(٤٧) كِتَاب فَضَائِل القُرآن


١- بابٌ: كيف نزَلَ الوحي، وأوَّل ما نَزَل


٢٢٣٣. عَنْ عَائِشَةَ وابن عَبَّاسٍ قَالَا: لَبِثَ النَّبِيُّ ﷺ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وَبِالمَدِينَةِ عَشْرًا. [خ:٤٩٧٨]
٢٢٣٤. [ق] وعَنْ أُسامةَ بنِ زَيْدٍ: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأُمِّ سَلَمَةَ: «مَنْ هَذَا؟» -أَوْ كَمَا قَالَ- قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ، فَلَمَّا قَامَ، وَاللهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ ﷺ بِخَبَرِ جِبْرِيلَ. [خ:٤٩٨٠]
1. قوله: (أنّ أم سلمة رأت جبريل في صورة دحية) قال النووي: «فيه منقبة لأم سلمة رضي الله عنها، وفيه جواز رؤية البشر الملائكة، ووقوع ذلك، ويرونهم على صورة الآدميين؛ لأنهم لا يقدرون على رؤيتهم على صورهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرى جبريل على صورة دحية غالبا، ورآه مرتين على صورته الأصلية».

٢٢٣٥. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ/ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ». [خ:٤٩٨١]
قلت: يعني -والله أعلم- أنَّ معجزات الأنْبياء قبلَه لمَّا أظهرها اللهُ على أيديهم، وآمَن بها مَن شاء أن يؤمن مِن أُممهم، انقرضتْ بانقراض أعمارِ أنبيائهم، ولم يبقَ مِنها إلَّا الأخبارِ عنها، بخلاف القرآن، فإنَّه باقٍ إلى آخر الدُّنيا، مُشَاهَدًا إعجازه، قائمةً حجَّتُه، المتقدِّمون والمتأخِّرون فيه سواء، فكثُر النَّاظرون فيه والمؤمنون به، فكثُر أتباع النَّبيِّ ﷺ لأجل ذلك.
1. قال ابن حجر: «قيل المعنى: أن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح، وعصا موسى، ومعجزة القرآن، تُشاهد بالبصيرة فيكون من اتبعه لأجلها أكثر؛ لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده، والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرًا».

٢٢٣٦. [ق] وعَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ: أَنَّ اللهَ تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ الوَحْيَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَعْدُ. [خ:٤٩٨٢]
• وقد تقدَّم حديث يَعْلَى بن أميَّة في الحجِّ [ر:٩٦٨]. وفيه بيان ما كان يُصِيب رسول الله ﷺ عند الوحي.

٢- بابٌ: نزَلَ القرآنُ بلسان قُريش والعَرَب، وجَمْعُ القُرآن


٢٢٣٧. عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ ﵁ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ عِنْدَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى إِن اسْتَحَرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ، قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ ولَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَانِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ قَالَ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ/ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: ﴿لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ﴾ [التوبة: ١٢٨] حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. [خ:٤٩٨٦]
٢٢٣٨. وعَنْ أنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ العِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي القِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الكِتَابِ اخْتِلَافَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي المَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِي، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي المَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلَاث: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّه أُنْزِلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي المَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ تُحْرَقَ.
قَالَ: زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْتُ المُصْحَفَ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقْرَأُ بِهَا، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ: ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣] فأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي المُصْحَفِ. [خ:٤٩٨٧-٤٩٨٨]
1. في الحديث: اعتماد المصلحة وألّا يجبن المؤمن عنها، وفيه: أنّ الصّحابة ﭫ لم َكونوا مهملين لشيءٍ من القرآن.
2. وفيه: ما يدلّ على شرف قريشٍ وأنّهم أفصح العرب.
3. قوله: (وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرق)، قال ابن بطال: «في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار وأن ذلك إكرام لها وصون عن وطئها بالأقدام».
4. اعتماد المصلحة في استنباط الأحكام فيما لم يرد فيه نص.

الغريب: (اسْتحرَّ): اشتدَّ وكثُر. (اللِّخَاف) بالخاء المعجمة: صَفائح الحِجارة الرِّقاق. و(العُسُبُ): جمع عَسيب النَّخلة. والَّذي أَفزع حُذَيفة مَا سمع مِن اخْتلاف ألفاظ القرآن، فإنَّه كان أُبيح للعَرب أنْ يقرأ كلُّ حيٍّ بلغتهم: ﴿فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ﴾ [الجمعة:٩] ‹وامْضوا›، ونحوه. والله أعلم./

٣- بابٌ: أُنزلَ القُرآنُ على سَبعةِ أحرفٍ


٢٢٣٩. [ق] عن ابنِ عبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ». [خ:٤٩٩١]
٢٢٤٠. [ق] وعَنْ عُمرَ بنِ الخطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ»، فَقَرَأَ عَلَيْهِ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَكَذا أُنْزِلَتْ»، ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ»، فَقَرَأْتُ القِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ». [خ:٤٩٩٢]
1. قوله: (لببته بردائه) قال النووي: «معناه: أخذت بمجامع ردائه في عنقه وجررته به، وفي هذا بيان ما كانوا عليه من الاعتناء بالقرآن والذب عنه، والمحافظة على لفظه كما سمعوه من غير عدول إلى ما تجوزه العربية ».
2. قال النووي: «وأما أمر النبي ﷺ عمر بإرساله فلأنه لم يثبت عنده ما يقتضي تعزيره، ولأن عمر إنما نسبه إلى مخالفته في القراءة، والنبي ﷺ يعلم من جواز القراءة ووجوهها ما لا يعلمه عمر».
3. مشروعية التثبت في الأمور، ووقوف الحاكم بنفسه على الحقائق، وإن كان المخبِر موثوقًا به.
4. أُنزل القرآن على سبعة أحرف، والراجح في الحروف السبعة أنها: تأدية المعنى الواحد باللفظ المرادف، والقرآن نزل على هذه الوجوه للتخفيف في أول الأمر؛ لأن العرب كانوا متفرقين وكانوا مختلفين وكانوا متنابذين وكل له لغته، ويكون عند هذه القبيلة ما ليس عند القبيلة الأخرى، ولكن لما جمع بينهما الإسلام، واتصل بعضهم ببعض وذهب ما بينهم من العداوة والشحناء بسبب الإسلام وعرف كل ما عند الآخرين من اللغة، قام عثمان بن عفان ﭬ فجمع الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة؛ وأحرق ما سوى ذلك؛ حتى لا يحصل الاختلاف.

٤- بابُ تأليفِ القُرآنِ


٢٢٤١. عَنْ يُوسفَ بْنِ مَاهَكٍ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ، فَقَالَ: أَيُّ الكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ: وَيْحَكَ، وَمَا يَضُرُّكَ؟ قَالَ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أَرِنِي مُصْحَفَكِ؟ قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُوَلِّفُ القُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ، قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلَامِ نَزَلَ الحَلَالُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لَا تَشْرَبُوا/ الخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: ﴿بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوۡعِدُهُمۡ وَٱلسَّاعَةُ أَدۡهَىٰ وَأَمَرُّ﴾ [القمر: ٤٦] وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ المُصْحَفَ، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ. [خ:٤٩٩٣]
٢٢٤٢. وعَن ابنِ مَسعودٍ قال فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُنَّ مِنَ العِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي. [خ:٤٩٩٤]
1. قال ابن هبيرة: «في الحديث إشعاره بزيادة أُنْسِه بهذه السور وذلك يستدعي زيادة فهمه لكل منهن، وذلك لأن نزولهن متقدم».

٢٢٤٣. [ق] وعنه قَالَ: لَقَدْ عَلِمتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَؤُهُنَّ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ وَدَخَلَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ، فَسَأَلَه شقيقٌ فَقَالَ: عِشْرُونَ سُورَةً مِنْ المُفَصَّلِ عَلَى تَأْلِيفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، آخِرُهُنَّ مِن الحَوَامِيمُ: حم الدُّخَانِ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ. [خ:٤٩٩٦]
1. قال ابن حجر: «(لقد عرفت النظائر) أي السور المماثلة في المعاني كالموعظة أو الحكم أو القصص، لا المتماثلةَ في عدد الآي».

٥- بابُ الأمْرِ بأخْذِ القرآن عَن الأعْلم،


وعَرْضِ القرآن الشَّيخ على التِّلميذ، ومَن جَمعَ القرآن في الأنْصار
٢٢٤٤. [ق] عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -وذَكَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ- سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ، وَسَالِمٍ، وَمُعَاذٍ، وَأُبَيِّ ابْنِ كَعْبٍ». [خ:٤٩٩٩]
• [خت] وَقَالَ مَسْرُوقٌ: عَنْ عَائِشَةَ، عن فاطمةَ ﵍ أنَّها قَالتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ: «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي». (خ: ٣٦٢٤)
٢٢٤٥. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ القُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي العَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا، فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي العَامِ الَّذِي قُبِضَ. [خ:٤٩٩٨]
٢٢٤٦. [ق] وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ، لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ. [خ:٥٠٠٢]
1. قال النووي: «وفيه استحباب الرحلة في طلب العلم، والذهاب إلى الفضلاء حيث كانوا».
2. قال النووي: «في هذا الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة، وأما النهي عن تزكية النفس فإنما هو لمن زكاها ومدحها لغير حاجة، بل للفخر والإعجاب، وقد كثرت تزكية النفس من الأماثل عند الحاجة كدفع شر عنه بذلك، أو تحصيل مصلحة للناس، أو ترغيب في أخذ العلم عنه، أو نحو ذلك، فمن المصلحة قول يوسف ﷺ: ﴿اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ ومن دفع الشر قول عثمان ﭬ في وقت حصاره أنه جهز جيش العسرة، وحفر بئر رومة، ومن الترغيب قول ابن مسعود هذا، وقول سهل بن سعد: ما بقي أحد أعلم بذلك مني، وقول غيره: على الخبير سقطت، وأشباهه».
3. قوله: (لو أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت إليه)، قال ابن هبيرة: «يدلك على أن المتعين على العالم إذا أشير إليه وتفرد في علمه فبلغه أن عالماً أعلم منه في ذلك العلم كان المتعين عليه أن يرحل إليه ويستفيد منه، فيزداد بذلك علماً إلى علمه، وليعرف الناس باستحقاق العالم بالقصد له فيصرفهم إليه».
4. قال النووي: «وفيه أن الصحابة لم ينكروا قول ابن مسعود أنه أعلمهم، والمراد أعلمهم بكتاب الله كما صرح به، فلا يلزم منه أن يكون أعلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم بالسنة، ولا يلزم من ذلك أيضا أن يكون أفضل منهم عند الله تعالى، فقد يكون واحد أعلم من آخر بباب من العلم، أو بنوع، والآخر أعلم من حيث الجملة، وقد يكون واحد أعلم من آخر، وذاك أفضل عند الله بزيادة تقواه وخشيته وورعه، وزهده وطهارة قلبه، وغير ذلك. ولا شك أن الخلفاء الراشدين الأربعة كل منهم أفضل من ابن مسعود».

٢٢٤٧. [ق] وعَنْ قَتادةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ،/ وَزَيْدُ ابْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. [خ:٥٠٠٣]
• وفي رواية: قالَ أَنَسٌ: مَاتَ النَّبِيُّ ﷺ وَلَمْ يَجْمَعِ القُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، قَالَ: وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ. [خ:٥٠٠٤]
٢٢٤٨. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ لَحَنِ أُبَيٍّ، وَأُبَيٌّ يَقُولُ: أَخَذْتُهُ مِنْ فِيْ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَلَا أَتْرُكُهُ لِشَيْءٍ، قَالَ اللهُ ﷿: ﴿مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَایَةٍ أَوۡ نُنسِهَا﴾ [البقرة: ١٠٦]. [خ:٥٠٠٥]
قلت: يعني يَلْحَنُ أُبَيٌّ: لغته الفصيحة، ومنه قوله ﵇: «وَلعلَّ بعضكم ألحنُ بحُجَّتهِ فأقضي له»[خ:٦٩٦٧] أي: أفْصحَ.

٦- بابُ فَضْلِ فاتحةِ الكتابِ وسورةِ البَقَرةِ


• وقد تقدَّم قوله ﵇: «إنَّها أعظمُ سورة في القرآن» [ر:١٩٦٨].
٢٢٤٩. [ق] وعَنْ أَبِي سَعيدٍ الخُدريِّ قَالَ: كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا فَنَزَلْنَا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الحَيِّ سَلِيمٌ، وَإِنَّ نَفَرَنَا غُيَّبٌ، فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كُنَّا نَأْبُنُهُ بِرُقْيَةٍ فَبَرَأَ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ شَاةً، وَسَقَانَا لَبَنًا، فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ: أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً، أَوْ كُنْتَ تَرْقِي؟ قَالَ: لَا، مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِأُمِّ الكِتَابِ، قُلْنَا: لَا تُحْدِثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ -أَوْ نَسْأَلَ- رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ». [خ:٥٠٠٧]
1. قال ابن التين: «معناه أن ثوابها أعظم من غيرها واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض».
2. في الحديث: الرّقية بشيءٍ من كتاب الله تعالى، وأنّ سورة الفاتحة فيها شفاء؛ ولهذا من أسمائها (الشّافية).
3. وفيه: دليلٌ على أنَّ القرآن وإن كان كلّه مَرجوَّ البركة ففيه ما يختصّ بالرّقية دون جميعه.
4. وفيه: أخذ الأجرة على الرّقية.
5. وفيه: تورّع الصّحابة عن أخذ شيءٍ قبل معرفة الحكم الشّرعيّ فيه.

٢٢٥٠. [ق] وعَن ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ». [خ:٥٠٠٩]
1. قال النووي: «قيل: معناه كفتاه من قيام الليل وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات، ويحتمل من الجميع».

-[خت] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَكَّلَنِي النَّبيُّ ﷺ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَصَّ الحَدِيثَ، فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَم يَزَل مِنَ اللهِ حَافِظًا حَتَّى تُصْبِحَ، فقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَقَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ». [خت:٥٠١٠]

٧- فَضْلُ سُورة الكهْف/


٢٢٥١. [ق] عَنِ البَرَاءِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلقُرْآنِ».[خ:٥٠١١]
1. قوله: (فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو فقال النبي ﷺ تلك السكينة نزلت للقرآن) وفي الرواية الأخيرة (تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم) قال النووي: «في هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة الملائكة».
2. قال النووي: «وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة».
3. قال النووي: «وفيه فضيلة استماع القرآن».

٨- فَضْلُ سُورةِ الفَتحِ


٢٢٥٢. وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ... الحديثَ. وقد تقدَّم في عُمرة الحُدَيْبية [ر:١٨٩٢].

٩- بابُ تنزِلِ المَلائكةِ للصَّوت الطِّيب بالقُرآن


٢٢٥٣. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ البَقَرَةِ، وَفَرَسُهُ مَرْبُوطٌ عِنْدَهُ، إِذْ جَالَتِ الفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الفَرَسُ، فَسَكَتَ وَسَكَنَت، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الفَرَسُ فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْه، فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ، ولَمَّا أخَذَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّاأَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: «اقْرَأْ ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ ابْنَ حُضَيْرٍ»، قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ المَصَابِيحِ، فَرَجَعْتُ حَتَّى لَا أَرَاهَا، قَالَ: «وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «تِلْكَ المَلَائِكَةُ نَزَلَت لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ تَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا، لَا تَتَوَارَى عَنْهُمْ». [خ:٥٠١٨]

١٠- بابُ فَضْلِ ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ والمعوِّذَتين


٢٢٥٤. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١] يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ». [خ:٥٠١٣]
٢٢٥٥. وعنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَال لِأَصْحَابِهِ: «أَيَعْجِزُ/ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ بثُلُثِ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟» فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «اللهُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرْآنِ». [خ:٥٠١٥]
1. قال المازري: «قيل: معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات لله تعالى، وقل هو الله أحد متضمنة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء، قال النووي: وقيل: معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف».
2. قوله: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة)، قال ابن حجر: «فيه إلقاء العالم المسائل على أصحابه، واستعمال اللفظ في غير ما يتبادر للفهم، لأن المتبادر من إطلاق ثلث القرآن أن المراد ثلث حجمه المكتوب مثلاً، وقد ظهر أن ذلك غير مراد».
3. قال ابن عثيمين: «وسميت سورة الإخلاص لأمرين: الأمر الأول أن الله أخلصها لنفسه، فليس فيها إلا الكلام عن الله سبحانه وتعالى وصفاته، والثاني أنها تخلص قائلها من الشرك إذا قرأها معتقداً ما دلت عليه».

٢٢٥٦. وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا:﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١]، وَ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ﴾ [الفلق: ١]، وَ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ﴾ [الناس: ١]، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. [خ:٥٠١٧]
1. المسح باليد عند الرقية أقوى في النفع.
2. هذا الذكر مع تضمنه للحفظ وتحصين العبد فهو عبادة وقربى لله تعالى، وعمل صالح يختم به المسلم ليلته.

١١- بابُ فَضْلِ القُرآنِ والوَصَاةِ به، والاسْتغناءِ به عمَّا سواه


٢٢٥٧. [ق] عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ -في رواية[خ: ٥٠٥٩]: ويَعْملُ به- كَالأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ فيها، وَمَثَلُ الفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ: كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا». [خ:٥٠٢٠]
1. قوله: (مثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة) قال ابن هبيرة: «لها عرْف وأرج ولا أكل لها في نفسها، فإذا صوَّحت الريحانة ولم يبق لها عرف لم تصلح إلا للنار».
2. خص صفة الإيمان بالطعم، وصفة التلاوة بالرائحة؛ لأن الإيمان أمر باطن وقراءة القرآن ظاهر يسمعه الناس إذا قرأ في مكان يمكن سماعه فيه.

٢٢٥٨. [ق] وَعن طَلْحةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: آوْصَى النَّبِيُّ ﷺ؟ فَقَالَ: لَا. فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الوَصِيَّةُ، أُمِرُوا بِهَا وَلَمْ يُوصِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ. [خ:٥٠٢٢]
1. قال النووي: «وأما قوله: (لم يوص) فمعناه لم يوص بثلث ماله ولا غيره إذ لم يكن له مال، ولا أوصى إلى علي ﵁ ولا إلى غيره، بخلاف ما يزعمه الشيعة، وأما الأرض التي كانت له صلى الله عليه وسلم بخيبر وفدك، فقد سبلها ﷺ في حياته ونجز الصدقة بها على المسلمين».
2. وأما الأحاديث الصحيحة في وصيته ﷺ بكتاب الله ووصيته بأهل بيته، ووصيته بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وبإجازة الوفد فليست مرادة بقوله: لم يوص، إنما المراد به ما قدمناه، وهو مقصود السائل عن الوصية، فلا مناقضة بين الأحاديث، وقوله: أوصى بكتاب الله، أي بالعمل بما فيه، وقد قال الله تعالى: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ ومعناه: أن من الأشياء ما يعلم منه نصا، ومنها ما يحصل بالاستنباط.

٢٢٥٩. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَمْ يَأْذَنِ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنبِيٍّ أَنْ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ»، وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ: «يُرِيدُ أنْ يَجْهَرَ بِهِ».[خ:٥٠٢٣]
• [ق] وفي رواية: «مَا أَذِنَ الله لشَيءٍ مَا أَذِنَ لنبيٍّ أن يتغنَّى بالقُرآن». قال سفيان: تفسيره يَسْتَغني به. [خ:٥٠٢٤]
1. قال ابن كثير: «معناه أنَّ الله تعالى ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك، وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم، كما قالت عائشة ﵂: (سبحان الذي وسع سمعه الأصوات)، ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم؛ كما قال تعالى : ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾».

١٢- بابٌ: يُغْبَطُ صَاحبُ القُرآن العَامل به؛ لأنَّه خير النَّاس وأفْضلهم


٢٢٦٠. [ق] عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا حَسَدَ إِلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الكِتَابَ وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَرَجُلٌ».[خ:٥٠٢٥]
٢٢٦١. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ، فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ، فَعَمِلْتُ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ/ مَا أُوتِيَ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ». [خ:٥٠٢٦]
٢٢٦٢. وعَنْ عُثْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». [خ:٥٠٢٧]
وفي رواية أخرى: «إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». [خ:٥٠٢٨]
1. قال ابن حجر: «في الحديث الحث على تعليم القرآن، وقد سُئِلَ الثوري عن الجهاد وإقراء القرآن فرجَّح الثاني واحتج بهذا الحديث».
2. وفيه: بيان فضل حامل القرآن ومعلّمه، وأنّه خير المؤمنين؛ لأنّه أعظمهم نفعًا وإفادة.

١٣- باب الأمْر باسْتذكار القُرآن، وتَعَاهده، وذمِّ مَن فَرَّط فيه حتَّى نَسِيَهُ


٢٢٦٣. [ق] عَنِ ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ القُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإِبِلِ المُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ». [خ:٥٠٣١]
1. قال القاضي عياض: «ومعنى (صاحب القرآن) أي الذي ألفه، والمصاحبة: المؤالفة، ومنه فلان صاحب فلان، وأصحاب الجنة وأصحاب النار، وأصحاب إبل وغنم، وصاحب كنز وصاحب عبادة».
2. قال ابن حجر: «شبّه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الّذي يخشى منه الشّراد، فما زال التّعاهد موجودًا فالحفظ موجود، كما أنّ البعير ما دام مشدودًا بالعقال فهو محفوظ، وخصَّ الإبل بالذّكر لأنّها أشدّ الحيوان الإِنسيّ نفورًا، وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة.
3. وفيه تنبيه الناشئة إلى تعاهد العلم النافع والاستمرار على ذلك؛ لأن الوصية لهم أكبر، والحفظ في الصغر أسهل وأثبت.
4. وفيه أن المطالب العالية لا تنال إلا بالتعب والنصب، ومن ذلك حفظ القرآن وهو من أجل النعم وأعلى المطالب، فإنه لا يثبت إلا بتعاهده بالمراجعة.

٢٢٦٤. [ق] وعَنْ عَبدِ اللهِ -هو ابنُ مَسعودٍ-: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ نُسِّيَ، وَاسْتَذْكِرُوا القُرْآنَ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَقَضِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ»
. [خ:٥٠٣٢]
٢٢٦٥. [ق] وعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «تَعَاهَدُوا القُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَقَضِّيًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا». [خ:٥٠٣٣]

١٤- بابٌ: لا يُذَمُّ على نسيان شيءٍ مِن القرآن مِن غير تفريط،


قال الله تعالى: ﴿سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰۤ ۝٦ إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُ﴾ [الأعلى: ٦-٧]
٢٢٦٦. [ق] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي المسْجِدِ في سُورَةٍ بِاللَّيْلِ، قَالَ: «رحـمـه الله، لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَة كَذا وَكَذا كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا». [خ:٥٠٣٧]
• [ق] وفي لفظ آخرَ[خ:٥٠٣٨]: «لقد أذكرني كذا وكَذا آيةً مِن سُورة كَذا».
1. في الحديث: جواز النّسيان على النَّبيِّ ﷺ فيما ليس طريقه البلاغ.
2. وفيه: الدّعاء لمن أحرز الإنسان من جهته خيرًا، وإن لم يقصده ذلك الإنسان.
3. وفيه: الدّعاء للمسلم بظهر الغيب.
4. وفيه: رفع الصّوت بالقراءة في اللّيل، وفي المسجد، ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحدًا، ولا تعرّض للرّياء والإعجاب.

١٥- بابُ القِرَاءةِ على الرَّاحلةِ، والتَّرجيعِ، وتعلُّم الصِّغار القُرآن


٢٢٦٧. [ق] عَن عَبدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يومَ فَتْح مكَّة وَهُوَ يَقْرَأُ عَلى رَاحِلَتِه سُورَةَ الفَتْحِ قِرَاءَةً لَيِّنَةً وَهُوَ يُرَجِّعُ. [خ:٥٠٤٧]
٢٢٦٨. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَمَعْتُ المُحْكَمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قُلْتُ لَهُ: وَمَا المُحْكَمُ؟ قَالَ: المُفَصَّلُ. [خ:٥٠٣٦]

١٦- بابُ مَدِّ القِرَاءة وَتَحْسين الصَّوت بها/


٢٢٦٩. عَنْ قَتادةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قَالَ: كَانَ يَمُدُّ مَدًّا. ثم قَرأ: ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ﴾، يمدُّ بسم الله، ويمدُّ بالرَّحمن، ويمدُّ بالرَّحيم. [خ:٥٠٤٥-٥٠٤٦]
٢٢٧٠. [ق] وعَنْ أَبِي مُوسَى أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا مُوسَى، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ». [خ:٥٠٤٨]
1. قوله ﷺ في أبي موسى الأشعري: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) قال النووي: «قال العلماء: المراد بالمزمار هنا الصوت الحسن، وأصل الزمر الغناء، وآل داود هو داود نفسه، وآل فلان قد يطلق على نفسه، وكان داود صلى الله عليه وسلم حسن الصوت جدًا».

١٧- بابٌ: في كمْ يُقرأ القرآن، وقوله: ﴿فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُ﴾ [المزمل: ٢٠]


٢٢٧١. [ق] عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ، فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا، فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يَغْشَ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيه ذَلِكَ، ذَكَرَ ذَلك لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «القَنِي بِهِ»، فَلَقِيتُهُ بِهِ، قَالَ: «كَيْفَ تَصُومُ؟» قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: «كَيْفَ تَخْتِمُ؟» قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ. قَالَ: «صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَاقْرَأ القُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ»، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الجُمُعَةِ»، فقُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا»، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ، صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً»، فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَذَلكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ، فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السُّبْعَ مِنَ القُرْآنِ بِالنَّهَارِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ، لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى، وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كَرَاهِةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِيَّ ﷺ عَلَيْهِ. [خ:٥٠٥٢]
• [خت] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي ثَلَاثٍ أو فِي خَمْسٍ أوَ فِي سَبْعٍ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ.
• [ق] وفي رِواية: قال رَسولُ الله ﷺ: «اقْرأه في سبعٍ ولا تَزِدْ».[خ:٥٠٥٤]
1. وفيه: الاقتصاد في بعض العبادات؛ ليتبقّى بعض القوّة لغيرها.
2. وفيه: بيان رفق رسول الله ﷺ بأمّته، وشفقته عليهم، وإرشاده إيّاهم إلى ما يصلحهم، وحثّه إيّاهم على ما يطيقون الدّوام عليه، ونهيهم عن التّعمّق في العبادة؛ لما يخشى مِن إفضائه إلى الملل أو ترك البعض.
3. وفيه: تقديم الواجب من حقّ الأهل على التطوّع بالصّيام والقيام.
4. وفيه: الإخبار عن الأعمال الصّالحة، والأوراد، ومحاسن الأعمال عند أمن الرّياء.
5. وفيه: تفقّد الوالد أحوال ولده وزوجته في بيته.
6. وفيه: استخدام الكنايات في الكلام عمّا يستقبح ذكره.

١٨- بابٌ: اقرؤوا القُرآنَ مَا ائتلَفَت عليه قلوبُكم


٢٢٧٢. [ق] عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اقْرَؤوا/ القُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فيه فَقُومُوا عَنْهُ». [خ:٥٠٦٠]
1. قال النووي: «والأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن محمول عند العلماء على اختلاف لا يجوز، أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز كاختلاف في نفس القرآن، أو في معنى منه لا يسوغ فيه الاجتهاد، أو اختلاف يوقع في شك أو شبهة، أو فتنة وخصومة، أو شجار ونحو ذلك، وأما الاختلاف في استنباط فروع الدين منه ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة وإظهار الحق، واختلافهم في ذلك فليس منهيا عنه، بل هو مأمور به وفضيلة ظاهرة، وقد أجمع المسلمون على هذا من عهد الصحابة إلى الآن».

٢٢٧٣. وعَنِ النزَّال بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ آيَةً سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ خِلَافَهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ، فَاقْرَآ» -أَكْبَرُ عِلْمِي قَالَ-: «فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَأهْلَكَهُم اللهُ». [خ:٥٠٦٢]

١ (لبث النبي ﷺ بمكة (…) ينزل عليه القرآن):

٥/٠