(٤٧) كِتَاب النِّكاح


١- بابُ التَّرغيبِ في النِّكاحِ والأمْرِ بهِ لمِنِ اسْتطاعَ


٢٢٧٤. [ق] عَنْ أَنسِ بنِ مَالِك قال: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: فأَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَصُومُ النَّهَارَ وَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: وَأنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». [خ:٥٠٦٣]
1. قوله: (يسألون عن عبادة النبي ﷺ)، قال ابن حجر: «فيه تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم، وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء».
2. قال ابن حجر: «في الحديث أن من عزم على عمل بر واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعاً».
3. قوله: (لكني أصوم وأُفطر، وأُصلي وأرقد وأتزوج النساء)، قال الطبري: «فيه الرد على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس وآثر غليظ الثياب وخشن المأكل».
4. قال ابن حجر: «الأخذ بالتشديد في العبادة يُفضي إلى الملل القاطع لأصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً، وترك التنفل يُفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط في العبادة وخير الأمور الوسط».
5. قوله: (إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)، قال ابن حجر: «فيه إشارة إلى أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدراً من مجرد العبادة البدنية».
6. قوله: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) قال النووي: «معناه: من تركها إعراضا عنها غير معتقد لها ما هي عليه».

٢٢٧٥. [ق] وَعَنْ عَلْقَمَةَ قال: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَخَلَوَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا، تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَّا هَذَا أَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ. فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». [خ:٥٠٦٥]
1. قال النووي: «فيه: استحباب عرض الصاحب هذا على صاحبه الذي ليست له زوجة بهذه الصفة، وهو صالح لزواجها... وفيه: استحباب نكاح الشابة؛ لأنها المحصلة لمقاصد النكاح، فإنها ألذ استمتاعا، وأطيب نكهة، وأرغب في الاستمتاع الذي هو مقصود النكاح، وأحسن عشرة، وأفكه محادثة، وأجمل منظرا، وألين ملمسا، وأقرب إلى أن يعودها زوجها الأخلاق التي يرتضيها».
2. قال النووي: «معناه: تتذكر بها بعض ما مضى من نشاطك وقوة شبابك؛ فإن ذلك ينعش البدن».
3. قال ابن حجر: «خص الشباب بالخطاب؛ لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ، وإن كان المعنى معتبرًا إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضًا».

٢٢٧٦. [ق] وعَنْ عَبدِ اللهِ قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ،/ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». [خ:٥٠٦٦]
الغريب: (الباءَة): كِنايةٌ عَنِ النِّكاح، وأصله المَنزل المتَّخذ للكون فيه، ومِنه قوله: ﴿تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِیمَـٰنَ﴾[الحشر:٩]، ويُقال: بَاءَة ومَبَاءة، ممدودًا مهموزًا. و(الوِجَاء): رَضُّ الأُنْثَيين، والخَصْي نَزْعهما.

٢- باب ما خُصَّ به النَّبِيُّ ﷺ مِن كَثرة النِّساء،


لعَدْلِه فيهنَّ وقوَّته عَليهنَّ، وما أُبيح لغيره مِن ذلك لعَجْزه عَنْ ذَلك
٢٢٧٧. [ق] عَنْ عطاءٍ قال: حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَنَازَةَ مَيْمُونَةَ بِسَرِفَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوهَا وَلَا تُزَلْزِلُوهَا وَارْفُقُوا؛ فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ تِسْعٌ، كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ. [خ:٥٠٦٧]
1. قوله: (وارفقوا)، قال ابن حجر: «يستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته».
2. وفيه: بَيانُ ما لِأُمَّهاتِ المؤمنينَ رضِيَ اللهُ تعالَى عنهنَّ مِنَ الاحترامِ، والتَّعظيمِ أكثرَ مِن غيْرِهنَّ.

٢٢٧٨. [ق] وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ. [خ:٥٠٦٨]
٢٢٧٩. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قال: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَتَزَوَّجْ، فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً. [خ:٥٠٦٩]
1. قال ابن هبيرة: «إنما فُضِّل أكثر هذه الأمة نساءً؛ لأن النكاح يشتمل على مصالح كثيرة: فأولها طلب الولد الذي يجوز أن يكون ولياً لله عزوجل، يحفظ به عباده ويعمر به بلاده. وقد جاء في الحديث: (من غرس شجرة فإنه لا يأكل منها طائر أو يستظل بظلها شخص إلا كَتب لغارسها حسنات) فكيف بمن يغرس عبداً مؤمناً يصلح به الدنيا كلَّها ويهدى إلى الآخرة».
2. قال ابن هبيرة: «ومن فوائد النكاح عشرة النساء، وذلك يتضمن تعليم الرجل لهن، فإن النساء عوراتٌ، وفي تعرضهن لطلب العلم من غير أزواجهن خطر من جهة خوف الفتنة، فإن كان المؤمن عالماً وكثر نساؤه كان مغنياً لنسائه ولمن يعلمهن نساؤه من الناس».

٢٢٨٠. [ق] وعن عُروة: أنَّه سَألَ عَائِشَةَ عن قَوله تعالى: ﴿وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُوا۟ فِی ٱلۡیَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ فَوَ ٰ⁠حِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۚ ذَ ٰ⁠لِكَ أَدۡنَىٰۤ أَلَّا تَعُولُوا۟﴾ [النساء:٣] قالَتْ: يا ابْن أختي، هِيَ اليَتِيمَةُ تَكونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا، يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا، فَنُهُوا عَنْ أنْ ينكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، فَيُكْمِلُوا الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ. [خ:٥٠٦٤]
• [ق] وفي رواية: قالت: وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبًَا عَنْهَا فِي قِلَّةِ المَالِ وَالجَمَالِ تَرَكُوهَا وَأَخَذُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ. قَالَتْ: فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا، إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا، وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا الأَوْفَى فِي الصَّدَاقِ.[خ:٥٠٩٢]
• [خت] قال ابن عبَّاس: مَا زاد على أربعٍ فهو حَرام كأمِّهِ وأُخْتِهِ وابْنتِهِ.

٣- بابُ ما يُكره مِن التَّبتُّل/ والخَصْي، والأَمْرِ باستعفافِ غيرِ الوَاجدِ


٢٢٨١. [ق] عن سَعدِ بن أَبِي وَقَّاصٍ قال: رَدَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا. [خ:٥٠٧٣]
1. قال النووي: «قال العلماء: التبتل هو الانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعا إلى عبادة الله، وأصل التبتل: القطع، ومنه مريم البتول، وفاطمة البتول؛ لانقطاعهما عن نساء زمانهما دينا وفضلا ورغبة في الآخرة، ومنه: صدقة بتلة، أي: منقطعة عن تصرف مالكها. قال الطبري: التبتل: هو ترك لذات الدنيا وشهواتها، والانقطاع إلى الله تعالى بالتفرغ لعبادته».

٢٢٨٢. [ق] وعَنْ عبدِ اللهِ قال: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ، فَقُلْنَا: أَلَا نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ المَرْأَةَ بِالثَّوْبِ مدَّة، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُحَرِّمُوا۟ طَیِّبَـٰتِ مَاۤ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ﴾ الآية [المائدة:٨٧]. [خ:٥٠٧٥]
٢٢٨٣. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وإنِّي أَخَافُ عَلَى نَفْسِي العَنَتَ، وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ. فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ، فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ». [خ:٥٠٧٦]
تنبيه: الخَصْيُ المذكور في هذه الأحاديث لا يُراد به إخْراج خِصيتي الرَّجل؛ لأنَّ ذلك محرَّم؛ لأنَّه غررٌ بالنَّفس وقَطْع للنَّسل، وإنَّما المقصود أنْ يفعل الرَّجل مَا يزيل عن نفسه شَهوة النِّساء مِن المعالجة حَتَّى يصير كَالمُختَصِي، والله أعلم.

٤- بابُ التَّرغيبِ في نِكَاحِ الأَبْكارِ


وقد قال النَّبيُّ ﷺ لجابرٍ: «هَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» وسيأتي [ر:٢٢٨٦].
[ق] وقد قال عثمان لعبدِ الله: «أَلَا نُزَوِّجُكَ بِكْرًا؟». [خ:٥٠٦٥]
٢٢٨٤. وعَنْ عَائِشَةَ أنَّها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا، وَوَجَدْتَ شَجَرةً لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ؟ قَالَ: «فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا». تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا. [خ:٥٠٧٧]
1. في الحَديثِ: فضْلُ الأبكارِ على غيرِهنَّ.
2. وفيه: فخْرُ النِّساءِ على ضَرائرِهنَّ عندَ الأزواجِ.

٢٢٨٥. [ق] وعنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ اللهِ يُمْضِهِ». [خ:٥٠٧٨]
1. قال السبكي: «استدل البخاري على جواز النظر إلى المخطوبة، بقول النبي ﷺ لعائشة: (رأيتك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير، فقال لي : هذه امرأتك ، فكشفت عن وجهك الثوب؛ فإذا أنت هي ) .
قال الوالد في -شرح المنهاج-: وهذا استدلال حسن؛ لأن فعل النبي في النوم واليقظة سواء، وقد كشف عن وجهها»
.

٥- بابٌ: الثَّيِّبُ أَيْسرُ مُؤنةً وأكْثرُ مَعونةً/


٢٢٨٦. [ق] عن جَابرِ بن عبدِ الله قال: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ غَزْوَةٍ، فَتَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي، فَنَخَسَ بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإِبِلِ، فَإِذَا النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: «مَا يُعْجِلُكَ؟» قُلْتُ: كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ، قَالَ: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟» قُلْتُ: ثَيِّبٌ. قَالَ: «فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُكَ وتُلَاعِبُهَا؟» قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا -أَيْ عِشَاءً- لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ». [خ:٥٠٧٩]
• وقد تقدَّم في البيوع في حَديث جابرٍ أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال له: «أفَلا جاريةً تُلَاعِبُها وتُلَاعِبُك؟» قال: إنَّ لي أخواتٍ، فأحببتُ أن أتزوَّج امْرأةً تجمعهنَّ، وتمشطهنَّ، وتقوم عليهنَّ. الحديثَ. [ر:١١٠٦]
• [ق] وفي رواية: فقال: «بَارك اللهُ لَك»، أو قال: «خَيرًا». [خ:٥٣٦٧]
1. قال النووي: «فيه فضيلة تزوج الأبكار».
2. قال النووي: «وفيه ملاعبة الرجل امرأته وملاطفته لها ومضاحكتها وحسن العشرة».
3. قال النووي: «وفيه سؤال الإمام والكبير أصحابه عن أمورهم وتفقد أحوالهم وإرشادهم إلى مصالحهم وتنبيههم على وجه المصلحة فيها».
4. قال النووي: «وفي هذا الحديث استعمال مكارم الأخلاق والشفقة على المسلمين والاحتراز من تتبع العورات واجتلاب ما يقتضي دوام الصحبة، وليس في هذا الحديث معارضة للأحاديث الصحيحة في النهي عن الطروق ليلا لأن ذلك فيمن جاء بغتة، وأما هنا فقد تقدم خبر مجيئهم وعلم الناس وصولهم وأنهم سيدخلون عشاء، فتستعد لذلك المغيبة والشعثة وتصلح حالهما وتتأهب للقاء زوجها، والله أعلم».
5. قال ابن حجر: «يقع الذي يهجم بعد طول الغيبة غالبا ما يكره، إما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظف والتزين المطلوب من المرأة، فيكون ذلك سبب النفرة بينهما، وقد أشار إلى ذلك بقوله ﷺ في الحديث: (كي تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة)».

٦- بابُ فَضْلِ مَنْ أَعتقَ أَمَتَهُ وتزوَّجَها، ومَن جعلَ عِتقها صَدَاقَها


٢٢٨٧. [ق] عن أبي بُرْدَة بن أبي مُوسى الأشْعري، عَنْ أَبِيهِ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ، فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ -يَعني: به- فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ وَحَقَّ رَبِّهِ فَلَهُ أَجْرَانِ». قَالَ الشَّعْبِيُّ: خُذْهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَها إِلَى المَدِينَة. [خ:٥٠٨٣]
• [خت] وفي رواية: «أَعْتَقَهَا ثُمَّ أَصْدَقَهَا».
٢٢٨٨. [ق] وعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. [خ:٥٠٨٦]

٧- بابُ تَزْويجِ المُعْسِرِ، وعَقْدِ النِّكاحِ على مَنافِعَ عندَ تعذُّرِ العَينِ


٢٢٨٩. [ق] عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قال: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي. قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ/ فَصَعَّدَ النَّظَرَ وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ لها رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَت أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: «فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟» فقَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاللهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي فَلَهَا نِصْفُهُ. قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ» فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟» قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا. عَدَّدَهَا، فَقَالَ: «تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». [خ:٥٠٨٧]
1. قوله: (فنظر إليها رسول الله ﷺ فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ) قال النووي: «فيه دليل لجواز النظر لمن أراد أن يتزوج امرأة وتأمله إياها».
2. قال النووي: «وفيه أنه يستحب لمن طلبت منه حاجة لا يمكنه قضاؤها أن يسكت سكوتا يفهم السائل منه ذلك ولا يخجله بالمنع إلا إذا لم يحصل الفهم إلا بصريح المنع فيصرح».
3. قوله: (ولكن هذا إزاري فقال رسول الله ﷺ: ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء)، قال النووي: «فيه دليل على نظر كبير القوم في مصالحهم، وهدايته إياهم إلى ما فيه الرفق بهم».
4. قال ابن المنير: «في الحديث جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح رغبة في صلاحه فيجوز لها ذلك».
5. قال ابن حجر: «في الحديث جواز سكوت العالم ومن سُئِلَ حاجة إذا لم يُرِد الإسعاف، وأن ذلك ألين في صرف السائل».
6. وفي الحديث: انعقاد النِّكاح بغير لفظ النِّكاح والتَّزويج.
7. وفيه: إنكاح المعسر، وأنَّ الكفاءة إنَّما هي في الدِّين لا في المال، وأنَّه لا حدَّ لأقلِّ المهر.
8. وفيه: أنَّ الإمام يزوِّجُ مَن ليس لها وليٌّ خاصٌّ لمن يراه كفؤًا لها، بشرط رضاها.
9. وفيه: إكرامُ حامل القرآن، حيث زوَّج النَّبيُّ ﷺ المرأة للرَّجل؛ لأجل كونه حافظًا للقرآن أو لبعضه. ليعلِّم المرأة ما حفظه من القرآن، ويكون تعليمه ما حفظه من القرآن مهرًا لها.
10. وفيه: المبالغة في تيسير أمر النِّكاح.

٨- بابُ مَقاصِدِ الرِّجالِ في النِّساءِ، والكَفَاءةِ المُعْتَبرةِ في الدِّينِ


٢٢٩٠. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». [خ:٥٠٩٠]
1. قوله: (وجمالها)، قال ابن حجر: «يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا أن تعارض الجميلة غير الديِّنة والغير جميلة الدينة، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصّداق».
2. قال النووي: «معنى هذا الحديث أن النبي ﷺ أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين».
3. قال النووي: «وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم».

٢٢٩١. وعن أبي حَازم، عَنْ سَهْلٍ قال: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِنْ مِثْلِ هَذَا». [خ:٥٠٩١]

٩- بابُ ما يُتقَّى مِن فِتْنَةِ المَرأةِ وشُؤمِها،


وقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ مِنۡ أَزۡوَ ٰ⁠جِكُمۡ وَأَوۡلَـٰدِكُمۡ عَدُوࣰّا لَّكُمۡ﴾ [التغابن:١٤]
٢٢٩٢. [ق] عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»/. [خ:٥٠٩٦]
٢٢٩٣. [ق] وَعنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قال: «إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الفَرَسِ وَالمَرْأَةِ وَالمَسْكَنِ». [خ:٥٠٩٥]
1. قال النووي: «اعترض بعض الملاحدة بحديث (لا طيرة) على هذا الحديث، فأجاب ابن قتيبة وغيره بأن هذا مخصوص من حديث (لا طيرة إلا في هذه الثلاثة)»، قال القاضي: «قال بعض العلماء: الجامع لهذه الفصول السابقة في الأحاديث ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لم يقع الضرر به ولا اطردت عادة خاصة ولا عامة، فهذا لا يلتفت إليه، وأنكر الشرع الالتفات إليه، وهو الطيرة.
والثاني: ما يقع عنده الضرر عموما لا يخصه، ونادرا لا متكررا كالوباء، فلا يقدم عليه، ولا يخرج منه.
والثالث: ما يخص ولا يعم كالدار والفرس والمرأة، فهذا يباح الفرار منه»
.

٢٢٩٤. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ». [خ:٥٠٩٤]
• [ق] وفي رِواية: «الشُّؤم في المَرأة والدَّار والفَرَس». [خ:٥٠٩٣]

١٠- بابُ ما يَحْرُمُ بالرَّضاعِ،


وقولِهِ تعالىَ: ﴿وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِیۤ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَ ٰ⁠تُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ﴾ [النساء:٢٣]
٢٢٩٥. [ق] عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أُرَاهُ فُلَانًا» لِعَمٍّ لحَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا -لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ- دَخَلَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ؛ الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الوِلَادَةُ». [خ:٥٠٩٩]
٢٢٩٦. [ق] وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَلَا تَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ». [خ:٥١٠٠]
٢٢٩٧. [ق] وعن عُروة بن الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ. فَقَالَ: «أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكِ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ ذَلِكِ لَا يَحِلُّ لِي». قُلْتُ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟ قَالَ: «بِنْتَ أبي سَلَمَةَ؟!» قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «لَوْ أَنَّهَا لَو لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ». قَالَ عُرْوَةُ: وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ ﷺ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ خَيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ فقَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ. [خ:٥١٠١]
الغَريب: تُروى هذه الكَلمة: (خَيْبَة) -بالخاء المُعجمة- أي: خابَ مِن كلِّ خيرٍ، ووصلَ إلى كلِّ شرٍّ، ووجدته في الأصْل الصَّحيح: (حِيْبَة) بكسر الحاء/ المهملة، وفُسِّر فيه بأنَّه سوء الحال، قال: وهو المعروف مِن كلام العرب، ووجدته في «المشارق»: «بشرِّ حمية» بالحاء والميم، وقال: كذا للمُستملي والحَمَويي، ومعناه: سوء الحال، ولا أظنُّ هذا إلَّا تصحيفُ: «حَيبة»، وقال أيضًا: ويُقال فيه: الحَوْبَة. وقوله: (سُقيتُ في هَذِه): قيل: هي إشارة إلى نُقْرَةِ إبهامه، كأنَّه يقلِّل مَا ناله مِن الماء، والله أعلم.
1. قوله: (غير أني سُقيت في هذه بعتاقتي ثويبة) قال البيهقي: «ما ورد من بطلان الخير للكفار فمعناه أنهم لا يكون لهم التخلص من النار ولا دخول الجنة، ويجوز أن يُخفف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات».

١١- بابُ لَبَنِ الفَحْلِ، ولا رَضاعَ يُحرِّمُ بعدَ الحَوْلينِ، وشَهادةِ المُرضِعةِ


٢٢٩٨. [ق] عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي القُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا -وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ- بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الحِجَابُ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ. [خ:٥١٠٣]
٢٢٩٩. [ق] وعَنها أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ، فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي. فَقَالَ: «اّْنْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ مِن الرَّضَاعِة، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجَاعَةِ». [خ:٥١٠٢]
٢٣٠٠. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ قال: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَد أَرْضَعْتُكُمَا. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ لِي: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. وَهِيَ كَاذِبَةٌ. فَأَعْرَضَ عَنه رسولُ اللهِ ﷺ، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، قُلْتُ: إِنَّهَا كَاذِبَةٌ، قَالَ: «كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا، دَعْهَا عَنْكَ». [خ:٥١٠٤]

١٢- بابُ ما يَحِلُّ مِنَ النِّساءِ ومَا يَحْرُم،


قال الله تعالى: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ﴾ إلى قوله: ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ﴾ [النساء:٢٣-٢٤]، وقال: ﴿وَلَا تَنكِحُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكَـٰتِ حَتَّىٰ یُؤۡمِنَّ﴾ [البقرة:٢٢١]
٢٣٠١. قال ابن عبَّاس: حُرِّمَ مِن النَّسب سبعٌ، ومِن الصِّهْر سبعٌ، ثمَّ قرأ: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ﴾ [النساء:٢٣] [خ:٥١٠٥].
• [خت] وجمع عبدُ الله بن جَعفر بين بنتِ عليٍّ وامرأة عليٍّ، وقال ابن سِيرينَ: لا بأس به، وكَرهه الحَسنُ مرَّة ثمَّ قال: لا بأس به، وكرهه جابرُ بنُ زيدٍ للقَطيعة، وليس فيه تحريم؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ﴾ [النساء:٢٤].
• [خت] وقال/ ابن عبَّاس: إذا زَنى بأخْت امرأته، لم تَحْرُم عليه امرأتُه. وقيل عنه: إنَّها تَحْرُم، والأوَّل المشهور عنه.
• [خت] ويُروى عن عِمران بن حُصين، وجابرِ بنِ زيد، والحسنِ، وأَبي هُريرةَ، وبعضِ أهل العلم : تَحْرُم عليه. وجوَّزه ابنُ المُسيِّب وعُروةُ والزُّهْرِيُّ.
• [خت] وقالَ ابنُ عبَّاسٍ: الدُّخولُ والمَسيسُ واللِّمَاسُ هُوَ الجِماعُ.

١٣- بابٌ: لا تُنكحُ المرأةُ على عمَّتِها وَلا على خالَتِها


٢٣٠٢. عَنِ الشَّعبي، عن جابرٍ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ تُنْكَحَ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا. [خ:٥١٠٨]
٢٣٠٣. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قال: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ المَرْأَةِ وَخَالَتِهَا». [خ:٥١٠٩]
٢٣٠٤. [ق] وفي طريق آخر: قال: نَهى النَّبيُّ ﷺ أن تنكح المرأة على عمَّتها وخالتها. قال الزُّهري: فَنرَى خالة أبيها بتلك المنزلة؛ لأنَّ عروة حَدَّثني عن عَائِشَةَ قالت: حَرِّموا مِن الرَّضاعة ما يحرُمُ مِن النَّسب. [خ:٥١١٠-٥١١١]

١٤- بابُ النَّهي عَنِ الشِّغَارِ ونِكَاحِ المُتعةِ


٢٣٠٥. [ق] عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. [خ:٥١١٢]
٢٣٠٦. [ق] وَعن عليِّ بن أبي طَالبٍ أنَّه قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ المُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ. [خ:٥١١٥]
٢٣٠٧. وعَنْ أَبِي جَمْرَةَ قال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُسأل عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَرَخَّصَ، فَقَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الحَالِ الشَّدِيدِ، وَفِي النِّسَاءِ قِلَّةٌ؟ أَوْ نَحْوَهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ. [خ:٥١١٦]
٢٣٠٨. [ق] وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَا: كُنَّا فِي جَيْشٍ فَأَتَانَا [رَسُولُ] رَسولِ اللهِ ﷺ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا». [خ:٥١١٧]
• [خت] وَعَنْ سَلَمةَ بْنِ الأَكْوَع، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «أَيُّمَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَوَافَقَا، فَعِشْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ لَيَالٍ، فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَتَزَايَدَا أَوْ يَتَتَارَكَا تَتَارَكَا» فَمَا أَدْرِي أَشَيْءٌ كَانَ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟[خت:٥١١٩]
• قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقد بَيَّنَهُ عَلِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. [خ:٤٢١٦] /

١٥- بابُ عَرْضِ المرأةِ نفسَها، والرَّجلِ وَلِيَّتَهُ علىَ الرَّجلِ الصَّالحِ


٢٣٠٩. عن عُروةَ، عن عَائِشَةَ قالت: كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ مِنَ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا تَسْتَحِي المَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِلرَّجُلِ؟! فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿تُرۡجِی مَن تَشَاۤءُ مِنۡهُنَّ﴾ [الأحزاب:٥١] قلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ. [خ:٥١١٣]
٢٣١٠. وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ أنَّ عُمر بنَ الخطَّاب حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ مِنْ خُنَيْسِ ابْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ ﷺ، فَتُوُفِّيَ بِالمَدِينَةِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي. فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي، فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قُلْتُ: إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ. فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، فَكُنْتُ أَوْجَدَ عَلَيْهِ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا؟ قَالَ عُمَرُ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ، إِلَّا أَنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ قَبِلْتُهَا. [خ:٥١٢٢]
1. في الحديث: فضل كتمان السر، فإذا أظهره صاحبه ارتفع الحرج.
2. وفيه: أن الرجل إذا توفي زوج وليته يسعى لها في النكاح ولا يهملها.
3. وفيه: أن للولي أن يختار لوليته الأكفأ.
4. وفيه: الاعتذار وإيضاح الأمور عند مظنة التقصير؛ لاستدامة الود، ودفع وساوس الشيطان.
5. وفيه: أن الأب يزوج ابنته الثيب من غير أن يستأمرها؛ لعلمه أنها لا تكره ذلك، وكان الخاطب كفؤا لها، ورضيت به.

١٦- بابٌ: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَاۤءِ﴾ الآية [البقرة:٢٣٥]،


والنَّظرُ إلى المَخْطوبة
٢٣١١. قال ابن عبَّاس: يقول: إنِّي أريد التَّزويج، ولوددت أنِّي يَتَيَسَّرَ لي امرأةٌ صَالحةٌ. [خ:٥١٢٤]
• [خت] وقال القاسم: يقول: إنَّكِ عليَّ كريمة، وإنِّي فيك لرَاغب، وإنَّ الله لسَائق إليك خَيرًا، أو نحو هذا.
• [خت] وقال عطاء: يُعَرِّض ولا يَبوح، يقول: إنَّ لي حاجة، وأبْشري، وأنتِ بحمد الله نَافقة. وتقول: قد أسمع ما تقول، ولا تَعِدُ شيئًا، ولا يُواعدُ وليَّها بغير عِلْمها،/ وإنْ واعدتْ رجلًا في عِدَّتها ثمَّ نكَحها بعدُ لم يفرَّق بينهما.
• [خت] وقال الحسن: ﴿لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ [البقرة:٢٣٥]: الزِّنا.
• [خت] ويُذْكر عَنِ ابنِ عبَّاس: ﴿حَتَّىٰ یَبۡلُغَ ٱلۡكِتَـٰبُ أَجَلَهُۥ﴾ [البقرة:٢٣٥]: تنقضي العدَّة.
• وقد تقدَّم أنَّ النَّبيَّ ﷺ صَعَّدَ النَّظر وصَوَّبَهُ في الوَاهبة نفسَها[ر:٢٢٨٩].

١٧- بابٌ: لا نِكاحَ إلَّا بِوليٍّ،


لقولِهِ تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ﴾ [البقرة:٢٣٢]،
فَدخَلَ فيه الثَّيِّبُ والبِكرُ، وقالَ: ﴿وَأَنكِحُوا۟ ٱلۡأَیَـٰمَىٰ مِنكُمۡ﴾ [النور:٣٢]
٢٣١٢. عَنِ الحَسَنِ قال: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، نَزَلَتْ فِيهِ ﴿فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ﴾ [البقرة:٢٣٢] قَالَ: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وقرَّبتُك وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا؟ لَا وَاللهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا. وَكَانَتِ المَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ ﷿ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ﴾ [البقرة:٢٣٢]، فقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ. [خ:٥١٣٠]
٢٣١٣. وعَنْ عُروة بن الزُّبير أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ اليَوْمَ: يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوِ ابْنَتَهُ، فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا، وَنِكَاحٌ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، فيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ، وَنِكَاحٌ آخَرُ: يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ العَشَرَةِ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى المَرْأَةِ، كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ لَيَالي بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ، حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ، فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ. تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ، فَيلْحقُ بِهِ وَلَدُهَا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْه الرَّجُلُ، وَنِكَاحُ الرَّابِعُِ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ/ عَلَى المَرْأَةِ، لَا تَمْنَعُ مَنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ البَغَايَا، كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا، وَدَعَوْا لَهُمُ القَافَةَ، ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ، لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ ﷺ بِالحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ اليَوْمَ. [خ:٥١٢٧]

١٨- بابٌ: إذا كان الوليُّ هو الخَاطب،


ولا يخطُبُ أحدكم على خِطْبَة أخيه، إذا كانا كُفؤين وتقاربا
• [خت] وَخَطَبَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا، فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ.
• [خت] وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قَارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: قَدْ تزَوَّجْتُكِ.
• [خت] وَقَالَ عَطَاءٌ: لِيُشْهِدْ أَنِّي نَكَحْتُكِ، أَوْ لِتأْمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهَا.
• [خت] وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَهَبُ لَكَ نَفْسِي. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا.(خ:٥٠٨٧)
٢٣١٤. [ق] وعن نافع أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: نَهَى رَسولُ اللهِ ﷺ أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الخَاطِبُ. [خ:٥١٤٢]
٢٣١٥. [ق] وَعَن أَبِي هُرَيْرةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا،وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ». [خ:٥١٤٣-٥١٤٤]
1. قوله ﷺ (ولا تحسسوا ولا تجسسوا) قال النووي: «قال بعض العلماء التحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم وبالجيم البحث عن العورات وقيل بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر والجاسوس صاحب سر الشر والناموس صاحب سر الخير وقيل بالجيم أن تطلبه لغيرك وبالحاء أن تطلبه لنفسك قاله ثعلب».

١٩- بابٌ: يُنْكِحُ الأبُ أبْكارَ بناتِهِ بغيرِ إِذْنٍ، ولا تُنكَحُ اليتيمةُ والثَّيِّبُ إلَّا بإِذنِهِما


٢٣١٦. [ق] عن عُروة، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا. [خ:٥١٣٣]
٢٣١٧. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: «لَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ/ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ». [خ:٥١٣٦]
٢٣١٨. وَعَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَرَدَّ نِكَاحَهُ. [خ:٥١٣٨]
٢٣١٩. [ق] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أيُسْتَأْمَرْنَ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَإِنَّ البِكْرَ تُسْتَأْذن فَتَسْتَحْيِي فَتَسْكُتُ؟ قَالَ: «سُكَاتُهَا إِذْنُهَا». [خ:٦٩٤٦]

٢٠- بابُ الدُّفِّ في النِّكاحِ والوَليمة والأمرُ بها


٢٣٢٠. عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ قالت: جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ:
وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ
فَقَالَ: «دَعِي هَذا، وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ». [خ:٥١٤٧]
1. في الحديث: إعلان النكاح بالدف والغناء المباح؛ ليكون ذلك فرقا بينه وبين السفاح الذى يستسر به.
2. وفيه: إقبال العالم والإمام إلى العرس، وإن كان فيه لعب ولهو، ما لم يخرج اللهو عن المباحات.

٢٣٢١. [ق] وعن أنسٍ قال: لَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ نَزَلَ المُهَاجِرُونَ عَلَى الأَنْصَارِ، فَنَزَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ: أُقَاسِمُكَ مَالِي، وَأَنْزِلُ لَكَ عَنْ إِحْدَى امْرَأَتَيَّ. قَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ. فَخَرَجَ إِلَى السُّوقِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى، فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ فَتَزَوَّجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». [خ:٥١٦٧]
٢٣٢٢. [ق] وعَنْ أَنَسٍ قال: مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أَوْلَمَ بِشَاةٍ. [خ:٥١٦٨]
٢٣٢٣. [ق] وعنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ. [خ:٥١٦٩]
٢٣٢٤. وعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: أَوْلَمَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. [خ:٥١٧٢]

١ أوصى النبي ﷺ من لم يستطع الزواج أن يكثر من:

٥/٠