(٦٠) كِتَابُ الأَدَبِ


١- بابُ الوَصيَّةِ بِبرِّ الوَالدَين، وفَضْلِ ذلك، وتأكُّدِ برِّ الأمِّ، وأنَّه أفضلُ مِن الجِهادِ


قالَ اللهُ تعالى:﴿وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰ⁠لِدَیۡهِ حُسۡنࣰا﴾ الآية [العنكبوت: ٨]، وقالَ: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِیَّاهُ وَبِٱلۡوَ ٰ⁠لِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنًا﴾ [الإسراء:٢٣].
٢٦٦٥. [ق] عَنْ عبدِ اللهِ -هو ابْنُ مَسعودٍ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ ﷿؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا». قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ». قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. [خ:٥٩٧٠]
٢٦٦٦. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ». [خ:٥٩٧١]
1. قوله: (مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟) قال النووي: «فيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب فالأقرب، قال العلماء: وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه، وشفقتها، وخدمتها، ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه، ثم إرضاعه، ثم تربيته وخدمته وتمريضه، وغير ذلك».

٢٦٦٧. [ق] وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ أُجَاهِدُ؟ قَالَ: «لَكَ أَبَوَانِ؟». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». [خ:٥٩٧٢]
• وقد تقدَّم حَديث الثَّلاثة الَّذين أَوَوْا إلى الغَار. [ر:١١٤٢]
1. هذا كله دليل لعظم فضيلة برهما، وأنه آكد من الجهاد، وفيه حجة لما قاله العلماء أنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما إذا كانا مسلمين، أو بإذن المسلم منهما.
2. يؤخذ من الحديث أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهاداً.

٢- بابُ عُقُوقِ الوَالدَينِ وتَعريضِهما للسَّبِّ مِن الكَبائرِ


٢٦٦٨. [ق] عَنِ المُغِيرَةِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنعًا وَهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ». [خ:٥٩٧٥]
1. قال الطيبي: «هذا الحديث أصل في معرفة حُسن الخلق، وهو تتبع جميع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة».

٢٦٦٩. [ق] وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ ﷺ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟». فقُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ». وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ». فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ: ليتَهُ سَكَت. [خ:٥٩٧٦]
٢٦٧٠. [ق] وعن أنسِ بنِ مالكٍ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الكَبَائِرَ -أَوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ- فَقَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ». فَقَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟». قَالَ: «قَوْلُ الزُّورِ». أَوْ قَالَ: «شَهَادَةُ الزُّورِ»./ [خ:٥٩٧٧]

٣- بابُ صِلَةِ الأمِّ والأخِ المُشركَيْنِ


٢٦٧١. [ق] عَنْ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ قالت: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: آصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللهُ ﷿ فِيهَا: ﴿لَّا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ﴾ [الممتحنة:٨]. [خ:٥٩٧٨]
٢٦٧٢. وعنها قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ ﷺ، مَعَ أبيهَا، فَاسْتَفْتَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالتْ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ؟ فقَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ». [خ:٥٩٧٩]
1. قال الخطابي: «فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه، كما توصل المسلمة».
2. قال ابن بطال: «فقه الترجمة من حديث أسماء أن النبي ﷺ أباح لأسماء أن تصل أمها، ولم يشترط في ذلك مشاورة زوجها».

وقد تقدَّم مِن حديث عُمرَ في الحُلَّةِ الَّتي قال له فيها النَّبيُّ ﷺ: «لمْ أُعْطِكَهَا لتلبَسها، ولكنْ تبيعها، أو تَكْسُوها». فأرسلَ بها عمرُ إلى أخٍ له مِن أهْل مكَّة قبل أن يُسْلِم [ر:٢٦١٩].

٤- بابُ فَضْلِ صِلَةِ الأَرْحامِ،


وبَسْطِ رِزقِ الوَاصلِ، وإِثْمِ القَاطِعِ، ومَن أحقُّ باسم الواصِلِ
٢٦٧٣. [ق] عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ. قَالَ القَوْمُ: مَا لَهُ مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَرَِبٌ مَا لَهُ». فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «تَعْبُدُ اللهَ ولَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، ذَرْهَا». فقَالَ: كَأَنَّهُ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. [خ:٥٩٨٣]
٢٦٧٤. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». [خ:٥٩٨٥]
1. قال النووي: «وأما التأخير في الأجل ففيه سؤالٌ مشهورٌ وهو أن الآجال والأرزاق مقدرةٌ لا تزيد ولا تنقص فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون وأجاب العلماء بأجوبةٍ الصحيح منها أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك، والثاني أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنةً إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى: {یَمۡحُوا۟ ٱللَّهُ مَا یَشَاۤءُ وَیُثۡبِتُۖ } [سورة الرعد:39]. »
2. وفيه بيان أن فعل الخير كصلة الرحم ونحوها سبب الفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: { وَٱفۡعَلُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ۩} [سورة الحج:77].

٢٦٧٥. [ق] وَعن جُبيرِ بنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ». [خ:٥٩٨٤]
٢٦٧٦. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَهُوَ لَكِ». قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلۡ عَسَیۡتُمۡ/ إِن تَوَلَّیۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوۤا۟ أَرۡحَامَكُمۡ﴾ [محمد:٢٢]». [خ:٥٩٨٧]
٢٦٧٧. وعنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ». [خ:٥٩٨٨]
• [ق] ونحوه عَنْ عَائِشَةَ. [خ:٥٩٨٩]
٢٦٧٨. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا». [خ:٥٩٩١]
الغريب: (أَرَِبٌ): يُروى بكسر الرَّاء وفتحها، والباء مَرفوعة في الوجهين منوَّنةٌ، فبِكَسرها تكون اسمَ فاعلٍ كحَذِرٍ وفَطِنٍ، وبفتحها تكون مصدرًا. والأَرَبُ: الحاجة، ويُقالُ على العَقل. فعَلى الكسر يكون معناه أنَّ السَّائل فَطِنٌ عاقلٌ، فهو مَدْحٌ له، وعلى الفَتح يكون معناه أنَّ السَّائل عَرَضت له حاجةٌ لهذا السُّؤال. و(مَا لَه؟): على الوَجهين استفهامٌ على جهة الإِنْكار والرَّدِّ عليهم لمَّا قالوا: (مَا له، مَا له؟). وقد روى أبو ذرٍّ هذه اللَّفظة بفتح حروفها كلِّها بغير تنوين، جَعَلَها فِعلًا ماضيًا بمعنى: احتاج، قاله ابن الأعرابي، والله أعلم.
1. في الحديث: أنّ الصّلة إذا كانت نظير مكافأةٍ من الطّرف الآخر لا تكون صلةً كاملةً؛ لأنّها من باب تبادل المنافع، وهذا ممّا يستوي فيه الأقارب والأباعد.

٥- بابُ مَن وَصَلَ رَحِمَهُ في الشِّركِ ثمَّ أسلَمَ أُجِرَ عَلى ذَلكَ


٢٦٧٩. [ق] عَنْ عُروةَ بنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ حَكِيمٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أسْلَفتَ مِنْ خَيْرٍ».
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: التَّحَنُّثُ: التَّبَرُّرُ. [خ:٥٩٩٢]

٦- بابُ رَحْمةِ الوالدِ، وَتَقْبيلِهِ ومُعَانقتِهِ، والصَّبرِ عَلى البَناتِ


٢٦٨٠. [ق] عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ ابْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسٌ، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ». [خ:٥٩٩٧]
٢٦٨١. [ق] وَعَنْ عائشةَ قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَوَأَمْلِكُ/ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ؟!». [خ:٥٩٩٨]
٢٦٨٢. [ق] وعنها قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ ومَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: «مَنْ بُلي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بشيءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ». [خ:٥٩٩٥]
1. قوله ﷺ: (مَنْ بُلي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بشيءٍ)، قال النووي: «إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في العادة وقال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدࣰّا وَهُوَ كَظِیمࣱ} [سورة النحل:58]. »، وقال العراقي: يحتمل أن يكون معنى الابتلاء هنا: الاختبار ليُنظر ما يفعل أيُحسن إليهنَّ أو يسيء».
2. وفيه تأكيد حق البنات؛ لما فيهن من الضعف غالباً عن القيام بمصالح أنفسهن، بخلاف الذكور.
3. وفيه سخاء عائشة لكونها لم تجد إلا تمرة فآثرت بها.
4. وفيه أن القليل لا يمتنع التصدق به لحقارته، بل ينبغي للمتصدق أن يتصدق بما تيسَّر له قلَّ أو كثر.
5. وفيه جواز ذكر المعروف إن لم يكن على وجه الفخر، ولا المنّة.

٧- بابُ سَعَةِ رَحْمةِ اللهِ لجميعِ عِبادِهِ، وأنَّ للهِ مئةَ رَحمةٍ


٢٦٨٣. [ق] عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: قُدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟». قُلْنَا: لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ. فَقَالَ: «الَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا». [خ:٥٩٩٩]
٢٦٨٤. [ق] وعَنْ أَبي هُرَيرةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ في مِئَةِ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ». [خ:٦٠٠٠]
6. قال ابن بطال: «فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب».
7. قوله: (حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا)، قال ابن أبي جمرة: «خُص الفرس بالذِّكر لأنها أشد الحيوان المألوف الذي يُعَاين المخاطبون حركته مع ولده، ولما في الفرس من الخفة والسرعة في التنقل، ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر منها إلى ولدها».
8. قال ابن أبي جمرة: «في الحديث إدخال السرور على المؤمنين؛ لأن العادة أن النفس يكمل فرحها بما وُهِبَ لها إذا كان معلوماً مما يكون موعوداً».
9. قال النووي: «هذه الأحاديث من أحاديث الرجاء والبشارة للمسلمين، قال العلماء: لأنه إذا حصل للإنسان من رحمة واحدة في هذه الدار - المبنية على الأكدار - الإسلام والقرآن والصلاة والرحمة في قلبه وغير ذلك مما أنعم الله تعالى به، فكيف الظن بمائة رحمة في الدار الآخرة، وهي دار القرار ودار الجزاء».

٢٦٨٥. وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي صَلَاةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: اللهُمَّ اّْرْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا». يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ. [خ:٦٠١٠]

٨- بابُ وَضْعِ الصَّبيِّ عَلى الفَخِذِ، وضمِّهِ سُرورًا بهِ


٢٦٨٦. عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا». [خ:٦٠٠٣]

٩- بابُ فَضْلِ كَفَالةِ اليتيمِ،/ والسَّعيِ على الأرْمَلةِ والمِسكينِ


٢٦٨٧. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قال: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ». أَوْ: «كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ». [خ:٦٠٠٦]
٢٦٨٨. وعن سَهل بْن سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا». وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى. [خ:٦٠٠٥]
1. قال ابن بطال: «حقٌّ على مَن سَمِع هذا الحديث أن يعمل به؛ ليكون رفيقَ النبي ﷺ في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك».

١٠- بابُ مَثلِ المؤمنينَ في تَرَاحُمِهم وتَعاطُفِهم،


والوصيَّةِ بالجارِ، ووجُوبِ صَرْفِ البوائقِ عنه
٢٦٨٩. [ق] عَنِ النُّعمانِ بن بَشِير قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى». [خ:٦٠١١]
٢٦٩٠. [ق] وَعَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». [خ:٦٠١٤]
• [ق] ومِثله عَنِ ابنِ عُمَر. [خ:٦٠١٥]
1. قال ابن حجر: «في الحديث جواز الطمع في الفضل إذا توالت النِّعم».
2. قوله: (حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)، قال ابن حجر: «فيه جواز التحدث بما يقع في النفس من أمور الخير».

٢٦٩١. وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».[خ:٦٠١٦]
• [خت] وقد رُوِي عَنْ أبي هُرَيْرَةَ.
٢٦٩٢. [ق] وعنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ». [خ:٦٠١٨]

١١- بابٌ: أحقُّ الجَارينِ بالبِرِّ أقْربُهُما بَابًا، وكلُّ مَعروفٍ صَدَقَةٌ


٢٦٩٣. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا». [خ:٦٠٢٠]
٢٦٩٤. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ». [خ:٦٠٢١]
٢٦٩٥. [ق] وعَنْ أبي موسى -هو الأشْعريُّ- قال: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ -أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟- قَالَ: «فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيَأْمُرُ بِالخَيْر». أَوْ قَالَ: «بِالمَعْرُوفِ». قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيُمْسِكُ/ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ». [خ:٦٠٢٢]

١٢- بابُ طِيْبِ الكَلامِ، والرِّفْقِ في الأُمورِ


• [خت] وقال أبو هُريرةَ [قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ]: الكَلمةُ الطَّيبةُ صَدَقةٌ. (خ:٢٩٨٩)
٢٦٩٦. [ق] وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». [خ:٦٠٢٣]
٢٦٩٧. [ق] وعَنْ عائشةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُم، قَالتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قالتْ: فَقَالَ النَّبيُّ ﷺ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ». [خ:٦٠٢٤]
1. قال النووي: «وفي هذه الأحاديث فضل الرفق والحث على التخلق، وذم العنف، والرفق سبب كل خير، ومعنى يعطي على الرفق: أي يثيب عليه ما لا يثيب على غيره، وقال القاضي عياض: معناه يتأتى به من الأغراض، ويسهل من المطالب ما لا يتأتى بغيره».
2. قال العراقي: «فيه الحث على الرفق والصبر والحلم ما لم تَدْع حاجة إلى المخاشنة».

١٣- بابُ تَعَاونِ المؤمنينَ وتَشافُعِهِم بعضِهم في بعضٍ،


وقولِهِ تعالى: ﴿مَّن یَشۡفَعۡ شَفَـٰعَةً حَسَنَةࣰ یَكُن لَّهُۥ نَصِیبࣱ مِّنۡهَا﴾ [النساء:٨٥]
٢٦٩٨. [ق] عن أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا». ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذْا جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ». [خ:٦٠٢٦]
1. قال النووي: «فيه استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة، سواء كانت الشفاعة إلى سلطان ووال ونحوهما، أم إلى واحد من الناس، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم، أو إسقاط تعزير، أو في تخليص عطاء المحتاج، أو نحو ذلك، أما الشفاعة في الحدود فحرام، وكذا الشفاعة في تتميم باطل، أو إبطال حق، ونحو ذلك، فهي حرام».
2. قال النووي: «وفيه الحض على الخير بالفعل، وبالتسبب إليه بكل وجه حتى يحصل الأجر بذلك».

١٤- بابُ اجْتِنابِ الفُحْشِ والتَّفَاحُشِ، والحضِّ على الإحْسانِ ومَكَارمِ الأَخْلاقِ


٢٦٩٩. [ق] عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مُعَاوِيَة إِلَى الكُوفَةِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا». [خ:٦٠٢٩]
1. قال النووي: «فيه الحث على حسن الخلق، وبيان فضيلة صاحبه، وهو صفة أنبياء الله تعالى وأوليائه. قال الحسن البصري: حقيقة حسن الخلق بذل المعروف، وكف الأذى، وطلاقة الوجه، قال القاضي عياض: هو مخالطة الناس بالجميل والبشر، والتودد لهم، والإشفاق عليهم، واحتمالهم، والحلم عنهم، والصبر عليهم في المكاره، وترك الكبر والاستطالة عليهم. ومجانبة الغلظ والغضب والمؤاخذة».

٢٧٠٠. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ/ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَةُ اللهِ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْكُمْ. فقَالَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ». قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ». [خ:٦٠٣٠]
٢٧٠١. [ق] وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمْ يَكُنِ رَسُولُ اللهِ ﷺ سَبَّابًا، وَلَا فَاحِشًا، وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: «مَا لَهُ؟ تَرِبَتْ جَبْهَتُهُ». [خ:٦٠٣١]
٢٧٠٢. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ». أَوْ: «بِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ». فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ ﷺ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ له، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ». [خ:٦٠٣٢]
1. قال القرطبي: «في الحديث جواز غيبة المُعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجَوْر في الحكم والدعاء إلى البدعة مع جواز مُداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤدِّ ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى».

• [خت] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ. (خ:١٩٠٢)
• [خت] وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَمَّا بَلَغَهُ مَبْعَثُ النَّبِيِّ ﷺ لِأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الوَادِي فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَرَجَعَ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ. (خ:٣٨٦١)
• [خت] وقال أبو سُفيان في حَديثه مع هِرَقلَ قال: إنَّه يأمرُ بالصَّلاة والصِّدق، والعَفَافِ والصِّلة. (خ:٥٩٨٠)

١٥- بابُ ما يُنْهَى عنهُ مِن السِّبَابِ واللَّعْنِ


٢٧٠٣. [ق] عَنْ عَبد الله -هو ابْن مسعودٍ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ». [خ:٦٠٤٤]
٢٧٠٤. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفُسُوقِ، وَلَا يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا اّْرْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ». [خ:٦٠٤٥]
٢٧٠٥. [ق] وعَنْ سُليمانَ بن صُرَدٍ -رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ- قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ/ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ». فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَقَالَ: أَتُرَى بِي بَأْسٌ؟! أَمَجْنُونٌ أَنَا؟! اّْذْهَبْ. [خ:٦٠٤٨]
1. قال النووي: «فيه أن الغضب في غير الله تعالى من نزغ الشيطان، وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأنه سبب لزوال الغضب».
2. قال النووي: «وأما قول هذا الرجل الذي اشتد غضبه: هل ترى بي من جنون؟ فهو كلام من لم يفقه في دين الله تعالى، ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة، وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون، ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان، ولهذا يخرج به الإنسان عن اعتدال حاله، ويتكلم بالباطل، ويفعل المذموم، وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح المترتبة على الغضب، لهذا قال النبي ﷺ الذي قال له: أوصني قال: "لا تغضب" فردد مرارا قال "لا تغضب"، فلم يزده في الوصية على "لا تغضب" مع تكراره الطلب، وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ منه. ويحتمل أن هذا القائل: " هل ترى بي من جنون؟ " كان من المنافقين، أو من جفاة الأعراب».

١٦- بابُ مَا يُنهى عَنه مِن النَّمِيمَةِ وَالغِيبَةِ، ومَن تجُوزُ غِيبتهُ، ومَا جَاءَ في ذِي الوَجْهينِ


• وقد تقدَّم قوله ﷺ في صَاحبي القَبْرين: «إنَّهما ليُعذَّبان وما يعذَّبان في كبيرٍ، وإنَّه لكبيرٌ: أحدهُما يمشي بالنَّمِيمَةِ، والثَّاني لَا يَسْتترُ مِن بَولهِ».[ر:٨٠]
٢٧٠٦. [ق] وعَنْ هَمَّامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ». [خ:٦٠٥٦]
• وقد تقدَّم قوله ﷺ للرَّجل: «بِئس أخو العشيرة». أو «ابْن العشيرة». ثمَّ أَلانَ له القول [ر:٢٧٠٢].
٢٧٠٧. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ». [خ:٦٠٥٨]
1. قال النووي: «قوله ﷺ في ذي الوجهين (إنه من شرار الناس)، فسببه ظاهر لأنه نفاق محض، وكذب وخداع، وتحيل على اطلاعه على أسرار الطائفتين، وهو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، ويظهر لها أنه منها في خير أو شر، وهي مداهنة محرمة».

١٧- بابُ كَراهةِ المَدْحِ عَلى جِهةِ الإِطْراءِ، وَجوازِهِ عَلى غيرِ ذَلكَ إذَا أُمِنَتِ الفِتنةُ


٢٧٠٨. [ق] عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي المِدْحَةِ، فَقَالَ: «أَهْلَكْتُمْ -أَوْ: قَطَعْتُمْ- ظَهْرَ الرَّجُلِ». [خ:٦٠٦٠]
٢٧٠٩. [ق] وعن أبي بَكْرَةَ أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَيْحَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ -يَقُولُهُ مِرَارًا- إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا -إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ- وَحَسِيبُهُ اللهُ، وَلَا يُزَكَّى عَلَى اللهِ أَحَدٌ». [خ:٦٠٦١]
• وقد تقدَّم قَوله ﷺ: «خيرُ دُورِ الأنْصَارِ دَارُ بني النَّجَّارِ»[ر:١٧٣٧]. وقول النَّبيِّ ﷺ لأبي بكرٍ حين قال له: يَا رسولَ الله! إنَّ إزاري يَسْقطُ، فقال: «إنَّكَ لَسْتَ منهم»[ر:٢٥٩٦].
1. قوله: (خيرُ دُورِ الأنْصَارِ) فيه مشروعية المفاضلة بين الفضلاء بالإجمال، والتعيين.
2. وفيه جواز المدح إذا قُصِد به الإخبار بالحق، ودعت إلى ذلك حاجة، وأُمنت الفتنة على الممدوح.

١٨- بابُ مَا يُنْهَى عنه مِن التَّحاسُدِ والتَّهاجُرِ والتَّباغُضِ/


• وقد تقدَّم مِن حديثِ أبي هُرَيْرَةَ قوله ﷺ: «إيَّاكم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكذب الحديث، ولَا تجسَّسوا، ولَا تحسَّسوا، ولا تحاسدوا، وَلا تَدابروا، ولا تَباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا»[ر:٢٣١٥]، «ولا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَهْجُرَ أخاه فوقَ ثلاثة أيَّام»[ر:٢٧١٢].
1. قوله ﷺ: (ولَا تجسَّسوا، ولَا تحسَّسوا) قال النووي: «قال بعض العلماء التحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم وبالجيم البحث عن العورات، وقيل بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر، والجاسوس صاحب سر الشر والناموس صاحب سر الخير، وقيل بالجيم أن تطلبه لغيرك وبالحاء أن تطلبه لنفسك قاله ثعلبٌ».
2. التدابر المعاداة وقيل المقاطعة لأن كل واحدٍ يولي صاحبه دبره والحسد تمني زوال النعمة وهو حرامٌ ومعنى كونوا عباد الله إخوانًا أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال، قال بعض العلماء: وفي النهي عن التباغض إشارةٌ إلى النهي عن الأهواء المضلة الموجبة للتباغض.
3. قال العلماء: في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليالٍ وإباحتها في الثلاث الأول بنص الحديث والثاني بمفهومه، قالوا: وإنما عفي عنها في الثلاث؛ لأن الآدمي مجبولٌ على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك فعفي عن الهجرة في الثلاثة ليذهب ذلك العارض.
4. قال ابن عبد البر: «تضمن الحديث تحريم بغض المسلم والإعراض عنه، وقطيعته بعد صحبته بغير ذنب شرعي، والحسد له على ما أنعم به عليه، وأن يعامله معاملة الأخ النسيب، وألا يُنَقّب عن معايبه، ولا فرق في ذلك بين الحاضر والغائب».

١٩- بابُ سَتْرِ المُؤْمنِ عَلى نفسِهِ، وما يجوزُ مِن الظَّنِّ


٢٧١٠. [ق] عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المجاهرين، وَإِنَّ مِنَ الخِيانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ». [خ:٦٠٦٩]
٢٧١١. [ق] وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: «يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: اّْذْكُرْ كَذَا اّْذْكُرْ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ». [خ:٦٠٧٠]

٢٠- بابٌ: لا هِجْرَةَ فوقَ ثلاثٍ،


إلَّا أن يكون الهِجْرَانُ لأجلِ مَعْصيةٍ، فلا يَحِلُّ أنْ يُرْفَعَ حتَّى يتوبَ العَاصي
٢٧١٢. عَنْ عَوف بن الطُّفيل -وَهُوَ ابْنُ أَخِي عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ لِأُمِّهَا- أَنَّ عَائِشَةَ حُدِّثَتْ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ: وَاللهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: أَهُوَ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَتْ: هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لَا أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا. فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَهَا حِينَ طَالَتِ الهِجْرَةُ، فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ لَا أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا، وَلَا أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي. فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ -وَهُمَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ- وَقَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ لَما أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ،/ فَإِنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذِرَ قَطِيعَتِي، فَأَقْبَلَ بِهِ المِسْوَرُ بن مَخْرَمَة وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ أَنَدْخُلُ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا. قَالُوا: كُلُّنَا؟ قَالَتْ: نَعَمِ، ادْخُلُوا كُلُّكُمْ. وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الحِجَابَ فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي، وَطَفِقَ المِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إِلَّا مَا كَلَّمَتْ، وَقَبِلَتْ مِنْهُ، وَيَقُولَانِ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الهِجْرَةِ، وأَن لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ، طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا وَتَبْكِي وَتَقُولُ: إِنِّي نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ، فَلَمْ يَزَالَا بِهَا حَتَّى كَلَّمَتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا. [خ:٦٠٧٣]
1. جواز الهجر إذا كان لله تعالى، ويحرم فوق ثلاث ليال إذا كان لأمر دنيوي وحظ نفسي.
2. جواز الحيل إذا لم تصل إلى شيء محرم؛ لأن عائشة رضي الله عنها تحيل عليها الرجلان في الدخول عليها ومعهما عبد الله بن الزبير، للإصلاح بينهم.

٢١- بابٌ: في التَّزاور وَتكراره


٢٧١٣. عَنْ عائشةَ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيًّا، فَبَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا رَسُولُ اللهِ ﷺ. فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قَالَ: «إِنِّي أُذِنَ لِي في الخُرُوجِ». [خ:٦٠٧٩]
٢٧١٤. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ البَيْتِ فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ. [خ:٦٠٨٠]

٢٢- بابُ الإِخَاءِ في اللهِ تَعَالى، والحِلْفِ الشَّرْعيِّ


• [خت] وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. (خ:١٩٦٨)
• [خت] وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ آخَى النَّبِيُّ ﷺ/ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ. (خ:٢٠٤٨)
٢٧١٥. [ق] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَآخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». [خ:٦٠٨٢]
٢٧١٦. [ق] وعن عَاصمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا حِلْفَ فِي الإِسْلَامِ؟». فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ. [خ:٦٠٨٣]

٢٣- بابُ الحضِّ عَلى الصِّدْقِ والهَدْيِ الصَّالحِ، والنَّهيِ عَنِ الكَذبِ،


وقولِ اللهِ ﷿: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ﴾ [التوبة:١١٩]
٢٧١٧. [ق] عَنْ عَبدِ اللهِ -هو ابن مسعودٍ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا». [خ:٦٠٩٤]
1. قال النووي: «في الحديث: فضيلة الصدق وملازمته وإن كان فيه مشقة، فإنّ عاقبته خير (وإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة)».

٢٧١٨. [ق] وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي قَالَا: الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ، يَكْذِبُ بِالكَذْبَةِ فتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ». [خ:٦٠٩٦]
٢٧١٩. وعَنْ حُذَيفةَ قال: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلًّا وَسَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ لَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ، مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، لَا يُدْرَى مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ إِذَا خَلَا. [خ:٦٠٩٧]
٢٧٢٠. وعن عَبْد اللهِ قال: إِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَإنَّ أَحْسَنَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ. [خ:٦٠٩٨]

٢٤- بابُ الصَّبْرِ عَلى الأذَى، وتركِ المُواجهةِ بالعِتَابِ


٢٧٢١. [ق] عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ -أَوْ قالَ: لَيْسَ شَيْءٌ- أَصْبَرَ عَلَى أَذًى مِنَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ». [خ:٦٠٩٩]
٢٧٢٢. [ق] وعَنْ عبدِ اللهِ قال: قَسَمَ النَّبِيُّ ﷺ قِسْمًا كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. قُلْتُ: أَمَا لَأَقُولَنَّ/ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَغَضِبَ، حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: «لقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ». [خ:٦١٠٠]
٢٧٢٣. [ق] وَعن عَائِشَةَ قَالَتْ: صَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ شَيْئًا فَتَرَخَّصَ فِيهِ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ، فَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَة». [خ:٦١٠١]
1. قال ابن حجر: «في الحديث الحث على الاقتداء بالنبي ﷺ، وذم التعمق والتنزه عن المباح، وحسن العشرة عند الموعظة، والإنكار والتلطف في ذلك».
2. قال النووي: «وفيه الغضب عند انتهاك حرمات الشرع، وإن كان المنتهك متأولا تأويلا باطلا».
3. قال النووي: «وفيه حسن المعاشرة بإرسال التعزير والإنكار في الجمع، ولا يعين فاعله، فيقال: ما بال أقوام ؟ ونحوه».
4. قوله: (فَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَة) قال النووي: «معناه أنهم يتوهمون أن سننهم عما فعلت أقرب لهم عند الله، وليس كما توهموا، بل أنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية، وإنما يكون القرب إليه سبحانه وتعالى، والخشية له على حسب ما أمر، لا بمخيلات النفوس، وتكلف أعمال لم يأمر بها».
5. وفيه أن الرجل يجوز له الإخبار بفضيلته إذا دعت إلى ذلك حاجة.
6. وفيه أن القرب إلى الله تعالى سبب لزيادة العلم به، وشدة خشيته.
7. وفيه دليل على رفق النبي ﷺ بأمته، وأن الدين يسر وأن الشريعة حنيفية سمحة.

٢٥- بابُ إِثْمِ مَن كَفَّرَ أخاه المُسلمَ بغيرِ تَأويلٍ، ومَن لم يَرَ إكْفارَ مَن قَال ذَلك متأوِّلًا


٢٧٢٤. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا». [خ:٦١٠٣]
• [ق] ومثله عَنِ ابنِ عمر. [خ:٦١٠٤]
• [خت] ومِن حَديث حَاطِبِ بنِ أَبي بَلْتَعَةَ حِين قال له عمرُ: إنَّه نافقَ، فقالَ النَّبيُّ ﷺ: «وَمَا يُدْرِيْكَ؟ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». (خ:٣٠٠٧)

٢٦- بابُ ما يجُوزُ مِن الغَضبِ في أَمْرِ اللهِ، وما يحذَرُ مِن الغَضبِ لغيرِ ذلك


• قد تقدَّم مِن حَديث عائشةَ أنَّ النَّبيَّ ﷺ لمَّا رأى القِرَام الَّذي فيه الصُّور غَضِبَ حتَّى تَلَوَّن وَجْهه، ثمَّ تناول السِّتر فَهَتَكَه [ر:٢٦٥٧].
• ومِن حديثَ أبي مَسعودٍ: حين طوَّل معاذٌ الصَّلاة عَلى قومه، أنَّ النَّبيَّ ﷺ غَضِب عليه حتَّى قَال أبو مسعودٍ: مَا رأيتُ رسولَ اللهِ ﷺ قطُّ أشدَّ غضبًا في مَوعظةٍ منه يومئذٍ[ر:٣٦٤].
• ومِن حَديثِ عبدِ الله أنَّ النَّبيَّ ﷺ رَأى في قِبلة المسْجِدِ نُخَامَةً فحكَّها بيدِه فتغيَّظَ [ر:٢١٨].
ونحو هَذا كثيرٌ في وقائِعَ تَكرَّرت.
٢٧٢٥. [ق] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ،/ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ». [خ:٦١١٤]
1. قال ابن بطال: «في الحديث أن مجاهدة النفس أشدُّ من مجاهدة العدو؛ لأنه ﷺ جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة».

٢٧٢٦. وعنْه أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَوْصِنِي. قَالَ: «لَا تَغْضَبْ». فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ». [خ:٦١١٦]
1. قال الخطابي: «معنى قوله: (لَا تَغْضَبْ)، اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه، وأما نفس الغضب فلا يتأتَّى النهي عنه لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجِبِلَّة».
2. قال ابن التين: «جمع ﷺ في قوله: (لَا تَغْضَبْ) خير الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يُؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من الدِّين».
3. قال الإمام الجليل أبو محمد عبد الله بن أبي زيد إمام المالكية بالمغرب في زمنه: «جماع آداب الخير يتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي ﷺ: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"، وقوله ﷺ: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، وقوله ﷺ للذي اختصر له الوصية: "لا تغضب"، وقوله ﷺ: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"».

٢٧- بابٌ: في الحَيَاءِ، وَذَمِّ مَن لَا يَستحي


٢٧٢٧. [ق] عَنْ عِمران بن حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ ﷺ: «الحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ». فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ فِي الحِكْمَةِ: إِنَّ مِنَ الحَيَاءِ وَقَارًا، وَإِنَّ مِنَ الحَيَاءِ سَكِينَةً، فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ بنُ حُصَين: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ؟!. [خ:٦١١٧]
• وقد تقدَّم مِن حَديث أبي سَعيد الخُدْريِّ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان أشدَّ حياءً مِن العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا[ر:١٦١١].
٢٧٢٨. [ق] وعَنْ عَبدِ اللهِ بنِ عُمرَ: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُعَاتِبُ فِي الحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّكَ تَسْتَحْيِي، حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «دَعْهُ؛ فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ». [خ:٦١١٨]
٢٧٢٩. وعَنْ أَبي مَسعودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ». [خ:٦١٢٠]
• وقد تقدَّم قول أمِّ سُلَيْم: إنَّ الله لا يَستحيي مِن الحقِّ، فهلْ على المرأة مِن غُسْلٍ إذا احْتلَمَت؟[ر:٦٦].
1. قال النووي: «في الحديث فضيلة الحياء، وهو من شعب الإيمان، وهو خير كله، ولا يأتي إلا بخير، وهو محثوث عليه ما لم ينته إلى الضعف».
2. إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة؛ لأنه قد يكون تخلقا واكتسابا كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم فهو من الإيمان بهذا، ولكونه باعثا على أفعال البر، ومانعا من المعاصي، وأما كون الحياء خيرا كله، ولا يأتي إلا بخير فقد يشكل على بعض الناس من حيث إن صاحب الحياء قد يستحيي أن يواجه بالحق من يجله، فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة، وجواب هذا ما أجاب به جماعة من الأئمة منهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله - أن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة بل هو عجز وخور ومهانة، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف، أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء الحقيقي وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
3. قوله: (فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) قال الخطابي: «الحكمة في التعبير بلفظ الأمر دون الخبر في الحديث أن الذي يكف الإنسان عن مواقعة الشر هو الحياء، فإذا تركه صار كالمأمور طبعاً بارتكاب كلِّ شر».
4. في الحديث: سؤال المرأة الرجل الأجنبي بنفسها في أمر دينها، وإن كان مما يُستحيى منه.
5. في الحديث: ترك الاستحياء لمن عرضت له مسألة دينية.

٢٧٣٠. وعن أَنسٍ قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: هَلْ لَكَ فِيَّ حَاجَةٌ؟ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا. فَقَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، عَرَضَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ نَفْسَهَا. [خ:٦١٢٣]

١ ماذا قال النبي ﷺ للرجل الذي أراد الجهاد، فقال له النبي: ألَك أبوان؟ فقال نعم.

٥/٠