١- ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَوۡفُوا۟ بِٱلۡعُقُودِۚ﴾ [آية: ١]


ابن عبَّاس: العُقُودُ: ما أحلَّ وحرَّم. ﴿إِلَّا مَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡكُمۡ﴾ [آية: ١]: الخِنزير. ﴿یَجۡرِمَنَّكُمۡ﴾ [آية: ٢]: يحملنَّكم. ﴿شَنَـَٔانُ﴾ [آية: ٢]: عَدَاوة. ﴿ٱلۡمُنۡخَنِقَةُ﴾: تُخْنَقُ فَتَمُوتُ. ﴿ٱلۡمَوۡقُوذَةُ﴾ [آية: ٣]: تُضرب بالخشبِ/ فتموت. ﴿ٱلۡمُتَرَدِّیَةُ﴾ [آية: ٣]: تتردَّى مِن الجبل ﴿ٱلنَّطِیحَةُ﴾ [آية: ٣] الشَّاة تُنْطَح، فما أدركتَ يتحرَّكُ بذنبِهِ أو بعينِهِ فاذْبح وكُلْ.
٢٠٤٠. [ق] وعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: قَالَتِ اليَهُودُ لِعُمَرَ: إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَاهَا عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ أُنْزِلَتْ: يَوْمَ عَرَفَةَ وَإِنَّا وَاللهِ بِعَرَفَةَ -قَالَ سُفْيَانُ: وَأَشُكُّ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ أَمْ لَا-: ﴿ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ﴾ [آية: ٣]. [خ:٤٦٠٦]
1. في الحديثِ: دَلالةٌ على أنَّ الأعيادَ لا تكونُ بالرَّأيِ والاختراع، كما يَفعَلُه أهلُ الكِتابينِ مِن قَبلِنا، إنَّما تكونُ بالشَّرعِ والاتِّباع.
2. وفيه: أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنقُص، حيث إنَّ هذا الدِّينَ قدْ كَمَلَ بتَمامِ أعمالِه.

٢- بابٌ


٢٠٤١. [ق] عَنِ القاسمِ بنِ محمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ: سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي بِالبَيْدَاءِ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ المَدِينَةَ، فَأَنَاخَ النَّبِيُّ ﷺ وَنَزَلَ، فَثَنَى رَأْسَهُ فِي حَجْرِي رَاقِدًا، أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَكَزَنِي لَكْزَةً شَدِيدَةً، قَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلَادَةٍ؟ فَبِيَ المَوْتُ لِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَقَدْ أَوْجَعَنِي، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَالتُمِسَ المَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ، فَنَزَلَتْ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ﴾ الآية [آية: ٦] فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: لَقَدْ بَارَكَ اللهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَرَكَةٌ لَهُمْ. [خ:٤٦٠٨]
1. قال النووي: «فيه الاعتناء بحفظ حقوق المسلمين وأموالهم وإن قلّت، ولهذا أقام النبي ﷺ على التماسه».
2. قال النووي: «فيه تأديب الرجل ولده بالقول والفعل والضرب ونحوه، وفيه تأديب الرجل ابنته وإن كانت كبيرة متزوجة خارجة عن بيته».

٣- بابٌ


٢٠٤٢. عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ قَالَ: قَالَ المِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ ﴿أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَـٰتِلَاۤ إِنَّا هَـٰهُنَا قَـٰعِدُونَ﴾ [آية: ٢٤] وَلَكِنِ امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ. فَكَأَنَّهُ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ. [خ:٤٦٠٩]
1. قال النووي: «قال العلماء: إنما قصد ﷺ اختبار الأنصار؛ لأنه لم يكن بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال وطلب العدو، وإنما بايعهم على أن يمنعوه ممن يقصده، فلما عرض الخروج لعير أبي سفيان أراد أن يعلم أنهم يوافقون على ذلك فأجابوه أحسن جواب بالموافقة التامة في هذه المرة وغيرها».
2. قال النووي: «وفيه استشارة الأصحاب وأهل الرأي والخبرة».

٤- بابٌ: ﴿إِنَّمَا جَزَ ٰ⁠ۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا﴾ الآية [آية: ٣٣]


٢٠٤٣. [ق] وعَنْ أبي قِلَابة عبدِ اللهِ بنِ زيد، عَن أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ قَوْمٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَكَلَّمُوهُ، فَقَالُوا: قَدْ اسْتَوْخَمْنَا هَذِهِ الأَرْضَ، فَقَالَ: «هَذِهِ نَعَمٌ لَنَا تَخْرُجُ، فَاخْرُجُوا فِيهَا وَاّْشْرَبُوا مِنْ أبوالها وأَلْبَانِهَا»، فَخَرَجُوا فِيهَا فَشَرِبُوا مِنْ ألبانها وأَبْوَالِهَا، وَاسْتَصَحُّوا وَمَالُوا عَلَى الرَّاعِي فَقَتَلُوهُ، وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ، فَمَا يُسْتَبْطَأُ مِنْ هَؤُلَاءِ؟ قَتَلُوا النَّفْسَ، وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ، وَخَوَّفُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ. [خ:٤٦١٠]
1. قال النووي: «هذا الحديث أصل في عقوبة المحاربين، وهو موافق لقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَ ٰ⁠ۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ﴾ [المائدة ٣٣].

٥- بابٌ


٢٠٤٤. [ق] عَنْ أَنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: كَسَرَتِ الرُّبَيِّعُ -وَهْيَ عَمَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ،/ فَطَلَبَ القَوْمُ القِصَاصَ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: لَا وَاللهِ، لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لأَنَسٍ: «كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ»
، فَرَضِيَ القَوْمُ وَقَبِلُوا الأَرْشَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ». [خ:٤٦١١]
٢٠٤٥. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ قالتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ﴾ الآية [آية: ٦٧]. [خ:٤٦١٢]

٦- بابٌ


٢٠٤٦. عَنْ عَائِشَةَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿لَا یُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِیۤ أَیۡمَـٰنِكُمۡ﴾ [آية: ٨٩] في قَوْلِ الرَّجُلِ: لَا وَاللهِ، وَبَلَى وَاللهِ. [خ:٤٦١٣]
٢٠٤٧. وعَنْهَا أَنَّ أَبَاهَا كَانَ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ كَفَّارَةَ اليَمِينِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا أَرَى يَمِينًا أُرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا قَبِلْتُ رُخْصَةً، وَفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. [خ:٤٦١٤]

٧- بابٌ


٢٠٤٨. [ق] عَنْ عَبدِ اللهِ -هو ابنُ مَسعودٍ- قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَلَيْسَ مَعَنا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَلَا نَخْتصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ فَرَخَّصَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَتَزَوَّجَ المَرْأَةَ بِالثَّوْبِ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُحَرِّمُوا۟ طَیِّبَـٰتِ مَاۤ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ﴾ [آية: ٨٧]. [خ:٤٦١٥]

٨- بابٌ: ﴿إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَیۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَـٰمُ رِجۡسࣱ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ﴾ [آية: ٩٠]


قالَ ابنُ عبَّاس: الأزلامُ: القِداحُ، يستقسمون بها في الأُمور. النُّصُبُ: أنصابٌ يذبحونَ عليها.
وقال غيره: الزَُّلَمُ: القدحُ لا ريشَ لَهُ؛ وهو واحد الأَزْلامِ، والاستقسام أن يُجِيْلَ القِداحَ فإنْ نَهَتْهُ انتهى، وإن أَمَرتْهُ فعل ما أمرته به.
٢٠٤٩. وعَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وَإِنَّ بِالمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ مَا فِيهَا شَرَابُ العِنَبِ. [خ:٤٦١٦]
٢٠٥٠. [ق] وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أنَّه قَالَ: مَا كَانَ لَنَا خَمْرٌ غَيْرُ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الفَضِيخَ، فَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَفُلَانًا وَفُلَانًا، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ بَلَغَكُمُ الخَبَرُ؟ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حُرِّمَتِ الخَمْرُ، قَالُوا: أَهْرِقْ هَذِهِ القِلَالَ يَا أَنَسُ. قَالَ: فَمَا سَأَلُوه عَنْهَا، وَلَا رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ. [خ:٤٦١٧]
٢٠٥١. وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: صَبَّحَ أُنَاسٌ غَدَاةَ أُحُدٍ الخَمْرَ، فَقُتِلُوا مِنْ يَوْمِهِمْ جَمِيعًا شُهَدَاءَ،/ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا. [خ:٤٦١٨]
٢٠٥٢. [ق] وعَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ الله ﷺ يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنْ العِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالعَسَلِ وَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ. [خ:٤٦١٩]
٢٠٥٣. [ق] وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ الخَمْرَ الَّتِي هُرِيقَت الفَضِيخُ، وقال: كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَنَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اّْخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. فَقَالَ لِي: اّْذْهَبْ فَأَرِقْهَا. قَالَ: فَهَرقْتها، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ، قَالَ: وَكَانَتْ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ وَهْيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: ﴿لَیۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحࣱ فِیمَا طَعِمُوۤا۟﴾ [آية: ٩٣]. [خ:٤٦٢٠]

٩- بابٌ


٢٠٥٤. [ق] عَن أَنَسٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»، قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿لَا تَسۡـَٔلُوا۟ عَنۡ أَشۡیَاۤءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ﴾ [آية: ١٠١]. [خ:٤٦٢١]
1. في الحَديثِ: أنَّ النَّبيَّ ﷺ أعظمُ النَّاسِ خَشيةً لربِّه؛ لأنَّ خَشيةَ اللهِ إنَّما تكونُ على مِقدارِ العِلمِ بِه، ولمَّا لم يَعلمْ أحدٌ كعِلمِ النَّبيِّ ﷺ لم يَخشَ كخَشيتِه.

٢٠٥٥. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ اسْتِهْزَاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَسۡـَٔلُوا۟ عَنۡ أَشۡیَاۤءَ﴾ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كُلِّهَا [آية: ١٠١]. [خ:٤٦٢٢]
1. قال النووي: «ومقصود الحديث أنه ﷺ نهاهم عن إكثار السؤال؛ والابتداء بالسؤال عما لا يقع، وكره ذلك لمعانٍ منها: أنه ربما كان سببا لتحريم شيء على المسلمين، فيلحقهم به المشقة، وقد بين هذا بقوله ﷺ في الحديث ( أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين، فحرم عليهم من أجل مسألته )، ومنها أنه ربما كان في الجواب ما يكرهه السائل، ويسوؤه ولهذا أنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى:﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَسۡـَٔلُوا۟ عَنۡ أَشۡیَاۤءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ﴾ [المائدة ١٠١]، ومنها أنهم ربما أحفوه ﷺ بالمسألة، والحفوى المشقة والأذى، فيكون ذلك سببا لهلاكهم، وقد صرح بهذا في حديث أنس المذكور في الكتاب في قوله: ( سألوا نبي الله ﷺ حتى أحفوه بالمسألة ). وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ یُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا﴾ [الأحزاب ٥٧].

١٠- بابٌ


٢٠٥٦. [ق] عن سَعيد بن المُسَيِّبِ قَالَ: البَحِيرَةُ: الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ، فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَالسَّائِبَةُ: كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا. قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ»
-وقد رواه مِن حديثِ عائشةَ نحوه[خ:٤٦٢٤]- وَالوَصِيلَةُ: النَّاقَةُ البِكْرُ تُبَكِّرُ فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الإِبِلِ، ثُمَّ تُثَنِّي بَعْدُ بِأُنْثَى، وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ، إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ، وَالحَامِي:/ فَحْلُ الإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ المَعْدُودَ، فَإِذَا قَضَى ضِرَابَهُ وَدَعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ، وَأَعْفَوْهُ مِنَ الحَمْلِ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَسَمَّوْهُ الحَامِيَ. [خ:٤٦٢٣]
-[خت] وفي روايةٍ: أنَّ سعيدًا رَواه عن أَبِي هُرَيْرَةَ: سمعتُ النَّبيَّ ﷺ. نحوه.
-[خت] وفي رواية: يخبرُه بِهذا.
قلت: (القُصْب) و(الأَقْتَاب): الأمْعاءُ.

١١- بابٌ


٢٠٥٧. [ق] عَنِ ابنِ عبَّاسٍ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً غُرْلًا، ثُمَّ قرأ: ﴿كَمَا بَدَأۡنَاۤ أَوَّلَ خَلۡقࣲ نُّعِیدُهُۥ وَعۡدًا عَلَیۡنَاۤ إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِینَ﴾ إِلَى آخِرِ الآيَةِ [الأنبياء: ١٠٤]»، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلَا وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ: ﴿وَكُنتُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا مَّا دُمۡتُ فِیهِمۡ فَلَمَّا تَوَفَّیۡتَنِی كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِیبَ عَلَیۡهِمۡ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ﴾ [آية: ١١٧] فيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُذْ فَارَقْتَهُمْ». [خ:٤٦٢٥]
وفي رواية: قَرأ إلى قوله: ﴿ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ [آية: ١١٨]. [خ:٤٦٢٦]
(٦)- سورة الأنعام
✽ ✽ ✽
٢٠٥٨. عَنْ جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰۤ أَن یَبۡعَثَ عَلَیۡكُمۡ عَذَابࣰا مِّن فَوۡقِكُمۡ﴾ [آية: ٦٥] قَالَ [ﷺ]: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، ﴿أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ﴾ [آية: ٦٥]، قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، ﴿أَوۡ یَلۡبِسَكُمۡ شِیَعࣰا وَیُذِیقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍ﴾ [آية: ٦٥] قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَذَا أَهْوَنُ». [خ:٤٦٢٨]
الغريب: (﴿یَلۡبِسَكُمۡ﴾): يَخْلِط بعضُكُم ببعضٍ. و(الشِّيَع): الفِرَق المختلفة.

١- بابٌ


٢٠٥٩. عَنْ مجاهد: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَفِي ﴿صۤ﴾ سَجْدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ تَلَا: ﴿وَوَهَبۡنَا لَهُۥۤ إِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡ﴾ [آية: ٨٤-٩٠] ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنْهُمْ. [خ:٤٦٣٢]
-[خت] وفي رواية: قال ابْنُ عَبَّاسٍ: نَبِيُّكُمْ مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ.
٢٠٦٠. [ق] وعَنْ جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ: سَمِعْتُ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: «قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ؛ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوهَا». [خ:٤٦٣٣]
1. قال ابن حجر: «فيه إبطال الحيل والوسائل إلى المُحرَّم».

٢- بابٌ


٢٠٦١. [ق] عَنْ عَبدِ اللهِ-هو ابن مسعود- ورفَعه قَالَ: «لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ،/ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ». [خ:٤٦٣٤]
1. قوله ﷺ: (أحب إليه المدح من الله تعالى) قال النووي: «حقيقة هذا مصلحة للعباد، لأنهم يثنون عليه -سبحانه وتعالى- فيثيبهم فينتفعون، وهو -سبحانه- غني عن العالمين، لا ينفعه مدحهم، ولا يضره تركهم ذلك، وفيه تنبيه على فضل الثناء عليه -سبحانه وتعالى-، وتسبيحه وتهليله وتحميده وتكبيره، وسائر الأذكار».

٣- بابٌ


٢٠٦٢. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَن مَنْ عَليها، فَذَلِكَ حِينَ: ﴿لَا یَنفَعُ نَفۡسًا إِیمَـٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ﴾ [آية: ١٥٨]» ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ. [خ:٤٦٣٦]
(٧)- سورة الأعراف
٢٠٦٣. عَنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: لمَّا قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ. قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الخَطَّابِ، فَوَاللهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ، وَلَا تَحْكُمُ فِينا بِالعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوْقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ بْن قَيسٍ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَـٰهِلِینَ﴾ الآية [آية: ١٩٩]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ. وَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ. [خ:٤٦٤٢]
1. منزلة قُرَّاء القرآن، وهم العلماء العاملون بأحكامه، لا المتكسبون بتلاوته في المآتم والأفراح.
2. أنه ينبغي لولي الأمر مجالسة القراء والفقهاء ليذكروه إذا نسي، ويعينوه إذا ذكر.
3. تحبب الحاكم لأهل العلم وأهل مشورته بأن يستجيب لطلباتهم ما لم يكن فيه معصية.
4. استحباب صبر الإمام على الرعية، والحرص على مصالحها؛ فقد ظهر صبر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ في مواطن من هذا الحديث.

٢٠٦٤. وعَنْ عَبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ: ﴿خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ﴾ [آية: ١٩٩] قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ. [خ:٤٦٤٣]
• وفي رواية عَنْهُ: قَال: أَمَرَ اللهُ نبيَّه أنْ يأخذَ العَفوَ مِن أَخْلاقِ النَّاسِ، أو كما قال. [خت:٤٦٤٤]
1. قال ابن حجر: «في الحديث الحث على ترك الأخذ بالشيء العسر، والاقتناع باليُسْر».
2. قال ابن حجر: «في الحديث ترك الإلحاح فيما لا يُضطر إليه، والأخذ بالرخص ما لم يظهر الخطأ، والحث على العفو إلا في حقوق الله تعالى».

(٨)- سورة الأنْفَال
قالَ ابنُ عبَّاسٍ: الأنْفالُ: المَغَانمُ. نَافِلَةٌ: عطيَّةٌ.
٢٠٦٥. [ق] وعَنْ سَعيدِ بنِ جُبيرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الأَنْفَالِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ. [خ:٤٦٤٥]
٢٠٦٦. وعَنْهُ: ﴿إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَاۤبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلۡبُكۡمُ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡقِلُونَ﴾ [آية: ٢٢] قَالَ: هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. [خ:٤٦٤٦]

١- بابٌ


٢٠٦٧. [ق] عن أَنَسِ بنِ مالكٍ قَالَ: قَالَ أبو جَهلٍ: ﴿ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَیۡنَا حِجَارَةࣰ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ﴾ [آية:٣٢] فنزلت: ﴿وَمَا كَانَ ٱل‍‍لَّهُ لِیُعَذِّبَهُمۡ وَأَن‍‍تَ فِیهِمۡ وَمَا كَانَ ٱل‍‍لَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ یَسۡتَغۡفِرُونَ ۝٣٣وَمَا لَهُمۡ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ ٱل‍‍لَّهُ وَهُمۡ یَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوۤا۟ أَوۡلِی‍َ‍اۤءَهُۥۤ إِنۡ أَوۡلِی‍َ‍اۤؤُهُۥۤ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَـٰك‍ِ‍نَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَم‍ُ‍ونَ﴾ الآية [آية: ٣٣-٣٤]./ [خ:٤٦٤٨]

٢- بابٌ


٢٠٦٨. عَنِ ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟﴾ إِلَى آخِرِ الآيَةِ [الحجرات: ٩]، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ لَا تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَغْتَرُّ بِهَذِهِ الآيَةِ وَلَا أُقَاتِلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْتَرَّ بِالآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللهُ ﷿: ﴿وَمَن یَقۡتُلۡ مُؤۡمِنࣰا مُّتَعَمِّدࣰا﴾ إِلَى آخِرِهَا [النساء: ٩٣]، قَالَ: فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿وَقَـٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةࣱ﴾ [آية: ٣٩]؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِذْ كَانَ الإِسْلَامُ قَلِيلًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا يَقْتُلُوهُ وَإِمَّا يُوثِقُوهُ، حَتَّى كَثُرَ الإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ فِيمَا يُرِيدُ، قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا قَوْلِي فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟! أَمَّا عُثْمَانُ فَكَانَ قَدْ عَفَا الله عَنْهُ فَكَرِهْتُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَخَتَنُهُ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ- وَهَذِهِ ابْنَتُهُ -أَوْ: بَيتُه- حَيْثُ تَرَوْنَ. [خ:٤٦٥٠]
• وفي رواية: قَال رَجلٌ لابْنِ عمرَ: كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الفِتْنَةِ؟ قَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا الفِتْنَةُ؟ كَانَ مُحَمَّدٌ يُقَاتِلُ المُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى المُلْكِ. [خ:٤٦٥١]
1. في الحَديثِ: عِلمُ ابنِ عُمرَ ﵁ بتَأويلِ القرآنِ وفَضائلِ الصَّحابة، وسَلامةُ صَدْرِه لهم، وعَظيمُ فِقهِه وبَصرِه بحالِ المستفتِي.
2. وفيه: حُرمةُ دَمِ المُسلِمِ وخُطورةُ الوُقوعِ فيه بغيرِ حَقّ.

٣- بابٌ


٢٠٦٩. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِن یَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَـٰبِرُونَ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِۚ﴾ [آية: ٦٥] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ: ﴿ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰا فَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ صَابِرَةࣱ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِ﴾ [آية: ٦٦]، قَالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ اللهُ عَنْهُمْ العِدَّة نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ. [خ:٤٦٥٣]
وقال ابن شُبْرُمَة: وأرىَ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهي عَنِ المُنكرِ مِثْلَ هذا. [خ:٤٦٥٢]
(٩)- سورةُ بَرَاءةَ
٢٠٧٠. [ق] عن حُميدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى: أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ حُمَيْدٌ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بعليِّ بْن أَبي طَالبٍ، فَأَمَرَ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ، فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ يومَ النَّحر فِي أَهْلِ مِنًى بِبَراءَة، وَألَّا يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ./ [خ:٤٦٥٥]
فكان حُميدٌ يقولُ: يومُ النَّحرِ يومُ الحجِّ الأكبرِ، مِن أجلِ حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. [خ:٤٦٥٧]
1. فيه: أنَّ مَوسِمَ الحجِّ تَبرُزُ فيه المُفاصَلةُ التَّامَّةُ مع أهلِ الشِّركِ والكُفرِ، قال النووي: «فلا يُمكَّن مشركٌ من دخول الحرم بحال، حتى لو جاء في رسالة أو أمر مهم، لا يُمكَّن من الدخول، بل يَخرُج إليه مَن يقضي الأمر المتعلق به، ولو دخل خُفيةً ومرض ومات، نُبش وأُخرج من الحرم».
2. فيه مشروعية إرسال من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

١- بابٌ


٢٠٧١. عَنْ زيد بن وَهْب قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَقَـٰتِلُوۤا۟ أَىِٕمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ إِنَّهُمۡ لَاۤ أَیۡمَـٰنَ لَهُمۡ﴾ [آية: ١٢] إِلَّا ثَلَاثَةٌ، وَلَا مِنَ المُنَافِقِينَ إِلَّا أَرْبَعَةٌ. فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: إِنَّكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، تُخْبِرُونَا بِما لَا نَدْرِي، مَا بَالُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْقُرُونَ بُيُوتَنَا وَيَسْرِقُونَ أَعْلَاقَنَا؟! قَالَ: أُولَئِكَ الفُسَّاقُ، أَجَلْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، أَحَدُهُمْ شَيْخٌ، لَوْ شَرِبَ المَاءَ البَارِدَ لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ. [خ:٤٦٥٨]

٢- بابٌ: ﴿ثَانِیَ ٱثۡنَیۡنِ إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ﴾ الآية [آية: ٤٠]


٢٠٧٢. [ق] عن أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الغَارِ فَرَأَيْتُ آثَارَ المُشْرِكِينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا. قَالَ: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا». [خ:٤٦٦٣]

٣- بابٌ


٢٠٧٣. [ق] عَنْ محمَّدِ [عن] ابنِ أَبِي بَكْرةَ، عن أَبِيهِ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الحِجَّةِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَلَيْسَ البَلْدَةَ؟» قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ- عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُونَ بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ». ثُمَّ قَالَ: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟». [خ:٥٥٥٠]
1. قوله: (ورجب مضر الذي بين جمادى، وشعبان) قال النووي: «وإنما قيده هذا التقييد مبالغة في إيضاحه وإزالة اللبس عنه، قالوا: وقد كان بين بني مضر وبين ربيعة اختلاف في رجب، فكانت مضر تجعل رجبا هذا الشهر المعروف الآن، وهو الذي بين جمادى وشعبان، وكانت ربيعة تجعله رمضان، فلهذا أضافه النبي ﷺ إلى مضر، وقيل: لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم».
2. قوله: (ثم قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى، قال: فأي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم) قال النووي: «هذا السؤال والسكوت والتفسير أراد به التفخيم والتقرير والتنبيه على عظم مرتبة هذا الشهر والبلد واليوم، وقولهم: (الله ورسوله أعلم )، هذا من حسن أدبهم، وأنهم علموا أنه ﷺ لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب فعرفوا أنه ليس المراد مطلق الإخبار بما يعرفون».
3. قوله: (ليبلغ الشاهد الغائب) قال النووي: «فيه وجوب تبليغ العلم، وهو فرض كفاية، فيجب تبليغه بحيث ينتشر».
4. قوله: (فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه) قال النووي: «احتج به العلماء لجواز رواية الفضلاء وغيرهم من الشيوخ الذين لا علم لهم عندهم ولا فقه، إذا ضبط ما يحدث».
5. فيه: أنَّ العِلمَ والفَهمَ مُمتَدٌّ في الأُمَّة، وليس مُقتَصِرًا على مَن سَمِعَ النَّبيَّ ﷺ أو رَآه.

قوله: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ) يعني به والله أعلم زمان الحجِّ الَّذي هو ذو الحجَّة، فإنَّه ﵇ وافق حجُّه فيه، وهو الزَّمان الذي شرع الله فيه عمل الحجِّ على إبراهيم ﵇، ولم تزل النَّاس/ يحجُّون إلى أن غيَّرت قريشٌ زمانَهُ بالنَّسيء الَّذي كانوا قد ابتدعوه، فإنَهم كانوا يُديرُونَ الحجَّ في كلِّ سنةٍ شهرًا يحجُّون، فإذا حجُّوا في هذه السَّنة في ذي الحجَّة، حجُّوا في السَّنة الآتية في المحرَّم، وهكذا حتَّى ينتهي الدَّور إلى ذي الحجَّة، وكانت تلك السَّنة هي السَّنة الَّتي يقتضيها دَوْرُهم، فهدى الله نبيَّه ﷺ إلى الأصل الَّذي شرعه، وَحَمَاه مِن بِدَع الجاهليَّة وتحكُّماته، كما قد فعل معه هذا في جميع أحواله ﷺ. هذا أَوْلَى ما قيلَ فِيْهِ.

٤- بابٌ


٢٠٧٤. [ق] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِشَيْءٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، وَقَالَ: «أَتَأَلَّفُهُمْ». فَقَالَ رَجُلٌ: مَا عَدَلْتَ، فَقَالَ: «يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ». [خ:٤٦٦٧]
٢٠٧٥. [ق] وعَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامَلُ، فَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ المُنَافِقُونَ: إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الآخَرُ إِلَّا رِئَاءً، فَأُنْزِلَتْ: ﴿ٱلَّذِینَ یَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِینَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ فِی ٱلصَّدَقَـٰتِ﴾ الآيَةَ [آية: ٧٩]. [خ:٤٦٦٨]
٢٠٧٦. وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أيضًا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْمُرُنَا بِالصَّدَقَةِ، فَيَحْتَالُ أَحَدُنَا حَتَّى يَجِيءَ بِالمُدِّ، وَإِنَّ لِأَحَدِهِمُ اليَوْمَ مِئَةَ أَلْفٍ. كَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِنَفْسِهِ. [خ:٤٦٦٩]
الغريب: (الضِّئْضِئ): الأصْلُ، وكذلك السِّنْخُ والجِرْم، فيحتمل أن يريد النَّبيُّ ﷺ مَن ينتهي إلى ذَلك الرَّجل نسبًا ومَذهبًا. و(نُحَامِل): نَحْمِل على ظُهورنا؛ يعني الحَطب والإذْخِر ونحوه. و(﴿یَلۡمِزُونَ﴾): يَعيبون.
1. قوله: (كنا نحامل) قال النووي معناه: «نحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة أو نتصدق بها كلها، ففيه التحريض على الاعتناء بالصدقة، وأنه إذا لم يكن له مال يتوصل إلى تحصيل ما يتصدق به من حمل بالأجرة أو غيره من الأسباب المباحة».
2. وفي الحديث: أنَّ العبد يتقرَّبُ إلى الله بجُهده وطاقته، وبحسب قدرته واستطاعته.
3. وفيه: أنَّ من صفات المنافقين: العيبَ على المؤمنين ولَمْزَهم.
4. وفيه: الحثُّ على الصَّدقة بما قلَّ وما جلّ.
5. وفيه: أنَّه يَنْبغي ألَّا يَحتقِرَ الإنسانُ ما يَتصدَّقُ به.
6. وفيه: ما كان عليه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم مِن التَّواضُعِ، والحِرصِ على الخَيرِ، واستعمالِهم أنفُسَهم في المِهَنِ والخدمة.

٥- بابٌ


٢٠٧٧. [ق] عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أتُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّمَا خَيَّرَنِي/ اللهُ فَقَالَ: ﴿ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِینَ مَرَّةࣰ فَلَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ﴾ [آية: ٨٠] وَسَأَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ» قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ ﷿: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰۤ أَحَدࣲ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدࣰا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦۤ﴾ [آية: ٨٤]. [خ:٤٦٧٠]
قلت: وهَذه الرِّواية فيها وَهْمٌ، وهو أنَّ عمرَ قال لرسول الله ﷺ: أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ ثمَّ أخبر بعد انفصال القضيَّة بقوله: (فَأَنْزَلَ اللهُ ﷿: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰۤ أَحَدࣲ مِّنۡهُم﴾ [آية: ٨٤])، وقد ذكر بعد ذلك الحديث مِن رواية ابن عبَّاس عن عُمر، ولم يذكر فيه ذلك اللَّفظ، وكذلك روى مِن طريقٍ آخرَ عن ابن عُمر.
1. قال ابن بطال: «في إقدام عمر على مراجعة الرسول في الصلاة عليه من الفقه: أن الوزير الفاضل الناصح لا حرج عليه أن يخبر سلطانه بما عنده من الرأي، وإن كان مخالفاً لرأيه وكان عليه فيه بعض الجفاء، إذا علم فضل الوزير وثقته وحسن مذهبه، وأن صبر السلطان على ذلك من تمام الفضل؛ ألا ترى سكوت النبي ﷺ عن عمر ﵁، وتركه الإنكار عليه، وفي رسول الله أكبر الأسوة».
2. وفي الحَديثِ: ما كان عليه النَّبيُّ ﷺ مِن الصَّفحِ والعَفْوِ عمَّن يُظهِرُ الإسلامَ ولو كان باطنُه على خِلافِ ذلك؛ لمَصْلحةِ الاستئلافِ وعدَمِ التَّنفيرِ عنه، وذلك قبْلَ نُزولِ النَّهيِ الصَّريحِ عن الصَّلاةِ على المنافقِين وغيرِ ذلك ممَّا أُمِر فيه بمُجاهرتِهم.
3. وفيه: مَشروعيَّةُ تَكفينِ المَيتِ في القَميص.

٢٠٧٨. ولفظ حديث ابن عبَّاس: عَن عُمر بن الخطَّاب أنَّه قَالَ: لمَّا مات عبد الله بن أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ، دُعِيَ إليه رسول الله ﷺ ليُصَلِّي عليه، فلمَّا قام رَسول الله ﷺ، وَثَبْتُ إليه، فقلتُ: يا رسول الله! أَتُصَلِّي على ابن أُبَيٍّ وقد قال يومَ كَذَا كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: أَعُدُّ عليه قولَه، فتبسَّم رسول الله ﷺ، وقال: «أَخِّر عنِّي يا عمر». فلمَّا أكثرت عليه قَالَ: «إنِّي خُيِّرتُ فاخترتُ، لو أعلم إنْ زِدتُ على السَّبعين يُغفر له لزدتُ عليها». قَالَ: فصلَّى عليهِ رسولُ اللهِ ﷺ ثمَّ انصرفَ، فلم يَمْكُثْ إلَّا يسيرًا حتَّى نزلت الآيتان مِن براءة: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰۤ أَحَدࣲ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدࣰا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦۤ﴾ إلى: ﴿وَهُمۡ فَـٰسِقُونَ﴾ [آية: ٨٤]، قَالَ: فعجبتُ بعدُ مِن جُرأتي على رسولِ اللهِ ﷺ. واللهُ ورسولُهُ أعلمُ. [خ:٤٦٧١]

٦- بابٌ


٢٠٧٩. [ق] عن سَمُرةَ بن جُنْدَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ابْتَعَثَانِي، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالَا لَهُمْ: اّْذْهَبُوا وَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ، فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا، قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، قَالَا لِي:/ هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَا: أَمَّا القَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ، فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، جَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ». [خ:٤٦٧٤]

٧- بابٌ


٢٠٨٠. [ق] عن سعيد بن المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ، وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَيْ عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ». فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ»، فَنَزَلَتْ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِیِّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن یَسۡتَغۡفِرُوا۟ لِلۡمُشۡرِكِینَ﴾ الآية [آية: ١١٣]. [خ:٤٦٧٥]

٨- بابٌ


• قد تقدَّمَ حديثُ كعبِ بْنِ مالكٍ الطَّويلُ [ر:١٩٥٠].
٢٠٨١. وعَنْ ابن السَّبَّاق -واسمُه عُبيد، حِجازيٌ- أنَّ زيد بن ثابتٍ الأنْصاري -وكان مِن كُتَّاب الوحي- قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ اليَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَد اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ فِي المَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ يُجْمَعَ القُرْآنُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ نَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ جَالِسٌ عِنْدَهُ لَا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ، وَلَا نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ واّْجْمَعْهُ، فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ *أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالعُسُبِ**/ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ* آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: ﴿لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ﴾ إِلَى آخِرِهَا [آية: ١٢٨-١٢٩]، وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا القُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.
1. قال ابن هبيرة: «في الحديث اعتماد المصلحة، وأن لا يجبن المؤمن عنها؛ وإن لم يكن ورد فيها نص، فإن رأي أبي بكر ﭬ سبق الخلق إلى كتابة القرآن، ثم تبعه في ذلك عمر، ثم ثلَّثهما زيد؛ ثم لا نعلم أن أحداً من المسلمين عرف ذلك إلا واستصوبه إلى يوم القيامة».
2. قال ابن هبيرة: «في الحديث أن المؤمن قد يستدل بانشراح صدره في الأمر على كونه رضاً لله عز وجل إذا كان قد عُرِفَ منه وعَرَفَ من نفسه معاصاة الهوى، وإباء الميل إلى الدنيا».
3. في الحديث مشروعية اتخاذ الكاتب وتقريبه.
4. وفيه جواز تقييد العلم بالكتابة.
5. وفيه جواز كتابة القرآن في الألواح والأكتاف.
6. وفي الحَديثِ: أنَّ فِعلَ الخيرِ الذي وُجِد مُقتضِيه، ولم يكُنْ وُجِد على عهْدِ النَّبيِّ ﷺ ليس ببِدعة.
7. وفيه حفظ الله -تعالى- لكتابه من التغيير والتبديل، وأنه جمع في ذلك بين حفظه في الصدور والسطور.
8. جمع القرآن من أعظم فضائل أبي بكر الصديق حين سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد من الأمة.

[خ:٤٦٧٩]

١ لما نزل قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ…﴾ [المائدة: ٦]، قال (...): "لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر، ما أنتم إلا بركة لهم".

٥/٠