٣٠- بابُ ما أصابَ النَّبِيَّ ﷺ يومَ أُحدٍ مِن الجِراحِ،


ومَن قُتِلَ يومَ أُحدٍ مِن المسلمينَ/
١٨٥٦. [ق] عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ -يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ- اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي سَبِيلِ اللهِ». [خ:٤٠٧٣]
1. قوله: (اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي سَبِيلِ اللهِ) قال النووي: «فقوله: (فِي سَبِيلِ اللهِ) احتراز ممن يقتله في حد أو قصاص؛ لأن من يقتله في سبيل الله كان قاصدا قتل النبي ﷺ».

١٨٥٧. ومِن حديث ابنِ عبَّاسٍ موقوفًا: اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِ اللهِ ﷺ. [خ:٤٠٧٦]
١٨٥٨. [ق] وعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: ﴿ٱلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُ لِلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡا۟ أَجۡرٌ عَظِیمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٢] قالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ: الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ، لَمَّا أَصَابَ نبيَّ اللهِ ﷺ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَانْصَرَفَ المُشْرِكُونَ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، فقَالَ: «مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ؟» فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ. [خ:٤٠٧٧]
قال البخاري: قُتل مِن المسلمين يوم أُحدٍ سبعون، منهم حمزةُ واليَمَانُ والنَّضرُ بنُ أنسٍ ومُصعبُ بنُ عُميرٍ.
١٨٥٩. وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ اليَمَامَةِ سَبْعُونَ، قَالَ: وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ ﷺ، وَيَوْمُ اليَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ. [خ:٤٠٧٨]
١٨٦٠. [ق] وعَنْ جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَبْكِي، وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَجَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ يَنْهَوْنَنِي وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَنْهَ، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَبْكِهِ -أَوْ: مَا تَبْكِيهِ- مَا زَالَتِ المَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ». [خ:٤٠٨٠]
1. قوله ﷺ: (مَا زَالَتِ المَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ) قال القاضي عياض: «يحتمل أن ذلك لتزاحمهم عليه لبشارته بفضل الله، ورضاه عنه، وما أعد له من الكرامة، وقيل ازدحموا عليه إكراما له، وفرحا به، أو أظلوه من حر الشمس لئلا يتغير ريحه أو جسمه».

١٨٦١. [ق] وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: أُرَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «رَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِبْتُ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللهُ به مِنَ الفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا -وَاللهُ خَيْرٌ- فَإِذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ». [خ:٤٠٨١]
1. فيه: بيان فضل الرّؤيا، وشدّة اهتمام النّبيّ ﷺ بشأنها.
2. وفيه: ما يدلّ على أنّ الرّؤيا قد تقع موافقةً لظاهرها من غير تأويلٍ، وأنّ الرّؤيا قبل وقوعها لا يقطع الإنسان بتأويلها، وإنّما هو ظنٌّ وحدسٌ؛ إلّا فيما كان منها وحيًا للأنبياء.

١٨٦٢. [ق] وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ/ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حرَّمتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا». [خ:٤٠٨٤]
1. قوله: (هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) قال النووي: «الصحيح المختار أن معناه: أن أحدا يحبنا حقيقة، جعل الله تعالى فيه تمييزا يحب به، كما قال سبحانه وتعالى: { وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا یَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡیَةِ ٱللَّهِۗ } [سورة البقرة:74]. وكما حن الجذع اليابس، وكما سبح الحصى، وكما فر الحجر بثوب موسى ﷺ، وكما قال نبينا ﷺ: (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي) وكما دعا الشجرتين المفترقتين فاجتمعا، وكما رجف حراء فقال: (اسكن حراء فليس عليك إلا نبي أو صدّيق) وكما كلمه ذراع الشاة، وكما قال سبحانه وتعالى: { وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَـٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِیحَهُمۡۚ } [سورة الإسراء:44]. والصحيح في معنى هذه الآية: أن كل شيء يسبح حقيقة بحسب حاله، ولكن لا نفقهه، وهذا وما أشبهه شواهد لما اخترناه».
2. قال السهيلي: «كان ﷺ يحب الفأل الحسن، والاسم الحسن، ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الأحدية، جبل أحد، ومع كونه مشتقًا من الأحدية فحركات حروفه الرفع، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه، فتعلق الحب من النبي ﷺ لفظًا ومعنى فخص من بين الجبال بذلك، والله أعلم».

٣١- بابُ غَزْوةِ الرَّجِيعِ وذَكْوانَ وبئرِ مَعُونةَ وعَضَلٍ والقَارَةِ


١٨٦٣. [ق] عَنْ قَتادةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي سُلَيم، اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللهِ ﷺ عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، كُنَّا نُسَمِّيهِمْ القُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ، قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ: (بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا). [خ:٤٠٩٠]
• [ق] وفي روايةٍ: قال أنسٌ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ خَالَهُ -أَخًا لِأُمِّ سُلَيْمٍ- فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا، وَكَانَ رَئِيسَ المُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ المَدَرِ، وَأَكُونُ خَلِيفَتَكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ. فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلَانٍ، فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلَانٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِي، فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ. فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، قَالَ: كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ، فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ، وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ، فَقَالَ: أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ، وَأَوْمَؤوا إِلَى رَجُلٍ منهم، فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ، -قَالَ هَمَّامٌ أَحْسِبُهُ: حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ- قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ. فَلُحِقَ الرَّجُلُ، فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ ﷿ عَلَيْنَا، ثُمَّ كَانَ مِنَ المَنْسُوخِ: (إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا)، فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ وَعُصَيَّةَ، عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ ﷺ. [خ:٤٠٩١]
١٨٦٤. وقالَ أَنَسٌ: لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ -وَكَانَ خَالَهُ- يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، قَالَ بِالدَّمِ هَكَذَا، فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: فُزْتُ/ وَرَبِّ الكَعْبَةِ. [خ:٤٠٩٢]
1. قال ابن هبيرة: «جواز الدعاء على أئمة الكفر وصناديد الضلال في الصلاة بحيث يسمعه المأمومون، فيكونوا شهداء على أن الله أهلك أولئك بالدعاء».
2. وفي الحديث: الدّعاء على أهل الغدر وانتهاك المحارم، والإعلان بأسمائهم، والتّصريح بذكرهم.
3. وفيه: دليلٌ على أنّ أهل الحق قد ينال منهم المبطلون، ولا يكون ذلك دالًّا على فساد ما عليه أهل الحق؛ بل كرامةً لهم، وشقاءً لأهل الباطل.

١٨٦٥. وعَن عُروةَ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: مَنْ هَذَا؟ وَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ. فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَمَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ، ثُمَّ وُضِعَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ، فَقَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا، وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ، فَقَالُوا: رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا، فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ». وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أَسْماءَ بْنِ الصَّلْتِ، فَسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ، وَمُنْذِرُ ابْنُ عَمْرٍو، وسُمِّيَ بِهِ مُنْذِرًا. [خ:٤٠٩٣]

٣٢- غزوةُ الخَنْدقِ


وَهِي الأَحزابُ، قالَ مُوسى بنُ عُقبةَ: كانتْ فِي شوَّالٍ سَنَةَ أَربعٍ.
١٨٦٦. [ق] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَعَلَ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الخَنْدَقَ حَوْلَ المَدِينَةِ، وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ، وَهم يَقُولُونَ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الإِسْلَامِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
قالَ: يَقُولُ رسولُ اللهِ ﷺ وهو يُجِيبُهُمْ:
«اللهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ».
قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفٍّ مِنَ الشَّعِيرِ، فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ القَوْمِ، وَالقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهِيَ بَشِعَةٌ فِي الحَلْقِ، وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ. [خ:٤١٠٠]
١٨٦٧. [ق] وعَنْ جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ: إِنَّا يَوْمَ الخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاؤوا النَّبِيَّ ﷺ قَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الخَنْدَقِ. فَقَالَ: «أَنَا نَازِلٌ». ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ المِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ -أَوْ: أَهْيَمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي إِلَى البَيْتِ. فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ ﷺ شَيْئًا مَا فِي ذَلِكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ. فَذَبَحْتُ الشَّاة، وَطَحَنْتُ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي البُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَالعَجِينُ قَد انْكَسَرَ، وَالبُرْمَةُ/ بَيْنَ الأَثَافِيِّ وقَدْ كَادَتْ تَنْضَجُ، فَقَالَ:طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ، قَالَ: «كَمْ هُوَ؟» فَذَكَرْتُ لَهُ، قَالَ: «كَثِيرٌ طَيِّبٌ». قَالَ: «قُلْ لَهَا: لَا تَنْزِعِ البُرْمَةَ، وَلَا الخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ». قَالَ: «قُومُوا». فَقَامَ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَمَنْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «ادْخُلُوا وَلَا تَضَاغَطُوا». فَجَعَلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ البُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: «كُلِي هَذَا وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ». [خ:٤١٠١]
• [ق] وفِي طريقٍ أُخرى: قالَ جابرٌ: فَجِئْتُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ، فَصَاحَ النَّبِيُّ ﷺ بِأَهْلِ الخَنْدَقِ: «إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ لَكمْ سُؤْرًا، فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ». فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، وَلَا تَخْبِزُنَّ خُبزكمْ حَتَّى أَجِيءَ». فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ. فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ، فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَسَقَ فِيهِ وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَسَقَ فيها، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ، وَلَا تُنْزِلُوهَا». وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا يُخْبَزُ كَمَا هُوَ. [خ:٤١٠٢]
١٨٦٨. [ق] وعَنْ عائِشةَ: ﴿جَاۤءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ﴾ [الأحزاب: ١٠] قالت: كانَ ذَلكَ يَوْمَ الخَنْدقِ. [خ:٤١٠٣]
1. قال النووي: «في الحديث الدليل الظاهر والعلم الباهر من أعلام نبوة رسول الله ﷺ، وقد تظاهرت أحاديث آحاد بمثل هذا حتى زاد مجموعها على التواتر، وحصل العلم القطعي بالمعنى الذي اشتركت فيه هذه الآحاد، وهو انخراق العادة بما أتى به ﷺ من تكثير الطعام القليل الكثرة الظاهرة، ونبع الماء وتكثيره، وتسبيح الطعام وحنين الجذع وغير ذلك مما هو معروف، وقد جمع ذلك العلماء في كتب دلائل النبوة، وأحسنها كتاب البيهقي، فلله الحمد على ما أنعم به على نبينا محمد ﷺ، وعلينا بإكرامه ﷺ، وبالله التوفيق».
2. قوله: (فَجِئْتُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ) قال النووي: «فيه: جواز المساررة بالحاجة بحضرة الجماعة، وإنما نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث».
3. قوله: (إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ لَكمْ سُؤْرًا، فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ) قال النووي: «أما (السور) فهو الطعام الذي يدعى إليه، وقيل: الطعام مطلقا، وهي لفظة فارسية، وقد تظاهرت أحاديث صحيحة بأن رسول الله ﷺ تكلم بألفاظ غير العربية، فيدل على جوازه».
4. قوله: (وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقْدُمُ النَّاسَ) قال النووي: «إنما فعل هذا لأنه ﷺ دعاهم فجاءوا تبعا له كصاحب الطعام إذا دعا طائفة يمشي قدامهم، وكان رسول الله ﷺ في غير هذا الحال لا يتقدمهم، ولا يمكنهم من وطء عقبيه، وفعله هنا لهذه المصلحة».
5. وفيه الدعاء بالبركة، وأنه يكون سببًا في كفاية الطعام القليل للعدد الكثير.

١٨٦٩. [ق] وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ». [خ:٤١٠٥]
١٨٧٠. [ق] وعَنِ البَراءِ بنِ عَازبٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ، وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي الغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابْنِ رَوَاحَةَ، وَهُوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ:
«اللهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا/
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
إِنَّ الأُلَى بَغَوا عَلَيْنَا وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا»
.
ثُمَّ مَدَّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا. [خ:٤١٠٦]
١٨٧١. وعَنْ سُلَيمانَ بنِ صُرَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابَ عَنْهُ: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ». [خ:٤١١٠]
١٨٧٢. [ق] وعَنْ جابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمَ الأَحْزَابِ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ؟». فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ؟». فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ؟». فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ». [خ:٤١١٣]
١٨٧٣. [ق] وعَنْ عَبدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى الأَحْزَابِ فَقَالَ: «اللهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اّْهْزِمِ الأَحْزَابَ، اّْهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ». [خ:٤١١٥]
الغريب: (المُتُون): جمع مَتْن، وهو الظَّهر. و(الإِهَالَةُ): الشَّحم المُذاب. و(سَنِخَةٌ): مُنْتِنَةٌ. و(كُيْدَة): كذا وقع في الأصل بتقديم الياء على الدَّال، وفي الحاشية: (كُدْيَةٌ)، وعليها هاء، وأظنُّه أبو الهيثم، وهذه الرِّواية هي الصَّواب، والأولى مقلوبها. و(الكَثِيب): كُدْسُ الرَّملُ. و(الأَهيل): السَّائل. و(لا تَضَاغَطُوا): لا تَزْدَحِموا. و(تُخَمِّر البُرْمَةَ): تُغطِّيها. و(بُهَيْمَةٌ): تصغير بَهْمَة، وهي الصَّغيرة مِن أولاد الغنم. و(الدَّاجنُ): المقيم في البيت. و(زَاغت): تحيَّرت أو ذهبت. و(الحَناجر): جمع حَنْجَرَة وهي الحَلْق. و(حتَّى وارى): غَطَّى وغيَّب. و(الصَّبا): الرِّيح الشَّرقيَّة. و(الدَّبُور): الرَّيح الغربيَّة. و(الحواريُّ): المُخلِص في الصُّحبة، النَّاصر عند الشِّدَّة.

٣٣- بابُ مَرْجِع النَّبِيِّ ﷺ مِن الخَنْدقِ، ومَخْرَجِهِ إِلى بَنِي قُرَيظةَ


١٨٧٤. [ق] عَنْ عائِشةَ قالت: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ ﵇، فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ وَاللهِ مَا وَضَعْنَاهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ. قَالَ: «فَإِلَى أَيْنَ؟». قَالَ: هَا هُنَا. وَأَشَارَ بِيدِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْهِمْ. [خ:٤١١٧]
١٨٧٥. وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ/ إِلَى الغُبَارِ سَاطِعًا فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ، مَوْكِبَ جِبْرِيلَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. [خ:٤١١٨]
١٨٧٦. [ق] وعَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ الأَحْزَابِ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ». [خ:٤١١٩]، وقد تقدَّم في كتاب الصَّلاة [ر:٤٧٧].
١٨٧٧. [ق] وعَنْ أَبِي سَعيدٍ الخُدريِّ قَالَ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى سَعْدٍ فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ المَسْجِدِ قَالَ لِلْأَنْصَارِ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ، أَوْ أخْيَرِكُمْ». فَقَالَ: هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ، فَقَالَ: تُقْتَلُ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيهِمْ، قَالَ: «قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللهِ». وَرُبَّمَا قَالَ: «بِحُكْمِ المَلِكِ». [خ:٤١٢١]
١٨٧٨. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ ابنُ العَرِقَةِ، رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ الخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الغُبَارِ، فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ وَاللهِ مَا وَضَعْتُهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَأَيْنَ؟». فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَرَدَّ الحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ. وقالت عَائِشَةُ: إنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ وَأَخْرَجُوهُ، اللهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ فَأَبْقِنِي لَهُم، حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا. فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَيلَتِهِ -فَلَمْ يَرُعْهُمْ، وَفِي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ- إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ جُرْحُهُ يَغْذو دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا ﵀. [خ:٤١٢٢]
الغريب: (الموكب): جماعةٌ مِن الخيل. و(يَرُعْهم): مِن الرَّوْع، وهو الفَزَع. و(يَغْذو): يسيل، ويروى: (يَغُذُّ) بمعناه، والمسجد الَّذي جُعل فيه سعد وسال دمُه فيه ليس هو مسجد المدينة،/ وإنَّما كان موضعًا يُصَلَّى فيه غير مخطوط، والله أعلم، ولم يروَ أنَّ النَّبيَّ ﷺ خطَّ في بني قُريظة مسجدًا حين حَاصرهمْ.
1. قال النووي: «فيه جواز النوم في المسجد، وجواز مكث المريض فيه، وإن كان جريحاً».
2. قوله: (فَرَدَّ الحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ) قال النووي: «فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين وفي مهماتهم العظام، وقد أجمع العلماء عليه، ولم يخالف فيه إلا الخوارج، فإنهم أنكروا على عليّ التحكيم ، وأقام الحجة عليهم».
3. قال النووي: «وفيه جواز مصالحة أهل قرية أو حصن على حكم حاكم مسلم عدل صالح للحكم أمين على هذا الأمر، وعليه الحكم بما فيه مصلحة للمسلمين، وإذا حكم بشيء لزم حكمه، ولا يجوز للإمام ولا لهم الرجوع عنه ولهم الرجوع قبل الحكم».
4. قوله: (فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا) قال النووي: «هذا ليس من تمني الموت المنهي عنه، لأن ذلك فيمن تمناه لضر نزل به، وهذا إنما تمنى انفجارها ليكون شهيداً».

٣٤- بابُ غَزْوةِ ذاتِ الرِّقَاعِ


وهي غَزوةُ مُحاربِ خَصَفَةَ مِن بني ثَعْلَبةَ بن غَطَفانَ، فنزل نَخْلًا.
وهي بعدَ خيبرَ؛ لأنَّ أبا موسى جاءَ بعدَ خَيْبرَ.
• [خت] عَنْ أَبِي مُوْسى أنَّ جابرًا حدَّثهم: صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ بِهِمْ يَوْمَ مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَةَ. [خت:٤١٢٦]
• [خت] وقال ابنُ عبَّاسٍ: صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ الخَوْفَ بِذِي قَرَدٍ. [خت:٤١٢٥]
١٨٧٩. [ق] وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا، وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ -وفي رواية: غزوة نَجْد- لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا، وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا، ثُمَّ كَرِهَ ذَلكَ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَصْنَعُ أَنْ أَذْكُرَهُ. كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ. [خ:٤١٢٨]
1. قوله: (وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ) أي يركبه كل واحد منا نوبة، فيه جواز مثل هذا إذا لم يضر بالمركوب.
2. قوله: (فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ) قال النووي: «هذا هو الصحيح في سبب تسميتها، وقيل: سميت بذلك بجبل هناك فيه بياض وسواد وحمرة، وقيل: سميت باسم شجرة هناك، وقيل: لأنه كان في ألويتهم رقاع، ويحتمل أنها سميت بالمجموع».
3. قوله: (كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ) قال النووي: «فيه استحباب إخفاء الأعمال الصالحة، وما يكابده العبد من المشاق في طاعة الله تعالى، ولا يظهر شيئا من ذلك إلا لمصلحة مثل بيان حكم ذلك الشيء، والتنبيه على الاقتداء به فيه ونحو ذلك، وعلى هذا يحمل ما وجد للسلف من الإخبار بذلك».
4. وفيه جواز إخبار المرء بما كابده من المشاق في سبيل الله.

١٨٨٠. [ق] وعَنْ جابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَإِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَسَيْفُ النَّبِيِّ ﷺ مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ، فَاخْتَرَطَهُ، فَقَالَ: تَخَافُنِي؟ قَالَ: «لَا». قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللهُ». فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرَ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ أَرْبَعُ ركعاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ. [خ:٤١٣٦]
• [خت] وقال أبو بِشْرٍ: اسمُ الرَّجل غَوْرَثُ بْنُ الحارِثِ.
1. قال النووي: «فيه بيان توكل النبي ﷺ على الله، وعصمة الله تعالى له من الناس كما قال الله تعالى: { وَٱللَّهُ یَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ } [سورة المائدة:67]. »
2. قال النووي: «وفيه جواز الاستظلال بأشجار البوادي، وتعليق السلاح وغيره فيها، وجواز المن على الكافر الحربي وإطلاقه».
3. قال النووي: «وفيه الحث على مراقبة الله تعالى، والعفو والحلم، ومقابلة السيئة بالحسنة».

٣٥- بابُ غَزْوةِ المُصْطَلِقِ مِن خُزَاعةَ


وهي غَزْوةُ المُرَيْسِيعِ، قالَ ابْنُ إسحاقِ: وذلكَ سَنَةَ سِتٍّ، وقالَ مُوسى بنُ عُقبةَ: سَنَةَ أَرْبعٍ، وقالَ الزُّهْرِيُّ: كانَ حديثُ الإِفْكِ في غَزوةِ المُرَيْسِيعِ.
١٨٨١. [ق] عَنْ أَبِي سَعيدٍ الخُدْريِّ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ،/ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ العَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ، وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا العُزْبَةُ، وَأَحْبَبْنَا العَزْلَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، وَقُلْنَا: نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ؟! فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ». [خ:٤١٣٨]

٣٦- غَزْوةُ أَنْمَارٍ


١٨٨٢. [ق] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي غَزْوَةِ أَنْمَارٍ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، مُتَوَجِّهًا قِبَلَ المَشْرِقِ مُتَطَوِّعًا. [خ:٤١٤٠]
• وقد تقدَّم حديث الإفْك [ر:١٢٨٦] مِن كتاب الشَّهادات، وذكره هنا مِن رواية أخرى [خ:٤١٤١]، وزاد فيه متَّصلًا بقوله: (فَعَصَمَهَا اللهُ بِالوَرَعِ، قَالَتْ: وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ، ثُمَّ قَالَ عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ عن كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ، قَالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ الله).
١٨٨٣. وعَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ لِي الوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ: أَبَلَغَكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ؟ قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِي بَطَلَانِ مِنْ قَوْمِكَ -أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بَكْرِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ- أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُمَا: كَانَ عَلِيٌّ مُسَلِّمًا فِي شَأْنِهَا فَرَاجَعُوهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ. [خ:٤١٤٢]
وَقَالَ: مُسَلِّمًا بِلَا شَكٍّ فِيهِ، وَعَلَيْهِ: وكَانَ فِي الأَصْلِ العَتِيقِ كَذَلِكَ.
1. في الحديث: فضل عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، وبراءته من الوقوع في عرض أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
2. وفيه: بيان تحرّي علماء السّنّة لألفاظ الأحاديث، وروايتها، وضبطها.

١٨٨٤. [ق] وعنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا، يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ وَقَالَ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ. قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَٱلَّذِی تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِیمࣱ﴾ [النور: ١١]؟ قالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمَى؟! فقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ. [خ:٤١٤٦]
الغريب: الرَّجل المذكور: هو صَفوان بن المعَطِّل السُّلَمِيُّ، وَكان حَصُورًا/ لا يأتي النِّساء، وعَنْ هذا عبَّر بقوله: (مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ). و(حَصَانٌ): عفيفة، و(رَزان): ثابتة العقل، متثبِّتة في أمورها. و(تُزَنُّ): تُتَّهم. و(الغَرْثَى): مِن الغَرَث، وهو الجُوع، وعبَّر به هنا عن أنَّها لا تتكلَّم في أحدٍ مِن النِّساء بشيء ممَّا تُكِلِّم به في حقِّها. و(الغَوافل): جمع غَافِلة عمَّا رُميت به، والَّذي تولَّى كِبْرَهُ هو عبد الله بن أُبَيٍّ؛ فإنَّه هو الَّذي كان يَسْتوشِيه ويجمعُه ويصرِّح به، كما تقدَّم [ر:١٢٨٦، ٢١٢١].

٣٧- بابُ غَزْوةِ الحُدَيبيةِ، وقولِ اللهِ ﷿:


﴿لَّقَدۡ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ یُبَایِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ﴾ الآيةَ [الفتح: ١٨]
١٨٨٥. عَنِ البَرَاءِ بن عازبٍ قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبيِّ ﷺ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِئَةً، وَالحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا وَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَتَاهَا، فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا، فَتَرَكَهَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا. [خ:٤١٥٠]
• وفي رِوَاية: قَالَ: «ائْتُونِي بِدَلْوٍ مِنْ مَائِهَا». فَأُتِيَ بِهِ، فَبَسَقَ فَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: «دَعُوهَا سَاعَةً». فَأَرْوَوْا أَنْفُسَهُمْ وَرِكَابَهُمْ حَتَّى ارْتَحَلُوا. [خ:٤١٥١]
١٨٨٦. [ق] وعَنْ جَابرٍ قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا لَكُمْ؟». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا نَشْرَبُ، إِلَّا مَا فِي رَكْوَتِكَ. قَالَ: فَوَضَعَ النَّـبِـيُّ ﷺ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَفُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ. قَالَ: فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِئَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً. [خ:٤١٥٢]
١٨٨٧. [ق] وعنه قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ: «أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ». وَكُنَّا أَلْفًا/ وَأَرْبَعَ مِئَةٍ، وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ اليَوْمَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ. [خ:٤١٥٤]
-[خت] وعَن عَبدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَ مِئَةٍ، وَكَانَ أَسْلَمُ ثُمْنَ المُهَاجِرِينَ. [خت:٤١٥٥]
١٨٨٨. وعَنْ عُرْوةَ، عَنْ مَرْوَانَ وَالمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِئَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الهَدْيَ، وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا. [خ:٤١٥٧]
١٨٨٩. وعَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلمَ، عن أبيه قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا، وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ ابْنِ إِيْمَاءَ الغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ. فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ وَكَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غَرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: اّْقْتَادِيهِ، فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللهُ بِخَيْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَكْثَرْتَ لَهَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ. [خ:٤١٦٠]
1. في الحديث: كلام المرأة الشّابّة الإمام في حاجتها، وإفصاح السّائل عن حاله ونسبه.
2. وفيه: فضل عمر رضي الله عنه، وحسن رعايته للرّعيّة، ولقاؤه السّائل منهم بانطلاقٍ وانشراحٍ، واعترافه بفضل أصحاب الفضل.
3. وفيه: إغناء السّائل في دفعةٍ واحدة.

١٨٩٠. [ق] وعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الحَرَّةِ، وَالنَّاسُ يُبَايِعُونَ لِعَبْدِ اللهِ ابْنِ حَنْظَلَةَ، فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: عَلَامَ يُبَايِعُ ابْنُ حَنْظَلَةَ النَّاسَ؟ قِيلَ لَهُ: عَلَى المَوْتِ. قَالَ: لَا أُبَايِعُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ. وَكَانَ شَهِدَ مَعَهُ الحُدَيْبِيَةَ. [خ:٤١٦٧]
١٨٩١. [ق] وعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى المَوْتِ. [خ:٤١٦٩]
١٨٩٢. وعَنْ زيد بن أسْلمَ، عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ،/ فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ عُمَرُ، نَزَرْتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ المُسْلِمِينَ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي، قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَنزلَ فِيَّ قُرْآنٌ، وَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ». ثُمَّ قَرَأَ: «﴿إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحࣰا مُّبِینࣰا ۝١ لِّیَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَیُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكَ وَیَهۡدِیَكَ صِرَ ٰ⁠طࣰا مُّسۡتَقِیمࣰا ۝٢﴾ [الفتح: ١]». [خ:٤١٧٧]
١٨٩٣. وعَنْ نَافِعٍ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ عُمَرُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عَبْدَ اللهِ إِلَى فَرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَأْتِي بِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ يُبَايِعُ النَّاسَ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، وَعُمَرُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ اللهِ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الفَرَسِ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ، يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُبَايِعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَهِيَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ. [خ:٤١٨٦]
١٨٩٤. [ق] وعَنْ أبي وائل قَالَ: لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُ فَقَالَ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ؛ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ، وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لِأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ هَذَا الأَمْرِ، مَا نَسُدُّ مِنْه خُصْمًا إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ. [خ:٤١٨٩]
1. في الحديث: السّؤال عمّا أشكل على الإنسان.
2. وفيه: إجابة السّائل بأكثر ممّا سأل عند الحاجة.
3. وفيه: الحضّ على الأخذ بالكتاب والسّنّة، واتّهام الرّأي.
4. وفيه: الانقياد والتّسليم لأمر رسول الله ﷺ.
5. وفيه: الحذر من الوقوع في الفتن.

١٨٩٥. [ق] وعَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: اّْنْطَلَقْتُ حَاجًّا، فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ، قُلْنا: مَا هَذَا المَسْجِدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ، حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ. فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ العَامِ المُقْبِلِ نَسِينَاهَا/ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا، فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ. [خ:٤١٦٣]
• وقد تقدَّم حديث مَروان والمِسْوَر بن مَخْرَمةَ في قصَّة الحُدَيبية بكماله في كتاب الشروط[ر:١٣٠٦].
الغريب: (ما يُنْضِجُون كُرَاعًا) أي: ما يجدون كُرَاعًا يُنْضِجُونه. و(الضَّبُعُ): السَّنة المُجدِبَة الشَّديدة. و(نستفيء): نتفيَّأ، يعني أنَّهم أكلوا مِن غنائم المذكورين حتَّى شَبِعوا. و(الثُّكْلُ): فَقْد الولد. و(نَزَرْتُ رسولَ الله ﷺ): أَغْضَبته، خاف أن يكون ذلك. و(الخُصْم) بضم الخاء: مسيلُ الماء مِن المزادة.

١ قالت عائشة -رضي الله عنها-: "لما أصاب نبي الله ﷺ ما أصاب يوم أحد، فانصرف المشركون، خاف أن يرجعوا، فقال: «من يذهب في إثرهم؟» فانتدب منهم سبعون رجلًا، كان فيهم (...)".

٦/٠