٦٣- غَزْوةُ تَبُوكٍ


وهي غَزْوة العُسْرَة.
١٩٤٨. [ق] عن أبي بُردةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ أَسْأَلُهُ الحُمْلَانَ لَهُمْ، إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ العُسْرَةِ -وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ، إِنَّ أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ. فَقَالَ: «وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ». وَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا أَشْعُرُ، وَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ ﷺ، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا سُوَيْعَةً، إِذْ سَمِعْتُ بِلَالًا يُنَادِي: أَيْنَ عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ؟ فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَدْعُوكَ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ قَالَ: «خُذْ هَذَيْنِ القَرِينَيْنِ، وَهَذَيْنِ القَرِينَيْنِ، وهذين القرينين -لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُم حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ- فَانْطَلِقْ بِهِم إِلَى أَصْحَابِكَ، فَقُلْ: إِنَّ اللهَ -أَوْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ- يَحْمِلُكُمْ عَلَى هذه فَارْكَبُوهُنَّ». فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِمْ بِهِنَّ، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُول اللهِ ﷺ يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ وَاللهِ لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، لَا تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ، فَقَالُوا لِي: وَاللهِ إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ، وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَه. فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ،/ حَتَّى أَتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَنْعَهُ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى. [خ:٤٤١٥]
١٩٤٩. [ق] وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: «أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدِي نبيٌّ». [خ:٤٤١٦]

٦٤- حديثُ كَعْبِ بنِ مالكٍ


١٩٥٠. [ق] عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ، قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللهُ تعالى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَيْلَةَ العَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي: أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الغَزوةِ، وَاللهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الغَزَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ كَثِيرٌ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ -يُرِيدُ: الدِّيوَانَ- قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنَّه سَيَخْفَى لَهُ، مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِن اللهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ ﷺ/ تِلْكَ الغَزْوَةَ والمسلمونَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ، وَتَجَهَّزَ أصحاب رَسُول اللهِ ﷺ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ بيَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ وأُدْرِكَهُمْ -وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ- فَلَمْ يُقَدَّرْلِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَطُفْتُ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي القَوْمِ بِتَبُوكَ: «مَا فَعَلَ كَعْبٌ؟». فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفيهِ. فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا. فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الكَذِبَ، وَأَقُولُ: بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ هذا؟ وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي البَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ المُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ ﷿، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ،/ وقَالَ: «تَعَالَ»، فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ، أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟». فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أبناءِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللهِ، لَا وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ». فَقُمْتُ، وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي: وَاللهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ بِمَا اعْتَذَرَ المُخَلَّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَكَ، فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ، وقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ. فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَال: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ العُمريُّ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيُّ، فَذَكَرُوا رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، فتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَبَقِيْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا وكُنْتُ أَشَبَّ القَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ وَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ المُسْلِمِينَ، فأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ، فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ/ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ -وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ المَدِينَةِ، إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالمَدِينَةِ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّني عَلَى كَعْبِ ابْنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ البَلَاءِ. فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الخَمْسِينَ، إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَأْتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا. وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: الحَقِي بِأَهْلِكِ، فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِي هَذَا الأَمْرِ. قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ، لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ». قَالَتْ له: وَاللهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ؟ فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ ﷺ، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ؟ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ/ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ. قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِليَّ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَأَوْفَى عَلَى الجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ. قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ ﷺ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي فَهَنَّأنِي، وَاللهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ -وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ-: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ». قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ قَالَ: «لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ». وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِه، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللهُ فِي صِدْقِ الحَدِيثِ مُذْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي، وَمَا تَعَمَّدْتُ مُذْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ/ إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللهُ فِيمَا بَقِيتُ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ: ﴿لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِیِّ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ وَٱلۡأَنصَارِ﴾إِلَى قَوْلِهِ:﴿وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ﴾ [التوبة: ١١٧-١١٩]، فَوَاللهِ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي من صِدْقِي رَسُولَ اللهِ ﷺ أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ، فَقَالَ اللهُ ﷿: ﴿سَیَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ
إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ ﴾
إِلَى قَوْلِهِ:﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا یَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ﴾ [التوبة: ٩٥-٩٦]، قَالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللهُ فِيهِ، فَذلِكَ قولُ اللهُ ﷿: ﴿وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِینَ﴾ [التوبة: ١١٨]، وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الغَزْوِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقُبِلَ مِنْهُ. [خ:٤٤١٨]
الغريب: (ورَّى): عَرَّضَ. (وَجْهَه): قَصْدَه. (طُفِقْتُ): جعلتُ وأخذتُ. (تَفَارَطَ): تقدَّم. (والغزو): الغَزَاة. (مَغْمُوصًا): متَّهمًا ومَعِيْبًا. (عِطْفَه): جَانِبَهُ تكبُّرًا. (أَظَلَّ): أقبلَ. (زاح): ذهب. (أَجْمَعْتُ): عزمتُ. (الظَّهْر): هنا الإبل. (يُوشِكُ): يحقُّ ويسرعُ. (تَنَكَّرَتْ): تغيَّرت.
1. قوله: (ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام) قال النووي: «أي: تبايعنا عليه وتعاهدنا، وليلة العقبة هي الليلة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فيها على الإسلام، وأن يؤووه وينصروه، وهي العقبة التي في طرف منى، والتي يضاف إليها جمرة العقبة، وكانت بيعة العقبة مرتين في سنتين في السنة الأولى كانوا اثني عشر وفي الثانية سبعين كلهم من الأنصار رضي الله عنه».
2. قوله: (فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت) قال النووي: «هذا دليل لرد غيبة المسلم الذي ليس بمتهتك في الباطل، وهو من مهمات الآداب وحقوق الإسلام».
3. قوله: (تسورت جدار حائط أبي قتادة) قال النووي: «فيه دليل لجواز دخول الإنسان بستان صديقه وقريبه الذي يدل عليه، ويعرف أنه لا يكره له ذلك بغير إذنه، بشرط أن يعلم أنه ليس له هناك زوجة مكشوفة ونحو ذلك».
4. قوله: (يا كعب بن مالك أبشر) وقوله: (فذهب الناس يبشروننا) قال النووي: «فيه: دليل لاستحباب التبشير والتهنئة لمن تجددت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه كربة شديدة، ونحو ذلك، وهذا الاستحباب عام في كل نعمة حصلت، وكربة انكشفت، سواء كانت من أمور الدين أو الدنيا».
5. قوله: ( فخررت ساجدا ) قال النووي: «دليل للشافعي وموافقيه في استحباب سجود الشكر بكل نعمة ظاهرة حصلت، أو نقمة ظاهرة اندفعت».
6. قوله: (فنزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته) قال النووي: «فيه: استحباب إجازة البشير بخلعة، وإلا فبغيرها، والخلعة أحسن، وهي المعتادة».
7. قوله: (إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك بعض مالك فهو خير لك) قال النووي: «معنى (أنخلع منه) أخرج منه وأتصدق به، وفيه استحباب الصدقة شكرا للنعم المتجددة لا سيما ما عظم منها».
8. قال النووي: «وإنما أمره صلى الله عليه وسلم بالاقتصار على الصدقة ببعضه خوفا من تضرره بالفقر، وخوفا ألا يصبر على الإضاقة، ولا يخالف هذا صدقة أبي بكر رضي الله عنه بجميع ماله، فإنه كان صابرا راضيا».
9. قال النووي: «فإن قيل: كيف قال أنخلع من مالي فأثبت له مالا، مع قوله أولا نزعت ثوبيّ والله ما أملك غيرهما؟ فالجواب أن المراد بقوله أن أنخلع من مالي الأرض والعقار، ولهذا قال: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، وأما قوله: ما أملك غيرهما فالمراد به من الثياب ونحوها مما يخلع ويليق بالبشير».
10. قوله: (فوالله ما علمت أحدا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث أحسن مما أبلاني) قال النووي: «أي: أنعم عليه، والبلاء والإبلاء يكون في الخير والشر، لكن إذا أطلق كان للشر غالبا، فإذا أريد الخير قيد، كما قيده هنا، فقال: أحسن مما أبلاني».
11. قال النووي: «وفيه أنه ينبغي لأمير الجيش إذا أراد غزوة أن يوري بغيرها، لئلا يسبقه الجواسيس ونحوهم بالتحذير، إلا إذا كانت سفرة بعيدة، فيستحب أن يعرفهم البعد ليتأهبوا».
12. قال النووي: «وفيه التأسف على ما فات من الخير، وتمني المتأسف أنه كان فعله، لقوله: فيا ليتني فعلت».
13. قال النووي: «وفيه فضيلة الصدق وملازمته، وإن كان فيه مشقة، فإن عاقبته خير، وإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، كما ثبت في الصحيح».
14. قال النووي: «وفيه استحباب صلاة القادم من سفر ركعتين في مسجد محلته أول قدومه قبل كل شيء».
15. قال النووي: «وفيه أنه يستحب للقادم من سفر إذا كان مشهورا يقصده الناس للسلام عليه، أن يقعد لهم في مجلس بارز، حين الوصول إليه».
16. قال النووي: «وفيه الحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر، وقبول معاذير المنافقين ونحوهم، ما لم يترتب على ذلك مفسدة».
17. قال النووي: «وفيه استحباب هجران أهل البدع والمعاصي الظاهرة، وترك السلام عليهم، ومقاطعتهم تحقيرا لهم وزجرا».
18. قال النووي: «وفيه استحباب بكائه على نفسه إذا وقعت منه معصية».
19. قال النووي: «وفيه أن مسارقة النظر في الصلاة والالتفات لا يبطلها».
20. قال النووي: «وفيه وجوب إيثار طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على مودة الصديق والقريب وغيرهما، كما فعل أبو قتادة حين سلم عليه كعب، فلم يرد عليه حين نهي عن كلامه».
21. قال النووي: «وفيه جواز إحراق ورقة فيها ذكر الله تعالى لمصلحة، كما فعل عثمان والصحابة رضي الله عنهم - بالمصاحف التي هي غير مصحفه الذي أجمعت الصحابة عليه، وكان ذلك صيانة، فهي حاجة، وموضع الدلالة من حديث كعب، أنه أحرق الورقة، وفيها: لم يجعلك الله بدار هوان».
22. قال النووي: «وفيه استحباب اجتماع الناس عند إمامهم وكبيرهم في الأمور المهمة من بشارة ومشورة وغيرهما».
23. قال النووي: «وفيه استحباب القيام للوارد إكراما له إذا كان من أهل الفضل بأي نوع كان، وقد جاءت به أحاديث جمعتها في جزء مستقل بالترخيص فيه، والجواب عما يظن به مخالفا لذلك».
24. قال النووي: «وفيه استحباب سرور الإمام وكبير القوم بما يسر أصحابه وأتباعه».
25. قال النووي: «وفيه أنه يستحب لمن تاب بسبب من الخير أن يحافظ على ذلك السبب، فهو أبلغ في تعظيم حرمات الله، كما فعل كعب في الصدق، والله أعلم».
26. وفيه أن القوي في الدين يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ الضعيف في الدين.
27. وفيه جواز إخبار المرء عن تقصيره وتفريطه وعن سبب ذلك وما آل إليه أمره؛ تحذيراً ونصيحة لغيره.
28. وفيه جواز ترك وطء الزوجة مدة للحاجة.
29. وفيه أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة، فحقه أن يبادر إليها، ولا يُسَوِّف بها؛ لئلا يُحْرَمها.
30. وفيه جواز الطعن في الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن عن حمية لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
31. وفيه جواز الرد على الطاعن إذا غلب على ظن الراد وهمُ الطاعن أو غلطه.
32. وفيه أن التبسم قد يكون عن غضب، كما يكون عن تعجب، ولا يختص بالسرور.
33. وفيه معاتبة الكبير أصحابه، ومن يعز عليه دون غيره.
34. وفيه تبريد حر المصيبة بالتأسي بالنظير، حيث تأسى كعب بصاحبيه.
35. وفيه أن من عوقب بالهجر يُعذر في التخلف عن صلاة الجماعة؛ لأن مرارة، وهلالاً رضي الله عنهما لم يخرجا من بيوتهما تلك المدة.
36. عظم أمر المعصية وقد نبه الحسن البصري على ذلك فيما أخرجه بن أبي حاتم عنه قال: «يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالا حراما ولا سفكوا دما حراما ولا أفسدوا في الأرض أصابهم ما سمعتم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر».
37. قال ابن حجر: «سقوط رد السلام على المهجور عمن سلم عليه إذ لو كان واجباً لم يقل كعب هل حرك شفتيه برد السلام».
38. وفيه أن حسنات الإنسان وسابقته مهما كانت لا تعصمه من الخطأ، ولا تمنع من معاتبته أو معاقبته عليه، وإن كانت محسوبة له.
39. قال النووي: «فيه أنه يستحب لمن خاف ألا يصبر على الإضاقة أن لا يتصدق بجميع ماله بل ذلك مكروه له».
40. وفيه أنه يستحب لمن رأى من يريد أن يتصدق بكل ماله، ويخاف عليه ألا يصبر على الإضاقة أن ينهاه عن ذلك ويشير عليه ببعضه.

٦٥- بابٌ


١٩٥١. عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ بِالمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ». [خ:٤٤٢٣]
1. في الحديث: فضل النية في الخير، وأن الإنسان إذا نوى العمل الصالح ولكنه لم يستطع القيام به لعذر؛ فإنه يكتب له أجر ما نوى.

١٩٥٢. وعَنِ السَّائب بن يزيد قَالَ: أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الصِّبْيَانِ نَتَلَقَّى النَّبِيَّ ﷺ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ مَقْدَمَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ. [خ:٤٤٢٧]
1. قال النووي: «هذه سنة مستحبة أن يتلقى الصبيان المسافر، وأن يركبهم ويردفهم ويلاطفهم».

قد ذكرنا نزولَ النَّبيِّ ﷺ على الحِجْر[ر:١٥٥١،١٥٥٢]، وكتابَهُ إلى كِسْرى [ر:٤٦، ١٤٠٤، ١٤٠٣، ٣١٨١] وَقَيْصرَ [ر: ٦].

٦٦- بابُ مَرَضِ النَّبيِّ ﷺ ووفاتِهِ،/


وقولِ اللهِ ﷿: ﴿إِنَّكَ مَیِّتࣱ وَإِنَّهُم مَّیِّتُونَ﴾ [الزمر:٣٠]
١٩٥٣. عَنْ عروةَ: قالت عائشةُ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ؛ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ». [خ:٤٤٢٨]
1. قال النووي: «هذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت الحارث، أخت مرحب اليهودي».

١٩٥٤. [ق] وعَنْ عُبيدِ اللهِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُتبةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَفِي البَيْتِ رِجَالٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ». فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَدْ غَلَبَ عليه الوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ القُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَثُرَ اللَّغْوُ وَالِاخْتِلَافُ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قُومُوا»... قَالَ عُبَيْدُ اللهِ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يقولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الكِتَابَ؛ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. [خ:٤٤٣٢]
١٩٥٥. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ». فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ القَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ البَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى». فَقُلْتُ: إِذًا لَا يَخْتَارُنا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ كان حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: «اللهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى». [خ:٤٤٣٧]
١٩٥٦. وعنها أنَّها قالت: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَصَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبيَّ ﷺ اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَفَعَ يَدَهُ/ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى». ثَلَاثًا، ثُمَّ قَضَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي. [خ:٤٤٣٨]
1. يستحب للمؤمن أن يكثر من الخير حتى ولو على فراش الموت.

١٩٥٧. [ق] وفي رواية: أنَّه ﵇ قَالَ: «اللَّهمَّ اغفرْ لي، وارْحمني، وألْحقني بالرَّفيق». [خ:٤٤٤٠]
١٩٥٨. [ق] وعنها أنَّها قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ فهُوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الأَرْضِ، بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: الرَّجُلُ الآخَرُ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قالت عَائِشَةُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي وَاّْشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ قَالَ: «اهرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ، لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ». فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ القِرَبِ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى بِهِمْ وَخَطَبَهُمْ. [خ:٤٤٤٢]
1. فيه: صبر النبي صلى الله عليه وسلم، وتحمله شدة الألم.
2. وفيه: بشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يعتريه ما يعتري البشر من الصحة والمرض، والقوة والضعف.
3. وفيه: استئذان الرجل لزوجاته في أن يداوى في بيت من يريد منهن.
4. وفيه: طلب التداوي، والأخذ بأسباب الشفاء.
5. قال ابن حجر: «والحكمة في عدم حل الأوكية لكونه أبلغ في طهارة الماء وصفائه لعدم مخالطة الأيدي».

١٩٥٩. [ق] وعنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. [خ:٤٤٤١]
١٩٦٠. وعنها وعَن ابْنِ عبَّاسٍ قالا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اّْتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. [خ:٣٤٥٣]
1. فيه على التشديد؛ وحرصه صلى الله عليه وسلم على حماية جناب التوحيد، وهذا أمر قد اهتم به رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في حال وداع هذه الدنيا واللحاق بالرفيق الأعلى.
2. قال ابن رجب:«وقال أبو بكر الأثرم في كتاب "الناسخ والمنسوخ": «إنما كرهت الصلاة في المقبرة للتشبه بأهل الكتاب؛ لأنهم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد».
3. قال النووي: «قال العلماء: «إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية».

١٩٦١. وعَن ابنِ عبَّاسٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ منه، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟فقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَاللهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ العَصَا، وَإِنِّي وَاللهِ لَأَرَى رَسُولَ اللهِ ﷺ سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لَأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ عِنْدَ المَوْتِ، اّْذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَلْنَسْأَلْهُ: فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ؟ إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا/ عَلِمْنَاهُ، فَأَوْصَى بِنَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللهِ إِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَمَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، إِنِّي وَاللهِ لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللهِ ﷺ. [خ:٤٤٤٧]
1. قوله: (أنت والله بعد ثلاث عبد العصا)، قال ابن حجر: «هو كناية عمن يصير تابعا لغيره، والمعنى أنه يموت بعد ثلاث، وتصير أنت مأمورا عليك، وهذا من قوة فراسة العباس ﵁».

١٩٦٢. [ق] وعَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ أَنَّ المُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ، لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللهِ ﷺ قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ في الصَّلَاةِ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ أَنَسٌ: وَهَمَّ المُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ؛ فَرَحًا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ. [خ:٤٤٤٨]
1. قال النووي: «سبب تبسمه صلى الله عليه وسلم فرحه بما رأى من اجتماعهم على الصلاة، واتباعهم لإمامهم، وإقامتهم شريعته، واتفاق كلمتهم واجتماع قلوبهم، ولهذا استنار وجهه صلى الله عليه وسلم على عادته إذا رأى أو سمع ما يسره يستنير وجهه، وفيه معنى آخر وهو تأنيسهم وإعلامهم بتماثل حاله في مرضه».

١٩٦٣. وعَنْ عَائِشَةَ أنَّها كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: وَدَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ سوَاكٌ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ، فَأَخذهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ -أَوْ: عُلْبَةٌ- فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَه فِي المَاءِ فَيَمْسَحُ بِها وَجْهَهُ، يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ». ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى». حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. [خ:٤٤٤٩]
١٩٦٤. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ قالت: لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لَا تَلُدُّونِي، فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أَلَمْ أَنْهَاكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي؟». قُلْنَا: كَرَاهِيَةَ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ. فَقَالَ: «لَا يَبْقَى أحدٌ فِي البَيْتِ إِلَّا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ، إِلَّا العَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ». [خ:٤٤٥٨]
1. قوله: (لددناه)، قال ابن حجر: «أي جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره، وهذا هو اللدود، فأما ما يصب في الحلق فيقال له الوجور، وقد وقع عند الطبراني من حديث العباس "أنهم أذابوا قسطا -أي بزيت - قلدوه به"».
2. فيه أن المريض إذا كان عالما لا يكره على تناول شيء ينهى عنه.
3. وفيه: مشروعية القصاص في كل شيء.
4. وفيه: تعزير المتعدي بنحو من فعله الذي تعدى به، إلا أن يكون فعلا محرما.

١٩٦٥. وعَنْ أَنَسٍ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ ﷺ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَا كَرْبَ أَبَاهُ. فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ». فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ،/ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ ﵂: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا التُّرابَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ؟! [خ:٤٤٦٢]
1. قال ابن هبيرة: «أن رسول الله ﷺ على علو شأنه وشرف مكانته انتهى الأمر في مرضه إلى أن ثقلت حاله، وذلك من حكمة الله عز وجل ليكون لكل من ثقلت حاله به أسوة فلا يستدل بثقل حال مؤمن على غير الخير».
2. قولها: (واكرب أبتاه)، قال ابن هبيرة: «فلو قال غير فاطمة مثل هذا القول الجميل على ميت جاز، مالم تقل شيئا يسخط الرب أو يتبع ذلك بنوح أو لطم خد أو شق ثوب».
3. قولها: (إلى جبريل ننعاه)، قال ابن هبيرة: «تشير بذلك إلى انقطاع نزول جبريل بوقوع الفرقة بينهما في الدنيا».
4. في الحديث دليل على جواز الندب اليسير إذا لم يكن مؤذنا بالتسخط على الله عزوجل؛ لأن فاطمة ندبت النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه ندب يسير، وليس فيه اعتراض على قدر الله عز وجل.

١٩٦٦. وعَنْ ابنِ عبَّاسٍ وعائشةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَكَثَ بِمَكَّةَ عَشْرًا يُنْزَلُ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وَبِالمَدِينَةِ عَشْرًا. [خ:٤٤٦٤]
١٩٦٧. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. [خ:٤٤٦٦]
الغريب: (الأَبْهَر): عِرْقٌ إذا انقطعَ مات صاحبه، وهما أبْهران يخرجانِ مِن القلب، ثمَّ تتشعَّب منهما سائر الشَّرايين، قاله الجوهري غيره: هو الوَتِين، وهو نياط القَلب. و(الرَّفيق الأعلى) يعني به: الملائكة، والله أعلم. و(أَبَدَّه) كذا وجدته في الأصل: (فَأَبَدَّه) بهمزة مفتوحة وبدال مهملة مشدَّدة، وعليه: (صح) معتنًى به، ومعناه-والله أعلم- أتبعهُ بصرَه، كما قالت في الرِّاوية الأخرى: (فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ). و(قَضَمْتُه): مضغتهُ، كما جاء في الرِّواية الأولى، يُقال: قَضِمَتِ الدَّابة شعيرها تَقْضَمُه، بكسر الضَّاد في الماضي، وفتحها في المضارع. و(الحَاقنة): ما سفُل مِن البطن. و(الذَّاقِنَة): ما عَلا، وقيل: الحاقنة: ما يحقن الطَّعام مِن البطن، والذَّاقنة: ثُغرة الذَّقن، حكاه عياض. و(سَحْرِي): صَدْري. و(نَحْرِي): موضع النَّحر، وأصل السَّحْر: الرِّئة، فكأنَّها ما بين موضع الرِّئة والنَّحر. و(الأَوْكِيَة): جمع وِكَاء، وهو الخيط الَّذي يُشدُّ به فم القِربة. و(بارئًا): اسم فاعل مِن برأ المريض: إذا أفاقَ. و(نَكَصَ): رجع متأخِّرًا، وهي القَهْقَرىَ. و(اللُّدود) هو الدَّواء الذي يُجعل في أحدِ جانبي الفم، والوَجور يُجعل في وسطه، والسُّعوط ما عَمل في الأنْف.

١ غزوة العسرة هي غزوة:

٥/٠