(٤٦) كِتَابُ تَفْسِيْرِ القُرآنِ العَظِيمِ


(١)- ما جاءَ في فاتِحةِ الكِتَابِ
قال أبو عبد الله: وسُمِّيت أمَّ الكتاب؛ لأنَّه يُبدأ بكتابتها في المصاحف، ويُبدأ بقراءتها في الصَّلاة، وقال غيره: لأنَّها أصلُه وعلامتُه.
١٩٦٨. عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى -واسمُهُ:/ الحارثُ بنُ نُفَيعِ بنِ المُعِلَّى- قَالَ: كنتُ أُصلِّي في المسْجِد، فَدَعانِي رَسولُ اللهِ ﷺ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. فَقالَ: «أَلمْ يقل الله: ﴿ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ﴾ [الأنفال: ٢٤]؟» ثمَّ قَالَ: «لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي القُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ»، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُوَرِ القُرْآنِ؟ قَالَ: «﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيْتُهُ». [خ:٤٤٧٤]
الغريب: قال الزَّجَّاج: (المثاني): مِن الثَّناء، كالمحامدِ مِن الحمْدِ. الحَسَنُ: لأنها تُثَنَّى في الصَّلاة. شَهْرُ بن حَوْشَب: لأنَّ أكثر كلماتها مَثنى. أي: مردود بعضها على بعض في المعنى، وقيل غير هذا. قلت: وهذا أقربها، لأنَّ المثاني صِفةٌ للسَّبع، والله أعلم.
1. في الحديث: عظيم حقّ النّبيّ ﷺ على أمّته، ولزوم إجابته في جميع الأحوال حتّى في الصّلاة.
2. سمّاها القرآن العظيم؛ لاشتمالها مع وجازتها وقلّة ألفاظها على أهمّ مقاصد القرآن الكريم: من إثبات التّوحيد، والنّبوّة، والمعاد، والعبادة المتضمّنة لأركان الإسلام.
3. فيه تفضيل بعض القرآن على بعض بما جاء عن رسول الله ﷺ في ذلك.

(٢) سورةُ البقرةِ


١- قولُهُ تعالى: ﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَاۤءَ كُلَّهَا﴾ [آية: ٣١]


١٩٦٩. [ق] عن أَنَسٍ، عَن النَّبيِّ ﷺ في حديث الشَّفاعة: «فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَقَامِنَا هَذَا...» الحديثَ [خ:٤٤٧٦]، وسيأتي بكماله [ر:٢١٠١].
الغريب: (آدم): مشتقٌّ مِن أَدِيم الأرْض؛ السُّدِّي. وقيل: مِن الأُدُم، وهو الجمع؛ لأنَّه خُلِقَ مِن مجموع أجزاء الأرض والطَّبائع الأربع. وقيل: هو عبري مِن الأدم، وهو التُّراب. و(الأسماء): جمع اسم. قال ابْن عبَّاس: أسماء ما قضى الله خَلقه. وقال الرَّبيع: هي أسماء الملائكة. وقيل: أسماء ذُرِّيته. وقيل: أسماء الله ﷿. والأقْرب أنَّها أسماء الأشْباح وكانت تعقل، كانت موجودة في تلك الحال؛ بدليل قوله: ﴿هَـٰۤؤُلَاۤءِ﴾ [آية: ٣١]، وهو إشارة إلى جمع موجود، وبدليل قوله: ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمۡ﴾ [آية: ٣١]، وهذا الضَّمير لمن يَعْقِل، وهو راجعٌ إلى المشار إليهم، والله أعلم.
1. قوله: (فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ) قال ابن أبي جمرة: «فيه أن من طلب من كبير أمراً مهماً أن يقدم بين يدي سؤاله وصف المسؤول بأحسن صفاته، وأشرف مزاياه؛ ليكون ذلك أدعى لإجابته لسؤاله».
2. قوله: (فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ) قال القاضي عياض: «فيه تقديم ذوي الأسنان والآباء على الأبناء في الأمور التي لها بال».

٢- وقوله: ﴿فَلَا تَجۡعَلُوا۟ لِلَّهِ أَندَادࣰا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [آية: ٢٢]


١٩٧٠. [ق] عَن عَبدِ اللهِ -هو ابْنُ مَسعودٍ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟/ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مخافةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ». [خ:٤٤٧٧]
الغريب: (النِّدُّ) والنَّديد: المِثل. و(الحَليلة): الزَّوجة والسُّرِّيَّةُ، وهي فَعِيلة بمعنى مفعُولة.
1. قال ابن هبيرة: «الذي يقتل ولده مخافة أن يطعم معه، وهو في نفسه يطلب من الله طعمته، فماذا عليه من غيره حتى يقتله؟ وكذلك الزاني فإنه يأتي بفاحشة، إلا أنه إذا أتاها مع حليلة جاره وهو عنده كالمؤتمن والأحسن منه إنْ كان يحمي حريم جاره ويحرس ذماره فكيف يكون هو الذي يأتي بالفاحشة إليه؟!».

٣- قولُهُ: ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُوا۟ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةَ فَكُلُوا۟ مِنۡهَا حَیۡثُ شِئۡتُمۡ﴾ الآية [آية: ٥٨]


١٩٧١. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قَالَ: «قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿ٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡبَابَ سُجَّدࣰا وَقُولُوا۟ حِطَّةࣱ﴾ [آية: ٥٨]، فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ فبَدَّلُوا، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ». [خ:٤٤٧٩]
الغريب: (القَرية): مجتمع النَّاس، والقُرى والتَّقَرِّي الاجتماع. ابن عبَّاس: هي أَرِيحاء، وبها العَمَالقة. مجاهد: بيت المقدس. وقيل غير هذا. و(﴿حِطَّةࣱ﴾): اسم: يحطُّ عنَّا ذنوبنا، الحسن. ابن جُبير: معناه الاسْتغفار. وقيل غير هذا، ورفعه على أنَّه خبر مبتدأ؛ أي: مسألتنا حِطَّة، قاله الزَّجَّاج. ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف. والرِّجْز: العَذاب.

٤- قولُهُ: ﴿قُلۡ مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّجِبۡرِیلَ﴾ الآية [آية: ٩٧]


قال عِكرمة: جَبْرَ ومِيكَ وسَرَافِ: عَبْدٌ، إِيل: الله.
١٩٧٢. وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ بِمَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَهْوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الوَلَدَ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: «أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا»، قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلَائِكَةِ، فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: «﴿قُلۡ مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّجِبۡرِیلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾ [آية: ٩٧]، أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الحُوت، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ المَرْأَةِ نَزَعَ الوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ المَرْأَةِ نَزَعَتْ»، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بهَتُونِي، فَجَاءَتِ اليَهُودُ، فَقَالَ: «أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟» قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، أو سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا./ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ؟» فَقَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ. فقالوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، فَانْتَقَصُوهُ، قَالَ: فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ الله. [خ:٤٤٨٠]

٥- قوله تعالى: ﴿مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَایَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَیۡرࣲ مِّنۡهَاۤ﴾ [آية: ١٠٦]


١٩٧٣. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ عُمَرُ: أَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ، وَأَقْضَانَا عَلِيٌّ، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَيٍّ، وَذَلكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ: لَا أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَقَدْ قَالَ اللهُ ﷿: ﴿مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَایَةٍ أَوۡ نُنسِهَا﴾ [آية: ١٠٦]. [خ:٤٤٨١]
الغريب: (النَّسخ) لغة: هُو الرَّفع والإزَالة، وفي العُرف: رفْعُ حُكم خِطابٍ سابقٍ بخطابٍ لاحقٍ. و(نُنْسِهَا) بضمِّ النُّون بغير همز، مِن النِّسيان؛ يعني -والله أعلم- أنَّه تعالى متى أنسى نبيَّهُ ﷺ آيةً أو حُكمها، وأقرَّه على النِّسيان، ولم يذكِّره كان ذلك نسخًا لِلْمَنْسِيِّ، وأمَّا مَن قرأ بالفتح والهمز، فذلك مِن النَّسَاء وهو التَّأخير؛ أي: يؤخِّر نسخها أو إنزالها. و(بخير) أي: أكثر ثوابًا وأخفُّ فعلًا.
1. فيه: ثبوت الخلاف بين الصّحابة في وقوع النّسخ في القرآن.

٦- قولُهُ: ﴿وَقَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدࣰا سُبۡحَـٰنَهُۥ﴾ [آية: ١١٦]


١٩٧٤. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «قَالَ اللهُ ﷿: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا». [خ:٤٤٨٢]
1. في الحديث: حلم الله سبحانه على من تطاول على مقامه العليّ من البشر، وإمهاله سبحانه لهم.

٧- قولُهُ: ﴿وَٱتَّخِذُوا۟ مِن مَّقَامِ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمَ مُصَلࣰّى﴾ [آية: ١٢٥]


١٩٧٥. [ق] عَن أَنَسٍ قَالَ: قال عمرُ: وَافَقْتُ ربي فِي ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِالحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الحِجَابِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ ﷺ بَعْضَ نِسَائِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ، فَقُلْتُ: إِنِ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّ اللهُ رَسُولَهُ خَيْرًا مِنْكُنَّ، حَتَّى أَتَيْتُ إِحْدَى نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ، أَمَا فِي رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟! فَأَنْزَلَ اللهُ ﷿:/ ﴿عَسَىٰ رَبُّهُۥۤ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن یُبۡدِلَهُۥۤ أَزۡوَ ٰ⁠جًا خَیۡرࣰا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَـٰتࣲ﴾ الآية [التحريم: ٥]. [خ:٤٤٨٣]
1. قال ابن حجر: «وليس في تخصيص عمر العدد بالثّلاث في هذا الحديث ما ينفي الزّيادة عليها؛ لأنّه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه؛ من مشهورها قصّة أسارى بدرٍ، وقصّة الصّلاة على المنافقين، وهما في صحيح البخاريّ».
2. وفي الحديث: دليلٌ على مشروعيّة الاجتهاد في الدّين.

[للمخرج: تحذف الواو: القواعد]

٨- قولُهُ: ﴿وَإِذۡ یَرۡفَعُ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَیۡتِ وَإِسۡمَـٰعِیلُ﴾ الآية [آية: ١٢٧]


القَوَاعدُ الأَساسُ، واحدتُها قاعدةٌ، و﴿وَٱلۡقَوَ ٰ⁠عِدُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ﴾[النور:٦٠]: واحدتُها قاعدٌ.
١٩٧٦. [ق] عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَلَمْ تَرَيْ إِلى قَوْمَكِ حينَ بَنَوُا الكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ!» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: «لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالكُفْرِ». فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بن عمرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا أُرَى رَسُولَ اللهِ ﷺ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الحِجْرَ، إِلَّا أَنَّ البَيْتَ لَمْ يُتَمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. [خ:٤٤٨٤]
1. قال النووي: «في هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها: إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم؛ لأن النبي ﷺ أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم ﷺ مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة، فيرون تغييرها عظيما، فتركها ﷺ».
2. قال النووي: «وفيه فكر ولي الأمر في مصالح رعيته، واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا إلا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحدود ونحو ذلك».
3. قال النووي: «وفيه تألّف قلوب الرعية وحسن حياطتهم وأن لا ينفروا ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي».

٩- قولُهُ: ﴿قُولُوۤا۟ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡنَا﴾ [آية: ١٣٦]


١٩٧٧. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: ﴿ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡنَا﴾ الآية [آية: ١٣٦]». [خ:٤٤٨٥]
• وقد تقدَّم في كتاب الصَّلاة حديث تحويل القِبْلَة[ر:٢١٢].

١٠- قولُهُ: ﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا﴾ الآية [آية: ١٤٣]


١٩٧٨. عَنْ أَبِي سَعيدٍ الخُدْريِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ. فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ بَلَّغَ: ﴿وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰا﴾ [آية: ١٤٣] فذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ [آية: ١٤٣]». [خ:٤٤٨٧]
وَالوَسَطُ: العَدْلُ.

١١- قولُهُ: ﴿إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَاۤىِٕرِ ٱللَّهِ﴾ الآية [آية: ١٥٨]


الشَّعائرُ: العَلَاماتُ، واحدها شَعِيرةٌ.
وقال ابنُ عبَّاس: الصَّفوان: الحِجارة.
ويُقالُ: الحِجارة المُلْسُ الَّتي لا تُنبِتُ شيئًا، الواحد صَفْوَانَة، والصَّفَا للجمع.
• وقد تقدَّم في الحجِّ ذكر أحاديث الصَّفا والمرْوة [ر:٩٠٣].

١٢- قولُهُ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِی ٱلۡقَتۡلَى﴾ الآية [آية: ١٧٨]


١٩٧٩. عَنْ مُجاهدٍ قَالَ: سمعتُ ابنَ عبَّاسٍ يقول:/ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ القِصَاصُ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فَقَالَ اللهُ ﷿ لِهَذِهِ الأُمَّةِ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِی ٱلۡقَتۡلَى ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰ فَمَنۡ عُفِیَ لَهُۥ مِنۡ أَخِیهِ شَیۡءࣱ﴾ فَالعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي العَمْدِ: ﴿فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَاۤءٌ إِلَیۡهِ بِإِحۡسَـٰنࣲ﴾ [آية: ١٧٨] يَتَّبِعُ بِالمَعْرُوفِ وَيُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ. [خ:٤٤٩٨]
1. في الحديث: بيان اتّفاق الشّرائع السّماويّة في أصل الأحكام مع اختلاف التّفاصيل.
2. وفيه: بيان أنّ الأمّة الإسلاميّة أمّةٌ مرحومةٌ، ومخفّفٌ عنها في الأحكام، وذلك من فضل الله تعالى على هذا الأمّة.
3. وفيه: حضٌّ من الله تعالى على حسن الاقتضاء من الطّالب، وحسن القضاء من المؤدّي.
4. وفيه: أنّ صاحب الكبيرة لا يخرج عن مسمّى الإيمان؛ للوصف بالإيمان بعد وجود القتل، ولبقاء الأخوّة الثّابتة بالإيمان، ولاستحقاق التّخفيف والرّحمة.

١٩٨٠. [ق] وعَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، وَطَلَبُوا إِلَيْهَا العَفْوَ فَأَبَوْا، فَعَرَضُوا الأَرْشَ فَأَبَوْا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ ﷺ وَأَبَوْا إِلَّا القِصَاصَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ؟! لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ». فَرَضِيَ القَوْمُ فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِه مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ». [خ:٤٥٠٠]
1. قال النووي: «في الحديث جواز الحلف فيما يظنه الإنسان».
2. قال النووي: «وفيه جواز الثناء على من لا يخاف الفتنة بذلك».
3. قال النووي: «وفيه استحباب العفو عن القصاص».
4. قال النووي: «وفيه استحباب الشفاعة في العفو».

١٣- قولُهُ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [آية: ١٨٣]


قد ذكرتُ أحاديثَ صَوْمِ عَاشُوراء في كتاب الصِّيام [ر:٨٠٦-٨١٢].
قال عطاء: يُفْطِر مِن المَرَضِ كُلِّهِ.
وقال الحسنُ وإبْراهيمُ: والمرضِع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما تُفطران ثمَّ تَقضيان، وأمَّا الشَّيخ الكبير الذي لم يُطق الصِّيام، فقد أطعم أنسٌ بعدما كبر عامًا أو عامين، كلَّ يوم مسكينًا خبزًا ولحمًا، وأفطَرَ.
قال البخاريُّ: قراءة العامَّة: ﴿یُطِیقُونَهُۥ﴾، وهو أكثر.
١٩٨١. وعَنْ عطاءٍ، سمعَ ابنَ عبَّاسٍ يَقْرَأُ: ﴿وَعَلَى ٱلَّذِینَ یُطِیقُونَهُۥ فِدۡیَةࣱ طَعَامُ مِسۡكِینࣲ﴾ [آية: ١٨٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً؛ هُوَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ وَالمَرْأَةُ الكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. [خ:٤٥٠٥]
١٩٨٢. [ق] وعَن سَلَمَةَ بنِ الأَكْوعِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَعَلَى ٱلَّذِینَ یُطِیقُونَهُۥ فِدۡیَةࣱ طَعَامُ مِسۡكِینࣲ﴾ [آية: ١٨٤] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا. [خ:٤٥٠٧]

١٤- قولُهُ: ﴿أُحِلَّ لَكُمۡ لَیۡلَةَ ٱلصِّیَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَاۤىِٕكُمۡ﴾


إلى قوله: ﴿وَكُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَیۡطُ ٱلۡأَبۡیَضُ مِنَ ٱلۡخَیۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ﴾ [آية: ١٨٧]
١٩٨٣. عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازبٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ،/ وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ، أَنْزَلَ اللهُ ﷿: ﴿عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡ﴾ الآية [آية: ١٨٧]. [خ:٤٥٠٨]
١٩٨٤. [ق] وعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَخَذَ عَدِيُّ بْنُ حَاتمٍ عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ، حَتَّى كَانَ بَعْضُ اللَّيْلِ نَظَرَ فَلَمْ يَسْتَبِنْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلْتُ تَحْتَ وِسَادتي؟ قَالَ: «إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَعَرِيضٌ أَنْ كَانَ الخَيْطُ الأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادِكَ». [خ:٤٥٠٩]
• وفي طريق آخر عنه: قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ، أَهُمَا الخَيْطَانِ؟ قَالَ: «إِنَّكَ لَعَرِيضُ القَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الخَيْطَيْنِ»، ثُمَّ قَالَ: «لَا؛ بَلْ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ».[خ:٤٥١٠]

١٥- بابٌ


١٩٨٥. عَنْ حُذَيفة: ﴿وَأَنفِقُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُوا۟ بِأَیۡدِیكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ﴾ [آية: ١٩٥] قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ. [خ:٤٥١٦]
والتَّهلكَةُ وَالهلاكُ واحدٌ.

١٦- بابٌ


١٩٨٦. [ق] عَنْ عَائِشَةَ قالت: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ العَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَقِفَ بِهَا، ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَفِیضُوا۟ مِنۡ حَیۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ﴾ [آية: ١٩٩]. [خ:٤٥٢٠]

١٧- بابٌ


١٩٨٧. عَن ابنِ أَبي مُلَيْكَة قَال: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿حَتَّىٰۤ إِذَا ٱسۡتَیۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُوا۟﴾ [يوسف: ١١٠] خَفِيفَةً، قَالَ: ذَهَبَ بِهَا هُنَالكَ، وَتَلَا: ﴿حَتَّىٰ یَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِ أَلَاۤ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِیبࣱ﴾ [آية: ٢١٤]، فَلَقِيتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَعَاذَ اللهِ؛ وَاللهِ مَا وَعَدَ اللهُ رَسُولَهُ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا عَلِمَ أَنَّهُ كَائِنٌ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلِ البَلَاءُ بِالرُّسُلِ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَكُونَ مَنْ مَعَهُمْ يُكَذِّبُونَهُمْ، فَكَانَتْ تَقْرَؤُهَا: ﴿وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُوا۟﴾ مُثَقَّلَةً. [خ:٤٥٢٤-٤٥٢٥]

١٨- بابٌ


١٩٨٨. عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ: ﴿فَأۡتُوا۟ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡ﴾ [آية: ٢٢٣] قَالَ: يَأْتِيهَا فِي. [خ:٤٥٢٧]
١٩٨٩. [ق] عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عن جَابِرٍ قَالَ: كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ:/ إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: ﴿نِسَاۤؤُكُمۡ حَرۡثࣱ لَّكُمۡ فَأۡتُوا۟ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡ﴾ [آية: ٢٢٣]. [خ:٤٥٢٨]

١٩- بابٌ


١٩٩٠. عَنِ الحَسَنِ أَنَّ أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَتَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَخَطَبَهَا، فَأَبَى مَعْقِلٌ، فَنَزَلَتْ: ﴿فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن یَنكِحۡنَ أَزۡوَ ٰ⁠جَهُنَّ﴾ [آية: ٢٣٢]. [خ:٤٥٢٩]

٢٠- بابٌ


١٩٩١. عَنِ ابنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: ﴿وَٱلَّذِینَ یُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَیَذَرُونَ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا﴾ [آية: ٢٤٠] قدْ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا -أَوْ: تَدَعُهَا-؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ مَكَانِهِ. [خ:٤٥٣٠]
١٩٩٢. وعَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَٱلَّذِینَ یُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَیَذَرُونَ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا﴾ [آية: ٢٣٤] قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ العِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ ﷿: ﴿وَٱلَّذِینَ یُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَیَذَرُونَ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا وَصِیَّةࣰ لِّأَزۡوَ ٰ⁠جِهِم مَّتَـٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَیۡرَ إِخۡرَاجࣲ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِی مَا فَعَلۡنَ فِیۤ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفࣲ﴾ [آية: ٢٤٠] جَعَلَ اللهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً، إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، وَهْوَ قَوْلُ اللهِ: ﴿غَیۡرَ إِخۡرَاجࣲ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ﴾ فالعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا. [خ:٤٥٣١]
• وَقَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فنَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَتْ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، لِقَوْلِ اللهِ ﷿: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِی مَا فَعَلۡنَ﴾ [آية: ٢٣٤]. قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ المِيرَاثُ، فَنَسَخَ السُّكْنَى، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَا سُكْنَى لَهَا. [خ:٤٥٣١]

٢١- بابٌ


١٩٩٣. [ق] عن عَبِيدَة، عن عليٍّ ﵁ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ يَوْمَ الخَنْدَقِ: «حَبَسُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ -أَوْ: أَجْوَافَهُمْ، شَكَّ يَحْيَى بن سعيد- نَارًا». [خ:٤٥٣٣]
• وقد تقدَّم حديثُ زيدِ بنِ أَرْقمَ في كتاب الصَّلاة [ر:٤٤٣]، وحديثُ ابنِ عُمرَ في صَلاة الخوف[ر:٤٧٥].

٢٢- بابٌ/


١٩٩٤. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رَسولُ الله ﷺ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: ﴿رَبِّ أَرِنِی كَیۡفَ تُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّیَطۡمَىِٕنَّ قَلۡبِی﴾ [آية: ٢٦٠]». [خ:٤٥٣٧]
قلت: وهذا مِن نبيِّنا ﷺ نفيٌ للشَّكِّ عن إبراهيم؛ لأنَّه لمَّا أطلقَ أنَّه أحقُّ بالشَّكِّ منه، ولم يشكَّ نبيُّنا، فإبراهيم لم يشكَّ، وإنَّما سأل مشاهدةَ كيفيَّةَ الإحياءَ، فأُجيب لِذلك فأُرِيَهَا، هذا أَوْلَى ما قيل فيها، والله أعلم.
1. قوله: ( نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ) قال ابن حجر: «واختلف في معنى قوله ﷺ "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ" فقال بعضهم معناه: نحن أشد اشتياقاً إلى رؤية ذلك من إبراهيم عليه السلام، وقيل: معناه إذا لم نشك نحن فإبراهيم أولى أن لا يشك، أي لو كان الشك متطرقاً إلى الأنبياء عليهم السلام لكنت أنا أحق به منهم وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أنه لم يشك، وإنما قال ذلك تواضعاً منه، أو من قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم، وهو كقوله في حديث أنس رضي الله عنه عند مسلم" أن رجلاً قال للنبي ﷺ يا خير البرية، قال ﷺ: "ذاك إبراهيم"، وقيل: إن سبب هذا الحديث أن الآية لما نزلت قال بعض الناس شك إبراهيم ولم يشك نبيّ، فبلغه ذلك فقال:" نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ" وأراد ما جرت به العادة من المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئاً، قال مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي، ومقصوده (لا تقل ذلك) ».

٢٣- بابٌ


١٩٩٥. عَنْ عُبيدِ بن عُمير: قَالَ عُمَرُ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ: ﴿أَیَوَدُّ أَحَدُكُمۡ أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةࣱ مِّن نَّخِیلࣲ وَأَعۡنَابࣲ﴾ [آية: ٢٦٦]؟ قَالُوا: اللهُ ورسوله أَعْلَمُ؟ فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: قُولُوا: نَعْلَمُ، أَوْ لَا نَعْلَمُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةٍ، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ. [خ:٤٥٣٨]
1. قال ابن هبيرة: «قول الرجل: «الله أعلم؛ في مثل هذا المقام لا يصلح؛ لأن الله أعلم أبداً؛ ولأنه إذا سُئِلَ الرجل عما يعلمه فواجب عليه أن يذكره، وإن كان لا يعلمُه فواجبٌ عليه أن يقول: لا أعلمه، فَلو قال فيه ما يعلمه ثم أتبع ذلك بقوله: الله أعلم لكان حسناً».
2. قال ابن هبيرة: «فيه من الفقه أنه إذا كان الرجل ذَا لبٍّ وفِقه فإنه لا ينبغي له أن يحقر نفسه أن يقول فيما قد عجز عنه الشيوخ».
3. قال ابن حجر: «في الحديث قوة فهم ابن عباس، وقُرب منزلته من عمر، وتقديمه له من صغره».
4. قوله: (ابْنَ أَخِي قُلْ وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ)، قال ابن حجر: «فيه تحريض العالم تلميذه على القول بحضرة من هو أسن منه إذا عرف فيه الأهلية لما فيه من تنشيطه وبسط نفسه وترغيبه في العلم».

٢٤- بابٌ


١٩٩٦. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَا اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَإِنَّمَا المِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ». اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿لَا یَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافࣰا﴾ [آية: ٢٧٣]. [خ:٤٥٣٩]
(الإلْحَاف): الإلحاح في السُّؤال، الذي يشمل وجوه الطَّلب، مأخوذ مِن اللِّحاف، ونصبه على المفعول مِن أجله، أي: لا يسألون كراهيةَ الإلحاف، ويحتمل أن يكون مصدرًا في موضع الحال؛ أي: يسألون عند الحاجة غير مُلحِّين. والله أعلم.
1. قوله: (لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ) قال النووي: «معناه المسكين الكامل المسكنة الذي هو أحق بالصدقة وأحوج إليها ليس هو هذا الطواف، بل هو الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له ولا يسأل الناس، وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطواف، بل معناه نفي كمال المسكنة».
2. فيه استحباب الحياء في كل الأحوال.
3. فيه حسن الإرشاد لوضع الصدقة، وأن يُتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح.
4. قال العراقي: «فيه أنّ الصّدقة على المتعفّف أفضل منها على السّائل الطّوّاف».

٢٥- بابٌ


١٩٩٧. [ق] عَنْ عَائِشَةَ قالت: لَمَّا نَزَلَتِ الآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي الرِّبَا، فقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى النَّاسِ في المسجد، ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الخَمْرِ. [خ:٤٥٤٠]

٢٦- بابٌ


١٩٩٨. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ آيَةُ الرِّبَا. [خ:٤٥٤٤]
ترجم البخاريُّ على هذا بما يُشعِرُ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ يعني بذلك قولَهُ تعالى: ﴿وَٱتَّقُوا۟ یَوۡمࣰا تُرۡجَعُونَ فِیهِ إِلَى ٱللَّهِ﴾ [آية: ٢٨١].

٢٧- بابٌ


١٩٩٩. عَنِ ابنِ عُمَرَ: ﴿وَإِن تُبۡدُوا۟ مَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ﴾ [آية: ٢٨٤] نَسَخَتها الآية التي بعدها: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ [آية: ٢٨٥]./ [خ:٤٥٤٦]
وقال ابن عبَّاس: (﴿إِصۡرࣰا﴾ [آية: ٢٨٦]): عهدًا. ويُقال: (﴿ءذءوآ﴾ [آية: ٢٨٥]): مَغْفِرتك.
(٣)- سورةُ آلِ عِمْرانَ
﴿ءَایَـٰتࣱ مُّحۡكَمَـٰتٌ﴾ [آية: ٧] قال مجاهد: الحلالُ والحرامُ. و:﴿وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتࣱ﴾يُصدِّقُ بعضُهُ بَعضاً؛ وكقولِهِ﴿وَمَا یُضِلُّ بِهِۦۤ إِلَّا ٱلۡفَـٰسِقِینَ﴾ [البقرة: ٢٦]، وكقولِهِ: ﴿وَیَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ لَا یَعۡقِلُونَ﴾ [يونس: ١٠٠]، وكقولِهِ: ﴿وَٱلَّذِینَ ٱهۡتَدَوۡا۟ زَادَهُمۡ هُدࣰى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ﴾ [محمد: ١٧].

١ ذهب المصنف -رحمه الله- إلى أن معنى قول النبي ﷺ في سورة الفاتحة: «هي السبع المثاني»، أي:

٥/٠