذاهم للبشر بالتمثل لهم وما يفزعهم ويدخل في قلوبهم الوساوس؛ ولذلك أمر الناس أن يحبسوا صبيانهم عند حدقة الليل».

٢٨- بابُ تَواضعِ الإمامِ بأنْ يُرْدِفَ خلفَهُ، وجوازِ ركوبِ اثْنين على حمارٍ


١٤٢١. [ق] عن عبدِ الله -هو ابنُ عُمر- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَقْبَلَ يَوْمَ الفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الحَجَبَةِ، حَتَّى أَنَاخَ فِي المَسْجِدِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤْتَى بِمِفْتَاحِ البَيْتِ، فَفَتَحَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ، فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلًا، ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلَالًا وَرَاءَ البَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى النَّبيُّ ﷺ؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى المَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ؟ [خ:٢٩٨٨]
١٤٢٢. [ق] وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ. [خ:٢٩٨٧]

٢٩- بابٌ: يُقَاتَلُ مِن وراءِ الإمامِ ويُتَّقى به، وجواز خروجه وحدَه إذا وقع فَزَعٌ


١٤٢٣. [ق] عَنْ أبي هُريرةَ أنَّه سمَع رَسُولَ اللهِ ﷺ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ، مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ». [خ:٢٩٥٧]
1. (وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي) قال النووي: «وقال في المعصية مثله؛ لأن الله تعالى أمر بطاعة رسول الله ﷺ وأمر هو ﷺ بطاعة الأمير، فتلازمت الطاعة».

١٤٢٤. [ق] وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: فَزِعَ النَّاسُ -في رواية [خ:٢٩٠٨]: في المَدينة- فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا، ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ، فَرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ خَلْفَهُ، فَقَالَ: «لَمْ تُرَاعُوا إِنَّهُ لَبَحْرٌ». قال: فَمَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ. [خ:٢٩٦٩]
الغريب: (جُنَّةٌ): أي: وِقَاية. و(وَراء): ظاهرها بمعنى: خَلف، وقد استُعملت بمعنى أَمام؛ كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاۤءَهُم مَّلِكࣱ﴾ [الكهف:٧٩]؛ أي: أمَامهم، وهي هُنا محتملة للمَعنيين. و(الرَّكْضُ): ضربٌ مِن السَّير سَريع. وقوله: (إنَّه لَبَحر) يعني: أنَّ الفَرس وجَدَه كثيرَ الجَري، واسع الخطو، وسُمِّي البَحر بحرًا لِسعتِه./
1. قال النووي: «فيه بيان شجاعته ﷺ من شدة عجلته في الخروج إلى العدو قبل الناس كلهم، بحيث كشف الحال، ورجع قبل وصول الناس».
2. قال النووي: «وفيه بيان عظيم بركته ومعجزته في انقلاب الفرس سريعا بعد أن كان يبطأ، وهو معنى قوله ﷺ: (وجدناه بحرا) أي واسع الجري».
3. قال النووي: «وفيه جواز سبق الإنسان وحده في كشف أخبار العدو ما لم يتحقق الهلاك».
4. قال النووي: «وفيه جواز العارية، وجواز الغزو على الفرس المستعار لذلك».

٣٠- بابُ الجِهَادِ بإذنِ الأبَوينِ، وهل يُؤذَنُ في التَّخلُّفِ لمن خَرجتِ امرأتُه حَاجَّةً؟


١٤٢٥. [ق] عن عَبد الله بن عَمرٍو قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الجِهَادِ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». [خ:٣٠٠٤]
1. هذا كله دليل لعظم فضيلة برهما، وأنه آكد من الجهاد، وفيه حجة لما قاله العلماء أنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما إذا كانا مسلمين، أو بإذن المسلم منهما.
2. يؤخذ من الحديث أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهاداً.

١٤٢٦. [ق] وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرُ المَرْأَةُ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اّْكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً. قَالَ: «اّْذْهَبْ فاحْجُجْ مَعَ امْرَأَتِكَ». [خ:٣٠٠٦]
1. قوله: (فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اّْكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً. قَالَ: «اّْذْهَبْ فاحْجُجْ مَعَ امْرَأَتِكَ) قال النووي: «فيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة؛ لأنه لما تعارض سفره في الغزو، وفي الحج معها رجح الحج معها؛ لأن الغزو يقوم غيره في مقامه عنه بخلاف الحج معها».
2. قال ابن حجر: «يستفاد منه أن الحج في حق مثله أفضل من الجهاد؛ لأنه اجتمع له مع حج التطوع في حقه تحصيل حج الفرض لامرأته، وكان اجتماع ذلك أفضل من مجرد الجهاد الذي يحصل المقصود منه بغيره».

٣١- بابٌ: يُقْتَلُ الجاسوسُ المُشركُ، ويُنْظَرُ في المُسلمِ فإنْ ظَهَرَ له عُذْرٌ تُرِكَ


١٤٢٧. [ق] عن سَلمةَ بنِ الأَكوعِ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ عَيْنٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اّْطْلُبُوهُ وَاّْقْتُلُوهُ». فَقَتَلْتُهُ، فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ. [خ:٣٠٥١]
1. فيه قتل العين الذي يبعثه الأعداء ليتعرف على أحوال المسلمين؛ لأن في تركه ضرراً على المسلمين بالإخبار عن حالهم، ومكان الضعف منهم، والدلالة على ثغراتهم، بخلاف الرسل، فإنهم لا يُؤذوْن؛ لأنهم دعاة سلام وصلة التئام، وهذا من محاسن الإسلام.
2. فيه إعطاء القاتل سلب قتيله من باب التشجيع على قتال الأعداء.

١٤٢٨. [ق] وعن عليٍّ -هو ابْن أبي طالبٍ- قال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالمِقْدَادَ، فقَالَ: «اّْنْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا». فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى اّْنْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِها رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ... يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟» قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ؛ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا، وَلَا رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قَدْ صَدَقَكُمْ». قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ. قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اّْعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». [خ:٣٠٠٧]
الغَريب: (رَوضَةُ خَاخٍ): بخاءين معجمتين،/ وهو موضع بينه وبين المدينة اثْنا عشر ميلًا. وهذه المَرأة يُقال لها: سَارةُ مولاة العبَّاس بن عبد المطَّلب. (والظَّعِيْنَةُ): المَرْأة في الهَودج. و(تَعادىَ خَيْلُنَا): تَجْرِي.
1. قال النووي: «وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ وفيه هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان رجلا أو امرأة».
2. قال النووي: «وفيه هتك ستر المفسدة إذا كان فيه مصلحة أو كان في الستر مفسدة وإنما يندب الستر إذا لم يكن فيه مفسدة، ولا يفوت به مصلحة، وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر».
3. قال النووي: «وفيه أن الجاسوس وغيره من أصحاب الذنوب الكبائر لا يكفرون بذلك، وهذا الجنس كبيرة قطعا لأنه يتضمن إيذاء النبي ﷺ، وهو كبيرة بلا شك بقوله تعالى:{إِنَّ ٱلَّذِینَ یُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا} [سورة الأحزاب:57].
4. قال النووي: «وفيه أنه لا يحد العاصي، ولا يعزر إلا بإذن الإمام»
.
5. قال النووي: «وفيه إشارة جلساء الإمام والحاكم بما يرونه كما أشار عمر بضرب عنق حاطب».
6. قال ابن العربي: وفيه جواز تجريد العورة عن السترة عند الحاجة».
7. قال ابن حجر: «وفيه جواز التشديد في استخلاص الحق، والتهديد بما لا يفعله المهدد تخويفاً لمن يُستخرج منه الحق».
8. وفيه جواز العفو عن العاصي.
9. وفيه العفو عن زلة ذوي الهيئة.
10. قال ابن هبيرة: «في الحديث أن العبد الصالح الولي لله عزوجل المشهود له بالجنة قد يقارف الذنب ولا يخرجه ذلك من إيمانه، وأن المستحب أن يُرْفق به ليفيء إلى الحق».

٣٢- بابُ النَّهيِ عن قَتْلِ النِّساءِ والصِّبيانِ في الحربِ، فإن بُيِّتُوا في دارِهم جَازَ ذلكَ


١٤٢٩. [ق] عن ابنِ عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. [خ:٣٠١٤]
1. فيه أن من لم يقاتل من النساء والصبيان والشيوخ الفانين والرهبان لا يُقتلون؛ لأن القتل والقتال لدفع أذى الكفار ووقوفهم في وجه الدعوة إلى الإسلام، ما لم يكن هؤلاء النساء والشيوخ أصحاب رأي ومساعدة على قتال المسلمين فإذا كانوا كذلك فإنهم يقتلون.
2. وفيه: تقنين الإسلام لأمور الحرب، ومراعاته لحقوق غير المقاتلين من النساء والأطفال ومن في حكمهم.

١٤٣٠. [ق] وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بن جَثَّامَة قَالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- فَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ؟ قَالَ: «هُمْ مِنْهُمْ» -وفي رواية [خ:٣٠١٣]: «هم مِن آبائهم»- وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ». [خ:٣٠١٢]
1. قوله: (بسارية من سواري المسجد) قال النووي: «فيه جواز ربط الأسير وحبسه».
2. قال النووي: «وفيه جواز إدخال المسجد الكافر».

٣٣- بابُ الإمِامِ يُخَيَّرُ في قتْلِ الأُسَارى، فإنِ اختارَ القَتْلَ فلا يُحرِّقهم، وقولِهِ تعالى: ﴿فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَاۤءً﴾ [محمد:٤]


• [خت] وقد ربطَ النَّبيُّ ﷺ ثُمَامَةَ بِساريةٍ مِن سَواري المسجدِ. (خ:٤٣٧٢)
١٤٣١. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «عَجِبَ اللهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ». [خ:٣٠١٠]
1. قال ابن هبيرة: «يعني أنه لو وكل الناس إلى نهضاتهم لأبطِئوا جداً، ولكنه سبحانه يدخلهم الجنة في السلاسل؛ أي يسلكهم طرق الجنة على كره منهم».

١٤٣٢. [ق] وعن جابرِ بن عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى، وَأُتِيَ بِالعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ لَهُ قَمِيصًا، فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ ﷺ إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ ﷺ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ يَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ. [خ:٣٠٠٨]
1. في الحديث: كسوة الأسرى والإحسان إليهم.
2. وفيه: مشروعية المكافأة على النعمة التي تسدى إلى قريب الرجل إذا كان ذلك إكراما له في قريبه، ولم يطلبها القريب.
3. وفيه: أن المكافأة تكون في الحياة وبعد الممات.

١٤٣٣. وعن محمَّد بن جُبَيْر بن مُطْعِم، عَنْ أبيه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ». [خ:٣١٣٩]
1. في الحديث: مشروعية المن على الأسارى، وإطلاقهم بغير فداء.
2. وفيه: مشروعية تشفيع الشريف للمذنبين على سبيل تأليف قلبه.
3. وفيه: بيان حسن المكافأة على ما تقدم من الجميل، قال الزرقاني: وهذا من شيمه ﷺ الكريمة تذكر وقت النصر والظفر للمطعم بن عدي هذا الجميل.

١٤٣٤. وعن عِكْرمة أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا، فَبَلَغَ ابْنَ/ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ». وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». [خ:٣٠١٧]
1. في الحديث: فضل ابن عباس رضي الله عنهما، وسعة علمه وفقهه بأحاديث النبي ﷺ .
2. وفيه: أدب الإنكار على المخالف.

١٤٣٥. [ق] وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ». [خ:٣٠١٩]
1. قال النووي: «هذا الحديث محمول على أنه كان جائزا في شرع ذلك النبي جواز قتل النمل وجواز التعذيب بالنار فإنه لم يقع عليه العتب في أصل القتل ولا في الإحراق، بل في الزيادة على النملة الواحدة وأما في شرعنا فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا في القصاص بشرطه، وكذا لا يجوز عندنا قتل النمل لحديث ابن عباس في السنن "أن النبي ﷺ نهى عن قتل النملة والنحلة"».

١٤٣٦. [ق] وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ. قَالَ: «فَاقْتُلُوهُ». [خ:٣٠٤٤]
1. قوله: (وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ)، قال ابن حجر: «فيه مشروعية لبس المغفر وغيره من آلات السلاح حال الخوف من العدو وأنه لا ينافي التوكل».
2. قوله: (جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه)، قال ابن حجر: «فيه جواز رفع أخبار أهل الفساد إلى ولاة الأمر، ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة ولا النميمة».
3. قوله: (جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ. قَالَ: «فَاقْتُلُوهُ») قال النووي: «قال العلماء: إنما قتله؛ لأنه كان قد ارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه، وكان يهجو النبي ﷺ ويسبه، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي ﷺ والمسلمين، فإن قيل: ففي الحديث الآخر من دخل المسجد فهو آمن، فكيف قتله وهو متعلق بالأستار؟ فالجواب: أنه لم يدخل في الأمان، بل استثناه هو وابن أبي سرح والقينتين وأمر بقتله، وإن وجد متعلقا بأستار الكعبة، كما جاء مصرحا به في أحاديث أخر، وقيل: لأنه ممن لم يفِ بالشرط، بل قاتل بعد ذلك».
4. قال ابن حجر: «استدل بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة على أن الكعبة لا تُعيذ من وجب عليه القتل».

٣٤- بابُ النَّهيِ عنْ تمنِّي لقاءِ العَدُوِّ، والأمرِ بالصَّبرِ عندَ اللِّقاءِ، والحَربِ خُدْعَة، وإعمالِ الحِيلَةِ في قتْل العَدُوِّ


١٤٣٧. [ق] عن عبد الله بن أَبِي أَوْفَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ. ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ وقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ وَسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ». ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ». [خ:٢٩٦٥-٢٩٦٦]
• [خت] وفي الباب عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ. [خت:٣٠٢٦]
1. قال النووي: «إنما نهي عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب، والاتكال على النفس، والوثوق بالقوة، وهو نوع بغي».
2. قوله: (وَسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ) قال النووي: «وقد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية، وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن، في الدين والدنيا والآخرة».
3. قوله: (اللهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ) قال النووي: «فيه استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار».

١٤٣٨. [ق] وَعن جابرِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الحَرْبُ خَدْعَةٌ». [خ:٣٠٣٠]
• [ق] ونحوه عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ. [خ:٣٠٢٩]
1. قال ابن المنير: «معنى الحرب خدعة -أي- الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظَّفر مع المخادعة بغير خطر».
2. قال القاضي عياض: «جواز التورية والتعريض في الحرب».
3. قال ابن حجر: «في الحديث التحريض على أخذ الحذر في الحرب».

١٤٣٩. [ق] وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ». قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» -في رواية[خ:٣٠٣٢]: فَأْذَنْ لِي فَأَقُولَ. قَالَ: «قَدْ فَعَلْتُ»- قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا -يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ- قَدْ عَنَّانَا وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ. قَالَ: وَأَيْضًا وَاللهِ لَتَمَلُّنَّهُ. قَالَ: فَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ إليه أَمْرُهُ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ فَقَتَلَهُ. [خ:٣٠٣١]
الغريب: (خَدْعةٌ): فصيحها بفتح الخاء وسكون الدَّال على المصدر؛ أي: ذاتُ خِدَاعٍ، ويُروى بضمِّ الخاء وفتح الدَّال وسكونها، ويجري هذا بمجرى: هَزْأة، وهُزَأة، فالسُّكون للمفعول، والفتح للفاعل./

٣٥- بابُ ما يُكرَهُ مِن التَّنازُعِ والاخْتلافِ في الحَرْبِ، وعقوبةِ مَن عَصَى إمامَهُ، وقالَ اللهُ ﷿: ﴿وَلَا تَنَـٰزَعُوا۟ فَتَفۡشَلُوا۟ وَتَذۡهَبَ رِیحُكُمۡ﴾ [الأنفال:٤٦]


١٤٤٠. [ق] عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا». [خ:٣٠٣٨]
1. قال الكرماني: «هذا الحديث من جوامع الكلم لاشتماله على خير الدنيا والآخرة لأن الدنيا دار الأعمال والآخرة دار الجزاء، فأمر -ﷺ - فيما يتعلق بالدنيا بالتسهيل وفيما يتعلق بالآخرة بالوعد بالخير، والإخبار بالسرور، وتحقيقا لكونه رحمة للعالمين في الدارين».
2. قال النووي: «إنما جمع في الحديث بين الشيء وضده؛ لأنه قد فعلهما في وقتين، فلو اقتصر على «يسروا» لصدق ذلك على من يسر مرة أو مرات وعسر في معظم الحالات، فإذا قال «لا تعسروا» انتفى التعسير في جميع الأحوال».
3. في الحديث: أن العالم والواعظ والمقبول من قوله مأمور بألا يقنط الناس، وأن ييسر على المبتدئ في الإسلام، ولا يفاجئه بالشدة.

١٤٤١. وعَن أبي إسْحاق-هو السَّبيعي- قال: سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يُحَدِّثُ قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ -وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا- عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا القَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ». فَهَزَمهُمْ، قَالَ: فَأَنَا وَاللهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْدُدنَ، قَدْ بَدَتْ خَلَاخِيلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ، الغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ قَالُوا: وَاللهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الغَنِيمَةِ. فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِئَةً، سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ [أَبِي] قُحَافَةَ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ الخَطَّابِ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ قُتِلُوا. فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللهِ يَا عَدُوَّ اللهِ، إِنَّ الَّذِي عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوؤكَ. قَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالحَرْبُ سِجَالٌ. قال: إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي القَوْمِ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: اُعْلُ هُبَلْ، اُعْلُ هُبَلْ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَلَا تُجِيبُوهُ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ». قَالَ: إِنَّ لَنَا العُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:/ «أَلَا تُجِيبُوهُ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ». [خ:٣٠٣٩]
1. فيه: بيان أن المسلم إذا عصى الله ورسوله فقد استوى من جهة مع غير المسلم، فإذا كان نزال بينهما فالغلبة لمن أخذ بأسباب الدنيا من كثرة العدد والسلاح والعتاد.
2. وفيه: الأخذ بأسباب النصر وبالأسباب الدنيوية، مع التوكل على الله.
3. وفيه: أنه يجب على الجند طاعة القائد فيما يأمرهم به؛ لأن مخالفة أوامره من أعظم أسباب الهزيمة.
4. قال ابن حجر: «وفيه منزلة أبي بكر وعمر من النبي ﷺ وخصوصيتهما به، بحيث كان أعداؤه لا يعرفون بذلك غيرهما، إذ لم يسأل أبو سفيان عن غيرهما».
5. قال ابن حجر: «وفيه شؤم ارتكاب النهي وأنه يعم ضرره من لم يقع منه، كما قال تعالى: {وَٱتَّقُوا۟ فِتۡنَةࣰ لَّا تُصِیبَنَّ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمۡ خَاۤصَّةࣰۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ} [سورة الأنفال:25]».
6. قال ابن حجر: «وفيه أن من آثر دنياه أضر بأمر آخرته ولم تحصل له دنياه، واستفيد من هذه الكائنة أخذ الصحابة الحذر من العود إلى مثلها، والمبالغة في الطاعة، والتحرز من العدو الذين كانوا يظهرون أنهم منهم وليسوا منهم».
7. قال ابن القيم: «قوله: (أَلَا تُجِيبُوهُ؟) أمرهم ﷺ بجوابه عند افتخاره بآلهته وبشركه، تعظيماً للتوحيد، وإعلاماً بعزة إله المسلمين، وقوة جانبه، وأنه لا يُغْلَب ولم يأمرهم بإجابته حين قال: (أفيكم محمد؟، أفيكم ابن أبي قحافة؟، أفيكم عمر؟)».

٣٦- بابٌ: هل يَسْتأسرُ الرَّجلُ عندَ الغَلَبةِ؟ ووجوبُ فكِّ الأسيرِ المُسلِمِ


١٤٤٢. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ -جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ- فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالهَدَأَةِ -وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ- ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لَحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِئَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ. فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَؤوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَأَحَاطَ بِهِمُ القَوْمُ، فَقَالُوا: اّْنْزِلُوا فَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمُ العَهْدُ وَالمِيثَاقُ، وَلَا نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا. فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَنَا فَوَاللهِ لَا أَنْزِلُ اليَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ. فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بِالعَهْدِ وَالمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ، وَابْنُ دَثِنَةَ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الغَدْرِ، وَاللهِ لَا أَصْحَبُكُمْ، إِنَّ فِي هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةً -يُرِيدُ القَتْلَى- فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وقيعة بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حينَ أتاهُ. قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي، قَالَ: تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ. وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ. وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ/ رَزَقَهُ اللهُ خُبَيْبًا. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الحِلِّ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ. فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا، اللهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا
مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الحَارِثِ، فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ قُتِلَ صَبْرًا، فَاسْتَجَابَ اللهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَومَ أُصِيبُوا، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللهُ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْطَعَوا مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا. [خ:٣٠٤٥]
1. فيه بيان أن الله تعالى يحفظ عباده المؤمنين في الحياة وبعد الممات، وأن الموت شهادة، ليس هلاكا للمسلم، وإنما هو كرامة وفضل.
2. وفيه: أن المسلم الحق لا يغدر بمن غدر به.
3. صلاة ركعتين عند الاستشهاد سنة، فعلها خبيب وأقرها النبي ﷺ .
4. يجوز للأسير ألا يقبل الاستسلام وأن يرضى بالقتل.

١٤٤٣. وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فُكُّوا العَانِيَ -أي: الأَسِيرَ- وَأَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ». [خ:٣٠٤٦]
١٤٤٤. وعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ ﵁: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللهُ رَجُلًا فِي القُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. [خ:٣٠٤٧]
الغريب: (الشِّقُّ): الجَانب. و(الشِّلْو): بقيَّةُ الجِسْم. و(ممزَّع): مُقَطَّع. و(صَبْرًا): أي مَصبورًا؛ أي: محبوسًا للقَتل. و(الظُّلَّةُ): السَّحابة القَريبة مِن الرَّأس كأنَّها تُظلِّلُه. و(الدَّبْر): الزَّنانير. و(حَمَتْه) مَنَعَتهُ.
1. أن الله يمن على من يشاء من عباده بنعمة الفهم.
2. جواز الإقسام بلا قسم إذا كان الأمر مهمًّا واقتضت المصلحة ذلك.

٣٧- بابٌ: كيف يُعْرَضُ الإسْلامُ عَلى الصَّبيِّ؟


١٤٤٥. [ق] عَنْ سالمِ بنِ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أبيه أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ اّْنْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدهُ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟» فَنَظَرَ إِلَيْهِ/ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «آمَنْتُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ». قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَاذَا تَرَى؟» قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «خُلِّطَ عَلَيْه الأَمْرُ؟» قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خِبأً». قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ». قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنْ يَكُن هُو، فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هو، فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ».
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَأْتِيَانِ النَّخْلَ الَّذِي فِيهِ ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ النَّخْلَ طَفِقَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهُوَ يَخْتِلُ ابْنَ صَيَّادٍ أَنْ يَسْمَعَ مِن ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ: أَيْ صَافِ -وَهُوَ اسْمُهُ- فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ».
وَقَالَ سَالِمٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ ﷺ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ». [خ:٣٠٥٥-٣٠٥٧]
الغَريب: (ابْن صيَّاد): هذا غُلامٌ مِن اليَهُودِ، وكَان يتكهَّنُ أحْيانًا فَيَصْدُق ويَكْذِب، فشَاعَ حديثه، وتحدَّث النَّاس أنَّه الدَّجَّال، ولم يبيِّن الله لنبيِّه ﷺ شيئًا مِن ذَلك، فأشكل أمرُهُ، فأخذَ النَّبيُّ ﷺ يسلكُ طُرقًا يختبر حَالَه بها، كما ذكرَ في هذا الحديثِ وفي غيره، وقد أشكَلَ أمرهُ على ابنِ عُمَرَ وأَبِي سَعِيدٍ وغيرهما مِن الصَّحابة كما في «كتاب مسلم» وغيره. وقوله ﷺ: (خُلِّطَ عَليكَ) أي: الشَّيطان الَّذي أتاه خَلَط عليه الحقَّ بالبَاطل عَلى عادةِ الكُهَّان. وقوله ﷺ: (خَبَّأْتُ لَكَ خَبْأً) قيل: إنَّ معناه أنَّ النَّبي ﷺ أضمَرَ له في نفسه: ﴿فَٱرۡتَقِبۡ یَوۡمَ تَأۡتِی ٱلسَّمَاۤءُ بِدُخَانࣲ مُّبِینࣲ﴾ [الدخان:١٠]. و(الدُّخُّ) لغة في الدُّخان. و(يَخْتِل):/ يَتَحَيَّل. و(القَطِيفَةُ): كساءٌ مِن صوفٍ غليظٌ له خَمَل؛ أي: زبير، ووقع هنا: (رَمْزة) بِراء وزاي، مِن الرَّمز، وَهو الصَّوت الخَفي هنا الَّذي يَرْمُزُ إلى المعنى؛ أي: يشير إليه. وفي «كتاب مسلم»: (رَمْرمة) و(زَمْزمَة) بَراءين وزَايين، وهما متقاربان في المعنى، ويعني به-والله أعلم-: صوتُ النَّائم المُواجَع.
1. قوله: (وَهُوَ يَخْتِلُ ابْنَ صَيَّادٍ أَنْ يَسْمَعَ مِن ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا) قال النووي: «أي يخدع ابن صياد، ويتغفله ليسمع شيئا من كلامه، ويعلم هو والصحابة حاله في أنه كاهن أم ساحر ونحوهما، وفيه كشف أحوال من تخاف مفسدته».
2. قال النووي: «وفيه كشف الإمام الأمور المهمة بنفسه».
3. قال النووي: «يقال له ابن صياد وابن صائد، وسمي بهما في هذه الأحاديث، واسمه صاف، قال العلماء: وقصته مشكلة، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره؟ ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة».
4. (اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ) قال النووي: «أي لا تجاوز قدرك وقدر أمثالك من الكهان الذين يحفظون من إلقاء الشيطان كلمة واحدة من جملة كثيرة، بخلاف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؛ فإنهم يوحي الله تعالى إليهم من علم الغيب ما يوحي، فيكون واضحا كاملا، وبخلاف ما يلهمه الله الأولياء من الكرامات».
5. قوله ﷺ: (وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ) قال النووي: «هذا الإنذار لعظم فتنته وشدة أمرها».
6. قال القاضي عياض: «هذه الأحاديث في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه، ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا، والخصب معه، وجنته وناره ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويبطل أمره، ويقتله عيسى ﷺ، ويثبت الله الذين آمنوا، هذا مذهب أهل السنة، وجميع المحدثين، والفقهاء، والنظار».
7. قال القاضي عياض: «وفتنته عظيمة جدا تدهش العقول، وتحير الألباب، مع سرعة مروره في الأمر، فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله ودلائل الحدوث فيه والنقص فيصدقه من صدقه في هذه الحالة ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته، ونبهوا على نقصه ودلائل إبطاله، وأما أهل التوفيق فلا يغترون به، ولا يخدعون لما معه من الدلائل المكذبة له مع ما سبق لهم من العلم بحاله، ولهذا يقول له الذي يقتله ثم يحييه: ما ازددت فيك إلا بصيرة».

٣٨- بابُ قولِ النَّبيِّ ﷺ: «نُصِرْتُ بالرُّعْبِ»، وقولِ اللهِ تعالى: ﴿سَنُلۡقِی فِی قُلُوبِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعۡبَ﴾ [آل عمران:١٥١]


• وقد تقدَّم في حديثِ هِرَقْلَ قول أبي سُفيان: (لَقدْ أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كَبْشَةَ؛ إنَّه ليخافُه مَلِكُ بني الأصْفر). [ر:٦]
1. قوله: (ابن أبي كَبْشَةَ) قال النووي: «قيل: هو رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى، ولم يوافقه أحد من العرب في عبادتها فشبهوا النبي ﷺ به لمخالفته إياهم في دينهم كما خالفهم أبو كبشة، روينا عن الزبير بن بكار في كتاب الأنساب قال: ليس مرادهم بذلك عيب النبي ﷺ إنما أرادوا بذلك مجرد التشبيه».

١٤٤٦. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا. [خ:٢٩٧٧]
الغَريب: (أَمِرَ): عَلا وكثُر. و(أبو كَبْشَة): جَدُّ النَّبيِّ ﷺ لأُمِّهِ، واسمه وَهْب، وقد تقدَّم. و(بَنُو الأصْفَرِ): الرُّوم، نُسبوا إلى الأصْفرِ بنِ الرُّومِ. و(جَوامعُ الكَلِم): هي الكلمات الوجيزة المشتملة عَلى حِكَمٍ كثيرة، وفوائد عظيمة، كما جاء ذلك في الكتاب والسُّـنَّة. و(الرُّعبُ): الفَزَع. و(تَنْتَثِلُونها): تَسْتَخْرِجُون ما فيها.
1. قال النووي: «قوله ﷺ: (أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ) هذا من أعلام النبوة فإنه إخبار بفتح هذه البلاد لأمته، ووقع كما أخبر ﷺ ولله الحمد والمنة، قوله: (وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا) يعني تستخرجون ما فيها، يعني خزائن الأرض وما فتح على المسلمين من الدنيا».
2. قال ابن بطال: أما قوله: (أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ) فإن العرب كانت أقل الأمم أموالا فبشرهم أنها ستصير أموال كسرى وقيصر إليهم، وهم الذين يملكون الخزائن، وقوله: (فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا) يعني: أن رسول الله ذهب ولم ينل منها شيئًا، بل قسم ما أدرك منها بينكم وآثركم بها، ثم أنتم اليوم تنتثلونها على حسب ما وعدكم».

٣٩- بابُ إمدادِ الإمامِ بالمدَدِ وكتبهِ للنَّاسِ، ومَن تأمَّرَ عندَ الضَّرورةِ مِن غيرِ تَأْمِيرٍ


١٤٤٧. [ق] عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لَحْيَانَ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا، وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ، فَأَمَدَّهُمُ النَّبِيُّ ﷺ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ -قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُسَمِّيهِمُ القُرَّاءَ، يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ- فَانْطَلَقُوا بِهِمْ، حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ، غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ. وقالَ أَنَسٌ: إِنَّهُمْ قَرَؤوا بِهِمْ قُرْآنًا: «أَلَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، بِأَنَّا قَدْ لَقِيَنَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا». ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ./ [خ:٣٠٦٤]
1. قال ابن هبيرة: «في هذا الحديث استحباب الدعاء على الكفار، على خلاف ما كانت تراه الجاهلية؛ فإنهم كانوا لا يرون الدعاء على العدو، ويعدونه ذلا».
2. وفي الحديث: الدعاء على أهل الغدر وانتهاك المحارم، والإعلان بأسمائهم، والتصريح بذكرهم.
3. وفيه: دليل على أن أهل الحق قد ينال منهم المبطلون، ولا يكون ذلك دالا على فساد ما عليه أهل الحق، بل كرامة لهم، وشقاء لأهل الباطل.

١٤٤٨. [ق] وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلَامِ مِنَ النَّاسِ». فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ، فَقُلْنَا: نَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُ مِئَةٍ؟! فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَحْدَهُ وَهُوَ خَائِفٌ. [خ:٣٠٦٠]
1. قال ابن حجر: «في الحديث: وقوع العقوبة على الإعجاب بالكثرة».
2. قال ابن المنير: «موضع الترجمة من الفقه ألا يتخيل أن كتابة الجيش وإحصاء عدده يكون ذريعة لارتفاع البركة، بل الكتابة مأمور بها لمصلحة دينية، والمؤاخذة التي وقعت كانت من جهة الإعجاب».
3. وفي الحديث: مشروعية أن يحصر الإمام الناس ويعدهم عند الحاجة إلى الدفع عن المسلمين.
4. قال ابن حجر رحمه الله: «وفي ذلك علم من أعلام النبوة من الإخبار بالشيء قبل وقوعه، وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة رضي الله عنه في زمن الحجاج وغيره».

١٤٤٩. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَالَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ ابْنُ الوَلِيدِ مِن غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، فمَا يَسُرُّنِي -أَوْ قَالَ: مَا يَسُرُّهُمْ- أَنَّهُمْ عِنْدَنَا». وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ. [خ:٣٠٦٣]
1. في الحديث: أن الرحمة التي تكون في القلب محمودة.
2. قوله: (مِن غَيْرِ إِمْرَةٍ) فيه: أن للمسلم سد خلل ما يراه من عورات المسلمين إذا رأى مصلحة راجحة، وكان مستطيعا لذلك.

١ أرسل حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- امرأة بكتاب إلى أناس من مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله ﷺ، فأرسل رسول الله ﷺ ثلاثة من أصحابه ليعيدوا الكتاب، فمن هم هؤلاء الصحابة؟

٥/٠