٤٦- بابُ غَزْوةِ حُنَيْنٍ، وقولِهِ ﷿: ﴿وَیَوۡمَ حُنَیۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَیۡـࣰٔا﴾ إلى قولِهِ: ﴿غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ ۝٢٧﴾ [التوبة: ٢٥-٢٧]


١٩٢٧. [ق] وَعَن البَرَاءِ وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ، وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ القَوْمِ، فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ، يَقُولُ:
«أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ». [خ:٤٣١٥]
• [ق] وفي رواية: سُئل البَراءُ: أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمْ يَفِرَّ، كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً، وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ انْكَشَفُوا، فَأَكْبَبْنَا عَلَى الغَنَائِمِ، فَاسْتَقْبَلونَا بِالسِّهَامِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّبيَّ ﷺ عَلَى بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ، وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ ابْنَ الحَارِثِ آخِذٌ بِزِمَامِهَا، وَهُوَ يَقُولُ:
«أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ»./ [خ:٤٣١٧]
• وفي رواية: أنَّ النَّبيَّ ﷺ نزلَ عن بغلتِهِ. [خت:٤٣١٧]
1. قال ابن حجر: «في الحديث: ركوب البغلة إشارة إلى مزيد الثبات؛ لأن ركوب الفحولة مظنَّة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رأس الجيش قد وطَّن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لأتباعه على الثبات».
2. قال النووي: «أما قوله: (بغلة بيضاء) فكذا قال في هذه الرواية، وقال في آخر الباب: ( على بغلته الشهباء ) وهي واحدة ، قال العلماء: لا يعرف له ﷺ بغلة سواها، وهي التي يقال لها: دلدل».
3. قال النووي: «قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدًا، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مُسلِمة أهل مكة المؤلفة، ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا، وإنما كانت هزيمتهم فجأة لانصبابهم عليهم دفعة واحدة ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر، وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة فتقدم إخفاؤهم فلما رشقوهم بالنبل ولّوا فانقلبت أولاهم على أخراهم إلى أن أنزل الله تعالى سكينته على المؤمنين كما ذكر الله تعالى في القرآن».
4. قال النووي: «أبو سفيان هذا هو ابن عم رسول الله ﷺ، قال جماعة من العلماء: اسمه هو كنيته، وقال آخرون: اسمه المغيرة».
5. قوله: (أنا ابن عبد المطلب)، قال ابن حجر: «فيه جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب، ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها».
6. قوله: (أنا النبي لا كذب)، قال ابن حجر: «فيه شُهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المُبالاة بالعدو».

١٩٢٨. [ق] وَعَن أَبِي قَتَادةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا التَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ، فَضَرَبْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ المَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ المَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللهِ، ثُمَّ رَجَعُوا، فَجَلَسَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ». فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، فقَالَ النَّبِيُّ ﷺ مِثْلَهُ، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ مِثْلَهُ، فَقُمْتُ فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟» فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ، وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنِّي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَاهَا اللهِ إِذًا، لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «صَدَقَ، فَأَعْطِهِ». فَأَعْطَانِيهِ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلَامِ. [خ:٤٣٢١]
• وفي رواية: قال أبو قَتادةَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ، وَآخَرُ مِنَ المُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَقْتُلَهُ، فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ، فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَنِي وَأَضْرِبُ يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا، ثُمَّ أَخَذَنِي فَضَمَّنِي ضَمًّا شَدِيدًا حَتَّى تَخَوَّفْتُ، ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ، وَدَفَعْتُهُ ثُمَّ قَتَلْتُهُ، وَانْهَزَمَ المُسْلِمُونَ فَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ، فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللهِ. ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى/ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ فَلَهُ سَلَبُهُ». فَقُلتُ: لأَلْتمسنَّ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي فَجَلَسْتُ، ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سِلَاحُ هَذَا القَتِيلِ الَّذِي ذَكَرهُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلَّا لَا يُعْطِيهِ أُضَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَدَّاهُ إِلَيَّ، فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ مَخْرَفًا، فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ. [خت:٤٣٢٢]
الغريب: (الجولة): الاضْطراب والتَّجلجل. و(حبل العاتِق): أعلى الكَاهِل، وهو الكَتِف، و(فَأَرضه منِّي): أعطِه ما يرضى به عِوَضًا عن السَّلَب. و(ها الله): يُرْوى ممدودًا ومقصورًا، وهو قَسَمٌ، والهاءُ عوضٌ عن الهمزة الَّتي تُبدل مِن الواو في القَسَم. و(إذًا) مُنَوَّن، وهو حرفُ جوابٍ يقتضي التعليل، وقد قيَّده بعضُهم (ذا) بغير تنوين، وقال: إنَّها (ذا) الَّتي للإشارة، فُصِلَ بينها وبين (ها) التَّنبيه باسم الله تعالى، وهذا لا يعضدُه قياس، ولا يشهَدُ لَهُ نقلٌ صحيحٌ. و(مِخْرفًا): يُروى بكسر الرَّاء وفتحها، وهو الموضع الَّذي تُخترف فيه الثِّمار. و(تَأَثَّلْتُه) أي: اّْتَّخذته أصْلًا. و(أُضَيْبع) بالضَّاد المنقوطة تصغير ضبع، حَقَّره بذلك.
1. (لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله) قال النووي: «في هذا الحديث فضيلة ظاهرة لأبي بكر الصديق في إفتائه بحضرة النبي ﷺ واستدلاله لذلك، وتصديق النبي ﷺ».
2. قال النووي: «وفيه منقبة ظاهرة لأبي قتادة فإنه سماه أسداً من أُسُد الله تعالى يقاتل عن الله ورسوله، وصدقه النبي ﷺ، وهذه منقبة جليله من مناقبه».

٤٧- غَزْوةُ أَوْطَاسٍ


١٩٢٩. [ق] عنْ أَبِي مُوسَى -هو الأشْعَريُّ- قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ ﷺ/ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي. فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى، فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحْيِي!؟ أَلَا تَثْبُتُ!؟ فَكَفَّ، فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللهُ صَاحِبَكَ، قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزا مِنْهُ المَاءُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئِ النَّبِيَّ ﷺ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ يسْتَغْفِرْ لِي. وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرَمَّلٍ، ما عَلَيْهِ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ في ظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِه وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ يسْتَغْفِرْ لِي، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ». وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ اّْجْعَلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ وَمِنَ النَّاسِ». فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا». قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا لِأَبِي عَامِرٍ، وَالأُخْرَى لِأَبِي مُوسَى. [خ:٤٣٢٣]
1. قوله: (ثم رفع يديه، ثم قال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر حتى رأيت بياض إبطيه) قال النووي: «فيه استحباب الدعاء، واستحباب رفع اليدين فيه، وأن الحديث الذي رواه أنس أنه لم يرفع يديه إلا في ثلاثة مواطن محمول على أنه لم يره، وإلا فقد ثبت الرفع في مواطن كثيرة فوق ثلاثين موطنا».
2. وفيه استحباب الطهارة عند إرادة الدعاء.
3. وفيه: بَيانُ زُهدِ النَّبيِّ ﷺ في الدُّنْيا رغم ما أعطاه اللهُ منَ الغنائمِ والأموال.
4. قال ابن حجر: «استحباب طلب الدعاء من الرجل الصالح».
5. أهمية سؤال اللَّه تعالى المغفرة وأنها أحق بالتقديم في السؤال، وهذا هدي الأنبياء والمرسلين، كما في دعوة إبراهيم ونوح عليهما السلام.
6. أن التخلية مقدمة على التحلية؛ حيث قدم ﷺ سؤال اللَّه تعالى المغفرة، وهي التخلية من الذنوب وآثارها على التحلية في قوله (اللَّهم اجعله فوق كثير من خلقك من الناس) أي في المنزلة، والرتبة في الجنان، وقوله كذلك لعبد اللَّه بن قيس: (وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً).

٤٨- غَزْوةُ الطَّائفِ


١٩٣٠. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الطَّائِفَ،/ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا، قَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ». فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: نَذْهَبُ وَلَا نَفْتَحُهُ -وَقَالَ مَرَّةً: نَقْفُلُ- فَقَالَ: «اغْدُوا عَلَى القِتَالِ». فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ». فَأَعْجَبَهُمْ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فَتَبَسَّمَ. [خ:٤٣٢٥]
1. وفي الحَديثِ: رَحْمةُ النَّبيِّ ﷺ، ورَأفَتُه بأصْحابِه، وحِرصُه عليهم.
2. وفيه: مَشْروعيَّةُ مُحاصَرةِ العَدوِّ، والتَّضْييقِ عليهم.
3. وفيه: مُشاوَرةُ الإمامِ أصْحابَه، وعَرضُه عليهم ما في نفسِه.
4. وفيه: أنَّ مُخالَفةَ رَأيِ النَّبيِّ ﷺ فيها شرٌّ على المُسلِمينَ.
5. قال النووي: «معنى الحديث أنه ﷺ قصد الشفقة على أصحابه والرفق بهم بالرحيل عن الطائف لصعوبة أمره، وشدة الكفار الذين فيه، وتقويتهم بحصنهم ومع أنه ﷺ علم أو رجا أنه سيفتحه بعد هذا بلا مشقة كما جرى، فلما رأى حرص أصحابه على المقام والجهاد أقام، وجد في القتال، فلما أصابتهم الجراح رجع إلى ما كان قصده أولا من الرفق بهم ففرحوا بذلك؛ لما رأوا من المشقة الظاهرة، ولعلهم نظروا فعلموا أن رأي النبي ﷺ أبرك وأنفع وأحمد عاقبة، وأصوب من رأيهم، فوافقوا على الرحيل، وفرحوا فضحك النبي ﷺ تعجبا من سرعة تغير رأيهم».

١٩٣١. [ق] وعَنْ أبي عُثْمَانَ -هو النَّهْديُّ- قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا -وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ- وَأَبَا بَكْرَةَ -وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ فَجَاءَ النَّبِيَّ ﷺ- فَقَالَا: سَمِعْنَا النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ». [خ:٤٣٢٦]
• وفي رواية: أنَّ أبا بكْرةَ نَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ. [خت:٤٣٢٧]

٤٩- بابُ قَسْمِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا أفاءَ اللهُ عَليهِ مِن أموالِ هَوازنَ


١٩٣٢. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، أو كأنَّهم وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ النَّبيُّ ﷺ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي، وَكنتم عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟!». كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. قَالَ: «لَوْ شِئْتُمْ لقُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا، أَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ إِلَى رِحَالِكُمْ؟!، لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أو شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ». [خ:٤٣٣٠]
1. فيه بيان حسن أدب الأنصار رضي الله عنهم في تركهم المُمَاراة، والمبالغة في الحياء، وبيان أن الذي نُقِلَ عنهم إنما كان عن شُبانهم، لا شيوخهم وكهولهم.
2. قوله: (لولا الهجرة) قال ابن الجوزي: لم يرد ﷺ تغيير نسبه ولا محو هجرته، وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجر لانتسب إلى المدينة، وإلى نصرة الدين، فالتقدير: لولا أن النسبة إلى الهجرة نسبة دينية لا يسع تركها، لانتسبت إلى داركم.
3. قوله: (الأنصار شعار) قال النووي: «ومعنى الحديث: الأنصار هم البطانة والخاصة والأصفياء وألصق بي من سائر الناس، وهذا من مناقبهم الظاهرة وفضائلهم الباهرة».
4. قوله: (فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) قال القاري: «أي فحينئذ يحصل جبر خاطركم المتعطش إلى لقائي بسقيكم شربة لا تظمئون بعدها أبدا».
5. في الحديث بيان أن الكبير ينبه الصغير على ما يَغْفُل عنه، ويوضح وجه الشبهة؛ ليرجع إلى الحق.
6. فيه جواز تخصيص بعض المخاطبين في الخطبة.
7. فيه تسلية من فاته شيء من الدنيا بما حصل له من ثواب الآخرة.
8. وفيه أن من طلب حقه من الدنيا لا عتب عليه في ذلك.
9. وفيه أن للإمام تفضيل بعض الناس على بعض في مصارف الفيء.

١٩٣٣. [ق] وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْطِي رَجُلًا المِئَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا/ تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ؟! قَالَ أَنَسٌ: فَحدَّثتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ بِمَقَالهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟». فَقَالَ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَاللهِ مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ رَضِينَا. فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: «فَتَجِدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ». قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا. [خ:٤٣٣١]
١٩٣٤. [ق] وعَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ بِنَعَمِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَمَعَ النَّبِيِّ ﷺ عَشَرَةُ آلَافٍ مِنَ الطُّلَقَاءِ، فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ، فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا، التَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ». قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. ثُمَّ التَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ». قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ فَنَزَلَ فَقَالَ: «أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ». فَانْهَزَمَ المُشْرِكُونَ، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ فِي المُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةٌ فَنَحْنُ نُدْعَى، وَيُعْطَى الغَنِيمَةَ غَيْرُنَا. فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ وقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ... أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟». قَالُوا: بَلَى. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ». قَالَ هِشَامٌ: قُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَلكَ؟ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْهُ؟[خ:٤٣٣٧]

٥٠- بابُ بَعْثِ النَّبيِّ ﷺ/ خالدَ بنَ الوليدِ إلى بَنِي جَذِيمةَ،


وَسَريَّةَ عبدِ اللهِ بنِ حُذَافةَ
• وقدْ تقدَّمتْ أَحاديثُهما.

٥١- بَعْثُ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ إلى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ


١٩٣٥. [ق] عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ، قَالَ: وَاليَمَنُ مِخْلَافَانِ، ثُمَّ قَالَ: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطاوعا». فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، قَالَ: وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ أَيُّمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، قَالَ: لَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ. قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ. قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ. فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، كَيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا. قَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللهُ لِي، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي. [خ:٤٣٤١]
(المِخْلافُ): العمل المنفرد عن الآخر، وهي لغةٌ يَمَانِية.
1. قال النووي: «في الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله وعظيم ثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير».
2. قال النووي: «وفيه تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليهم».
3. قال النووي: «وفيه أمر الولاة بالرفق والمتشاركين في ولاية ونحوها، وهذا من المهمات، فإن غالب المصالح لا يتم إلا بالاتفاق، ومتى حصل الاختلاف فات».
4. قال النووي: «وفيه وصية الإمام الولاة، وإن كانوا أهل فضل وصلاح كمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما، فإن الذكرى تنفع المؤمنين».
5. قوله: (قال: اجلس! قال: لا أجلس حتى يُقتل، قضاء الله ورسوله)، قال ابن حجر: «فيه المُبادرة إلى إنكار المنكر».
6. قوله: (وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي)، قال ابن حجر: «فيه أن المباحات يؤجر عليها بالنية إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة أو المندوبة أو تكميلاً لشيء منهما».

٥٢- بَعْثُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ وخالدِ بنِ الوليدِ ﵄ إلى اليَمَنِ


١٩٣٦. عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ مَعَ خَالِدِ ابْنِ الوَلِيدِ إِلَى اليَمَنِ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانَهُ فَقَالَ: «مُرْ أَصْحَابَ خَالِدٍ، مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ». فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ، قَالَ: فَغَنِمْتُ أَوَاقِيَّ ذَوَاتِ عَدَدٍ. [خ:٤٣٤٩]
١٩٣٧. وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الخُمُسَ، وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا وَقَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا؟! فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ/ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟». فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «لَا تُبْغِضْهُ، فَإِنَّ لَهُ فِي الخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ». [خ:٤٣٥٠]

٥٣- غَزْوةُ ذِي الخَلَصَةِ


١٩٣٨. [ق] عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبيُّ ﷺ: «أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ؟». فَقُلْتُ: بَلَى. فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِئَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «اللهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا». قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ، قَالَ: وَكَانَ ذُو الخَلَصَةِ بَيْتًا بِاليَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ، يُقَالُ لَهُ: الكَعْبَةُ اليمانية، قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا، قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ اليَمَنَ كَانَ فيها رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلَامِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ ﷺ هَاهُنَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ، قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، فَقَالَ: لَتَكْسِرَنَّهَا وَتَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ؟ قَالَ: فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلًا مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. [خ:٤٣٥٧]
1. وفيه النكاية بآثار الباطل، والمبالغة في إزالته.
2. قال النووي: وفي هذا الحديث استحباب إرسال البشير بالفتوح ونحوها.

٥٤- ذهابُ جَرِيرٍ إلى اليَمَنِ


١٩٣٩. عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنْتُ بِاليَمَنِ، فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، ذَا كَلَاعٍ وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ ذُو عَمْرٍو: لَئِنْ كَانَ الَّذِي تَذْكُرُ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكَ، لَقَدْ مَرَّ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ، وَأَقْبَلَا مَعِي حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ المَدِينَةِ فَسَأَلْنَاهُمْ، فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ صَالِحُونَ. فَقَالَا: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَرَجَعَا إِلَى اليَمَنِ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ، قَالَ: أَفَلَا/ جِئْتَ بِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جَرِيرُ إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً، وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا: إِنَّكُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمْ فِي آخَرَ، فَإِذَا كَانَتْ بِالسَّيْفِ كَانُوا مُلُوكًا، يَغْضَبُونَ غَضَبَ المُلُوكِ وَيَرْضَوْنَ رِضَا المُلُوكِ. [خ:٤٣٥٩]
وقوله: (تأمَّرتُم) يعني: أخذتم خِيَاركم فأمَّرتموه.

٥٥- غَزْوةُ سِيفِ البَحْرِ


١٩٤٠. [ق] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَعْثًا إلى السَّاحِلِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ ابْنَ الجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ، فَخَرَجْنَا فَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الجَيْشِ فَجُمِعَ، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، فَقُلْتُ: مَا تُغْنِي عنكم تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى البَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ -في رواية [خ:٤٣٦٢]: يُقال له: العَنْبر- فَأَكَلَ مِنْهُ القوم ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ، فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَها فَلَمْ تُصِبْها. [خ:٤٣٦٠]
• [ق] وفي رواية: قال جَابر: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَلَاثَ مِئَةِ رَاكِبٍ، أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الخَبَطَ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الجَيْشُ جَيْشَ الخَبَطِ. فذكر نحوه. وقَالَ جَابِرٌ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ. [خ:٤٣٦١]

٥٦- حجُّ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ بالنَّاسِ في سَنَةِ تِسعٍ


قدْ ذكرْنا حديثَهُ في التَّفسيرِ [ر:٧٠٢٠]، ووَفْدِ بَنْي تميمٍ، وقد تقدَّم حَديثهم[ر:١٥١٥].

٥٧- غَزْوة عُيَيْنَةَ بنِ حِصنِ بن حُذَيفةَ بن بدْرٍ بني عَنْبَرٍ مِن بني تَمِيم


بَعَثَه النَّبيُّ ﷺ إليهم، فأغارَ/ وأصابَ منهم ناسًا، وَسَبى منهم نساء.

٥٨- وفْد عبد القَيْسِ


• وقد تقدَّم حديثُهُم في الإِيمانِ. [ر:٨]

٥٩- وَفْدُ بَني حَنِيفةَ وقصَّةُ أَبِي رَجَاءٍ العُطاردِيِّ


١٩٤١. [ق] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ ﷺ، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي الأَمْرَ محمَّدٌ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ. وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ قِطْعَةُ جَرِيدٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ القِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ، وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أريْتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي». ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «إِنَّكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيك مَا أَرَيْتُ». فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنِّي أَرَى بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي المَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي، أَحَدُهُمَا العَنْسِيُّ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ».[خ:٤٣٧٣-٤٣٧٤]
١٩٤٢. [ق] وفي رواية: «فَأَوَّلْتُهُمَا الكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ اليَمَامَةِ». [خ:٤٣٧٥]
١٩٤٣. وعَنْ مهديِّ بن ميمون قَالَ: سَمِعْتُ أَبا رَجَاء العُطَارِدِيَّ يَقولُ: كُنَّا نَعْبُدُ الحَجَرَ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أكبر مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ، فأَخَذْنَا الآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَا عَلَيْهِ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ، فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنَا: مُنَصِّلُ الأَسِنَّةِ، فَلَا نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ، وَلَا سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ، إِلَّا نَزَعْنَاهُ فَأَلْقَيْنَاهُ في شَهْرِ رَجَبٍ.
وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُولُ: كُنْتُ يَوْمَ بُعِثَ النَّبِيُّ ﷺ غُلَامًا أَرْعَى إِبِلَ أَهْلِي، فَلَمَّا سَمِعْنَا بِخُرُوجِهِ فَرَرْنَا إِلَى النَّارِ، إِلَى مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ. [خ:٤٣٧٦ - ٤٣٧٧]
1. قوله: (أن مسيلمة الكذاب ورد المدينة في عدد كثير، فجاء إليه النبي ﷺ) قال النووي: «قال العلماء: إنما جاءه تألفا له ولقومه رجاء إسلامهم، وليبلغ ما أنزل إليه»، قال القاضي عياض: «ويحتمل أن سبب مجيئه إليه أن مسيلمة قصده من بلده للقائه، فجاءه مكافأة له، وكان مسيلمة إذ ذاك يظهر الإسلام، وإنما ظهر كفره وارتداده بعد ذلك، وقد جاء في حديث آخر أنه هو أتى النبي ﷺ فيحتمل أنهما مرتان».
2. قوله ﷺ لمسيلمة: (ولن تعدو أمر الله فيك) قال القاضي عياض: «هما صحيحان، فمعنى الأول لن أعدو أنا أمر الله فيك من أني لا أجيبك إلى ما طلبته مما لا ينبغي لك من الاستخلاف أو المشاركة، ومن أني أبلغ ما أنزل إلي، وأدفع أمرك بالتي هي أحسن، ومعنى الثاني ولن تعدو أنت أمر الله في خيبتك فيما أملته من النبوة، وهلاكك دون ذلك، أو فيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك».
3. قوله: (ولئن أدبرت ليعقرنك الله) قال النووي: «أي إن أدبرت عن طاعتي ليقتلنك الله، والعقر القتل وعقروا الناقة قتلوه، وقتله الله تعالى يوم اليمامة، وهذا من معجزات النبوة».
4. قوله: (فأولتهما كذابين يخرجان بعدي) قال النووي: «قال العلماء: أي يظهران شوكتهما أو محاربتهما ودعواهما النبوة، وإلا فقد كانا في زمنه».

٦٠- قصَّةُ الأَسْودِ العَنْسِيِّ


١٩٤٤. عَنْ عُبيدِ اللهِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُتبةَ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابَ قَدِمَ المَدِينَةَ،/ فَنَزَلَ فِي دَارِ بِنْتِ الحَارِثِ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ ابنة الحَارِثِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَامِرٍ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ -الَّذِي يُقَالُ لَهُ: خَطِيبُ رَسُولِ اللهِ ﷺ- وَفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَضِيبٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَكَلَّمَهُ، فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: إِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الأَمْرِ، ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدَكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا القَضِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ، وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ». وَذَكَرَ نحو ما تقدَّمَ [ر:١٩٤١] في العَنسيِّ والسِّوارينِ. [خ:٤٣٧٨]

٦١- قصَّةُ أهلِ نَجْرَانَ


١٩٤٥. [ق] عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: جَاءَ السَّيِّدُ والعَاقِبُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا تَفْعَلْ، فَوَاللهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنَّاه لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا، قَالَا: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا، وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا. فَقَالَ: «لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ». فَاسْتَشْرَفَ لَها أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: «قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ». فَلَمَّا قَامَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ». [خ:٤٣٨٠]
١٩٤٦. [ق] ومِن حديث أَنسٍ مرفوعًا: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ ابْنُ الجَرَّاحِ، هَذَا أَمينُ هَذه الأُمَّة». [خ:٤٣٨٢]
1. قال ابن حجر: «في الحديث مشروعية مباهلة المخالف إذا أصرَّ بعد ظهور الحجة».
2. قال ابن حجر: «مما عُرِف بالتجربة أن من باهل وكان مُبْطلاً لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة، ووقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين».
3. قال النووي: «وأما الأمين فهو الثقة المرضي، قال العلماء: والأمانة مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة، لكن النبي ﷺ خص بعضهم بصفات غلبت عليهم، وكانوا بها أخص».
4. قال النووي: «أي تطلعوا إلى الولاية، ورغبوا فيها حرصا على أن يكون هو الأمين الموعود في الحديث، لا حرصا على الولاية من حيث هي».

قلت: وقد ذكر البخاريُّ بعد هذا قِصَّةَ عُمانَ والبَحْرينِ [ر:٢٢٣، ١١٢٨، ١٤٩٨]، وَقُدُومِ الأَشْعريينَ [ر:١٩٠٤] وأهلِ اليَمَنِ [ر:١٥١٥] وقصَّةِ دَوْسٍ [ر:١٤٠٢]، وقد تكرَّرت أحاديثُها.

٦٢- حجَّةُ الوَدَاعِ


• قد تقدَّمَ أكثرُ أحاديثِ هذا البابِ في كتابِ الحجِّ [ر:٨٣٤، ٨٥٣، ٨٥٨، ٨٦٥، ٨٩٣، ٩١٢، ٩١٦، ٩٢٦، ٩٤٠].
١٩٤٧. [ق] وعَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الوَدَاعِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الوَدَاعِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ المَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ، وَقَالَ: «مَا/ بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَه أُمَّتَهُ، أَنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ، فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ: إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّها عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، أَلَا إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟». قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «اللهُمَّ اّْشْهَدْ -ثَلَاثًا- وَيْلَكُمْ -أَوْ: وَيْحَكُمْ- انْظُرُوا، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». [خ:٤٤٠٢-٤٤٠٣]
وسيأتي في التَّفسيرِ حديثُ أَبِي بَكْرةَ [ر:٢٠٧٣].

١ قال أبو قتادة -رضي الله عنه- حين أُعطي سلب المشرك الذي قتله: "فابتعت به مخرفًا في بني سلمة، فإنه لأوَّل مالٍ تأثَّلْته في الإسلام"، ما معنى قوله: (تأثَّلْته)؟

٥/٠