(٧) كِتَابُ التَّيَمُّمِ


١- بابٌ في قولِهِ تعالى: ﴿فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا﴾ الآية [النساء:٤٣]، وفيمَن لم يَجِد ماءً ولا ترابًا/


١٨٣. [ق] عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ -أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ- انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى التِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ وَالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ. [خ:٣٣٤]
١٨٤. [ق] وعنها أنَّها اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا فَوَجَدَهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ: جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللهُ تعَالى ذَلِكِ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا. [خ:٣٣٦]
1. قولها: (حتى إذا كان بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله ﷺ على التماسه) قال النووي: «فيه الاعتناء بحفظ حقوق المسلمين وأموالهم وإن قلّت، ولهذا أقام النبي ﷺ على التماسه».
1. قولها: (فعاتبني أبو بكر ﵁، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي) قال النووي: «فيه تأديب الرجل ولده بالقول والفعل والضرب ونحوه، وفيه تأديب الرجل ابنته وإن كانت كبيرة متزوجة خارجة عن بيته».

٢- بابُ مَا خُصَّتْ به هَذه الأمَّةُ مِن التَّيمُّم، وصِفتِهِ


١٨٥. [ق] عَنْ جابرِ بنِ عبدِ الله ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»./ [خ:٣٣٥]
1. قال ابن حجر: «ويمكن أن يُوجَد أكثر من ذلك لمَن أمعن التتبُّع، وقد ذكر النيسابوريُّ في كتاب شرف المصطفى أن عددَ الذي اختُصَّ به نبيُّنا ﷺ على الأنبياء ستُّون خَصلةً».

١٨٦. [ق] وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى ﵁ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ المَاءَ. فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقال النبيُّ ﷺ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا». فَضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. [خ:٣٣٨]
• [ق] وفي رواية: وضَربَ بيديه الأرضَ ثمَّ أدناهما مِنْ فِيه. [خ:٣٣٩]
• [ق] وفي أخْرى: قالَ له عمَّارٌ: كُنَّا في سَرِيَّةٍ فأجْنَبْنا، وقال: تَفَلَ فيهما. [خ:٣٤٠]
1. قال ابن عثيمين: «في الحديث أن وقوع الإشكال في هذه الآية على بعض الصحابة، ولا سيما على عمر ، وهو من هو؟! يدل على أن الإنسان مهما بلغ من العلم والمنزلة فإنه عُرْضة للخطأ».

٣- بابُ التَّيمُّمِ في الحَضرِ إِذا لم يجدِ الماءَ، وخافَ خروجَ الوقتِ


وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ.
• [خت] وَقَالَ الحَسَنُ فِي المَرِيضِ عِنْدَهُ المَاءُ، وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ: يَتَيَمَّمُ.
١٨٧. [ق] وعَنْ أَبي الجُهَيْمِ ﵁ -واسْمُهُ عَبدُ الله بن الحَارثِ بْن الصِّمَّةِ الأنْصاري- قال: أَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجْهَهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَليهِ السَّـلام. [خ:٣٣٧]

٤- باب الصَّعيد الطَّيِّب وَضُوء المسلمِ، وإنْ لم يجدِ الماءَ عشرَ سنينَ


• [خت] وَقَالَ الحَسَنُ: يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ.
• [خت] وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ.
• [خت] وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيَمُّمِ بِهَا.
١٨٨. [ق] وعَنْ عِمْرانَ بْن حُصَيْن ﵁ قال: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقَعْنَا وَقْعَةً، لَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ المُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ -يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِي عَوْفٌ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ الرَّابِعُ- وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا نَامَ لَمْ نُوقِظْه حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذي يَسْتَيْقِظُ، لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلًا/ جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ، فقَالَ: «لَا ضَيْرَ -أَوْ لَا يَضِيرُ- ارْتَحِلُوا». فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ، وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ النَّاسِ، قَالَ: «مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ؟» قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ. قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ». ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ ﷺ، فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ العَطَشِ، فَنَزَلَ فَدَعَا فُلَانًا -كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ، نَسِيَهُ عَوْفٌ- وَدَعَا عَلِيًّا ﵁، فَقَالَ: «اذْهَبَا فَابْتَغِيَا المَاءَ». فَانْطَلَقَا فَلَقِيا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ -أَوْ: سَطِيحَتَيْنِ- مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالَا لَهَا: أَيْنَ المَاءُ؟ قَالَتْ: عَهْدِي بِالمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُنَا خُلُوفٌ. قَالَا لَهَا: انْطَلِقِي إِذًا. قَالَتْ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَا: إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ. قَالَتْ: الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الصَّابِئُ؟ قَالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، فَانْطَلِقِي. فَجَاءَا بِهَا إِلَى رَسولِ اللهِ ﷺ، وَحَدَّثَاهُ الحَدِيثَ. قَالَ: فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا، وَدَعَا ﷺ بِإِنَاءٍ، فأفرغ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ المَزَادَتَيْنِ -أَوْ: السَّطِيحَتَيْنِ- وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا وَأَطْلَقَ العَزَالِيَ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ: اسْقُوا وَاسْتَقُوا. فَسَقَى مَنْ سَقَى، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرُ ذَلكَ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ. قَالَ: «اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ». وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلْأَةً مِنْهَا حِينَ ابتَدَأهَا، فَقال النبيُّ ﷺ: «اجْمَعُوا لَهَا طَعَامًا». فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسُوَيِّقَةٍ حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا. قَالَ لَهَا: «تَعْلَمِينَ، مَا رَزِيْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنِ اللهُ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا». فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ. قَالُوا: مَا حَبَسَكِ يَا فُلَانَةُ؟ قَالَتْ: العَجَبُ، لَقِيَنِي رَجُلَانِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ -وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ، تَعْنِي/ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ- أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ حَقًّا، فَكَانَ المُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ المُشْرِكِينَ، وَلَا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا: مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ القَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلَامِ؟ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلَامِ. [خ:٣٤٤]
الغَريب: (السُّرَى): سَير اللَّيل، وفِعْلُه سَرى وأسْرى لغتان قُرئ بهما. و(الجَليد) مِنَ الرِّجَال: الجَلَدُ، وهو الشَّهم الجَريء على الأمور. و(لَا ضَيْرَ): أي: لا ضَرر. و(الصَّعيدُ): وجه الأرض، قاله الخليل^([العين١/٢٩٠]). و(المَزَادَة): القِرْبَة الكَبيرة بزيادة جِلد فيها مِن غيرها، وبِذلك سُمِّيت مَزَادَة. و(السَّطيحةُ): نوع مِن القِرَب مُسَطَّحة. و(النَّفَر) هُنا: النِّساء. و(خُلوفُ): لا رِجال معهم. يُقال: حيٌّ خُلوف: إذا خَرجَ رجالهم في غَارة أو نحوها. و(الصَّابِئ): هو الخَارج مِن دينٍ إلى غيره، مِن صَبَأ النَّجم والسِّنُّ: إذا طَلعا، فأصله الهمز. وقد يُسهَّل، وقُرئ بهما، وقد يكون المسهَّل مِن صَبا يَصْبُو: إذا مال. و(أَوْكَأَ): رُبط بالوِكَاء، وهو الخيط الَّذي يُشدُّ به فم السِّقاء. و(العَزَالي): جَمع عزلاء -ممدودًا مهموزًا- وَهي مخرجُ الماء مِن المَزَادة. وقال الهَرَوِيُّ^([الغريبين٤/١٢٧١]): هو فُوها الأسْفل. و(رَزِيْنَاك): نقصناك، وصَوابه بالهمز كما رواه الأَصِيليُّ. و(سَقى) و(أسْقى): لغتان، وقدْ فرَّق بينهما.
1. قوله: (لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ) أي من الوحي كانوا يخافون من إيقاظه قطع الوحي، فلا يوقظونه؛ لاحتمال ذلك، قال ابن بطال: يؤخذ منه التمسك بالأمر الأعم احتياطا.
2. قال ابن حجر: «قوله: (وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا) هو من الجلادة بمعنى الصلابة، وفي استعماله التكبير سلوك طريق الأدب والجمع بين المصلحتين وخص التكبير لأنه أصل الدعاء إلى الصلاة».
3. قال ابن رجب: «فِي الحديث: دليل على أن الفوائت يؤذّن لها وتصلى».
4. قوله: (مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ؟) قال ابن حجر: «يؤخذ من هذه القصة أن للعالِم إذا رأى فعلًا محتملًا أن يسأل فاعله عن الحال فيه ليوضح له وجه الصواب».
5. قال ابن حجر: «وفيه التحريض على الصلاة في الجماعة، وأنّ تَرْكَ الشخص الصلاة بحضرة المصلين معيب على فاعله بغير عذر».

٥- بابٌ: إذا خافَ الجُنبُ على نفسه المَرضَ أو الموتَ أو العَطشَ تيمَّمَ


• [خت] وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ العَاصِي أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلَا: ﴿وَلَا تَقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِیمࣰا ۝٢٩﴾ [النساء:٢٩] فذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يُعَنِّفْ.
١٨٩. [ق] وَعَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي؟ فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ: ﴿فَلَمۡ تَجِدُوا۟ مَاۤءࣰ فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا﴾ [النساء:٤٣] فقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ المَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ، قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى:/ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا»، وَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْل عَمَّارٍ؟. [خ:٣٤٧]
• وفي رواية: فقال أبو موسى: دَعْنَا مِن قول عمَّار، كيف تَصنع بهذه الآية؟[خ:٣٤٦]
• وقد تقدَّم مِن قولِ النَّبيِّ ﷺ للجُنُب: «عَليكَ بِالصَّعيدِ، فإنَّه يَكْفيكَ». [ر:١٨٨]
الغريب: (التَّيمم): لغةً هو القَصْدُ مُطلقًا، وفي الشَّرع: القَصد إلى الصَّعيد لعبادةٍ مخصوصةٍ. و(الصَّعيد): وجه الأرْض مُطلقًا. و(الطَّيِّب): الطَّاهر، وقيل: هو تُراب الجُرُزِ المنبت. وقول أبي موسى أظهر في الحجَّة؛ لأنَّ ابْن مسعود قابلَ النَّصَّ بالمصلحة. والله أعلم.

(٨) كِتَابُ الصَّلَاةِ


١- بابٌ: كيفَ فُرِضتِ الصَّلاةُ في الإسراءِ


١٩٠. [ق] عَنْ أنسِ بنِ مالكٍ ﵁ قالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ ﵁ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ». وذكرَ حديثَ الإسْراء إلى أنْ قال: «فَفَرَضَ اللهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ. فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا. فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ. فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَاجَعْتُهُ: هُنَّ خَمْسٌ، وَهُنَّ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ». وسيأتي إنْ شاء الله./ [خ:٣٤٩]

٢- بابُ وُجوبِ الصَّلاةِ في الثِّيابِ، وقولِهِ تعالى: ﴿خُذُوا۟ زِینَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدࣲ﴾ [الأعراف:٣١] وأمَرَ النَّبِيِّ ﷺ: ألَّا يَطوفَ بالبيت عُرْيَان


١٩١. [ق] وعَنْ عُمَرَ بنِ أَبي سَلَمةَ ﵁ قَالَ: رَأيتُ النَّبيَّ ﷺ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ. [خ:٣٥٦]
١٩٢. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ؟ فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ، وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «مَا السُّرَى يَا جَابِرُ؟» فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: «مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ؟» قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ. قَالَ: «فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ». [خ:٣٦١]
1. فيه جواز صلاة التطوع جماعة.
2. وفيه جواز الاقتداء بالمُنفرد في الصلاة بعد أن شَرع فيها، ولو لم ينو الإمامة من أولها.

١٩٣. [ق] وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ قَالَ: كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ، وقال لِلنِّسَاءِ: «لَا تَرْفَعْنَ رُؤوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا». [خ:٣٦٢]
• [خت] قال الزُّهريُّ في حَديثه: المُلْتَحِف: المُتَوَشِّح، وهو المخالف بين طرفيه على عاتقيه، وهو الاشْتمال على مَنْكِبَيْه.

٣- بابُ الصَّلاةِ في الثَّوبِ الواحدِ السَّاترِ، وَالأمْرِ بِجَعْلِ شَيءٍ مِنه على عَاتِقِهِ


١٩٤. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ فَقَالَ: «أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ؟» ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ، فَقَالَ: إِذَا وَسَّعَ اللهُ فَأَوْسِعُوا، جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ، فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ. قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ. [خ:٣٦٥]
1. في الحديث دليل على أن الصلاة في الثوبين أفضل وإن كانت تجوز في الثوب الواحد.
2. بيان التيسير في هيئة الثوب في الصلاة، وأنها تكون على قدر استطاعة المرء من غير إخلال بما يستر العورة.
3. الإشارة إلى الحث على أخذ الزينة في الصلاة، ولبس أحسن الثياب وعدم الاكتفاء بالثوب الواحد.

١٩٥. [ق] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «لَا يُصَلِّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ». [خ:٣٥٩]
١٩٦. في لفظ آخرَ: قَالَ رَسولُ الله ﷺ: «مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ». [خ:٣٦٠]
قوله: (جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ) خبرٌ بمعنى الأمر؛ أي: ليجمعْ، وكذلك قوله: (صَلَّى رَجُلٌ فِي كَذَا) أي: لِيُصَلِّ./

٤- بابُ ما يُسْتَرُ مِن العَوْرَةِ


١٩٧. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. [خ:٣٦٧]
• [خت] قال البخاري: وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَرْهَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «الفَخِذُ عَوْرَةٌ».
• [خت] وَقَالَ أَنَسٌ: حَسَرَ رَسولُ اللهِ ﷺ عَنْ فَخِذِهِ. (خ:٣٧١)
• وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِن خِلَافِهِم.
• [خت] وَقَالَ أَبُو مُوسَى: غَطَّى النَّبِيُّ ﷺ رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ. (خ:٣٦٩٥)
• [خت] وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي. (خ:٢٨٣٢)
• [ق] وعَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ... نَبِيُّ اللهِ ﷺ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللهِ ﷺ، ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللهِ ﷺ. وذكرَ الحديثَ. [خ:٣٧١] وسيأتي بكماله إنْ شاء الله تعالى. [ر:١٣٨٢، ١٨٩٩]

٥- بابٌ: تسترُ المرأةُ الحرَّةُ جميعَ جَسَدِها


١٩٨. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي الفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ المُؤْمِنَاتِ، مُتَلَفِّعَاتٍ فِي مُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ. [خ:٣٧٢]
الغريب: (التَّلَفُّع): تَغطية الرَّأس والجسد، وعند الأَصِيلي: (مُتَلَفِّفَاتٍ) بفاءين، ومعناهما واحد. و(المُروط): جمع مِرْطٍ وهو الكِساء.
1. فيه عظم وأهمية صلاة الفجر عند سلف هذه الأمة، وأن من حضرها فهو علامة إيمان، ومن تخلّف عنها فهو علامة نفاق.
2. في الحديث: مشروعية خروج النساء للصلاة في المساجد بالليل في غير مفسدة، أما إذا وجدت المفسدة أو خشي منها فيمنعن.

٦- بابُ الصَّلاةِ في الثَّوبِ ذِي الأَعلامِ والتَّصاويرِ والأَحْمَرِ


١٩٩. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً،/ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذه إِلَى أَبِي جَهْمٍ، وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي». [خ:٣٧٣]
• [خت] وفي أخرى: «كنتُ أنظرُ إلى أعلامها وأنا في الصَّلاة فأخاف أن تَفتِنَنِي».
1. في الحديث: التباعد عن الأسباب الملهية عن الصلاة.
2. قال النووي: «فيه الحث على حضور القلب في الصلاة، ومنع النظر من الامتداد إلى ما يشغل، وإزالة ما يخاف اشتغال القلب به، وفيه: أن الصلاة تصح، وإن حصل فيها فكر في شاغل ونحوه مما ليس متعلقا بالصلاة».

٢٠٠. وعَنْ أنسٍ ﵁ قال: كَانَ لِعَائِشَةَ قِرَامٌ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقال النَّبيُّ ﷺ: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا؛ فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي». [خ:٣٧٤]
٢٠١. [ق] وعَنْ أَبي جُحَيْفَةَ -وهُو وَهْب بن عبد الله ﵁- قال: رَأَيْتُ النَّبيَّ ﷺ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَلكَ الوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْهُ تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا صَلَّى إِلَى العَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيِ العَنَزَةِ. [خ:٣٧٦]
الغَريب: قد ذكرنا الخَمِيصَة، و(الأنْبجانيُّ): كِساءٌ لا عَلَم فيه غَليظٌ، ويُروى بفتح الهمزة والباء وكسرهما، وقال ابن قُتيبة: إنَّما هو مَنْبِجَانيٌّ منسوبٌ إلى مَنْبِج، وفُتحتْ باؤه لأنَّه خرَج مخرَج مَحْبِرانِي. و(أَلْهَتْنِي): شَغلتني. و(آنفًا): السَّاعة. و(تَفْتِنَنِي): تَصْرِفني عَنِ الصَّلاة وتذهلني عنها. و(أَمِيْطي): أَزيلي ونحِّي. و(القِرَامُ): السِّتر. و(الحُلَّة) عندهم: ثوبان ليسا بملفَّقين، وسُمِّيا بذلك لأنَّهما يَتحلَّى بهما لابسهما؛ أي: يتجمَّل، والله أعلم.

٧- بابُ الصَّلاةِ على الحَصيرِ والخُمْرةِ،


وفي الخِفَافِ والنِّعالِ وعَلى ثَوبِهِ مِن شدَّةِ الحرِّ
٢٠٢. [ق] عَنْ إسْحَاقَ بْن أبي طَلحة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ ﷺ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا فَلَأُصَلِّي لَكُمْ». قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اّْسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَصَفَفْتُ أَنَا وَاليَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ. [خ:٣٨٠]
1. فيه جواز ذكر اسم المرأة أُمّـاً كانت أو زوجة أو بنتاً أو أختاً، ولا حرج في ذلك ولا عيب.
2. قال العراقي: «وفي الحديث دليل على ما كان للنبي ﷺ من التواضع، وإجابة دعوة الداعي ويستدل به على إجابة أولي الفضل لمن دعاهم لغير الوليمة».
3. قوله: (فَلأُصَلِّ لَكُمْ) قال العراقي: «فيه جواز الصلاة للتعليم، أو لحصول البركة بالاجتماع فيها، أو بإقامتها في المكان المخصوص. وهو الذي قد يشعر به قوله (لَكُمْ)».
4. قال العراقي: «وفيه دليل على صحة صلاة الصبي والاعتداد بها».
5. فيه جواز الاجتماع في النوافل التي لم يشرع لها اجتماع، إذا لم يتخذ ذلك عادة مستمرة.

٢٠٣. [ق] وَعَنْ مَيْمُونَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي عَلَى الخُمْرَةِ. [خ:٣٨١]
• [خت] وعَنْ/ أنسٍ ﵁ قال: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَيَسْجُدُ أَحَدُنَا عَلَى ثَوْبِهِ. (خ:٣٨٥)
• [ق] في رواية: مِن شِدَّة الحَرِّ في مَكان السُّجود. [خ:٣٨٥]
٢٠٤. [ق] وعنهُ، وسُئل: أَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. [خ:٣٨٦]
٢٠٥. [ق] وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: وَضَّأْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى. [خ:٣٨٨]
تنبيه: الضَّمير في (جَدَّته) هُو عائد إلى إسْحاق بن أبي طَلحة، وهي أمِّ أبيه أبي طَلحة، ومالكٌ هو القائل: أنَّ جدَّته، قاله أبو عُمر. وقال غيره: بل الضَّمير عائدٌ إلى أنس، وهي جدَّته أمُّ أمِّه. و(مُلَيْكَةُ) بضمِّ الميم، هو المعروف، وذكر ابن عتَّاب عَنِ الأَصِيلي: أنَّه (مَلِيكة) بفتح الميم وكسر اللَّام. وقوله: (فَأُصَلِّي) هي عند الكُشْمِيْهَنِي بغير لام، ساكنة الياء، وهَي واضحة صحيحة، ورواها غيره: (فلِأصلِّي لكمْ) بكسر اللَّام وفتح الياء، على أنَّها لام (كَي) على زيادة الفاء، وقد رُويتْ بفتح اللَّام وسكون الياء، إمَّا على إقحام اللَّام كقوله: ﴿إِن كَادَ لَیُضِلُّنَا﴾ [الفرقان:٤٢]، وكقول الشَّاعر:
أمُّ حُلَيْسٍ لَعَجُوزٌ سَلْهَبَةْ

٨- بابُ مَن صلَّى في ثوبِ حريرٍ أو نَجِسٍ ناسيًا أو مُضطرًا لم تجبْ عليه إِعادةٌ


٢٠٦. [ق] عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ ﵁ قَالَ: أُهْدِيَ للنَّبيِّ ﷺ فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ اّْنْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالكَارِهِ لَهُ، وَقَالَ: «لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ». [خ:٣٧٥]
• وقد تقدَّم أنَّ النَّبيَّ ﷺ طُرِحَ عليه سَلَا الجَزور وهو يصلِّي، فلم يقطع ولا أَعاد. [ر:١٣٧]
و(الفَرُّوجُ) بالجيم هنا: نوع مِن الأَقْبِية، والله أعلم.

٩- بابُ وجوبِ استِقبالِ القِبلةِ،


وقولِهِ: ﴿وَٱتَّخِذُوا۟ مِن مَّقَامِ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمَ مُصَلࣰّىۖ﴾ [البقرة:١٢٥] وأوَّلِ مَسْجِدٍ وُضعَ أوَّلُ
٢٠٧. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ المُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تُخْفِرُوا اللهَ فِي ذِمَّتِهِ»./ [خ:٣٩١]
1. في الحديث: أن أمور الناس محمولة على الظاهر دون الباطن، فمن أظهر شعائر الدين أجريت عليه أحكام أهله، ما لم يظهر منه خلاف ذلك.
2. قوله: (صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا) قال العيني: «قبلتنا مع كونه داخلًا فيها لأنه من شرائطها وذلك للتنبيه على تعظيم شأن القبلة وعظم فضل استقبالها وهو غير مقتصر على حالة الصلاة، بل أعم من ذلك على ما لا يخفى».

٢٠٨. وفي طَريق آخر: «مَنْ شهدَ أنْ لا إِله إِلَّا الله، واستَقبَلَ قِبْلَتَنَا، وصلَّى صلاتَنَا، وأكلَ ذَبِيْحَتَنا فهو المُسْلِمُ، له ما للمُسْلِمِ، وعليه ما عَلى المُسْلِمِ». [خ:٣٩٣]
٢٠٩. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ». [خ:٣٩٢]
1. قال البغوي: «في الحديث دليل على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضا، إنما تجري على الظاهر من أحوالهم دون باطنها، وأن من أظهر شعار الدين، أجري عليه حكمه، ولم يكشف عن باطن أمره».

٢١٠. [ق] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَنَزَلَتْ: ﴿وَٱتَّخِذُوا۟ مِن مَّقَامِ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمَ مُصَلࣰّىۖ﴾ [البقرة:١٢٥]، وَآيَةُ الحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: ﴿عَسَىٰ رَبُّهُۥۤ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن یُبۡدِلَهُۥۤ أَزۡوَ ٰ⁠جًا خَیۡرࣰا مِّنكُنَّ﴾ [التحريم:٥]، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. [خ:٤٠٢]
1. قال ابن حجر: «وليس في تخصيصه العدد بالثلاث، ما ينفي الزيادة عليها، لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه، من مشهورها قصة أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، وهما في الصحيح».

٢١١. [ق] وعَنْ أبي ذرٍّ ﵁ قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلًا؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الأَقْصَى». قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ». [خ:٣٣٦٦]
1. قوله: (أدركتك الصلاة) قال ابن حجر: «أي: وقت الصلاة، وفيه إشارة إلى المحافظة على الصلاة في أول وقتها، ويتضمن ذلك الندب إلى معرفة الأوقات».
2. قال ابن حجر: «وفيه: إشارة إلى أن المكان الأفضل للعبادة إذا لم يحصل لا يترك المأمور به لفواته، بل يفعل المأمور في المفضول، لأنه ﷺ كأنه فهم عن أبي ذر من تخصيصه السؤال عن أول مسجد وضع أنه يريد تخصيص صلاته فيه، فنبه على أن إيقاع الصلاة إذا حضرت لا يتوقف على المكان الأفضل».
3. قال ابن حجر: «وفيه فضيلة الأمة المحمدية لما ذكر أن الأمم قبلهم كانوا لا يصلون إلا في مكان مخصوص».
4. قال ابن حجر: «وفيه: الزيادة على السؤال في الجواب لا سيما إذا كان للسائل في ذلك مزيد فائدة».

١٠- بابُ نَسْخِ استقبالِ بيتِ المَقْدِسِ، والأمرِ باسْتقبالِ الكعبةِ، ومَن تركَهُ ناسيًا فلا إِعادةَ عليهِ


٢١٢. [ق] عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵁: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِی ٱلسَّمَاۤءِۖ﴾ [البقرة:١٤٤]، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ، وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ -وَهُمُ اليَهُودُ-: ﴿مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِی كَانُوا۟ عَلَیۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ﴾ [البقرة:١٤٢]، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَمَا صَلَّى، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي صَلَاةِ العَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ. فَتَحَرَّفَ القَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الكَعْبَةِ. [خ:٣٩٩]
1. في الحديث: شرف النبي ﷺ وكرامته على ربه؛ حيث يعطيه ما يحبه من غير سؤال.
2. وفيه ما كان عند الصحابة ﵃ من سرعة تلبية واستجابة أوامر الله عز وجل ورسوله ﷺ .
3. قال الحافظ ابن حجر: «والتحقيق أن أول صلاة صلاها في بني سلمة لما مات بشر بن البراء بن معرور الظهر، وأول صلاة صلاها بالمسجد النبوي العصر، وأما الصبح فهو من حديث ابن عمر بأهل قباء، قال ابن الملقِّن: سُمِّي المسجد الذي لبني سلِمة مسجد القبلتين».

٢١٣. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ/ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ. [خ:٤٠٣]
٢١٤. [ق] وعَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ﵁ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقَالُوا: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. [خ:٤٠٤]

١١- بابُ مَا جاءَ في الصَّلاةِ في جوفِ الكَعبةِ


٢١٥. [ق] عَنْ مُجاهِدٍ قَالَ: أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ ﷺ دَخَلَ الكَعْبَةَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ ﷺ قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلَالًا قَائِمًا بَيْنَ البَابَيْنِ، فَسَأَلْتُ بِلَالًا فَقُلْتُ: صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ فِي الكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ. [خ:٣٩٧]
1. قال ابن حجر: «فيه: سؤال المفضول مع وجود الأفضل، والاكتفاء به».
2. قال ابن حجر: «وفيه فضيلة ابن عمر لشدة حرصه على تتبُّع آثار النبي ﷺ ليعمل بها».
3. قال ابن حجر: «وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي ﷺ في بعض المشاهد الفاضلة، ويحضره من هو دونه، فيطَّلع على ما لم يطلع عليه؛ لأن أبا بكر وعمر وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومَن ذُكِر معه، لم يشاركوهم في ذلك».

٢١٦. [ق] وعَنِ ابن عبَّاس ﵄ قال: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ البَيْتَ، دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قُبُلِ الكَعْبَةِ، وَقَالَ: «هَذِهِ القِبْلَةُ». [خ:٣٩٨]

١٢- بابُ النَّهيِ عَنِ البُصَاقِ في المسجدِ، وحكِّ ما يُوجدُ مِن ذَلك فيه، واحترامِ جِهةِ القِبلةِ منه، وأينَ يبزقُ منه إذا غلَبَه البُزاقُ، والنَّهي عَنْ إتيانِ المَساجدِ لمَن أَكَلَ ثُومًا أو بَصَلًا


٢١٧. [ق] عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: قال النَّبيُّ ﷺ: «البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُها». [خ:٤١٥]
٢١٨. [ق] وَعَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى نُخَامَةً فِي القِبْلَةِ، فَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ وَقَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ -أَوْ: إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ- فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِه». ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ: «أَوْ يَفْعَلُ كَذَا»./ [خ:٤٠٥]
• [ق] وفي رواية: «فَلا يَبْصُقْ قِبَل وجهه؛ فإنَّ الله قِبَل وَجهِه إذا صلَّى». [خ:٤٠٦]
• [ق] وفي أخرى: «فَلا يَتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وجهه، وَلا عَنْ يمينه، وليبصقْ عَنْ يساره أو تحتَ قدمِه». [خ:٤١٠]
• وفي أخرى: «عَنْ يَسَارِهِ تحتَ قدمِهِ فيدفِنُها». [خ:٤١٦]
٢١٩. [ق] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا». [خ:٨٥٣]
٢٢٠. [ق] ومِن حديثِ أَنَسٍ ﵁: قالَ النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبْنا ولَا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا». [خ:٨٥٦]
1. في الحديث: زجر عن أذى الناس بكل حال، وأمر بتحسين الأدب في حضور مواطن الصلاة من تعاهد الإنسان نفسه بترك ما يؤذي ريحه.

٢٢١. [ق] وعَنْ جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ ﵄ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا -أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا- وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ». وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ البُقُولِ فَقَالَ: «قَرِّبُوهَا». إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا. قَالَ: «كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي». [خ:٨٥٥]
• [خت] وقال ابن وَهْبٍ: أُتِيَ بِبَدْرٍ، قال: يَعْنِي طَبَقًا. (خ:٧٣٥٩)
٢٢٢. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا؟ فَوَاللهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا خُشُوعُكُمْ، والله إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي». [خ:٧٤١]
1. قال النووي: «قال العلماء: معناه أن الله تعالى خلق له ﷺ إدراكاً في قفاه يبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له ﷺ بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به»، وأيده الشيخ ابن عثيمين فقال: «أنه يراهم من وراء ظهره، وهذا من خصائص النبي ﷺ: أنه في هذه الحالة المعينة يرى الناس من وراء ظهره، أما فيما سوى ذلك، فإنه لا يرى من وراء ظهره شيئاً».

١٣- بابُ وَضْعِ المالِ فِي المَسْجِدِ، وقِسْمَتِهِ فيهِ


٢٢٣. [خت] عَنْ أنسٍ ﵁ قال: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ فَقَالَ: «انْثُرُوهُ فِي المَسْجِدِ». وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ، إِذْ جَاءَهُ العَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَعْطِنِي؛ فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خُذْ». فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ ليُقِلَّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ. قَالَ: «لَا». قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ. قَالَ: «لا». فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ. قَالَ: «لا». قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ. قَالَ: «لا». فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُتْبِعُهُ/ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا؛ عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ. خَرَّجه مُعَلَّقًا ومُسْنَدًا.

١ قال أسيد بن الحضير -بعد نزول آية التيمم-: ما هي بأول بركاتكم يا آل …:

٥/٠