(٤٥) كِتَابُ السِّيرِ والمَغَازِي


١- بابُ مَبْعثِ النَّبيِّ ﷺ، وما لقِيَ هُو وأصحابهُ مِن المشركين، وَذِكْرِ نَسَبِهِ


مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعبِ/ بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ ابْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.
١٧٧٤. عَنِ ابن عبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَمَكَثَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ أُمِرَ بِالهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ، فَمَكَثَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ. [خ:٣٨٥١]
١٧٧٥. وعَنْ خَبَّابٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بِبُرْدَةٍ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، وَقَدْ لَقِينَا مِنَ المُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْتُ: أَلَا تَدْعُو اللهَ؟ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: «لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ المِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُوْنَ». [خ:٣٨٥٢]
1. في الحديث: علامة من علامات النبوة، حيث وقع ما أخبر به النبي ﷺ من تمام الدين، وانتشار الأمن، وإنجاز الله ما وعد نبيه ﷺ من ذلك.
2. وفيه جواز ذكر ما يتعرض له المسلم من البلاء من باب الإخبار، لا من باب الشكوى.
3. وفيه جواز طلب الدعاء ممن هو مجاب الدعوة، أو من أهل الخير والصلاح، بشرط ألا يترك الدعاء اعتمادًا على دعائهم.
4. وفيه الدعاء على الكفار وطلب ذلك.
5. وفيه مدح الصبر على العذاب في الدين، وأن مع العسر يسرًا.
6. وفيه التأسي بالصالحين الذين امتحنوا في دينهم، فصبروا.

١٧٧٦. وعَن عُروَةَ بنِ الزُّبيرِ قَالَ: سَأَلْتُ ابنَ العَاصِي: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ المُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ ﷺ. قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي فِي حِجْرِ الكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ ابْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ، وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: ﴿أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن یَقُولَ رَبِّیَ ٱللَّهُ﴾ الآية [غافر: ٢٨].[خ:٣٨٥٦]
الصَّحيح: (عَمرُو بن العَاصِي) بدل: (ابن العَاصِي)، وقيل: عبد الله بن عمرو.
١٧٧٧. وعَن عمَّارِ بنِ يَاسِرٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ. [خ:٣٨٥٧]
١٧٧٨. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا: «مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ». [خ:٣٨٨٢]
١٧٧٩. [ق] وعَنْ جَابرِ بنِ عَبدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الحِجْرِ، فَجَلَا اللهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ». [خ:٣٨٨٦]

٢- بابُ نَصْرِ أَبِي طالبٍ للنَّبيِّ ﷺ، ووفاةِ أَبِي طالبٍ


١٧٨٠. [ق] عَنِ العبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلبِ/ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: «هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ». [خ:٣٨٨٣]
1. الحديث دليل على أن أبا طالب مات على الشرك، وفيه الرد على الرافضة الذين زعموا إسلامه، قال ابن حجر: «ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الأحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب ولا يثبت من ذلك شيء».
2. في الحديث: أن الله قد يعطي الكافر عوضا من أعماله التي مثلها يكون قربة لأهل الإيمان بالله تعالى.
3. وفيه: بيان أن عذاب الكفار متفاوت.
4. وفيه: بيان أنه لا تنفع محبة النبي ﷺ المحبة الطبيعية، وإنما تنفع المحبة الدينية الإيمانية التي تتمثل في اتباع سنته، والاقتداء به عقيدة وسلوكا.
5. وفيه: بيان أن القرابة المجردة لا تنفع، وإنما ينفع القرب الديني، وإن كانت الأنساب غريبة.
6. قال ابن عثيمين: «قول النبي ﷺ: (وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) فيه جواز إسناد الشيء إلى سببه المعلوم، كقول الشخص أنقذه آخر من الغرق، لولا فلان لمت أو غرقت، أما إذا أضيف إلى سبب موهوم كأن يضاف إلى ما ليس بسبب، كأن يلبس قلادة عن العين، ويقول لولا هذه القلادة لأصابتني العين، فهذا لا يجوز، أما إذا أضيف إلى سبب معدوم، كأن يقول: لولا فلان الميت لغرقت أو هلكت، فهذا شرك أكبر، لأن السبب هنا يعلم بطلانه، فالأقسام ثلاثة:
الأول: أن يضاف الشيء إلى سبب معلوم، فهو جائز.
الثاني: أن يضاف الشيء إلى سبب موهوم، فلا يجوز.
الثالث: أن يضاف الشيء إلى سبب معدوم، فهو شرك أكبر»
.

١٧٨١. [ق] وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ فَقَالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ تَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ». [خ:٣٨٨٥]
١٧٨٢. [ق] وعَنْ سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: «أَيْ عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ». فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ ابْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟! فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ، حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ». فَنَزَلَتْ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِیِّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن یَسۡتَغۡفِرُوا۟ لِلۡمُشۡرِكِینَ﴾ إلى﴿أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ﴾[التوبة: ١١٣]، وَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِی مَنۡ أَحۡبَبۡتَ﴾) [القصص: ٥٦]. [خ:٣٨٨٤]
1. قوله: (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ) قال النووي: «فيه جواز الحلف من غير استحلاف وكان الحلف هنا لتوكيد العزم على الاستغفار وتطييبا لنفس أبي طالب».
2. وفيه: أن على المرء أن يتخير أصحابه وأهل مجلسه؛ فإن شؤم صاحب السوء يضر بالدنيا والآخرة جميعا.

٣- بابُ الإِسْراءِ بالنَّبيِّ ﷺ، وأنَّه كانَ في اليقظةِ وَرُؤيا عَيْنٍ


١٧٨٣. [ق] عَنْ أَنَسِ بنِ مَالكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ ﷺ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: «بَيْنَمَا أَنَا فِي الحَطِيمِ -وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الحِجْرِ- مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ -قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ- مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ -فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: يَعْنِي مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَقَالَ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ- فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ البَغْلِ وَفَوْقَ الحِمَارِ أَبْيَضَ -قال أنس: هُوَ البُرَاقُ- يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ لَهُ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ./ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ فقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا بيَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا. فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِهِ الجنَّة أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: هَذَا إِبْراهيم أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. قَالَ: فَسَلَّمْتُ/ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ المُنْتَهَى. وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالفُرَاتُ. ثُمَّ رُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ، يدخله كلَّ يَوْم سَبْعون أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَاخْترتُ اللَّبَنَ فَقَالَ: هِيَ الفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَـــقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ». قَالَ: «سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ». قَالَ: «فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَاداني مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي». [خ:٣٨٨٧]
١٧٨٤. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡیَا ٱلَّتِیۤ أَرَیۡنَـٰكَ إِلَّا فِتۡنَةࣰ لِّلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، قَالَ: ﴿وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِی ٱلۡقُرۡءَانِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. [خ:٣٨٨٨]
1. لما كان بيت المقدس مُهاجَر كثير من أنبياء الله تعالى؛ كان الإسراء بنبينا ﷺ إليه ليُجمع له بين أشتات الفضائل.
2. قال ابن أبي جمرة: «الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء إرادة إظهار الحق لمعاندة من يريد إخماده، لأنه لو عُرِجَ به من مكة إلى السماء لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلاً إلى البيان والإيضاح، فلما ذكر أنه أُسري به إلى بيت المقدس سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس كانوا رأوها وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك، فلما أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء إلى بيت المقدس في ليلة، وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره، فكان ذلك زيادة في إيمان المؤمن، وزيادة في شقاء الجاحد والمعاند».
3. قال ابن حجر: «قد اشتملت هذه القصة من خوارق العادة على ما يُدهش سامعه فضلاً عمن شاهده، فقد جرت العادة بأنَّ من شُقَّ بطنه وأُخرج قلبه يموت لا محالة، ومع ذلك فلم يُؤثِّر فيه ذلك ضرراً ولا وجعاً فضلاً عن غير ذلك».
4. قال ابن أبي جمرة: «الحكمة في شق قلبه مع القدرة على أن يمتلئ إيماناً وحكمة بغير شق، الزيادة في قوة اليقين، لأنه أُعطي برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمِن معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالاً ومقالاً».
5. قال ابن دحية: «وإنما لم تُهيأ له بالفتح قبل مجيئه وإن كان أبلغ في الإكرام؛ لأنه لو رآها مُفتحة لظن أنها لا تزال كذلك ففعل ذلك ليعلم أن ذلك فُعِلَ من أجله، وأن الله تعالى أراد أن يُطْلعه على كونه معروفاً عند أهل السموات».
6. قوله: (مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ) قال ابن حجر: «قيل اقتصر الأنبياء على وصفه بهذه الصفة وتواردوا عليها؛ لأن الصلاح صفة تشمل خلال الخير، ولذلك كررها كل منهم عند كل صفة، والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد، فمن ثمَّ كانت كلمة جامعة لمعاني الخير».
7. قوله: (بِالِابْنِ الصَّالِحِ)، قال ابن حجر: «في قول آدم الابن الصالح إشارة إلى افتخاره بأبوة النبي ».
8. قوله: (فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ)، قال ابن حجر: «فيه إثبات الاستئذان، وأنه ينبغي لمن يستأذن أن يقول أنا فلان».
9. قوله: (مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ)، قال ابن حجر: «فيه تلقي أهل الفضل بالبشر والترحيب والثناء والدعاء».
10. قوله: (مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ)، قال ابن حجر: «فيه جواز مدح الإنسان المأمون عليه الافتتان في وجهه».
11. قوله: (نَاداني مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي)، قال ابن حجر: «فيه جواز نسخ الحكم قبل وقوع الفعل».
12. قال ابن حجر: «في الحديث أن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة، يستفاد ذلك من قول موسى ﵇ للنبي ﷺ أنه عالج الناس قبله وجربَّهم، ويستفاد منه تحكيم العادة».
13. قول موسى ﵇: (بما أُمرت.. إن أمتك لا تستطيع)، قال ابن حجر: «فيه بذل النصيحة لمن يحتاج إليها وإن لم يستشر الناصح في ذلك».

٤- بابُ وُفُودِ الأنْصارِ إِلى النَّبيِّ ﷺ بمكَّةَ، وبيعةِ العَقَبةِ


١٧٨٥. [ق] عَنْ عَبدِ الله بن كَعب/ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ ابْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ: لَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُول اللهِ ﷺ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا. [خ:٣٨٨٩]
وسيأتي إنْ شاء الله تعالى [ر: ١٩٥٠].
1. قوله: (لَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُول اللهِ ﷺ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلَامِ) قال النووي: «أي: تبايعنا عليه وتعاهدنا، وليلة العقبة هي الليلة التي بايع رسول الله ﷺ الأنصار فيها على الإسلام، وأن يؤووه وينصروه، وهي العقبة التي في طرف منى، والتي يضاف إليها جمرة العقبة، وكانت بيعة العقبة مرتين في سنتين في السنة الأولى كانوا اثني عشر وفي الثانية سبعين كلهم من الأنصار رضي الله عنهم».
2. قوله: (وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ)، قال ابن القيم: «فيه أن بيعة العقبة كانت من أفضل مشاهد الصحابة حتى إن كعباً كان لا يراها دون مشهد بدر».

١٧٨٦. وعَنْ جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ قَالَ: شَهِدَ بِي خَالَايَ العَقَبَةَ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَحَدُهُمَا البَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ. [خ:٣٨٩٠]
١٧٨٧. وعَنْ عَطاءٍ: قَالَ جابرٌ: أَنَا وَأَبِي وَخَالاي مِنْ أَصْحَابِ العَقَبَةِ. [خ:٣٨٩١]
١٧٨٨. [ق] وعَنْ أَبي إِدْرِيسَ عائذِ اللهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ مِنَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَمِنْ أَصْحَابِ العَقَبَةِ. [خ:٣٨٩٢]
١٧٨٩. [ق] وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ، وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ، وَلَا نَنْتَهِبَ، وَلَا نَعْصِيَ، فَالجَنَّةُ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللهِ. [خ:٣٨٩٣]
1. قال ابن عثيمين: «فإن قال قائل: ما الفرق بين السرقة وبين النُّهبة؟ قلنا: السرقة أن يأخذ المال بخفية، يتأنى ويتسمع، هل حوله أحد أو لا؟ ثم يحاول الفتح بخفية، بينما المنتهب هو من يأخذ المال بخطف وسرعة».

٥- بابُ وَفاةِ خَدِيجةَ، وتزويجِ عائِشَةَ ﵄


١٧٩٠. [ق] عَنْ هِشامِ بنِ عُروةَ، عَنْ أَبيهِ قَالَ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى المَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ. [خ:٣٨٩٦]
١٧٩١. [ق] وفيِ طريقٍ أُخرى أنَّها قالت: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي، فَوَفَى جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ، وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا، ولَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَنَضَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي البَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الخَيْرِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ،/ فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ، فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللهِ ﷺ ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعٍ. [خ:٣٨٩٤]
1. قولها: (فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي البَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الخَيْرِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ)، قال النووي: «فيه استحباب الدعاء بالخير والبركة لكل واحد من الزوجين، ومثله في حديث عبد الرحمن بن عوف (بارك الله لك)».
2. قولها:(فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي) قال النووي: «فيه استحباب تنظيف العروس وتزيينها لزوجها، واستحباب اجتماع النساء لذلك، ولأنه يتضمن إعلان النكاح، ولأنهن يؤانسنها ويؤدبنها ويعلمنها آدابها حال الزفاف وحال لقائها الزوج».
3. قولها: (فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللهِ ﷺ ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ)، قال النووي: «فيه جواز الزفاف والدخول بالعروس نهارًا، وهو جائز ليلاً ونهاراً، واحتج به البخاري في الدخول نهاراً، وترجم عليه باباً».

٦- بابُ الهِجْرةِ إِلى أَرْضِ الحَبَشةِ


١٧٩٢. [ق] عَنْ عَائشةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ وَأمَّ حَبِيبَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ... [خ:٣٨٧٣]. وقد تقدَّم [ر:٢٢٨].
١٧٩٣. [ق] وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ بِاليَمَنِ، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَه، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ ﷺ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَكُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ». [خ:٣٨٧٦]
• وقد تقدَّمَ حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ بموتِ النَّجاشيِّ والصَّلاةِ عَلَيهِ [ر:٦٦٢].
1. قال ابن الجوزي: «لم يُرد ﷺ تغير نسبه ولا محو هجرته، وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجر لانتسب إلى المدينة وإلى نصرة الدين، فالتقدير لولا أن النسبة إلى الهجرة نسبة دينية لا يسع تركها لانتسبت إلى داركم».

٧- بابُ هِجْرةِ النَّبِيِّ ﷺ وأصحابِهِ إلى المدينةِ


• [خت] وقال عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ وأَبُو هُريرةَ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ: «لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ». (خ: ٤٣٣٠) (خ: ٣٧٧٩)
• [خت] وقال أبو مُوسىَ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ: «رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ الهَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ». (خ:٣٦٢٢).
١٧٩٤. وعَنْ عُروةَ بنِ الزُّبيرِ أنَّ عائِشةَ زوجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ وَهُوَ سَيِّدُ القَارَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي. فقَالَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ؛ إِنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ،/ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ. فَرَجَعَ فَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ، فَطَافَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ؟! فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدُّغُنَّةِ، وَقَالُوا لِابْنِ الدُّغُنَّةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِنَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ كذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ، وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدُّغُنَّةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ، عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدُّغُنَّةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: لقَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللهِ ﷿. وَالنَّبِيُّ ﷺ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْمُسْلِمِينَ: «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ»-وَهُمَا الحَرَّتَانِ- فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَلَى رِسْلِكَ،/ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ». فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ -وَهُوَ الخَبَطُ- أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللهِ ﷺ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «نَعَمْ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ -بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ- إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بِالثَّمَنِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الجِرَابِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَمَكَثَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيَدَّلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَما عَامِرُبْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ ابْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا -وَالخِرِّيتُ المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي العَاصِ/ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ وَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ المُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رَسُولُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ، أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي المَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ وَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ البَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَوَضَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، وَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بيَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلَامَ وَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا، أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الأَزْلَامَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ. وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي شَيْئًا وَلَمْ يَسْأَلَانِي إِلَّا أَنْ قَالَ:/ «أَخْفِ عَنَّا». فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ ﷺ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَتَى الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ المُسْلِمُونَ بِالمَدِينَةِ بِمَخْرَج رَسُولِ اللهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الحَرَّةِ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَمَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ اليَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعشَرَ العَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ المُسْلِمُونَ إِلَى السِّباخِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللهِ ﷺ بِظَهْرِ الحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ ﷺ صَامِتًا، وَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ -مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللهِ ﷺ- يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ ﷺ بِالمَدِينَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ، لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: «هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ المَنْزِلُ». ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ ﷺ الغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا/ بِالمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ، وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:
«هَذَا الحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَظهَر».
وَهو يَقُولُ:
«اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالمُهَاجِرَهْ».
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَه الأبيَاتِ. [خ:١٨٠٧، ٣٩٠٦]
1. وفيه: الأخذ بالأسباب والتوكل على الله عز وجل عند قضاء الحوائج.
2. وفيه: أن الصديق أوثق الناس عند رسول الله ﷺ، وأنه من أأمن الناس عليه في صحبته وماله.

١٧٩٥. وعَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ إِلَى المَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَالنَّبِيُّ ﷺ شَابٌّ لَا يُعْرَفُ، قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ. قَالَ: فَيَحْسِبُ الحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا. فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ». فَصَرَعَهُ فَرَسُهُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مُرْنِي بِمَا شِئْتَ. قَالَ: «قِفْ مَكَانَكَ، لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا». قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللهِ ﷺ، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ جَانِبَ الحَرَّةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَاؤوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، وَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ. فَرَكِبَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ، وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلَاحِ، فَقِيلَ فِي المَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللهِ. فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ بِجَانِبِ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا،/ فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللهِ ﷺ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟». فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي، قَالَ: «فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا». قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ. فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ، وَيْلَكُمْ، اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا». قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ، قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَ: «فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ؟». قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا. قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟». قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ. قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟». قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ. قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟». قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ. قَالَ: «يَا ابْنَ سَلَامٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ». فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ. فَقَالُوا: كَذَبْتَ. فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ. [خ:٣٩١١]
1. قال النووي: «وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه، وهي من أجل مناقبه، والفضيلة من أوجه: منها هذا اللفظ، ومنها بذله نفسه، ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله تعالى ورسوله، وملازمة النبي ﷺ، ومعاداة الناس فيه. ومنها جعله نفسه وقاية عنه وغير ذلك».

١٧٩٦. [ق] وعَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الغَارِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَامِ القَوْمِ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنَا. قَالَ: «اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، اثْنَانِ اللهُ ثَالِثُهُمَا». [خ:٣٩٢٢]
1. في الحديث: كمال توكل النبي ﷺ على ربه، واعتماده عليه، وتفويضه أمره إليه.
2. وفيه: الفرار بالدين خوفا من العدو، ولا يلقي الإنسان بيده إلى العدو؛ توكلا على الله تعالى واستسلاما له، ولو شاء الله لعصم رسوله ﷺ، مع كونه معهم، ولكنها سنة الله في الأنبياء وغيرهم، ولن تجد لسنة الله تبديلا.

١٧٩٧. [ق] وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَسَأَلَهُ عَنِ الهِجْرَةِ، فَقَالَ: «وَيْحَكَ إِنَّ الهِجْرَةَ شَأْنُهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا؟». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا؟». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا؟». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ؛ فَإِنَّ اللهَ/ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا». [خ:٣٩٢٣]
الغريب: (وَهَل): بفتح الهاء، وَهْمِي. (بَرْكَ الغِمَاد): موضع. (أَسيحُ في الأرض): أذهبُ فيها لعبادة الله، وقد تقدَّم القول على قوله: (لَتَصلُ الرَّحم) الكلام إلى آخره في أوَّل الكتاب. و(يتقذَّف عليه): يترامون عليه مُزْدَحمين، وهو معنى: (يَتَقَصَّفُ) الَّذي رواه الأَصِيلي. (نُخْفِرَك) مضموم النُّون رباعيًا: ننقضُ جِوارك، و(نَخْفُرَكَ) ثلاثيًا مفتوح النُّون: نُجيركَ. و(الذِّمَّة): العهد، (على رِسْلك): على رِفقك. و(الظَّهِيرة): شدِّة حرِّ وسط النَّهار. و(نَحْرُها): أوَّلها. (أَحَثَّ الجهاز): أَسرعَه، و(ثَقِفٌ): كَيِّسٌ. و(لَقِن): فَهِمٌ للأمور. و(يَدَّلِجُ): مشدَّد، يسيرُ مِن آخر اللَّيل، و(أدْلج): مِن أوَّله. و(المِنْحَةُ) والمَنِيحَةُ: الَّتي تُعطى ليُشرب لبنها. و(الرِّسْل): اللَّبن الحليب. و(الرَّضِيفُ) منه: هو ما أُلقي فيه الحِجارة المحمَّاة، لتَكسر برْدَه، قاله الخطَّابيُّ. و(يَنْعِقُ بالغَنم): يصيح بها يدعوها. و(غَمَسَ حِلْفًا): عَقَد عهدًا وجوارًا، وسمَّى ذلك غَمْسًا؛ لأنَّهم كانوا يؤكِّدون أيمانهم بغمسهم أيديهم في طِيبٍ أو دمٍ. و(خَفَضْتُ عاليهُ) أي: أَمَلتُه وهزْزتُه نشاطًا. و(الأَزْلَام): القِدَاح التي يضربون بها عند عزومهم على الأفعال، وكانت ثلاثة، في أحدها: افعل، وفي ثانيها: لا تفعل، والآخر لا شيء فيه، فإذا خرج أعادوا الضَّرب حتَّى يخرج افْعل، أو لا تفعل. و(تُقَرِّبُ بي) يعني: الفَرس. و(سَاخَت): ذهبتْ غرقًا. و(العُثَان): الغُبار، وربَّما يكون معه إعصار، وهو الدُّخان. و(لم يرزآني شيئًا): لم يأخذا شيئًا مِن ذلك فينقصا فيه. و(قَافِلين): رَاجعين مِن سَفَرِهم. و(الأُطُم): حائط القَصر، وهو الأُجُم أيضًا. و(يزول بِهم) أي: يحولُ ويضطرِبُ. و(جَدُّكُم): سَعْدُكُم. و(طَفِقَ): أخذَ وجَعَل. و(المِرْبَدُ): الموضع الَّذي يُجمع فيه التَّمر، وهو الجَرِين كالأنْدَر للبُرِّ. و(الحِمال): -بكسر الحاء- الحِمْل، ويُقال على أجرة الحِمل، وهو ها هنا محتمل للأمرين. و(مَسْلَحَةٌ) أي: سلاحًا؛ أي: يُدافع عنه، كما يُدافع بالسِّلاح. و(البِحَار): جمع بحْر؛ ويُراد بها هنا البِلاد. و(لن يَتِرَكَ): لنْ يَنْقُصَكَ.
1. قال النووي: «قال العلماء: والمراد بالهجرة التي سأل عنها هذا الأعرابي ملازمة المدينة مع النبي ﷺ وترك أهله ووطنه، فخاف عليه النبي ﷺ ألا يقوى لها، ولا يقوم بحقوقها، وأن ينكص على عقبيه، فقال له: "إن شأن الهجرة التي سألت عنها لشديد ولكن اعمل بالخير في وطنك، وحيث ما كنت فهو ينفعك، ولا ينقصك الله منه شيئا"».

١ أُمر النبي ﷺ بالهجرة فهاجر إلى المدينة، فمكث بها (…) ثم توفي:

٥/٠