١٤- بابُ اتِّخاذِ المساجدِ في البيوتِ، ولا يكونُ لها أَحكامُ مساجدِ العامَّةِ


• [خت] وصلَّى البراء بن عَازِبٍ في مسجدٍ في داره جماعةً.
٢٢٤. [ق] وعَنْ محمود بن الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ ﵁ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ ﵁ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، وَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ، وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللهُ». قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا عَليَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ اّْرْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ البَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟» فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَكَبَّرَ، فَقُمْنَا فَصَفَفْنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ. قَالَ: وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ. قَالَ: فَآبَ فِي البَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُوْ عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ؟ -أَو: ابْنُ الدُّخْشُنِ؟- فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَقُلْ ذَلِكَ، أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ؟» قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّما نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى المُنَافِقِينَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ». [خ:٥٤٠١]
الغريب: (الخَزِيرَةُ): حَسَاءٌ يُعمَلُ مِن النِّخال، ولا يكون إلَّا بِدَسَمٍ.
1. قال النووي: «في الحديث زيارة الفاضل المفضول وحضور ضيافته».
2. قال النووي: «وفيه الابتداء في الأمور بأهمها؛ لأنه ﷺ جاء للصلاة فلم يجلس حتى صلى».
3. قال النووي: «وفيه: جواز صلاة النفل جماعة».
4. قال النووي: «وفيه: أنه يستحب لأهل المحلة وجيرانهم إذا ورد رجل صالح إلى منزل بعضهم أن يجتمعوا إليه، ويحضروا مجلسه لزيارته وإكرامه والاستفادة منه».
5. قال النووي: «وفيه: أنه لا بأس بملازمة الصلاة في موضع معين من البيت».
6. إخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة، ذاكرا الفرق بين الإخبار والشكوى، قال ابن القيم: «الفرق بين الإخبار بالحال وبين الشكوى وإن اشتبهت صورتهما: أن الإخبار بالحال يقصد المخبر به قصدا صحيحا من علم سبب إدانته، أو الاعتذار لأخيه من أمر طلبه منه، أو يحذره من الوقوع في مثل ما وقع فيه، فيكون ناصحا بإخباره له أو حمله على الصبر بالتأسي به، وأما الشكوى فالإخبار العاري عن القصد الصحيح، بل يكون مصدره السخط وشكاية المبتلى إلى غيره».

١٥- بابُ/ نَبْشِ قُبورِ المُشركينَ واتِّخاذِ مكانِها مَسجدًا، وما يُكرهُ مِن الصَّلاةِ في القبورِ


• [خت] ورأى عمرُ أنسَ بْنَ مالكٍ يصلِّي عندَ قبرٍ فقالَ: القبرَ القبرَ. ولم يأمرْهُ بالإعادةِ.
٢٢٥. [ق] وعَنْ أنسٍ ﵁ قَال: قَدِمَ النَّبيُّ ﷺ المَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى المَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاؤوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، فكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَأِ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ: «يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا». قَالُوا: لَا وَاللهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ ﷿. قَالَ أَنَسٌ: وكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ قُبُورُ المُشْرِكِينَ، وخَرِبٌ وَنَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ ﷺ مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:
«اللهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ» [خ:٤٢٨]
1. قوله: (فأمر رسول الله ﷺ بالنخل فقطع) قال النووي: «فيه: جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجة والمصلحة لاستعمال خشبها، أو ليغرس موضعها غيرها، أو لخوف سقوطها على شيء تتلفه، أو لاتخاذ موضعها مسجداً، أو قطعها في بلاد الكفار إذا لم يرج فتحها؛ لأن فيه نكاية وغيظا لهم، وإضعافاً وإرغاماً».
2. قوله: (وبقبور المشركين فنبشت) قال النووي: «فيه: جواز نبش القبور الدارسة، وأنه إذا أزيل ترابها المختلط بصديدهم ودمائهم جازت الصلاة في تلك الأرض، وجواز اتخاذ موضعها مسجدا إذا طيبت أرضه».
3. قال النووي: «وفيه أن الأرض التي دفن فيها الموتى ودرست يجوز بيعها، وأنها باقية على ملك صاحبها وورثته من بعده إذا لم توقف».
4. قوله: (وكانوا يرتجزون) قال النووي: «فيه جواز الارتجاز وقول الأشعار في حال الأعمال والأسفار ونحوها؛ لتنشيط النفوس وتسهيل الأعمال والمشي عليها».
5. قال ابن رجب وفيه: «دليلٌ على عدَمِ الصَّلاةِ في المَقبرةِ، ولو كانت قُبورَ المشركين؛ لِما فيه مِن سدِّ الذَّريعةِ إلى اتِّخاذِ القُبورِ مَساجِدَ؛ فإنَّه إذا تَطاوَلَ العهدُ، ولم تُعرَفِ الحالُ، خُشِيَ مِن ذلك الفِتنةُ».
6. وفيه: دَليلٌ على أنَّ قُبورَ المُشركينَ لا حُرمةَ لها، وأنَّه يَجوزُ نَبْشُ عِظامِهم ونَقْلُهم مِن الأرضِ للانتِفاعِ بالأرضِ إذا احْتِيجَ إلى ذلك.

٢٢٦. [ق] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اّْجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا». [خ:٤٣٢]
1. قال ابن قدامة: «والتطوع في البيت أفضل؛ لأن الصلاة في البيت أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرياء، وهو من عمل السر، وذكر النووي الحكمة في تفضيل ذلك: "كونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيْت بذلك، وتنزل الرحمة فيه والملائكة، وينفر الشيطان منه».

١٦- بابُ الصَّلاةِ في مواضعِ الخَسْفِ والبِيَعِ


٢٢٧. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ المُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ». [خ:٤٣٣]
1. في الحديث أن من مر بديار المغضوب عليهم والمعذبين لا ينبغي له أن يدخلها، ولا يقيم بها، بل يسرع السير، ويتقنع بثوبه حتى يجاوزها، ولا يدخل عليهم إلا باكياً معتبراً، ومن هذا: إسراع النبي ﷺ السير في وادي مُحَسِّر بين منى ومزدلفة، فإنه المكان الذي أهلك الله فيه الفيل وأصحابه.
2. وفيه: البعد عن مأوى الظالمين؛ خشية الإصابة مما عذبوا به، وذلك بعد أن يهلكوا، فإذا كانوا أحياء كان أولى، ومشروعية التشاؤم بالبقعة التي نزل فيها سخط الله.

٢٢٨. [ق] وَعَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَة».[خ:٤٢٧]
1. قال القرطبي: «إنما صور أوائلهم الصور ليتأنسوا برؤية تلك الصور، ويتذكروا أفعالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم، ويعبدون الله عند قبورهم، ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم، ووسوس لهم الشيطان: أن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها، فعبدوها؛ فحذر النبي ﷺ عن مثل ذلك، وشدّد النكير والوعيد على مَن فَعل ذلك، وسدّ الذرائع المؤدية إلى ذلك، فقال: اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. وقال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد».
2. وفيه: حكاية ما يشاهده المرء من العجائب.

٢٢٩. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ/ وَعبد الله بن عبَّاس ﵃ قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ ﷺ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. [خ:٤٣٥]
(طَفق): جَعلَ، وهي مِن أفعال المقاربة. و(الخَميصَة): كِسَاءٌ له عَلَمٌ.
1. في الحديث شدة اهتمام الرسول ﷺ واعتنائه بالتوحيد وخوفِه أن يعظّم قبره، لأن ذلك يفضي إلى الشرك.
2. وفيه جواز لعن اليهود والنصارى ومن فعل مثل فعلهم من البناء على القبور واتخاذها مساجد.
3. وفيه الرد على الذين يجيزون البناء على قبور العلماء تمييزا لهم عن غيرهم.

١٧- بابُ النَّومِ في المسجدِ للمرأةِ والرَّجلِ


٢٣٠. عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنَ العَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا، فَكَانَتْ مَعَهُمْ. قَالَتْ: فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ، قَالَتْ: فَوَضَعَتْهُ -أَوْ: وَقَعَ مِنْهَا- فَمَرَّتْ حُدَيَّاةٌ وَهُوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ، قَالَتْ: فَالتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ. قَالَتْ: فَاتَّهَمُونِي بِهِ. قَالَتْ: فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا. قَالَتْ: وَاللهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ إِذْ مَرَّتِ الحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ: فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ، فَقُلْتُ: هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ، زَعَمْتُمْ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَهُوَ ذَا هُوَ، قَالَتْ: فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَسْلَمَتْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي المَسْجِدِ -أَوْ حِفْشٌ- قَالَتْ: فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي، قَالَتْ: فَلَا تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلَّا قَالَتْ:
وَيَوْمَ الوِشَاحِ مِنْ تعَاجِيبِ رَبِّنَا أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الكُفْرِ أَنْجَانِي
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا شَأْنُكِ، لَا تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَدًا إِلَّا قُلْتِ هَذَا؟ قَالَتْ: فَحَدَّثَتْنِي بالحَدِيثِ. [خ:٤٣٩]
1. في الحديث أن الله تعالى قد يفرج كربات المكروبين ويخرق لهم العوائد، وإن كانوا كفارا؛ فإن عدل الله يسع المؤمن والكافر، والبر والفاجر.
2. وفيه: أن من لم يكن له مسكن ولا مكان مبيت يباح له المبيت في المسجد -سواء كان رجلا أو امرأة- عند حصول الأمن من الفتنة.
3. وفيه: فضل الهجرة من دار الكفر، وأن السنة الخروج من بلدة جرت فيها فتنة على الإنسان.

٢٣١. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ -وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لَا أَهْلَ لَهُ- فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ. [خ:٤٤٠]
٢٣٢. [ق] وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي البَيْتِ، فَقَالَ: «أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟» قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِإِنْسَانٍ: «انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟» فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ فِي المَسْجِدِ رَاقِدٌ. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ/ يَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَيَقُولُ: «قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ». [خ:٤٤١]
1. في الحديث تغيير المكان أثناء الغضب، مطلب لتهدئة الإنسان، وذهاب غضبه.
2. وفيه كرم خلق النبي ﷺ، لأنه توجه نحو علي ليترضاه، ومسح التراب عن ظهره ليبسطه، وداعبه بالكنية المذكورة المأخوذة من حالته، ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته، مع رفيع منزلتها عنده.
3. قال ابن الملقن: «فيه جواز ممازحة أهل الفضل، وكان ﷺ يمزح ولا يقول إلا حقّا».
4. قوله: (أين ابن عمك) لم يقل: أين زوجك، أو علي، أو ابن عم أبيك؛ استعطافا لها على تذكر القرابة القريبة بينهما؛ لأنه فهم أنه جرى بينهما شيء.
5. وفيه استحباب الرفق بالأصهار، وترك معاتبتهم إبقاء لمودتهم.

٢٣٣. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ. [خ:٤٤٢]
الغريب: (الوَليدةُ): هنا الأَمَةُ، والوليدة في الأصل: اسمٌ للمولود مِن ولادته إلى حين فِصَالهِ. و(الوِشَاحُ): خيطٌ يُتوشَّح به؛ أي: يُجعل على العَاتِقِ. و(الحِفْشُ): البيت الصغير. و(أعْزَب): كذا وقع، وصَوابه: عَزَب، وأصل العُزوبة: البُعد، ومنه قولهم: الشَّاء عازبٌ؛ أي: بعيد. و(لم يَقِل): مِن القَائِلَة.
1. في الحديث بيان صبر الصحابة الأوائل على الشدائد والفقر حبا في الله ورسوله، وتفضيلا للإسلام على الكفر.

١٨- بابُ الصَّلاةِ في المسجدِ إذا قَدِمَ مِن سَفرٍ، ومَن دخلَهُ فليبدأ بيمنى رِجْليه، وليحيِّه رَكعتينِ


• [خت] وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ﵁: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ. (خ:٤٤١٨)
٢٣٤. [ق] وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ -قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: ضُحًى- فَقَالَ: «صَلِّ رَكْعَتَيْنِ». وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي. [خ:٤٤٣]
1. في الحديث: أنَّ من حسن القضاء أن يَرُدَّ الدَّين بأجود أو أكثر منه، فيزيد الدَّائن عمَّا أخذه منه، وهو من باب المروءة.

٢٣٥. [ق] وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ». [خ:٤٤٤]
• وقد تقدَّم أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان يحبُّ التَّيَمُّنَ في شأنه كِلِّه. [ر:١٤٢٤]
• [خت] وكان ابن عمر يبدأ برِجله اليُمنى، فإذا خرج بدأ برِجْلِهِ اليُسْرَى.
1. قال النووي: «في الحديث الحث على حضور القلب في الصلاة ومنع النظر من الامتداد إلى ما يشغل وإزالة ما يخاف اشتغال القلب به، وكراهية تزويق محراب المسجد وحائطه ونقشه وغير ذلك من الشاغلات».

١٩- بابٌ في بناءِ المساجدِ، وكراهيةِ زَخْرَفتِها


• [خت] وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ.
• [خت] وَقَالَ أَنَسٌ: يَتَبَاهَوْنَ فيها، ولَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا.
• [خت] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى.
٢٣٦. وعَنْ نافع أَنَّ عَبْدَ اللهِ ﵁ أَخْبَرَهُ أَنَّ/ المَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ، وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِاللَّبِنِ وَالجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً: وَبَنَى جِدَارَهُ بِالحِجَارَةِ المَنْقُوشَةِ وَالقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ. [خ:٤٤٦]
1. قال ابن بطال: «وهذا يدل على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلو في تحسينها فقد كان عمر مع كثرة الفتوحات في أيامه وكثرة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه».

٢٣٧. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَا: لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ حَوْلَ البَيْتِ حَائِطٌ، كَانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ البَيْتِ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: جَدْرُهُ قَصِيرٌ، فَبَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ. [خ:٣٨٣٠]
٢٣٨. [ق] وعَنْ عُبَيْد الله الخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ﵁ يَقُولُ عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ ﷺ: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: يَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ- بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ». [خ:٤٥٠]
الغريب: (أَكِنَّ النَّاسَ): اسْتُرهم. (وتَفْتِنَ): تَشْغَلُ وتَصرفُ عَنِ الصَّلاة. و(الزَّخْرفة): التَّذهيب، و(الزُّخْرُف): الذَّهب. و(اللَّبِنُ): جمع لَبِنَة، وهي الطُّوب المَطبوخ. و(العُمُدُ): القوائم الَّتي يقوم عليها السَّقف، وتكون مِن حِجارة ومِن خَشب. و(السَّاجُ): خشبٌ صلبٌ أسود. و(القَصَّة) بفتح القَاف: الجِصُّ، وقد تقدَّم [ر: بعد الحديث١٨١].
1. قال النووي: «يحتمل قوله ﷺ: (مثله) أمرين: أحدهما: أن يكون معناه: بنى الله تعالى له مثله في مسمى البيت، وأما صفته في السعة وغيرها فمعلوم فضلها: أنها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. الثاني أن معناه: أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا».
2. قال ابن عثيمين رحمة الله: «من شارك في بناء مسجد كان له من الأجر على قدر مشاركته، وله أجر آخر على إعانته غيره على البر والتقوى».

٢٠- بابُ المُرُورِ، وإنْشادِ الشِّعْرِ، واللَّعبِ بالحِرَابِ في المسجد، ومَن دَخلَ المسجد بسلاحٍ فليُمسكْ عَلى نُصُولها


٢٣٩. [ق] عَنْ أبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا؛ لَا يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا». [خ:٤٥٢]
٢٤٠. [ق] وَعَنْ جَابِرٍ ﵁ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ فِي المَسْجِدِ بِأَسْهُمٍ قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا، فَأَمَرَه أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا لَا يَخْدِشُ مُسْلِمًا. [خ:٧٠٧٤]
1. فيه: بيان كريم خُلُقه ورأفته ﷺ بالمؤمنين.
2. وفيه: بيان آداب حمل السلاح، وأن حامل السلاح عليه أن يتحرز ويحاذر أن يؤذي به أحدا، والتعظيم لحرمة دم المسلم قليله وكثيره.

٢٤١. [ق] وعَنْ [أبي سَلَمةَ بنِ] عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵃:/ أَنْشُدُكَ اللهَ، هَلْ سَمِعْتَ رَسولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ، اللهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ؟» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ. [خ:٤٥٣]
1. فيه مشروعية إنشاد الشعر في المسجد؛ للدفاع عن الحق، والحث على الخير.
2. قال ابن رجب: «وإنما خص النبي ﷺ جبريل وهو روح القدس بنصرة من نصره ونافح عنه؛ لأن جبريل صاحب وحي الله إلى رسله، وَهُوَ يتولى نصر رسله وإهلاك أعدائهم المكذبين».

٢٤٢. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ. [خ:٤٥٤]
1. في الحديثِ: حسن خلقه الكريم، وجميل معاشرته لأهله.
2. وفيه: فضل عائشة، وعظم محلها عنده ﷺ.
3. وفيه: مشروعية اللعب بالرماح وما يشبهها -كالعصي- ما لم تشتمل على محرم.

٢١- بابُ التَّقاضي والملازمةِ، وحَبْسِ الأسيرِ والغَرِيمِ في المسجدِ


٢٤٣. [ق] عَنْ كَعبِ بنِ مَالك ﵁ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: «يَا كَعْبُ». قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا». وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ: أَيِ الشَّطْرَ. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «قُمْ فَاقْضِهِ». [خ:٤٥٧]
1. في الحديثِ: فضيلة الصلح، وحسن التوسط بين المتخاصمين، وتقاضي الديون وسائر الحقوق المالية في المسجد، وقضاؤها فيه، ومشروعية سؤال المديون الدائن الحط من صاحب الدين، والشفاعة إلى أصحاب الحقوق، وقبول الشفاعة في الخير.

٢٤٤. [ق] عَنْ أبي هُريرة ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ البَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي». قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ اللهُ خَاسِئًا. [خ:٤٦١]
1. استدل البخاري بالحديث على جواز ربط الأسير والغريم بالمسجد، وقال المهلب: «إن في الحديث جواز ربط من خشي هروبه بحق عليه أو دين والتوثق منه في المسجد أو غيره».
2. وفي الحديثِ: العمل في الصلاة لمصلحتها، من غير قصد العبث فيها، ولا التهاون بها، ودفع المؤذي في الصلاة، حتى وإن لم يندفع إلا بعنف وشدة دفع.

٢٤٥. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قال: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ». فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. [خ:٤٦٢]
• [خت] وكان شُرَيْح يأمر بالغَرِيم أن يُحْبَس في المسجد إلى سَارية.
الغريب: (سِجْفَ الحُجْرَة): سِترها. و(الشَّطْرُ): النِّصف. و(الخَاسِئ): الذَّليل.
1. في الحديث: الإحسان إلى من يستحقه، وأنه يلين القلوب المغلقة، والإحسان إلى الأسرى، والعفو عنهم، والرفق بمن يحس إسلامه منهم، وإطلاقه.
2. وفيه: ربط الأسير في المسجد وإن كان كافراً، خصوصا إذا كان ذلك لغرض نافع، كسماع قرآن، أو علم، ورجاء إسلامه، ونحو ذلك من المصالح، وجواز المن على الأسير بغير فداء؛ لأن الرسول ﷺ منَّ على ثمامة.

٢٢- بابُ إِدْخالِ المريضِ والبعيرِ المَسْجِدَ للعِلَّةِ/


٢٤٦. [ق] عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ -وَفِي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ- إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ جُرْحُهُ يَغْذُو دَمًا، فَمَاتَ مِنْها. [خ:٤٦٣]
1. في الحديث: جواز سكنى المسجد للعذر، وأن للإمام إذا شقَّ عليه النهوض إلى عيادة مريض أن ينقله إلى موضع بقربه؛ ليخفف عليه عيادته فيه.

٢٤٧. [ق] وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنِّي أَشْتَكِي، قَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ». فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ البَيْتِ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. [خ:٤٦٤]
الغَريب: (فلم يَرُعْهُم): لم يُفْزِعُهم، يَعنون بهذا اللَّفظ السُّرعة، لا نَفسَ الفَزَع. و(يَغْذُو): يسيل، يُقال: غَذَا فمُ السِّقاء يَغْذُو: إذا سال. و(الأَكْحَل): عِرقٌ غليظٌ في الذِّراع وفي السَّاق إذا قُطع لم ينقطع دمُه.
بعض أحكام الطواف في الحديث:
• التيسير وطواف المريض راكبا إن لم يستطع المشي.
• أن النساء يطفن وراء الرجال، ولا يختلطن بهم؛ لأن ذلك أستر لهن.
• أن من يطوف وقت صلاة الجماعة لعذر، لا يطوف إلا من وراء الناس؛ لئلا يشغلهم.

٢٣- بابُ رفعِ الصَّوتِ في المساجدِ، والحِلَقِ، والاسْتلقاءِ، وتشبيكِ الأصابعِ فيها


٢٤٨. عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَال: كُنْتُ نَائِمًا فِي المَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ: اّْذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ. فَجِئْتُهُ بِهِمَا، فقَالَ: مَنْ أَنْتُمَا؟ -أَوْ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟- قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ البَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. [خ:٤٧٠]
• وقد تقدَّم حَديث أبي واقدٍ في الثَّلاثة النَّفَرِ الَّذين رأى أحدُهم فُرْجَةً في الحَلْقَةِ فجلس فيها. [ر:٥١]
1. وفيه: النهي عن رفع الصوت في مسجد النبي ﷺ، وتأديب الإمام من يرفع صوته في المسجد باللغط.
2. وفيه الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المسجد وغيره؛ لأنه من أعظم مقاصد الإسلام، ومنه أمْر ونهي من خالف آداب المساجد، وفيه جواز العقوبة البدنية بالضرب وغيره لمن خالف شرع الله -عز وجل-، والمعذرة لأهل الجهل بالحكم إذا كان مما يخفى مثله.

٢٤٩. [ق] وعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ ﵁ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ ﷺ مُسْتَلْقِيًا فِي المَسْجِدِ، وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى. وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ أنَّه قَالَ: كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ. [خ:٤٧٥]
• [ق] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ إِحْدَى صَلَاتَيِ العَشِيِّ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسْرَى. الحديثَ [خ:٤٨٢]./ وسيأتي [ر:٦١٦].
(حَصَبَنِي): رَجَمَني بالحَصْباء. و(أوَّلُ العَشِيِّ): زَوال الشَّمس.

٢٤- بابُ فتحِ خَوْخَةٍ في المسجدِ، ووضْعِ المساجدِ على الطُّرقِ إذَا لم يضرَّ ذلك بالنَّاسِ


٢٥٠. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ». [خ:٤٦٧]
1. في الحديث: منقبة عظيمة لأبي بكر ﵁، والتعريضُ له بالخِلافةِ بعْدَ النَّبيِّ ﷺ.
2. وفيه: شُكرُ المحسِنِ، والتَّنويهُ بفضْلِه، والثَّناءُ عليه.

٢٥١. وعَنْ عَائِشَةَ ﵂ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ. [خ:٤٧٦]

٢٥- بابُ فَضْلِ الخُطَىَ إلى المَساجدِ


٢٥٢. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قال: «صَلَاةُ الجَماعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى المَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي المَلَائِكَةُ عَلَيهِ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللهُمَّ اّْغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ اّْرْحَمْهُ، مَا لَمْ يُؤذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ»./ [خ:٤٧٧]
1. قال النووي: «أن هذا يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة، وتكون لبعضهم خمس وعشرون، ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك، والله أعلم». ورجح ابن حجر أن "السبع والعشرين" للصلاة الجهرية، و "الخمس والعشرين" للصلاة السريَّة.

٢٦- بابُ ما جاءَ في خُرُوجِ النِّساءِ إلى المساجدِ


٢٥٣. [ق] عَنِ ابنِ عُمَر ﵄، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى المَسْجِدِ، فَأْذَنُوا لَهُنَّ». [خ:٨٦٥]
٢٥٤. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قال يحيى بن سَعيد: قلتُ لعَمْرةَ: أَوَمُنِعْنَ؟ قالت: نعم. [خ:٨٦٩]

٢٧- بابُ التَّبرُّكِ بالمواضعِ الَّتي صلَّى فيها النَّبيُّ ﷺ، والصَّلاةِ فيها


٢٥٥. عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَة. وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ، وَسَأَلْتُ سَالِمًا، فَلَا أَعْلَمُ إِلَّا وَافَقَ نَافِعًا فِي الأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، إِلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ. [خ:٤٨٣]
تركتُ الحديث الطَّويل في تعيين تِلك الأمْكنة؛ إذ يَعْسُر حفظُه مع أنَّه ليسَ فيه حكم مهمٌّ، فمَن أرادَه راجعَ الأصْلَ [خ:٤٨٤-٤٩٢].

٢٨- بابُ السُّترةِ للصَّلاةِ والدنوِّ منها


٢٥٦. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ﵄ أنَّه قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ، وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ. [خ:٤٩٣]
٢٥٧. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ العِيدِ أَمَرَ بِالحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ. فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ. [خ:٤٩٤]
٢٥٨. [ق] وعَنْ عَون بن أبي جُحَيْفَةَ قالَ: سَمعت أبي ﵁ يقولُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالهَاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ [والعَصْرَ]، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، وَالمَرْأَةُ وَالحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا. [خ:٤٩٩]
٢٥٩. [ق] وعَنْ سَهْلٍ ﵁ قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ ﷺ/ وَبَيْنَ الجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ. [خ:٤٩٦]
٢٦٠. [ق] وَعَنْ سَلَمَةَ ﵁ قَالَ: كَانَ جِدَارُ المَسْجِدِ عِنْدَ المِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ أَنْ تَجُوزَهَا. [خ:٤٩٧]

٢٩- بابُ الصَّلاةِ إِلى الأُسْطُوَانةِ، والرَّاحِلَةِ والرَّحْلِ والنَّائمةِ والمُضطجعةِ


• [خت] وقال عمرُ: المُصَلُّون أحقُّ بالسَّوارِي مِن المتحدِّثين إليها.
• [خت] وَرَأَى ابن عُمَرُ رَجُلًا يُصَلِّي بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ فَأَدْنَاهُ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقَالَ: صَلِّ إِلَيْهَا.
٢٦١. [ق] وعَنْ يزيد بن أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ المُصْحَفِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ. قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا. [خ:٥٠٢]
1. في الحديث: دليل على أنه لا بأس أن يلزم المصلي مكاناً معيناً من المسجد يصلي فيه تطوعاً.

٢٦٢. [ق] وعَنْ أنسٍ ﵁ قال: لَقَدْ أدْرَكتُ كِبَارَ أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ ﷺ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِنْدَ المَغْرِبِ. [خ:٥٠٣]
٢٦٣. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتِ الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ -أَوْ قَالَ: مُؤَخَّرِهِ- وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. [خ:٥٠٧]
٢٦٤. [ق] وَعَنْ عَائِشَةَ ﵂ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَقَالُوا: يَقْطَعُهَا الكَلْبُ وَالحِمَارُ وَالمَرْأَةُ. فقَالَتْ: لَقَدْ جَعَلْتُمُونَا كِلَابًا، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي، وَإِنِّي لَبَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى السَّرِيرِ، فَتَكُونُ لِي الحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ، فَأَنْسَلُّ انْسِلَالًا. [خ:٥١١]
• [ق] وفي رواية: فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَيَّ، فَقَبَضْتُهُمَا. [خ:٥١٩]
• [ق] وفي رواية: فيتوسَّط السَّريرَ فَيصلِّي، فأَكْرَهُ أنْ أَسْنَحَهُ، فأنسلُّ من قِبَلِ رِجليِّ السَّرير حتَّى أَنْسَلَّ مِن لِحافِي. [خ:٥٠٨]
1. قال القرطبي: «الحكمة في ذلك أن المرأة تفتن، والحمار ينهق، والكلب يروع، فيتشوش المتفكر في ذلك حتى تنقطع عليه الصلاة وتفسد، فلما كانت هذه الأمور آيلة إلى القطع، جعلها قاطعة».
2. وفيه: مشروعية الصلاة إلى جِهةِ الزَّوجة.

٢٦٥. [ق] وفي أخرى: كان النَّبيُّ ﷺ يُصلِّي وَأنَا رَاقِدةٌ مُعْتَرِضةٌ على فِراشه، فإذا أرادَ أن يُوتر أيقظَني فأوترتُ. [خ:٥١٢]
الغريب: (الأُسْطوانة): السَّارية. و(يَتحرَّى): يقصد. و(آخِرَة الرَّحْلِ) ومُؤَخِّرَته سواء، وهي ما يَسْتَدبره الرَّاكبُ مِن الرَّحل، والأفصح الأَخِرَة. و(هَبَّتِ الرِّكابُ): تحرَّكت واضطربت. و(الرِّكاب): الإبل. و(أَسْنَحَهُ): أتعرَّض أمَامَهُ/ يُقال: سَنَح في الشَّيء: إذا ظَهر وَعرض، وأصله السَّانح مِن الطَّير في العِيافة، وضدُّه البارح: الذَّاهب. و(غَمَزنِي): عَضَّنِي.

٣٠- بابُ إِثمِ المارِّ بين يَدَي المُصَلِّي والأمرِ بِرَدِّهِ


٢٦٦. [ق] عَنْ أبي صَالِحٍ السَّمَّان قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنَ الأُولَى، فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلِابْنِ أَخِيكَ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ». [خ:٥٠٩]
٢٦٧. [ق] وعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ: مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي المَارِّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي؟ فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ». قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي، أَقَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً؟. [خ:٥١٠]
تنبيه: روى البَزَّارُ^([خ:٣٧٨٢]) هذا الحديثَ مِن طريق مَرْضِيَّةٍ، وقَال: «أربعين خريفًا». و(المَساغ): الطَّريق. و(نالَ مِنهُ): أي: ذَمَّه لسَببِ مَنْعِه. و(فَلْيُقَاتِلْه): فليَدْفعه دفْعًا شديدًا يشبهُ دفْعَ المُقَاتل. وقوله: (فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) أي: فعلُه فعل شيطان، ويحتمل أنْ يريد أنَّ الشَّيطان معَه وحامل له على ذلك. وقد جاء في رِواية: «فإنَّ معَه القَرين». يعني: الشَّيطان.

١ الصحابي الذي قال له النبي ﷺ: "قم يا أبا تراب" هو:

٥/٠